تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ٥

آية الله السيد محمد الشيرازي

تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٨

إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ (١٠)

____________________________________

القتل والأسر ، ولم تطلع الشمس إلا والجيش الإسلامي يحملون الأسرى والغنائم ، ليعودوا إلى المدينة منتصرين ، واستقبل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون الإمام عليه‌السلام وجيشه ، وهنا نزلت سورة العاديات (١).

[٧] قسما بتلك الأقسام المتقدمة (إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) أي لكفور ، ومنه الأرض الكنود التي لا تنبت شيئا ، والأصل فيه منع الحق.

[٨] (وَإِنَّهُ) أي الإنسان (عَلى ذلِكَ) الكفر (لَشَهِيدٌ) أي يشهد بذلك ، فإن الإنسان يعلم ما له وما عليه ، وإن لم يعترف بما عليه ، أو المعنى أنه يشهد بذلك يوم القيامة ، حيث يختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.

[٩] (وَإِنَّهُ) أي الإنسان (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) فإنه شديد في حب كل خير لنفسه ، هذا طبع الإنسان ، لو لم يخرجه الإيمان.

[١٠] (أَفَلا يَعْلَمُ) الإنسان (إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) أي بعث الموتى وأخرجوا من قبورهم ، منتشرين مبعثرين هنا وهناك؟

[١١] (وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) بأن ظهرت نوايا الناس وما أضمروه من خير وشر؟ ليجازي كل حسب ما نواه وأضمره وعمله وأتى به. ألا

__________________

(١) تفسير فرات الكوفي : ص ٥٩١.

٧٢١

إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)

____________________________________

يعلم ماذا يكون مصيره يومذاك؟ فكيف يعصي ويكند؟ كما تقول لمن يعصي : ألا تعترف بالحساب؟ تريد بذلك تهديده.

[١٢] (إِنَّ رَبَّهُمْ) أي الله الذي خلقهم ورباهم (بِهِمْ) أي بالناس (يَوْمَئِذٍ) أي في يوم القيامة (لَخَبِيرٌ) عالم مطلع ، فيجازي كل إنسان حسب عمله ونيته ، وقوله «يومئذ» من جهة أن الجزاء في ذلك اليوم ، وإلا فكونه سبحانه خبيرا عام لكل الأزمان.

٧٢٢

(١٠١)

سورة القارعة

مكية أو مدنية / آياتها (١٢)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «القارعة» ، وهي كسائر السور المكية تعالج قضايا العقيدة ، وحيث ختمت سورة «العاديات» بتهديد العصاة ، جاءت هذه السورة لتبين علائم القيامة ، موعد التهديد.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) نبتدئ باسم «الله» الذي هو المستجمع لجميع صفات الكمال ، لنجعله شعارا لنا في أعمالنا وأمورنا ، إذ لا شيء أفضل منه في أن يكون شعارا لمعترف بربه ، الرحمن الرحيم ، الذي يتفضل على العباد بالرحمة والغفران.

٧٢٣

الْقارِعَةُ (١) مَا الْقارِعَةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ (٣) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (٤) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (٥) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ (٦)

____________________________________

[٢] (الْقارِعَةُ) هي من أسماء القيامة ، لأنها تقرع القلوب بالخوف وتقرع الناس بالعذاب ، وتقرع الجبال فتجعلها دكا دكا.

[٣] (مَا الْقارِعَةُ) أي ما هي القارعة؟ وذلك لتفخيم شأنها وتعظيم أمرها ، و «القارعة» الأولى مبتدأ ، و «ما» مبتدأ ثان ، و «القارعة» الثانية خبر «ما» ، والجملة خبر «قارعة» الأولى.

[٤] (وَما أَدْراكَ) أيها الإنسان أو أيها الناس (مَا الْقارِعَةُ)؟ هذه الجملة لتفخيم شأنها ، يعني أنها من الهول بحيث لا تعلمها ولا تدركها ، إلا بعد أن تراها.

[٥] (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ) وهو الغوغاء من الجراد الذي ينفرش ويركب بعضها فوق بعض (الْمَبْثُوثِ) أي المنتشر ، فإن الناس يكونون مثل الفراش في الكثرة والاضطراب والانتشار.

[٦] (وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) أي الصوف الملون (الْمَنْفُوشِ) أي المندوف ، فإنها تقلع عن أماكنها وتحطم حتى تكون كالصوف ذي الألوان الخفيف اليسير ، وألوانها ، لاختلاف ألوان الجبال فإنها بيض وحمر وسود وغيرها.

