دستور الأخلاق في القرآن

الدكتور محمّد عبدالله درّاز

دستور الأخلاق في القرآن

المؤلف:

الدكتور محمّد عبدالله درّاز


المحقق: الدكتور عبدالصبور شاهين
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-465-053-0
الصفحات: ٩٦٢

الإبداع ؛ حرية العمل لتخريب مستقبل الأمّة ، وحرية الإبداع لتطوير أساليب الإجرام.

على حين لم يجد أصحاب الدّعوات ، ومناهج الإصلاح مجالا لنشر أفكارهم ، لا في الزّمان ، ولا في المكان ، وذلك كلّه واقع عشرين عاما خلت ، لن يغفره التّأريخ ، وكانت الحصيلة هزيمتان ساحقتان للأمّة أمام عدوها ، هما النّتيجة الطّبيعية لسحق شخصية الإنسان المسلم ، وما زالت الأمّة العربية تجاهد من أجل عبور الهزيمة أمام خصم لدود يستغل كلّ نقاط ضعفها ، ويجند جيوش المرتزقة ، والمجرمين ، ومهربي المخدرات ، من أجل دحرها.

ومع ذلك فلندع التّأريخ جانبا الآن ، فنحن في مواجهة خطر قادم رهيب ، لا يقاوم إلا بالوحدة القائمة على أساس المنهاج الأخلاقي ، والفكر الدّيني ، كما لن يغسل عار الهزيمة إلا السّلاح. فكلّ فساد في الدّولة ، أو في المجتمع هو في التّحليل النّهائي فساد أخلاقي ، تنبغي مواجهته بطريقة جذرية ، تعالج المرض ، لا أعراضه ، وفي حالة معينة يلزم فيها علاج (التّسيب) ، في صورة الإختلاس مثلا ، لا يكون العلاج أن نسترد المال المختلس ، بل بأن نقضي على الخلل الأخلاقي الّذي يسمح بالإختلاس ، ومن المؤكد أننا من حيث التّشريع لسنا أحكم ، ولا أعدل من الخالق جلّ وعلا ، وهو سبحانه قد شرع قطع يد السّارق (١) علاجا لمثل هذه الإنحرافات ، وقضاء على جريمة السّرقة.

وقد كان هدف المشرع من هذه العقوبة الصّارمة ذا شعب ثلاث ، فهو بقسوته

__________________

(١) يقصد بذلك الآية ٣٨ من سورة المائدة : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.)

٦١

يحجز الفرد عن مقارفة الجريمة عند ما تراوده نفسه بمواقعتها ، وهو بحزمه وعدله يقطع اليد المجرمة عند ما تحدثها ، أيا كان صاحبها ، أو صاحبتها. قال تعالى : (جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (١) ويقول الرّسول : «لو أنّ فاطمة بنت محمّد سرقت لقطعت يدها» (٢).

ثم هو أخيرا يقرن الموقف القانوني بالوازع الأخلاقي : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣).

ولقد شرع هذا الحدّ عند ما كان عدد اللّصوص في المجتمع لا يتجاوز أصابع اليدين عددا ، فكان قطع يد واحدة عبرة لبقية الأيدي. فكيف ، واللّصوص أصبحوا طبقة منتشرة ، وذات فنون متنوعة؟

ألّا يقتضي هذا الوضع تحديدا جديدا لمفهوم السّرقة ، وتوسيعا لشروطها ، بحيث تنطبق على طبقات اللّصوص الجدد ، ويحقّ عليهم حدها؟؟

__________________

(١) المائدة : ٣٨.

(٢) حاشا لفاطمة عليها‌السلام أن تسرق ؛ لأنّها مشمولة بآية التّطهير (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، الأحزاب : ٣٣ ، ثم لو صح الحديث عندكم فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لو» وهو حرف امتناع لوجود ، وأراد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أن يبين لهم ألّا تساهل في الأحكام الشّرعية ، وخاصة الحدود.

وهذا الحديث مشهور عند أهل السّنة كما جاء في تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٨ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣١٥ ح ١٦٨٨ ، صحيح البخاري : ٣ / ١٢٨٢ ح ٣٢٨٨ ، وورد في لفظ : (إنّ بني إسرائيل كان إذا سرق منهم الشّريف تركوه ، وإذا سرق منهم الضّعيف قطعوه ، لو كانت فاطمة ...) كما جاء في صحيح البخاري : ٣ / ١٣٦٦ ، صحيح ابن حبّان : ١٠ / ٢٤٨ ح ٤٤٠٢ ، المستدرك على الصّحيحين : ٤ / ٤١٢ ح ٨١٤٥ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٣٧ ح ١٤٣٠ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٢٢٧ ح ٢٣٠٢ ، مجمع الزّوائد : ٦ / ٢٥٩ ، السّنن الكبرى للبيهقي : ٨ / ٢٥٣ ، سنن أبي داود : ٤ / ١٣٢ ح ٤٣٧٣.

(٣) المائدة : ٣٩.

