دستور الأخلاق في القرآن

الدكتور محمّد عبدالله درّاز

دستور الأخلاق في القرآن

المؤلف:

الدكتور محمّد عبدالله درّاز


المحقق: الدكتور عبدالصبور شاهين
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-465-053-0
الصفحات: ٩٦٢

الأعراض المحصنة : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١) ، والهاربين يوم الزّحف : (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٢) ، وأدعياء الإيمان الّذين يتجاوزون أمتهم ، ليبحثوا عن ولاء لهم لدى الكافرين ، دون أن يكونوا مضطرين إليه دفاعا عن أنفسهم ـ فهولاء الأدعياء يقطعون صلتهم بالله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) (٣).

فالنصوص المتعلقة بالجزاءات الرّوحية العاجلة تبلغ في جملتها إذن (ـ ٢٠ آ و ٥٨ ب).

«قصور الجزاء العاجل» :

وهكذا نجد ـ ابتداء من هذه الحياة ـ إجابة إلهية على طرقنا في العمل ، حسنة كانت ، أو سيئة ، وهي إجابة تأتي على المستوى المادي ، والعقلي ، والأخلاقي ، والرّوحي ، سواء في ذلك الفرد ، أو الأمّة. ولكن هذا كلّه يبدو في عيني العدالة السّماوية غير كاف.

أوّلا : لأنّ هذه كلّها عينات ، ومقدمات للعدالة الكلية ، فالجزاءات الإلهية الّتي تبرز لنا في هذا العالم ليست شاملة ، ولا كاملة ، وهي ليست في ذلك أكثر من الجزاءات الطّبيعية ، والجزاءات الإنسانيّة. فأمّا أنّها ليست شاملة فالله يقول :

__________________

(١) النّور : ٢٣ (ـ ١ ب).

(٢) الأنفال : ١٦ (ـ ١ ب).

(٣) آل عمران : ٢٨ (ـ ١ ب).

٥٠١

(وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (١) ، وأمّا أنّها ليست كاملة ، فالله يقول : (وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ) (٢).

وبعد ذلك ، لأنّ السّعادة ، وضروب التّعاسة مختلطة بعضها ببعض ، في هذه الدّنيا ، فالصالحون يدفعون في الواقع ثمن أخطائهم ، حتّى ما كان منها لمما ، من آلامهم ، وما يلقون من عقبات في هذه الدّنيا ، والله يقول : (فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) (٣) ، ويقول : (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (٤) ، (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (٥) ـ هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى إنّ أحلك القلوب ظلمة ، وأشد النّفوس سوادا لا تعدم أن تفعل بعض الخير ، ولقد تكون هذه الأفعال مغرضة ، أو عفوية ، أعني : غاب فيها الإيمان بسلطة الأمر. ومع ذلك فإنّ هؤلاء لن يحرموا حرمانا كاملا من أجرهم ، بل إنّ لهم على العكس ـ مكافأة مضمونة ، تدفع لهم فورا ، من طيبات هذه الدّنيا. بحيث تبقى جرائهم دون مقاصة ، تنتظر الفصل يوم الدّين ، ف (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ (هود : ١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٦) ، وعليه فلن يبقى من هذا الإختلاط أي أثر ليوم الجزاء ، فمتى ما استقر كلّ معسكر في مقامه الأبدي ، فلن يكون هنالك سوى

__________________

(١) الشّورى : ٣٠.

(٢) آل عمران : ١٨٥.

(٣) آل عمران : ١٥٣.

(٤) آل عمران : ١٦٥.

(٥) النّساء : ٧٩.

(٦) هود : ١٥ ـ ١٦ ، وانظر أيضا : الإسراء : ١٨ ، الشّورى : ٢٠ ، الأحقاف : ٢٠.

٥٠٢

التّهنئة الخالصة بالنسبة إلى بعضهم : (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً) (١) ، (لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ) (٢) ، وسوى الفزع الدّائم بلا انقطاع للآخرين ، بحيث : (لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) (٣).

وأخيرا ، لأنّ ما يحدث لنا من خير ، وشرّ ، خلال حياتنا الدّنيا ، لا ينبغي أن يتصور على حدة ، على أنّه ثواب ، أو تكفير عن أعمالنا الّتي قمنا بها ، بل على أنّه ابتلاء ، ومحرك لجهدنا : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) (٤).

فمن هذا الإعتبار الثّلاثي تنبع ضرورة جزاء ، لا يقتصر على كونه كاملا وخالصا فحسب ، ولكن يكون حسابيا محضا ، لا وقائيا ، فهو ثمرة نهائية للجهد ، وليس حثا على بذل المزيد منه.

وهكذا ينبغي أن يقابل هذا العالم الحافل بالتكاليف المتكاثرة دائما ـ عالم من المحاسبات ، نتصوره على هذا النّحو فحسب.

فكيف سلك القرآن ليؤدي هذا التّحذير؟ .. ذلكم هو ما سنمضي في دراسته الآن ، حتّى نهاية الفصل.

__________________

(١) الكهف : ١٠٨.

(٢) فاطر : ٣٥.

(٣) فاطر : ٣٦.

(٤) البقرة : ٢١٤ ، آل عمران : ١٤٠ و ١٤١ و ١٤٢ و ١٥٢ و ١٦٦ ، التّوبة : ١٦ ، الأنبياء : ٣٥ ، العنكبوت : ٢ و ٣ ، الرّوم : ٤١ ، السّجدة : ٢١ ، محمد : ٣١.

٥٠٣

[ب] «الجزاء الإلهي في الحياة الأخرى» :

والآيات القرآنية لا تعالج كلّها هذه الفكرة بنفس الطّريقة ، فبعضها لا يعطينا منها سوى فكرة عامة ، غير محددة ، والآخر يمنحها تحديدا يتفاوت في درجة دقته ، وقد يكون سلبيا ، أو إيجابيا ، ماديا ، أو روحيا. وعلينا إذن أن نميز هنا نماذج عدة :

آ ـ لنذكر أوّلا الآيات الّتي تكتفي ـ لكي تعين للصالحين ، والعاصين مصائرهم الخاصة ـ بذكر الاسم النّوعي لمقامهم الأبدي ، جنّة ، أو نار (١) ، دون أن تذكر لهما أيّة تفاصيل : (ـ ٨٠ آ و ٥٨ ب).

