دستور الأخلاق في القرآن

الدكتور محمّد عبدالله درّاز

دستور الأخلاق في القرآن

المؤلف:

الدكتور محمّد عبدالله درّاز


المحقق: الدكتور عبدالصبور شاهين
الموضوع : الأخلاق
الناشر: مؤسسة دار الكتاب الاسلامي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٠
ISBN: 964-465-053-0
الصفحات: ٩٦٢

الفصل الثّاني :

المسئولية

يرتبط بفكرة الإلزام ، ناتجان يستلزم أحدهما الآخر بدوره ، ويؤيده ، ويدعمه ، هما : فكرة المسئولية ، وفكرة الجزاء .. والواقع أنّ هذه الأفكار الثّلاثة يأخذ بعضها بحجز بعض ، ولا تقبل الأنفصام. فإذا ما وجدت الأولى تتابعت الأخريان على إثرها ؛ وإذا أختفت ، ذهبتا على الفور في أعقابها. فالإلزام بلا مسئولية يعني القول بوجود إلزام بلا فرد ملزم ، وليس بأقل إستحالة من ذلك أن نفترض كائنا ملزما ومسئولا ، بدون أن تجد هذه الصّفات ترجمتها ، وتحققها في «جزاء» مناسب ، فإنّ معنى ذلك تعرية الكلمات من معانيها.

والمسئولية المتولدة عن الإلزام ، هي نفسها نوع خاص من الإلزام. وإذا عمدنا إلى الجانب الأشتقاقي وجدنا أنّ عبارة كونه مسئولا responsible] [etre تعني : «كون الفرد مكلفا بأن يقوم ببعض الأشياء ، وبأن يقدم عنها حسابا إلى زيد من النّاس».

٢٤١

ولا ريب أننا نتكلم عن المسئولية بالمعنى الحقيقي ، الّذي قد يتفاوت في قوته ، وقد يحدث أن يستخدم هذا الأصطلاح بتوسيع دلالته ، أو إضعافها ، ليدل على مجرد تبني العمل. ولو لم يوجد إلزام ، ولا إمكانة سؤال ، أو إجابة ، فمنذ كان الخالق وحده في هذا العالم ، «إلها متفردا» ، يتصرف فيه متحكما ، فإنّه بهذا الأعتبار هو الصّانع المسئول عن أعماله ، بأكمل معاني الكلمة ، سبحانه وتعالى.

فلنقتصر إذن على مفهوم المسئولية الإنسانية ، الّتي إن لم تفترض سلفا فكرة إلزام صارم ، فعلى الأقل : الفكرة المعادلة لمثل أعلى ، أصطلح عليه مقدما ، بحيث يرى الإنسان أنّه مسئول عنه أمام نفسه.

وفي الدّراسة التّالية ، سوف نبحث أوّلا الصّفات العامة الّتي تنبع من تحليل هذه الفكرة ، ثمّ شروطها من الوجهة المزدوجة : الأخلاقية ، والدّينية ، وأخيرا جانبها الإجتماعي.

١ ـ تحليل الفكرة العامة للمسئولية :

ينتج عن التّحديد الأشتقاقي الّذي رأيناه ـ أنّ هذه الفكرة تشتمل على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسئول : علاقته بأعماله ، وعلاقته به من يحكمون على هذه الأعمال.

فأمّا من ناحية العمل ، فإنّ مصطلح (المسئولية) ، بعكس ما كان يعتقد ، لا يدل إبتداء على علاقة واقع ، بل على علاقة حقّ يقره ، ويجب أن يسبقه في أحكامنا الخاصة. والمسئولية قبل كلّ شيء إستعداد فطري ، إنّها هذه المقدرة على أن يلزم المرء نفسه أوّلا ، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بإلتزامه بوساطة جهوده الخاصة.

٢٤٢

فإذا أخذت المسئولية بهذا المعنى الرّحب ، والأولى ـ فلن تكون سوى سمة من السّمات المميزة الّتي يأخذها الإنسان من جوهرة ذاته.

ولو أننا تتبعنا الأشياء في مجراها العادي (بما في ذلك الإنسان الفيزيقي والنّفسي) لوجدناها في الواقع تؤدي دورها الّذي عينه لها قانون الطّبيعة ، بطريقة قدرية ، وعلى نسق واحد. فليس هنالك أدنى تدخل ممكن لمبادرتها الخاصة ، لا من أجل صيانة النّظام الثّابت ، ولا من أجل تغييره ، أو تعديله في أي صورة ما كان ، وإذن فلا مسئولية مطلقا.

أمّا في النّظام الأخلاقي فالأمر بالعكس ، حيث يواجه الفاعل إمكانات متعددة ، يستطيع أن يختار من بينها واحدة ، توافق هواه ، سواء إحترام القاعدة ، أو إخترمها.

«فالإمكان» و«الضّرورة» هما الصّفتان اللّتان تكوّنان مجالي المسئولية وعدم المسئولية ، كلّ على حدة ، والجانب الأوّل هو الّذي رصد له الإنسان إستعداده.

هذا التّباين الّذي يضع الكائن العاقل ضد الكائنات غير المزودة بالعقل ، من حيث مقدرتها الأخلاقية ـ يبدو لنا أنّ القرآن قد أبرزه في هذه الجملة الإلهية القصيرة : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (١). [لأنّه قد أنتهكها] (٢).

__________________

(١) الأحزاب : ٧٢.

(٢) هذا أحد الوجوه الّتي ردّ إليها أكثر المفسرين معنى النّص ، ولكن الفعل (حمل) مستعمل هنا إستعمالا مزدوجا في القرآن ، فهو أحيانا يعني تحمل التّكليف في مثل قوله : (ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ ـ

٢٤٣

بيد أنّ هذا ليس سوى وجه كامن ، يعبر عن إستعداد بعيد الأصول ، لتحمل المسئولية بالفعل ، فهذه لن تبدأ إلّا عند ما تتحقق بعض الشّروط : (كالسّن ، والصّحة مثلا) ، كيما تخلع مغزاها الأخلاقي على تعهداتنا ، وإلتزاماتنا. كذلك لا يكفي أن تجتمع هذه الشّروط العامة لنصبح فعلا مسئولين ، بل يجب أيضا أن تنضاف إليها ظروف مادية ، تدعونا إلى أن ندخل نشاطنا في نسيج الأحداث.

