دستور الأخلاق في القرآن

الدكتور محمّد عبدالله درّاز

دستور الأخلاق في القرآن

المؤلف:

الدكتور محمّد عبدالله درّاز


المحقق: الدكتور عبدالصبور شاهين
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-465-053-0
الصفحات: ٩٦٢

بهذا المعنى تتمثل في أن يأخذ القديس بحل حسن ، أو حتّى ممتاز في نظره ، ومع ذلك ، فإنّ هناك حلا آخر ، ربما كان أفضل في الواقع. وعند ما ينكشف له هذا الحل الأفضل أخيرا ، فإنّ الأسى ، والنّدم الّذي يجده في نفسه حينئذ ، يعدل ما يستشعره الرّجل الصّالح بعد أن يرتكب كبيرة.

وبهذا المعنى ، اعتاد المفسّرون أن يشرحوا لنا ألفاظا مثل : «العصيان» في قوله تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) (١) ، و«الظّلم» في قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ) (٢) ، و«الذنب» في قوله : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (٣) ، وهي ألفاظ يصف بها القرآن أحيانا الأنبياء ، ولم ينج منها رسول الإسلام محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وهذه الألفاظ كلّها ، وهي الّتي تعني حين يوصف بها عامة النّاس أشد الذنوب نكرا ، هي هنا ذات معنى بالغ اللطف ، كالنسيان : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٤) ، والخطأ : (لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ) (٥) ، أو حتّى مجرد الإنعكاس الطّبيعي : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ) (٦) ، وهذه كلّها أمور لا معنى لها في نظر العامّة ، ولكنها تتعرّض لنوع من التّضخيم في ضمير الصّفيّ. ولقد قيل دائما بحق : «إنّ النّبل ملزم» [noble sseoblige].

__________________

(١) طه : ١٢١.

(٢) النّمل : ١١.

(٣) الفتح : ٢.

(٤) سورة طه : ١١٥.

(٥) التّوبة : ٤٣.

(٦) النّمل : ١٠.

٨٠١

والواقع أنّ القرآن يعلمنا أنّ ذنوب الكبار ضعف ذنوب الآخرين : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) (١) ، (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) (٢) ، على حين أنّ الّذين يجاهدون حتّى لا يقعوا في الكبائر تغفر لهم الصّغائر برحمة من الله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٣) ، (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) (٤).

وهكذا نجد في القرآن لكلّ درجة من درجات الدّقة مقتضياتها الخاصة ، كما نجد فيه ـ لكي نبلغ مستوى الكمال الكلّي ـ تصاعدا لا ينتهي.

والحقّ أنّه كثيرا ما يحدث لدى كبّار القديسين أن يحكموا على أنفسهم في سلوكهم العادي بأنّهم أدنى من المرتبة العليا الّتي يطمحون إليها ، ولما كان ماضيهم بالنسبة إلى حاضرهم كحاضرهم بالنسبة إلى مستقبلهم ، ليست هذه كلّها سوى مراحل من التّقدم المستمر ، فإنّ كلّ حالة سابقة تتمثل لهم على أنّها مما يوجب الحياء حقا إذا ما قورنت بما يلحقها ، وبهذا المعنى فسر كثير من الشّراح الآية القرآنية الّتي الّتي تقول : (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) (٥) ، وفسروا بنفس

__________________

(١) الأحزاب : ٣٠.

(٢) الأحزاب : ٣٢.

(٣) النّساء : ٣١.

(٤) النّجم : ٣٢.

(٥) الضّحى : ٤ ، وقد ترجم المؤلف هذه الآية على المعنى الّذي ساقها دليلا عليه ، فقال ما معناه : «والمستقبل خير لك من الحاضر» ، والعبارة الفرنسية هي : En verite,le future vaut mieux pour toi

٨٠٢

الطّريقة ما كان من همة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونشاطه في الصّلاة ، وما كان من إلحاحه كلّ يوم ، في رجاء عفو الله : «فعن أبي بردة قال : سمعت الأغر ، وكان من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحدّث ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا أيّها النّاس توبوا إلى الله ، فإنّي أتوب في اليوم إليه مئة مرة» (١).

لقد درسنا فيما سبق فكرة القرآن عن الجهد ، في جانبيها الدّفاعي ، والهجومي ، ورأينا كيف أنّ الجهد ، في شكل أو آخر ، وفي جميع الدّرجات ـ هو أداة ضرورية للحياة الأخلاقية ، سواء لإزاحة الشّر ، أو لأداء الخير ، أو لبلوغ الكمال. والصّراع شرط الإنسان ، سواء لكسب الفضيلة ، أو لحفظ الحياة : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٢).

ولكن بحثنا حتّى الآن قد انصبّ بصورة جوهرية على الجزء الباطني من الجهد ، ويجب علينا الآن أن ندرسه في شكله الحسي. وإذن ، فما ذا تكون القيمة الأخلاقية للجهد البدني ، في نظر القرآن؟ ..

٢ ـ «الجهد البدني»

لنذكر أوّلا أنّه إذا كانت هنالك أخلاق ترى في الألم النّازل بأجسادنا ، من

__________________

tneserp el euq) etehporp o)». ـ وواضح أنّ التّرجمة لم تنقل الآية ، وإنّما عبرت عن وجهة نظر بعض المفسرين في بيانها. وذلك هو غاية ما يبلغه المترجمون لكتاب الله المعجز بيانه للأولين والآخرين.

(المعرب).

(١) انظر ، صحيح مسلم : ٤ / ٢٠٧٥ ح ٢٧٠٢ ، شرح النّووي على صحيح مسلم : ١٧ / ٢٤ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٥٧ ح ٢٩٤٤٤ ، مسند أحمد : ٤ / ٢١١ و ٢٦٠ ، صحيح ابن حبّان : ٣ / ٢٠٩ ح ٩٢٩ ، السّنن الكبرى : ٦ / ١١٤ ح ١٠٢٦٥ ، مسند الطّيالسي : ١ / ١٦٦ ح ١٢٠٢ ، مسند الرّوياني : ٢ / ٤٦٨ ح ١٤٨٩.

