الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

سعيد أبو معاش

الإمام المهدي عليه السلام في القرآن والسنّة

المؤلف:

سعيد أبو معاش


المحقق: عبدالرحيم مبارك
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مجمع البحوث الاسلامية
الطبعة: ٣
ISBN: 978-964-444-775-4
الصفحات: ٦٠٣

بالفرج ، خرج يريد تهامة فسبي (١).

الآية الثانية والعشرون قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً)(٢).

١٣٦ ـ عليّ بن إبراهيم القميّ رحمه‌الله بإسناده عن شهر بن حوشب قال : قال لي الحجّاج : يا شهر آية في كتاب الله قد أعيتني ، فقلت : أيّها الأمير أيّة آية هي؟ فقال : قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) والله إنّي لأمرّ باليهوديّ والنصرانيّ ، فيضرب عنقه ، ثمّ أرمقه بعيني فما أراه يحرّك شفتيه حتّى يخمد ، فقلت : أصلح الله الأمير ليس على ما تأوّلت ، قال : كيف هي؟ قلت : إنّ عيسى ينزل قيل يوم القيامة إلى الدنيا ، فلا يبقى أهل ملّة يهوديّ ولا غيره (نصرانيّ) إلّا آمن به قبل موته ، ويصلّي خلف المهديّ. قال : ويحك ... أنّى لك هذا ومن أين جئت به؟ فقلت : حدّثني به محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم‌السلام. فقال : جئت بها ـ والله ـ من عين صافية (٣).

١٣٧ ـ روى الطبريّ بإسناده عن ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال : إذا نزل عيسى ابن مريم فقتل الدجّال ، لم يبق يهوديّ في الأرض إلّا آمن به. قال : وذلك حين لا ينفعهم الإيمان (٤).

قال العلّامة البيّاضيّ رحمه‌الله في رجعة عيسى عليه‌السلام في زمان المهديّ عليه‌السلام : ثمّ نرجع ونقول : عيسى أيضا حيّ إلى الآن ، قال الضحّاك وجماعة أيضا من مفسّري المخالف في قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ)(٥) أي بعد إنزالك من السماء ، وقال الكلبيّ والحسن وابن جريح : رافعك من الدنيا إليّ من غير موت.

ويؤكّد ذلك ما رواه الفرّاء في كتابه «شرح السنّة» وأخرجه البخاريّ ومسلم في صحيحهما ، عن أبي هريرة ، قول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟

__________________

(١) كمال الدّين ١ / ١٦١.

(٢) النساء : ١٥٩.

(٣) تفسير القمّيّ ١ / ١٥٨ ؛ بحار الأنوار ١٤ / ٣٤٩.

(٤) تفسير الطبريّ ٦ / ١٤.

(٥) آل عمران : ٥٥.

١٠١

وفي تفسير : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) قال ابن المرتضى : قال قوم : الهاء في «موته» كناية عن عيسى ، أي قبل موت عيسى عند نزوله من السماء في آخر الزمان ، فلا يبقى أحد إلّا آمن به ، حتّى يكون به الملّة واحدة ملة الإسلام ، ويقع الأمنة في الناس ، حتّى ترتع الأسود مع الإبل ، والنمور مع البقر ، والذئاب مع الغنم ، وتلعب الصبيان مع الحيّات (١).

الآية الثالثة والعشرون قوله عزوجل : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً)(٢).

١٣٨ ـ روى الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن عبد الحميد بن ابي الديلم قال : قال الصادق جعفر بن محمّد عليه‌السلام : يا عبد الحميد إنّ الله رسلا مستعلنين ورسلا مستخفين ، فإذا سألته بحقّ المستعلنين فسله بحقّ المستخفين.

وتصديق ذلك من الكتاب قوله : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) فكانت رسل الله تعالى كذلك من وقت وفاة آدم عليه‌السلام إلى وقت ظهور إبراهيم عليه‌السلام أوصياء مستعلنين ومستخفين ، فلمّا كان وقت كون إبراهيم ، عليه‌السلام ، ستر الله شخصه وأخفى ولادته ، لأنّ الامكان في ظهور الحجّة كان متعذّرا في زمانه ، وكان إبراهيم عليه‌السلام في سلطان نمرود مستترا لأمره ، وكان غير مظهر نفسه ، ونمرود يقتل أولاد رعيّته وأهل مملكته في طلبه ، إلى أن دلّهم إبراهيم عليه‌السلام على نفسه ، وأظهر لهم أمره بعد أن بلغت الغيبة أمدها ، ووجب إظهار ما أظهره للذي أراده الله في إثبات حجّته واكمال دينه ، فلمّا كان وقت وفاة إبراهيم عليه‌السلام ، كان له أوصياء حججا لله عزوجل في أرضه يتوارثون الوصيّة ، كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت كون موسى عليه‌السلام ، فكان فرعون يقتل أولاد بني اسرائيل في طلب موسى عليه‌السلام الّذي قد شاع من ذكره وخبر كونه ، فستر الله ولادته ، ثمّ قذفت به أمّه في اليمّ كما أخبر الله عزوجل : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ)(٣) وكان موسى عليه‌السلام في حجر فرعون يربّيه وهو لا يعرفه ، وفرعون يقتل أولاد بني اسرائيل

__________________

(١) الصراط المستقيم ٢ / ٢٢٢.

(٢) النساء : ١٦٤.

(٣) القصص : ٧.

