تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ٥

آية الله السيد محمد الشيرازي

تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٨

أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (١) فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (٢) وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ (٣) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ (٥)

____________________________________

[٢] (أَرَأَيْتَ) يا رسول الله ، أو أيها الرائي (الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) أي بيوم القيامة. فإن «الدين» بمعنى الجزاء ، أو المراد بدين الإسلام وهذا استفهام تعجبي. يعني كيف أنه يكذب مع كثرة الآيات الدالة على صحة الدين ووقوعه.

[٣] (فَذلِكَ) الإنسان المكذب بالدين ، هو (الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) «الدع» هو الدفع بشدة ، أي يدفع اليتيم فلا يحسن إليه ، فإن التكذيب بالدين يلازم الأعمال البشعة القاسية.

[٤] (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أي لا يحث الناس على إطعام الفقراء الذين أسكنهم الفقر عن الحركة والعمل ، و «الحض» وإن لم يكن واجبا ـ في غير مورد الأمر بالمعروف وما أشبه ـ إلا أن ذلك دليل القساوة ونضوب معين الفضيلة من القلب ، مما لا يكون إلا من ملازمات الكفر ، وقد ورد إن بعض كفار قريش كان كذلك إذا جاءه يتيم يطلب رفده طرده بقساوة ، وهكذا كان بالنسبة إلى المساكين.

[٥] وإذا كان «دعّ اليتيم» و «عدم الحض على طعام المساكين» موجبا للذم والتوبيخ ، فمن يعمل باسم الإسلام وهو بعيد عنه كان أولى بالذم والتوبيخ ، إذ المنافق أسوأ حالا من الكافر (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ).

[٦] (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) أي غافلون غير مبالين بها إذ عدم المبالاة يلازم السهو.

٧٤١

الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ (٧)

____________________________________

[٧] (الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) فإذا صلوها صلوا للرياء لا لله سبحانه. وقال بعض : إن المعنى أنهم إن لم يكن أحد لم يصلوا ، وإن كان أحد صلوها ليراؤوه.

[٨] (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) وهو كل ما فيه منفعة للناس ، أي يمنعون خيرهم ورفدهم ـ وذلك مما يلازم عدم الإيمان الراسخ في القلب.

٧٤٢

(١٠٨)

سورة الكوثر

مكية أو مدنية / آياتها (٤)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «الكوثر» ، وفي كونها مكية أو مدنية خلاف وهي موجهة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعل المناسبة بين السورتين التحدث عن «الماعون» و «الكوثر» ، فهم يمنعون الماعون والله سبحانه يعطي الخير الكثير ، أو المناسبة أنهم يسهون عن الصلاة ، ويمنعون الخير ، والرسول مأمور بالصلاة والخير.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الله الذي ما ابتدأ به شيء إلا بورك فيه ، الرحمن الرحيم الذي يتفضل بالرحمة والغفران.

٧٤٣

إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣)

____________________________________

[٢] (إِنَّا أَعْطَيْناكَ) يا رسول الله (الْكَوْثَرَ) مشتق من الكثرة ، بمعنى الخير الكثير. قالوا : إن السورة نزلت في العاص بن وائل السهمي ، وذلك أنه رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج من المسجد فالتقيا عند باب بني سهم وتحدث مع الرسول ، وصناديد قريش جالسون ، فلما أن دخل قالوا له مع من كنت تتحدث؟ قال : مع الأبتر ـ يعني الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ ، وقد كانت قريش تسمي من لا ولد له «أبتر» من البتر بمعنى القطع ، كأنه مقطوع ليس له ولد حتى يبقى ذكره ، وقد كان مات «عبد الله» ابن رسول الله من خديجة عليها‌السلام ، فنزلت هذه السورة (١) ، ولذا كان من جملة الأقوال في معنى كوثر أن المراد بها «فاطمة» عليها‌السلام التي سببت كثرة النسل للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحيث إن «الكوثر» بمعنى الخير الكثير ، وهو عام ، كان شاملا للنبوة والعلم ، والنسل ، وحوض الكوثر في الآخرة ، وغيرها من سائر المعاني التي يشملها لفظ «الكوثر» بعمومه.