[٧] (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) أي رجحت حسناته وكثرت والإتيان بالجمع

٧٢٤

فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ (٧) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ (١١)

____________________________________

لأن لكل عمل حسن ميزان فميزان للصلاة ، وميزان لبر الوالدين ، وهكذا. وهل المراد بالميزان هو المعهود في الدنيا ـ كما هو الظاهر ـ أو غيره احتمالان؟

[٨] (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) أي عيشة ذات رضى يرضاها صاحبها ونسبة الرضى إليها ـ مع كون الراضي هو الذي يعيش ـ مجاز.

[٩] (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ) بأن قلت حسناته ، وكثرت سيئاته.

[١٠] (فَأُمُّهُ) أي مأواه (هاوِيَةٌ) أي جهنم ، والمعنى أن محله النار ، فكما أن الولد يأوي إلى أمه كذلك يأوي العاصي إلى جهنم ، وإنما سميت بالهاوية لهوى الشخص فيها.

[١١] (وَما أَدْراكَ) يا رسول الله ، أو أيها الإنسان (ما هِيَهْ)؟ هذا تفخيم لعذاب النار ، حتى أن الرسول ـ أو السامع ـ لا يدرك حقيقتها وتفصيلها لهولها ، والهاء للسكت.

[١٢] إنها (نارٌ حامِيَةٌ) قد بلغت آخر شدتها في الحرارة والالتهاب.

٧٢٥

(١٠٢)

سورة التكاثر

مكيّة / آياتها (٩)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «التكاثر» ، وفي كونها مكية أو مدنية خلاف ، وهي تعالج قضايا العقيدة ، وحيث اختتمت سورة «القارعة» بذكر النار ، افتتحت هذه السورة بغفلة الناس عنها.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الإله الذي له كل شيء ولا أحق بالابتداء منه ، الرحمن الرحيم ، الذي يتفضل على العباد بالرحمة تفضلا وامتنانا.

٧٢٦

أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٤) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (٥) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (٦)

____________________________________

[٢] (أَلْهاكُمُ) أي أشغلكم عن طاعة الله وعبادته ، أيها الناس (التَّكاثُرُ) بالأموال والأولاد والأمور المرتبطة بالدنيا ، والتفاخر بكثرتها يقال تكاثر إذا تباهي بالكثرة.

[٣] (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي ذهبتم إلى القبور لزيارتها ، فإن هناك ينتبه الإنسان إلى فناء الدنيا ، وعدم الفائدة في التباهي والتفاخر بكثرة الأمور المرتبطة بها ، أو المعنى حتى أدركتم الموت ، وكني عن ذلك بزيارة المقابر دلالة على عدم بقاء الإنسان فيها أيضا ، فإنه ينتقل منها إلى الدار الآخرة.

[٤] (كَلَّا) ليس الأمر كما أنتم عليه من التكاثر (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) عاقبة الاشتغال بالدنيا ، والغفلة عن الآخرة ، وهذا تهديد لهم.

[٥] (ثُمَ) لترتب الكلام (كَلَّا) ليس الأمر على ما أنتم عليه (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) كرّر للتكريز والإيحاء بالارتداع عن التكاثر لو خامة عاقبته.

[٦] (كَلَّا) ليس الأمر كما زعمتم (لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) أي علما يقينيا ، بحيث تتيقنون بالآخرة ـ لا علما استدلاليا فقط ـ أي لو تعلمون لعلمتم أن التباهي والتكاثر لا ينبغي ، وإنما الاشتغال بالآخرة هو الأمر اللازم.

[٧] (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) رؤية بالقلوب ، حتى كأنكم تشاهدونها ، فتخافون من الاشتغال عن أمرها ، بما لا فائدة فيه من التباهي والتفاخر.

٧٢٧

ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (٧) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)

____________________________________

[٨] (ثُمَ) بعد كثرة التفكير في الجحيم ورؤيتها بالقلب (لَتَرَوُنَّها) أي الجحيم (عَيْنَ الْيَقِينِ) أي اليقين الذي هو كالمعاينة ، كما قال الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام «فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون ، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون» فأولى المراتب العلم الاستدلالي ، ثم ذوق القلب باليقين الصادق ثم استيلاء اليقين على القلب حتى كأن الإنسان يشاهد الشيء المعلوم.