والحقّ أنّ هذه الظّروف لا تتخلف أبدا ، فلكلّ منا بالضرورة بعض العلاقات ، وهو يشغل مكانا معينا ، ويمارس بعض الوظائف في جهاز المجتمع. فالأب مسئول عن رفاهية أولاده ـ المادية ، والأخلاقية ، والمربي مسئول عن الثّقافة الأخلاقية ، والعقلية للشباب ، والعامل عن تنفيذ عمله ، وكماله ، والقاضي عن توزيع العدالة ، والشّرطي عن الأمن العام ، والجندي عن حفظ الوطن. كذلك نحن ـ فرادى ـ مسئولون عن طهارة قلوبنا ، وإستقامة أفكارنا ، كما أننا مسئولون

__________________

تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ، النّور ٥٤. وقوله : (حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) ـ الجمعة : ٥. وهو أحيانا بمعنى (تحميل الخطأ) في قوله تعالى : (يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) ، طه : ١٠٠. وقوله : (وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) ، طه : ١١١. واستنادا إلى هذا المعنى المزدوج للفظ ، حمله بعض المفسرين على معناه الثّاني ، وهاك معنى النّص تبعا لما ذهبوا إليه : ومع أنّ المخلوقات الأخرى قد وفت بمهمتها ، حين خضعت لقانون (الطّبيعة) دون مقاومة (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ، فصلت : ١١. فإنّ الإنسان الّذي لم يطع القانون (الأخلاقي) يبقى محملا به ، (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) ، عبس : ٢٣ ، فالأمر لا يتعلق إذن بالإنسان بعامة ، بل بالكفار والعصاة وحدهم ، وهو تفسير ـ لا ريب ـ معقول ، في ذاته ، ولكنه فضلا عن ذلك التّقييد الّذي يفرضه على مفهوم (الإنسان) ، الّذي جاء غير محدد في النّص ، فهو لا يحقق على وجه الدّقة التّطابق المطلوب بين الضّمائر ، والأسماء الّتي تتعلق بها ، إذ لم تعد الأمانات المعروضة على الإنسان ، وغيره من المخلوقات ـ كما هي ، وصار من اللازم أن يكتفي بإلتقائها في الفكرة العامة للأمانة ، كما أصبح لازما اللّجوء إلى فكرة مجازية ، حتّى نقرر للطبيعة نوعا من الإلتزام تجاه القانون.

٢٤٤

عن حماية صحتنا ، وحياتنا. حتّى إننا نستطيع أن نجد في كلّ لحظة من لحظات الحياة الإنسانية بعض المسئوليات ، وهي ليست إفتراضية فحسب ، بل حاضرة وواقعية ، متى ما تحققت لها الشّروط العامة. ثمّ إنّ اختلاف المواقف لا تتدخل إلّا من أجل تخصيص ، وتحديد موضوع هذه المسئولية.

على أننا لا ينبغي أن نخلط هنا معنيين متميزين تماما للمسئولية ، فعلى قدر ما تكف الإعتبارات الخاصة عن التّدخل (وهي من نوع ما سنراه بعد) نبقى في مرحلة المسئولية الطّبيعية ، الّتي هي مجرد طلب لموقف ، وكونك مسئولا لا يعني هنا سوى كونك جديرا بأن تكون هذا المسئول فحسب. فالإنسان مسئول طبيعيا من قبل أن يجعل نفسه مسئولا ، ومن قبل أن يعتبر مسئولا أخلاقيا.

والآن ، إذا كان حقا أنّ مسئوليتنا لصيقة بنا دائما ، بوجه أو بآخر ، فإنّ ذلك لا يترتب عليه أن نكون دائما على وفاق معها ، وحتّى بعد أن نحمل إلزاماتنا صراحة فإنّ لدينا الخيار أن نبقى مخلصين لها ، أو نخل بحقها ، تبعا لمّا إذا كنّا سوف نوجه جهدنا في نفس الإتجاه ، أو ندع أنفسنا لتأثير عوامل مضادة.

ومن هنا كانت مرحلة جديدة من المسئولية ، فبمجرد أن نتخذ قرارنا لمصلحة جانب ، أو آخر لم تعد المسئولية الّتي نتحملها بهذا العمل موجهة نحو المستقبل ، بل هي مرتدة نحو الماضي ، فنحن منذئذ مسئولون ، لا بإعتبارنا قادرين على العمل ، بل بإعتبارنا فاعلي فعل تام ، أي أنّ المسئولية تصبح تحملا لناتج الفعل ـ

وهكذا نصل إلى حدود العنصر الثّاني الفكرة. فعند ما ينهي المرء مهمته لا بد أن يقدم تقاريره. إنّ اللحظة الأولى من لحظات المسئولية تلهمنا الإحساس بقوتنا ،

٢٤٥

فهذه «قدرة» و«إستطاعة» ، أمّا في اللحظة الثّانية فإننا نتخذ ـ على العكس ـ موقف خفض الجناح ، والخضوع ، فهذا «واجب».

وإنّا لنقرر أنّ كون المرء مسئولا يدعوه إلى أن يقدم حسابا ببعض الأشياء إلى بعض النّاس ، فلمن يقدم؟ .. وما ذا يقدم؟ ..