[٣] (فَصَلِ) يا رسول الله (لِرَبِّكَ) شكرا على هذه النعمة العظمى.

(وَانْحَرْ) الإبل لإطعام الناس ، فإن الله سبحانه يحب إطعام الطعام ، أو المراد ارفع يديك إلى نحرك عند التكبير ـ كما ورد (٢) ـ فإن في ذلك خضوعا لله سبحانه ، يلائم الشكر على نعمته بإعطائه الكوثر.

[٤] (إِنَّ شانِئَكَ) أي مبغضك الذي ينسبك إلى «البتر» (هُوَ الْأَبْتَرُ) المقطوع عن الخير ، الخامل الذكر ، لا أنت كما نسب إليك ـ وهذه السورة على صغرها إحدى معاجز الرسول ، وأدلة معجزية القرآن الحكيم.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٧ ص ٢٠٣.

(٢) راجع من لا يحضره الفقيه : ج ١ ص ٣٠٣.

٧٤٤

(١٠٩)

سورة الكافرون

مكيّة أو مدنيّة / آياتها (٧)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «الكافرون» ، وحيث إن «الكافرون» علم لها لا يتغير في الإعراب ، كما يقال «دعاء أبو حمزة» ، وفي كون السورة مكية أو مدنية خلاف ، وعلى كل فإنها تعالج قضايا العقيدة ، وحيث ختمت سورة «الكوثر» بذكر شانئ الرسول ، جاءت هذه السورة لتبين مباينة الرسول معهم في الطريقة ، فلا أنه يتبعهم ، ولا أنهم يتبعونه ـ كفرا وعنادا ـ.

وقد ورد إن جماعة من قريش قالوا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هلم يا محمد فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك نحن وأنت في الأمر ، فإن يكن الذي نحن عليه الحق فقد أخذت بحظك منه ، وإن يكن الذي أنت عليه الحق فقد أخذنا بحظنا منه فنزلت السورة (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٧ ص ٣٣.

٧٤٥

وفي حديث عن الصادق عليه‌السلام أنهم قالوا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : تعبد إلهنا سنة ونعبد إلهك سنة ، وتعبد إلهنا سنة ، ونعبد إلهك سنة. فأجابهم الله بمثل ما قالوا ـ أي مكررا (١) ـ.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) شروع في السورة مصاحبا باسم الله ليكون شعارا للشارع ، وعونا في مهمات الحياة ، الرحمن الرحيم الذي يتلطف بالرحمة الخاصة على من يشاء من عباده ، ورحمته العامة وسعت كل شيء.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٩ ص ٢٥٣.

٧٤٦

قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦)

____________________________________

[٢] (قُلْ) يا رسول الله ، مخاطبا للكافرين (يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) النزول وإن كان خاصا لكن المراد عام لكل كافر معاند لا يتزحزح عن كفره وطغيانه.

[٣] (لا أَعْبُدُ) أنا (ما تَعْبُدُونَ) أنتم من الأصنام والأوثان ، والمعنى لا أعبد في الحال ما تعبدونه الآن.

[٤] (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) أي تعبدون (ما أَعْبُدُ) إذ عاندتم وكابرتم الحق ، وهذا إخبار عن الواقع ، وإن كانوا مأمورين بالعبادة حسب الشرع والعقل.

[٥] (وَلا أَنا عابِدٌ) في المستقبل (ما عَبَدْتُّمْ) من الأصنام.

[٦] (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) في المستقبل (ما أَعْبُدُ) أنا ، وحيث إن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبوت فسرنا الآيتين ب «المستقبل» ، بخلاف الجملة الأولى حيث كانت فعلا وظاهر الفعل «الحال» وعطفنا عليه الجملة الثانية سياقا.

[٧] (لَكُمْ دِينُكُمْ) فالزموه حتى ترون جزاءه السيء (وَلِيَ دِينِ) وهذا إجمال لما فصل أولا ، والأصل «ديني» حذف ياء المتكلم للتخفيف ودلالة الكسرة عليه.