٦٢

إنّ جمود المفهوم التّشريعي هو في الحقيقة تجميد لحركة البناء الإجتماعي ، وتعطيل لوظيفة المنهاج الأخلاقي ، وهو في النّهاية تضييع لأهداف المجتمع في التّقدم ، والحضارة.

على أنّ الجرائم الفاشية لا تستقل بالدلالة على الفوضى الأخلاقية ، فإنّ هناك أمثلة أخرى لجرائم أكثر إستتارا ، وإن لم تكن أقل خطرا ، وخذ مثلا موقف الفلاح الّذي يستأجر قطعة أرض يزرعها ، ويستنبط منها الخير الكثير يعول به أسرته ، ومع ذلك تموت يده عن دفع إيجار الأرض لمالكها عند ما يحين أجله ، ويختلق شتى المعاذير للتهرب من دفع الحقّ ، مستغلا في ذلك إنحياز القانون له ، فهو لا يحرص أساسا على أداء ما عليه ، حرصه على إستلاب حقوق الآخرين.

أي خلق هذا الّذي يقوم على السّحت ، والإستغلال (١)؟!!

وخذ مثلا أيضا العامل الّذي يهمل في أداء مهنته ، أو يستخدم (الفهلوة) في إنتاجه ، أو يتمارض اعتمادا على مرونة قوانين العمل ، ونهبا للإجازات المرضية ، والإعتيادية ، والعرضية ، فإذا ما وجّه إلى مراعاة الإخلاص في عمله رفع عقيرته قائلا : (على قدر فلوسهم)!!

ما ذا يمكن أن يكون في هذا السّلوك من خير ، أو ضمان لمستقبل الأمّة؟!

ومع ذلك فإنّ كلّ ما قدمنا عن الجريمة ، والإنحراف هو في الغالب مما يدخل تحت طائلة القانون ، فهو جريمة بمقياس القانون ، إلى جانب أنّه كذلك بمقياس

__________________

(١) يقصد الآيات ، والرّوايات الّتي تحرم أكل مال السّحت ، كثمن الخمر ، والنّبيذ المسكر ، ولا خلاف بين المسلمين في ذلك ، قال تعالى : (وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) المائدة : ٦٢ ـ ٦٣.

٦٣

الشّريعة.

فإذا قلبنا الصّفحة لنرى ما يكون من الجرائم بمقياس الشّريعة وحدها ، مما يبيحه القانون ، ولا يجرّمه ، وجدنا أنّ الحياة حين خلت من تحكم الضّمير في سلوك الفرد ، قد طفحت بالكثير من الجرائم الدّينية ، (الصّغائر ، والكبائر) ، فنوادي القمار ، ومهاجع الغانيات الّتي يغمض فيها القانون ، بإعتبارها علاقات تقوم على التّراضي ، بل كلّ ما قام على التّراضي من هذا النّوع من العلاقات ، وإنحرافات السّلوك في الطّرقات ، وإهمال الفرد لما فرض عليه الدّين ، والتّصرفات المرذولة ، كالكذّب ، والّنميمة ، والغيبة ، كلّ ذلك وغيره هو في عرف الشّريعة جرائم أخلاقية ، تعتبر جزءا من المشكلة الّتي تعاني منها الأمّة الإسلامية.

وإنّا لنستطيع تتبع أمثلة الفوضى الأخلاقية على سائر درجات السّلم الإجتماعي من أدناها ، عند مستوى التّسول ، إلى أعلاها عند أي مستوى ، حتّى ليكاد المرء يستسلم لليأس عند ما يفكر في إحتمالات الإصلاح.

ولقد شهدت بلادنا ، كما شهدت بقاع كثيرة من الوطن العربي ثورات إصلاحية ، ذات طابع إشتراكي ، وكانت الجماهير تؤمل أن تجد فيها حلولا لمشكلاتها الّتي عانت منها في ظل الأوضاع السّابقة على الثّورة.

ولكن العجيب أنّ المشكلات قد ازدادت ، وتنوعت ، وتفشت ، حتّى لم تترك قطاعا من قطاعات المجتمع إلا غطته ، وفاضت في داخل القطاعات موجات من القلق ، واليأس ، تضمنت الكثير من مظاهر النّقد الشّعبي ، المتمثل في النّكت اللاذعة ، تنفيسا عن حقد مكتوم ، أو خوف مكبوت.

٦٤

هذا على الرّغم من أنّ الثّورة حققت للطبقات الدّنيا بخاصة ، وللشعب كلّه إجمالا ـ مكاسب لا يستهان بها ، في ميادين الإصلاح الزّراعي ، والتّصنيع ، وتفتيت الملكيات الكبيرة ، وتأمين مصائر النّاس في حالات العجز ، والمرض ، والشّيخوخة ، وتلك كلّها أعمال مجيدة ، وخطوات ضرورية على الطّرق السّوية ، طرق التّغيير البنائي للمجتمع.