__________________

(١) الجنّة : البقرة : ٨٢ ، آل عمران : ١٨٥ ، النساء : ١٢٤ ، التّوبة : ٢١ و ١١١ ، هود : ٢٣ و ١٠٨ ، الكهف : ١٠٧ ، الحجّ : ٥ ـ ٦ ، المؤمنون : ٢٢ ، الفرقان : ١٥ ، الشّعراء : ٩٠ ، لقمان : ٨ ، السّجدة : ١٩ ، الزّمر : ٧٣ ، غافر : ٨ ، فصلت : ٣٠ ، الشّورى : ٧ ، الأحقاف : ١٤ و ١٦ ، محمد : ٦ ، سورة ق : ٣١ ، الحشر : ٢٠ ، القلم : ٣٤ ، النازعات : ٤١ ، التّكوير : ١٣ ، الفجر : ٣٠ (ـ ١٩ آ و ٨ ب).

النّار : البقرة : ٣٩ و ٨١ و ١٦٧ و ٢٠٦ و ٢١٧ و ٢٥٧ و ٢٧٥ ، آل عمران : ١٢ و ١١٦ و ١٣١ و ١٥١ و ١٦٢ و ١٩٦ ، النساء : ١٠ و ١٤ و ٣٠ و ٩٣ و ٩٧ و ١١٥ و ١٢١ و ١٤٠ و ١٦٩ ، المائدة : ١٠ و ٣٧ و ٧٢ و ٨٦ ، الأنعام : ١٢٨ ، الأعراف : ١٨ و ٣٦ ، الأنفال : ١٤ و ١٦ و ٣٦ و ٣٧ ، التّوبة : ١٧ و ٤٩ و ٦٣ و ٦٨ و ٧٣ و ٩٥ و ١١٣ ، يونس : ٨ ، هود : ١٦ و ١٧ و ٩٨ و ١١٣ و ١١٩ ، الرّعد : ١٨ و ٣٥ ، إبراهيم : ٢٩ و ٣٠ ، النحل : ٢٩ و ٦٢ ، الإسراء : ٦٣ ، الكهف : ١٠٠ و ١٠٢ و ١٠٦ ، مريم : ٧٢ و ٨٦ ، الأنبياء : ٢٩ ، الحجّ : ٤ و ٥١ و ٧٢ ، النور : ٥٧ ، الفرقان : ٦٥ ، الشّعراء : ٩١ ، العنكبوت : ٢٥ و ٦٨ ، السّجدة : ١٣ ، الأحزاب : ٦٤ ، سبأ : ٤٢ ، وسورة يس : ٦٣ ، وسورة ص : ٢٧ و ٨٥ ، الزّمر : ٨ و ١٩ و ٣٢ و ٦٠ و ٧١ و ٧٢ ، غافر : ٦ و ٤٨ و ٧٦ ، فصلت : ١٩ و ٢٤ و ٢٨ ، الشّورى : ٧ ، الزّخرف : ٧٤ ، الجاثية : ٣٤ ، الأحقاف : ٣٤ ، محمد : ١٢ ، الفتح : ٦ و ١٣ ، وسورة ق : ٢٤ ، الذاريات : ١٣ ، الحديد : ١٥ و ١٩ ، المجادلة : ٨ ، الحشر : ٣ ، التّغابن : ١٠ ، التّحريم : ٩ و ١٠ ، الجن : ٢٣ ، النازعات : ٣٩ ، التّكوير : ١٢ ، الأنفطار : ١٤ ، المطفين : ١٦ ، الأنشقاق : ١٢ ، الأعلى : ١٢ ، الليل : ١٤ ، البينة : ٦ ، المسد : ٣ (ـ ٦١ آ و ٥٠ ب).

٥٠٤

ب ـ وفي مجموعة أخرى من الآيات لم يصرّح باسم الدّار الآخرة ، كما أنّ المصير الّذي تعلنه خاصا بكلّ ، قد جاء في صورة تتفاوت في غموضها.

فقد أعلن للصالحين :

* البشرى : (لَهُمُ الْبُشْرى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (١).

* الأمل ، والرّجاء : (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) (٢).

* الوعد الحسن : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) (٣).

* الفوز : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ) (٤).

* الفضل الكبير : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٥).

* عملهم لا يضيع : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) (٦).

* عملهم لا ينكر : (وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ) (٧).

* ولهم على الله أن يشكرهم : (وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ) (٨).

__________________

(١) يونس : ٦٤ ، البقرة : ٩٧ و ٢٢٣ ، التّوبة : ١١٢ ، الحجّ : ٣٤ و ٣٧ ، النّمل : ٢ ، الزّمر : ١٧ ، الأحقاف : ١٢ (ـ ٤ آ و ٥ ب).

(٢) النّساء : ١٠٤ ، الكهف : ٤٦ ، فاطر : ٢٩٢ (ـ ١ آ و ١ ب).

(٣) النّساء : ٩٥ ، القصص : ٦١ (ـ ١ آ و ١ ب).

(٤) المؤمنون : ١١١ ، النّور : ٥٢ ، الأحزاب : ٧١ ، غافر : ٥١ (ـ ٢ آ و ٢ ب).

(٥) الأحزاب : ٤٧ (ـ ١ ب).

(٦) آل عمران : ١٧١ و ١٩٥ ، البقرة : ١٤٣. (ـ ٣ ب).

(٧) آل عمران : ١١٥ ، الأنبياء : ٩٤ (ـ ١ آ و ١ ب).