[٩] (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَ) أيها الناس (يَوْمَئِذٍ) يوم زاد يقينكم حتى صار عين اليقين (عَنِ النَّعِيمِ) فإن الإنسان إذا زاد يقينه أخذ يبحث في أموره حتى لا يكون فيها حرام أو مشتبه ، فيسأل من أين جاء بهذا المال والولد؟ ومن أين له هذا الجاه والمقام؟ أمن حل أو من حرام؟ وما أشبه ذلك ، فهو كالمسؤول الذي تسأله نفسه عن تلك الأمور ، ويحتمل أن يراد كون السؤال هناك في الآخرة ، وكذلك رؤية الجحيم ـ كما في بعض الأحاديث.

٧٢٨

(١٠٣)

سورة العصر

مكية / آياتها (٤)

سميت السورة بهذا الاسم ، لاشتمالها على لفظ «العصر» ، وهي كسائر السور المكية بصدد بيان قضية العقيدة ، وحيث ختمت سورة «التكاثر» بوعيد من ألهاه التكاثر ، افتتحت هذه السورة بمثل ذلك.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) نستعين باسم الله الذي له كل شيء ويقدر على جميع أنواع الإعانة ، الرحمن الرحيم الذي يرحم كل شيء بخلقه وتكميله ، ويرحم الإنسان بغفران ذنبه وجبر كسره.

٧٢٩

وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)

____________________________________

[٢] (وَالْعَصْرِ) قسما بالعصر ، أي عصر النبوة ، أو عصر الدهر ، أو عصر الحجة عليه‌السلام ، أو العصر مقابل الصبح ، كما حلف سبحانه ب «الضحى» وما أشبه ـ وقد سبق الوجه في هذه الأقسام ـ.

[٣] (إِنَّ الْإِنْسانَ) بطبيعته (لَفِي خُسْرٍ) أي خسارة مستمرة ، إذ يتدرج نحو الفناء ، كما تتدرج أخلاقه في الانحطاط ، فإن الإنسان كلما دخل في الدنيا أكثر ، زاد تكالبه ورذائله ، بالإضافة إلى أن كل ساعة تذهب ولم يعمل الإنسان فيها صالحا كان خاسرا ، إذ ذهب من رأس ماله ـ الذي تمكن به من تحصيل أرقى الدرجات ـ هباء هدرا ، ولو لم يحصل على المعصية في تلك الساعة فرضا.

[٤] (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله وما جاء به (وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ) التي لا يشوبها السيئات (وَتَواصَوْا بِالْحَقِ) بأن أوصى بعضهم بعضا ، بأن يلازم الحق ويعمل به (وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) بأن يصبروا على مكاره الدنيا ، وذلك بالصبر على الطاعة ، والصبر على المعصية ، والصبر في الرزية. وخصص السياق هذين الأمرين ، بعد دخولهما في مطلق الأعمال الصالحة ، لشدة الاحتياج إليهما ، في تلازم العمل الصالح فإنهما عمادان له.

٧٣٠

(١٠٤)

سورة الهمزة

مكيّة / آياتها (١٠)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «الهمزة» ، وهي كسائر السور المكية بصدد بيان قضايا العقيدة وما إليها ، وحيث ذكر في السورة السابقة كون الإنسان في الخسر ، أتت هذه السورة لتبين بعض أسبابها.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الإله الذي هو الأول قبل كل شيء ، الرحمن الرحيم ، ذو الرحمة المكررة المؤكدة التي وسعت كل شيء.

٧٣١

وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١) الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ (٢) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (٣) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (٤) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (٥)

____________________________________

[٢] (وَيْلٌ) هي كلمة تقال لبيان سوء حال المقولة فيه (لِكُلِّ هُمَزَةٍ) هو الكثير الطعن على الناس بغير حق العائب لهم ، وأصل الهمز الكسر ، فكأن العائب يكسر الشخص ويهدم شوكته (لُمَزَةٍ) هو المغتاب للناس ، وهما وصفان بمعنى «همّاز» و «لمّاز».

[٣] (الَّذِي جَمَعَ مالاً) من هنا وهناك (وَعَدَّدَهُ) أي أحصاه ، ليرى كم زاد ، وهذه صورة للإنسان الشره المنحط النفس الذي يدأب في جمع المال ، ويعيب الناس كلهم بلا استثناء.

[٤] (يَحْسَبُ) أي يظن (أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) أي يقيه في الدنيا ويمنعه من الحوادث ، فإن كل حادث ينوبه يدفع بالمال رشوة ، أو إنفاقا لدفع جريمة عملها ، أو مرض جاء إليه ، أو ما أشبه. والمراد أن فعله فعل من يحسب ذلك وإن كان كل إنسان يعلم بالموت ، ويدري أنه لا مفر له منه.