(٢) البلد : ٤.

٨٠٣

حيث هو ، قيمة جديرة بأن تطلب لذاتها ، أو بإعتبارها نظاما لنجاة النّفس ـ فإنّ هذه ليست أخلاق القرآن ، على وجه التّأكيد. ذلك أنّ هذه الأخلاق لا ترى أن يبحث الإنسان عن الألم البدني صراحة ، فضلا عن أن تأمر به ، فهي قد فرقت تفرقة واضحة بين الجهد البدني الّذي يتضمنه واجب مقرر ، أو الّذي يصحبه من وجه طبيعي ، وبين جهد مندوب ، هو إبداع خالص لهوى أنفسنا.

إنّها ترفض هذا النّوع الأخير من الجهد ، وتحرمه. ولعلنا نعرف خبر أولئك النّفر من المؤمنين الّذين اعتقدوا أنّ قيامهم بواجب العبادة المشكور يقتضي أن يفرضوا على أنفسهم ضروبا مختلفة من الحرمان ، والتّقشف ، وهو أمر أشار إليه القرآن ، دامغا إياه بالإفراط ، والمخالفة ، فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) (١).

وقد روت السّنّة تفاصيل هذا الموقف فيما روي عن أنس أنّ نفرا من أصحاب النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألوا أزواج النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عمله في السّر ، فقال بعضهم : لا أتزوج النّساء ، وقال بعضهم : لا آكل اللّحم ، وقال بعضهم : لا أنام على فراش ، فحمد الله وأثنى عليه ، فقال : «ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ، لكني أصلّي ، وأنام ، وأصوم ، وأفطر ، وأتزوج النّساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (٢).

__________________

(١) المائدة : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) انظر صحيح مسلم : ٢ / ١٠٢٠ ح ١٤٠١ ، شرائع الإسلام : ٢ / ٤٩٢ ، المهذب البارع : ٣ / ١٥٣ ، صحيح البخاري : ٥ / ١٩٤٩ ح ٤٧٧٦ ، جامع المقاصد : ١٢ / ٩ ، صحيح ابن حبّان : ١ / ١٩٠ ح ١٤ ، المسند ـ

٨٠٤

والواقعة التّالية تعطينا مثالا آخر ، من هدي رسول الله ، فعن ابن عباس قال : بينا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخطب ، إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه ، فقالوا : أبو إسرائيل نذر أن يقوم ، ولا يقعد ، ولا يستظلّ ، ولا يتكلم ، ويصوم ، فقال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مره فليتكلم ، وليستظل ، وليقعد ، وليتمّ صومه» (١).

ألا يترتب على هذا بداهة أنّ الجهد البدني في الإسلام لا يمكن أن تكون له قيمة منفصلة عن مضمونه؟ ..

ولهذا ، فعند ما يكون الأمر بالعكس ، أي عند ما لا يكون أداء الواجب إلّا مع تحمل بعض المشقة البدنية ، فإنّ القرآن ، والحديث لا يألوان جهدا في طلب جهدنا في مختلف صوره :

* جهد من أجل المعيشة : (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) (٢) (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (٣).

__________________

ـ المستخرج على صحيح الإمام مسلم : ٤ / ٦٤ ح ٣٢٣٨ ، سنن الدّارمي : ٢ / ١٧٩ ح ٢١٦٩ ، سنن النسائي : ٦ / ٦٠ ح ٣٢١٧ ، وسائل الشّيعة : ٢٠ / ١٠٧ ، المصنّف لعبد الرّزاق : ٦ / ١٦٧ ح ١٠٣٧٤ ، مسند أحمد : ٢ / ١٥٨.

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٦ / ٢٤٦٥ ح ٣٦٢٦. وقد اختلف النّص الّذي نقلناه من الصّحيح عن نص الأصل في عبارة (مروه) ، والصّواب ما أثبيناه. «المعرب». وانظر ، سنن البيهقي الكبرى : ١٠ / ٧٥ ، منته المطلب : ٢ / ٦٣٩ ، سنن الدّارقطني : ٤ / ١٦٠ ح ٧ ، المهذب البارع : ٤ / ١٣٥ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢٣٥ ح ٣٣٠٠ ، كشف اللثام للفاضل الهندي : ٢ / ٢٣٣ ، موطأ مالك : ٢ / ٤٧٥ ح ١٠١٢ ، مستدرك الوسائل : ١٦ / ٩٢ ، عوالي اللئالي : ٢ / ٣١٢ ، المعجم الكبير : ١١ / ٣٢٠ ح ١١٨٧١ ، المحلى لابن حزم : ٨ / ٤ ، المدونة الكبرى : ٣ / ١١٣ ، نيل الأوطار : ٩ / ١٤١ ، الإحكام لابن حزم : ٥ / ٢٠.

(٢) الجمعة : ١٠.

(٣) الملك : ١٦.

٨٠٥

* جهد من أجل اكتساب ما يكون صدقة (١).

* جهد لأداء العبادة في وقتها المحدد ، دون نظر إلى الفصول ، وتغير ظروف الجو ، والمناخ. ولهذا كان من الواجب أداء الصّلاة ، بطريقة أو بأخرى ، متى حان وقتها : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (٢) ، حتّى خلال الحرب : (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً) (٣). والصّوم يجب أداؤه ، في أطول الأيام ، مثلما يؤدى في أقصر الأيام : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٤).

والحجّ يؤدى ، في أي فصل من فصول السّنّة وقع : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) (٥) ، (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (٦).

ومن المعلوم ، فيما قبل الإسلام ، أنّ العرب لكي ييسروا تجارتهم في سوقهم السّنوية ، ولكي يوفقوا بينها ، وبين هذه العبادة ـ جعلوها ثابتة في الرّبيع ، واقتضاهم هذا أن يقوموا بعملية تأجيل تسمى (النّسيء) ، فألغى القرآن هذه العادة حين أثبت (أو بالأحرى ـ أعاد تثبيت) تأريخه القمري المحدد ، بحيث يمر على التّوالي بجميع فصول السّنة ، وفي ذلك يقول تعالى : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) (٧).

