الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

تعالى : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) بولاية القائم عليه‌السلام ، (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) بولاية عليّ عليه‌السلام (١).

٢٧٥ ـ روى العلّامة الطبرسيّ رحمه‌الله عن احتجاجه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في حديث طويل قال فيه : كلّ ذلك لتتمّ النظرة الّتي أوحاها الله تعالى لعدوّه إبليس ، إلى أن يبلغ الكتاب أجله ، ويحقّ القول على الكافرين ، ويقترب الوعد الحق ، الّذي بيّنه في كتابه بقوله : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وذلك إذا لم يبق من الإسلام إلّا اسمه ، ومن القرآن ألّا رسمه ، وغاب صاحب الأمر بايضاح الغدر له في ذلك ، لاشتمال الفتنة على القلوب ، حتّى يكون أقرب الناس إليه أشدّهم عداوة له ، وعند ذلك يؤيّده الله بجنود لم تروها ، ويظهر دين نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله على يديه (عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(٢).

٢٧٦ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن عبد الرحمن بن سليط قال : قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : منّا اثنا عشر مهديّا ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحقّ ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحقّ على الدّين كلّه ولو كره المشركون.

له غيبة يرتدّ فيها أقوام ويثبت فيها على الدّين آخرون ، فيؤذون ويقال لهم : متى هذا الوعد ان كنتم صادقين ، أما إنّ الصابرين في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣).

٢٧٧ ـ عن المفضّل بن عمر ، قال : سألت سيّدي أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام ـ في ضمن حديث طويل ـ إلى إن قال : قلت : قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ظهر على الدّين؟ قال : يا مفضل لو كان ظهر على الدّين كلّه ما كان مجوسيّة ولا نصرانيّة ولا يهوديّة ولا صابئة ولا فرقة ولا خلاف ولا شكّ ولا شرك ولا عبدة أصنام ولا أوثان ولا اللّات ولا العزّى ولا عبدة الشمس ولا القمر ولا النجوم ولا النار ولا الحجارة ، وإنّما قوله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) في هذا اليوم وهذا المهديّ وهذه الرجعة ، وهو قوله :

__________________

(١) الكافي ١ / ٤٣٢ ح ٩١ ؛ ينابيع المودّة ٤٢٣ ب ٧١.

(٢) كمال الدّين ١ / ٣١٧ ح ٣.

(٣) كمال الدّين ١ / ٣١٧ ح ٣.

١٦١

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(١)(٢).

٢٧٨ ـ روى الحافظ السيوطيّ قال : وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ ، عن أبي هريرة في قوله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) قال : حين خروج عيسى ابن مريم (٣).

٢٧٩ ـ روى البيهقيّ بإسناده عن مجاهد ، في قوله : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) قال : إذا نزل عيسى ابن مريم ، لم يكن في الأرض إلّا الإسلام ، ليظهره على الدّين كلّه (٤).

٢٨٠ ـ قال عليّ بن إبراهيم رحمه‌الله في قوله : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) : فإنّها نزلت في القائم من آل محمّد ، وهو الّذي ذكرناه ممّا تأويله بعد تنزيله (٥).

٢٨١ ـ عن سعيد بن جبير مرسلا ، في تفسير قوله عزوجل : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) أنّه قال : هو المهديّ من عترة فاطمة عليها‌السلام ، وقال الشافعي : وأمّا من قال أنّه عيسى عليه‌السلام ، فلا تنافي بين القولين ، إذ هو مساعد للإمام كما تقدّم (٦).

٢٨٢ ـ روي عن أبي هريرة أنّه قال : هذا وعد من الله بأنّه تعالى يجعل الإسلام عاليا على جميع الأديان. ثمّ قال الراوي : وتمام هذا إنّما يحصل عند خروج عيسى.

وقال السدّي : ذلك عند خروج المهديّ ، لا يبقى أحد إلّا دخل في الإسلام ، أو أدّى الخراج (٧).

الآية السادسة قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٨).

استخراج كنوز الأرض في زمان المهديّ عليه‌السلام

٢٨٣ ـ محمّد بن يعقوب بإسناده عن معاذ بن كثير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

__________________

(١) الأنفال : ٣٩.

(٢) الهداية الكبرى ٧٤ ـ ٨٢ ؛ بحار الأنوار ٥٣ / ١.

(٣) الدرّ المنثور ٣ / ٢٤١.

(٤) السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ١٨.

(٥) تفسير القمّيّ ١ / ٢٨٩ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٥٠.

(٦) البيان للشافعي ٥٢٨ ب ٢٥.

(٧) التفسير الكبير للفخر الرازي ١٦ / ٤٠.

(٨) التوبة : ٣٤.

١٦٢

موسّع على شيعتنا أن ينفقوا ممّا في أيديهم بالمعروف ، فإذا قام قائمنا عليه‌السلام حرّم على كلّ ذي كنز كنزه حتّى يأتيه به فيستعين به على عدوّه ، وهو قول الله عزوجل في كتابه : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(١).

٢٨٤ ـ العيّاشيّ في تفسيره ، بإسناده عن معاذ بن كثير صاحب الأكيسة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : موسّع على شيعتنا ـ وذكر الحديث إلى آخره (٢).

٢٨٥ ـ عنه ، بإسناده عن الحسين بن علوان ، عن من ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ المؤمن إذا كان عنده من ذلك شيء ينفقه على عياله ما شاء ، ثمّ إذا قام القائم عليه‌السلام فيحمل إليه ما عنده ممّا بقي من ذلك يستعين به على أمره ، فقد أدّى ما يجب عليه (٣).

الآية السابعة قوله تعالى : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(٤).

