تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ٥

آية الله السيد محمد الشيرازي

تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٨

إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨)

____________________________________

[٧] (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله واليوم الآخر (وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ) الملازمة لاجتناب السيئات (فَلَهُمْ أَجْرٌ) وثواب في الآخرة (غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي غير مقطوع بل متواصل دائم إلى الأبد ، من «منّ» بمعنى قطع.

[٨] (فَما يُكَذِّبُكَ) أيها الإنسان (بَعْدُ) أي بعد هذه الحجج والآيات وبيان طرفي الإنسان صعودا وهبوطا (بِالدِّينِ) أي بالجزاء ، والمعنى ما الذي يسبب أن تكذب بالجزاء بعد أن عرفت الرفعة والانحطاط في الإنسان ، كما لو بين الأستاذ مضرة الرسوب ومنفعة النجاح يتساءل ما الذي يوجب للتلميذ أن يترك درسه؟

[٩] (أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ)؟ أي أحسن حكما من كل حاكم ، حيث قرر للإنسان هذين النوعين من الجزاء ، فمن أحسن له أجر غير ممنون ومن أساء فهو يتردى في مهاوي الانحطاط.

٧٠١

(٩٦)

سورة العلق

مكيّة / آياتها (٢٠)

وهي أول سورة نزلت على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمكة على المشهور ، وسميت بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «علق» ، وهي كسائر السور المكية بصدد الأمور المرتبطة بالعقيدة وما إليها ، وإذ تقدم في تلك السورة ذكر خلق الإنسان في أحسن تقويم ، جاءت هذه السورة مؤكدة لذلك.

ولا يخفى أن ترتيب السور ـ كما ورد ـ إنما كان بأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما أن إدخال كل آية في سورة خاصة كان كذلك ، وتسميتها بأسامي خاصة أيضا بأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا لا ينافي النزول على غير هذا الترتيب. وأما ما صنعه «أبو بكر» و «عثمان» حتى اشتهر بأنهما جمعا القرآن ، فإنما كان كل إنسان كتب بعض القرآن في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمقدار ما سمع ، فهما ردا الجميع إلى أصل واحد هو المنظم المرتب على ترتيب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما لو فرضنا أن كتاب أحد المؤلفين قسم إلى أجزاء وبيد كل شخص جزء ، ثم جاء شخص ، وجمع الكل على

٧٠٢

نسق كتابه ، وجاء بعده آخر فأحرق الناقصات وأمر بلزوم أن يكون الكتاب المتداول بلا زيادة أو نقصان ـ وللكلام تفصيل ذكرناه في بعض ما كتبناه ـ.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الله ، الذي لا أحق بالابتداء منه ، فإن بيده الابتداء والانتهاء ، وهو المبدئ والمعيد ، الرحمن الرحيم الذي يتفضل بالرحمة لكل إنسان ولكل شيء.

٧٠٣

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)

____________________________________

[٢] (اقْرَأْ) يا رسول الله ، القرآن مصاحبا قراءتك (بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) فإذا قرأ كل إنسان ما يقرأ بدون اسم الله ، فأنت اقرأ مع اسم الله ، وفي الحديث أن جبرئيل نزل على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جبل «حراء» بمكة. فقال : «اقرأ» قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أقرأ ولست أنا بقارئ فقال عليه‌السلام : «اقرأ ...» (١).

[٣] (خَلَقَ الْإِنْسانَ) تخصيص بعد التعميم ، فإن «خلق» الأول حيث حذف متعلقة أفاد العموم (مِنْ عَلَقٍ) والعلق هو الدم المنجمد الذي ينقلب المني إليه ، بعد استقراره في الرحم ، وهذا هو بدء الإنسان.

[٤] (اقْرَأْ) للتأكيد في القراءة (وَرَبُّكَ) يا رسول الله هو (الْأَكْرَمُ) من كل كريم ، ومن كرمه خلق الإنسان من تلك العلقة القذرة ، وأوصله إلى المقامات الرفيعة.