__________________

(١) انظر : ٤٨١ من الأصل : (حديث الصّدقة).

(٢) النّساء : ١٠٣.

(٣) البقرة : ٢٣٩.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) البقرة ٢ : ١٨٩.

(٦) البقرة : ١٩٧.

(٧) التّوبة : ٣٧.

٨٠٦

* وهناك أخيرا ، جهد الدّفاع عن الحقيقة المقدسة ، وفي هذا يصبح التّوجيه أكثر ترديدا ، وأعظم قوة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ) (١).

وكذلك : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (٢) (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ) (٣)

وهذه الرّوح القوية في الجهاد لا تظهر فقط من خلال تكرار الأمر بالجهاد في القرآن ، بل إنّ لها صداها في القول الّذي كان السّابقون إلى الإسلام يبايعون عليه

__________________

(١) التّوبة : ٣٨ ـ ٤٢.

(٢) التوبة : ٨١.

(٣) التّوبة : ١٢٠.

٨٠٧

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فعن عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جدّه قال : بايعنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على السّمع ، والطّاعة ، في العسر ، واليسر ، والمنشط ، والمكره ، وعلى أثرة علينا ، وعلى ألّا ننازع الأمر أهله ، وعلى أن نقول بالحقّ أينما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم» (١).

وفي حديث آخر يحدد النّبي أنّ : «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر» (٢).

على أننا نعتقد أنّ من المفيد أن نبين ببعض الأمثلة إلى أي مدى تتغير قيمة الجهد البدني تبعا لما قد يكون له من علاقة وثيقة ، أو غير وثيقة مع الخير الّذي يستهدفه الواجب. ولسوف نرى في الواقع أنّ هذه العلاقة تبلغ تارة درجة التّماثل مع الجانب الرّئيسي للواجب ، وتارة تتوافق مع جانب ثانوي في العمل ، تتفاوت أهميته بين كثرة ، وقلة ، وثالثة تتضاءل إلى مجرد علاقة مصاحبة.

وإليك ثلاثة أمثلة :

__________________

(١) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٧٠ ح ١٧٠٩ ، وقد ذكر المؤلف في نص الحديث (وأن نقول الحقّ حيثما كنّا) ، والصّواب ما ذكرناه : (وعلى أن نقول بالحقّ أينما كنّا) «المعرب». وانظر ، التّرغيب والتّرهيب : ٣ / ١٥٧ ح ٣٤٧٧ ، التّمهيد لابن عبد البر : ١٦ / ٣٥١ ، الثّقات لابن حبّان : ١ / ١٠٦ ، المحلى : ١١ / ١١٢ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ٩٥٧ ح ٢٨٦٦ ، صحيح ابن حبّان : ١٠ / ٤١٣ ، السّنن الكبرى : ٥ / ٢١٢ ح ٨٧٩٢.

(٢) انظر ، مسند أحمد : ٣ / ٩١ ح ١١١٥٩ ، منته المطلب : ٢ / ٩٩٣ ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٥٥١ ح ٨٥٤٣ ، القواعد والفوائد : ٢ / ٢٠٦ ، سنن أبي داود : ٤ / ١٢٤ ح ٤٣٤٤ ، الخصال : ٦٥ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١٣٢٩ ح ٤٠١١ ، التّهذيب : ٦ / ١٧٨ ، مسند الحميدي : ٢ / ٣٣١ ح ٧٥٢ ، نضد القواعد الفقهية : ٢٦٧ ، مسند أبي يعلى : ٢ / ٣٥٣ ، المعجم الكبير : ٨ / ٢٨٢ ح ٨٠٨١ ، عوالي اللئالي : ١ / ٤٣٢ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ١ / ٣٥٨ ح ١٤٤٨.

٨٠٨

١ ـ النّجدة :

عند ما نقول : يجب أن ننقذ حياة غريق ، أو نصون حياة يتيم ، وعند ما يكون الأمر أمر حفظ الحياة الإنسانية ، فعندئذ يماثل القرآن حياة الإنسان الواحد المنقذة بحياة الإنسانيّة جمعاء : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) (١).

فما ذا يكون على وجه الدّقة واجبنا في ظروف كهذه؟ ...

من البدهي أنّ واجبنا لن يكون أن نطيل فعلا هذه الحيوات ، لأنّه ليس لنا سلطان مباشر على هذه النّتيجة النّهائية ، مع أنّ هذا هو «الخير» الحقيقي المراد. إنّ واجبنا هو أن نقود أنفسنا نحو هذه الغاية ، من الطّريق المتاحة لنا ، وهذه الطّريق الوحيدة الّتي أتاحها الله لنا ليست سوى أن نسخر قوانا ، ونوجهها في اتجاه هذا الهدف ، وذلك يعني في آخر الأمر أن نمارس بعض الأعمال ، وأن نبذل بعض الجهود : جهدا ذهنيا نكشف به الوسيلة ، وجهدا أخلاقيا تمليه الإرادة الطّيبة لنحمل أنفسنا على استخدام هذه الوسيلة ، وجهدا عضليا لتنفيذ قرارنا (وذلك بأن نلقي بأنفسنا ـ مثلا ـ في اليمّ). والخطوة الأخيرة من كلّ هذه الخطوات الّتي يترتب بعضها على بعض ـ هي الّتي توصلنا إلى أعلى درجات الخير المتصوّرة ، فهي أقرب سبب لما حققناه ، كما أنّها الحدث الّذي تميزّ بتضحية كبيرة. والجهد البدني يشكل هنا ، كما نرى ، جزءا أساسيا ، بدونه تظل مهمتنا ناقصة نقصانا ظاهرا.

__________________

(١) المائدة : ٣٢.

٨٠٩

٢ ـ الصّلاة :

أليس في توجه المؤمن إلى الله بفكر خالص مستجمع راحة كبرى لنفسه؟ ولكن اللّغة الّتي تعبر عن هذا الفكر ليست بدون تأثير عليها ، فهي تثبتها ، وتنيرها ، وتعززها.