٧٤٧

(١١٠)

سورة النصر

مدنيّة / آياتها (٤)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «النصر» ، وهي كسائر السور المدنية تبين الفتح المرتبط بالنظام والدولة ، وإذ كان ختم سورة «الكافرون» ذكر الدين ، جاءت هذه السورة لظهور الدين.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم «الله» الذي هو الأول في الكون ، فيبدأ باسمه في أول كل شيء ، الرحمن الرحيم الذي يتفضل بالرحمة خاصة وعامة لعباده المؤمنين ، الذين يبدءون باسمه ويؤمنون به.

٧٤٨

إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣)

____________________________________

[٢] لقد نزلت هذه السورة بعد حجة الوداع حين أخذت القبائل تدخل في الدين أفواجا حيث رأوا سلطان الإسلام يعم الجزيرة ، فلما نزلت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعيت إليّ نفسي (١).

قالوا : وذلك لأنها دلت على تمام مهمة الرسول (إِذا جاءَ) يا رسول الله (نَصْرُ اللهِ) لدينه على سائر الأديان ، وللمسلمين على الكفار (وَالْفَتْحُ) أي جاء فتح مكة ، بأن فتحت عاصمة الوثنية والشرك في الجزيرة ، مما أخضع الجزيرة فتحها.

[٣] (وَرَأَيْتَ) يا رسول الله (النَّاسَ) القبائل وغيرهم (يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ) الإسلام (أَفْواجاً) أي فوجا بعد فوج ، وجماعة بعد جماعة.

[٤] (فَسَبِّحْ) يا رسول الله (بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي نزهه عن النقائص بذكر الحمد ، فإن الحمد تنزيه وتحميد ، لأن ذكر الجميل مدح مطابقي وتنزيه التزامي ـ كما سبق ـ ، والتسبيح والتحميد إنما ذلك للشكر على النصر والفتح (وَاسْتَغْفِرْهُ) هضما للنفس ، حتى لا تتعالى وتظن أن النصر إنما هو بالأتعاب ، والرسول وإن كان منزها عن ذلك ، وإنما هو تعليم ، بالإضافة إلى ما تقدم : من أن الأعمال الضرورية المباحة لدى الكاملين العارفين بالله مما يعدونها ابتعادا عن ساحة قربه سبحانه ، فتوجب الاستغفار (إِنَّهُ) سبحانه (كانَ تَوَّاباً) أي كثير الرجوع من «تاب» إذا رجع ، بمعنى أن العبد مهما أذنب ثم تاب تاب الله عليه.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٨ ص ١١٦.

٧٤٩

(١١١)

سورة المسد

مكية / آياتها (٦)

سميت السورة بهذا الاسم ، لاشتمالها على لفظة «مسد» ، كما أنها تسمى بسورة «أبي لهب» وهي كسائر السور المكية ترتبط بقضية العقيدة ، وإذ تقدم في سورة النصر نصر الله للرسول جاءت هذه السورة لبيان ما كفاه سبحانه من أمر أعدائه.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الإله المستجمع لجميع صفات الكمال ، الرحمن الرحيم الذي يتفضل على العباد بالرحم والفضل.

٧٥٠

تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤)

____________________________________

[٢] لقد كان أبو لهب عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جملة من يرمي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحجارة ويؤذيه ، وكانت زوجته أم جميل تحمل الشوك في الليل فتنشره في طريق الرسول ، حتى إذا أراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخروج من منزله نغزت الأشواك رجله الكريمة ، فنزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) أي خسرت يداه ، وهذا من جهة أن ما ارتكبه من الإثم كان بيديه ، كما قال الرسول لعروة «بارك الله في صفقة يمينك» حين كان البيع بيده ، و (تَبَ) الثاني تأكيد للأول ، أي خسرت يداه وخسرت.

[٣] (ما أَغْنى عَنْهُ) أي عن أبي لهب (مالُهُ) أي ما نفعه في دفع العذاب عنه (وَما كَسَبَ) أي ما عمل من الكفر والآثام وإيذاء الرسول ، و «ما» موصولة عائدها محذوف ، أي ما كسبها.

