القصص القرآني

السيد محمد باقر الحكيم

القصص القرآني

المؤلف:

السيد محمد باقر الحكيم


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المركز العالمي للعلوم الإسلاميّة
المطبعة: ليلى
الطبعة: ٢
ISBN: 964-8686-13-0
الصفحات: ٣٦٠

القصّة القرآنية والهدف العام من نزول القرآن :

يمتاز القصص القرآني عن غيره من القصص في نقطة مركزية ، هي : قضية الهدف والغرض الذي جاء من أجله القصص في القرآن ، وتنعكس هذه النقطة ـ كما سوف نتبين ـ على خصائص وميزات اخرى.

فالقرآن لم يتناول القصّة باعتبار أنّها عمل (فني) مستقل في موضوعه وطريقة التعبير فيها.

كما أنّه لم يأت بها من أجل الحديث عن أخبار الماضين وتسجيل حياتهم وشئونهم ، أو من أجل التسلية والمتعة كما يفعل المؤرخون أو القصّاصون ، وإنّما كان الغرض من القصّة في القرآن الكريم هو : المساهمة مع جملة الأساليب العديدة الاخرى التي استخدمها القرآن الكريم ؛ لتحقيق أهدافه وأغراضه الدينية التي جاء من أجلها ، وكانت القصّة القرآنية من أهمّ هذه الأساليب.

فالقرآن الكريم ـ كما ذكرنا في بحثنا عن (الهدف من نزول القرآن) ـ يمثّل رسالة دينية تهدف ـ قبل كلّ شيء ـ إلى إيجاد عملية التغيير بأبعادها المختلفة ، والتي لخصناها بالامور التالية :

١ ـ إيجاد التغيير الاجتماعي الجذري.

٢١

٢ ـ بيان المنهج الصحيح للحياة الإنسانية الذي يتمّ على أساسه هذا التغيير ، والذي يعبّر عنه القرآن الكريم ب (الصراط المستقيم).

٣ ـ خلق القاعدة الثورية القادرة على تحمّل المسئولية (١).

وقد كان لهذا الهدف آثار ونتائج متعدّدة انسحبت على أساليب ومناهج القرآن ، يمكن أن نلاحظها في القضايا والظواهر القرآنية التالية :

١ ـ طريقة نزول القرآن التدريجي.

٢ ـ طريقة عرض الأفكار والأحكام والقضايا والمفاهيم المختلفة.

٣ ـ ربط نزول القرآن بالأحداث والوقائع والاسئلة المسماة ب (أسباب النزول).

٤ ـ ظاهرة نزول القرآن باللغة العربية دون غيرها من اللغات.

٥ ـ ظاهرة اختلاف اسلوب القرآن في عرض الموضوعات في الإطناب والتفصيل ، أو القصر والإيجاز.

٦ ـ ظاهرة اسلوب القرآن في المزج بين الصور والمشاهد المتعدّدة ، وكذلك الموضوعات المختلفة في مقطع واحد.

٧ ـ ظاهرة الاختلاف في الاسلوب والمضمون بين القسم المكي من القرآن والقسم المدني منه.

٨ ـ وجود ظاهرة النسخ ، وظاهرة المحكم والمتشابه ، وظاهرة التخصيص والتقييد.

٩ ـ ظاهرة تناول بعض التفاصيل في الأحكام الشرعية.

__________________

(١) الهدف من نزول القرآن : ٢١ ـ ٣٢.

٢٢

١٠ ـ ظاهرة طرح بعض القضايا ذات الطابع الشخصي في حياة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقد نتج عن ذلك نشوء كثير من الدراسات القرآنية ، مثل : دراسة الناسخ والمنسوخ ، والمحكم والمتشابه ، والمكّي والمدنيّ ، أسباب النزول ، أو غير ذلك من الدراسات الفنية ذات العلاقة باسلوب القرآن.

وقد تأثرت القصّة في القرآن ـ أيضا ـ بهذا الهدف العام من نزول القرآن كما سوف نتبين ، ولذا لا بدّ لنا حين نريد أن ندرس القصّة القرآنية ، ونتعرّف على مزاياها وخصائصها الرئيسة أن نضع أمامنا هذا الهدف القرآني العام ؛ لنتعرّف من خلاله على الاسلوب الذي اتّبعه القرآن ، والمضمون الذي تناوله في عرضه القصّة القرآنية مساهمة منه في تحقيق هذا الهدف.

الخصائص الأساسية للقصّة في القرآن :

وانطلاقا من هذه الفكرة وهذا الأساس يمكن أن نحدّد الفرق بين القصص القرآني وغيره من القصص ببعض النقاط التي تشكل الميزات والخصائص والصفات الرئيسة للقصص القرآني ، ويمكن أن نجد هذه الخصائص قد اشير إليها في القرآن الكريم في قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)(١).

حيث يمكن أن نفهم من هذه الآية اتّصاف القصص القرآني بالصفات التالية :

__________________

(١) يوسف : ١١١.

٢٣

الواقعية ، والصدق ، والحكمة ، والأخلاقية ، كما سوف نشير إلى ذلك إن شاء الله.