٢٨٦ ـ النعمانيّ بإسناده عن الحسن بن أبي الحسن البصري يرفعه ، قال : أتى جبرئيل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا محمّد إنّ الله عزوجل يأمرك أن تزوّج فاطمة من عليّ أخيك ، فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى عليّ عليه‌السلام فقال له : «يا عليّ إنّي مزوّجك فاطمة ابنتي سيّدة نساء العالمين ، وأحبّهن إليّ بعدك ، وكائن منكما سيّدا شباب أهل الجنة ، والشهداء المضرّجون المقهورون في الأرض من بعدي ، والنجباء الزهر الّذين يطفي الله بهم الظلم ، ويحيي بهم الحقّ ، ويميت بهم الباطل ، عدّتهم عدّة أشهر السنة ، آخرهم يصلّي عيسى ابن مريم عليه‌السلام خلفه» (٥).

٢٨٧ ـ كتاب مقتضب الأثر في النصّ على الاثني عشر ، بإسناده عن وهب بن منبّه قال : إنّ موسى عليه‌السلام نظر ليلة الخطاب إلى كلّ شجرة في الطور ، وكلّ حجر ونبات تنطق بذكر محمّد واثنى عشر وصيّا له من بعده.

__________________

(١) الكافي ٤ / ٦١ ح ٤ ؛ المحجّة ٢٣.

(٢) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٨٧ ح ٥٤.

(٣) نفس المصدر.

(٤) التوبة : ٣٦.

(٥) الغيبة للنعمانيّ ٥٧ ح ١ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٢٧٢.

١٦٣

فقال موسى : إلهي لا أرى شيئا خلقته إلّا وهو ناطق بذكر محمّد وأوصيائه الاثني عشر ، فما منزلة هؤلاء عندك؟

قال : يا ابن عمران! إنّي خلقتهم قبل خلق الأنوار ، وجعلتهم في خزانة قدسي يرتعون في رياض مشيتي ، ويتنسّمون من روح جبروتي ، ويشاهدون أقطار ملكوتي ، حتّى إذا شئت مشيتي أنفذت قضائي وقدري.

يا ابن عمران ، إنّي سبقت بهم استباقي ، حتّى أزخرف بهم جناني.

يا ابن عمران : تمسّك بذكرهم فإنّهم خزنة علمي وعيبة حكمتي ، ومعدن نوري.

قال حسين بن علوان : فذكرت ذلك لجعفر بن محمّد عليه‌السلام فقال : حقّ ذلك ، هم اثنا عشر من آل محمّد عليهم‌السلام عليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ومحمّد بن عليّ ومن شاء الله.

قلت : جعلت فداك إنّما أسالك لتفتيني بالحقّ.

قال : أنا وابني هذا ، وأومأ إلى ابنه موسى ، والخامس من ولده يغيب شخصه ولا يحلّ ذكره (١).

٢٨٨ ـ محمّد بن إبراهيم النعمانيّ في الغيبة ، بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ قال : كنت عند أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام ذات يوم ، فلمّا تفرّق من كان عنده قال لي : يا أبا حمزة ، من المحتوم الّذي لا تبديل له عند الله قيام قائمنا عليه‌السلام ، فمن شكّ فيما أقول لقي الله وهو به كافر وهو له جاحد ، ثمّ قال : بأبي أنت وأمّي المسمّى باسمي ، والمكنّى بكنيتي ، السابع من بعدي ، بأبي من يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، ثمّ قال : يا أبا حمزة. من أدركه فلم يسلّم له ما سلّم لمحمّد وعليّ صلوات الله عليهما ، فقد حرّم الله عليه الجنة ، ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين ، وأوضح من هذا بحمد الله وأنور وأبين وأزهر (أظهر) لمن هداه الله وأحسن إليه ، قوله عزوجل في محكم كتابه : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).

__________________

(١) بحار الأنوار ٥١ / ١٤٩ ، عن مقتضب الأثر.

١٦٤

ومعرفة الشهور : المحرّم وصفر وربيع وما بعده ، والحرم منها رجب وذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ، وذلك لا يكون دينا قيما لأنّ اليهود والنصارى والمجوس وساير الملل والناس جميعا من الموافقين والمخالفين يعرفون هذه الشهور ويعدّونها بأسمائها ، وإنّما هم الأئمّة والقوّامون بدين الله عزوجل ، والمحرّم منها أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، الّذي اشتقّ الله تعالى له اسما من اسمه العليّ ، كما اشتقّ لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اسما من اسمه المحمود ، وثلاثة من ولده أسماؤهم عليّ بن الحسن وعليّ بن موسى وعليّ بن محمّد ، فصار لهذا الاسم المشتقّ من اسم الله جلّ وعزّ حرمة به (يعني أمير المؤمنين عليه‌السلام) وصلوات الله على محمّد وآله المكرّمين المحترمين (١).

٢٨٩ ـ عنه ، بإسناده عن داود بن كثير الرّقي ، قال : دخلت على أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليهما‌السلام بالمدينة ، فقال لي : ما الّذي أبطأ بك عنّا يا داود؟

فقلت : حاجة عرضت بالكوفة ، فقال : من خلّفت بها؟ فقلت : جعلت فداك خلّفت بها عمّك زيدا ، تركته راكبا على فرس متقلّدا سيفا ينادي بأعلى صوته : سلوني قبل أن تفقدوني ، فبين جوانحي علم جمّ ، قد عرفت الناسخ من المنسوخ ، والمثاني والقرآن العظيم ، وإنّي العلم بين الله وبينكم! فقال عليه‌السلام لي : يا داود لقد ذهبت بك المذاهب ، ثمّ نادى : يا سماعة بن مهران ، ايتني بسلّة الرطب ، فتناول منها رطبة فأكلها واستخرج النواة من فيه ، فغرسها في الأرض ، ففلقت وأنبتت وأطلعت وأعذقت ، فضرب بيده إلى بسرة من عذق فشقّها واستخرج منها رقّا أبيض ، ففضّه ودفعه إليّ وقال : اقرأه.

فقرأته ، فإذا فيه سطران :

الاول : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والثاني : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) أمير المؤمنين عليّ بن طالب ، الحسن بن عليّ ، والحسين بن عليّ ، محمّد بن عليّ ، جعفر بن محمّد ، موسى بن جعفر ، عليّ بن موسى ، محمّد بن عليّ ، عليّ بن محمّد ، الحسن بن عليّ ، الخلف الحجّة.