ولكن ، قد ندهش إذا ما علمنا أنّ هذه الخطوات ذاتها هي الّتي أعقبت ما نئن منه من فوضى أخلاقية ، ذكرنا بعض أمثلتها من واقع دراسات مركز البحوث الجنائية ، ذلك أنّ الثّورة قد ركزت جهودها في الجانب المادي فقط ، دون غيره من جوانب الحياة الإنسانية ، وهو مسلك جميع الثّورات الّتي استلهمت التّفسير الإقتصادي لحركة التّأريخ ، «وليس بالخبز وحده يحيى الإنسان».

حقا ، لقد كانت الإندفاعة الثّورية من أجل تحديد الملكية ، ومن أجل تأميم المصالح الأجنبية ، ومن أجل بناء المشاريع الحيوية ـ جارفة ، بحيث عصفت بكلّ عقبة مادية ، أو بشرية ، وجدت ، أو توهمت أنّها تعارض ما تريد من خير الشّعب. وهذا كلّه وفاء منها بمقتضيات الإيديولوجية المادية الّتي تحكم حركتها.

أمّا المشروعات ذات الطّابع الأخلاقي ، والحضاري فقد أنشئت لها إدارات ومؤسسات ، يتولاها الأكاديميون ، والبيروقراطيون ، الذين اندمجوا في تنظيمات الثّورة ، بعقيدة ، أو بمصلحة ، وكانت نتيجة هذا التّفاوت في ثورية المشروعات ، والمخططات ، أن سارت بعض الخطوات بجدية ، واندفاع ،

٦٥

وإصرار على حين بقيت خطوات أخرى على طريقة (محلك سر) ، لا يستأخر أولياؤها خطوة ، ولا يستقدمون (١).

لقد شبع كثيرون ، وملأوا البطون ، ولكن القلوب فارغة ، والأرواح صدئة ، والضّمائر خاوية ، ولقد يستقيم أناس في هذه الحالة لأنّ الإستقامة فيهم فطرة ، والقناعة خليقة ، ولكن الكثرة السّاحقة من النّاس لا تعرف الإعتدال ، أو الموازنة بين مطالب المعدة ، ومطالب القلب ، فقد عودتهم الثّورة أن يأخذوا دائما ما يريدون ، لا أن يتحملوا ما يواجهون ؛ فإذا ما حدثت أزمة تموينية مثلا ، قرقرت البطون المأزومة ، وجمحت الطّباع الشّرهة ، فلم تجد لجاما من ضمير يقظ ، أو خلق ثوري ، لأنّ جهاز الأخلاق معطل غالبا في ماكينة الثّورة ، فكان ما يكون دائما من اتجاه إلى ملئها بأي ثمن ، وبأية طريقة. لا تهم الأخلاق ، ولا القيم ، ولا المبادىء ، فهذه كلّها مصطلحات لا تشغل فراغا ، ولا تشبع جائعا ، ولا تثري مفلسا!!

ويجب أن نذكر هنا أنّ الأزمات الّتموينية ليست بجديدة على المجتمعات المكافحة ، ولقد شهد المجتمع الإسلامي على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أزمة قاسية ، عرفت في التّأريخ باسم (عام المجاعة) ، وكان أوّل من تحمل قسوة الجوع أمير المؤمنين نفسه. ولكأنّي أشهده الآن وهو يعتلي درج المنبر ، وإذا به يسمع أنين بطنه ، صوت قرقرة الجوع ، ويسمع النّاس همهمة عمر ، وهو يخاطب هذا البطن الخاوي قائلا : «قرقر ، أو لا تقرقر ، فو الله لن تأتدم السّمن

__________________

(١) أقتباسا من الآية ٣٤ من سورة الأعراف : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ.)

٦٦

حتّى يخصب المسلمون» (١).

لم يكن عمر وحده في هذا الموقف ، بل كانت الأمّة كلّها تواجهه بشجاعة ، وصبر ، ومعالجة ، حتّى أنجلت الأزمة ، واستغنى النّاس عن ربط الحجارة على البطون ، ولم يسجل التّأريخ حالة تذمر واحدة ، أو حتّى نكتة واحدة تشنع بسياسة الدّولة ، أو شكوى واحدة من إختفاء الخبز ، أو الإدام ، بل إنّ النّاس لم يزدادوا مع الأزمة إلا استمساكا بأخلاقهم ، وحرصا على أداء واجباتهم ، وصبرا في البأساء ، والضّراء وحين البأس.

ولقد أوقف عمر رضي الله عنه ، فيما يذكر التّأريخ ، تطبيق حدّ السّرقة آنذاك (٢) ، ترفقا بالمضطرين إليها من أجل الإبقاء على حياتهم ، ومع ذلك لم يذكر التّأريخ أنّ الجائعين تحولوا إلى لصوص ، أو أنّ القادرين أصبحوا مستغلين ، أو محتكرين ، فقد كانت أخلاق الجماعة الإسلامية أقوى من قرص الجوع ، وأمنع من أن تزلزلها أزمة تموينية.