وما دمنا قد أتفقنا على أنّ المسئولية تفترض الإلزام سلفا ، فإنّ ذلك ينتج عنه ، من ناحية ، أنّ الحساب يجب أن يكون موضوعه الطّريقة الّتي تم بها أداء عمل إلزامي ، أو إهماله ومن ناحية أخرى أنّ القاضي الّذي سوف يمثل المرء أمامه ليس سوى السّلطة الّتي يصدر عنها التّكليف. وعليه ، فنحن نعرف من هذه السّلطة ثلاثة أنواع : فمن الممكن أن يخضع المرء لتكليف يلزم به نفسه ، أو يتلقاه عن أناس آخرين ، أو عن سلطة أعلى فعلا. وفي الحالة الأولى تأتينا المسئولية من داخلنا ، فالمرء يجعل من نفسه مسئولا عن عمل لم يكلفه به أحد. أمّا في الحالتين الأخريين فنحن نتلقى المسئولية من خارجنا. ولكن سواء أكان المرء مسئولا أمام نفسه ، أم أمام الإنسان ، أم أمام الله سبحانه فإنّ حكم المسئولية يصدر دائما بوساطة نفس السّلطة الّتي أصدرت الأمر أوّلا.

ومن هنا نجد ثلاثة أنواع من المسئولية : المسئولية الدّينية ، والمسئولية الإجتماعية ، والمسئولية الأخلاقية المحضة.

وإنّ القرآن ليذكر هذه الثّلاثة مجتمعة في هذا النّظام في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١).

ونستطيع أن نقول ، بمعنى معين ، إنّ كلّ مسئولية هي مسئولية أخلاقية ، متى

__________________

(١) الأنفال : ٢٧.

٢٤٦

أرتضيناها. فالمسئولية الّتي يحملنا إياها غيرنا تصبح بمجرد قبولنا لها مطلبا صادرا عن شخصنا. وإذن فليس من المستغرب أن نرى القرآن يقدم لنا المسئولية الدّينية ذاتها في صورة مسئولية أخلاقية محضة ، حين يقول بمناسبة بعض التّعاليم المتعلقة بالصوم المفروض ، وقد تحايل بعض النّاس على التّخلص منه سرا : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) (١). وفي كثير من الأحيان لا يكتفي الكتاب ، حين يستحث المؤمنين إلى الطّاعة ، بأنّ يذكرهم بالأمر الإلهي ، بل يذكرهم ، في الوقت نفسه ، بالعهد الّذي قطعوه على أنفسهم بأن يطيعوا هذا الأمر : (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) (٢) ، (إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) (٣).

فعلى حين نستطيع أن نتصور بالنسبة إلى غير المؤمن مسئولية تفرض عليه من خارج ذاته دون أن تكون لديه مسئولية أخرى صادرة عن ضميره الخاص ، نجد المؤمن ـ على العكس ـ لا يمكن أن توجد إحدى المسئوليتين لديه دون الأخرى ، لأنّ العمل الأوّل للإيمان يستلزم معرفة الله ، الجدير بالطاعة ، والّذي هو في الوقت نفسه محبوب ، ومعبود.

ولكن في اتجاه آخر ، يمكن القول بأنّه في سبيل تحقيق أخلاق كأخلاق القرآن يجب أن تنتهي كلّ مسئولية إلى نوع من المسئولية الدّينية ، أو على الأقل تتبعها. هذه الأخلاق ترى ، في الواقع ، أنّه لا الإلتزامات الفردية ، ولا المؤسسات الإجتماعية ، بقادرة على أن تكون مصادر للتكليف ، والمسئولية ، إلّا بواسطة

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) الحديد : ٨.

(٣) المائدة : ٧.

٢٤٧

نوع من تفويض السّلطة الإلهية. ولنأخذ أوّلا المسئولية الّتي توجدها مبادرتنا الفردية ، فلا ريب أنّ الإسلام يحلّها مكانا فسيحا ، ويدمجها في مجالات كثيرة بالمسئولية الّتي أقرتها قواعد الشّرع المنزل. ومثال ذلك أنّ المحسن الّذي يوقع بإمضائه طوعا ، وبمحض إختياره ـ لا يمكن شرعا أن يسحب توقيعه. والشّخص الثّالث الّذي يضمن دينا على سبيل المروءة يصبح مدينا بدوره. والتّقي الّذي يعزم على أداء نافلة ، وهو يشهد الله على إقراره ـ يصبح منذئذ أمام تكليف ملزم. وفي كلمة واحدة ، أيما امرىء يعطي كلمة لإنسان بعمل مشروع ، حتّى لو كان لقاء ، يصبح بموجب كلمته مسئولا مسئولية صارمة ، وذلك هو قول الحقّ سبحانه : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (١). ويقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا أؤتمن خان» (٢). وهو درس يجد أصله في القرآن في قوله تعالى : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (٣)

ومن البيّن في الأمثلة السّابقة أنّ الإنسان هو الّذي يجعل نفسه مسئولا بتدخل

__________________

(١) الإسراء : ٣٤.

(٢) انظر ، صحيح البخاري : ١ / ٢١ ح ٣٣ و : ٢ / ٨٦٨ ح ٣٢٢٧ وص : ٩٥٢ ح ٢٥٣٦ و : ٣ / ١٠١٠ ح ٢٥٩٨ ، سنن التّرمذي : ٥ / ١٩ ح ٢٦٣١ ، مجمع الفائدة : ١٢ / ٢٧٤ ، صحيح مسلم : ١ / ٧٨ ح ٥٩ ، الكافي : ٢ / ٢٢٣ ح ٨ ، مسند أبي عوانه : ١ / ٣٠ ح ٤٣ ، شرح النّووي على صحيح مسلم : ٢ / ٤٨ ، صيانية صحيح مسلم : ١ / ٢٣٢ ، سنن التّرمذي : ٥ / ١٩ ح ٢٦٣١ ، من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٢٦١ ح ٨٢١ ، الخصال : ١٢١ ح ١١٣ ، مجمع الزّوائد : ١ / ١٠٧ ، سنن البيهقي الكبرى : ٦ / ٨٥ ح ١١٢٤٠ ، تحف العقول : ٢١ ، بحار الأنوار : ٧٢ / ٢٠٥ ح ٦.