ثمّ إنّ خشوع البدن الّذي تتجسد فيه الفكرة إطار لهذه الفكرة ، وهو في الوقت نفسه غذاء لها. وإذا لم نبلغ المكان الّذي تتم فيه هذه «المناجاة الخاصة» إلّا بعد أن نتخذه عدة استعدادات شبيهة بما يتخذه المرء قبل زيارة شخصية رفيعة ـ فإننا بذلك نؤكد تأكيدا مضاعفا شعورنا بالإحترام لهذا الإستقبال.

والتّركيب العضوي لهذه العناصر المختلفة هو نفس تعريف الصّلاة ، الّتي أمرنا الإسلام بأدائها عدة مرات في اليوم.

ومع ذلك فإنّ الجوانب كلّها ليست متساوية النّصيب في التّكليف ، ففي ظرف معين يمكن إغفال هذا الجانب ، وفي ظرف آخر يمكن إغفال ذاك ، وهكذا ، ومن الممكن أن نغفلها جميعا ، ما خلا واحدا على وجه التّحديد ، هو الأساس والمحور ، وسائر العناصر بالنسبة إليه كالقشة بالقياس إلى البذرة ، وكالصدّفة بالنسبة إلى اللؤلؤة ، أعني : عمل القلب.

فالمحتضر الّذي لا يستطيع أن يأتي أدنى حركة ، ولا أن ينبس ببنت شفة ـ ملزم أن يؤدي صلاته أداء ذهنيا ، بشرط وجود وعيه ، وذاكرته.

وهكذا نجد أنّ العمل البدني الّذي كان منذ لحظة (فيما يتعلق بالنجدة) في المرتبة الأولى ـ لا يؤدي هنا سوى دور ثانوي ، ومع ذلك فهو يعتبر جزءا متمما

٨١٠

للواجب (١) ، في الظّروف العادية.

٣ ـ الصّوم :

هنا نقف أمام نوع من المشقة البدنية ، الّتي تحدث خلال أداء الواجب ، ولكنها قلما تكوّن جانبا منه. فالألم بطبيعته لا يمكن أن يكون موضوع تكليف ، لأنّ كلّ ألم ـ بمقتضى التّعريف ـ انفعال ، وليس عملا.

ولكن قد يقال لنا : إذا لم يكن ممكنا أن يكون موضوعا مباشرا لتكليف ، فقد يكوّنه بوساطة عمل معين ، يصلح لإثارته ، وإذن فمن الممكن أن يعبر عن الأمر بالصوم في هذه الكلمات : «أذق نفسك ألم الجوع ، والعطش بإمتناعك عن الشّراب ، والطّعام ، خلال ساعات محددة».

ـ ونجيب عن ذلك بأنّه لو كان الأمر هكذا فلن تكون هنالك وسيلة للطاعة ، في وسع من لا يحس بهذا الحرمان المحدد ، ما دام تطويل الصّوم زيادة على ساعاته محرما ، كتحريم قطعه قبل موعده. وإذا علمنا أنّ أولئك الّذين يرعون القاعدة بإخلاص متساوون في الطّاعة ، بصرف النّظر عن ردّ الفعل الخاص في أجسامهم ، لنتج عن ذلك بداهة ألا يدخل الألم البدني هنا في الحساب ، كجزء من الواجب ، بطريقة مباشرة ، أو غير مباشرة.

والواقع أنّ الواجب شيء آخر ، وقد كان من طريق الصّدفة أن وجدت له علاقة بالألم. والجهد الّذي نبحثه هنا ذو طابع أخلاقي أساسا ، إنّه أوّلا وقبل كلّ شيء نوع من «التّدريب» المفروض على «الإرادة الإنسانية» ، حتّى نحصل منها

__________________

(١) أي : وما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب ، كما تقول القاعدة الأصولية المشهورة. «المعرب».

٨١١

على قدر من الإنتظام ، والثّبات ، في خضوعها «للإرادة الإلهية». ولمّا كانت إرادتنا سيدة نفسها ، من حيث تسيطر على بدنها ، ولكنها نائبة الرّئيس ـ إن صح التّعبير ـ أمام الخالق ـ فإنّ مهمتها أن توفق بين هذين الأمرين بإتباع أحدهما للآخر ، وخيرها يكمن في إلتزامها بدور الوسيط الّذي يعرف قدر نفسه ، وشرّها في أن تقلب هذا النّظام الأصلي ، فتتردى إلى أسفل ، وتكون مسترقّة للشهوات.

ولتيسير هذه المهمة كانت الشّعيرة المقترحة غاية في السّهولة ، نظام غذائي يتّبع ، شهرا في كلّ عام ، وهو نظام ينظم السّاعات ، دون أن يمس كمية الغذاء ، أو كيفيته : فإذا طلع الفجر أمسك الصّائم عن تعاطي أي شيء خلال النّهار ، وبعد مغرب الشّمس يصبح كلّ شيء مباحا. وهذا التّنظيم نفسه ينطبق على العلاقات الجنسية.

وهكذا تتلقى نائبة الرّئيس (أي الإرادة) بمناسبة عمل واحد أمرين متعارضين ، في كلّ يوم مرتين : أحدهما بأن تكف ، والآخر بأن تعمل ، فإذا ما حرصت إرادتنا على القيام بتنفيذ هذين الأمرين في مجالها الخاص ، ومن أن تعيد نفس التّدريب خلال الشّهر؟ .. فيا له من ترويض لهذه الإرادة! ... ذلك أنّه كلما كثرت طاعة المرء أصبح طائعا ، كما أنّه كلما تمرس بالقيادة يصبح قائدا. ومع ذلك إنّ هذا التّدريب لم يكن لكي نتوقف عند الموضوع المادي الّذي يستخدم فيه ، إنّه يستهدف مجموع سلوكنا ، فمن أقبل خلال صومه على كلّ آثم من القول ، أو الفعل ـ لم يستفد من الدّرس ، إذ يكون قد فرض على نفسه تضحيات لا جدوى منها ، حين حرم نفسه من الأكلِ ، والشّرب ، على حين لم

٨١٢

يحقق مقاصد الأمر السّماوي ، وفي هذا يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما رواه أبو هريرة : «من لم يدع قول الزّور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه ، وشرابه» (١).