[٥] (كَلَّا) ليس الأمر على ما توهم ، من أنه ذو مال مرح إلى الأبد ، وأنه خالد بماله (لَيُنْبَذَنَ) أي يطرحن هذا الهمزة اللمزة طرحا بدون مبالاة واعتناء (فِي الْحُطَمَةِ) اسم من أسامي جهنم ، سميت بها لأنها تحطم كل شيء وتكسره فتحطم النار كيانه وكبرياءه.

[٦] (وَما أَدْراكَ) أيها الإنسان ، أو أيها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (مَا الْحُطَمَةُ)؟ وهذه لتفخيم شأنها وأنها لا تدرك إلا إذا شاهدها الإنسان.

٧٣٢

نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ (٦) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (٧) إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (٨) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (٩)

____________________________________

[٧] ثم جاء البيان لها بقوله : هي (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ) وكم يقدر الإنسان عظمة النار التي يوقدها ويؤججها الله سبحانه الذي هو أقدر القادرين للنكال والعقاب.

[٨] (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) جمع فؤاد ، أي تشرف على القلوب لتحرق مكان انبعاث السخرية وحب المال وتعداده بلا إنفاقه في سبيل الله وفي وجوه الخير.

[٩] (إِنَّها) أي الحطمة (عَلَيْهِمْ) أي على هؤلاء المجرمين (مُؤْصَدَةٌ) فتغلق أبوابها عليهم لييئسوا من الخروج ، من أوصد الباب : بمعنى أغلقه.

[١٠] (فِي عَمَدٍ) جمع عمود (مُمَدَّدَةٍ) أي موثقين في أعمدة ممدودة ، فقد اعتاد الملوك السابقون أن يربطوا رجل المجرم بعمود ممدود مبني في الأرض أو في الحائط لئلا يفر ، وهذا لزيادة النكال والعذاب.

٧٣٣

(١٠٥)

سورة الفيل

مكيّة / آياتها (٦)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «الفيل» ، وهي كسائر السور المكية لمعالجة قضية العقيدة ، وحيث تقدمت في السورة السابقة نكال الله بالكافرين في الآخرة ، ذكر في هذه السورة نكاله بهم في الدنيا.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الله المستجمع لجميع صفات الكمال ، الرحمن الرحيم الذي يتفضل بالرحمة لكل أحد.

٧٣٤

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)

____________________________________

[٢] (أَلَمْ تَرَ) أي ألم تسمع يا رسول الله ، أو أيها السامع (كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ) من العذاب والنكال (بِأَصْحابِ الْفِيلِ) الذين جاؤوا به لهدم الكعبة؟

[٣] (أَلَمْ يَجْعَلْ) الله (كَيْدَهُمْ) الذي كادوا لهدم البيت واحتالوا لإطفاء نور الله (فِي تَضْلِيلٍ) أي في تضييع وإبطال ، فكأن كيدهم عوض أن يهدي إلى مقصدهم أضلهم وأورث هلاكهم ودمارهم.

[٤] (وَأَرْسَلَ) الله (عَلَيْهِمْ طَيْراً) يسمى (أَبابِيلَ) وهو الخطاف أو بمعنى جماعات ، فإن أبابيل في اللغة بمعنى جماعات في تفرقة أي جماعة جماعة.

[٥] (تَرْمِيهِمْ) تلك الأسراب من الطير ـ فإن المراد بالطير الجنس (بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) أي تقذفهم بأحجار صغار صلبة هي من طين متحجر ، وهو معرّب «سنك كل» ، وذلك أشد وأصلب وأوجع إذا أصاب الإنسان.

[٦] (فَجَعَلَهُمْ) أي جعل الله أولئك الأصحاب (كَعَصْفٍ) أي زرع (مَأْكُولٍ) قد أكل ثمره فبقي خاليا خاويا ، فقد كان الحجر إذا أصاب أحدهم ، جعله خاليا ، كأنه تبن بلا حب.

