دستور الأخلاق في القرآن

الدكتور محمّد عبدالله درّاز

دستور الأخلاق في القرآن

المؤلف:

الدكتور محمّد عبدالله درّاز


المحقق: الدكتور عبدالصبور شاهين
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-465-053-0
الصفحات: ٩٦٢

يتصل أحدهما بالمعرفة ، ويتصل الآخر بالسلوك. وانته إلى أن حصر في القرآن من النّوع الأوّل سبعمئه وثلاثا وستين آية ؛ كما حصر من النّوع الثّاني سبعمئة وإحدى وأربعين آية (١).

ومن المؤسف أنّ هذا النّوع من الحصر ، والتّصنيف ، الّذي يعد خطوة أولى في سبيل إعداد المواد للتشييد ـ لم يعقبه ما يقتضيه من عمل ضروري يهدف إلى إعلاء البناء.

ومع ذلك ، يجب أن نعترف بأنّ إختيار المواد في العمل قد تم بوجه عام نبعا لقاعدة ، وأنّ الآيات المختارة في القسم العملي تتوافق غالبا مع موضوع لدراستنا.

وليس الأمر على هذا النّحو بالنسبة إلى ما استخرجه القاضي أبو بكر الجصاص الحنفي (المتوفّى ٣٧٠ ه‍) (٢) ، في كتابه : «أحكام القرآن» ، (طبعة استنبول ١٣٣٨ ه‍) ، وإلى ما استخرجه القاضي أبو بكر بن العربي ، المالكي

__________________

(١) فمجموع هذه الآيات يربى على ألف وخمسمئة آية ، تمثل أقل من ربع القرآن بقليل ، وما عدا ذلك لا يعالج في رأيه سوى مسائل تكميلية ، وشأنها ـ على ما قال ـ شأن الصّدفة الّتي تغطي المادة الثّمينة في الكتاب ، وقد دخل هذا العمل القديم مع بعض تعديلات يسيرة ـ إلى اللّغة الفرنسية ، على يد كاتب تركي ، هو الجنرال محمود مختار كتير جوغلو ، في كتاب بعنوان : «الحكمة القرآنية ـ آيات مختارة Versets choisies [Coranique]. [Sagesse La باريس Geuthmer ١٩٣٥ م]. وقد نشر المؤلف على هذه الصّورة كتاب الغزالي مختصرا (ألفا ومئتا آية ، بدلا من ألف وخمسمئة آية) ، بعد أن خلط خلطا تاما كلا عنصرية بالآخر ، حتّى إنّه ألغى عناوين السّور ، وقد كانت من قبل متميزة.

(٢) أحمد بن عليّ الرّازي ، أبو بكر الجصاص ، فاضل ، من أهل الرّي ، سكن بغداد ، ومات فيها ، انتهت إليه رياسة الحنفية ، وخوطب في أن يلي القضاء فامتنع ، وألف كتاب «أحكام القرآن» وكتابا في «اصول الفقه». المعرب.

٨١

(المتوفّى عام ٥٤٢ ه‍) (١) ، في كتابه المعنون أيضا باسم «أحكام القرآن» (نشر مطبعة السّعادة بالقاهرة ١٣٣١ ه‍). وكذلك بالنسبة إلى ما استخرجه ملا أحمد جيون الهندي الحنفي ، (المتوفّى ١١٣٠ ه‍) في كتابه «التّفسيرات الأحمدية في بيان الآيات الشّرعية» (طبعة بومباي ١٣٢٧ ه‍).

ولم يقتصر الأمر في هذه الكتب على أن نجد النّصوص القرآنية ذات المغزى الأخلاقي ، وقد غرقت بطريقة غامضة وسط نصوص تتصل بموضوعات فقهية ، أو أصولية ، أو كلامية ، أو كونية ، أو غيرها. بل لقد رأينا لدى القاضيين آيات مذكورة بمناسبة مسائل ، لا يتصل النّص بها إلّا من بعيد ، وقد اعتبرت هذه المسائل بساطة مناسبة لذكرها.

وعلى كلّ حال ، فإنّ جميع المؤلفين ، بما فيهم الغزالي ، وقد جمعوا بطريقتهم الآيات القرآنية بترتيب السّور ـ جعلوا من مختاراتهم مجرّد جمع لمواد متفرقة ، لا تربط بينها روح قرابة ، ولا يظهر فيه أي تسلسل للأفكار. ولذلك ، فعند ما فقدت الوحدة الأولى لكلّ سورة لم يستطيعوا أن يكملوا عملهم بإيجاد وحدة منطقية ، تربط بين الأجزاء المختارة ، أو تصنيف منهجي تقتضيه قاعدة التّعليم.

