تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ٥

آية الله السيد محمد الشيرازي

تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ٥

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٦٨

وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ (٣٢) وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)

____________________________________

[٣٢] (وَإِذَا انْقَلَبُوا) أي رجع أولئك المجرمون (إِلى أَهْلِهِمُ) أي إلى بيوتهم (انْقَلَبُوا) ورجعوا في حال كونهم (فَكِهِينَ) الفكه هو المرح الأشر ، أي متلذذين بالسخرية منهم ، كما هو شأن الجهلاء دائما.

[٣٣] (وَإِذا رَأَوْهُمْ) أي رأى المجرمون ، المؤمنين (قالُوا) أي قال بعضهم لبعض (إِنَّ هؤُلاءِ) المؤمنين (لَضالُّونَ) عن طريق الصواب حيث تركوا نعيم الدنيا ، بزعم نعيم الآخرة «وهل عاقل باع الوجود بدين»؟

[٣٤] (وَ) الحال أن الكفار (ما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ) أي على المؤمنين (حافِظِينَ) أعمالهم ويشهدون برشدهم وضلالهم.

[٣٥] (فَالْيَوْمَ) أي يوم القيامة (الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ) جزاء وفاقا كما ضحك الكفار منهم في الدنيا ، فإن بعض الأحوال السيئة لشخص يوجب ضحك الطرف المقابل.

[٣٦] (عَلَى الْأَرائِكِ) جمع أريكة وهو الكرسي المعد لجلوس العروس (يَنْظُرُونَ) أي ينظر المؤمنون إلى الكفار ، وهم في النار يتقلبون.

[٣٧] ثم يأتي بالمستهزئين جزاء استهزائهم بالمؤمنين في الدنيا (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ) أي أثيبوا وجوزوا (ما كانُوا يَفْعَلُونَ) في الدنيا؟ نعم أثيبوا وها هم في النار يتقلبون.

٦٤١

(٨٤)

سورة الانشقاق

مكيّة / آياتها (٢٦)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على الفعل من هذا المصدر ، وهو «انشقت» ، وهي كسائر السور المكية تعالج قضايا العقيدة ، وحيث ختمت سورة المطففين بذكر القيامة ، ابتدأت هذه السورة بذكر أهوالها.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) نستعين باسم الله ، ليكون سبحانه عونا لنا في أمورنا ، الرحمن الرحيم الذي يتفضل بالرحم على الأشياء كلها كما قال (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (١) ، وهو أن يفعل بالشيء ما يخرجه من النقص إلى الكمال.

__________________

(١) الأعراف : ١٥٧.

٦٤٢

إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ (١) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٢) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (٣) وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ (٤) وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً

____________________________________

[٢] (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) أي تصدّعت وانفرجت ، كما ينشق الحائط فيظهر للعين في السماء لون الانفطار والانشقاق ، وتتناثر النجوم لاختلال النظام.

[٣] (وَأَذِنَتْ) السماء (لِرَبِّها) أي خالقها ، والمراد انقادت لله سبحانه ، وأصل الإذن الاستماع ، يقال «أذن فلان لأمري» أي استمع ، واستعمل مجازا بمعنى الانقياد بعلاقة السبب والمسبب (وَحُقَّتْ) أي وحق لها أن تأذن وتنقاد ، وإنما جيء بالمجهول لأن المعنى أنها جعلت حقيقة بالانقياد ، بأن خلقت بكيفية تنقاد وتطيع الأمر.

[٤] (وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) أي بسطت باندكاك جبالها حتى تصير كالصحيفة الملساء فتوسع لأنه لا عوج فيها ولا أمت.

[٥] (وَأَلْقَتْ ما فِيها) أي أخرجت ما في جوفها من الكنوز والمعادن والأموات (وَتَخَلَّتْ) أي خلت فلم يبق في بطنها شيء.

[٦] (وَأَذِنَتْ) أي انقادت الأرض (لِرَبِّها) الله سبحانه (وَحُقَّتْ) لها أن تأذن بالإطاعة والانقياد ، والجواب ل «إذا» محذوف ، أي انقسم الناس إلى قسمين ناج وهالك ، يدل على ذلك قوله «فأما من» الآتية.