[٥] (الَّذِي عَلَّمَ) الإنسان المعارف أو العلوم بسبب القلم فلو لا خلقه للقلم وتعليمه للإنسان الكتابة لبقي الإنسان في دياجير الجهل والرذيلة ، فمنه سبحانه «القراءة» ف «اقرأ ...» ومنه الكتابة فعلم «بالقلم» ومنه البدء «من علق» ومنه الإيصال إلى الكمال.

[٦] (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) من أنواع العلوم والمعارف.

[٧] وهل يشكر الإنسان هذا الفضل العظيم لله سبحانه ، حيث أوجده من

__________________

(١) راجع بحار الأنوار : ج ١٨ ص ١٧٤.

٧٠٤

كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠)

____________________________________

العدم إلى أن أبلغه إلى غاية الكمال الجسدي ، وقد كان جاهلا ضالا فأبلغه رتبة العلم والهدى؟ (كَلَّا) لا يشكر الإنسان ، ف (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) يتجاوز حدوده ويتكبر على ربه.

[٨] ل (أَنْ رَآهُ) أي حين رأى نفسه (اسْتَغْنى) في جسمه وماله ويظن أنه غني بعد ذلك فلا يحتاج إلى ربه.

[٩] (إِنَّ إِلى رَبِّكَ) يا رسول الله (الرُّجْعى) مصدر «رجع» ، أي رجوع الخلق ، ويرجع إليه تعالى ـ أي إلى جزائه وحسابه ـ فيمن يرجع هذا الطاغي الذي طغى على الله سبحانه.

[١٠] (أَرَأَيْتَ) يا رسول الله (الَّذِي) طغى على الله ، حتى أنه (يَنْهى).

[١١] (عَبْداً إِذا صَلَّى) فإنه لم يكتف بطغيانه على الله في تركه الصّلاة ـ بنفسه ـ حتى أصبح ينهى سائر العباد إذا قاموا للصلاة؟ أرأيت هذا الإنسان يا رسول الله؟ وهذا استفهام لتوبيخ ذلك الشخص الناهي وتهديده.

قال القمي : كان الوليد بن المغيرة ينهى الناس عن الصّلاة وأن يطاع الله ورسوله ، فنزلت هذه الآية (١). وفي رواية أخرى أن أبا جهل قال : هل يغير محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا : نعم. قال : فبالذي يحلف به لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته ، فقيل : ها هو ذلك يصلي ، فانطلق ليطأ على رقبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما جاءهم إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه ، فقالوا : ما لك يا أبا الحكم؟ قال :

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ص ٤٣٠.

٧٠٥

أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥)

____________________________________

رأيت بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة ، وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي نفسي بيده لو دنى مني لا لاختطفته الملائكة عضوا عضوا (١) ، فأنزل سبحانه «أرأيت ...» وكأن التقدير أرأيت المانع عن الصّلاة؟ وهل علمت ماذا يكون جزاؤه؟ لبيان عظمة هذا العمل من حيث الإثم.

[١٢] (أَرَأَيْتَ) يا رسول الله (إِنْ كانَ) العبد الذي صلى ـ وهو الرسول ـ (عَلَى الْهُدى) وكانت صلاته حسب أمر الله سبحانه؟

[١٣] (أَوْ أَمَرَ) ذلك العبد (بِالتَّقْوى) والمخافة من الله سبحانه باجتناب نواهيه؟ ماذا كان مصير ذلك له؟ أليس مصيره إلى العذاب والنكال؟

[١٤] (أَرَأَيْتَ) يا رسول الله (إِنْ كَذَّبَ) ذلك الناهي ـ وهو أبو جهل أو الوليد ـ بآيات الله ورسوله (وَتَوَلَّى) أي أعرض عن الحق ، ما هي عاقبته؟

[١٥] (أَلَمْ يَعْلَمْ) ذلك الناهي (بِأَنَّ اللهَ يَرى) عمله ونهيه عن الصّلاة وكذبه وتوليه؟ ولم يعلم جزاء هذه السيئات؟ فإنه كيف ينهى ويكفر ويعصي ، وجزاء من يفعل ذلك النار والنكال؟

[١٦] (كَلَّا) ليس الأمر على ما توهم من أنه لا جزاء على أعماله السيئة (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ) هذا الناهي عن أعماله وسيئاته (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) أي لنجرنّه بناصيته إلى النار ، من «سفع» بمعنى جذب الشيء جذبا شديدا ، «والناصية» هي شعر مقدم الرأس ، فإنه أسهل للأخذ وأوجب لانقياد المأخوذ.