وقد وجدنا هذا النّظام المنطقي لدى بعض العلماء الشّيعة ، من مثل : الشّيخ أحمد بن محمد الأردبيلي (المتوفّى عام ٩٩٣ ه‍) ، في كتابه «درة البيان في آيات

__________________

(١) محمد بن عبد الله بن محمد المعافري ، الأشبيلي المالكي ، أبو بكر بن العربي ، قاض من حفاظ الحديث ، رحل إلى المشرق ، وبرع في الأدب ، وبلغ رتبة الإجتهاد في الدّين ، وصنف كتبا في الحديث ، والاصول ، والتّفسير ، والأدب ، والتّأريخ ، وولي قضاء إشبيلية ، ومات بقرب فارس ، ومن مشهور كتبه : «العواصم من القواصم» و«وعارضة الأحوذي في شرح التّرمذي» و«أحكام القرآن». المعرب.

٨٢

الأحكام» (١) ، ومن مثل الشّيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري النّجفي (المتوفّى ١١٥٠ ه‍) في كتابه : «قلائد الدّرر في بيان أحكام الآيات بالأثر» (٢) ، غير أنّ هذين الكتابين (٣) اللذين يمكن أن يعدا فهرسا لنصوص القرآن المتعلقة بالفقه الإسلامي ـ لا يعالجان الأوامر الأخلاقية إلّا نادرا ..

وهكذا لم ينهض أحد ـ فيما نعلم ـ حتّى الآن باستخلاص الشّريعة الأخلاقية من القرآن في مجموعه ، ولم يحاول أحد أن يقدم لنا مبادئها ، وقواعدها في صورة بناء متماسك مستقل عن كلّ ما يربطه بالمجالات القريبة منه ، وتلكم هي المهمة الّتي انتدبنا للوفاء بها هنا ، بقدر ما تطيقه وسائلنا.

٢ ـ «تقسيم ومنهج» :

نحن نميز تحت لفظة (القانون الأخلاقي) ـ كما يميز جميع الباحثين تحت اسم الجنس ـ فرعين مختلفين هما : النّظرية ، والتّطبيق.

والواقع أنّ دراستنا للنّص القرآني قد أوحت إلينا ، لا بوجود هذين الفرعين

__________________

(١) أحمد بن محمد الأردبيلي ـ فاضل من فقهاء الإمامية وزهادهم ، نسبته إلى أردبيل بآذربيجان ، ووفاته بكربلاء ، ومن كتبه : «مجمع الفوائد والبرهان في إرشاد الأذهان» و«زبدة البيان في شرح آيات أحكام القرآن».

وهو ما نقل المؤلف عنوانه مختلفا ومختصرا. المعرب. انظر ، ترجمته في الأعلام للزركلي : ١ / ٢٣٤ ، إيضاح المكنون : ١ / ٥٩٧ ، هدية العارفين : ١ / ١٤٧.

(٢) أحمد بن إسماعيل الجزائري النّجفي ، فاضل ، إمامي ، أصله من جزائر خوزستان ، واشتهر في النّجف ، وتوفّي فيه ، ومن كتبه : «قلائد الدّرر في بيان أحكام الآيات بالأثر». المعرب. انظر ، ترجمته في الذريعة : ١ / ١٤٠ و : ٣ / ٣٢٠ ، طرائف المقال للسيد البروجردي : ١ / ٦٨.

(٣) الكتابان مطبوعان في فارس ، وقد رتبت موضوعاتهما تبعا للنظام المعتاد لكتب الفقه ، وتوجد منهما نسخة لدى صديقنا وزميانا القاضي الشّيخ أحمد محمد شاكر ـ بالقاهرة.

٨٣

لعلم الأخلاق في القرآن ـ فحسب ، بل لقد كشفت لنا عن أنّ الصّورة الّتي جاءت بها بلغت درجة من الكمال لا يبتغى وراءها شيء.

الجانب العملي : وقد بحثنا في رسالة حديثة النّشر ـ الأخلاقية العملية في القرآن ، في علاقتها بالحكمة القديمة ، واستطعنا أن نكشف فيها عن ثلاث خصائص نوجزها فيما يلي :

فالقرآن ـ من حيث كونه حافظا لما سبقه ، واستمرارا له ـ قد تميز عنه بذلك الأمتداد الرّحب الّذي ضمّ فيه جوهر القانون الأخلاقي كلّه ، وهو الّذي ظل متفرقا في تعاليم القديسين ، والحكماء ، من المؤسسين والمصلحين ، الذين تباعد بعضهم عن بعض ، زمانا ومكانا ، وربما لم يترك بعضهم أثرا من بعده يحفظ تعاليمه.