[٧] ثم توجه الخطاب إلى الإنسان ليستعد لهذا اليوم المهول (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً) «الكدح» هو السعي الشديد في الأمر ، أي سعى إلى ربّه ـ أي إلى جزائه وحسابه ـ سعيا شديدا ، فإن

٦٤٣

فَمُلاقِيهِ (٦) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (٩) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ (١٠) فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً (١١) وَيَصْلى سَعِيراً (١٢)

____________________________________

الإنسان لا يزال يسعى في الأرض بجهد وشدة ـ إذ الدنيا دار تعب وعناء ـ حتى ينتهي إلى حساب الله سبحانه (فَمُلاقِيهِ) أي تلاقي كدحك ـ بمعنى جزاء عملك ـ عند ما صرت إلى حساب ربك.

[٨] (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ) أي أعطي (كِتابَهُ) الذي كتبه الملكان ، المدروج فيه أعماله (بِيَمِينِهِ) أي بيده اليمنى ، وذلك دليل السعادة والفلاح.

[٩] (فَسَوْفَ) بعده بمدة (يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً) سهلا بلا أتعاب ونقاش ، ولعل المدة بين إعطاء الكتاب وبين الحساب طويل ولذا جيء ب «سوف».

[١٠] (وَيَنْقَلِبُ) أي يرجع من محل المحاسبة (إِلى أَهْلِهِ) الذين حوسبوا قبله وانتظروا مقدمه ، أو المراد حور العين التي أعدت له (مَسْرُوراً) فرحا.

[١١] (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ) بأن يأخذ الملائكة بيده اليسرى إلى وراء ظهره ثم يعطى كتابه هناك ، تكثيرا للخزي والفضاحة وإيذانا بأنه من أهل النار والعذاب.

[١٢] (فَسَوْفَ يَدْعُوا ثُبُوراً) أي هلاكا ، إذا قرأ كتابه فيقول «وا ثبوراه» أي يا هلاك احضر فهذا وقتك.

[١٣] (وَيَصْلى سَعِيراً) أي يدخل النار المستعرة الملتهبة ، ملازما لها.

٦٤٤

إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (١٣) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) بَلى إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً (١٥) فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (١٦) وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ (١٧) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (١٨) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (١٩)

____________________________________

[١٤] (إِنَّهُ) أي هذا المجرم (كانَ فِي أَهْلِهِ) في الدنيا (مَسْرُوراً) بما أوتي من أمور الدنيا فلا يهتم بأمر الآخرة ، بخلاف من يهتم بأمر الآخرة فإنه حزين لأنه لا يدري ماذا يصنع به ، وما تكون عاقبته.

[١٥] (إِنَّهُ ظَنَ) في الدنيا (أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي لن يرجع إلى حال الحياة بعد الموت ، من حار : بمعنى رجع.

[١٦] (بَلى) يرجع ، وظنه فاسد (إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً) يرى أعماله فيجازيه عليها ولا يتركه سدى هملا.

[١٧] (فَلا أُقْسِمُ) أي أقسم ، أو أن «لا» للنفي كما اخترنا سابقا (بِالشَّفَقِ) وهي الحمرة التي تبقى في الأفق عند الغروب.

[١٨] (وَ) لا أقسم ب (اللَّيْلِ وَما وَسَقَ) أي ما جمع وضم مما كان منتشرا بالنهار من أقسام الحيوان ، وأفراد الإنسان ، يقال وسقه : إذا جمعه.

[١٩] (وَ) لا أقسم ب (الْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) أي إذا تكامل بدرا فإنه يجتمع حينئذ ، افتعال من «وسق».

[٢٠] (لَتَرْكَبُنَ) أي لتشاهدون ، وتعانون (طَبَقاً) أي حالا (عَنْ طَبَقٍ) أي بعد حال سابقة ، مما قدر لكم من الأحوال ، والإتيان ب «عن» لأنها

٦٤٥

فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (٢٢) وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ (٢٣)

____________________________________

للتجاوز ، أي تركبن حالا مجاوزين عن حال سابقة ، وإنما سمي الحال طبقا لأنه يطابق الإنسان ، والمعنى أنكم تسيرون في أحوالكم المختلفة سيرا حتى تنتهون إلى يوم القيامة ، كما قال في أول السورة «إنك كادح» وهذا هو جواب «لا أقسم» ، وكأن هذه الجمل للتنبيه على تغير أحوال الدنيا ، فلا يغتر الإنسان بحالها الحسن وينسى الآخرة حتى تفوته دنياه وآخرته.