٧٣٥

____________________________________

وكان الأصل في ذلك أن فئة من قريش خرجوا تجارا إلى أرض النجاشي ، فساروا حتى دنوا من ساحل البحر ، وفي حقف من أحقافها بيعة من بيع النصارى تسميها قريش «الهيكل» ، فنزل القوم فجمعوا حطبا ثم أججوا نارا وشووا لحما ، فلما ارتحلوا تركوا النار كما هي في يوم عاصف ، فذهبت الرياح بالنار فاضطرم الهيكل نارا ، فغضب النجاشي لذلك فبعث أبرهة لهدم الكعبة ، فجاء أبرهة بالفيل مع الجيش ، فلما أدنوه من باب المسجد قال له عبد المطلب : أتدري يا فيل أين يؤم بك؟ قال برأسه : لا. قال : أتوا بك لتهدم كعبة الله أتفعل ذلك؟ فقال برأسه : لا ، فجهدت به الجند ليدخل المسجد فامتنع ، فحملوا عليه بالسيوف وقطعوه فأرسل الله إليهم طيرا أبابيل بعضها إثر بعض ، ترميهم ، فكان مع كل طير ثلاثة أحجار ، حجر في منقاره ، وحجران في مخالبه ، وكانت ترفرف على رؤوسهم وترمي الحجر بدماغهم ، فيدخل الحجر في أدمغتهم ويخرج من أدبارهم فتنتقض أبدانهم (١).

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ١٥ ص ٦٣٢.

٧٣٦

(١٠٦)

سورة قريش

مكيّة / آياتها (٥)

سميت ب «لإيلاف» أيضا ، لاشتمالها على اللفظتين ، وهي كسائر السور المكية بصدد معالجة قضية العقيدة ، ولما ذكر سبحانه دفعه الأعداء عنهم ، ألحق بذلك لطفه عليهم بإطعامهم وتهيئة أسباب العيش لهم.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الإله الأول قبل كل شيء ، ليكون شعارا للمسلم المعترف بذلك ، الرحمن الرحيم ، الذي يتفضل بالرحمة المتكررة في الدنيا والآخرة على عباده.

٧٣٧

لِإِيلافِ قُرَيْشٍ (١) إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ (٢) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (٤)

____________________________________

[٢] (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) من «آلف» نقيض «أوحش» يعني من أجل أن جعل الله الحرم وطرقه آمنا حتى ألف قريش أن يذهب إلى الشام وإلى اليمن ، في أمن ودعة ، بلا استيحاش وخوف.

[٣] (إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ) أي رواحهم في الشتاء إلى اليمين لأجل التجارة (وَالصَّيْفِ) أي رواحهم في الصيف إلى الشام لأجل التجارة ، وهذا توضيح لقوله «لإيلاف قريش».

[٤] (فَلْيَعْبُدُوا) هذا متعلق «لإيلاف» أي ليعبد قريش (رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) إله الحرم لأجل ما صنع لهم من الألفة والأمن ، حتى ألفوا السفر في كل سنة بلا خوف ولا وحشة ، فقوله «لإيلاف» متعلق بقوله «فليعبدوا».

[٥] ثم بين بعض أوصافه سبحانه مما تخصهم بقوله : الرب (الَّذِي أَطْعَمَهُمْ) أي طعم (مِنْ جُوعٍ) بما سبب لهم من الأرزاق في رحلتي الشتاء والصيف (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) بما هيأ لهم حرما آمنا ، لا يلقون فيه إلا الأمن حيث يختطف الناس من حولهم ، ومعنى «من» : بعد ، أي أطعمهم بعد الجوع ، وآمنهم بعد الخوف ، أو بمعنى «من حيث» أي من هاتين الناحيتين ـ وهذا أقرب بالنسبة إلى الموضوع ـ

قال القمي : نزلت في قريش ، لأنه كان معاشهم من الرحلتين رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى الشام ، وكانوا يحملون من مكة الأدم واللب وما يقع من ناحية البحر من الفلفل

٧٣٨

____________________________________

وغيره ، فيشترون من الشام الثياب والدرمك «وهو دقيق الحبوب» والحبوب ، وكانوا يتألفون في طريقهم ويثبتون في الخروج في كل خرجة رئيسا من رؤساء قريش ، وكان معاشهم من ذلك ، فلما بعث الله نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استغنوا عن ذلك ، لأن الناس وفدوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحجوا إلى البيت (١).

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ص ٤٤٤.

٧٣٩

(١٠٧)

سورة الماعون

مكيّة أو مدنيّة / آياتها (٨)

سميت السورة بهذا الاسم ، لاشتمالها على لفظة «الماعون» ، وفي كونها مكية أو مدنية خلاف ، وعلى كل فهي بصدد بيان العقيدة وما إليها ، وإذ تقدم في السورة السابقة نعمة الله على قريش ، جاءت هذه السور لتردعهم عن الكفر والعصيان. بعد إسباغ تلك النعم الجليلة عليهم.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) نستعين باسم «الله» ليكون سبحانه عونا لنا في مهام الحياة ، وفي ما بعد الممات ، ذي الرحمة الشاملة التي وسعت كل شيء ، فتعم الأشياء عامة ، والمؤمنين خاصة.

٧٤٠