ولعل هذا الجانب هو السّمة البارزة من سمات القرآن ، وإن لم تكن أثمن سماته ، ولا أصلها.

وإنّما تبدو أصالة هذا التّعليم الأخلاقي في أجلى صورها ، في طريقته الّتي سلكها لتقديم تلك الدّروس المختلفة عن الماضين ، وتقريبها ، بحيث يصوغ تنوعها في وحدة لا تقبل الأنفصام ، ويسوقها على إختلافها في إطار من الأتفاق التّام ، وذلك لأنّه بدأ بأنّ نزع عن الشّرائع السّابقة كلّما كان في ظاهر الأمر إفراطا ، أو تفريطا ، وبعد أن حقق وضع التّعادل في ميزانها ، الّذي كان يميل تارة إلى جانب ، وأخرى إلى جانب آخر ـ دفعها جميعها في اتجاه واحد ، ثمّ نفخ فيها من روح واحدة ، بحيث صار حقا أن ينسب إليه بخاصة مجموع هذه الأخلاق.

وأعجب من ذلك ، وأعظم أصالة جانبه الخلاق ، فليس يكفي ـ في الواقع ـ

٨٤

لكي نصف أخلاق القرآن ـ أن نقول : إنّها حفظت تراث الأسلاف ودعمته ، وإنّها وفقت بين الآراء المختلفة الّتي فرقت أخلافهم ، بل ينبغي أن نضيف : أنّ الأخلاق القرآنية قد رفعت ذلكم البناء المقدس ، وجمّلته ، حين ضمت إليه فصولا كاملة الجدّة ، رائعة التّقدم ، ختمت إلى الأبد العمل الأخلاقي (١).

ولسوف يكون علينا في هذه الدّراسة أن نعالج الأحكام العملية الّتي جاء بها القرآن في ذاتها ، وفي مرحلتها النّهائية من تطورها ، وحسب القارىء بعد ذلك أن يتصفح النّصوص الّتي نوردها في نهاية هذا الكتاب ، ليدرك رحابة هذا النّظام وجماله.

ولسوف يختلف منهجنا كثيرا في عرض هذا الجانب عن المنهج الّذي أتبعه سابقونا. فلما كنّا ـ أوّلا ـ لا نرى من اللازم أن نستوعب النّصوص ، والآيات ذات الأتصال بالموضوع ، فقد أكتفينا بأن سقنا بعضا منها ؛ ذا دلالة كافية على القواعد المختلفة للسلوك ، ثم حاولنا من بعد ذلك أن نتجنب التّكرار بقدر الإمكان.

واتبعنا أخيرا نظاما منطقيا بدلا من إلتزام نظام السّور (الّذي تبعه الإمام الغزالي) ؛ أو النّظام الأبجدي للمفاهيم (كما فعل جول لابوم). فالنصوص في عملنا هذا مجمعة في فصول ، بحسب نوع العلاقة الّتي سيقت القاعدة لتنظيمها ، وقد ميّزت في داخل كلّ طائفة عدة مجموعات صغيرة من النّصوص ، وضعنا لها عنوانا فرعيا يوجز التّعليم الخاص الّذي يستقي منها ، بحيث يتاح للقاريء أن

__________________

(١) انظر ، كتابنا «المدخل إلى القرآن [Initiation du Coran] القسم الثّاني ـ الفصل الثّاني ، وسوف تجد هنالك أمثلة عديدة مادية ، تشهد بوجود هذه الجوانب الثّلاثة فيما أضافه القرآن : إجمال لما سبق ، وتوفيق بين وجهات مختلفة فيه ، وإكمال لجوانب ناقصة.

٨٥

يجد الحكم الّذي يبحث عنه بكلّ سهولة.

وتنظيم النّصوص بمجموعها على هذا الوجه يبني لنا منهجا كاملا للحياة العملية كما رسمها القرآن : كيف ينبغي على الإنسان أن يسلك مع نفسه ، وفي أسرته ، ومع النّاس أجمعين؟ ... وما المباديء الّتي يجب أن تحكم العلاقات بين الحاكمين ، والمحكومين ، وبين الدّول أو المجتمعات؟ ... وكيف يؤدي الإنسان العبادة لله؟ ... وكلّ ذلك قد قيل بطريقة واضحة ومحددة.

هذا الطّابع الإجمالي يجد ما يكمله في طابع آخر ، يمنحه قيمته العليا ، ذلك أنّ القرآن ـ بعد أن رسم لكلّ مجال من مجالات الحياة خط سلوكه ـ يقدم لنا أطرا معدة على هيئة دوائر مشتركة المركز ، كلّ واحدة منها قابلة لأن تتسع ، وتنكمش ، في توافق مع المجموع. بل لقد تتداخل هذه الدّوائر بالتبادل ، دون أن تطغى إحداها على الأخرى.