__________________

(١) بحار الأنوار : ج ٩ ص ١٧٠.

٧٠٦

ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)

____________________________________

[١٧] (ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) نسبة الكذب والخطأ إلى الناصية مجاز باعتبار علاقة الجزء والكل ، كما أن نسبة الإيمان إلى الرقبة في قوله (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (١) كذلك والمراد أن صاحب الناصية كاذب في أقواله خاطئ في أعماله.

[١٨] (فَلْيَدْعُ) ذلك الإنسان الناهي (نادِيَهُ) أي أهل مجلسه وأصدقائه ، فإن «النادي» هو محل الاجتماع ، الذي ينادي بعضهم بعضا إليه ، ونسبة النداء إليه مجاز من باب «اسأل القرية» يعني يدعوهم لخلاصه فهل يتمكنون إنقاذه من بطش الله سبحانه؟

قال ابن عباس : لما أتى أبو جهل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انتهره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال أبو جهل : أتنتهرني يا محمد فو الله لقد علمت ما بها أحد أكثر ناديا مني؟ فأنزل الله هذه الآية.

[١٩] (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) يعني إنا ندعو الملائكة الموكلين بالنار لقبض ذلك الشخص الناهي ، وليدع هو ناديه ، حتى يظهر أينا يغلب الآخر. وهذا تهديد له بأنه لا منقذ له من بطشه سبحانه ، و «الزبانية» جمع «زبينة» وهي النفس التي تدفع ، من «الزين» بمعنى الدفع ، فإن الملائكة يدفعون المجرمين إلى النار دفعا.

[٢٠] (كَلَّا) ليس الأمر كما زعم هذا الناهي ، ف (لا تُطِعْهُ) يا رسول الله في ترك الصّلاة التي ينهى عنها (وَاسْجُدْ) لله سبحانه ، أو بمعنى أخضع له بالصلاة ونحوها (وَاقْتَرِبْ) من رضوان الله بطاعته وعبادته من «القرب». وسورة اقرأ إحدى «العزائم» الأربع ، وهذه هي آية السجدة.

__________________

(١) النساء : ٩٣.

٧٠٧

(٩٧)

سورة القدر

مكية أو مدنية / آياتها (٦)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «القدر» ، وهي إما مكية ـ كما يظهر من سياقها ـ أو مدنية ، وعلى أي حال ترتبط بقضايا العقيدة وإذ ختمت سورة «العلق» بذكر الاقتراب منه سبحانه ، بينت في هذه السورة إن الاقتراب إليه في ليلة القدر أفضل من الاقتراب إليه سبحانه في سائر الأوقات.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) نستعين باسم الإله ، ليكون عونا لنا في أمورنا ، الرحمن الرحيم الذي يرحم العباد ويتفضل عليهم بما يستر زللهم ويسد خللهم.

٧٠٨

إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)

____________________________________

[٢] (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أي القرآن ـ المعلوم من السياق ـ والإتيان بلفظ الجمع في «إنّا» و «أنزلنا» باعتبار التعظيم ، فقد كان المتعارف أن يتكلم كل رئيس عن نفسه وعن أتباعه ، ثم أستعير «الجمع» في كل تعظيم (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وهي «التاسعة عشرة» أو «الواحدة والعشرون» أو «الثالثة والعشرون» من شهر رمضان المبارك ، فقد نزل القرآن بجملته إلى البيت المعمور ـ في السماء الرابعة ـ في إحدى هذه الليالي الثلاث ، ثم نزل منجما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ظرف ثلاث وعشرين سنة ، أو المراد أن إنزاله على قلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان في هذه الليلة ، وإنما إتيان جبرئيل به أقساطا من السماء ـ بمناسبات ـ كان في ظرف ثلاث وعشرين سنة ، وسميت الليلة ب «القدر» لتقدير أعمال العباد في هذه الليلة.