١٠٢

في طلبه ، ثمّ كان من أمره بعد أن أظهر دعوته ودلّهم على نفسه ما قد قصّه الله عزوجل في كتابه ، فلمّا كان وقت وفاة موسى عليه‌السلام كان له أوصياء حججا لله كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور عيسى عليه‌السلام.

فظهر عيسى عليه‌السلام في ولادته ، معلنا لدلالته ، مظهرا لشخصه ، شاهرا لبراهينه غير مخف لنفسه ، لأنّ زمانه كان زمان إمكان ظهور الحجّة كذلك.

ثمّ كان له من بعده أوصياء حججا لله عزوجل كذلك مستعلنين ومستخفين إلى وقت ظهور نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الله عزوجل له في الكتاب : (ما يُقالُ لَكَ إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ)(١) ثمّ قال عزوجل : (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا)(٢) ، فكان ممّا قيل له ولزم من سنته على ايجاب سنن من تقدّمه من الرسل ، اقامة الاوصياء له كإقامة من تقدّمه لاوصيائهم ، فأقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أوصياء كذلك ، وأخبر بكون المهديّ خاتم الائمة عليهم‌السلام ، وأنّه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا ، ونقلت الامة ذلك بأجمعها عنه.

وأنّ عيسى عليه‌السلام ينزل في وقت ظهوره فيصلّي خلفه ، فحفظت ولادات الأوصياء ومقاماتهم في مقام بعد مقام ، إلى وقت ولادة صاحب زماننا عليه‌السلام المنتظر للقسط والعدل ، كما أوجبت الحكمة باستقامة التدبير غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدّمة بالوجود.

وذلك أنّ المعروف المتسالم بين الخاصّ والعامّ من أهل هذه الملّة أنّ الحسن بن عليّ والد صاحب زماننا عليهم‌السلام قد كان وكّل به طاغية زمانه الى وقت وفاته ، فلمّا توفي عليه‌السلام وكّل بحاشيته وأهله ، وحبست جواريه وطلب مولوده هذا أشدّ الطلب ، وكان احد المتولّين عليه عمّه جعفر أخو الحسن بن عليّ بما ادّعاه لنفسه من الإمامة ، ورجا أن يتمّ له ذلك بوجود ابن اخيه صاحب الزمان عليه‌السلام ، فجرت السنّة في غيبته بما جرى من سنن غيبة من ذكرنا من الحجج المتقدمة ، ولزم من حكمة غيبته عليه‌السلام ما لزم من حكمة غيبتهم (٣).

__________________

(١) فصّلت : ٤٣.

(٢) الإسراء : ٧٧.

(٣) كمال الدّين ١ / ٢١.

١٠٣

سورة المائدة

الآية الاولى قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً)(١).

١٣٩ ـ روى العيّاشيّ عن عمرو بن شمر ، عن جابر قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام في هذه الآية : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) يوم يقوم القائم عليه‌السلام يئس بنو أميّة ، فهم الّذين كفروا يئسوا من آل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

الآية الثانية قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً)(٣).

١٤٠ ـ روى جابر بن يزيد الجعفيّ ، عن محمّد بن عليّ الباقر عليه‌السلام ، عن عليّ بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام ، قال : قال الحسن بن عليّ عليهم‌السلام : «الأئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، ومنّا مهديّ هذه الأمّة» (٤).

١٤١ ـ روي عن عبد الغفار بن قاسم قال : دخلت على مولاي الباقر عليه‌السلام وعنده اناس من أصحابه فجرى ذكر الإسلام ، فقلت : يا سيدي فأيّ الإسلام أفضل؟ قال : من سلم

__________________

(١) المائدة : ٣.

(٢) تفسير العيّاشيّ ١ / ٢٩٢ ح ١٩ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ٥٥.

(٣) المائدة : ١٢.

(٤) كفاية الأثر ٢٢٤ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٣٨٣.

١٠٤

المؤمنون من لسانه ويده ، قلت : فما أفضل الاخلاق؟ قال : الصبر والسماحة ، قلت : فأيّ المؤمنين أكمل ايمانا؟ قال : أحسنهم خلقا ، قلت : فأيّ الجهاد أفضل؟ قال : من عقر جواده وأهريق دمه ، قلت : فأيّ الصلاة أفضل؟ قال : طول القنوت ، قلت : فأيّ الصدقة أفضل؟ قال : أن تهجر ما حرّم الله عزوجل عليك ، قلت : يا سيّدي فما تقول في الدخول على السلطان؟ قال : لا أرى لك ذلك ، قلت : فإنّي ربّما سافرت إلى الشام فأدخل على إبراهيم بن الوليد ، قال : يا عبد الغفّار ، إنّ دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة اشياء ، محبة الدنيا ، ونسيان الموت ، وقلّة الرضا بما قسم الله ، قلت : يا ابن رسول الله فإنّي ذو عيلة وأتّجر إلى ذلك المكان لجرّ المنفعة ، فما ترى في ذلك؟ قال : يا عبد الله إنّي لست آمرك بترك الدنيا ، بل آمرك بترك الذنوب ، فترك الدنيا فضيلة ، وترك الذنوب فريضة ، وأنت إلى إقامة الفريضة أحوج إليك منك إلى اكتساب الفضيلة. قال : فقبّلت يده ورجله وقلت : بأبي أنت وأمّي يا ابن رسول الله فما نجد العلم الصحيح إلّا عندكم ، وإنّي قد كبرت سني ودقّ عظمي ولا أرى فيكم ما أسرّه ، أراكم مقتّلين مشرّدين خائفين ، وإنّي أقمت على قائمكم منذ حين أقول : يخرج اليوم أو غدا. قال : يا عبد الغفار ، إنّ قائمنا عليه‌السلام هو السابع من ولدي ، وليس هو أوان ظهوره ، ولقد حدّثني أبي عن أبيه عن آبائه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الائمّة بعدي اثنا عشر عدد نقباء بني اسرائيل ، تسعة من صلب الحسين ، والتاسع قائمهم ، يخرج في آخر الزمان فيملؤها عدلا كما ملئت جورا وظلما. قلت : فإن كان هذا كائن يا ابن رسول الله ، فإلى من بعدك؟ قال : إلى جعفر وهو سيّد أولادي وأبو الائمّة ، صادق في قوله وفعله ، ولقد سألت عظيما يا عبد الغفار ، وإنّك لأهل للاجابة ، ثمّ قال عليه‌السلام : ألا إنّ مفاتيح العلم السؤال وانشأ يقول :