[٢١] وإذا كانت الدنيا معرض زوال وفناء ، وأحوالها معرض تبدل وانقلاب (فَما لَهُمْ) أي لهؤلاء الكفار (لا يُؤْمِنُونَ) بالله حتى ينجون من عذاب الآخرة الباقية؟

[٢٢] (وَ) ما لهم (إِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) أي لا يخضعون لله سبحانه ، بعد أن تتلى عليهم آياته ، وتتم عليهم الحجة بقراءة القرآن عليهم؟

[٢٣] (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) عوض أن يخضعوا (يُكَذِّبُونَ) بالله والرسول واليوم الآخر.

[٢٤] (وَاللهُ أَعْلَمُ) من كل أحد حتى من أنفسهم (بِما يُوعُونَ) هؤلاء المكذبون ، والمعنى بما يضمرون في صدورهم من الكفر والنوايا السيئة ، من «وعي» بمعنى تقبل وجمع ، يقال «فلان يعي الكلام» أي يتقبله ويحفظه.

٦٤٦

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٢٥)

____________________________________

[٢٥] (فَبَشِّرْهُمْ) يا رسول الله ، والإتيان بلفظ البشارة للاستهزاء بهم ـ بعلاقة الضد ـ (بِعَذابٍ أَلِيمٍ) مؤلم موجع لهم.

[٢٦] (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله والرسول واليوم الآخر (وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ) الملازم لعدم الإتيان بالسيئات (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) أي غير مقطوع ، لأن نعيم الآخرة دائم لا نفاد له ، والظاهر أن الاستثناء منقطع ، وقد سبق أن ذكرنا وجه الاستثناء المنقطع في مثل هذه المقامات.

٦٤٧

(٨٥)

سورة البروج

مكيّة / آياتها (٢٣)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «البروج» ، وهي كسائر السور المكية تعالج قضايا العقيدة ، وحيث ختمت سورة الانشقاق بذكر المؤمنين ، ابتدأت هذه السورة بذكرهم.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الإله الذي هو المبدأ لكل شيء ، ولا أحق بالابتداء منه ، ليطابق الابتداء في الكلام للابتداء في الخارج ، الرحمن الرحيم الذي يرحم العباد بإعطائهم ما يحتاجون ، ويتفضل عليهم بغفران ذنوبهم.

٦٤٨

وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ (١) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (٣) قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ (٤)

____________________________________

[٢] (وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ) أي قسما بالسماء التي هي صاحبة البروج ، جمع برج وهو القطعة من السماء ، سميت برجا لظهوره ، من برج : إذا ظهر ، والبروج هي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والسنبلة والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ، والقمر في سيره النفسي يقطع كل برج في ظرف يومين ونصف ، والشمس تقطعه في ظرف شهر.

[٣] (وَ) قسما ب (الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ) وهو يوم القيامة ، الذي وعد به الخلق.

[٤] (وَ) قسما ب (شاهِدٍ وَمَشْهُودٍ) في ذلك اليوم ، أو كل شاهد ومشهود.

وهذا الأقرب بالعموم ، وإن أورد في التفسير معاني مختلفة لهما.

[٥] (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ) هو الشق العظيم في الأرض ، أي قتل الله أصحاب الأخدود الكفار الذين حفروا الأخاديد في الأرض لتعذيب المؤمنين ، وهذا دعاء على أولئك الكفار ، وكان من قصتهم على ما نقله القمي : إن الذي هيج الحبشة على غزو اليمن ذو نواس ، وهو آخر من ملك من حمير تهود واجتمعت معه حمير على اليهودية ، وسمى نفسه يوسف ، وأقام على ذلك حينا من الدهر ، ثم أخبر أن بنجران بقايا قوم على دين النصرانية وكانوا على دين عيسى وعلى حكم الإنجيل ، ورأس ذلك الدين عبد الله بن برياس ، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ويدخلهم فيها فسار حتى قدم نجران ، فجمع من كان بها على دين النصرانية ، ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيه فأبوا عليه ، فجادلهم وعرض عليهم وحرص الحرص كله

٦٤٩

النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ (٥) إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ (٦) وَهُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (٧) وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (٨)

____________________________________

فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها واختاروا القتل ، فاتخذ لهم أخدودا وجمع فيه من الحطب وأشعل فيه النار ، فمنهم من أحرق بالنار ومنهم من قتل بالسيف ومثلّ بهم كل مثلة فبلغ عدد من قتل وأحرق بالنار عشرين ألفا وأفلت رجل منهم يدعى «دوس» (١).