[٤] (سَيَصْلى) في الآخرة ، أي يدخل النار ملازما لها (ناراً ذاتَ لَهَبٍ) أي اشتعال وتوقد ، كما كان هو «أبا لهب» ، باعتبار أن وجنتيه محمرتان كأنهما ملتهبتان من شدة البريق.

[٥] (وَامْرَأَتُهُ) أي تبت وخسرت امرأته ، أعني (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) وسميت بهذا الاسم لأنها كانت تحمل الشوك كما تقدم ، ونصب «حمالة» على الذم ، كما قال ابن مالك :

واقطع أو اتبع إن يكن معينا

بدونها أو بعضها اقطع معلنا

٧٥١

فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)

____________________________________

وارفع أو انصب إن قطعت مضمرا

مبتدءا أو ناصبا لن يظهرا

[٦] (فِي جِيدِها) أي جيد امرأته أم جميل ، وكانت أخت «أبي سفيان» المعروف (حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) هو «الليف» ، فقد كانت تعلق الحبل المشدود على الأشواك بعنقها ، ويحتمل أن يكون «وامرأته» مبتدأ و «في جيدها» خبره.

٧٥٢

(١١٢)

سورة الإخلاص

مكية أو مدنية / آياتها (٥)

وتسمى بسورة «التوحيد» ، سميت ب «الإخلاص» لأن فيها إخلاص المبدأ من الشريك ، وسميت ب «التوحيد» لاشتمالها على توحيد الله سبحانه ، في قوله «الله أحد» ، وفي كونها مكية أو مدنية خلاف ، وعلى أي حال فإنها ترتبط بقضايا العقيدة ، وحيث كانت السورة السابقة مرتبطة بالرسول ، جاءت هذه السورة مرتبطة بالمرسل.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الإله الذي له ما في السماوات والأرض ، وهو الواحد المنفرد في الكون بالألوهية ، الرحمن الرحيم الذي يتفضل على العباد بالرحم واللطف.

٧٥٣

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)

____________________________________

[٢] ورد إن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوا منه ما نسبة ربك؟ فأنزل الله سبحانه هذه السورة (١) (قُلْ) يا رسول الله (هُوَ) ربي الذي أدعو إليه (اللهُ أَحَدٌ) لا شريك له ولا جزء.

[٣] (اللهُ الصَّمَدُ) «الصمد» لغة : بمعنى السيد المقصود الذي لا يقضي أمر إلا بإذنه ، يعني أنه السيد المطلق الذي بيده كل شيء ، فلا يقع أمر في الكون إلا بإذنه وأمره.

[٤] (لَمْ يَلِدْ) أحدا ، فليست الملائكة بناته ـ كما زعم الكفار ـ ولا المسيح وعزير واليهود والنصارى أبناؤه ـ كما زعم أهل الكتاب ـ (وَلَمْ يُولَدْ) من أحد ، فلا أب له ولا أم.

[٥] (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً) خبر كان ، أي مثلا ونظيرا (أَحَدٌ) اسم كان ، أي ليس أحد كفوه بمعنى نظيره ومثله ، فهو المتفرد الذي لا شبيه له ولا نظير.

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ص ٤٨٥.

٧٥٤

(١١٣)

سورة الفلق

مدنيّة / آياتها (٦)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «الفلق» ، والسورة مدنية ، وإن كانت بصدد بعض الأمور المرتبطة بالإنسان حين يصدم بمكروه ، وحيث كانت سورة الإخلاص إقرارا بالإله الواحد ، كانت هذه السورة استعاذة به.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الله المستجمع لجميع صفات الكمال ، الرحمن الرحيم ، الذي يتفضل بالرحمة واللطف على جميع الخلق ابتداء وتربية ، وتكميلا للنواقص والنقائض.

٧٥٥

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥)

____________________________________

[٢] (قُلْ) يا رسول الله (أَعُوذُ) أي أعتصم وأستجير من المكاره (بِرَبِّ الْفَلَقِ) «الفلق» هو الصبح ، وأصله الشق ، لأن الظلمة تنشق عنه.