(٣) التّوبة : ٧٥ ـ ٧٧.

٢٤٨

إرادي ، لو لم يكن لبقي حرّا ، أن يفعل ، أو لا يفعل ، والمسئولية الّتي يتحملها حينئذ ، أمام الله ـ كما رأينا ـ ليست بأقل من المسئولية الّتي تقع على كاهله ، أن يقوم بالواجبات الجوهرية.

ومع ذلك ، فمن المستحيل أن نقرر مبدأ (الإلزام الذاتي) هذا ـ دون قيد ، أو تحفظ ، فلكي تكون وعودنا ورغباتنا صحيحة ، قادرة على أن تحدد مسئوليتنا ـ يجب على الأقل أن يكون موضوع تحقيقها نوعا من الخير الّذي سبق إقراره شرعا. ولذلك يقول الرّسول على سبيل الشّرط فيما روته عائشة : «من نذر أن يطيع الله فليطعه ، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه» (١).

وكذلك الحال بالنسبة إلى مسئوليتنا عن تكاليفنا الّتي نتحملها تجاه الآخرين ، مستقلة عن إرادتنا الفردية. ومثال ذلك أنّه لا أحد ينازع حقّ الوالدين المقدس في إحترام أولادهم وخضوعهم لهم ، والله يقول : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (٢).

بيد أنّ هذا الحقّ ـ على ما جاء في القرآن ـ لا يخولهما سوى سلطة محدودة ومشروطة ، ذلك أنّ هذه السّلطة لا تتوقف فقط عند ما يطلبان منا أن نخون

__________________

(١) انظر ، البخاري : ٦ / ٢٤٦٣ ح ٦٣١٨ وص : ٢٤٦٤ ح ٦٣٢٢ ، السّرائر لابن إدريس : ٣ / ٦٦ ، تفسير القرطبي : ١٢ / ٥٠ ، تفسير ابن كثير : ٤ / ٤٥٥ ، المعتبر للعلّامة الحلي : ٢ / ٧١٢ ، مسند أبي عوانة : ٤ / ١٣ ح ٥٨٥٢ ، سنن التّرمذي : ٤ / ١٠٤ ح ١٥٢٦ ، سنن البيهقي الكبرى : ٩ / ٢٣١ ، سنن الدّارمي : ٢ / ٢٤١ ح ٢٣٣٨ ، مسند الشّافعي : ١ / ٣٣٩ ، سنن أبي داود : ٣ / ٢٣٢ ح ٣٢٨٩ ، وقد صدر البخاري الباب بقوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) ، البقرة : ٢٧٠.

(٢) الإسراء : ٢٣ ـ ٢٤.

٢٤٩

الإيمان ، أو نرتكب ظلما أيا كان : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما) (١).

بل إنّ الوضع ينقلب عند ما يرتكبان ظلما ، وحينئذ يجب على الأولاد دعوتهما إلى الواجب ، وبوسعهم أيضا أن يوقفوهما أمام القضاء. ألا ما أعظم ما يشعر به المسلم نحو أبويه من إحترام ، وما أعمق ما يكنه لهما من حبّ ، لا سيما (٢) إذا كانوا على دين واحد ، ولكن حبّه للحقّ ، وإحترامه للعدالة يجب أن يرجح عنده. وعلى حين يحرم قانون نابليون على الابن أن يشهد ضد أبيه ، وأمّه في قضية مدنية ، أو جنائية (٣) ، نجد أنّ القرآن يقول بعكس ذلك : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (٤). وعلينا كذلك أن نطيع ولاة أمورنا (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٥) ، ولكن بشرط أن يكون ما يصدرون من الأمر مشروعا ، فإذا كانت هذه المشروعية موضع نزاع وجب أن نحتكم في خلافنا إلى كتاب الله ،

__________________

(١) العنكبوت : ٨.

(٢) قلنا (لا سيما). ولم نقل (وبخاصة) ، والواقع أنّ القرآن يعلمنا أنّ اختلاف الرّأي الدّيني لا يعفي الأولاد مطلقا من أن يسلكوا مع أبويهم بعدل ، وإحترام ومودة ، وفي آية لقمان : ١٥ ، قال تعالى : (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ،) ولم يرد القرآن بذلك أن يجعل من هذا الواجب الإنساني إمتيازا مقصورا على الأبوين ، فهو يعلمنا بعكس ذلك أنّ النّاس جميعا ، بقطع النّظر عن عقائدهم ، يجب أن يتمتعوا بعدالتّنا وبرنا قال تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ـ الممتحنة : ٨.

(٣) انظر ، ١ ـ Code Napoleon ,livre I ,Tur ١٢.

(٤) النّساء : ١٣٥.

(٥) النّساء : ٥٩ ، وقد تقدم المراد بولاة الأمر.

٢٥٠

وسنة رسوله : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) (١). أللهمّ إلّا إذا كان الأمر مخالفة واضحة للقاعدة ، فإنّه لا يستحق منا إلّا الرّفض الصّريح المجرد. يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما رواه عبد الله بن مسعود رضى الله عنه : «السّمع ، والطّاعة على المرء المسلم فيما أحبّ ، وكره ، ما لم يؤمر بمعصية ، فإن أمر بمعصية فلا سمع ، ولا طاعة» (٢).

ومن الواجب علينا أخيرا الوفاء بالعقود ، والإلتزامات تجاة إخواننا ، والله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ، ويقول الرّسول : «المسلمون عند شروطهم» (٤) ، بيد أنّه : «ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» (٥) ،

__________________

(١) النّساء : ٥٩.