في هذا الضّوء الرّباني نستطيع أن تقرر حاجة مجتمعنا العربي إلى ثورة أخلاقية تدعم الثّورة الإشتراكية ، وتعالج ما أحدثت من مشكلات إجتماعية ، نتيجة عدم التّوازن في حركة الإصلاح الّذي تم حتّى الآن.

__________________

(١) هكذا ورد القول : (عن أسلم عن أبيه قال : أصاب النّاس سنة غلا فيها السّمن ، وكان عمر يأكل الزّيت فيقرقر بطنه فيقول : قرقر ما شئت فو الله لا تأكل السّمن حتّى يأكله النّاس). انظر ، السنن الكبرى للبيهقي : ٩ / ٤٢ ، الزّهد لابن أبي عاصم : ١ / ١٢٠.

(٢) لا قطع في عام المجاعة ، ولا قطع في عام السّنة ، ولم يفصلوا. انظر ، المصنّف لابن أبي شيبة الكوفي : ١٠ / ٢٤٢ ح ١٨٩٩٠ ، المحلى : ١١ / ٣٤٣ ، تلخيص الحبير : ٤ / ٧٠ ، الخلاف : ٥ / ٤٣٢.

٦٧

إنّ أكبر خطأ وقع فيه دعاة الثّورة الإشتراكية في الوطن العربي أنّهم تصوروا الثّورة وصفة طبية ، تقتبس من أصحابها ، ليتعاطاها المجتمع المريض في أي زمان ، ومكان ؛ فإذا بكثير من الثّوريين المتفلسفين يعكفون على إستملاء التّجارب ، والأدوية من الكتابات ، والمؤلفات الجاهزة ، وتدور المطابع ، وتكثر الكتابات الثّورية ، حافلة بالتنفخ ، والإدعاء ، ولو جاز تطبيق حدّ السّرقة على اللّصوص ، لكان أوّل من يحق عليهم حدها أولئك السّرقة الكاتبون ، المقتبسون ، دون تمييز ، الآكلون أفكار النّاس بالخطف ، والتّقليد!!

والحقّ أنّ الإصلاح الثّوري نبات لا بد أن يتفجر من باطن الأرض المخصبة ، ومن أعماق الفرد القلق ، المتطلع إلى الثّورة ، ثم لا بد لهذا النّبات من يد حكيمة ترعاه ، وتمهد له ، ثم لا بد له أيضا من مناخ ملائم ، وبيئة سخية ، تغذوه حتّى يستغلظ ، ويستوي على سوقه (١).

فقد تلقى البذرة في أرض سبخة فلا تؤتي ثمرة ، وقد تكون البذرة لنبات قطبي ، لا حاجة به إلى الشّمس ، فإذا الأرض أنشقت عن وريقاته ، ولسعتها الشّمس ، أحترقت وهي لما تزال وليدة. وقد تكون حياة النّبتة متوقفة على الشّعاع الدّافق ، والهواء المتجدد ، فإذا حرمت منها ذبلت وأصفرت ، ثمّ ماتت ضحية (الأنيميا) والإختناق.

ولقد كان مجتمعنا مثقلا بحمل الثّورة ، متطلعا إلى رؤية جنينها ساعة يولد ، فلما تخلق الجنين ، وأكتمل ، وخرج إلى الدّنيا أمتدت الأيدي تحجب الضّوء عن

__________________

(١) أقتباسا من الآية ٢٩ من سورة الفتح (فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً.)

٦٨

عينيه ، وتحرمه من الهواء الطّلق ، وهما طاقته ، وحياته ، فإذا بالمولود أعشى يتخبط في الضّوء ، ضيق الأنفاس من فساد الهواء.

لسنا هنا في مجال الرّمز ، وإن بدا حديثنا رمزا إلى أمور جرت على الأرض العربية ، فقد تصور بعض القائمين بالإصلاح أنّ القيود الأخلاقية عبء على الإجراءات الثّورية ، وأنّ إطلاق النّزوات الفردية في صورة الفنون المبتذلة طريق إلى الإنفتاح على العالم ، وإلى استجلاب السّياح ، ورؤوس الأموال ، والعملات الصّعبة ، وإلى الظّهور أوّلا وأخيرا بمقاومة الجمود ، والرّجعية!! ..

وربما كان الدّافع أصلا إلى هذه الإتجاهات إحساس القائمين بالثورة أنّ هذه الفنون لا تمثل وجهة نظر مخيفة إلى السّلطة ، وليس أصحابها منافسين لهم في مطلب الحكم ، لأنّهم ليسوا معسكرا إيديولوجيا ، إلى جانب أنّهم يعتبرون أداة مثلى لإمتصاص التّيارات ، والأهتمامات المناهضة بإلهاء الجماهير ، ودغدغة فراغها ، بعكس أصحاب الإتجاهات العقائدية ، والأخلاقية.