[٦] (النَّارِ) بدل عن أخدود أي أصحاب النار (ذاتِ الْوَقُودِ) الكثير ، إشارة إلى عظم تلك النار ، والوقود : هو الحطب الذي توقد به النار.

[٧] (إِذْ هُمْ) أي أولئك الأصحاب الكفار (عَلَيْها) أي على حوالي النار (قُعُودٌ) جمع قاعد ، أي كان الكفار قاعدين أطراف النار يشاهدون ما يفعل بالمؤمنين من رميهم فيها.

[٨] (وَهُمْ) الملك الكافر وأصحابه (عَلى ما يَفْعَلُونَ) جلاوزتهم (بِالْمُؤْمِنِينَ) من إلقائهم في النار (شُهُودٌ) جمع شاهد ، أي حاضرون مشاهدون ، وهذا ذم لهم كيف رضوا وسمحت لهم أنفسهم بأن يشاهدوا هذا النحو من التعذيب البشع.

[٩] (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) أي ما كره الملك وأصحابه من المؤمنين (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ) ويتركوا دين الملك الباطل (الْعَزِيزِ) الغالب في سلطانه (الْحَمِيدِ) المجرد في أفعاله ، إشارة إلى أن الغلب كان للمؤمنين ،

__________________

(١) تفسير القمي : ج ٢ ص ٤١٣.

٦٥٠

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٩) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ (١٠) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (١١)

____________________________________

وإن صال الملك وجال أياما ، كما أن ما فعل بالمؤمنين كان لحكمة وصلاح لهم لعلو درجاتهم.

[١٠] (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو المالك المطلق لهما (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) أي حاضر عالم ، فلم يغب عنه ما فعلوا بالمؤمنين فسينتقم منهم.

[١١] (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) أي عذبوهم وأحرقوهم بنار الأخدود ، من أصحاب ذلك الملك الطاغي (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) بعد ذلك بالإيمان والطاعة (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ) في الآخرة بكفرهم (وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) بما أحرقوا المؤمنين ، وكأن المراد بعذاب جهنم سائر أنواع عذابها من لدغ السامات وأكل الزقوم ، وشرب الغسلين وما أشبه ، و «حريق» اسم النار ، ولذا أضيف إليه «عذاب».

[١٢] وفي مقابل أولئك المؤمنون (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله واليوم الآخر (وَعَمِلُوا) الأعمال (الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ) أي بساتين ، وسميت جنة لتستر أرضها بالأشجار والقصور (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا) أي من تحت قصورها وأشجارها (الْأَنْهارُ) من عسل ولبن وخمر وماء وغيرها (ذلِكَ) التنعم بتلك الجنات (الْفَوْزُ) والفلاح (الْكَبِيرُ) الذي ليس فوقه فوز. ولعل المراد ب (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا) ، و (إِنَّ الَّذِينَ

٦٥١

إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (١٥) فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦) هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (١٧)

____________________________________

آمَنُوا) ، مطلق الكفار والمؤمنين ، لا خصوص الكافر والمؤمن من أصحاب الأخدود ، أو أصحاب الرسول ومعاصريه.

[١٣] (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ) يا رسول الله ، أي أخذه للكافرين وانتقامه منهم (لَشَدِيدٌ) فانه إذا بطش بأحد يغشاه العذاب ، بمختلف ألوانه وصنوفه ، فليحذر الكفار والعصاة بطشه.

[١٤] (إِنَّهُ) سبحانه (هُوَ يُبْدِئُ) الخلق ، بأن يعطيهم الحياة من العدم أولا (وَيُعِيدُ) للخلق بعد الممات أحياء.