(٢) انظر ، صحيح البخاري : ٤ / ١٥٧٧ ح ٤٠٨٥ ، وصحيح مسلم : ٣ / ١٤٦٩ ح ١٨٣٩ ، السّنن الكبرى : ٤ / ٤٣٤ ح ٧٨٢٩ ، سنن النّسائي : ٧ / ١٦٠ ح ٤٢٠٦ ، فتح الباري : ١٣ / ١٢٣ ح ٦٧٢٥ ، «وروى البخاري عن علي رضي الله عنه ، قال بعث النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سرية ، وأمر عليهم رجلا من الأنصار ، وأمرهم أن يطيعوه فغضب عليهم ، وقال : أليس قد أمر النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن تطيعوني؟ قالوا : بلى ، قال : عزمت عليكم لما جمعتم حطبا ، وأوقدتم نارا ، ثمّ دخلتم فيها ، فجمعوا حطبا فأوقدوا ، فلما هموا بالدخول فقام ينظر بعضهم إلى بعض. قال بعضهم : إنّما تبعنا النّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فرارا من النّار ، أفندخلها ، فبينما هم كذلك ، إذ خمدت النّار ، وسكن غضبه ، فذكروا ذلك للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : «لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا ، إنّما الطّاعة في المعروف». «المعرب». انظر ، صحيح البخاري : ٦ / ٢٦١٢ ح ٦٧٢٦ وص : ٢٦٤٩ ح ٦٨٣٠ ، سنن البيهقي الكبرى : ٨ / ١٥٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ٤٠ ح ٢٦٢٥ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٥٤٣ ح ٣٣٧٠٦ ، مسند أحمد : ١ / ١٢٤ ح ١٠١٨ ، مسند أبي يعلى : ١ / ٣٠٩ ح ٣٧٨ ، فيض القدير : ١ / ٥١٣.

(٣) المائدة : ١.

(٤) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٧٩٤ ح ٢١٥٣ وص : ٩٨١ ح ٢٥٨٣ و : ٣ / ٥٢ ، مستدرك الحاكم : ٢ / ٥٧ ح ٢٣٠٩ ، سنن التّرمذي : ٣ / ٦٣٤ ح ١٣٥٢ ، الخلاف : ٢ / ١١٥ ، مجمع الزّوائد : ٤ / ٢٠٥ ، السّنن ـ

٢٥١

«الصّلح جائز بين المسلمين ، إلّا صلحا حرّم حلالا ، أو أحلّ حراما» (٦).

فمن حيث المبدأ ، ليس يوجد ، ولا يمكن أن يوجد ، في الأخلاق الإسلامية ، تصادم بين واجب المواطن الصّالح ، وواجب المسلم الصّالح ، فكلا الأمرين يتبع نفس القانون ، الّذي يأتي من مصدر تشريعي واحد ، بيد أنّه من المحتمل أن نواجه بعض المطالب الجامحة من الرّؤساء ، والّتي قد تخلق هذا التّصادم ، ومع ذلك فالقاعدة جدا بسيطة ، لخصها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كلمة صارت مثلا : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (٧).

__________________

ـ الكبرى : ٦ / ٧٩. الكافي : ٥ / ٤٠٤ ، من لا يحضره الفقيه : ٣ / ١٢٨ ، التّهذيب : ٧ / ٣٧١ ح ١٥٠٣ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٥٦٨ ، الاستبصار : ٣ / ٢٣٢ ح ٨٣٥ ، المغني : ٤ / ٣٥٤.

(٥) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٩٠٤ ح ٢٤٢٤ ، المحاسن للبرقي : ١ / ٢٢١ ح ١٢٩ ، تفسير القرطبي : ٦ / ٣٣ ، سنن البيهقي الكبرى : ٧ / ١٣٢ ح ١٣٥٣٣ ، السّنن الكبرى : ٣ / ١٩٤ ح ٥٠١٥ وص : ٣٦٥ ح ٥٦٤٤ ، عون المعبود : ١٠ / ٣١٣ ، سنن النّسائي : ٦ / ١٦٤ ح ٣٤٥١ ، تفسير العياشي : ١ / ٩ ح ٥ ، مسند إسحاق بن راهويه : ٢ / ٢٤٥ ، سبل السّلام : ٣ / ٦٤ ، المحلى : ٩ / ٢٤٣ ح ١٦٩٥ ، السرائر : ٢ / ٥٩٠ ، مختلف الشّيعة : ٥ / ٢٩٩.

(٦) انظر ، سنن التّرمذي : ٣ / ٦٣٤ ح ١٣٥٢ ، الهداية للشيخ الصدوق : ٢٨٦ ، صحيح ابن حبان : ١١ / ٤٨٨ ح ٥٠٩١ ، موارد الظّمآن : ١ / ٢٩١ ح ١١٩٩ ، سنن البيهقي الكبرى : ٦ / ٦٥ ح ١١١٣٤ ، سنن الدّار قطني : ٤ / ٢٠٧ ح ١٦ ، سنن أبي داود : ٣ / ٣٠٤ ح ٣٥٩٤ ، سنن ابن ماجه : ٢ / ٧٨٨ ح ٢٣٥٣ ، بحار الأنوار : ١٠٣ / ١٧٨ ح ١ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٢ / ٤١٨ ح ٣٨٥٦ ، كتاب الأمّ : ٣ / ٢٢١ ، بداية المجتهد : ٢ / ٢٢١ ، الوسائل : ١٨ / ٤٤٣.

(٧) انظر ، مسند أحمد : ٥ / ٦٦ عن عمران بن حصين ، المبسوط للطوسي : ٧ / ٤١ ، وسائل الشّيعة : ١١ / ٤٢٢ ح ٧ ، مسند زيد بن عليّ : ٥٠١ ، المهذب : ٢ / ٤٦٧ ، تفسير القرطبي : ٥ / ٢٦٠ ، مجمع الزّوائد : ٩ / ١٨٧ ، المصنّف لابن أبي شيبة : ٦ / ٥٤٥ ، مسند الشّهاب : ٢ / ٥٥ / ٨٧٢ ، شرائع الإسلام : ٣ / ٧٢٣ ، الفردوس بمأثور الخطاب : ٢ / ٣٦٩ ح ٣٦٤٧ ، كشف الخفاء : ٢ / ٤٩١ ح ٣٠٧٥ ، مجمع الفائدة : ٧ / ٤٤٢ ، المعتبر : ٢ / ٧٦١.