إننا لم نستلهم المغزى الأخلاقي للصوم ، على ما حددناه آنفا ، من المسلك العام للتعليم القرآني فحسب ، وإنّما هو مبسوط في نفس النّص الّذي يأمر بهذه الشّعيرة ، وهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٢) ، والرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الصّوم نصف الصّبر» (٣) ويقول أيضا : «الصّوم جنّة» (٤).

وليس في هذه النّصوص ، ولا في غيرها (٥) ، فيما أعلم ، أية إشارة إلى الألم

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٦٧٣ ح ١٨ و : ٥ / ٣٢٥١ ح ٥٧١٠ ، منته المطلب : ٢ / ٥٦٥ ، صحيح ابن حبّان : ٨ / ٢٥٦ ح ٣٤٨ ، سنن البيهقي الكبرى : ٤ / ٢٧٠ ح ٨٠٩٥ ، تذكرة الفقهاء : ٦ / ٣٢ ، سنن أبي داود : ٢ / ٣٠٧ ح ٢٣٦٢ ، السّنن الكبرى : ٢ / ٢٣٨ ح ٣٢٤٥ ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٣٩ ح ١٦٨٩ ، مسند أحمد : ٢ / ٤٥٢ ح ٩٨٣٨ ، شعب الإيمان : ٣ / ٣١٥ ح ٣٦٤١ ، تفسير القرطبي : ٢ / ٢٧٣.

(٢) البقرة : ١٨٣.

(٣) انظر ، شرح الزرقاني : ٢ / ٢٠٤ ، البيان لشهيد الأوّل : ٢٢٢ ، مسكن الفؤاد : ٤٦ ، عوالي اللئالي : ١ / ١١٥.

(٤) انظر ، مسند أحمد : ٢ / ٣٠٦ ح ٨٠٤٥ و ٩٧١٢ و ٩٩٤٨ و ١٠١٧٨ و ١٠٥٥٩ و : ٣ / ٣٢١ ح ١٤٤٨١ و : ٤ / ٢١٧ و : ٥ / ٢٣١ ح ٢٢٠٦٩ و ٢٢١٢١ و ٢٢١٨٦ ، فقه الرّضا : ٢٠٤ ، الكافي : ٤ / ٦٢ ح ١ و ٣ ، المعجم الكبير : ٢ / ٥٤ ح ١٢٣٥ و : ٩ / ٥٨ ح ٨٣٨٦ ، من لا يحضره الفقيه : ٢ / ٤٥ ح ٢٠٠ ، فيض القدير : ٤ / ٢٤٢ ، الخلاف : ٢ / ١٧١ ، تذكرة الحفاظ : ٣ / ١١٥٤ ، غنية النّزوع : ١٣٥ ، المختصر النّافع : ٧٠.

(٥) قد يعترض على هذا بالآية الكريمة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ـ

٨١٣

البدني ، بإعتباره واجبا ، أو نتيجة من نتائج الواجب الّتي تستهدفها الشّريعة.

وليس يغض من صدق هذا القول أنّ من الممكن حدوث هذا الألم ، بل إنّه نتيجة طبيعية للحرمان ، وكثيرا ما نلاحظ لدى الصّائمين ، سواء في البداية ، أو على مدى الصّوم ، شعورا بالضيق ، يضعف أو يقوي ، وهو ناتج على الأقل عن تغيير النّظام ، ولكن أمرا جديدا يفرض نفسه في هذه الحالة.

ذلك أنّ الواجب ليس أن نعتصم بالصبر ، ونتشبث بالكرامة ، فقط في مواجهة حدث مغمّ لا يمكن تفاديه (١) ، من مثل ما تحدث عنه القرآن في قوله تعالى :

__________________

ـ فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) المائدة : ٩٥. فهي تجعل الصّيام بطريقة للتكفير عن الذنب. بيد أنّ قراءة النّص ذاتها تكفي لبيان أنّ المراد هو الألم الأخلاقي اللازم للتوبة : (لّيذوق وبال أمره ى) ، فالمطلوب هو أن يشعر المخطىء بفداحة عمله الماضي ، لا أن يشعر بالحرمان المادي الّذي يتحمله الآن. ومع ذلك فكيف نطبق مقصد هذا الألم البدني على طريقة الجزاء الأخرى (القربان ، والصّدقة) ، وهو ما عبرت عنه الآية الكريمة في نفس الوقت؟ ...

(١) ونقول : لا يمكن تفاديه ، لأنّ من الواضح أنّ واجبنا لن يكون نفس الواجب أمام المشاق الّتي تحدث بطريق طبيعية ، كالأمراض ، والحوادث ، وهي أمور قابلة للتغيير ، أو التّلطيف ، فمثل هذه الشّرور لا تحدث لكي نتخذ منها موقفا سلبيا ، بل إنّها تثير جهودنا ، وتستحثها إلى مقاومتها ، وقهرها ، وفي ذلك يقول الرّسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما روي عن أبي هريرة : «ما أنزل الله داء إلّا أنزل له شفاء» [انظر ، صحيح البخاري : ٥ / ٢١٥١ ح ٥٣٥٤ ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٢١٨ ح ٧٤٢٣ ، السّنن الكبرى : ٤ / ٣٦٩ ح ٧٥٥٥ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١١٣٨ ح ٣٤٣٩ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٥ / ٣١ ح ٢٣٤١٦ ، مسند أبي حنيفة : ١ / ٢١٢ ، مسند أحمد : ١ / ٣٧٧ ح ٣٥٧]. ويقول عليه الصّلاة والسّلام فيما روي عن جابر : «لكلّ داء دواء ، فإذا أصيب دواء الدّاء برأ بإذن الله عزوجل» ، (انظر ، صحيح مسلم : ٤ / ١٧٢٩ ح ٢٢٠٤ ، فقه الرّضا : ٢٠ ، صحيح ابن حبّان : ١٣ / ٤٢٨ ح ٦٠٦٣ ، إيضاح الفوائد : ٤ / ١٥٤ ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٤٤٥ ح ٨٢١٩ ، سنن البيهقي الكبرى : ٩ / ٣٤٣ ، مسند أحمد : ٣ / ٣٣٥ ح ١٤٦٣٧ ، ـ

٨١٤

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (١).