وقد ورد في الأحاديث ان في هذه الليلة من كل سنة تنزل أفواج من الملائكة بالتقديرات لتلك السنة ، إلى الإمام الحي من الأئمة الإثني عشر عليهم‌السلام بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيعلم الإمام بما قدر الله سبحانه للخلائق من الآجال والأرزاق والأعمال وسائر الأمور المرتبطة بهم (١) ، وهذا لا يعني أنهم كالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نزول الوحي ، فقد نزل جبرئيل على مريم وليست رسولا ، بل هو تشريف من الله سبحانه للإمام الذي هو خليفة في أرضه بعد الرسول ، وفي دورنا تنزل الملائكة بالتقديرات ـ في ليلة القدر ـ على الإمام المهدي المنتظر «عجل الله فرجه».

[٣] (وَما أَدْراكَ) يا رسول الله ، أو أيها السامع (ما) هي (لَيْلَةُ الْقَدْرِ)؟ وهذا لتعظيم شأنها.

__________________

(١) راجع بحار الأنوار : ج ٨٢ ص ٥٢.

٧٠٩

لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)

____________________________________

[٤] (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يعني أن الأعمال الصالحة في ليلة القدر خير من العمل الصالح في ألف شهر ـ التي هي أكثر من ثمانين سنة ـ فإن الأزمان إنما تفضل بعضها على بعض بما يقع فيها من الأعمال أو المعنى أن تلك الليلة التي نزل فيها القرآن ، خير من ألف شهر لما حدث فيه من أمر عظيم هو نزول القرآن.

[٥] (تَنَزَّلُ) أصله «تتنزل» حذفت إحدى تائيه على القاعدة ـ كما سبق ـ (الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) وهو ملك عظيم ، أو جبرئيل عليه‌السلام (فِيها) أي في تلك الليلة (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) فإن الله يأذن لهم في النزول على الرسول والإمام لبيان مقدرات العباد في تلك السنة (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) فقد جاء جبرئيل وسائر الملائكة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تلك الليلة ومعهم كل أمر مربوط بالأرض من الهداية والإرشاد ، والتنظيم والتقنين والسعادة والخير؟ وكذلك يأتون في كل سنة إلى الإمام الحي بذلك كله.

[٦] (سَلامٌ هِيَ) أي تلك الليلة ، فقد قدر فيها منهاج السّلام العام للعالم ، سلامة الروح عن الأوضار ، وسلامة الجسم عن الأمراض ، وسلامة المجتمع عن المفاسد ، وسلامة العقل عن الخرافة. أو المعنى أن الليلة هي سلام ، بمعنى كونها سالمة عن البلايا والآفات ، فلا يقدر فيها إلا السّلام (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) فإذا طلع الفجر انتهى تنزل الملائكة ، ويتم الأمر ، كما حين طلع الفجر من ليلة نزول القرآن انتهى تنزل الملائكة وقدر الأمر. ومن المستحب الدعاء والضراعة في هذه الليلة ، تذكرا لابتداء الوحي ، وطلبا لأن يقدر فيها الخير ، بالنسبة إلى السنة المقبلة.

٧١٠

٩٨

سورة البيّنة

مدنية أو مكيّة / آياتها (٩)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «البينة» وهي كسائر السور المكية تعالج قضايا العقيدة ، وهناك قول آخر بأنها مدنية ، وفيها بعض إماراتها. وحيث بينت سورة القدر أن القرآن نزل في ليلة القدر ، جاءت هذه السورة تبين أن الكفار لم يزالوا على كفرهم وضلالهم ، حتى أتاهم القرآن ، فاهتدى بعضهم به.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم «الله» الذي هو الذات المستحق لكل تجلة وإعظام ، الرحمن الرحيم ، الذي يرحم كل شيء بإعطائه خلقه ثم هدايته إلى طريق حياته ، ويرحم الإنسان بصورة خاصة بإرشاده وغفران خطأه إن تاب وأناب.

٧١١

لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (١) رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (٢) فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (٣)

____________________________________

[٢] (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) يعني اليهود والنصارى والمجوس ، والوصف ليس للتصنيف بل للبيان ، فإن كل أهل الكتاب قد كفروا بنسبتهم إلى الله الولد والشريك وتوصيفهم له بما لا يليق بجلال شأنه (وَ) من (الْمُشْرِكِينَ) الذين أشركوا بالله وعبدوا الأصنام معه (مُنْفَكِّينَ) أي منتهين عن كفرهم ، من «انفك» بمعنى زال عنه ، وابتعد (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي الحجة الظاهرة ـ وهو القرآن الكريم ، والرسول العظيم ـ إذ لا مجال لهم في عرفان الحقائق بعد ما حرّفوا كتبهم وبدلوا دينهم.