(٨) البقرة : ١٥٨ ، النّساء : ١٤٧ ، الإسراء : ١٩ ، الشّورى : ٢٣ ، التّغابن : ١٧ (ـ ٢ آ و ٣ ب).

٥٠٥

* وهم المفلحون : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١).

* ولهم حسن المآب : (وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (٢).

* وهو خير لهم : (ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ) (٣).

* ولسوف يجد المحسنون ما يقدمون : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٤).

* ولسوف يكون عملهم أكثر حسنا : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٥).

* ثمّ يستردونه كاملا : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٦).

* وسيكون مضاعفا : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً) (٧).

__________________

(١) البقرة : ٥ و ١٨٩ ، آل عمران : ١٠٤ و ١٣٠ ، المائدة : ٩٠ ، الأعراف : ٨ و ١٥٧ ، الأنفال : ٤٥ ، الحجّ : ٧٧ ، المؤمنون : ١ و ١٠٢ ، النّور : ٣١ و ٥١ ، القصص : ٦٧ ، الرّوم : ٣٨ ، لقمان : ٥ ، الحشر : ٩ ، الجمعة : ١٠ ، التّغابن : ١٦ ، الأعلى : ١٤ ، الشّمس : ٩ (ـ ٩ آ و ١٢ ب).

(٢) آل عمران : ١٤ ، النّساء : ٥٩ ، هود : ٤٩ ، الرّعد : ٢٩ ، الإسراء : ٣٥ ، مريم : ٧٦ ، طه : ١٣٢ ، القصص : ٨٣ ، الزّخرف : ٣٥ (ـ ٧ آ و ٢ ب).

(٣) الرّوم : ٣٨ ، البقرة : ١٨٤ ، مكررة و ١٩٧ و ٢٧١ و ٢٨٠ ، آل عمران : ١١٠ ، النّساء : ٢٥ و ٤٦ و ١٧٠ ، التّوبة : ٣ و ٤١ و ٧٤ ، النّحل : ١٢٦ ، الكهف : ٤٦ ، مريم : ٧٦ ، الحجّ : ٣٠ ، النّور : ٢٧ و ٦٠ ، العنكبوت : ١٦ ، محمد : ٢١ ، التّغابن : ١٦ (ـ ٥ آ و ١٧ ب).

(٤) البقرة : ١١٠ ، آل عمران : ٣٠ ، الزّلزلة : ٧ (ـ ١ آ و ٢ ب).

(٥) الشّورى : ٢٣ ، المزمل : ٢٠ (ـ ١ آ و ١ ب).

(٦) البقرة : ٢٧٢ ، آل عمران : ٥٧ ، النّساء : ١٧٣ ، الأنفال : ٦٠ ، طه : ١١٢ ، فاطر : ٣٠ ، الزّمر : ١٠ ، الحجرات : ١٤ ، الجن : ١٣ (ـ ٤ آ و ٦ ب).

(٧) البقرة : ٢٤٥ ، ٢٦١ و ٢٧٦ ، النّساء : ٤٠ ، الرّوم : ٣٩ ، سبأ : ٣٧ ، الحديد : ١٨ ، التّغابن : ١٧ (ـ ٣ آ و ٥ ب).

٥٠٦

* تبعا لأفضل أعمالهم : (بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١).

* بل ، ولهم زيادة عليه : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (٢).

* والله ضامن أجرهم : (وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (٣).

* وهو أجر عظيم : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ) (٤).

* خير مما فعلوا : (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) (٥).

* وهو أجر كريم : (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (٦).

* لا انقطاع له : (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٧).

* ولهم المقام الشّريف المرضي : (وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٨) (لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ) (٩).

__________________

(١) النّحل : ٩٦ ـ ٩٧ ، النّور : ٣٨ (ـ ١ آ و ١ ب).

(٢) يونس : ٢٦ ، النّساء : ٤٠ و ١٧٣ ، الرّوم : ٤٥ ، الشّورى : ٢٦ (ـ ٣ آ و ٢ ب).

(٣) النّساء : ١٠٠ ١٥٢ ، البقرة : ٦١ و ١١٢ و ٢٦٢ و ٢٧٤ و ٢٧٧ ، آل عمران : ١٩٩ ، الأعراف : ١٧٠ ، التّوبة : ١٢٠ ، هود : ١١٥ ، الشّورى : ٤٠ ، محمد : ٣٦ ، الحديد : ١٩ (ـ ٤ آ و ١٠ ب).

(٤) آل عمران : ١٧٢ و ١٧٩ ، النّساء : ٦٧ و ٧٤ و ١٤ و ١٤٦ و ١٦٢ ، الإسراء : ٩ ، الكهف : ٢ ، الحجّ : ٥٨ ، الأحزاب : ٢٩ و ٣٥ و ٤٤ ، فاطر : ٧ ، الفتح : ١٠ و ١٦ و ٢٩ ، الحجرات : ٣ ، الجمعة : ٧ ، الطّلاق : ٥ ، الملك : ١٢ (ـ ٥ آ و ١٦ ب).

(٥) القصص : ٨٤ ، البقرة : ١٠٣ ، النّمل : ٨٩. (ـ ٢ آ و ١ ب).

(٦) الأنفال : ٤ و ٧٤ ، الحجّ : ٥٠ ، النّور : ٢٦ ، الأحزاب : ٣١ و ٤٤ ، سبأ : ٤ ، يس : ١١ ، الحديد : ١٨ (ـ ٣ آ و ٦ ب).

(٧) فصلت : ٨ ، المجادلة : ٣ ، الإنشقاق : ٢٥ ، الجاثية : ٦ (ـ ٤ آ).

(٨) النّساء : ٣١.

(٩) النّساء : ٣١ ، الحجّ : ٥٩ (ـ ٢ ب).

٥٠٧

* ولهم عيشة راضية : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) (١).

* وهي عيشة النّعيم : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ) (٢).

وقد بلغت الوعود بالسعادة على هذا النّحو (ـ ٦٦ آ و ١٠٠ ب).