بل إنّ هنالك فرصة ممتازة يجب أن نهتبلها ، كيما نتأمل تأملا سليما في طبيعتنا ، وعلاقتنا بالله ، وبالناس.

بأي خشوع ـ في الواقع ـ يتعين علينا أن ننظر إلى ضعفنا تحت ضغط الضّرورات على أبداننا : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) (٢).

وأيّة عظمة ، وأي إحسان ، نحن مدينون بهما لله ، الّذي وهبنا هذا النّور : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣).

وأخيرا لنذكر بعض إخواننا الّذين يتألمون في حياتهم العادية ، دون أن

__________________

ـ جامع المدارك : ٣ / ١٢٤ ، مسند أبي يعلى : ٤ / ٣٢ ح ٢٠٣٦ ، فيض القدير : ٥ / ٤٢٨). ويقول صلوات الله وسلامه عليه : «فتداووا ولا تداووا بحرام» (انظر ، سنن أبي داود : ٤ / ٧ ح ٣٨٧٤ ، سنن البيهقي الكبرى : ١٠ / ٥ ، فتح الباري : ١٠ / ١٣٥ ، التّمهيد لابن عبد البر : ٥ / ٢٧٣ ، فيض القدير : ٢ / ٢١٦ ، الدّراية في تخريج أحاديث الهداية : ٢ / ٢٤٢ ح ٩٨٢).

ومن الممكن القول بأنّ هذه العناية المادية لا تعتبر دائما واجبا لازما ، وشاملا. وهؤلاء الّذين لديهم من الهموم أعظم مما ينظرون إلى أجسادهم يفضلون أحيانا أن يتحملوا الأوجاع البدنية بشجاعة عن أن يلجأوا إلى مداواتها ، أو إلى تصرفات غير عادية ، أو بالغة القسوة ، من مثل ما أشار إليه قوله عليه الصّلاة والسّلام : «هم الّذين لا يسترقون ، ولا يتطيرون ، ولا يكتوون ، وعلى ربهم يتوكلون» (انظر ، صحيح مسلم : ١ / ١٩٨ ح ٢١٨ و ٢٢٠ ، صحيح البخاري : ٥ / ٢١٥٧ ح ٥٣٧٨ و ٦١٠٧ و ٦١٠٧٥ ، صحيح ابن حبّان : ١٣ / ٤٤٧ ح ٦٠٨٤ ، المسند المستخرج على صحيح مسلم : ١ / ٢٨٣ ح ٥٢٣ و ٥٢٤ و ٥٢٧ ، موارد الظّمآن : ١ / ٦٥٨ ح ٢٦٤٦ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٦٣١ ح ٢٤٤٦).

(١) البقرة : ١٥٥.

(٢) النّساء : ٢٨.

(٣) البقرة : ١٨٥.

٨١٥

تضطرهم إلى ذلك تكاليف أخلاقية ، أو ظروف طبيعية عامة. إنّ مساعدة البائسين ، الّتي أوصى الله سبحانه بها ـ خاصة ـ في شهر الصّوم ، والّتي تصبح تكليفا صريحا عقب الصّوم ـ هذه المساعدة ليست سوى نتيجة منطقية ، ومحصلة لهذه العبادة.

وأيّا ما كان أمر هذه المنافع ذات الطّابع الأخلاقي ، أو تلك المنافع الأخرى ذات الطّابع العضوي (أو الفسيولوجي) ، فمن الواضح لأعيننا أنّ الألم البدني النّاشيء عن الحرمان ليس من أهداف الشّارع الإسلامي. ولئن كان ينجم أحيانا من أداء واجب أخلاقي فإنّه يفرض بدوره واجبات أخرى. بل إنّ الإمساك المتطاول ، على رغم هذا الألم ، هو عمل باطني من النّاحية الإيجابية ، تقاوم به الإرادة مطالب الجسد. والجانب المادي في الإمساك يتمثل في تحمل الآلام ، أكثر من العمل ضدها ، فهو يقتصر على عمل سلبي مجرد ، ولا يمكن إذن أن يسمى جهدا صريحا.

وهكذا نستطيع أن نحدد في كلمتين موقف القرآن بالنسبة إلى «مشكلة الألم البدني في الأخلاق» ، «فليس حتما أن نبحث عن هذه التّضحية ، بحيلة معتسفة ، ولا أن نهرب منها حين تفرض ضمن واجب من الواجبات».

هاتان القضيتان تستخلصان بوضوح أكثر عند ما نتأمل بنظرة فاحصة كيفية تطبيق هذا المبدأ القرآني فيما قدم النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من حلول ، في مختلف المسائل الخاصة. وحسبنا أن ندرس في هذا الصّدد قضيتين متنافيتين ، طالما ناقشهما الأخلاقيون المسلمون ، محاولين توضيح بعض جوانبهما :

الصّبر ، والعطاء ، والعزلة ، والإختلاط.

٨١٦

١ ـ صبر وعطاء.

هذا هي المشكلة الأولى : فأي الفضيلتين خير من الأخرى : الصّبر في البأساء ، أو العطاء في الرّخاء؟

وربما طرحت هذه المشكلة صرحا سيئا إذا ما أريد بها هنا إقرار تدرج ذي طابع عملي ، صالح لفرض واجب ، أو حتّى وصية. ذلك أنّه لكي نمارس الفضيلة الأساسية المنافية لوضع معين ـ فإمّا أن يكون كافيا أن نتخذ بطريقة مصطنعة موقف الوضع النّقيض ، وهو أمر يبدو محالا غير معقول ، وإمّا أن يلزمنا أن نستبدل بالوضع الرّاهن الوضع العكسي.