شفاء العمى طول السؤال وإنّما

تمام العمى طول السكوت على الجهل (١)

١٤٢ ـ روى عن يحيى بن يعمر قال : كنت عند الحسين عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل من العرب متلثّما أسمر شديد السمرة ، فسلّم فردّ الحسين عليه‌السلام فقال : يا ابن رسول الله مسألة ، قال : هات ، قال : كم بين الإيمان واليقين؟ قال : أربع أصابع ، قال : كيف؟ قال : الإيمان ما

__________________

(١) كفاية الأثر ٢٥٠.

١٠٥

سمعناه ، واليقين ما رأيناه ، وبين السمع والبصر أربع أصابع ، قال : فكم بين السماء والأرض؟ قال : دعوة مستجابة ، قال : فكم بين المشرق والمغرب؟ قال : مسيرة يوم للشمس قال : فما عزّ المرء؟ قال : استغناؤه عن الناس ، قال : فما أقبح شيء؟ قال : الفسق في الشيخ قبيح ، والحدّة في السلطان قبيحة ، والكذب في ذي الحسب قبيح ، والبخل في ذي الغنى ، والحرص في العالم. قال : صدقت يا ابن رسول الله ، فأخبرني عن عدد الأئمّة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ قال : اثنا عشر عدد نقباء بني اسرائيل. قال : فسمّهم لي. قال : فأطرق الحسين عليه‌السلام مليّا ثمّ رفع رأسه فقال : نعم أخبرك يا أخا العرب ، إنّ الإمام والخليفة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، والحسن ، وأنا وتسعة من ولدي منهم عليّ ابني ، وبعده محمّد ابنه ، وبعده جعفر ابنه ، وبعده موسى ابنه ، وبعده عليّ ابنه ، وبعده محمّد ابنه ، وبعده عليّ ابنه وبعده الحسن ابنه ، وبعده الخلف المهديّ هو التاسع من ولدي ، يقوم الدّين في آخر الزمان. قال : فقام الاعرابي وهو يقول :

مسح النبيّ جبينه

فله بريق في الخدود

أبواه من أعلى قريش

وجدّه خير الجدود (١)

١٤٣ ـ روى ابن شاذان بالإسناد عن الأصبغ بن نباتة ، عن ابن عبّاس ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : معاشر الناس اعلموا أنّ الله تعالى جعل لكم بابا من دخله أمن من النار ومن الفزع الأكبر. فقام إليه أبو سعيد الخدريّ فقال : يا رسول الله اهدنا إلى هذا الباب حتّى نعرفه. قال : هو عليّ بن أبي طالب ، سيّد الوصيّين ، وأمير المؤمنين ، وأخو رسول ربّ العالمين ، وخليفة الله على الناس أجمعين.

معاشر الناس من أحبّ أن يتمسّك بالعروة الوثقى الّتي لا انفصام لها ، فليتمسّك بولاية عليّ بن أبي طالب ، فإنّ ولايته ولايتي ، وطاعته طاعتي.

معاشر الناس من أحبّ أن يعرف الحجّة بعدي ، فليعرف عليّ بن أبي طالب.

معاشر الناس من أراد أن يتولى الله ورسوله ، فليقتد بعليّ بن أبي طالب بعدي والأئمّة من ذرّيتي ، فإنّهم خزّان علمي.

__________________

(١) كفاية الأثر ٢٣٢ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٣٨٤.

١٠٦

فقام جابر بن عبد الله الأنصاريّ فقال : يا رسول الله وما عدّة الأئمّة؟ فقال : يا جابر سألتني رحمك الله عن الإسلام بأجمعه ، عدّتهم عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض ، وعدّتهم عدّة العيون الّتي انفجرت لموسى بن عمران عليه‌السلام حين ضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، وعدّتهم عدّة نقباء بني إسرائيل ، قال الله تعالى : (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً) فالائمّة يا جابر اثنا عشر إماما ، أوّلهم عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وآخرهم القائم المهديّ صلوات الله عليهم (١).

١٤٤ ـ روي بالإسناد عن سلمان ، قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله تعالى لم يبعث نبيّا ولا رسولا ، إلّا جعل له اثنى عشر نقيبا. فقلت : يا رسول الله لقد عرفت هذا من أهل الكتابين ، فقال : هل علمت من نقبائي الاثني عشر الّذين اختارهم للامّة من بعدي؟ فقلت : الله ورسوله أعلم ، فقال : يا سلمان ، خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته ، وخلق من نوري عليّا ودعاه فأطاعه ، وخلق من نور عليّ فاطمة ودعاها فأطاعته ، وخلق مني ومن عليّ وفاطمة الحسن ودعاه فأطاعه ، وخلق منّي ومن عليّ وفاطمة الحسين ودعاه فأطاعه ، ثمّ سمّانا بخمسة أسماء من أسمائه ، فالله المحمود وأنا محمّد ، والله العليّ وهذا عليّ ، والله الفاطر وهذه فاطمة ، والله ذو الاحسان وهذا الحسن ، والله المحسن وهذا الحسين.