٢٥٢

ولنفترض الآن أنّ هذه الأوامر على تنوعها متوافقة ، وأنّ الواجب الّذي نفرضه نحن ، أو تفرضه سلطة إنسانية ، مطابق للقاعدة القرآنية ـ حينئذ سوف تتعلق حالتنا بالمجالات الثّلاثة للمسئولية : أي أننا سنكون مسئولين أخلاقيا ، وإجتماعيا ، ودينيا. فهل معنى ذلك أنّ هذه الدّرجات الثّلاثة في الحكم تندمج معا ، أو تتوافق تماما؟ .. كلا ، فكلّ نوع من المسئولية سوف يحتفظ دائما بصفاته وشروطه الخاصة. ولن يكون تمايزها فقط من حيث إنّ المسئولية الأخلاقية تمارس على الفور ، وبطريقة ثابتة ، على حين أنّ المسئولية الإجتماعية لا تقوم بوظيفتها إلّا خلال آجال تتفاوت طولا ، وقصرا ، والمسئولية الدّينية لا تظهر واضحة إلّا يوم الدّين ، كذلك لن يكون هذا الّتمايز فقط من حيث إنّ الجزاء الأخلاقي يتم بخاصة داخلنا ، والجزاء الإجتماعي يلمس مباشرة أجسامنا ، وأموالنا ، وحقوقنا المدنية ، وهو لا يؤثر في شخصنا إلّا بواسطة هذه الأحداث الخارجية ، على حين أنّ الجزاء الإلهي يلمس النّفس ، والجسم معا ، بعقوبة رهيبة ، أو بجزاء حسن في حياة خالدة .. ليس هذا كلّه فحسب ، ولكن ما هو أكثر من ذلك ، أنّ الشّروط الّتي تستقر فيها من ـ ناحية ـ مسئوليتنا الأخلاقية والدّينية ، ومن ناحية أخرى ـ مسئوليتنا الإجتماعية ، ليس لها نفس الأمتداد في التّشريع الإسلامي.

ونبدأ ببحث شروط المسئولية الأخلاقية ، والدّينية الّتي استفاضت بها نصوص القرآن ، بيد أننا ينبغي أن نؤكد أوّلا على طابع الشّمول في مبدأ المسئولية ، الّذي بسطه الكتاب على جميع المخلوقات العاقلة ، دون تفرقة بين عقل إنساني ، وعقل فوق ـ إنساني ، بل دون أدنى تفرقة بين عامة النّاس ،

٢٥٣

والصّالحين منهم ، ولنستمع إلى قوله الله تبارك وتعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) (١) ، وقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢) ، وقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٣) ، ولا ريب أنّ المقصود في هذه النّصوص هو المسئولية أمام الله ، في يوم الفصل الأخير.

ولكن لننظر في الآيات الآتية المكان الّذي خصّ به القرآن المسئولية الأخلاقية ، وكيف أنّه ، حتّى في هذه اللحظة الحاسمة ، يقدم محكمة الضّمير ، كيما يعد الحكم الأعلى ، ويسوغه ، يقول الله سبحانه : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (٤) ، ويقول : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) (٥) ، وقال تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) (٦). هذه الشّمولية من ناحية الفرد تتضاعف من ناحية أخرى ، ناحية الموضوع ، ففي تلك اللحظة ، سوف تحضر جميع الأعمال الّتي حدثت ، في الحياة الدّنيا ، في أذهان أصحابها : (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً* وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونا كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً وَوُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا

__________________

(١) مريم : ٩٣.

(٢) الحجر : ٩٢ ـ ٩٣.

(٣) الأعراف : ٦.

(٤) الإسراء : ١٤ ـ ١٥.

(٥) التّكوير : ١٤.

(٦) الإنفطار : ٥.

٢٥٤

ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً) (١).

بل إنّ الحساب لن يطلب عن جميع الأعمال الظّاهرة ، والخفية فحسب ، حيث قال تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (٢) ، وإنّما سوف يقدم حساب عن مجموع إستخدامنا لملكاتنا وقدراتنا ، وكلّ مال طبيعي ، موروث ، أو مكتسب : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (٣) ، وقال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٤) ، والنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعطينا فكرة عن هذه المسألة فيقول : «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتّى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن عمله فيم عمل؟ ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ ، وعن جسمه فيم أبلاه؟» (٥).

ولو أردنا أن نصوغ قولة تلخص هذه الصّفة الشّمولية في جانبيها ، فلن نجد

__________________

(١) الكهف : ٤٧ ـ ٤٩.

(٢) البقرة : ٢٨٤.

(٣) الإسراء : ٣٦.

(٤) التّكاثر : ٨.

(٥) انظر ، صحيح التّرمذي : ٤ / ٦١٢ ح ٢٤١٧ ، سنن الدّارمي : ١ / ١٤٤ ح ٥٣٧ و ٥٣٩ ، المصنف لابن أبي شيبة : ٧ / ١٢٥ ح ٣٤٦٨٤ ، المعجم الأوسط : ٧ / ٣٠٧ ح ٧٥٧٦ ، المعجم الصّغير : ٢ / ٤٩ ح ٧٦٠ ، مسند أبي يعلى : ١٣ / ٤٢٨ ح ٧٤٣٤ ، المعجم الكبير : ١٠ / ٨ ح ٩٧٧٢ ، تهذيب الكمال : ١٠ / ٥١٧ ، وورد الحديث هكذا : «والّذي نفسي بيده لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأله الله تعالى عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله ممّا أكتسبه ، وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت» ، أنظر ، مجمع الزّوائد : ١٠ / ٣٤٦ ، المعجم الكبير : ١١ / ١٠٢ ح ١١١٧٧ ، المعجم الأوسط : ٩ / ١٥٦ ح ٩٤٠٦ ، بشارة المصطفى : ٢٥٢ ، تفسير نور الثّقلين : ٤ / ٤٠٢.