__________________

(١) الغيبة للنعمانيّ ٤١ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ١٣٩.

١٦٥

ثمّ قال : يا داود ، أتدري متى كتب هذا في هذا؟

قلت : الله أعلم ورسوله وأنتم.

قال : قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام (١).

٢٩٠ ـ وعنه بإسناده عن زياد القندي قال : سمعت أبا إبراهيم موسى بن جعفر عليه‌السلام يقول : إنّ الله عزوجل خلق بيتا من نور وجعل قوائمه أربعة أركان ، [عليها] أربعة أسماء :

سبحان الله والحمد لله ، ثمّ خلق من الأربعة أربعة ، ومن الأربعة : تبارك وسبحان والحمد لله ، ثمّ خلق أربعة من أربعة ، ومن أربعة أربعة ، ثمّ قال عزوجل : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً)(٢).

٢٩١ ـ روى الشيخ الطوسيّ في الغيبة : بحذف الإسناد عن جابر الجعفيّ ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن تأويل قول الله عزوجل : (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).

فقال : فتنفّس سيّدي الصعداء ثمّ قال : يا جابر : أمّا السنة فهو جدّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهورها اثنا عشر شهرا ، فهو أمير المؤمنين عليه‌السلام ، إليّ وإلى ابني جعفر وابنه موسى وابنه عليّ وابنه محمّد وابنه عليّ وإلى ابنه الحسن وإلى ابنه محمّد الهادي المهديّ عليه‌السلام ، اثنا عشر إماما حجج الله على خلقه ، وأمناؤه على وحيه وعلمه ، والأربعة الحرم الّذين هم الدّين القيّم ، أربعة منهم يخرجون باسم واحد ، عليّ أمير المؤمنين ، وأبي عليّ بن الحسين ، وعليّ بن موسى ، وعليّ بن محمّد عليهم‌السلام ، فالإقرار بهؤلاء هو الدّين القيّم (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) أي قولوا بهنّ جميعا تهتدوا (٣).

٢٩٢ ـ الشيخ شرف الدّين النجفيّ في تأويل الآيات الباهرة في العترة الطاهرة : عن المقلّد بن غالب الحسنيّ قدس‌سره عن رجاله ، بإسناد متّصل إلى عبد الله بن سنان الأسديّ ، عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام قال :

قال أبي ـ يعني محمّدا الباقر عليه‌السلام ـ لجابر بن عبد الله : لي اليك حاجة أخلو فيها ، فلمّا

__________________

(١) الغيبة للنعمانيّ ٤٢ ؛ تأويل الآيات ١ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ح ١٢.

(٢) الغيبة للنعمانيّ ٩٦.

(٣) الغيبة للنعمانيّ ٩٦ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ٢٤٠.

١٦٦

خلا به قال : يا جابر أخبرني عن اللوح الّذي رأيته عند أمّي فاطمة الزهراء عليها‌السلام.

فقال جابر : أشهد بالله لقد دخلت على سيّدتي فاطمة الزهراء لأهنيها بولدها الحسين عليه‌السلام ، فإذا بيدها لوح أخضر من زمرّدة خضراء فيه كتابة أنور من الشمس وأطيب رائحة من المسك الاذفر ، فقلت : ما هذا اللوح يا بنت رسول الله؟

فقال : هذا لوح أنزله الله تعالى على أبي وقال لي احفظيه ، ففعلت ، فإذا فيه اسم أبي وبعلي واسم ابني والأوصياء من بعد ولدي الحسين ، فسألتها أن تدفعه إليّ لأنسخه ، ففعلت.

فقال له أبي عليه‌السلام : ما فعلت بنسخك.

فقال : هي عندي ، فقال : فهل لك أن تعارضني عليها؟

قال : فمضى جابر إلى منزله فأتاه بقطعة جلد أحمر ، فقال له : انظر في صحيفتك حتّى أقرأها عليك ، فكان في صحيفته :

هذا كتاب من الله العزيز الحكيم (العليم) أنزله الروح الامين على محمّد خاتم النبيين يا محمّد (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ، مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).

يا محمّد عظّم أسمائي واشكر نعمائي ، ولا تجحد آلائي ، ولا ترج سواي ، ولا تخش غيري ، فإنّه من يرجو سوائي ويخشى غيري أعذّبه عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين ، يا محمّد إنّي اصطفيتك على الأنبياء ، واصطفيت وصيّك (عليّا) على الأوصياء ، وجعلت الحسن عيبة علمي بعد انقضاء مدّة أبيه ، والحسين خير أولاد الأوّلين والآخرين فيه تثبت الإمامة ، ومنه العقب ، وعليّ بن الحسين زين العابدين ، والباقر العلم الداعي إلى سبيلي على منهاج الحقّ ، وجعفر الصادق في القول والعمل ، تلبس من بعده فتنة صمّاء ، فالويل كلّ الويل لمن كذّب عترة نبيّي وخيرة خلقي ، وموسى الكاظم الغيظ ، وعليّ الرضا يقتله عفريت كافر يدفن بالمدينة الّتي بناها العبد الصالح إلى جنب شرّ خلق الله ، ومحمّد الهادي شبيه جدّه الميمون ، وعليّ الهادي (الداعي) إلى سبيلي والذابّ عن حرمي ، والقائم في رعيتي ، والحسن الأغرّ يخرج منه ذو الاسمين خلف محمّد ، يخرج

١٦٧

في آخر الزمان وعلى رأسه غمامة بيضاء تظلّه عن الشمس ، وينادي مناد بلسان فصيح يسمعه الثقلان ومن بين الخافقين : «هذا المهديّ من آل محمّد» فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا (١).

قوله تعالى : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)(٢).

٢٩٣ ـ العيّاشيّ بإسناده عن زرارة ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : (قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) ؛ (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ)(٣).