ولكن لو افترضنا أنّ إصلاح وضعنا ، وإسعاد أنفسنا ماديا ، أو إفساد هذا الوضع ، وتدمير ثرواتنا ـ كلاهما يتوقف علينا ، فهل من واجبنا الملح ، كيما ننتقل من حالة إلى أخرى مناقضة لها ـ أن نغير وضعنا ، أو أن نسير بهذه الطّريقة ، أو تلك على حسب الظّروف؟ ..

إنّ الإجابة عن هذا السّؤال موجودة أوّلا بصورة مجملة في وصية حكيمة ، يدعو فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّا منّا ألا يدع مجال عمله الّذي اعتاده ما لم تنقلب أحوال هذا العمل ضده : «فعن عائشة رضى الله عنه قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : إذا سبّب الله لأحدكم رزقا من وجه فلا يدعه حتّى يتغير له ، أو يتنكر له» (١) ، فإذا ما نقلنا هذا القول من المجال الإجتماعي إلى المجال الأخلاقي ـ ألا نستطيع أن

__________________

(١) انظر ، سنن ابن ماجه : ٢ / ٧٢٧ ح ٢١٤٨ ، مسند أحمد : ٦ / ٢٤٦ ح ٢٦١٣٤ ، مصباح الزّجاجة : ٣ / ٩ ، شعب الإيمان : ٢ / ٩٠ ح ١٢٤٤ ، ميزان الإعتدال : ٦ / ٣٩١ ح ٨٤٠٢ ، تهذيب التّهذيب : ١٠ / ٣٧٠ ح ٧٤٤ ، كشف الخفاء : ٢ / ٢٩٦ ح ٢٣٧٦ ، تهذيب الكمال : ٩ / ٣١٣.

٨١٧

نؤكد أنّ الإنسان حين يكون بحيث يستطيع الوفاء بواجبه الحالي كاملا ، يجب عليه أن يلتزم به ، وأن يثبت عليه ، ولا شيء يضطره إلى أن ينشيء جوا مصطنعا ينهضه إلى واجب مضاد؟ ...

ومع ذلك فلا حاجة بنا أن نلجأ إلى هذا التّعليل القياسي ، ما دمنا نجد نفس النّصيحة في الميدان الأخلاقي ، وذلك عند ما أراد أهل ضاحية من ضواحي المدينة أن يبيعوا ديارهم ليستقروا بالمدينة قريبا من المسجد : «فعن جابر بن عبد الله قال : خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا إلى قرب المسجد ، فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لهم : إنّه بلغني أنّكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد. قالوا : نعم يا رسول الله! قد أردنا ذلك ، فقال : يا بني سلمة ، دياركم ، تكتب آثاركم ، دياركم ، تكتب آثاركم» (١).

ومن المسلم في بعض الحالات أنّ الواجب قد لا يتطلب تعديلا ، بل تغييرا ، فإذا ما عدنا إلى نص مشكلتنا لقررنا أنّ الإنسان المعسر يجب عليه أن يبذل كلّ طاقته كيما يثري ، فهل العكس صحيح؟ .. هل على إنسان موسر إذن أن يصبح معسرا؟ .. كلا ، فإنّ الموقف الإسلامي جدّ واضح في هذا الصّدد.

__________________

(١) انظر ، صحيح مسلم : ١ / ٤٦٢ ح ٦٦٥ ، ونلاحظ في هذا المثال أنّ أي حل آخر سوف يكون مناقضا ، ذلك أنّ الضّاحية تحمي المدينة بصورة ما ، فلو أنّ النّاس جميعا هجروا الأرباض ، والضّواحي لأصبحت المدينة بلا دفاع ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى ، لو أنّ النّاس شجّعوا على أن يسرعوا إلى مكان معين لنشب بينهم الخلاف ، وفشت الخصومة. وانظر ، صحيح ابن حبّان : ٥ / ٢٩٠ ح ٢٠٤٢ ، المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم : ٢ / ٢٦١ ح ١٤٩١ ، سنن البيهقي الكبرى : ٣ / ٦٤ ح ٤٧٦١ ، المصنّف لعبد الرّزاق : ١ / ٥١٧ ح ١٩٨٢ ، مسند أحمد : ٣ / ٣٣٢ ح ١٤٦٠٦ و ١٥٠٣٤ ، مسند أبي يعلى : ٤ / ١١٥ ح ٢١٥٧.

٨١٨

فقد كان النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحث كلّ إنسان على أن يعمل في كسب معاشه بجهده ، وهو القائل : «ما أكلّ أحد طعاما قطّ خيرا من أن يأكلّ من عمل يده» (١) ، وكان يحرم على الأصحاء أن يسألوا الآخرين إحسانهم ، وهو القائل : «لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه» (٢) و«لا تحل الصّدقة لغنيّ ، ولا لذي مرّة سويّ» (٣).

كما كان يحرم على الموسرين أن يعرّضوا أنفسهم ، أو يعرّضوا ذويهم لتلك الحالة المحزنة ، سواء بالإسراف ، أو بالوصية بالثروة كاملة ، وهو القائل لمن أراد أن ينخلع من ماله صدقة إلى الله ، وإلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، رجاء التّوبة : «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» (٤) ، ولمن أراد أن يوصي بثلثي ماله ، أو بشطره : «لا ،

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٧٣٠ ح ١٩٦٦ ، وذكر المؤلف النّص هكذا «خيرا من كسب يده» والصّواب ما أثبتناه. (المعرب). وانظر ، مسند الشّاميين : ٢ / ١٦٨ ح ١١٢١ ، المعجم الكبير : ٢٠ / ٢٦٧ ح ٦٣١ ، شعب الإيمان : ٢ / ٨٤ ح ١٢٢٤ ، التّرغيب والتّرهيب : ١ / ٣٣٦ ح ١٢٣٨ و : ٢ / ٣٣٣ ح ٢٦٠٢ ، سبل السّلام : ٣ / ٥ ، فتح الباري : ٤ / ٣٦ ح ١٩٦٦ ، حلية الأولياء : ٥ / ٢١٧.