ثمّ خلق منا ومن نور الحسين تسعة أئمّة ودعاهم فأطاعوه قبل أن يخلق سماء مبنيّة وأرضا مدحيّة ولا ملكا ولا بشرا ، وكنّا نورا نسبّح الله ثمّ نسمع له ونطيع. فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وامي ، فلمن عرف هؤلاء؟ فقال : من عرفهم حقّ معرفتهم واقتدى بهم وو إلى وليّهم وعادى عدوّهم ، فهو والله منا يرد حيث نرد ، ويسكن حيث نسكن. فقلت : يا رسول الله وهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم؟ فقال : لا. فقلت : يا رسول الله فأنّى لي بهم ، وقد عرفت إلى الحسين؟ قال : ثمّ سيّد العابدين عليّ بن الحسين ، ثمّ ابنه محمّد الباقر علم الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين ، ثمّ ابنه جعفر بن محمّد لسان الله الصادق ، ثمّ ابنه موسى بن جعفر الكاظم الغيظ صبرا في الله ، ثمّ ابنه عليّ بن

__________________

(١) مائة منقبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام لابن شاذان ٧١ المنقبة ٤١ ؛ بحار الأنوار ٣٦ / ٢٦٣.

١٠٧

موسى الرضا لأمر الله ، ثمّ ابنه محمّد بن عليّ المختار لأمر الله ، ثمّ ابنه عليّ بن محمّد الهادي إلى الله ، ثمّ ابنه الحسن بن عليّ الصامت الأمين لسرّ الله ، ثمّ ابنه محمّد بن الحسن المهديّ القائم بأمر الله. ثمّ قال : يا سلمان إنّك تدركه ، ومن كان مثلك ، ومن تولّاه هذه المعرفة ، فشكرت الله وقلت : وإنّي مؤجّل إلى عهده؟ فقرأ قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً* ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً). قال سلمان : فاشتدّ بكائي وشوقي ، وقلت : يا رسول الله أبعهد منك؟ فقال : اي والله الّذي أرسلني بالحقّ ، منّي ومن عليّ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة وكلّ من هو منا ومعنا ومضام فينا ، اي والله ليحضرنّ إبليس له وجنوده ، وكلّ من محض الإيمان محضا ، ومحض الكفر محضا ، حتّى يؤخذ له بالقصاص والأوتار ولا يظلم ربّك احدا ، وذلك تأويل هذه الآية : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ). قال : فقمت من بين يديه ، وما ابالي لقيت الموت أو لقيني (١).

الآية الثالثة قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)(٢).

١٤٥ ـ روى ثقة الإسلام الكلينيّ قدس‌سره بإسناده عن أبي ربيع الشاميّ. قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تشتر من السودان احدا ، فان كان فلا بدّ ، فمن النوبة ، فإنّهم من الّذين قال الله عزوجل : (وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) أما إنّهم سيذكرون ذلك الحظّ ، وسيخرج مع القائم عليه‌السلام منّا عصابة منهم ... الحديث (٣).

الآية الرابعة قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ

__________________

(١) دلائل الإمامة ٢٣٧ ؛ بحار الأنوار ٢٥ / ٦ ، و ٥٣ / ١٤٢.

(٢) المائدة : ١٤.

(٣) الكافي ٥ / ٣٥٢ ح ٢ تفسير البرهان ١ / ٥٤٤.

١٠٨

فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(١).

١٤٦ ـ وبالإسناد عن محمّد بن سليمان الديلميّ ، عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل : (جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً) فقال : الأنبياء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وإبراهيم وإسماعيل وذرّيته ، والملوك الأئمّة عليهم‌السلام ، قال : فقلت : وأيّ ملك أعطيتم؟ فقال : ملك الجنة ، وملك الكرّة (٢).

الآية الخامسة قوله تعالى : (قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ)(٣).

تيه المسلمين في غيبة المهديّ عليه‌السلام كتيه بني إسرائيل

١٤٧ ـ روى مسعدة بن صدقة قال : سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد عليه‌السلام يقول : خطب الناس أمير المؤمنين عليه‌السلام بالكوفة ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أنا سيد الشيب وفيّ سنّة من أيّوب ، وسيجمع الله لي أهلي كما جمع ليعقوب شمله ، وذلك إذا استدار الفلك وقلتم ضلّ أو هلك ، ألا فاستشعروا قبلها بالصبر ، وبوءوا إلى الله بالذنب ، فقد نبذتم قدسكم ، وأطفأتم مصابيحكم ، وقلّدتم هدايتكم من لا يملك لنفسه ولا لكم سمعا ولا بصرا ، ضعف والله الطالب والمطلوب.

هذا ، ولم تتواكلوا أمركم ، ولم تتخاذلوا عن نصرة الحق بينكم ، ولم تهنوا عن توهين الباطل ، لم يتشجّع عليكم من ليس مثلكم ، ولم يقومن قوي عليكم ، وعلى هضم الطاعة وازوائها عن أهلها فيكم.