فقال : لا لم يجيء تأويل هذه الآية ، ولو قد قام قائمنا بعد ، سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغنّ دين محمّد ما بلغ الليل ، حتّى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله (٤).

الآية الثامنة قوله تعالى : (كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا)(٥).

٢٩٤ ـ روى العلّامة البيّاضي قدس‌سره قال : أخرج أبو نعيم في كتاب الفتن قول أبي جعفر عليه‌السلام : ويظهر المهديّ بمكّة عند العشاء ومعه راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقميصه ، وسيفه ، وعلامات ، ونور ، وبيان ، وينادى من السماء : إنّ الحقّ في آل محمّد ، وآخر من الأرض : إنّ الحقّ في آل عيسى.

قال أبو عبد الله : إذا سمعتم ذلك فاعلموا أنّ كلمة الله هي العليا ، وكلمة الشيطان هي السفلى.

قال : فهذه كتبهم تشهد بأنّ قول من يقول : المهديّ هو المسيح قول الشيطان (٦).

الآية التاسعة قوله تعالى : (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ)(٧).

٢٩٥ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ رضى الله عنه بإسناده عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له : إنّ بعض أصحابنا يفترون ويقذفون من خالفهم ، فقال : الكفّ عنهم أجمل ، ثمّ

__________________

(١) تأويل الآيات الظاهرة ١ / ٢٠٤ ـ ٢٠٦ ح ١٣.

(٢) التوبة : ٣٦.

(٣) الأنفال : ٣٩.

(٤) تفسير العيّاشيّ ٢ / ٥٦ ح ٤٨ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٥٥.

(٥) التوبة : ٤٠.

(٦) الصراط المستقيم ٢ / ٢٢٥.

(٧) التوبة : ٥٢.

١٦٨

قال : والله يا أبا حمزة إنّ الناس كلّهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا ، قلت : كيف لي بالمخرج من هذا؟

فقال لي : يا أبا حمزة كتاب الله المنزل يدلّ عليه ، إنّ الله تبارك وتعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفيء ، ثمّ قال عزوجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)(١).

فنحن أصحاب الخمس والفيء ، وقد حرّمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا. والله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح ولا خمس يخمّس فيضرب على شيء منه إلّا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو مالا ، ولو قد ظهر الحقّ لقد بيع الرجل الكريمة عليه نفسه فيمن لا يزيد ، حتّى إنّ الرجل منهم ليفتدي بجميع ماله ويطلب النجاة لنفسه فلا يصل إلى شيء من ذلك ، ولقد أخرجونا وشيعتنا من حقّنا ذلك بلا عذر ولا حقّ ولا حجّة.

قلت : قوله عزوجل : (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ)؟

قال : أمّا موت في طاعة الله ، أو إدراك ظهور إمام ، ونحن نتربّص بهم مع ما نحن فيه من الشدّة أن يصيبهم الله بعذاب من عنده ، قال : هو المسخ ، أو بأيدينا وهو القتل ، قال الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) والتربّص : انتظار وقوع البلاء بأعدائهم (٢).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(٣).

المهديّ عليه‌السلام من الصادقين

٢٩٦ ـ روى سليم بن قيس الهلاليّ في حديث المناشدة ، قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فأنشدتكم الله أتعلمون أنّ الله أنزل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ، فقال سلمان : يا رسول الله أعامّة هي أم خاصّة؟ قال : المأمورون فالعامّة من المؤمنين أمروا بذلك وأمّا «الصادقين» فخاصّة لأخي عليّ والأوصياء من بعده إلى يوم القيامة ، قالوا : اللهم نعم (٤).

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) روضة الكافي ٢٨٥ و ٢٨٧ ؛ بحار الأنوار ٢٤ / ٣١١.

(٣) التوبة : ١١٩.

(٤) سليم بن قيس ١٨٩ ؛ تفسير البرهان ٢ / ١٧٠ ح ٧.

١٦٩

سورة يونس

الآية الاولى قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ* فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(١).

٢٩٧ ـ ابن بابويه عن يحيى بن أبي القاسم ، قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)(٢) ، فقال : المتّقون شيعة عليّ عليه‌السلام ، والغيب فهو الحجّة القائم الغائب ؛ وشاهد ذلك قول الله عزوجل : (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(٣).

٢٩٨ ـ الشّيخ الصدوق ، بإسناده عن أحمد بن محمّد بن أبي النصر ، قال : قال الرضا عليه‌السلام : ما أحسن الصبر وانتظار الفرج ، أما سمعت قول الله عزوجل : (وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) (٤) (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ) فعليكم الصبر ، فإنّه إنّما يجيء الفرج على اليأس ، فقد كان الّذين من قبلكم أصبر منكم (٥).

٢٩٩ ـ وعنه ، بإسناده عن محمّد بن الفضل ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : سألته

__________________

(١) يونس : ٢٠.

(٢) البقرة : ١ و ٢.

(٣) كمال الدّين ٢ / ٣٤٠ ؛ المحجّة ٩٧.

(٤) هود : ٩٣.

(٥) تفسير البرهان ٢ / ١٨١ ح ٢.

١٧٠

عن الفرج قال : إنّ الله عزوجل يقول : (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)(١).

٣٠٠ ـ وبالإسناد عن عبد العظيم الحسنيّ ، قال : دخلت على سيّدي محمّد بن عليّ عليهما‌السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم ، أهو المهديّ أو غيره؟ فابتدأني فقال : يا أبا القاسم ، إنّ القائم منّا هو المهديّ الّذي يجب أن ينتظر في غيبته ، ويطاع في ظهوره ، وهو الثالث من ولدي ، والّذي بعث محمّدا بالنبوّة وخصّنا بالإمامة ، إنّه لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد ، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، وإنّ الله تبارك وتعالى يصلح أمره في ليلة كما أصلح أمر كليمه موسى عليه‌السلام ، [ذهب] ليقتبس لأهله نارا فرجع وهو رسول نبيّ ، ثمّ قال عليه‌السلام : أفضل اعمال شيعتنا انتظار الفرج (٢).