كيف استطاع القرآن أن يحدث هذا الأثر المعجز؟.

لقد كان منهجه غاية في البساطة ، حين تخير لبيان قواعده أقوالا ذات تأثير خاص ، وهي أقوال تقف دائما في منتصف الطّريق ، بين المجرّد : غامضه ، ومبهمه ، وبين الحسّي المفرط في الشّكلية. وكذلك نجد أنّ الأطر الّتي يبنيها صارمة ، ومرنة في آن.

فمن حيث وضوح المضمون نجد أنّ وضوح كلّ قاعدة يوجد نوعا من الحجاز ، يقف في مواجهة الفوضى ، وجموح الهوى ؛ ولكنها من حيث عدم تحديد هذا المضمون تترك لكلّ فرد حرية إختيار الشّكل الّذي يكيف في نطاقه مثله الأعلى ؛ طبقا للشروط الّتي تمليها التّجربة ، كما يختار الشّكل الّذي يوائم به

٨٦

بين الواجب العاجل ، والمقتضيات الأخرى الّتي تمليها الأخلاقية. فهما أمران : تكييف ، ومواءمة ، ينبغي أن يتما بوساطة جهد راشد ، بعيد عن الإرخاء ، وعن الغلواء ، الّتي لا ضابط معها.

وبهذه الطّريقة استطاعت الشّريعة القرآنية أن تبلغ كمالا مزدوجا ، لا يمكن لغيرها أن يحقق التّوافق بين شقيه : لطف في حزم ، وتقدم في ثبات ، وتنوّع في وحدّة.

وبهذه الطّريقه أيضا ، أتاحت الشّريعة القرآنية للنفس الإنسانية أن تطمئن إلى سعادة مزدوجة ، تجمع أيضا بين النّقيضين : خضوع في الحرية ، ويسر في المجاهدة ، ومبادأه في الإستمرار ، وقليل من فهم تلك الحكمة الرّفيعة.

ومن ثم أخذ بعضهم على الإسلام أنّه لم يحدد مثلا الطّريقة الّتي يستشار بها الشّعب في القضايا العامة ، ولم يحدد شكل الدّولة المسلمة ، وطريقة إختيار رئيسها : أهي اقتراع شامل ، أم مقتصر على الصّفوة؟. وهل هي جمهورية ، أو ملكية؟ إلخ ...

هذا البحث المفرط في التّحديد القانوني ، يمكن أن يظهر لدى أولئك الذين يضعون القانون ، أو أولئك الذين يخضعون له ، ففي الحالة الأولى يفرض القانون ويحتمه نوع من الحذر لدى المشرعين ، إزاء الأفراد الدّين يناط بهم تطبيقه ؛ ومع ذلك فهو يتجه إلى إلغاء كلّ مبادأة ، وإلى أن يجعل الحياة المشتركة رتيبة ، لا تطاق ، وإلى أن يجعل من أعضاء المجتمع ما يشبه النّسخ المكررة من نموذج آلي واحد.

لكنا قد نصادف بين المحكومين أنفسهم أناسا يودون أن يتولى المشرع

٨٧

بنفسه تحديد كلّ شيء وتقنينه ؛ فإذا افترضنا أنّ هذا المشروع يمكن أن يتحقق ، فكيف نفسر اقتضاء من هذا القبيل بالغا أقصى مداه ، إلا بأنّه تلمس لأدنى جهد عقلي ، وأخلاقي ..؟ .. إن لم نقل ، إنّه تنازل محض ، وبسيط عن الشّخصية!!

إنّ القرآن لا ينقض ذلك الأتجاه إلى حصر كلّ القواعد ، كما لا ينقض الأتجاه المضاد ، فهل كان هذا التّصرف الحكيم ، وذاك الموقف الوسط الّذي يقف فيه الفرد دائما بمعزل عن طرفي نقيض ـ مجرد أتفاق؟ أو تحكما ، واعتسافا؟ أو أنّ له غاية معينة؟.

إننا لكي نقتنع بأنّ القرآن في إيجازه ، وفي تفصيله ، يهدف إلى تلك الحكمة التّشريعية المنزهة ـ حسبنا أن ننذكر الواقعة التّالية :

«فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : «خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا أيّها النّاس ، إنّ الله قد فرض عليكم الحجّ ، فحجّوا ، فقال رجل : أكلّ عام يا رسول الله؟. فسكت حتّى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لو قلت : نعم ، لو جبت ، ولما استطعتم ؛ ثمّ قال : ذروني ما تركتكم (١) ، فإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم وإختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» (٢) وفي رواية أخرى أكثر تصريحا ، رواها ابن جرير موقوفة

__________________

(١) يريد أن يقول : لا تستثيروا الوحي ، ولا تفتشوا عن شرائع لتضعوها حين لا تجدوها.