تهتم كما تاهت بنو اسرائيل على عهد موسى ، وبحقّ أقول ليضعّفنّ عليكم التيه من بعدي باضطهادكم ولدي ضعف ما تاهت بنو اسرائيل ، فلو قد استكملتم نهلا ، وامتلأتم عللا عن سلطان الشجرة الملعونة في القرآن ، لقد اجتمعتم على ناعق ضلال ولأجبتم الباطل ركضا ثمّ لغادرتم داعي الحق ، وقطعتم الأدنى من أهل بدر ، ووصلتم الأبعد من

__________________

(١) المائدة : ٢٠.

(٢) مختصر بصائر الدرجات ٢٨ ؛ بحار الأنوار ٥٣ / ٤٥.

(٣) المائدة : ٢٦.

١٠٩

أبناء الحرب ، ألا ولو ذاب ما في أيديهم ، لقد دنى التمحيص للجزاء ، وكشف الغطاء ، وانقضت المدّة ، وأزف الوعد ، وبدا لكم النجم من قبل المشرق ، وأشرق لكم قمركم كملء شهره وكليلة تمّ ، فإذا استبان ذلك ، فراجعوا التوبة وخالعوا الحوبة واعلموا أنّكم إن أطعتم طالع المشرق ، سلك بكم منهاج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتداويتم من الصمم ، واستشفيتم من البكم ، وكفيتم مئونة التعسّف والطلب ، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ، فلا يبعد الله إلّا من أبى الرحمة وفارق العصمة ، وسيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون (١).

١٤٨ ـ وبالإسناد عن عليّ بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : كأنّي بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي يطلبون المرعى فلا يجدونه ، قلت له : ولم ذلك يا ابن رسول الله؟ قال : لأنّ إمامهم يغيب عنهم ، فقلت : ولم؟ قال : لئلّا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف (٢).

١٤٩ ـ النعمانيّ بإسناده عن عبد الله الشاعر ، يعني ابن أبي عقب ، قال : سمعت عليّا عليه‌السلام يقول : كأنّي بكم تجولون جولان الإبل تبتغون مرعى ولا تجدونها معشر الشيعة (٣).

١٥٠ ـ ابن ادريس : بإسناده عن يزيد الضخم ، قال : سمعت أمير المؤمنين صلوات الله عليه يقول : كأنّي بكم تجولون جولان النعم تطلبون المرعى فلا تجدونه (٤).

١٥١ ـ ابن الوليد بإسناده عن ابن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أنّه ذكر القائم عليه‌السلام فقال : أما ليغيبنّ حتّى يقول الجاهل : ما لله في آل محمّد حاجة (٥).

١٥٢ ـ الشيبانيّ بإسناده عن عبد العظيم الحسنيّ ، عن أبي جعفر الثاني ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : للقائم منّا غيبة امدها طويل ، كأنّي بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه ، ألا فمن ثبت منهم على دينه لم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه ، فهو معي في درجتي يوم القيامة. ثمّ قال عليه‌السلام : إنّ القائم منّا إذا قام لم يكن لأحد في عنقه بيعة ، فلذلك تخفى ولادته ويغيب شخصه (٦).

__________________

(١) بحار الأنوار ٥١ / ١١٢.

(٢) نفس المصدر ٥١ / ١٥٢.

(٣) نفس المصدر ٥١ / ١١٤.

(٤) نفس المصدر ٥١ / ١١٩.

(٥) نفس المصدر ٥١ / ١١٩.

(٦) بحار الأنوار ٥١ / ١٠٩.

١١٠

١٥٣ ـ وبالاسناد عن الحسين بن خالد ، عن الرضا عليه‌السلام ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال للحسين عليه‌السلام : التاسع من ولدك يا حسين هو القائم بالحق ، المظهر للدين الباسط للعدل ، قال الحسين عليه‌السلام : فقلت : يا أمير المؤمنين وإنّ ذلك لكائن؟ فقال عليه‌السلام : اي والّذي بعث محمّدا بالنبوّة ، واصطفاه على جميع البريّة ، ولكن بعد غيبة وحيرة لا تثبت فيها على دينه إلّا المخلصون المباشرون لروح اليقين ، الّذين أخذ الله ميثاقهم بولايتنا ، وكتب في قلوبهم الأيمان ، وأيّدهم بروح منه (١).

١٥٤ ـ وعن عباية الأسديّ ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : كيف أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم يرى ، يبرأ بعضكم من بعض (٢).

١٥٥ ـ أحمد بن محمّد الكوفيّ بإسناده عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فحمد الله واثنى عليه ، وصلّى على النبيّ وآله ثمّ قال : أمّا بعد فإنّ الله تبارك وتعالى لم يقصم جباري دهر إلّا من بعد تمهيل ورخاء ، ولم يجبر كسر عظم من الأمم إلّا بعد أزل وبلاء. أيّها الناس في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر ، وما كلّ ذي قلب بلبيب ، ولا كلّ ذي سمع بسميع ، ولا كلّ ذي ناظر عين ببصير. عباد الله أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه ، ثمّ انظروا إلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه ، كانوا على سنّة من آل فرعون ، أهل جنات وعيون ، وزروع ومقام كريم ، ثمّ انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور ، والأمر والنهي ، ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله مخلّدون ، ولله عاقبة الامور.

فيا عجبا وما لي لا أعجب من خطاء هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها ، لا يقتفون أثر نبي ، ولا يعتدّون بعمل وصيّ ، ولا يؤمنون بغيب ، ولا يعفون عن عيب ، المعروف فيهم ما عرفوا ، والمنكر عندهم ما أنكروا ، وكلّ امرئ منهم إمام نفسه ، آخذ منها فيما يرى ، بعرى وثيقات وأسباب محكمات ، فلا يزالون بجور ، ولن يزدادوا إلّا خطأ ، لا ينالون تقرّبا ، ولن يزدادوا إلّا بعدا من الله عزوجل ، أنس بعضهم ببعض ، وتصديق بعضهم لبعض ، كلّ ذلك وحشة ممّا ورّث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ونفورا مما أدّى إليهم من

__________________

(١) نفس المصدر ٥١ / ١١٠.