٣٠١ ـ عن الصقر بن أبي دلف ، قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن عليّ الرضا عليه‌السلام يقول : الإمام بعدي ابني عليّ ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والامام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه ، ثمّ سكت ، فقال له : يا ابن رسول الله فمن الامام بعد الحسن؟ فبكى عليه‌السلام بكاء شديدا ثمّ قال : ان من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر ، فقلت له : يا ابن رسول الله ولم سمّي القائم؟ قال : لأنّه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته ، فقلت له : ولم سمّي المنتظر؟ قال : إنّ له غيبة يكثر أيّامها ويطول أمدها ، فينتظر خروجه المخلصون ، وينكره المرتابون ، ويستهزئ به الجاحدون ، ويكذّب فيها الوقّاتون ، ويهلك فيها المستعجلون ، وينجو فيها المسلّمون (٣).

٣٠٢ ـ وبالإسناد عن ابن أبي عمير ، عمّن سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول :

لكلّ أناس دولة يرقبونها

ودولتنا في آخر الدهر تظهر (٤)

٣٠٣ ـ روى الترمذيّ بإسناده عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سلوا الله من فضله ، فإنّ الله عزوجل يحبّ أن يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج (٥).

__________________

(١) تفسير البرهان ٢ / ١٨١ ح ٣.

(٢) بحار الأنوار ٥١ / ١٥٦.

(٣) نفس المصدر ٥١ / ١٥٨.

(٤) نفس المصدر ٥١ / ١٤٢.

(٥) سنن الترمذيّ ٥ / ٥٦٥ ح ٣٥٧١.

١٧١

٣٠٤ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن عليّ بن هاشم ، عن أبيه ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : ما ضرّ من مات منتظرا لأمرنا ألّا يموت في وسط فسطاط المهديّ وعسكره (١).

٣٠٥ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن عبد الله بن بكير ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : دخلنا عليه جماعة فقلنا : يا ابن رسول الله إنّا نريد العراق فأوصنا. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : ليقوّ شديدكم ضعيفكم ، وليعد غنيكم على فقيركم ، ولا تبثّوا سرّنا ، ولا تذيعوا أمرنا ، وإذا جاءكم عنّا حديث فوجدتم عليه شاهدا أو شاهدين من كتاب الله فخذوا به ، وإلّا فقفوا عنده ثمّ ردّوه إلينا حتّى يستبين لكم ، واعلموا أنّ المنتظر لهذا الأمر له مثل أجر الصائم القائم ، ومن أدرك قائمنا فخرج معه فقتل عدونا ، كان له مثل أجر عشرين شهيدا ، ومن قتل مع قائمنا ، كان له مثل أجر خمسة وعشرين شهيدا (٢).

٣٠٦ ـ روى الشيخ الطوسيّ بإسناده عن يحيى بن العلاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : كلّ مؤمن شهيد ، وإن مات على فراشه فهو شهيد ، وهو كمن مات في عسكر القائم ، قال أيحبس نفسه على الله ثمّ لا يدخله الجنة (٣)؟

٣٠٧ ـ روى الشيخ الصدوق بإسناده عن أبي حمزة الثماليّ ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ أقرب الناس إلى الله عزوجل وأعلمهم به وأرأفهم بالناس ، محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، فادخلوا أين دخلوا ، وفارقوا من فارقوا ـ أعني بذلك حسينا وولده عليهم‌السلام ـ فإنّ الحقّ فيهم ، وهم الاوصياء ، ومنهم الائمّة ، فأينما رأيتموهم فاتبعوهم ، فان أصبحتم يوما لا ترون منهم أحدا ، فاستعينوا بالله عزوجل ، وانظروا السنّة الّتي كنتم عليها واتبعوها ، وأحبّوا من كنتم تحبون ، وأبغضوا من كنتم تبغضون ، فما أسرع ما يأتيكم الفرج (٤).

٣٠٨ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ بإسناده عن أبي الجارود ، قال : قلت : لأبي جعفر عليه‌السلام يا ابن رسول الله هل تعرف مودّتي لكم وانقطاعي إليكم وموالاتي إيّاكم؟ قال : فقال : نعم ، قال : فقلت : فإنّي أسألك مسألة تجيبني فيها ، فإنّي مكفوف البصر قليل المشي ولا أستطيع

__________________

(١) الكافي ١ / ٣٧٢ ح ٦.

(٢) الكافي ٢ / ٢٢٢ ح ٤ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١٢٢.

(٣) أمالي الطوسيّ ٢ / ٢٨٨ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١٤٤.

(٤) كمال الدّين ٢ / ٣٢٨ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ١٣٦ ح ٨.

١٧٢

زيارتكم كلّ حين ، قال : هات حاجتك ، قلت : أخبرني بدينك الّذي تدين الله عزوجل به أنت وأهل بيتك لأدين الله عزوجل به. قال عليه‌السلام : إن كنت أقصرت الخطبة ، فقد أعظمت المسألة ، والله لأعطينّك ديني ودين آبائي الّذي ندين الله عزوجل به ، شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقرار بما جاء من عند الله ، والولاية لوليّنا ، والبراءة من عدونا ، والتسليم لأمرنا ، وانتظار قائمنا ، والاجتهاد والورع (١).