(٢) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٧٣٠ ح ١٩٦٨ و ٢٢٤٥ ، وقد نقل المؤلف رواية هذا الحديث عن مسلم : ٢ / ٧٢١ ح ١٠٤٢ ، (لأن يغدو ـ أحدكم فيحطب على ظهره فيتصدق به ويستغني ... خير له من أن يسأل) ، وإن لم يشر إلى المرجع المذكور بدقة. (المعرب). وانظر ، المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم : ٣ / ١١٠ ح ٢٣٢٥ ، السّنن الكبرى : ٢ / ٤٩ ح ٢٣٦٥ ، سنن النّسائي (المجتبى) : ٥ / ٩٣ ح ٢٥٨٤ ، مسند أحمد : ٢ / ٤٥٥ ح ٩٨٦٨ ، مسند أبي يعلى : ١١ / ١١٤ ح ٦٢٤٢.

(٣) انظر ، سنن ابن ماجه : ١ / ٥٨٩ ح ١٨٣٩ ، «المعرب». وانظر ، سنن النّسائي (المجتبى) : ٥ / ٩٩ ح ٢٥٩٧ ، التّهذيب : ٤ / ٥١ ح ١٣٠ ، السّن الكبرى : ٢ / ٥٤ ح ٢٣٧٨ ، النّاصريات : ٢٨٧ ، سنن أبي داود : ٢ / ١١٨ ح ١٦٣٤ ، الخلاف : ٤ / ٢٣١ ، سنن الدّارمي : ١ / ٤٧٢ ح ١٦٣٩ ، الكافي : ٣ / ٥٦٣ ح ١٢ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٤٣ ح ٦٥٣ ، غنية النّزوع : ١٢٤ ، المعتبر للحلي : ٢ / ٥٦٦.

(٤) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٥١٨ ح ١٣٥٩ و : ٣ / ١٠١٣ ح ٢٦٠٦ ، سنن البيهقي الكبرى : ٤ / ١٨١٤ ـ

٨١٩

الثّلث ، والثّلث كثير ، إنّك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون النّاس» (١) ، وأيضا : «يأتي أحدكم بما يملك فيقول : هذه صدقة ، يقعد يستكفّ النّاس. خير الصّدقة ما كان عن ظهر غنى» (٢).

لم يكن هذا فحسب ، موقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، بل لقد قال في كلمات صريحة : «لا بأس بالغنى لمن اتقى» (٣) ، بل لقد قال أيضا : «فنعم صاحب المسلم ، ما أعطى منه المسكين ، واليتيم ، وابن السّبيل» (٤).

__________________

ـ ح ٧٥٦٤ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢٤٠ ح ٣٣١٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٧ / ٤٢٤ ح ٣٧٠٠٧ ، المصنّف لعبد الرّزاق : ٨ / ٤٨٤ ، مسند أحمد : ٦ / ٣٨٩ ، المعجم الكبير : ١٩ / ٥١.

(١) انظر ، صحيح مسلم : ٣ / ١٢٥١ ، المبسوط للطوسي : ٤ / ٣ ، صحيح البخاري : ١ / ٤٣٥ ح ١٢٣٣ و : ٣ / ١٤٣١ ح ٣٧٢١ ، المهذب : ٢ / ١٠٥ ، صحيح ابن حبّان : ١٣ / ٣٨٤ ح ٦٠٢٦ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٣٣ ، سنن البيهقي الكبرى : ٦ / ٢٦٨ ح ٢٣٤٦ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢٩٢ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ٧٦٣ ح ١٤٥٦ ، شرح النووي على صحيح مسلم : ١١ / ٧٧ ، موطأ مالك : ٢ / ٧٦٣ ح ١٤٥٦ ، مسند أبي يعلى : ٢ / ١٤٥ ح ٨٣٤.

(٢) انظر ، سنن أبي داود : ٢ / ١٢٨ ح ١٦٧٣ ، المعتبر : ٢ / ٥٩٤ ، موارد الظّمآن : ١ / ٢١٤ ح ٨٣٩ ، منته المطلب : ١ / ٥٣٢ ، نهاية الإحكام : ٢ / ٤٣٤ ، صحيح ابن حبّان : ٨ / ١٦٥ ح ٣٣٧٢ ، الدّروس للشهيد الأوّل : ١ / ٢٥٥ ، مسند أبي يعلى : ٤ / ٦٥ ح ٢٠٨٤ و ٢٢٢٠ ، جامع المقاصد : ٩ / ١٣٣ ، تحفة المحتاج : ٢ / ٣٥٣ ح ١٤٠٨.

(٣) وبقية الحديث كما جاء في سنن ابن ماجه : ٢ / ٧٢٤ ح ٢١٤١ ، «والصّحة لمن اتقى خير من الغنى ، وطيب النّفس من النّعيم». (المعرب). وانظر ، مسند أحمد : ٥ / ٣٧٢ ح ٢٣٢٠٦ ، الأحاد والمثاني : ٥ / ٢٨ ح ٢٥٦٦ ، البيان والتّعريف : ٢ / ٢٧١ ، فيض القدير : ٦ / ٣٨٢ ، تهذيب التّهذيب : ٥ / ١٧٣ ح ٣٤٠ ، تهذيب الكمال : ١٤ / ٤٥١.

(٤) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٥٣٢ ح ١٣٩٦ ، وقد ذكر المؤلف : (صاحب المسلم هو لمن أعطى) والصّواب ما أثبتناه. وانظر ، شعب الإيمان : ٧ / ٢٧٥ ح ١٠٢٩٠ ، تفسير القرطبي : ١٩ / ٢٨٥ ، صحيح ـ

٨٢٠