[١٥] (وَهُوَ الْغَفُورُ) لمن تاب وآمن ، أي كثير المغفرة (الْوَدُودُ) الذي يحب الناس فلا يريد تعذيبهم إلا إذا تمادوا في الكفر والعصيان.

[١٦] (ذُو الْعَرْشِ) وهو كناية عن أن له الملك ، يقال للملك «صاحب العرش» كناية عن سلطانه ، وإن لم يكن له كرسي يجلس عليه (الْمَجِيدُ) الموصوف بالمجد والعظمة.

[١٧] (فَعَّالٌ) أي كثير الفعل (لِما يُرِيدُ) فكل شيء أراده فعله لا يمتنع عليه شيء ، وهذه الآيات للإلماع إلى وجوب رجاء البشر إياه ، وخوفهم منه ، لأن له الملك والعظمة وأنه يفعل ما يشاء فعله.

[١٨] ثم جاء السياق لبيان شاهد على ما تقدم من أنه سبحانه يفعل ما يريد ، ليرجوه المؤمن ويخافه الكافر (هَلْ أَتاكَ) يا رسول الله أو أيها السامع (حَدِيثُ الْجُنُودِ) أي هل بلغك خبر الذين تجندوا على خلاف الله

٦٥٢

فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (١٨) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (١٩) وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ (٢٠) بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (٢١) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (٢٢)

____________________________________

ومحاربة أنبيائه ، لتعرف كيف صنع الله بهم؟

[١٩] (فِرْعَوْنَ) وجنده ، الذين أرسل إليهم موسى عليه‌السلام (وَثَمُودَ) الذين أرسل إليهم صالح عليه‌السلام ، فإنهم لما كذبوا الأنبياء عذبهم الله سبحانه ، وهكذا عادة الله سبحانه مع المكذبين.

[٢٠] إن كفار مكة لا يرعوون عن كفرهم وعصيانهم بهذه الأمثال والقصص (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) بالله ورسوله (فِي تَكْذِيبٍ) للإسلام والقرآن ، أي مشغولون عنه ، ومعرضون عن الحق.

[٢١] (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ) أي من جوانبهم (مُحِيطٌ) كأنهم في دائرة علم الله سبحانه الشامل ، وقدرته الواسعة فيعلم ماذا يصنعون ، وهم في قبضة قدرته ، يقول الملك «أنا محيط بفلان» يريد إحاطة علمه وقدرته لا إحاطة الجسم.

[٢٢] وليس كما ذكر الكفار إن القرآن شعر أو كهانة أو ما أشبه (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) ، ذو مجد وعظمة لأنه من قبله سبحانه.

[٢٣] (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) من التغيير والتبديل ، فهو محفوظ باق وإن اجتهد الكفار لمحوه وإبطاله.

٦٥٣

(٨٦)

سورة الطارق

مكيّة / آياتها (١٨)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «الطارق» ، وهي كسائر السور المكية مشتملة على قضايا العقيدة ، وحيث ختمت سورة البروج بتهديد المكذبين ، افتتحت هذه السورة بمثل ذلك.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الإله المستجمع لجميع صفات الكمال ، فهو شعار للمسلم الذي يصفه أول كل حركة وسكون له ليصبغ بهذه الصبغة ، الرحمن الرحيم ، إعلاما لكونه إلها رحيما ، لا قاسيا غليظا ، كما كانت بعض آلهة الكفار توصف بالقسوة والخشونة.

٦٥٤

وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦)

____________________________________

[٢] (وَالسَّماءِ) أي قسما بالسماء (وَالطَّارِقِ) أي قسما بالطارق وهو الذي يأتي ليلا ، سمي طارقا لأنه يطرق الباب ، أما في النهار فقد كانت العادة الجارية لديهم أن تفتح الأبواب ، فإذا جاء أحد استأذن ودخل ، والمراد به هنا النجم الذي يطلع ليلا.

[٣] (وَما أَدْراكَ) أيها الإنسان ، أو أيها الرسول (ما) هو (الطَّارِقُ)؟ وذلك لتعظيم شأنه.