[٣] (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) أي شر كل ما خلقه الله سبحانه من المؤذيات ، إنسانا كان أو جنا أو حيوانا أو جمادا كالسيل والعواصف.

[٤] (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ) أي الليل ، من «الغسق» بمعنى الظلمة (إِذا وَقَبَ) أي إذا دخل ، فإن كثيرا من الشرور يتوجه إلى الإنسان في الليل وفي ظلامه ، حيث العيون نائمة ، والظلام مخيم.

[٥] (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) جمع «نفاثة» وهي المرأة الساحرة التي تنفث ـ أي تنفخ ـ في الشيء الذي عقد السحر به ، و «عقد» جمع عقدة ، فإن الساحرة تعقد الخيط بقصد عقد حظ أحد ، أو عقده عن زوجته ، ثم تنفث في تلك العقدة بسحرها وأورادها ، والسحر له أثر ، كما ثبت في علم النفس ، ودلت على ذلك التجربة.

[٦] (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) فإن الإنسان إذا حسد غيره أورثه حسده على أن يؤذيه بلسانه ويده ، ولعل معنى إذا حسد : إذا ظهر حسده ، وعمل بمقتضاه.

٧٥٦

(١١٤)

سورة الناس

مدنيّة / آياتها (٧)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «الناس» ، وهي مدنية ، وتعالج بعض الأمور المرتبطة بالإنسان ، وهي نظير السورة السابقة في الاستعاذة بالله ، من بعض أقسام الشرور.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم «الله» الذي هو علم للذات المستجمع لجميع صفات الكمال ، وهل هناك أحق بالابتداء منه ، الرحمن الرحيم ، الذي يتفضل على العباد بالرحم والفضل ، فقد وسعت رحمته كل شيء.

٧٥٧

قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥)

____________________________________

[٢] (قُلْ) يا رسول الله (أَعُوذُ) أي أستجير وأعتصم من الشرور (بِرَبِّ النَّاسِ) خالقهم ومربيهم.

[٣] (مَلِكِ النَّاسِ) فهو المالك المطلق لهم ، لا ملك غيره وسائر الملوك إنما هم صوريون ، لا حقيقة لملوكيتهم إلا الاعتبار.

[٤] (إِلهِ النَّاسِ) الذي هو إلههم ، فليست الأصنام آلهة كما يزعم الكفار ، فهو «رب» و «ملك» و «إله» فتربية الناس منه ، وسيدهم المالك لهم هو ، ومعبودهم الذي لا معبود سواه هو سبحانه.

[٥] (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) أي أعوذ بالله من شر الشيء الذي يوسوس للإنسان ، ليلقيه في الكفر والعصيان ، وأصله من «الوسوسة» وهي الصوت الخفي ، فإن من يريد الإغواء من إنس أو شيطان يخفي الصوت في أذن الشخص أو صدره ، حتى يضله ويلقيه في المعصية (الْخَنَّاسِ) من «خنس» بمعنى اختفى ، وذلك لأن من يريد الإضلال كثير الاختفاء ، أما الشيطان فواضح ، وأما الإنسان فإنه إذا أراد الإضلال يخفي نفسه لئلا يراه أحد فيحبط وسوسته ، وتظهر مكيدته للناس فيزدرونه ويطردونه.

[٦] (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) أما وسوسة الشيطان في الصدر فواضح ، وكونه في الصدر لأن الوسوسة في القلب والقلب في الصدر ، وأما وسوسة الإنسان فيه فلأنه يلقي الكلام إلى القلب ـ من

٧٥٨

مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦)

____________________________________

الأذن ـ والقلب في الصدر.

[٧] (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) بيان للوسواس ، أي الوسواس الذي هو من جنس الجن ـ أي الشياطين فإنهم قسم من الأجنة ـ أو من جنس الإنس.

وقانا الله جميعا من شر كل شر بمحمد وآله الطاهرين (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ* وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ* وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١) وصلى الله على محمد وآله الطيبين الميامين.

تم على يد مؤلفه محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي

سنة ١٣٨٤ هجرية بكربلاء المقدسة

__________________

(١) الصافات : ١٨١ ـ ١٨٣.

٧٥٩
٧٦٠