(٢) انظر ، صحيح مسلم : ٢ / ٩٧٥ ح ١٣٣٧ ، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي : ٧ / ١٦ ، تفسير القرطبي : ٤ / ١٤٣ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٣٨٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٢٦٥ ، سنن البيهقي الكبرى : ٤ / ٣٢٥ ح ٨٣٩٨ ، مسند أحمد : ٢ / ٥٠٨ ح ١٠٦٥ ، جامع العلوم والحكم : ١ / ٨٩ ، البيان والتّعريف : ٢ / ٥٣ ، المستند المستخرج على صحيح مسلم : ٤ / ١١ ح ٣١٠٨ ، وورد بمعناه في ابن حبّان ـ ذكره السّيوطي في الدّر المنثور : ٢ / ٣٣٥.

٨٨

عن أبي ثعلبة الخشني ، ورويت مرفوعة إلى النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إنّ الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحدّ حدودا فلا تعتدوها ، وحرم أشياء فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم ، غير نسيان ، فلا تبحثوا عنها» (١). ويذكر ابن حبّان أنّ ظروفا كهذه الظّروف كانت مناسبة لنزول قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ* قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) (٢).

هذا الأستبعاد للمبالغة ، والإفراط في (كيف؟ وكم؟) من القواعد القرآنية ـ إجراء أتّخذ صراحة ، كيما يتسنى لكلّ فرد أن يمارس طاقته العقلية ، والجسمية والخلقية ، بطريقة تختلف عن غيره. فهذا هو ما يتصل بالأخلاق العملية ، والسّمات العامة الّتي تحددها ؛ فلنمض إلى الأخلاق النّظرية :

الجانب النّظري : وهنا يفارق منهجنا أيضا المنهج العام ؛ ذلك أنّ ما يهمّ غالبية علمائنا في المقام الأوّل هو الجانب الأقتصادي ، أو الشّرعي ، ونحن بادىء ذي بدء ، نركز أهتمامنا على المجال الأخلاقي ؛ واضعين كلّ مسألة في المصطلحات الّتي تصاغ بها لدى الأخلاقيين المحدثين.

ونحن من ناحية أخرى نتخذ من القرآن ذاته نقطة إنطلاق ، بحيث كان دأبنا

__________________

(١) انظر ، سنن الدّارقطني : ٤ / ١٨٤ ، وللمؤلف هنا طرق أخرى «المعرب» ، علل الدارقطني : ٦ / ٣٢٤ ح ١١٧٠ ، الكامل في ضعفاء الرّجال : ١ / ٤٠٤ ، تفسير ابن كثير : ١ / ٢٧٨ ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ١٢٩ ح ٧١١٤ ، تفسير القرطبي : ٦ / ٣٣٤ ، سنن البيهقي الكبرى : ١٠ / ١٢ ، فتح الباري : ١٣ / ٢٦٦ ، نيل الأوطار : ٨ / ٢٧٣.

(٢) المائدة ـ ١٠١ ـ ١٠٢.

٨٩

الدّائب أن نستخرج منه الإجابة عن كلّ مسألة ، بالرجوع المباشر إلى النّص.

وهنا تكمن الصّعوبة ؛ فإنّ النّصوص المتعلقة بالنظرية الأخلاقية ليست بالكثرة والوضوح اللّذين تمتاز بهما الأحكام العملية ، غير أنّ هنا سؤالا مسبقا ينبغي أن يطرح :

هل القرآن كتاب نظري؟ أو هل يمكن أن يلتمس فيه ما يلتمس ، من المؤلفات ، والأعمال الفلسفية؟

ـ إنّ الفلسفة بالمعنى المألوف للكلمة هي عمل فكر منطقي ، معتمد على مجرد ومضات الذهن الطّبيعي ، ينتقل فيه المفكر من حكم إلى آخر ، بمنهج معين ، للتوصل إلى إقرار نظام معين ، قادر على تفسير الأشياء في عمومها ، أو تفسير وضع معين لأحد هذه الأشياء. وبدهي أنّ هذا الجهد العقلي ؛ وهذه الخطوة التّدريجية ـ لا يتناسبان مع ضوء وحي ، يغمر النّفس دون بحث ، أو توقع ، ويقدم لها على حين فجأة جملة من المعرفة ، لا تسبق فيها المقدمات نتيجتها ، ولا المقدم تاليه.