وهكذا شهدت الحياة العربية توسعا كبيرا في إنشاء الملاهي ، والمسارح ، ودور السّينما ، كما شهدت إسرافا كبيرا في إنشاء معاهد الرّقص ، والموسيقى ، والّتمثيل ، للصغار ، والكبار ، وطفت على سطح المجتمع نماذج من الفنانين ، والفنانات ، صاروا محور الأخبار الصّحفية ، وجندت وسائل الإعلام لتضخيم وجودهم ، وتتبع أخبار زواجهم ، وطلاقهم ، وسكرهم ، وعربدتهم ، وهم الذين قادوا الشّباب إلى التّقليد الأعمى ، وإلى التّحلل في السّلوك ، فكانت جماعات (الخنافس) في المدارس ، والمصانع من الظّواهر النّاشئة عن الفراغ الأخلاقي ، ومن الثّمرات الّتي أهدتها الفنون المبتذلة إلى الحياة الإسلامية في الوطن العربي.

٦٩

ولقد ترتب على هذا الوضع كثير من المشكلات الحيوية الّتي سبقت الإشارة إلى جانب منها ، وجوهرها هو انعدام فاعلية الفرد في مجالات كثيرة ، وهو وضع يحتم ضرورة إحداث ثورة أخلاقية ، تستهدف بناء الإنسان الأمل ، الإنسان المستقبل ، الإنسان الثّورة ، بكلّ ما يحمل من مطامح قريبة ، وبعيدة ، وبذلك تكتمل للوطن عدته ، لأرتياد آفاقه الحضارية المنشودة.

ومن العسير أن تقوم ثورة أخلاقية دون منهاج تترسمه ، والكتاب الّذي نقدمه اليوم يتضمن هذا المنهاج ، فهو (دستور الأخلاق في القرآن) ، وهو رسالة ضمير صادق الإيمان ، عميق الإدراك لمشكلات عالمه ، وبخاصة عالم العروبة والإسلام ، سديد النّظرة إلى ما جاء في القرآن من إشارات عميقة ، دقيق الحكم في كلّ ما قدم من مناقشات تفسيرية ، أو مقارنات فلسفية.

وما أحسب مؤلفه رضوان الله عليه إلا راضيا تمام الرّضا في برزخه ، وهو يشرف من الملأ الأعلى ليرى كلمته الصّادقة تتحرك من جديد ، بلغة القرآن ، لتسهم في صنع الحياة ، وبناء الإنسان المسلم الّذي لا يجد قدره إلا في مجالات الصّراع ، وميادين القتال ، ضد أعداء الله ، وأعداء الأخلاق القرآنية.

ولا ريب أنّ معركتنا مع الصّهيونية ، وحلفائها طويلة الأمد ، وأنّ أمضى أسلحة القتال هو أن نتسلح بالأخلاق الّتي تحرم الخيانة ، والتّهاون ، والتّفريط ، والغفلة أمام العدو ، وتفرض البذل ، والتّضحية بالنفس ، والمال ، وتؤكد على دوام اليقظة في مواجهة الخطر : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ

٧٠

تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) (١).

فتلكم هي الطّريق إلى الإصلاح ، طريق الثّورة الأخلاقية ، لا طريق غيرها.

وإنّي لأرجو أن أكون قد وفقت فيما قصدت إليه من دعوة إلى الخير ، وتحديد لحجم المشكلة الأخلاقية ، وحلها على أساس التّعاليم القرآنية ، وقد نزل في رسولها شهادة الله عزوجل في قوله : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٢).

***

ولست أستطيع أن أترك القلم دون أن أسجل في خاتمة هذه الكلمة خالص شكري ، وعميق تقديري للأستاذ الدّكتور السّيد محمّد بدوي ، على ما أسدى من نصح ، وما بذل من جهد في مراجعة الكتاب ، وما أفاض على شخصي من ثناء يدل على سخاء نفسه ، ولقد كانت رسائله إليّ ، وكلماته نفحات دفعتني إلى إتمام العمل على هذا النّحو من الإتقان.

وأسجل أيضا شكري لكلّ من أعانني على حل مشكلات الكتاب الإصطلاحية ، أو تحقيق نصوصه الفلسفية من المراجع ، والمخطوطات ، وأخصّ بالشكر أستاذي الجليل الدّكتور محمّد عبد الهادي أبو ريده.

وأترك القارىء الكريم يدلف إلى جو الكتاب ، يتنسم عبيره ، ويقطف من ثماره ، ويحمل رسالته السّامية إلى سائر النّاس.

الدّكتور عبد الصّبور شاهين.

__________________

(١) النّساء : ١٠٢.

(٢) القلم : ٤.

٧١
٧٢

دستور الأخلاق

في القرآن

٧٣
٧٤

المقدّمة

[لا يؤلف أحد كتابا إلا في أحد أقسام سبعة ، ولا يمكن التّأليف في غيرها ، وهي : إمّا أن يؤلف من شيء لم يسبق إليه يخترعه ، أو شيء ناقص يتممه ، أو شيء مستغلق يشرحه ، أو طويل يختصره ، دون أن يخل بشيء في معانيه ، أو شيء مختلط يرتبه ، أو شيء أخطأ فيه مصنفه يبينه ، أو شيء مفرق يجمعه] (١).