(٢) نفس المصدر ٥١ / ١١١.

١١١

أخبار فاطر السموات والأرض.

أهل حسرات ، وكهوف شبهات ، وأهل عشوات ، وضلالة وريبة ، من وكلّه الله إلى نفسه ورأيه ، فهو مأمون عند من يجهله ، غير المتهم عند من لا يعرفه ، فما اشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها.

ووا أسفا من فعلات شيعتنا من بعد قرب مودّتها اليوم ، كيف يستذلّ بعدي بعضها بعضا ، وكيف يقتل بعضها بعضا؟ المتشتتة غدا عن الاصل ، النازلة بالفرع ، المؤمّلة الفتح من غير جهته ، كلّ حزب منهم آخذ منه بغصن ، أينما مال الغصن مال معه ، مع أنّ الله وله الحمد سيجمع هؤلاء لشرّ يوم لبني أميّة ، كما يجمع قزع الخريف ، يؤلّف الله بينهم ، ثمّ يجعلهم ركاما كركام السحاب ، ثمّ يفتح لهم أبوابا ، يسيلون من مستثارهم كسيل الجنّتين سيل العرم حيث نقب عليه فارة فلم تثبت عليه أكمة ، ولم يردّ سننه رصّ طود ، يذعذهم في بطون أودية ، ثمّ يسلكهم ينابيع في الأرض ، يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ، ويمكّن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني أمّية ، ولكي لا يغتصبوا ما غصبوا ، يضعضع الله بهم ركنا ، وينقض بهم طيّ الجنادل من ارم ، ويملأ منهم بطنان الزيتون.

فو الّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليكوننّ ذلك ، وكأنّي أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم ، وأيم الله ليذوبنّ ما في أيديهم بعد العلوّ والتمكين في البلاد كما تذوب الألية على النار ، من مات منهم مات ضالّا ، وإلى الله عزوجل يفضي منهم من درج ، ويتوب الله عزوجل على من تاب ، ولعلّ الله يجمع شيعتي بعد التشتّت لشرّ يوم لهؤلاء ، وليس لأحد على الله عزّ ذكره الخيرة ، بل لله الخيرة والأمر جميعا.

أيّها الناس ، إنّ المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير ، ولو لم تتخاذلوا عن مرّ الحقّ ، ولم تهنوا عن توهين الباطل ، لم يتشجّع عليكم من ليس مثلكم ، ولم يقومن قوي عليكم ، وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن اهلها ، لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى عليه‌السلام.

ولعمري ليضاعفنّ عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو اسرائيل ، ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدّة سلطان بني أميّة ، لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى

١١٢

الضلالة ، وأحييتم الباطل ، وأخلفتم الحق وراء ظهوركم ، وقطعتم الأدنى من أهل بدر ، ووصلتم الأبعد من أبناء الحرب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم ، لدنا التمحيص للجزاء ، وقرب الوعد ، وانقضت المدّة ، وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ، ولاح لكم القمر المنير ، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة ، واعلموا أنّكم إن اتّبعتم طالع المشرق ، سلك بكم منهاج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فتداويتم من العمى والصمم والبكم ، وكفيتم مئونة الطلب والتعسّف ، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ، ولا يبعد الله إلّا من أبى وظلم واعتسف ، وأخذ ما ليس له (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)(١).

١٥٦ ـ وبالإسناد عن الحارث الاعور الهمدانيّ ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام على المنبر : إذا هلك الخاطب ، وزاغ صاحب العصر ، وبقيت قلوب تتقلّب من مخصب ومجدب ، هلك المتمنون ، واضمحلّ المضمحلّون ، وبقي المؤمنون ، وقليل ما يكونون ، ثلاث مائة أو يزيدون ، تجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر ، لم تقتل ولم تمت (٢).

بيان : قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : «وزاغ صاحب العصر» أراد صاحب هذا الزمان الغائب الزائغ عن أبصار هذا الخلق لتدبير الله الواقع. ثمّ قال :

«وبقيت قلوب تتقلب فمن مخصب ومجدب» وهي قلوب الشيعة المتقلّبة عند هذه الغيبة والحيرة ، فمن ثابت منها على الحق مخصب ، ومن عادل عنها إلى الضلال ، وزخرف المحال مجدب.

ثمّ قال :

«هللك المتمنّون» ذمّا لهم ، وهم الّذين يستعجلون أمر الله ، ولا يسلّمون له ، ويستطيلون الأمد ، فيهلكون قبل أن يروا فرجا ، ويبقي الله من يشاء أن يبقيه من أهل الصبر والتسليم حتّى يلحقه بمرتبته ، وهم المؤمنون وهم المخلصون القليلون ، الّذين ذكر أنّهم ثلاثمائة أو يزيدون ممّن يؤهله الله لقوّة إيمانه ، وصحّة يقينه ، لنصرة وليّه ، وجهاد عدوّه ، وهم ـ كما جاءت الرواية ـ عمّاله وحكّامه في الأرض ، عند استقرار الدار ، ووضع

__________________

(١) روضة الكافي ٦٣ ؛ بحار الأنوار ٥١ / ١٢٢ ـ ١٢٤.