كذلك نجد أنّ الوعيد المقابل لهذه الوعود كثيرا ما يتردد ، ولكنه أقل تنوعا ، فإذا لم تكن صيغة الوعيد شديدة الغموض ، كقوله تعالى :

(وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٣) ـ فإنّه (الوعيد) ينحصر في القول بأنّ فاعلي الشّر سوف يرد لهم نظيره ، فالله سبحانه يدخر للكافرين ، والظّالمين ، والمنافقين ، والمستكبرين ، والمجرمين ، والعاصين بعامة ـ عقوبة قاسية ، وعذابا أليما ، مخزيا ، خالدا (ـ ٩٤ آ و ٦٦ ب) (٤).

__________________

(١) القارعة : ٧ (ـ ١ آ).

(٢) الإنفطار : ١٣ (ـ ١ آ).

(٣) مثلا : الشّعراء : ٢٢٧ ، القصص : ٦١ ، الزّخرف : ٨٣ ، الأحقاف : ١٢ ، وسورة ق : ٤٥ ، الزّلزلة : ٨.

(٤) البقرة : ٧ و ١٠ و ٧٩ و ٨٥ و ٩٠ و ٩٦ و ١٠٤ و ١١٤ و ١٦٢ و ١٦٥ و ١٧٤ و ١٧٨ و ١٩٦ و ٢١١ ، آل عمران : ٤ و ٢١ و ٥٦ و ٧٧ و ٨٨ و ٩١ و ١٠٥ و ١٠٦ و ١٧٦ و ١٧٧ و ١٧٨ و ١٨٨ ، النّساء : ١٨ و ٣٧ و ١٠٢ و ١٣٨ و ١٥١ و ١٦١ و ١٧٣ ، المائدة : ٢ و ٣٢ و ٣٦ و ٧٣ و ٨٠ و ٩٤ و ٩٥ ، الأنعام : ٤٩ و ٩٣ و ١٤٧ و ١٥٧ و ١٦٠ ، الأنفال : ٢٥ التّوبة : ٣ و ٦١ و ٧٤ و ٧٩ و ٩٠ و ١٠١ ، يونس : ١٥ و ٢٧ و ٥٢ و ٧٠ ، هود : ٣ ، يوسف : ١١٠ ، الرّعد : ٢٥ و ٣٤ ، إبراهيم : ٢ و ٢٢ ، النّحل : ٦٣ و ٨٨ و ٩٤ و ١٠٤ و ١٠٦ و ١١٧ ، الإسراء : ١٠ ، الكهف : ٢ ، مريم : ٣٧ و ٧٩ ، طه : ١٢٧ ، الحجّ : ١٨ و ٢٥ و ٥٧ ، النّور : ١١ و ١٩ و ٢٣ و ٦٣ ، الفرقان : ١٩ و ٢٧ و ٦٩ ، الشّعراء : ٢١٣ ، النّمل : ٥ ، القصص : ٦٤ و ٨٤ ، العنكبوت : ٢٣ ، الرّوم : ١٦ ، لقمان : ٦ و ٧ و ٢٤ ، السّجدة : ٢٢ ، الأحزاب : ٨ و ٣٠ و ٥٧ و ٧٣ ، سبأ : ٥ و ٨ و ٣٨ ، فاطر : ٧ و ١٠ ، الصّافات : ٣٣ و ٣٨ ، وسورة ص : ٢٦ ، الزّمر : ١٣ و ٢٦ و ٤٧ و ٥٤ و ٥٥ ، فصلت : ٦ و ٢٧ و ٥٠ ، الشّورى : ١٦ و ٢١ و ٢٦ و ٤٢ و ٤٥ ، الزّخرف : ٣٩ ـ

٥٠٨

حـ ـ ما الجنّة ، وما الجحيم في المفهوم القرآني؟ .. وما طبيعة هذا الثّواب ، وذاك العقاب؟ .. إننا حتّى الآن لا ندري شيئا عنهما ، وقد قدمهما لنا القرآن في الموضوعات السّابقة بشكل مزدوج ، روحي ، ومادي ، يحتوي تارة طابعا إيجابيا ، وتارة طابعا سلبيا.

ولسوف ندرس كلا هذين الجانبين من الحياة الآخرة ، كلا على حدة ، بقدر ما يتسنى ذلك ، ولكن لنقل ابتداء ، كلمة عن مرحلة الإنتقال بين الحياتين.

تذوق أولي للمصير :

يتلقى الصّالحون ، منذ اللحظة الّتي تدعى فيها أنفسهم إلى بارئها ، البشري الّتي تنتظرهم ، وتتلقاهم الملائكة بالتحية ، وفي ذلك يقول القرآن :

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (١) ، ويكون الشّهداء بخاصة : (فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).

أمّا الهالكون فإنّهم يبدأون مع الخفقة الأخيرة من حياتهم في مواجهة الواقع المرير : (وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ

__________________

ـ و ٦٥ ، الجاثية : ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ و ١١ ، الأحقاف : ٢٠ ، الفتح : ١٦ و ١٧ ، الذاريات : ٦٠ ، الطّور : ٧ و ٤٥ ، الحديد : ١٣ و ٢٠ ، المجادلة : ٤ و ٥ و ١٥ و ١٦ ، الحشر : ٤ و ٧ و ١٥ ، التّغابن : ٥ ، الطّلاق : ١٠ ، الملك : ٢٨ ، القلم : ٣٣ ، المعارج : ١ ، الجن : ١٧ ، الإنسان : ٣١ ، المرسلات : ١٥ و ١٩ و ٢٤ و ٢٨ و ٣٤ و ٣٧ و ٤٠ و ٤٥ و ٤٧ و ٤٩ ، المطففين : ١ ، الإنشقاق : ٢٤ ، الغاشية : ٢٤ ، الماعون : ٤ (ـ ٩٤ آ و ٦٦ ب).

(١) النّحل : ٣٢.