هذه القاعدة الرّشيدة الّتي قالها عالم أزهري ، من علماء القرن السّابع عشر

__________________

(١) ينسب هذا القول إلى محمد بن علاء الدّين البابلي ، شمس الدّين ، أبو عبد الله : فقيه شافعي من علماء مصر. ولد (١٠٠٠ ه‍ ـ ١٠٧٧ ه‍) ، ببابل «من قرى مصر» ، ونشأ وتوفي في القاهرة ، وكان كثير الإفادة للطلاب ، قليل العناية بالتأليف ، له كتاب «الجهاد وفضائله» عمي في منتصف عمره ، ولتلميذه عيسى بن محمد المغربي كتاب «منتخب الأسانيد في وصل المصنفات والأجزاء والمسانيد) خطي ، وهو فهرست لمرويات صاحب التّرجمة وشيوخه ، وسلالته ، ذكره ملا المحبي ، محمّد أمين بن فضل الله ، في خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر : ٤ / ٤١ (طبعة القاهرة سنة ١٢٨٤ ه‍) ، كشف الظّنون : ١ / ٦٢ ، الأعلام : ٦ / ٢٧٠.

٧٥

الميلادي ، تحتفظ دائما بقيمتها ، وهي تدعو دائما كلّ كاتب أن يسير على نهجها.

ولسوف يكون لدى قارئنا الواعي فرصة أن يقدر إلى أي مدى يوفي كتابنا ـ الّذي نقدمه اليوم إليه ـ بهذه الشّرائط ؛ فلم يكن شروعنا في هذا المؤلّف الجديد عن القرآن ، عبثا نضيع فيه وقتنا ، ونثقل به على قرائنا ، ونزحم به مكتباتنا ، فإذا لم يأت علمنا هذا بشيء جديد في عالم الشّرق أو الغرب ، فلن يكن سوى مضيعة وزحمة وإثقال.

١ ـ الوضع السّابق للمشكلة :

إنّ نظرة سريعة نلقيها على مؤلفات علم الأخلاق العالم ـ الّتي كتبها علماء غربيون ـ كافية لنلحظ فيها فراغا هائلا وعميقا ، نشأ عن صمتهم المطلق عن علم الأخلاق القرآني.

والواقع أنّ هذه المؤلفات تذكره لنا بإختصار ، أو بإفاضة ، المبادىء الأخلاقية ، كما أرتأتها الوثنية الإغريقية ، ثم أديان اليهودية ، والمسيسحة.

ولكنها حين تنتهي من عرض هذه المراحل الثّلاثة ، نجدها تنقلنا بغتة إلى العصور الحديثة ، في أوربا ، مغفلة كلّ ما يمس الدّستور الأخلاقي في الإسلام.

وبرغم هذا ، فإنّ الإضافة القرآنية في هذا الباب ذات قيمة لا تقدّر ، ولسوف يفيد منها تأريخ النّظريات الأخلاقية سعة ، وعمقا ، وتوافقا ، كما تفيد المشكلة الأخلاقية ذاتها منها ، في حل مصاعبها ، سواء في ذلك المصاعب المتجددة والدّائمة.

أليست إذن خسارة ضخمة أن يغفل أمر نظرية كهذه ، وأن يلفها الصّمت؟ ...

والحقّ أنّه لو أننا ـ بدلا من أن نبحث في هذه المؤلفات عن علم الأخلاق العام

٧٦

ـ لجأنا الى الكتب الأوربية ، الّتي تعالج مسائل الإسلام بخاصة ، فسوف المباديء الأخلاقية من القرآن ، بيد أنّ إطار هذه المحاولات ، كان في الغالب محدودا ، كما كان مضمونها بعيدا عن المطابقة الدّقيقة للنظرية القرآنية الحقة.

فمن حيث الإطار نجدهم أغفلوا الجانب النّظري من المسألة : فليس هنالك عالم أوروبي واحد حاول أن يستخلص من القرآن مبادئه الأخلاقية العامة ، وفضلا عن ذلك ، فلم يكن لدى أيّ من بينهم أهتمام بأن يصوغ قواعده العملية ، ويقدمها في صورة دستور كامل. وإنّما أنحصرت كلّ جهودهم في أن جمّعوا عددا ، قليلا ، أو كثيرا ، من الآيات القرآنية المتعلقة بالعبادة ، أو بالسلوك ، وترجموها ترجمة حرفية.