٣٠٩ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن الحكيم بن عتيبة ، قال : بينا أنا مع أبي جعفر عليه‌السلام والبيت غاصّ بأهله ، إذ أقبل شيخ يتوكّأ على عنزة له حتّى وقف على باب البيت ، فقال : السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته ، ثمّ سكت ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، ثمّ أقبل الشيخ بوجهه على أهل البيت وقال : السلام عليكم ، ثمّ سكت حتّى أجابه القوم جميعا وردّوا عليه‌السلام ، ثمّ أقبل بوجهه على أبي جعفر عليه‌السلام ، ثمّ قال : يا ابن رسول الله أدنيني منك جعلني الله فداك ، فو الله إنّي ما أحبّكم وأحبّ من يحبّكم لطمع في دنيا ، والله إنّي لأبغض عدوّكم وأبرأ منه ، وو الله ما أبغضه وأبرأ منه لوتر كان بيني وبينه ، والله إنّي لأحلّ حلالكم وأحرّم حرامكم وأنتظر أمركم ، فهل ترجو لي جعلني الله فداك؟ فقال أبو جعفر : إليّ إليّ ، حتّى أقعده إلى جنبه ، ثمّ قال :

أيّها الشيخ ، إنّ أبي عليّ بن الحسين عليه‌السلام أتاه رجل فسأله عن مثل الّذي سألتني عنه ، فقال له أبي عليه‌السلام : إن تمت ، ترد على رسول الله عليه‌السلام وعلى عليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين ، ويثلج قلبك ويبرد فؤادك وتقرّ عينك وتستقبل بالروح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسك هاهنا ـ وأهوى بيده إلى حلقه ـ وإن تعش ، تر ما يقرّ الله به عينك ، وتكون معنا في السنام الأعلى.

فقال الشيخ : كيف قلت يا أبا جعفر عليه‌السلام؟ فأعاد عليه الكلام.

فقال الشيخ : الله أكبر يا أبا جعفر ، إن أنا متّ أرد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى عليّ والحسن والحسين وعليّ بن الحسين عليهم‌السلام وتقرّ عيني ويثلج قلبي ويبرد فؤادي وأستقبل

__________________

(١) الكافي ٢ / ٢١ ح ١٠ ؛ بحار الأنوار ٦٩ / ١٣.

١٧٣

بالرّوح والريحان مع الكرام الكاتبين لو قد بلغت نفسي إلى هاهنا ، وإن أعش أر ما يقرّ الله به عيني فأكون معكم في السنام الاعلى؟!

ثمّ أقبل الشيخ ينتحب ، ينشج ها ها ها حتّى لصق بالأرض ، وأقبل أهل البيت ينتحبون وينشجون لما يرون من حال الشيخ.

وأقبل أبو جعفر عليه‌السلام يمسح بأصبعه الدموع من حماليق عينيه وينفضها ، ثمّ رفع الشيخ رأسه ، فقال لأبي جعفر عليه‌السلام : يا ابن رسول الله ناولني يدك جعلني الله فداك ، فناوله يده فقبّلها ووضعها على عينيه وخدّه ، ثمّ حسر عن بطنه وصدره ، فوضع يده على بطنه وصدره ، ثمّ قام فقال : السلام عليكم ، وأقبل أبو جعفر عليه‌السلام ينظر في قفاه وهو مدبر ، ثمّ أقبل بوجهه على القوم فقال : من أحبّ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى هذا. فقال الحكم بن عتيبة : لم أر مأتما قطّ يشبه ذلك المجلس (١).

٣١٠ ـ روى الكافي رحمه‌الله بإسناده عن عبد الحميد الواسطيّ ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أصلحك الله ولقد تركنا أسواقنا انتظارا لهذا الأمر حتّى أوشك الرجل منّا يسأل في يديه فقال : يا عبد الحميد أترى من حبس نفسه على الله لا يجعل الله له مخرجا؟ بلى والله ليجعلنّ الله له مخرجا ، رحم الله عبدا حبس نفسه علينا ، رحم الله عبدا أحيا امرنا ، قال :

فقلت : فإن متّ قبل أن أدرك القائم؟ فقال : القائل منكم إن أدركت القائم من آل محمد نصرته ، كالمقارع معه بسيفه ، والشهيد معه له شهادتان (٢).

٣١١ ـ وروى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن اسماعيل الجعفيّ ، قال : دخل رجل على أبي جعفر عليه‌السلام ومعه صحيفة ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : هذه صحيفة مخاصم يسأل عن الدّين الّذي يقبل فيه العمل. فقال : رحمك الله هذا الّذي أريد. فقال أبو جعفر عليه‌السلام : شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله عبده ورسوله ، وتقرّ بما جاء من عند الله ، والولاية لنا أهل البيت ، والبراءة من عدوّنا ، والورع والتواضع ، وانتظار قائمنا ، فإنّ لنا دولة إذا شاء الله جاء بها (٣).

__________________

(١) الكافي ٨ / ٧٦ ح ٣٠ ؛ بحار الأنوار ٤٦ / ٣٦١ ـ ٣٦٢.

(٢) الكافي ٨ / ٨٠ ح ٣٧ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١٢٦.

(٣) الكافي ٢ / ٢٣ ح ١٣ ؛ بحار الأنوار ٦٩ / ٢.

١٧٤

الآية الثانية قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(١).

٣١٢ ـ روى الشيخ الصدوق رحمه‌الله حديثا طويلا لابن مهزيار في من شاهد القائم عليه‌السلام جاء فيه : فما كان إلّا هنيئة ، فخرج إليّ وهو يقول : طوبى لك قد أعطيت سؤالك ، قال : فدخلت عليه صلوات الله عليه وهو جالس على نمط عليه نطع أديم أحمر متّكئ على مسورة أديم ، فسلّمت عليه وردّ عليّ السلام ، ولمحته فرأيت وجهه مثل فلقة قمر ، لا بالخرق ولا بالبزق ، ولا بالطويل الشامخ ، ولا بالقصير اللاصق ، ممدود القامة ، صلت الجبين ، أزجّ الحاجبين ، أدعج العينين ، أقنى الأنف ، سهل الخدّين ، على خدّه الأيمن خال.

فلمّا أن بصرت به ، حار عقلي في نعته وصفته ، فقال لي : يا ابن مهزيار كيف خلّفت إخوانك في العراق؟

قلت : في ضنك عيش وهناة ، قد تواترت عليهم سيوف بني الشيصبان ، فقال : قاتلهم الله أنّى يؤفكون ، كأنّي بالقوم قد قتلوا في ديارهم وأخذهم أمر ربّهم ليلا ونهارا.