(٢) آل عمران : ١٧٠.

٥٠٩

أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (١) ، (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ) (٢).

أمّا فيما يتعلق بالفترة الّتي تفصل الموت عن البعث ، فإنّ القرآن لا يعطي تفاصيل عنها ، وإنّما قال فقط بصدد حديثه عن قوم نوح : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٣) ، وبمناسبة الحديث عن فرعون وقومه : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (٤).

ولكن السّنّة تتحدث أيضا عن تلك الضّربات المروعة الّتي يوجهها الملائكة إلى الكافرين ، كأنّما هم يعذبونهم ، على إثر سؤال يتعرضون له بعد أن يدفنوا في القبور.

والسّنّة تقرر بصفة عامة أنّ الموتى في أجداثهم يشعرون بالفرح ، وبالحزن ، وهم يرون ما أعدّ لهم في الدّار الآخرة ، حين يعرض عليهم بكرة وأصيلا ، وقد روى البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا مات أحدكم فإنّه يعرض عليه مقعده بالغداة ، والعشيّ ، فإن كان من أهل الجنّة فمن أهل الجنّة ، وإن كان من أهل النّار فمن أهل النّار» (٥).

__________________

(١) الأنعام : ٩٣.

(٢) الأنفال : ٥٠ ، وانظر ، الفتح : ٢٧.

(٣) نوح : ٢٥.

(٤) غافر : ٤٦.

(٥) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٤٦٤ ح ١٣١٣ و : ٣ / ١١٨٤ ح ٣٠٦٨ ، تفسير القرطبي : ١١ / ١٣٨ ، تفسير ـ

٥١٠

بيد أنّ القرآن يصف بالتفصيل حياة أهل الجنّة ، وأهل النّار بعد البعث ، ولسوف نرى في هذا الوصف كيف يسير العنصر الأخلاقي ، والعنصر المادي ، معا دائما ، جنبا إلى جنب. ولسوف نتناول بالتحليل ، والتّصنيف الآيات القرآنية ، تحت العنوانين التّاليين ، وهي الآيات الخاصة بالنهاية السّعيدة لضيوف السّماء ، وبالمصائر المتعلقة بحظ الهالكين التّعيس.

الجنة :

المتع الرّوحية : يتحدد الجانب الرّوحي من السّعادة العلوية ـ أوّلا ـ بصورة سلبية بوساطة الوعود التّالية :

* بالأمن ، وعدم الخوف : (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١).

* فلا حزن : (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).

* ولا خزي : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) (٣).

* تكفير السّيئات ، ومغفرة الذنوب : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً) (٤) ،

__________________

ـ ابن كثير : ٤ / ٨٣ ، صحيح مسلم : ٤ / ٢١٩٩ ح ٢٨٩٩ ، مسند أحمد : ٢ / ١٦ ح ٤٦٥٨ ، صحيح ابن حبّان : ٧ / ٤٠٠ ح ٣١٣٠ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٣٨٤ ح ١٠٧٢ ، موطأ الإمام مالك : ١ / ٢٣٩ ح ٥٦٦ ، السّنن الكبرى : ١ / ٦٦٤ ح ٢١٩٦ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ١٤٢٧ ح ٤٢٦٩.

(١) البقرة : ٣٨ و ٦٢ و ١١٢ و ٢٦٢ و ٢٧٤ و ٢٧٧ ، آل عمران : ١٧٠ ، المائدة : ٦٩ ، الأنعام : ٤٨ ، الأعراف : ٣٥ و ٤٩ ، يونس : ٦٢ ، الحجر : ٤٦ ، الشّعراء : ٨٩ ، سبأ : ٣٧ ، فصلت : ٣٠ و ٤٠ ، الزّخرف : ٦٣ ، الدّخان : ٥٥ ، الأحقاف : ١٣ (ـ ١٢ آ و ٨ ب).

(٢) البقرة : ٣٨ و ٦٢ و ١١٢ و ٢٦٢ و ٢٧٤ و ٢٧٧ ، آل عمران : ٧٠ ، المائدة : ٦٩ ، الأنعام : ٤٨ ، الأعراف : ٣٥ و ٤٩ ، يونس : ٦٢ ، الأنبياء : ١٠٣ ، فاطر : ٣٤ ، الزّمر : ٨١ ، فصلت : ٣٠ ، الزّخرف : ٦٨ ، الأحقاف : ٣ (ـ ١٠ آ و ٨ ب).

(٣) التّحريم : ٨ (ـ ١ ب).

(٤) البقرة : ٢٦٨.

٥١١

(كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) (١).

* الرّحمة (حين (٢) تتجلى في دفع الشّرور عمن يحبهم الله) : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣).

بيد أنّ الفرح الرّوحي الإيجابي أكثر تنوعا ، فحياة السّعداء هي حياة :

* أخوة ، وحبّ متبادل : (مبرّأ من كلّ غلّ ، أو حسد) : (وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٤).

* وتأمل في الجمال الإلهي : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٥).

__________________

(١) محمد : ٢ ، البقرة : ٢٦٨ و ٢٧١ ، آل عمران : ١٣٣ و ١٣٦ و ١٥٧ و ١٩٥ ، النّساء : ٣١ و ١٢٩ ، المائدة : ٩ و ٦٥ ، الأنفال : ٤ و ٢٩ و ٧٤ ، هود : ١١ ، النّور : ٢٢ و ٢٦ ، العنكبوت : ٧ ، الأحزاب : ٣٥ و ٧١ ، سبأ : ٤ ، فاطر : ٧ ، ويس : ١١ ، الزّمر : ٣٥ ، غافر : ٧ ، الشّورى : ٢٥ ، الإحقاف : ١٦ و ٣١ ، الفتح : ٥ و ٢٩ ، الحجرات : ٣ ، الحديد : ٢٠ و ٢١ و ٢٨ ، الحشر : ١٢ ، التّغابن : ٩ و ١٧ ، الطّلاق : ٥ ، التّحريم : ٨ ، الملك : ١٢. (ـ ١٦ آ و ٢٤ ب).