ويبدو لنا ، أنّ الّذي أستهل هذه المجموعة من النّصوص المختارة من القرآن كان المستشرق جارسان دي تاسي [Garcin De Tassy] ، فقد قدم لنا مؤلفا صغيرا بعنوان : «القرآن : مبادئه وواجباته» [باريس ١٨٤٠ م]. وتبعه المستشرق لوفيفر [Lefevre] ، الّذي نشر عام ١٨٥٠ م قطعا مختارة من ترجمة سفري [Savary] ، بعنوان : «محمد : قوانين أخلاقية ، ومدنية ، ودينية». ثم جاء من بعدهما بارثلمي سانت هيلير [Barthelemy S.Hilaire] في كتابه : «محمد والقرآن» [باريس ، نشر ديدييه Didier ١٨٦٥ م]. هذا من حيث الإطار الّذي سيقت في داخله بحوث ذلك العهد.

وأمّا من حيث عيوب المضمون فمرجعها إمّا إلى ترجمات غير صحيحة ، وإمّا إلى تلخيص سيء ، وإمّا إلى الأمرين معا ، وهو ما نجده واضحا لدى المستشرق جول لا بوم [Jules La Beaume] في كتابه : «تحليل آيات القرآن Coran Analyse

٧٧

[باريس Maisonneuve ١٨٧٨ م]. وهو مع ذلك أقل الأعمال التّحليلية في هذا المجال بعدا عن التّمام (١).

ولذلك بدا لنا من الضّروري أن نتناول الموضوع من جديد ، وأن نعالجه تبعا لمنهج أكثر سلامة ، من أجل تصحيح هذه الأخطاء ، وملء هذه الفجوة في المكتبة الاوربية (٢) ، وحتّى نري علماء الغرب الوجه الحقيقي للأخلاق القرآنية ، وذلكم في الواقع هو هدفنا الأساسي من عملنا هذا.

بيد أننا بالرجوع إلى مكتبتنا الإسلامية نفسها ، لاحظنا أنّها لم تعرف حتّى الآن سوى نوعين من التّعاليم الأخلاقية : فهي إمّا نصائح عملية ، هدفها تقويم أخلاق الشّباب ، حين توحي إليهم الإقتناع بالقيمة العليا للفضيلة (٣) ، وإما وصف

__________________

(١) بيد أنّه إلى جانب تكرار الآيات تحت عناوين مترادفة ، وبرغم الأخطاء المختلفة عن ترجمة كازيمرسكي Kasimirski ـ الّتي اضطر جول لابوم أن يستخدمها لجهله بالعربية ـ فإنّ العناوين الّتي أراد بها تلخيص الآيات لا تتفق مع النّصوص الّتي يقلب معناها أحيانا ، ويحس المرء في بعض المواضع أنّ القرآن يدفع النّاس إلى الأنانية ، وإلى الثّأر ، وأنّه قد أباح لهم الغدر ، والخيانة ، والحنث في اليمين ، إلى غير ذلك مما يعيينا حصره ...

(٢) سوف يتبين بعد ذلك أنّ الكتاب قد ملأ هذه الفجوة في المكتبة العربية أيضا ، حين وفق الله إلى تعريبه ، على نحو ما يلمس القارىء. «المعرب».

(٣) نذكر من خير الكتب الّتي من هذا النّوع رسالة ابن حزم «مداواة النّفوس» طبعة أدهم بالقاهرة.

وقد نشر الدّكتور إحسان عباس ثلاثة أجزاء من رسائل أبي محمد علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم الاندلسي الظّاهري المتوفّى سنة (٤٥٦ ه‍) ، منها : (طوق الحمامة في الألفة والآلاف ، ورسالة في مداواة النّفوس ، ورسالة الغناء الملهي) ، وفصل في معرفة النّفس بغيرها.

وكتاب مداواة النّفوس في تهذيب الأخلاق والزّهد في الرّذائل ، عني بطبعه محمد أفندي هاشم الكتبي بمصر أو دمشق سنة ١٣٢٤ ه‍ ، وقد طبع ثانية بعناية الشيخ عمر المحمصاني على نسخة قديمة ـ

٧٨

الطبيعة النّفس ، وملكاتها ، ثم تعريف للفضيلة وتقسيم لها ، مرتب في غالب الأمر بحسب النّموذج الإفلاطوني ، أو الأرسطي (١) ، وكثيرا ما نرى المنهجين يتعاقبان في قلم كاتب واحد (٢) ، وإذن فلم يكن هنالك سوى كتب إنسانية محضة ، أجهد مؤلفوها أنفسهم ، فاستودعوها ثمرات تأملاتهم ، ودراساتهم الفلسفية ، ولم يظهر فيها النّص القرآني كلّية ، أو هو لا يكاد يظهر إلّا بصفة ثانوية.

فلم تكن الأخلاق القرآنية إذن الموضوع الرّئيسي للدراسة ، والتّقنين ، لدى

__________________

ـ ظفر بها ، وسماه الأخلاق والسّير في مداواة النّفوس طبع في بيروت سنة ١٣٢٥ ه‍ ، وطبع بمطبعة ذكر أنّه جاء به بعض زيادات عن الطّبعة الأولى بمصر أو دمشق ، وطبع بمطبعة الجمالية سنة ١٣٣١ ه‍ ، وسمي كلمات في الأخلاق أو مداواة النّفوس ، ومعها كلمات في الأخلاق لقاسم بك أمين المصري.