(٢) بحار الأنوار ٥٢ / ١٣٧.

١١٣

الحرب اوزارها. ثمّ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : «يجاهد معهم عصابة جاهدت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر ، لم تقتل ولم تمت» يريد أنّ الله عزوجل يؤيّد أصحاب القائم عليه‌السلام هؤلاء الثلاثمائة والنّيف الخلّص بملائكة بدر وهم أعدادهم ، جعلنا الله ممّن يؤهّله لنصرة دينه مع وليّه عليه‌السلام ، وفعل بنا في ذلك ما هو أهله (١).

الآية السادسة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ)(٢).

خزي الكفّار على يد المهديّ عليه‌السلام

١٥٧ ـ روى الشيخ الطوسيّ رحمه‌الله ، عن السدّيّ في قوله تعالى : (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) قال : خزيهم في الدنيا أنّه إذا قام المهديّ وفتحت قسطنطينية ، قتلهم (٣).

الآية السابعة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ)(٤).

١٥٨ ـ روى النعمانيّ رحمه‌الله بإسناده عن سليمان بن هارون العجليّ ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إنّ صاحب هذا الامر محفوظ له اصحابه ، ولو ذهب الناس جميعا ، أتى الله باصحابه ، وهم الّذين قال عزوجل : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ)(٥) وهم الّذين قال الله عزوجل : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى

__________________

(١) بحار الأنوار ٥٢ / ١٣٧.

(٢) المائدة : ٤١.

(٣) تفسير التبيان للطوسيّ ١ / ٤٢٠.

(٤) المائدة : ٥٤.

(٥) الأنعام : ٨٩.

١١٤

الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ)(١).

١٥٩ ـ روى العيّاشيّ بإسناده عن سليمان بن هارون ، قال : قلت له : إنّ بعض هؤلاء العجليّة يقول : إنّ سيف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عند عبد الله بن الحسن! فقال : والله ما رآه ولا أبوه بواحدة من عينيه ، إلّا أن يكون رآه أبوه عند الحسين عليه‌السلام ، وإنّ صاحب هذا الأمر محفوظ له ، فلا تذهبنّ يمينا ولا شمالا ، فإنّ الأمر والله واضح ، والله لو أنّ أهل السماء أو الأرض اجتمعوا على أن يحوّلوا هذا الأمر من موضعه الّذي وضعه الله فيه ما استطاعوا. ولو أنّ الناس كفروا جميعا حتّى لا يبقى احد ، لجاء الله لهذا الامر بأهل يكونون من أهله ، ثمّ قال : أما تسمع الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) حتّى فرغ من الآية ، وقال في آية اخرى : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ)(٢) ثمّ قال : إنّ أهل هذه الآية هم أهل تلك الآية (٣).

الآية الثامنة قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(٤).

١٦٠ ـ الكلينيّ عن اسحاق بن يعقوب ، أنّه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمّد بن عثمان ، «وأمّا علّة ما وقع من الغيبة ، فإنّ الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) إنّه لم يكن أحد من آبائي إلّا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه ، وإنّي أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأمّا وجه الانتفاع في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيّبها عن الأبصار السحاب ، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، فأغلقوا أبواب السؤال عمّا لا يعنيكم ، ولا تتكلّفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ، فإنّ ذلك فرجكم ، والسلام عليك يا اسحاق بن يعقوب ، وعلى من اتّبع الهدى» (٥).

__________________

(١) الغيبة للنعمانيّ ٣١٦ ح ١٢.

(٢) الأنعام : ٨٩.

(٣) تفسير العيّاشيّ ١ / ٣٢٦ ح ١٣٥.

(٤) المائدة : ١٠١.

(٥) بحار الأنوار ٥٢ / ٩٢.

١١٥

الآية التاسعة قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(١).

رجوع النصارى للتوحيد عند ظهور المهديّ عليه‌السلام

١٦١ ـ روى العلّامة الحافظ السيوطيّ ، قال : وأخرج أبو الشيخ ، عن ابن عبّاس في قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ) يقول : عبيدك قد استوجبوا العذاب بمقالتهم ، «وإن تغفر لهم» : أي من تركت منهم ، ومدّ في عمره حتّى أهبط من السماء إلى الأرض بقتل الدجّال ، فنزلوا عن مقالتهم ، ووحّدوك وأقرّوا إنّا عبيد ، «وإن تغفر لهم» حيث رجعوا عن مقالتهم ، «فإنّك أنت العزيز الحكيم» (٢).

__________________

(١) المائدة : ١١٨.

(٢) تفسير الدرّ المنثور ٢ / ٣٥٠.

١١٦

سورة الأنعام

الآية الاولى قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ)(١).

خروج السفياني من المحتوم

١٦٢ ـ روى النعمانيّ بإسناده عن حمران بن أعين ، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهما‌السلام في قوله تعالى : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) قال عليه‌السلام :

إنّهما اجلان : أجل محتوم ، وأجل موقوف ، فقال له حمران : ما المحتوم؟ قال : الّذي لا يكون غيره. قال : وما الموقوف؟ قال : هو الّذي لله فيه المشيئة ، قال حمران :

إنّي لأرجو أن يكون أجل السفيانيّ من الموقوف ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : لا والله إنّه لمن المحتوم (٢).

الآية الثانية قوله تعالى : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣).

__________________

(١) الأنعام : ٢.

(٢) الغيبة للنعمانيّ ٣٠١ ح ٤ ـ ٦ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ٢٤٩.

(٣) الأنعام : ٣٧.