(٢) بلغت مرونة بعض الألفاظ العربية إلى حدّ أنّ مدلول الكلمة الواحدة يتسع ، ويضيق ، ويتلون في صور مختلفة تبعا لكونه وحده ، أو مصحوبا بهذا اللفظ ، أو ذاك ، مما له صلة به ، ومن هذا العدد يمكن أن نعد كلمة (رحمة) ، فهي إذا قرنت بكلمة (رأفة) تؤدي وظيفة إيجابية ، وتعني (الكرم) ، ولكنها حين تشترك مع كلمة (فضل) تؤدي دور أكثر سلبية ، وتعني آنذاك التّخليص من العقوبة ، والحفظ من الشّرور. وأخيرا حين تكون وحدها ، فإنّها قد تؤدي المعنيين مرة واحدة ، وهكذا يوجد عنصر الحماية في الحالتين الأخيرتين ، (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) الأنعام : ١٧ ، (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ) غافر : ٩.

(٣) آل عمران : ١٠٧ و ١٣٢ و ١٥٧ ، البقرة : ٢١٨ ، النّساء : ١٢٩ و ١٧٥ ، الأنعام : ١٥٥ ، الأعراف : ٥٧ و ٢٠٤ ، التّوبة : ٢١ و ٧١ و ٩٩ ، يونس : ٥٨ ، مريم : ٨٥ ، النّور : ٥٦ ، النّمل : ٤٦ ، وسورة يس : ٥٨ ، الشّورى : ٨ ، الزّخرف : ٣٢ ، الجاثية : ٣٠ ، الحجرات : ١٠ ، الحديد : ١٣ ، الإنسان : ٣١ (ـ ١٢ آ و ١١ ب).

(٤) الحجر : ٤٧ ، الأعراف : ٤٣ ، مريم : ٩٦ ، الزّخرف : ٦٧ (ـ ٤ آ).

(٥) القيامة : ٢٢ ـ ٢٣ (ـ ١ آ).

٥١٢

* وحبور واستبشار : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) (١) ، (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (٢).

* وشرف ، ورفعة : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (٣).

* ولسوف تضيء السّعادة وجوههم : (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٤).

* ولسوف يشعرون بتفوقهم على خصومهم : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) (٥).

* وهم في مسعاهم إلى الجنّة سوف يحوطهم النّور : (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ) (٦).

* ولسوف يكونون : (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) (٧).

* وفي صحبة أسرهم ، وأصدقائهم : (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) (٨).

__________________

(١) الرّوم : ١٥.

(٢) عبس : ٣٨ ـ ٣٩ ، الرّوم : ١٥ ، الزّخرف : ٧٠ ، الإنسان : ١١ ، الأنشقاق : ٩ (ـ ٥ آ).

(٣) الإسراء : ٧٩ ، الصّافات : ٤٢ ، المعارج : ٣٥ (ـ ٣ آ).

(٤) آل عمران : ١٠٧ ، القيامة : ٢٢ ، الإنسان : ٢ ، عبس : ٣٨ ، المطففين : ٢٤ ، الغاشية : ٨. (ـ ٥ آ و ١ ب).

(٥) البقرة : ٢١٢ ، المطففين : ٢٩ (ـ ١ آ و ١ ب).

(٦) الحديد : ١٢ و ١٩ ، التّحريم : ٨ (ـ ٢ آ و ١ ب).

(٧) النّساء : ٦٩ ، العنكبوت : ٩ ، الفجر : ٢٩. (ـ ٢ آ و ١ ب).

(٨) الرّعد : ٢٣ ، يس : ٥٦ ، غافر : ٨ ، الزّخرف : ٧٠ ، الطّور : ٢١ (ـ ٥ آ).

٥١٣

* وحين يصلون تستقبلهم الملائكة ، يحيونهم ، ويقولون : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (١).

* فإذا ما استقروا زارتهم الملائكة الّذين : (يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) (٢) ، بكلّ تهنئة ، وأماني سلام : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (٣).

* وإذا استقبلهم الرّحيم فإنّ لهم : (قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٤).

* و (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) (٥) ، (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) (٦).

* وسوف يقربهم إليه : (أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (٧).

* ويجعلهم في أعلى عليين : (دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً) (٨).

* فمكانهم هو أعظم مكان لدى القادر المقتدر : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٩).

* ومنالهم هو رضوانه : (وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ) (١٠).

* وكما يرضى الله عنهم يرضون عنه ، فهو رضا متبادل : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ

__________________

(١) الأنبياء : ١٠٣ ، الزّمر : ٧٢ (ـ ٢ آ).

(٢) الرّعد : ٢٣.

(٣) الرّعد : ٢٣ و ٢٤ (ـ ٢ آ).

(٤) يونس : ٢ (ـ ١ آ).

(٥) الأحزاب : ٤٤.

(٦) الأحزاب : ٤٤ ، يس : ٥٨ (ـ ١ آ و ١ ب).

(٧) الواقعة : ١١ (ـ ١ آ).

(٨) النّساء : ٩٦ ، الأنفال : ٤ ، التّوبة : ٢٠ ، المجادلة : ١١ (ـ ٤ ب).

(٩) القمر : ٥٥ (ـ ١ آ).

(١٠) الحديد : ٢٠ ، آل عمران : ١٥. (ـ ١ آ و ١ ب).

٥١٤

وَرَضُوا عَنْهُ) (١).

* فسعادتهم مزدوجة ، لأنّهم يكونون فرحين بما قدموا ، راضين عن أنفسهم : (لِسَعْيِها راضِيَةٌ) (٢).

* وكما يكونون راضين عن مصيرهم ، فإنّهم يرددون دائما حمدا لله على ما هداهم ، وعلى أنّه وهبهم ما وعدهم : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا) (٣) ، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ) (٤).