انظر ، كشف الظّنون : ٢ / ١٦٤١ ، سير أعلام النّبلاء : ١٨ / ١٩٨ ، هدية العارفين : ١ / ٦٩٠ ، المطبوعات العربية : ١ / ٨٦ و : ٢ / ١٤٨٢ ، الأعلام : ٤ / ٢٥٥ ، معجم المؤلفين : ٧ / ١٦.

(١) خير كتاب تبع هذا النّظام ، وأشهره هو كتاب ابن مسكويه : «تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق» ـ المؤلف ـ ، وقد نشرته الجامعة الأمريكية ببيروت عام ١٩٦٦ م ، بتحقيق الاستاذ قسطنطين زريق. «المعرب».

وهناك كتاب الأخلاق الناصري في تهذيب الأخلاق للحكيم المحقق نصير الدّين محمد بن محمد بن الحسين الطّوسي (ت ٥٩٧ ه‍ ـ ٦٧٢ ه‍) كما جاء في كشف الحجب والأستار : ٣٢ ، ومكارم الأخلاق للطبرسي طبع في مطبعة الوطن سنة ١٢٩٨ ه‍ ، وتهذيب الأخلاق للسيد إبراهيم بن السّيد محمد شبر الحسيني النجفي ، وهذيب الأخلاق للمولى محمد صالح الشّهير بآغا بزرك بن آغا عبد الباقي بن المولى محمد صالح المازندراني ، وتهذيب الأخلاق في تزكية النفس لمولى عبد الوحيد الگيلاني تلميذ الشّيخ البهائي صاحب «أنيس الواعظين». انظر ، الذريعة : ٣ / ٨٥ و : ٤ / ٥٠٧ و : ١٧ / ٢٢ و : ١٨ / ٢٩٦ ، كشف الظّنون : ١٨ / ٢٦٩ ، كشف الظّنون : ٢ / ١٤٣٦ ، الأعلام : ١ / ٢١٢ ، معجم المطبوعات : ١ / ٢٣٨ و : ٢ / ١٢٢٨ ، هدية العارفين : ١ / ٧٣.

(٢) يظهر هذا لدى الإصفهاني في «الذّريعة» ، وبصورة أكثر كمالا ، وامتدادا لدى الغزالي في كثير من كتبه ، وبخاصة موسوعته الإسلامية : «إحياء علوم الدّين».

٧٩

المسلمين ، أو المستشرقين ، لا من النّاحية النّظرية ، ولا من النّاحية العملية. ونحسب أنّ من الواجب أن نضيف بعض التّحديد إلى هذا التّأكيد المزدوج ، ليصبح أكثر دقة ، ويخلص من كلّ لبس ، أو غموض.

ولسنا ندّعي ابتداء أنّ بحوثنا في المجال النّظري تخوض في أرض لم يرتدها أحد قبلنا ، فإنّ العلماء المسلمين قد أعملوا قرائحهم منذ عهد مبكر في هذا الموضوع : علماء الكلام ، وعلماء الأصول ، فكروا جميعا في مقياس الخير والشّر ، (أو بحسب تعبيرهم : مسألة الحسن والقبح) (١) ، وفكر الفقهاء في شروط المسؤولية ، وفكر الأخلاقيون ، والصّوفية في فاعلية الجهد ، وإخلاص النّيّة والقصد. ولكنا إذا صرفنا النّظر عن أنّ هذه الأفكار قد بقيت متناثرة في مختلف المذاهب الّتي تمسّ الأخلاقية من قريب أو من بعيد ، والّتي لم تعن دائما بوجهة النّظر الأخلاقية بمفهومها الخاص ـ فإنّ النّظرية الأخلاقية الّتي يقدمها هؤلاء تصدر في جانب كبير منها ـ على الأقل ـ عن روح المذهب الّذي ينتمي إليه مؤلفوها ، إن لم تكن من محض نظراتهم الشّخصية ، لأنّ القرآن لا يرد ذكره فيها إلا بصفة مكملة ، شاهدا ، أو برهانا على فكرة ، أو أخرى سبق الأخذ بها.

وأمّا في المجال العملي فمن الحقّ أنّ الغزالي ـ كما نعلم ـ قد حاول في كتابه «جواهر القرآن» (٢) ـ أن يحلل جوهر القرآن ، وأن يرده إلى عنصرين أساسيين ،

__________________

(١) هنالك نزاع بين العلماء في أنّ الحسن والقبح عقليان كما عليه العدلية ، أم شرعيان كما عليه الأشاعرة ، فراجع.

(٢) كتاب جواهر القرآن لأبي حامد محمد بن محمد الغزالي الطّوسي (ت ٥٠٥ ه‍) كما جاء في كشف الظّنون : ١ / ٦١٦ ، كشف الحجب والأستار : ٤٤.

٨٠