فليس القرآن إذن عملا فلسفيا ، بمعنى أنّه ليس ثمرة فلسفية ، وهو لا يستخدم طرق الإكتساب الفلسفي ، بالإضافة إلى أنّه لا يتبع كذلك طرق التّعليم الّتي يتبعها الفلاسفة ، وهي طرائق المنهج العقلي ، التّيى تقوم على : (التّعريف ، والتّقسيم ، والبرهنة ، والإعتراضات ، والإجابات) ؛ وهي كلها امور متلاحمة دون جدال ، ولكنها لا تؤثر إلا على جانب واحد من النّفس ، وهو الجانب العقلي ، على حين أنّ للقرآن منهجه الّذي يتوجه إلى النّفس بأكملها ؛ فهو يقدم إليها غذاء كاملا ، يستمد منه العقل ، والقلب ، كلاهما ، نصيبا متساويا.

٩٠

وهكذا يفارق التّعليم القرآنيّ الفلسفيّ ، سواء في المصادر ، أو في المناهج. فهل هما يتفاوتان كذلك في موضوعهما؟ وفي هدفهما؟.

إنّ القول بهذا معناه أننا نقرر ـ بعلم أو بلا شعور ـ أنّ القرآن ليس كتاب دين ؛ ذلك أنّه مهما تكن الفروق بين الفلسفة والدّين ـ والّتي تتمثل في أنّ الأولى ، تستمد منبعها من ارتياب العقل ، على حين أنّ الدّين يستمده من الضّوء الكامل للوحي ؛ أو أنّ كليهما قد ينقاد أحيانا (١) وراء سراب النّخيل ، وأنّ أحدهما (وهو الفلسفة) ليس سوى معرفة محضة ، وبسيطة ، والآخر اقتناع عميق ، مؤثر ، وأخّاذ ـ مهما تكن الفروق بينهما فإنّ الفلسفة في جانبها الأسمى ، وللدين في جميع أشكاله ، هو : حلّ مشكلة الوجود ، أصله ومصيره ، وتحديد الطّريقة الحكيمة ، والمثلى للسلوك ، ولتحصيل السّعادة.

بيد أنّ أفضل ما يدل على التّشابه بين المادة القرآنية بخاصة ، وبين الفلسفة ـ أن نلحظ أنّ القرآن حين يعرض نظريته عن عمق ، وعن الفضيلة لا يكتفي دائما بأن يذكّر بهما العقل ، ويثير أمرهما باستمرار أمام التّفكر والتّأمل ، وإنّما يتولى هو بنفسه التّدليل على ما يقدم ، ويتولى تسويغه. وفضلا عن ذلك ، فإنّ طبيعة إستدلالاته ، والطّريقة الّتي يسوق بها الدّليل ؛ قد اختبرت كلتاهما على وجه يقحم أعظم الفلاسفة دقة ، وأشد المناطقة صرامة ، في الوقت الّذي تلبى فيه أكثر المطالب واقعية ، كما تروق أرقى الأذواق الشّعرية وأرقها ، وأبسط المدارك وأقلها.

__________________

(١) نحن نتحدث هنا عن الدّين بعامة ، لا عن الأديان المنزلة.

٩١

فليس يكفي إذن أن نقول : إنّ القرآن لا ينكر الفلسفة الحقة ، وليدة التّفكير النّاضج ، وعاشقة اليقين ؛ ولا يكفي كذلك أن نقول : إنّه يوافقها ، ويشجعها ، وإنّه يرتضي بحثها المنصف ، بل ينبغي أن نضيف إلى ذلك : أنّه يمدّها بمادة غزيرة في الموضوعات ، وفي الإستدلالات.

ولا ريب أنّ القرآن لا يقدم إلينا هذه الحقائق الأساسية مجتمعة ، في صورة نظام موحد. بيد أننا نتساءل : إذا كان نظام كهذا لم يوجد كاملا ، أفلا يوجد في هذا الكتاب جميع العناصر الضّرورية ، والكافية لبنائه؟.

الحقّ أنّه لا مراء في أنّ القرآن مشتمل على جميع العناصر الأساسية للفلسفة الدّينية : أصل الإنسان ، ومصيره ، وأصل العالم ، ومصيره ، ومبادىء السّبب والغاية ، وأفكار عن النّفس ، وعن الله ... إلخ ... وإنّ دراسة مثل هذا الموضوع لجديرة أن يخصص لها عمل مستقل.