[٤] هو (النَّجْمُ الثَّاقِبُ) الذي يثقب السماوات بنوره ، ومن يعرف عظم النجوم وكثرة بعدها حتى أنها تحتاج إلى سنوات ضوئية حتى توصل نورها إلى الأرض يعرف عظم هذا القسم. والظاهر أن المراد بالنجم الجنس لا خصوص نجم واحد ، وما ذكر له في التفسير من المصداق فهو من باب المثال.

[٥] (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ) أي ما كل إنسان (لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) أي إلّا عليها حافظ من قبل الله سبحانه ، وهم الملائكة الذين يحفظون البشر من المهالك كما يحفظون أعمالهم ، وهذا هو متعلق القسم.

[٦] وإذا كان الإنسان في شكّ من الإله فليفكر في أصله ونشأته (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ) أي ليفكر ويتدبر (مِمَّ خُلِقَ) أي مما ذا خلق؟ وما هو أصله؟

[٧] (خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ) أي ماء يدفق ، والدفق هو الصب الذي فيه دفع وقوة ، فإن المني يخرج هكذا.

٦٥٥

يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ (١٠) وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ (١٢)

____________________________________

[٨] (يَخْرُجُ) ذلك الماء الذي هو مبدأ الإنسان (مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ) للرجل ، وهو العظم الذي في ظهره مركز المني (وَالتَّرائِبِ) نواحي الصدر ، واحدتها تريبة ، فإن مني المرأة مركزه هناك.

[٩] إن الله خلق الإنسان بهذه الكيفية (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ) أي إرجاعه إلى الحياة بعد الموت (لَقادِرٌ) كما قدر على ابتداء خلقه حين لم يكن شيئا مذكورا.

[١٠] قادر على رجعه في (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) أي تختبر الضمائر ، فإن «سرائر» جمع سريره ، وهي المحل الكامن في الإنسان ، فإن يوم القيامة تظهر بواطن الناس وما انطووا عليه من خير وشر.

[١١] (فَما لَهُ) أي للإنسان (مِنْ قُوَّةٍ) يدفع بها العذاب (وَلا ناصِرٍ) ينصره من تلك الأهوال ، فليخش وليحذر أن يخالف الله سبحانه حتى لا يبتلي بالعذاب.

[١٢] (وَالسَّماءِ) أي قسما بالسماء (ذاتِ الرَّجْعِ) ، التي ترجع في كل دورة إلى مكانها الأول ، أو ذات المطر ، وسمي المطر رجعا لأنه يرجع كل نفسه ، أو لأنه يرجع إلى الأرض بعد التصاعد منها بالأبخرة.

[١٣] (وَالْأَرْضِ) أي قسما بالأرض (ذاتِ الصَّدْعِ) التي تتصدع وتتشقق فيخرج منها النبات.

٦٥٦

إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَما هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)

____________________________________

[١٤] (إِنَّهُ) أي القرآن ، أو ما ذكره من رجوع الخلق بعد الموت وتشقق الأرض عنهم ، وهذا هو المناسب للآيتين السابقتين (لَقَوْلٌ فَصْلٌ) يفصل بين الحق والباطل.

[١٥] (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) أي اللعب ، فإنه كلام واقعي لا أنه قيل على وجه اللعب والهزل.

[١٦] (إِنَّهُمْ) أي الكفار (يَكِيدُونَ) ويحتالون لإبطال هذا الكلام الذي هو قول فصل (كَيْداً) بقولهم إنه شعر وسحر وكهانة وما أشبه ذلك.

[١٧] (وَأَكِيدُ) أي أريد أمرا آخر ضد ما يريدون ، وسمي كيدا للمشابهة (كَيْداً) كما أنهم يكيدون.

[١٨] (فَمَهِّلِ) يا رسول الله (الْكافِرِينَ) أي انتظر بهم قليلا فلا تشغل نفسك بهم (أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) أي زمانا قليلا حتى ترى بأس الله فيهم.

٦٥٧

(٨٧)

سورة الأعلى

مكيّة / آياتها (٢٠)

سميت السورة بهذا الاسم لاشتمالها على لفظة «الأعلى» ، وهي كسائر السور المكية بصدد بيان العقيدة في أصولها ، وإذ ختمت سورة «الطارق» بكيد الله سبحانه للكافرين افتتحت هذه السورة بأنه تعالى «أعلى» تأكيدا لما ذكر.