[٣] ثم بين المراد بالبينة بقوله : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) أي من طرفه سبحانه (يَتْلُوا) ويقرأ عليهم (صُحُفاً مُطَهَّرَةً) هي صحائف القرآن الحكيم التي طهرت عن الكفر والشرك ونسبة ما لا يليق إلى الله وإلى أنبيائه ، فإن النبي وإن كان يتلو عن ظهر القلب لكنه كان يقرأ عن اللوح المحفوظ عكس كتاب العهدين.

[٤] (فِيها) أي في تلك الصحف (كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) «الكتاب» يستعمل بمعنى الموضوع ، كما يقال : كتاب الصلاة ، وكتاب الحج ، يراد موضوعهما ـ ولذا نرى كتاب الصلاة ، مثلا في ضمن كتاب «شرائع الإسلام للمحقق» ، أو أن الكتاب بمعنى المكتوب ، وهو في الصحيفة ، يعني أن تلك الصحف تشتمل على موضوعات ذات قيمة وثمن ، أو بمعنى

٧١٢

وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (٤) وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ

____________________________________

ذات استقامة ، فإن القيمة بمعنى المستمرة في جهة الصواب.

[٥] (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) أي أعطوا الكتاب السماوي (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) أي الحجة الواضحة ، والمعنى أن أهل الكتاب إنما اختلفوا ـ في أمر الرسول أو أمر دينهم السابق بأن صار لكل فئة مذهب وطريقة ـ بعد أن تمت عليهم الحجة وعرفوا الصواب ، وإنما اختلفوا بغيا وحسدا.

[٦] (وَ) الحال أن الله لم يأمرهم إلا بعبادته واتباع طريقته ، فإنهم (ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ) وحده في حال كونهم (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي يخلصون الطريقة لله سبحانه ، بلا زيادة أو نقصان ، أو شرك أو انحراف ، في حال كونهم (حُنَفاءَ) جمع حنيف ، أي مائلين عن الأديان الباطلة والطرائق الزائفة ، من «حنف» بمعنى مال (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي يداوموا على إقامة الصّلاة (وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ) أي يعطوها ، والمراد بها إما مطلق الإعطاء ، أو الزكاة المفروضة. فقد فرضت الزكاة في الأديان السابقة ـ (وَذلِكَ) الدين المشتمل على هذه الأمور المذكورة (دِينُ الْقَيِّمَةِ) أي دين الكتب القيمة ـ التي تقدم ذكرها ـ بمعنى أنه الدين المذكور في تلك الكتب.

[٧] (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) استمروا على كفرهم فلم يؤمنوا

٧١٣

وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (٦) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (٧) جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (٨)

____________________________________

بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (وَ) من (الْمُشْرِكِينَ) بأن استمروا في شركهم يكونون (فِي نارِ جَهَنَّمَ) في الآخرة حال كونهم (خالِدِينَ فِيها) أي في النار إلى الأبد (أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) أي شر الخلق ، فإن البرية هي الخليقة ، من برأ بمعنى خلق وأنشأ.

[٨] (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله واليوم الآخر (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الأعمال الصالحة ، الملازمة لعدم الإتيان بالأعمال الفاسدة (أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أي الأفضل من جميع الخلق ، وفي مقابلهم من آمن وعصى ، فإنه ليس بذلك الشر ولا بذلك الخير.

[٩] (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي المحل الذي أعده للحساب والجزاء فإنه سبحانه لا مكان له (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي بساتين إقامة ، من «عدن» بالمكان إذا أقام فيه (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي من تحت أشجارها وقصورها ، أنهار من عسل وخمر ولبن وماء (خالِدِينَ فِيها) أي في تلك الجنات (أَبَداً) دائما لا يزولون عنها (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) حيث عبدوه وأطاعوه (وَرَضُوا عَنْهُ) حيث أكرمهم وتفضل عليهم بالخير والسعادة (ذلِكَ) الثواب والفضل (لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) أي خافه فلم يعصه ولم يرتكب ما يخالف أوامره.