فأمّا أن يكون ذلك الكتاب قد تحدث في الوقت نفسه عن أسس النّظرية الأخلاقية ـ فذلكم هو السّؤال الأوّل الّذي طرحناه في دراستنا هذه ، والّذي خصصناه بأعظم قدر من جهدنا.

وإنّا لنعتقد أنّ بوسعنا أن نعلن منذ الآن أننا قد وجدنا لهذا السّؤال إجابة واضحة ، وإيجابية تماما.

إنّ القرآن لا يكتفي في الواقع بأن يضع قاعدة السّلوك ، على وجه أكثر شمولا ، وتفصيلا ، كما لم يفعله أي تعليم عملي ، فقد وجدناه يرسي تحت هذا البناء الضّخم قواعد من المعرفة النّظرية أعظم متانة ، وأشد صلابة. ولتطرح عليه مثلا

٩٢

السّؤال التّالي :

على أي أساس ترتكز شريعة الواجب القرآني؟

ومن أي معين تستقي سلطانها؟

ولسوف يجيبك : بأنّ التّمييز بين الخير والشّر هو إلهام داخلي مركوز في النّفس الإنسانية ، قبل أن يكون شرعة سماوية ؛ وبأنّ الفضيلة ـ في نهاية المطاف ـ إنّما تتخذ مرقاتها من طبيعتها الخاصة ، ومن قيمتها الذاتية. وبأنّ العقل ، والوحي ـ على هذا ـ ليسا سوى ضوء هاد ، مزدوج ، لموضوع واحد ، وترجمة مزدوجة ، لواقع واحد أصيل ، تمتد جذوره في أعماق الأشياء.

واسأله بعد ذلك : عن صفات هذه الشّريعة ، وامتداد سلطانها؟

ولسوف يقول لك : إنّها شريعة عامة ، وأبدية ، تكفل للبشرية مطامحها المشروعة ، ولكنها تعترض بكلّ وضوح ، وتأكيد على شهواتها الجامحة ، والمتحكمة.

وزد في سؤاله عن المسئولية الإنسانية ، وعن شروطها ، وحدودها ، وعن الوسيلة النّاجعة لكسب الفضيلة ، وعن المبدأ الأسمى الّذي ينبغي أن يحمد الإرادة عن العمل؟ ..

أو سله عن أي مبدأ عام لا يملك أي أخلاقي بصير بعمله أن يغفله؟.

ولسوف تجد فيه لكلّ سؤال حكما محددا ، وقاطعا ، يفرض نفسه إجابة فريدة ، من شأنها أن تؤلف بين أكثر المشاعر نباهة ، واتزانا.

والّذي استولى في النّهاية على إعجابنا ، هو ما رأينا من التّباين المذهل بين

٩٣

الطّريقة الّتي يقدم بها القرآن إجاباته على هذه الأسئلة ، وطريقة غيره.

فعلى حين أنّ هذه الحقائق الأساسية قد برزت إلى الوجود في ضوء القرآن اللامع ، منذ أربعة عشر قرنا ، نجد أنّ مجتهدي المفكرين ممن يبحثون عن هذه الحقائق خارج ضوء القرآن يصدرون دائما عن تردد وارتياب ، ولا يصلون إلى أبعاض منها إلا بعد جهد جهيد ، دون أن يتوقّوا الوقوع في أخطاء فادحة.

٣ ـ دراسة مقارنة :

ويجب أن نعترف بأنّ تصورنا للخطة الأولية لهذا العمل كانت في شكل محدود ، بحيث لم نكن نتصور شيئا سوى عرض القانون الأخلاقي المستمد من القرآن ، وربما من تعليم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، المبيّن الأوّل ، الثّقة.

غير أنّ الاستاذ لويس ماسينيون [M.Louis Massignon] الاستاذ في الكوليج دي فرانس ، في معهد الدّراسات العليا بباريس ـ قد أبدى لنا رغبة في أن يرى هذه الدّراسة تتناول في نفس الوقت بعض نظريات المدارس الإسلامية المشهورة ، وهو في سبيل هذا الهدف قد مكّننا مما ضمت مكتبته من مؤلفات نادرة ، وثمينة ، مخطوطة ، أو مطبوعة.

كما أنّ الاستاذ رينيه لوسن [M.ReneLe Senne] الاستاذ بكلية الآداب ، بجامعة باريس ؛ قد أقترح علينا أن نقارن النّظرية الأخلاقية المستمدة من القرآن ببعض النّظريات الغربية. وقد استجبنا بحمد الله لما أبديا من مقترحات موفقة ، يبدو عملنا اليوم بفضلهما أرحب مدى ، وأعظم توفيقا.