٢٥٥

خيرا من تلك الكلمة المعروفة الّتي شبه فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كلّ فرد من بعض وجوهه بالحارس ، أو المدير المسئول عن خير العاملين معه : «كلّكم راع ، وكلّكم مسئول عن رعيته ، الإمام راع ومسئول عن رعيته ، والرّجل راع في أهله ومسئول عن رعيته ، والمرأة في بيت زوجها راعية ومسئولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته» (١) فكلّ فرد في مجاله مسئول عن حسن سير الأمور ، العامّة ، والخاصة ، الّتي وكلّت إليه.

بيد أنّه إذا كانت المسؤولية الأخلاقية شاملة ، فهي مع ذلك ، ليست خالية من الشّروط ، فما تكون إذن شروطها؟ .. يقدم القرآن هذه الشّروط بتفاصيلها ، وهي الّتي سوف نخصص لها الفقرة التّالية :

٢ ـ شروط المسئولية الأخلاقية والدّينية :

أ ـ الطّابع الشّخصي للمسئولية.

أوّل ما يجب ذكره هو أنّ المسئولية الأخلاقية ، والدّينية شخصية محضة. ولسوف يكون من باب الإطالة أن نذكر جميع النّصوص القرآنية الّتي تقر هذا المبدأ الأساسي ، ولذا نجتزىء بعضها ، وهي الّتي تنص على هذه الحقيقة في ألفاظ تامة الوضوح ، قوله تعالى في آيات :

منها : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) (٢).

__________________

(١) انظر ، صحيح البخاري : ٢ / ٨٤٨ ح ٢٢٧٨ وص : ٩٠١ ح ٢٤١٦ وص : ٩٠٢ ح ٢٤١٩ و : ٣ / ١٠١٠ ح ٢٦٠٠ و : ٥ / ١٩٨٨ ح ٤٨٩٢ وص : ١٩٩٦ ح ٤٩٠٤ و : ٦ / ٢٦١١ ح ٦٧١٩ ، صحيح ابن حبان : ١٠ / ٣٤٢ ح ٤٤٨٩ ، سنن التّرمذي : ٤ / ٢٠٨ ح ١٧٠٥ ، مجمع الزّوائد : ٥ / ٢٠٧ ، منية المريد للشهيد الثّاني : ٣٨١ ، بحار الأنوار : ٧٢ / ٣٨ ، تفسير القرطبي : ٥ / ٢٥٨ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٤٥٩ ح ١٨٢٩.

(٢) البقرة : ٢٨٦.

٢٥٦

ومنها : (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ) (١).

ومنها : (مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢)

ومنها : (لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) (٣).

ومنها : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) (٤).

ومنها : (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) (٥).

ومنها : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٦).

وينتج من هذا كلّه ، بوضوح ، أنّ الثّواب ، والعقاب لا يمكن أن يتأتي فيهما أي تحويل ، أو أمتداد ، أو أشتراك ، أو إلتباس ، حتّى بين الآباء ، والأبناء ؛ وإذا كان آباؤنا ، وأجدادنا مسئولين مثلا عن الأمثلة الّتي لقنوها لنا ، والعادات الّتي أخذناها عنهم. وإذا كنّا مسئولين عن الطّريقة الّتي أستعملنا بها هذه التّركة ، فلا يجب مطلقا أن نتحمل معهم وزر ما عملوا : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧).

وهكذا محيت بجرة قلم صعوبة الخطيئة الأصلية. فالقرآن لم يرفض فقط أن

__________________

(١) النّساء : ١١١.

(٢) الإسراء : ١٥.

(٣) لقمان : ٣٣.

(٤) غافر : ١٧.

(٥) الأحقاف : ١٩.

(٦) النّجم : ٣٩.

(٧) البقرة : ١٣٤ و ١٤١.

٢٥٧

تنسحب خطيئة الإنسان الأوّل على كلّ النّاس ، ولكن هذه الخطيئة ـ في القرآن ـ لا ترتدي هذه الصّفة الدّنيوية ، الّتي تخصها بها الدّيانة المسيحية. فإنّ آدم لم يناقد للخطيئة لخبث في طبيعته ، أو سوء في إرادته. وليس يكفي أيضا أن يقال : إنّه إنقاد لإغراء قوي ، بل يجب أن نضيف ـ تبعا للقرآن ـ أنّ هذا الإغراء لم يكن في جوهره ذا طابع مادي ، فإنّ جدّنا الأوّل قد خدعته كلمات عدو أقسم له ، تأكيدا لكلامه (١). وزعم أنّه ينصحه ، فإعتقد بسذاجته أنّه حين يأكلّ الفاكهة المحرمة فربما يصبح نقيا كنقاء الملائكة ، خالدا كخلود الإله : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ) (٢) ، (وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٣) ، ويا لها من غلطة نبيلة!! .. فمن ذا يطيق ألا

__________________

(١) مما يجدر ذكره أنّ عقيدتنا بالنبيّ ، والإمام عليهما‌السلام أن يكونا معصومين بمعنى : أنّ النّبيّ منزه عن كبائر الذنوب وصغائرها ، وعن الخطأ ، والنّسيان ، بل عما ينافي المروءة ، وعن كلّ عمل يستهجن عرفا.