فقلت : متى يكون ذلك يا ابن رسول الله؟

قال : إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة بأقوام لا خلاق لهم والله ورسوله منهم براء ، وظهرت الحمرة في السماء ثلاثا فيها اعمدة كأعمدة اللجين تتلألأ نورا ، ويخرج الشروسيّ من أرمينية وآذربيجان يريد وراء الريّ الجبل الاسود المتلاحم بالجبل الأحمر ، لزيق جبل طالقان ، فيكون بينه وبين المروزيّ وقعة صيلمانيّة ، يشيب فيها الصغير ، ويهرم منها الكبير ، ويظهر القتل بينهما ، فعندها توقّعوا خروجه إلى الزوراء ، فلا يلبث بها حتّى يوافي باهات ، ثمّ يوافي واسط العراق ، فيقيم بها سنة أو دونها ، ثمّ يخرج إلى كوفان ، فيكون بينهم وقعة من النجف إلى الحيرة إلى الغريّ ، وقعة شديدة تذهل منها العقول ، فعندها يكون بوار الفئتين ، وعلى الله حصاد الباقين.

__________________

(١) يونس : ٢٤.

١٧٥

ثمّ تلا قوله تعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) فقلت : سيدي يا ابن رسول الله ما الأمر؟

قال : نحن أمر الله وجنوده.

قلت : سيّدي يا ابن رسول الله حان الوقت؟

قال : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)(١)(٢).

٣١٣ ـ الفضل بن شاذان بإسناده عن محمّد بن الحنفيّة ، (في حديث اختصرنا منه موضع الحاجة) ، أنّه قال : إنّ لبني فلان ملكا مؤجّلا حتّى إذا أمنوا واطمأنّوا ، وظنّوا أنّ ملكهم لا يزول ، صيح فيهم صيحة ، فلم يبق لهم راع يجمعهم ، ولا داع يسمعهم ، وذلك قول الله عزوجل : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

قلت : جعلت فداك : هل لذلك وقت؟

قال : لا ، لأنّ علم الله غلب علم الموقّتين ، إنّ الله وعد موسى ثلاثين ليلة وأتمّها بعشر لم يعلمها موسى ، ولم يعلمها بنو اسرائيل ، فلمّا جاز الوقت قالوا : غرّنا موسى فعبدوا العجل ، ولكن إذا كثرت الحاجة والفاقة ، وأنكر في الناس بعضهم بعضا ، فعند ذلك توقّعوا أمر الله صباحا ومساء (٣).

٣١٤ ـ أبو جعفر محمّد بن جرير الطبريّ ، بإسناده عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :

نزلت في بني فلان ثلاث آيات : قوله عزوجل : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) يعني القائم بالسيف (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ).

وقوله عزوجل : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً

__________________

(١) القمر : ١.

(٢) بحار الأنوار ٥٢ / ٤٥ ؛ تفسير نور الثقلين ٢ / ٢٩٩ ح ٤١.

(٣) بحار الأنوار ٥٢ / ١٠٤.

١٧٦

فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(١) قال أبو عبد الله عليه‌السلام بالسيف.

وقوله تعالى : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ* لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ) يعني القائم عليه‌السلام ، يسأل بني فلان عن كنوز بني أمّية (٢).

الآية الثالثة قوله تعالى : (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(٣).

٣١٥ ـ محمّد بن يعقوب : بإسناده عن عبد الرحمن بن مسلمة الحريريّ ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام يوبّخونا ويكذبونا أنّا نقول : إنّ صيحتين تكونان ، يقولون من أين تعرف المحقّة من المبطلة إذا كانتا؟ قال : فما ذا تردّون عليهم؟ قلت : ما نردّ عليهم شيئا. قال : قولوا : يصدّق بها إذا كانت من كان يؤمن بها من قبل ، ان الله عزوجل يقول : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(٤).

٣١٦ ـ محمّد بن يعقوب : بإسناده عن داود بن فرقد ، قال : سمع رجل من العجليّة هذا الحديث : قوله «ينادي مناد ألا إنّ فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون أوّل النهار ، وينادي مناد آخر النهار ألا إنّ عثمان وشيعته هم الفائزون» ، فقال الرجل : فما يدرينا أيّما الصادق من الكاذب؟ فقال : يصدق عليها من كان يؤمن بها قبل أن ينادي ، إنّ الله عزوجل يقول : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(٥).

٣١٧ ـ الشّيخ الصدوق ، بإسناده عن ميمون البان ، قال : كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام (أبي جعفر عليه‌السلام) في فسطاطه ، فرفع جانب الفسطاط فقال : إنّ أمرنا ـ لو قد كان ـ لكان أبين من هذه الشمس المضيئة ، ثمّ قال : ينادي مناد من السماء : فلان بن فلان هو الإمام باسمه ، وينادي إبليس لعنه الله من الأرض كما نادى برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة العقبة (٦).

٣١٨ ـ عنه ، بإسناده عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : ينادي مناد من السماء باسم

__________________

(١) الأنعام : ٤٤ و ٤٥.

(٢) دلائل الإمامة ٢٥٠ ؛ المحجّة ٩٨.

(٣) يونس : ٣٥.

(٤) روضة الكافي ٢٠٨ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ٢٩٦.

(٥) روضة الكافي ٢٠٩ ؛ نور الثقلين ٢ / ٣٠٣ ح ٥٨.

(٦) كمال الدّين ٢ / ٦٥٠.

١٧٧

القائم عليه‌السلام ، قلت : خاصّ أو عامّ؟ قال : عامّ يسمع كلّ قوم بلسانهم ، قلت : فمن يخالف القائم عليه‌السلام وقد نودي باسمه؟ قال : لا يدعهم إبليس حتّى ينادي في آخر الليل ويشكّك الناس (١).

٣١٩ ـ وعنه ، بإسناده عن المعلّى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : صوت جبرئيل من السماء ، وصوت إبليس من الأرض ، فاتّبعوا الصوت الأوّل ، وإيّاكم والأخير أن تفتتنوا به (٢).