* ولا وجود لأحاديث اللّغو ، والباطل ، والإثمّ ، والإتهام بالإثم ، لأنّهم :

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (٥).

* بل هو السّلام المتبادل : (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٦).

* وتسبيح الله الأعلى : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ) (٧).

وهكذا نجد أنّ النّصوص الّتي تذكر المتع الرّوحية في السّماء قد بلغت عددا (ـ ١٠٢ آ و ٧٠ ب).

السّعادة الحسية :

وإنّها لمسألة أن نعرف ما إذا كان للنفس أن تقدر على التّمتع الكامل ، الحرّ ،

__________________

(١) المائدة : ١١٩ ، الأنفال : ١٠٠ ، المجادلة : ٢٢ ، الفجر : ٢٨ ، الليل : ٢١ ، البينة : ٨ (ـ ٢ آ و ٤ ب).

(٢) الغاشية : ٩ (ـ ١ آ).

(٣) الأعراف : ٤٣.

(٤) الأعراف : ٤٣ و ٤٤ ، الزّمر : ٧٤ (ـ ٣ آ).

(٥) مريم : ٦٢ ، الواقعة : ٢٥ ، الغاشية : ١١ (ـ ٣ آ).

(٦) الواقعة : ٢٦ ، يونس : ١٠ ، إبراهيم : ٢٣ ، مريم : ٦٢ ، الفرقان : ٧٥ (ـ ٥ آ).

(٧) يونس : ١٠ (ـ ١ آ).

٥١٥

بسعادتها الذاتية ، عند ما تتحد ببدن معذب ، أو محروم محارب في حاجاته ، أو حتّى مصدوم في أذواقه الجمالية. ألا تستطيع قرصة ذبابة ، أو ضوضاء محرك ، ورائحة قوية ، وحرارة زائدة ، وبرد شديد ـ أن تبعثر الإنتباه المكب على أمور مجردة ، بصورة تتفاوت عمقا ، متى ما أحس المرء بها؟ .. ألا يعني تجنيب البدن هذه المكاره ، وتوفير هدوء كامل بقدر الإمكان له ـ أننا في نفس الوقت نحرر الرّوح ، ونتيح لها أعظم حالات الأزدهار؟ .. حسبنا أن نقول هذا كيما نسوغ اهتمامنا بصحتنا ، وبراحتنا ، وابتعادنا عن الألم ، وعن الموت ، وحتّى نقيم ذلك كلّه على أساس أخلاقي.

وانطلاقا من هذا الرّأي نقرر أنّ أي نظام للثواب الأخلاقي لا يلبي هذه المطالب الأولية للحياة المادية ـ سوف يكون بكلّ جلاء نظاما أبتر مشوها. وما كان هذا النّقص بالذي يمكن أن نلحظه في النّظام القرآني ؛ ذلك أنّه لا يقتصر على أن يضمن للصالحين في الدّار الآخرة عدم الموت فحسب ، وهو قوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (١) ، أو الحماية من الشّرور. وهو قوله : (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) (٢) ، بل إنّه يضمن أيضا إبعادهم عن أماكن العذاب : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) (٣) ، ويضمن لهم الرّاحة ، (فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ) (٤) ،

__________________

(١) الدّخان : ٥٦.

(٢) الزّمر : ٦١ ، غافر : ٧ و ٩ ، الدّخان : ٥٦ ، الأحقاف : ٣١ ، الطّور : ١٨ و ٢٧ ، الحشر : ١٠ ، التّحريم : ٦ ، الإنسان : ١١ ، الليل : ١٧.

(٣) الأنبياء : ١٠١ و ١٠٢.

(٤) الواقعة : ٨٩.

٥١٦

(لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ) (١) ، وبمنته الإيجاز : يضمن لهم السّلام : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (٢) وللجنّة في لغة القرآن مرادف هو (دارُ السَّلامِ) (٣).

لكن ذلك ليس إلّا جانبا سلبيا ، والنّاس لا يبدو عليهم الرّضا الكامل لمجرد أنّهم لا يتألمون فعلا ، فلقد أظهرت الإنسانية في كلّ زمان اتجاهها الطّبيعي إلى أن توفر لنفسها نسبة معينة من الرّفاهية الإيجابية ، وإلى أن تحسن ظروف حياتها.

وليس للعلم ، أو الصّناعة من غاية في سعيهما غير هذه الغاية ، وهو أمر يمكن تسويغه من جانب آخر ، إذا ما لاحظنا أنّ كلّ تحسين يطرأ يجب أن يكون إدخارا لجهد مادي ، وفرصة إضافية لأزدهار الرّوح في آن واحد.

ومن أسف أنّ الصّراع من أجل رفاهية الحياة ليس قريبا من النّهاية ـ على الرّغم من تقدم العلم ، وإبداع الفن ، بل وربما كان ذلك بسبب هذا التّقدم ، وذلك الإبداع!!. فالصراع يزداد على العكس ، بنسبة التّقدم والإبداع ، وكلّما كسب الإنسان نقطة أثارت شهيته إلى درجة أرقى ، ولكي يبلغها يجب أن يلجأ إلى نظام للآلة ، يزداد كلّ حين تعقيدا. ومن هنا كانت ضرورة الأبحاث الجديدة ، والجهود المتجددة ، وهكذا إلى ما لا نهاية له.

والأمر كذلك إذا ما أريد الإبقاء على الأشياء في الحال الّتي بلغتها ، فمن الضّروري أن نرقبها ببذل مزيد من الجهد في المحافظة عليها دائما ، حتّى نمنع

__________________

(١) الحجر : ٤٨ ، فاطر : ٣٥ ، الواقعة : ٨٩.

(٢) الحجر : ٤٦ ، وسورة ق : ٣٤ ، الواقعة : ٩١.

(٣) الأنعام : ١٢٧ ، يونس : ٢٥.