فعملنا على هذا النّحو نوع من التّأليف ، تلتقي فيه الأفكار الأخلاقية ، من

٩٤

الشّرق بنظيرتها من الغرب ، في مقارنة واعية ، محايدة ، بريئة من كلّ فكرة مسبقة ، ومن كلّ هوى متعصب لمدرسة بعينها ، رائدها الوحيد في كلّ مناقشة أن تحتكم إلى العقل ، الّذي يستهدي بالأسانيد الوثيقة.

ترى هل يكون هذا التّقارب بين مختلف الثّقافات استهلالا في المجال العملي ، يعقبه فهم أرحب مجالا ، ونزوع إلى الإنسانية أكثر امتدادا ، حيث تتجمع القلوب ، من هنا وهناك ، وتتشابك الأيدي لخير بني الإنسان؟!!

باريس في ٨ يونيو (١٩٤٧ م) محمّد دراز

٩٥
٩٦

النّظرية الأخلاقية

كما يمكن استخلاصها من القرآن

مقارنة بالنظريات الأخرى

قديمها وحديثها

٩٧
٩٨

الفصل الأوّل :

الإلزام

يستند أي مذهب أخلاقي جدير بهذا الاسم ـ في نهاية الأمر ـ على فكرة الإلزام [L\'obligation] ، فهو القاعدة الأساسية ، والمدار ، والعنصر النّووي الّذي يدور حوله كلّ النّظام الأخلاقي ، والّذي يؤدي فقده إلى سحق جوهر الحكمة العملية ذاته ؛ وفناء ماهيتها ؛ ذلك أنّه إذا لم يعد هناك إلزام فلن تكون هناك مسؤولية ، وإذا عدمت المسؤولية ، فلا يمكن أن تعود العدالة ؛ وحينئذ تتفشى الفوضى ، ويفسد النّظام ، وتعم الهمجية ، لا في مجال الواقع فحسب ، بل في مجال القانون أيضا ، وطبقا لما يسمى بالمبدأ الأخلاقي.

ومن هنا نرى إلى أي أتجاه يريد أن يقودنا بعض أصحاب النّظريات المحدثين (١).

ومن ناحية أخرى ، كيف نتصور قاعدة أخلاقية بدون إلزام؟ أليس هذا تناقضا

__________________

(١) ومن أمثلتهم ، جييو [Guyau] في كتابه : «نحو أخلاقية بلا إلزام ولا جزاء».

[Esquisse d\'une morale sans obligation, ni Sanction]

٩٩

في الحدود؟. أم أننا نجعل من الضّمير مجرد أداة للتقدير الفني؟.

ولكن ، أليس بدهيا أنّ علم الأخلاق ، وعلم الجمال ـ أمران مختلفان؟.

وبمعنى أكثر عمقا ، إذا كان حقا أنّ كلّ ما هو خير فهو جميل ، فهل العكس أيضا صحيح؟ ..

إنّ مما لا ريب فيه أنّ لفكرة الفضيلة جمالها الذاتي ، الّذي تتذوقه الأنفس ، حتّى عند ما لا تستبى الأعين ، لكن هنالك أيضا أشياء أكثر من هذا ، فالفضيلة بطبيعتها عاملة ومحركة ، فهي تستحثنا أن نعمل كيما نجعل منها واقعا ملموسا ، على حين لا نرى للإحساس بالجمال ، إذا ما رددناه إلى أبسط صوره ، أية علاقة بالعمل ، وبخاصة عند ما لا يكون موضوعه متصلا بإرادتنا.

ومن ذلك أنّ إعجابنا بالقدرة الإلهية ، أو بعظمة القبّة السّماوية لا يحملنا على أن نخلق أمثالهما. وشبيه بهذا ما يحدث للفنان عند ما يتخيل فكرة عمل يمكن تحقيقه ، فإنّ هذه الفكرة لا تقهره ، مطلقا على أن ينفذها ، ولكنها تدعوه برفق أن يحققها حين يريد ، ومتى أتيح له وقت فراغ. ولو أنّها فرضت نفسها على بعضهم ، فإنّها لا تفرض نفسها على الآخرين بنفس القدر من الضّرورة ، وهي في كلّ حال تعبر عن الإحساسات ، دون أن تصادمها.

أضف إلى ذلك أنّ أي نقص يرتكب في عمل فني قد يصدم الحواس ، ولكنه لا يثير الضّمائر ، ولا يقال : إنّ مرتكبه قد أحدث عملا غير أخلاقي.

أمّا الخير الأخلاقي فبعكس ذلك يتميز بتلك السّلطة الآمرة تجاه الجميع ، بتلك الضّرورة الّتي يستشعرها كلّ فرد ، أن ينفذ نفس الأمر ، أيّة كانت الحال

١٠٠