٣٢٠ ـ وروى القمّي في تفسيره عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) فأمّا من يهدي إلى الحقّ ، فهم محمّد وآل محمّد من بعده ، وأمّا من لا يهدي إلّا أن يهدى ، فهو من خالف من قريش وغيرهم أهل بيته من بعده (٣).

٣٢١ ـ روى الطبريّ في «دلائل الإمامة» بالإسناد عن أنس بن مالك ، قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم فرأى عليّا ، فوضع يده بين كتفيه ثمّ قال : يا عليّ ، لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد ، لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يملك رجل من عترتك يقال له المهديّ ، يهدي إلى الله عزوجل ويهتدي به العرب ، كما هديت أنت الكفار والمشركين من الضلالة ، ثمّ قال : ومكتوب على راحتيه ، بايعوه فإنّ البيعة لله عزوجل (٤).

٣٢٢ ـ وروي عن محمّد بن عليّ السلميّ ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ : قال : «إنّما سمّي المهديّ مهديّا لأنّه يهدي لأمر خفيّ ، يهدي ما في صدور الناس ، ويبعث إلى الرجل فيقتله لا يدري في أيّ شيء قتله ، ويبعث ثلاثة راكب ـ قال هي بلغة غطفان راكبان ـ أمّا راكب فيأخذ ما في أيدي أهل الذمّة من رقيق المسلمين فيعتقهم ، وأمّا راكب فيظهر البراءة منهما ، من يغوث ويعوق في أرض العرب ، وراكب يخرج التوراة من مغارة بأنطاكية ، ويعطى حكم سليمان» (٥).

__________________

(١) نفس المصدر ٢ / ٦٥٢.

(٢) نفس المصدر ٢ / ٦٥٢.

(٣) تفسير القمّيّ ١ / ٣١٢.

(٤) دلائل الإمامة ٢٥٠ ؛ إثبات الهداة ٣ / ٥٧٤ ح ٧١٦.

(٥) دلائل الإمامة ٢٤٩ ؛ الخرائج ٢ / ٨٣٦ ح ٧٨.

١٧٨

٣٢٣ ـ وروى النعمانيّ بإسناده عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال : دخل رجل على أبي جعفر الباقر عليه‌السلام فقال له : عافاك الله ، اقبض منّي هذه الخمسمائة درهم ، فإنّها زكاة مالي ، فقال له أبو جعفر عليه‌السلام : خذها أنت فضعها في جيرانك من أهل الإسلام والمساكين من إخوانك المؤمنين ، ثمّ قال : إذا قام قائم أهل البيت ، قسّم بالسوية وعدل في الرعيّة ، فمن أطاعه فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصى الله ، وإنّما سمّي المهديّ مهديا لأنّه يهدي إلى أمر خفيّ ، ويستخرج التوراة وسائر كتب الله عزوجل من غار بأنطاكية ، ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ، وبين أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل القرآن بالقرآن ، وتجمع إليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها ، فيقول للناس : تعالوا إلى ما قطعتم فيه الأرحام وسفكتم فيه الدماء الحرام ، وركبتم فيه ما حرّم الله عزوجل ، فيعطي شيئا لم يعطه أحد كان قبله ، ويملأ الأرض عدلا وقسطا ونورا كما ملئت ظلما وجورا وشرّا (١).

الآية الرابعة قوله تعالى : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)(٢).

٣٢٤ ـ بالإسناد عن زرارة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن هذه الأمور العظام من الرجعة وأشباهها؟ فقال : إنّ هذا الّذي تسألون عنه لم يجيء أوانه ، وقد قال الله عزوجل : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)(٣).

٣٢٥ ـ وقال عليّ بن إبراهيم في قوله : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ) أي لم يأتهم تأويله (كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قال : نزلت في الرجعة ، كذّبوا بها ، أي أنّها لا تكون ، ثمّ قال : (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ). وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ) فهم أعداء محمّد وآل محمّد من بعده (وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) والفساد المعصية لله ولرسوله (٤).

__________________

(١) الغيبة للنعمانيّ ٢٣٧ ح ٢٦ ؛ حلية الأبرار ٢ / ٥٥٦ ب ١٤.

(٢) يونس : ٣٩.

(٣) بحار الأنوار ٥٣ / ٤٠.

(٤) تفسير القمّيّ ١ / ٣١٢ ؛ تفسير العيّاشيّ ٢ / ١٢٢ ح ٢٠.

١٧٩

الآية الخامسة قوله تعالى : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ* وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ* وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلا نَفْعاً إِلَّا ما شاءَ اللهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ* قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ* أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ)(١).

٣٢٦ ـ قال عليّ بن إبراهيم في قوله : (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ) ـ إلى قوله ـ (ما كانُوا مُهْتَدِينَ) فإنّه محكم.

ثمّ قال : (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ) يا محمّد (بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) من الرجعة وقيام القائم (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) قبل ذلك (فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ).

وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله :

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً) يعني ليلا (أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ) فهذا عذاب ينزل في آخر الزمان على فسقة أهل القبلة يجحدون نزول العذاب عليهم (٢).

الآية السادسة قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)(٣).

المهديّ عليه‌السلام هو الوعد الحق

٣٢٧ ـ روى الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن عبد الرحمن بن سليط ، قال :

قال الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : منّا اثنا عشر مهديّا ، أوّلهم أمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب ، وآخرهم التاسع من ولدي ، وهو الإمام القائم بالحقّ ، يحيي الله به الأرض بعد موتها ، ويظهر به دين الحقّ على الدّين كلّه ولو كره المشركون.

له غيبة يرتدّ فيها أقوام ، ويثبت فيها على الدّين آخرون ، فيؤذون ويقال لهم : (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أما إنّ الصابر في غيبته على الاذى والتكذيب ، بمنزلة

__________________

(١) يونس : ٤٦ ـ ٥١.

(٢) تفسير القمّيّ ١ / ٣١٢ ؛ تفسير الصافي ٢ / ٤٠٥.

(٣) يونس : ٤٨.

١٨٠