٧١٤

(٩٩)

سورة الزلزلة

مدنية أو مكيّة / آياتها (٩)

وتسمى سورة «الزلزال» أيضا ، لاشتمالها على كلمة «زلزلت» ، وفي كونها مدنية أو مكية خلاف لكنها تعالج قضايا العقيدة ، وهي التي تؤكد كونها مكية ، وحيث ختمت سورة «البينة» بجزاء المطيعين في الجنان ، والعاصين بالنيران ، افتتحت هذه السورة بذكر أشراط الساعة ، وعلائم القيامة ، التي هي يوم الفصل والجزاء.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الله الذي هو الأول ، فلا شيء قبله ومعه ، تطابقا للشروع في الشيء مع الخارج ، بجعل اسم الله سبحانه شعارا ، الرحمن الرحيم الذي يتفضل بالرحمة لمن استرحمه ، ولمن لم يسترحمه ، وإن كان فرق بينهما في زيادة التفضل والمثوبة وما أشبه.

٧١٥

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً

____________________________________

[٢] (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) أي حركت تحركها الشديد ، واضطربت اضطرابا عظيما.

[٣] (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) كل ما فيها من الأشياء الثقيلة ، من معادن ودفائن وأموات وأشباه ذلك ، فإنها تلقيها على ظهرها عند قيام الساعة.

[٤] (وَقالَ الْإِنْسانُ) متعجبا من هذه الحوادث : (ما لَها) أي ما للأرض تتزلزل وتضطرب وتخرج ما في بطنها؟!

[٥] (يَوْمَئِذٍ) أي في ذلك اليوم ـ وهو يوم القيامة ـ (تُحَدِّثُ) الأرض (أَخْبارَها) ورد عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : أتدرون ما أخبارها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : أخبارها أن تشهد على كل عبد بما عمل على ظهرها.

[٦] كل ذلك الزلزال والإخراج والحديث يصدر من الأرض بسبب أن (رَبَّكَ) يا رسول الله (أَوْحى لَها) أي للأرض بأن تعمل ذلك ، والسماء والأرض مطيعتان لله سبحانه فيما يأمر ، كما قال سبحانه (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١).

[٧] (يَوْمَئِذٍ) أي في ذلك اليوم (يَصْدُرُ النَّاسُ) أي يرجع الناس من قبورهم إلى المحشر (أَشْتاتاً) جمع «شتيت» أي متفرقين ، بعضهم

__________________

(١) فصلت : ١٢.

٧١٦

لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)

____________________________________

لعاقبة حسنة وبعضهم لعاقبة سيئة (لِيُرَوْا) ـ على البناء للمفعول ـ أي حتى يريهم الله (أَعْمالَهُمْ) التي عملوها ويجازي كل على عمله.

[٨] (فَمَنْ يَعْمَلْ) في الدنيا (مِثْقالَ ذَرَّةٍ) أي بقدر ثقل ذرة ـ وهي الهباءة التي ترى في الشمس إذا دخلت من الكوة في المحل المظلم ـ (خَيْراً يَرَهُ) أي يرى جزاء ذلك الخير ، في ذلك اليوم.

[٩] (وَمَنْ يَعْمَلْ) في الدنيا (مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا) من الكفر والعصيان (يَرَهُ) في ذلك اليوم ، ولا يظلم أحد شيئا ، إلا أن يدرك عامل الشر شفاعة ، إن كان من أهلها ، أو عامل الخير إحباطا ، لأنه أتى بسيئة تحبط أعماله.

٧١٧

(١٠٠)

سورة العاديات

مدنيّة أو مكيّة / آياتها (١٢)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «العاديات» ، وهي كسائر السور المدنية تلمح إلى الأمور المرتبطة بالنظام إلى جنب العقيدة ، وهذه السورة نظير السورة السابقة في ذكر الجزاء.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) نشرع باسم الله ، ليكون شروعا مباركا ، فإنه لا يبدأ شيء باسم الله إلا كان الخير قرينة بلطفه وفضله ، الرحمن الرحيم ، الذي يرحم العباد ويتفضل عليهم بالسعادة والإحسان.