١١٧

آية طلوع الشمس من مغربها عند ظهور المهديّ عليه‌السلام

١٦٣ ـ روى القمّيّ في رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (إِنَّ اللهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً) وسيريكم في آخر الزمان آيات : منها دابّة الأرض ، والدّجّال ، ونزول عيسى ابن مريم عليه‌السلام ، وطلوع الشمس من مغربها (١).

الآية الثالثة قوله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٢).

١٦٤ ـ روى عليّ بن إبراهيم القمّيّ بإسناده عن أبي حمزة ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) قال : أمّا قوله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) يعني فلمّا تركوا ولاية عليّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وقد امروا بها (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) يعني دولتهم في الدنيا وما بسط لهم فيها ، وأمّا قوله : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني بذلك قيام القائم ، حتّى كأنّهم لم يكن لهم سلطان قط ، فذلك قوله : (بَغْتَةً) فنزل آخر هذه الآية على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٣).

١٦٥ ـ وروى محمّد بن الحسن الصفّار رحمه‌الله بإسناده عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : أمّا قوله : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ) يعني فلمّا تركوا ولاية عليّ عليه‌السلام وقد امروا بها ، فتحنا عليهم أبواب كلّ شيء ، يعني مع دولتهم في الدنيا وما بسط لهم فيها ، وأمّا قوله : (حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) يعني قيام القائم عليه‌السلام (٤).

١٦٦ ـ وبالإسناد عن المفضّل بن عمر ، عن أبي عبد الله قال : نزلت في بني فلان ثلاث آيات ، قوله عزوجل : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) يعني القائم بالسيف ، (فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ

__________________

(١) تفسير القمّيّ ١ / ١٩٨ ؛ تفسير الصافي ٢ / ١١٨.

(٢) الأنعام : ٤٤ و ٤٥.

(٣) تفسير القمّيّ ١ / ٢٠٠.

(٤) بصائر الدرجات للصفّار ٧٨ ح ٥ ؛ بحار الأنوار ٣٥ / ٣٧١.

١١٨

بِالْأَمْسِ)(١) وقوله عزوجل : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ* فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). قال أبو عبد الله عليه‌السلام : السيف ، وقوله عزوجل : (فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ* لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ)(٢) يعني القائم ، يسأل بني فلان كنوز بني أميّة (٣).

الآية الرابعة قوله سبحانه : (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)(٤).

وقوع الفتن قبل ظهور المهديّ عليه‌السلام

١٦٧ ـ روى عليّ بن إبراهيم قال : وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) قال : هو الدخان والصيحة ، (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) وهو الخسف (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) وهو اختلاف في الدّين وطعن بعضكم على بعض ، وهو أن يقتل بعضكم بعضا ، وكلّ هذا في أهل القبلة (٥).

قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ)(٦).

سبق ذكر هذه الآية ضمن تفسير الآية ٥٤ من سورة المائدة ، وهي قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) الآية ، فراجع.

الآية الخامسة قوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)(٧).

__________________

(١) يونس : ٢٤.

(٢) الأنبياء : ١٢ و ١٣.

(٣) دلائل الإمامة ٢٥٠ ؛ المحجّة ٩٨.

(٤) الأنعام : ٦٥.

(٥) تفسير القمّيّ ٢ / ٢٠٤ ؛ بحار الأنوار ٢٥ / ١٨١.

(٦) الأنعام : ٨٩.

(٧) الأنعام : ١٥٨.

١١٩

آيات قبل ظهور المهديّ عليه‌السلام

القسم الأول من الآية : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً).

١٦٨ ـ روى الشّيخ الصدوق رحمه‌الله بإسناده عن عليّ بن رئاب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : في قول الله عزوجل : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) قال : الآيات هم الأئمّة ، والآية المنتظرة القائم عليه‌السلام ، فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل قيامه بالسيف ، وان آمنت بمن تقدّمه من آبائه عليهم‌السلام (١).

١٦٩ ـ روى الشّيخ الصدوق أيضا بإسناده عن أبي بصير ، قال : قال جعفر بن محمّد الصادق عليه‌السلام في قول الله عزوجل : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) يعني خروج القائم عليه‌السلام المنتظر منا ، ثمّ قال : يا أبا بصير طوبى لشيعة قائمنا المنتظرين لظهوره في غيبته ، والمطيعين له في ظهوره ، اولئك أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٢).

١٧٠ ـ روى بالإسناد عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث إذا خرجن (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ) : طلوع الشمس من مغربها والدجّال ، والدابّة (٣).

١٧١ ـ روى ابن حمّاد بإسناده عن زيد بن أبي عتاب ، سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : خمسا لا أدري أيتهنّ أوّل الآيات ، وأيتهنّ إذا جاءت لم (يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) : طلوع الشمس من مغربها ، والدجال ، ويأجوج ومأجوج ، والدخان ، والدابّة (٤).

١٧٢ ـ روى فرات الكوفيّ عن جعفر بن محمّد الفزاريّ ، معنعنا عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي

__________________

(١) كمال الدّين ٢ / ٣٣٦ ؛ نور الثقلين للحويزيّ ١ / ٧٨١ ح ٣٥٦.

(٢) كمال الدّين ٢ / ٣٥٧ ؛ بحار الأنوار ٥٢ / ١٤٩.

(٣) سنن الترمذيّ ٥ / ٢٦٤ ح ٣٠٧٢ ؛ مصابيح السنّة للبغويّ ٣ / ٤٩٦ ح ٤٢٢١.

(٤) الفتن لابن حمّاد ١٨٣ ؛ المستدرك على الصحيحين ٤ / ٥٤٥.

١٢٠