ولو انتفت العصمة عنهما ـ والعياذ بالله ـ : لاحتملنا الخطأ ، والنّسيان ، وحينئذ لا تكون أقواله ، ولا أفعاله حجّة علينا ، ولا نكون ملزمين باتباعها ، وفي ذلك انتقاض الغرض. وقد أجمع الإمامية على القول بالعصمة ، وتنزيه الأنبياء عليهم‌السلام ، من الخطأ ، والنّسيان ، وما يتوهم خلاف ذلك من بعض الأخبار فهي مؤلة ، فمثلا إنّ آدم وحواء عليهما‌السلام لم يشاهدا من قبل ذلك من يحلف لهما بالله كاذبا هذا أوّلا.

وثانيا : كان ذلك من قبل آدم عليه‌السلام قبل النّبوة ، ولم يكن ذلك بذنب كبير ، وأنّما من الصّغائر الموهوبة ـ لعل الإمام الرّضا عليه‌السلام أراد «بالصغائر الموهوبة» : ترك المندوب ـ الّتي تجوز على الأنبياء قبل نزول الوحي ، فلما أجتباه الله تعالى ، وجعله نبيا كان معصوما لا بذنب صغيرة ، ولا كبيرة. (بتصرف). انظر ، كتاب الإحتجاج : ٢ / ٢١٦ ، عيون أخبار الرّضا : ٢ / ١٧٦ ، تفسير الميزان : ١ / ١٤٥ ، بحار الأنوار : ١١ / ٧٨ ، مسند الإمام الرّضا : ٢ / ١٢٥ ، التّفسير الصّافي : ١ / ١٢٢ ، تفسير نور الثّقلين : ٢ / ١١ ، تفسير كنز الدّقائق : ٢ / ٦٤ ، قصص الأنبياء للجزائري : ١٧ ، حياة الإمام الرّضا للقرشي : ١ / ١٥٧.

(٢) الأعراف : ٢١.

(٣) الأعراف : ٢٠.

٢٥٨

يبالي بمثل هذا إذا كان ملتزما بأوامر الضّمير؟ .. ولكنه الوهم الكاذب الّذي زينه لعينيه ذلك النّاصح المنافق. وعلى الرّغم من أنّه كان منذ البداية محصنا ضد المكائد المحتملة من عدوه ، فقد نسي (١) الإنسان الأوّل ، وجاءت اللحظة الّتي لم يجد لنفسه فيها إرادة صامدة : (وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٢).

ومع ذلك فهذا النّسيان لا يعتبر بالنسبة إليه عذرا مقبولا ، كما أنّ النّيّة الطّيبة لا تشفع له كذلك ، لأنّ النّسيان لم يكن للأمر في ذاته ، بل للهدف منه. وأيا ما كانت الدّوافع النّبيلة وراء المخالفة ، فإنّها لا يمكن أن تعرينا من إلتزام مطلق واضح المعالم ، والحدود. وفي هذا النّوع من الأمر الحتمي تظهر بوضوح متانة الصّرامة «الكانتية» ، الّتي لا تسمح بأي إستثناء يرد على القاعدة الأخلاقية.

فخطيئة آدم كانت إذن أثرا من آثار ضعف عارض ، وجهد قاصر في مراعاة الواجب. ومن هنا لم تفسد فطرة الإنسان الأوّل ، بحيث تستلزم تدخّل «مخلّص» غيره نفسه ، إذ كان يكفيه أن يعترف بخطيئته ، ويظهر ندمه ، لا ليغسل دنسه ، وتعود إليه سريرته النّقية ، كما كانت فحسب ، ولكن ليربى هذا التّائب الجديد ،

__________________

(١) المقصود بالنسيان هنا : التّرك لما أمر به لا سيما بعد أن قاسمهما الشّيطان ؛ لأنّ النّسيان غير مجوز على الأنبياء ، بالإضافة إلى أنّ النّهي الوارد في الآية هو نهي إرشادي ، وليس بتحريمي. (بتصرف) انظر ، الكافي : ١ / ٤١٦ و : ٢ / ٨ ، كمال الدّين وتمام النّعمة : ٢١٣ ، شرح اصول الكافي : ٧ / ٦٣ و : ١٢ / ٥٧ ، التّبيان للشيخ الطّوسي : ٧ / ٢١٣ ، تفسير مجمع البيان : ٧ / ٦٠ ، التّفسير الصّافي : ٣ / ٣٢٤ ، تفسير الميزان : ١٤ / ٢١٩.

(٢) طه : ١١٥.

٢٥٩

ويرفع إلى درجة المصطفين الأخيار ، (ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى) (١).

والفطرة الإنسانية ليست على خلاف ذلك ، بصفة عامة ، حتّى إنّ القرآن يصفها فيقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٢).

وإنّ القرآن ليصور لنا أخذ البريء بالمذنب ، لا على أنّه مضاد للشريعة فحسب ، بل هو كذلك غير متوافق مع الفكرة الأساسية للعدالة الإنسانية : (قالَ مَعاذَ اللهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ) (٣). ومع ذلك فإنّ في الكتاب حالتين يبدو أنّهما قد خرجتا على مبدأ المسئولية الفردية ، فقد قيل ـ من جانب ـ عن بعض المذنبين : إنّهم : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) (٤).

وقيل من جانب آخر : إنّ ذريّات المؤمنين سوف يعاملون كما يعامل أجدادهم ، بشرط أن يكونوا مؤمنين ، وذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) (٥). وإذن فلن يكون الثّواب والعقاب تبعا للجهد الفردي فحسب ، بل قد ينشأ كذلك من عمل الآخرين. ولا شك أنّ هذين المثالين جديران في نظرنا بالدراسة ، حتّى نرى إلى أي مدى يمكن أن يضعفا أو يدعما المبدأ العام.

وأوّل ما نبدأ به أن نزيح فكرة معينة ، هى أنّه ليست المسألة هنا مسألة تحويل

__________________

(١) طه : ١٢٢.

(٢) التّين : ٤ ـ ٦.

(٣) يوسف : ٧٩.

(٤) العنكبوت : ١٣.

(٥) الطّور : ٢١.

٢٦٠