٧١٨

وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (١) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (٢) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً (٥)

____________________________________

[٢] (وَالْعادِياتِ) أي قسما بالأفراس التي تعدو في سبيل الله للجهاد (ضَبْحاً) أي تضبح ضبحا ، «والضبح» هو صوت الجوف الذي يسمع من الخيل حين تعدو.

[٣] (فَالْمُورِياتِ) أي قسما بالموريات ، والفاء للترتيب في الكلام أي الخيل التي تورى النار وتظهرها ، بوطء حوافرها على الأحجار (قَدْحاً) مثل نار الزناد إذا قدح ، تقدح قدحا أي تضرب ضربا يقال أورى القادح النار : إذا أظهرها.

[٤] فقسما بالمغيرات أي الأفراس التي أغارت على العدو (صُبْحاً) بعد أن سار المجاهدون ليلا ، حتى إذا أصبحوا أغاروا.

[٥] (فَأَثَرْنَ) تلك الأفراس (بِهِ) أي بذلك المكان ـ المعلوم من السياق ـ (نَقْعاً) أي غبارا ، يعني أن تلك الخيل أثارت بذلك المكان الغبار الكثير لمطاردتها الأعداء ، و «نون» جمع المؤنث يأتي للعاقلة وغير العاقلة ـ كما سبق ـ.

[٦] (فَوَسَطْنَ) تلك الأفراس (بِهِ) أي بذلك المكان (جَمْعاً) أي صرن في وسط ذلك المكان ، حتى فتحوا على العدو ، إذ حصلوا في وسطهم وأحدثوا الفوضى والاضطراب فيهم على حين غرة ، وهذه الآيات نزلت في «غزوة ذات السلاسل». وهي كما في كتاب «قادة الإسلام» (١) اشتركت قبائل من «لخم» و «جذام» و «بلقين» و «بهر» و

__________________

(١) للمؤلف.

٧١٩

____________________________________

«بلى» و «طي» و «عذرة» وغيرها في حرب «مؤتة» وساعدت الكفار على المسلمين ، وبعد وقعة «مؤتة» تجمعت قوى هؤلاء لمحاربة المسلمين وكان عددها اثني عشر ألف مقاتل ، فأراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يؤدبهم ويأخذ بثأر المسلمين الذين استشهدوا في «مؤتة» ، فجهز جيشا من أربعة آلاف نفر ، برئاسة «أبي بكر» وأمرهم بالذهاب إلى الكفار ومقاتلتهم ، وتوجه أبو بكر إلى تلك المنطقة ، فلما رأوه خرجوا إليه وحذروه من محاربتهم ، فخاف أبو بكر ورجع ، واغتاظ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رجوعه ، ثم أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «عمر» على الجيش فأرسلهم وحذرهم من الجبن ، لكن عمر جبن كأخيه من قبل ، «وآب بخفي حنين» ثم أمر الرسول «عمرو بن العاص» وأرسلهم لكنهم أيضا رجعوا حينئذ عقد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اللواء بقيادة الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام ووصاه بما أوصى به أولئك ثم قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنه لا بد وأن يفتح الله على يديك ... جاء الإمام عليه‌السلام حتى وصل إلى قرب معسكر الكفار بحيث يرونه ويراهم ، فانحاز من معسكرهم مائتا رجل ، وكلموا الإمام فدعاهم الإمام إلى الإسلام ، لكنهم أبوا وقالوا : إنا لنقتلكم جميعا وضربوا الموعد يوم غد ، وانصرفوا إلى معسكرهم ينتظرون غدا.

أمر الإمام جيشه أن يستعدوا ، فأخذوا كامل استعدادهم في الليل فلما أصبح الصباح وصلوا صلاة الصبح ، أمر الإمام الجيش بالهجوم على القوم ، فهجم جيش المسلمين يقدمهم الإمام عليه‌السلام على الكفار وهم نائمون إلا قليلا منهم ، وأولئك القليل لم يكونوا مستعدين للقتال فانهزموا أمام الجيش الإسلامي ، وقد أكثر فيهم الجيش من

٧٢٠