٥١٧

تركيبنا الصّناعي من التّفسخ ، فنعود عناصره إلى حالتها البدائية ؛ بحيث نستطيع أن نقول : إننا ننهمك في البحث عن راحتنا وقتا أطول عموما من تمتعنا بها ، حتّى لقد أصبح ما كان مجرد وسيلة ، وقد بلغ في جهودنا مبلغ غاية حقيقية لكثرة ما شغلنا به.

أمّا أننا يجب أن نرى في هذا البحث الجامح عن السّعادة المادية إنحرافا في الضّمير المعاصر ، فنحن نسلم بذلك ، ولكن الدّفعة الأولية تأتي من اتجاه أعمق من أن ننكره ، وإن أسينا له.

ألم يكن مما يتمناه في الواقع كلّ ضمير مرهف أن يصبح الإنسان مستغنيا عن كلّ هذه الضّرورات المادية ، حتّى يعكف على اهتمامات أكثر نبلا ، وأكثر اتفاقا مع النّزهة الإنسانية؟ ...

إنّ هناك وسيلتين أمام العاقل كيلا تستهويه مطلقا هذه الميول الحسية ، الأولى : أن يقاوم هذه الإتجاهات ، وأن يردها إلى حال من الجمود ، وهي محاولات شرسة مصطنعة ، تنتهي إلى الإخفاق في الظّروف الطّبيعية المتاحة.

والوسيلة الأخرى إشباعها في اعتدال ، وتناسب ، كلّما ظهرت ، وبشرط ألّا يتطلب هذا الإشباع منه تضحية بوقت ، أو قوة لازمة لتهذيب الرّوح.

ويبقى من المسلم في حالة العكس أنّ من الأفضل أن نمر بها مرور الكرام ، فلا نبحث فيها إلّا على الحدّ الأدنى الضّروري للحياة.

وإذن فسواء أكانت جهودنا في هذا الإتجاه كبيرة أم صغيرة ، فإنّها لا تجلب لنا سوى سعادة محدودة ، بل إنّها في الوقت نفسه تهدد طهارة حياة الرّوح وكمالها.

ولنفرض على العكس أنّ جميع المتع المرغوبة ، والمشروعة ، روحية ،

٥١٨

ومادية ، قد قدمت إلينا ، وأننا لم نعد في حاجة إلى السّعي وراءها ألّا نكون بذلك قد كسبنا كلّ شيء دون أن نخسر شيئا؟ ..

أليس هذا هو المثل الأعلى؟ ..

وإذا كان هذا المثل الأعلى لا يمكن أن يتحقق في دنيا الإبتلاء هذه ، فما الّذي يمنع أن يتحقق في عالم الجزاء؟

ولما ذا يريد البعض أن يكون الأمر غير ذلك؟ ..

لما ذا يريدون بأي ثمن إقصاء كلّ عنصر حسي ، وإيجابي من السّعادة السّماوية؟.

هل يضر نظام الطّبيعة ، وجمالها بنظام الرّوح ، وجمالها؟ .. أليسا غالبا قوامها ، وعمادها؟ ... لا ريب أنّ العاقل حين يعلم قدرهما الزّهيد لن يلتمسهما لذاتهما ، كما أنّه لن يرفضهما إذا ما أتيحا له. أمن حقنا أن نرفض يدا تمتد إلينا في صداقة لتقدم إلينا هدية ، أو لتعلق على صدرنا حلية؟ ..

إنّ قيمة هذه الأشياء تكمن أقل ما تكون في مادتها ، عنها في معناها ومدلوها ، إنّها رموز ، وشواهد على الرّضا ، الّذي لا يمكن أن نرفضه في مواجهة مهديها ، إلّا إذا أخللنا بالذوق الأخلاقي.

من هذه الزّاوية يجب في رأينا أن نتصور وصف القرآن للجنة ، وهو وصف قلما ينافي فيه سرور القلب جاذبية الإطار الشّعري الّذي يظهر فيه. ولقد سبق أن استخرجنا الجانب الرّوحي من السّعادة العلوية في مظهرها المزدوج ، الإيجابي والسّلبي ، ورأينا المظهر المادي السّلبي من الإسلام ، فلنر الآن بأي جمال حسي بقدم القرآن لنا (الملك الكبير) في السّماء ، وهو المشار إليه في قوله تعالى : (وَإِذا

٥١٩

رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً) (١).

تصور أوّلا جنّة رحيبة ، رحيبة لدرجة أنّ (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (٢) ، فكلّ من فيها يتمتع بحرية التّنقل ، والإستقرار حيثما يريد : (وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) (٣).

جنّة ذات (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) (٤) دائما ، وذات مناخ معتدل ، لا يفسده حرّ شمس ، ولا قسوة برد : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) (٥).

فهو مقام سعيد للإبتراد كما قال تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (٦) ، ومجال تخترقه الأنهار : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) (٧) وهي : (أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى) (٨).

وفي الجنّة تتفجر الينابيع : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) (٩) ، وهي العيون ذات العطور المختلفة الّتي تمزج بها الخمر اللّذيذة : (إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ

__________________

(١) الإنسان : ٢٠.

(٢) آل عمران : ١٣٣ ، الحديد : ٢١ (ـ ١ آ و ١ ب).

(٣) الزّمر : ٧٤ (ـ ١ آ).

(٤) الواقعة : ٣٠ ، النّساء : ٥٧ ، الرّعد : ٣٥ ، وسورة يس : ٥٦ ، الإنسان : ١٤ ، المرسلات : ٤١ (ـ ٥ آ و ١ ب).

(٥) الإنسان : ١٣ (ـ ١ آ).

(٦) الفرقان : ٢٤ (ـ ١ آ).

(٧) القمر : ٥٤ (ـ ١ آ).

(٨) محمد : ١٥ (ـ ١ آ).

(٩) الحجر : ٤٥ ، الدّخان : ٥٢ ، الرّحمن : ٥٠ و ٦٦ ، الواقعة : ٣١ ، المرسلات : ٤١ ، الغاشية : ١٢ (ـ ٧ آ).

٥٢٠