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (١)

[١] (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ابتداء باسم الإله الذي له الخلق والأمر ، وهو الأول والآخر ، الرحمن الرحيم الذي يتفضل على كل شيء بالرحمة ، فضلا منه وامتنانا ، وذكره تعالى بهذه الصفة يدر الرحم على الذاكر ، فإنه شاكر لمن شكره ، وذاكر لمن ذكره.

٦٥٨

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥)

____________________________________

[٢] (سَبِّحِ) أي نزّه يا رسول الله ، أو أيها المخاطب (اسْمَ رَبِّكَ) عما لا يليق به من الشرك والولد ، فلا تنسب إليه شيئا ينافي مقام الألوهية وذكر «اسم» للتعظيم ، فمن يجب أن يسبح اسمه يجب أن يسبح هو بالأولى (الْأَعْلَى) أي الأرفع من كل شيء ، فلا شيء أرفع منه في العلم أو القدرة أو الخلق أو الرزق أو غير ذلك من سائر صفات الذات وصفات الفعل.

[٣] (الَّذِي خَلَقَ) الخلق كلهم (فَسَوَّى) بينهم في الإحكام والإتقان والدقة ، فليس بعض الخلق متقنا وبعضه غير متقن ، كما سوّى خلق كل شيء فأعطاه ما يصل به إلى الكمال اللائق به من الأجهزة والآلات.

[٤] (وَالَّذِي قَدَّرَ) والتقدير هو التخطيط ، كما يقدر المهندس البناء ثم يبنيه (فَهَدى) كل ذي روح إلى مصالحه ، فهو خلق ، وإعطاء أجهزة ، وتقدير للحياة ، وهداية.

[٥] (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) أي أنبت الحشيش الذي ترعاه الحيوانات من الأرض.

[٦] (فَجَعَلَهُ) أي المرعى بعد الخضرة (غُثاءً) أي هشيما جافا كالغثاء الذي تراه فوق السيل ، بمعنى المجتمع من هنا وهناك بلا علاقة وارتباط ومشابهة (أَحْوى) أي أسود بعد الخضرة ، فإن الحوة بمعنى السواد.

٦٥٩

سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨)

____________________________________

[٧] ومن هدايته سبحانه أنه أنزل القرآن على الرسول ، وقد قال ابن عباس : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أنزل عليه جبرئيل بالوحي يقرأه مخافة أن ينساه ، فكان لا يفرغ جبرئيل من آخر الوحي حتى يشرع الرسول في القراءة. فأنزل الله تعالى عليه هذه الآية (١) (سَنُقْرِئُكَ) القرآن ، أي نتلو عليك لتقرأه (فَلا تَنْسى) منه شيئا ، فقد شاءت إرادته سبحانه أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزّها عن النسيان ، وكذلك سائر الأنبياء عليهم‌السلام. أما قوله «تنسى» فهو من قبيل (إِنَّا نَسِيناكُمْ) (٢) ، ولعل العمل كان تعليما للمسلمين فيما بعد بأن يحرصوا على القرآن مثل هذا الحرص.

[٨] (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) أن تنساه ، وفيه دلالة على أن عدم نسيانه إنما هو من الله سبحانه ، حتى أنه إذا شاء غيره قدر عليه ، قالوا : ودخول المشيئة في هذه الآية للدلالة على أن النبي مهما بلغ من العظمة فإن جميع أموره بيده تعالى (إِنَّهُ) سبحانه (يَعْلَمُ الْجَهْرَ) من الكلام (وَما يَخْفى) كالسر والنجوى ، فكل ذلك من الإقراء وعدم النسيان إلا بمشيئته تابع لعلمه الواسع الذي يشمل كل شيء ، وبما علّمه من الصلاح جعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحيث لا ينسى ، وإلا فلو كان ينسى لم يؤمن على التبليغ ، لتطرق احتمال النسيان في كل شيء من أقواله وأفعاله.

[٩] (وَنُيَسِّرُكَ) يا رسول الله ، أي نوفقك (لِلْيُسْرى) أي الطريقة اليسرى

__________________

(١) مجمع البيان : ج ١٠ ص ٣٢٩.

(٢) السجدة : ١٥.

٦٦٠