أ ـ الواقعية ، بمعنى ذكر الأحداث والقضايا والصور في القصص القرآني التي لها علاقة بواقع الحياة الإنسانية ومتطلباتها المعاشة في مسيرة التاريخ الإنساني ، مقابل أن تكون القصّة إثارة وتعبيرا عن الصور ، أو الخيالات ، أو الأماني ، أو الرغبات التي يطمح إليها الإنسان ، أو يتمناها في حياته ؛ ذلك لأنّ القرآن الكريم يريد من ذكر القصّة وأحداثها إعادة قراءة التأريخ الإنساني والقضايا الواقعية السالفة ، الذي عاشته الامم والرسالات الإلهيّة السابقة ، ومتابعة هذه القراءة في الحاضر المعاش من قبل الإنسان للاستفادة منها والاعتبار بها في حياته وحركته ومواقفه وتطلعاته نحو المستقبل والكمالات الإلهيّة.

فاذا انفصلت القصّة عن هذا الواقع فلا يمكن للإنسان أن يستفيد منها للحاضر والمستقبل ؛ لأنّها تصبح مجرد صور وفرضيات قد تنسجم مع واقعه الفعلي ، وربّما لا تنسجم ، ولذا ربّما لا يشعر بها ، ولا يصدّق بها نفسيا وروحيا.

والإنسان ـ في مسيرته التكاملية ـ بحاجة إلى أن ينطلق من (الواقع) نحو الطموحات والكمالات ، وبدون ذلك سوف ينفصل هذا الإنسان عن واقعه ، فيضيع في متاهات الآمال والتمنيات ، وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه الحالة في الإنسان عند ما تحدّث عن اليهود من أهل الكتاب بقوله تعالى : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ)(١).

وعندئذ لا يصل الإنسان إلى أهدافه في النهاية ؛ لأنّ من لا ينطلق من البداية

__________________

(١) البقرة : ٧٨.

٢٤

فلا يبلغ النهاية.

ومن هنا نجد القرآن الكريم يحاول أن يعالج من خلال القصّة الواقع الذي كان يعيشه المسلمون في زمن النبي ، فيذكر ما يتطابق من الأحداث مع هذا الواقع من ناحية ، كما يعالج الواقع الذي تعيشه الأجيال والعصور الإنسانية المستقبلية من ناحية اخرى.

وهذا هو الذي يفسّر لنا ما ورد عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام من قولهم : «إنّ القرآن يجري مجرى الشمس والقمر» و «إنّه حي لا يموت» ، فإنّ انطباق هذا الكلام على القصص والأحداث ذات العلاقة بالأنبياء وأقوالهم أو بالتاريخ الماضي إنّما هو بلحاظ هذا البعد والصفة في القصّة القرآنية.

ولعل قوله تعالى في الآية السابقة من سورة يوسف : (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ...) إشارة إلى هذه الصفة في القصص القرآني.

ب ـ الصدق في ذكر الأحداث والوقائع التاريخية التي تعرّض لها الأنبياء وأقوامهم في حياتهم ، وذلك في مقابل (الأكاذيب) الباطلة و (الانحرافات) في الفهم والسلوك ، أو (الخرافات) التي اقترنت بقصص الأنبياء في كتب العهدين المعروفين بسبب ما تعرضا له من ضياع وتحريف للحقائق عن قصد أو بدون قصد أو اشتباه أو جهل.

فما ورد في القرآن من أخبار وحوادث هي امور وحقائق ثابتة ليس فيها كذب أو خطأ أو اشتباه ، كما حصل في كتب العهدين ؛ لأنّ القرآن وحيّ إلهيّ ، والله لا يعزب عن علمه ذرة في السماء والأرض ، ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، والحاضر والماضي والمستقبل عنده سواء. ويؤكد هذه الحقيقة ما ورد في الآية السابقة من قوله تعالى : (... ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى ....)

٢٥

والفرق بين هذه الصفة والصفة الاولى لا بدّ أن يكون واضحا ؛ لأنّه يراد من الصفة الاولى (الواقعية) ما يكون جاريا في حياة الناس المعاشة ، والواقع المناسب لحياة الناس قد يكون صدقا جرى في حياة الناس ، وقد يكون كذبا لم يحدث ولم يحصل في حياتهم ، وأمّا هذه الصفة فيراد منها (الصدق) الذي قد حدث وحصل في الخارج.

وتفتح هاتان الصفتان والميزتان أمامنا باب البحث والمقارنة بين القصص القرآني وقصص العهدين ، سواء فيما يتعلق بالحوادث والحقائق أو فيما يتعلق بالصور والمفاهيم والسلوك ، ومدى انطباقها على واقع الحياة الإنسانية.

كما تفتح الصفة الثانية باب البحث عن موضوع المقارنة التاريخية بين ما ذكره القرآن الكريم من أحداث وما دلت عليه الأبحاث (الآثارية) من معلومات تاريخية.

بعض الباحثين في هذا المجال يحاول أن يتبنّى في الأحداث والوقائع التي يذكرها القرآن الكريم رأيا آخر ؛ لأنّه يحتمل أنّ القرآن الكريم لم يلتزم ويهتم بالتأكد من صدق الحوادث التاريخية التي يستعرضها ويتحدّث عنها ، بل اكتفى بذكر ما هو معروف من هذه الحوادث بين الناس والجماعات وفي الأوساط العامّة التي نزل القرآن فيها ؛ لأنّ هدفه من ذكر هذه الحوادث ليس هو التاريخ ، بل هدفه استخلاص العبرة منها فقط ، وهو أمر يحصل حتى لو لم تكن هذه الحوادث صادقة أو دقيقة (١).

وقد ناقش العلّامة الطباطبائي هذا الرأي بشيء من التفصيل ، فقال

__________________

(١) تفسير المنار ١ : ٣٩٩ ، وكذلك الميزان ٧ : ١٦٥ ـ ١٦٧ نقلا عن بعض الباحثين.

٢٦

ما ملخصه :

«إنّ القرآن الكريم ليس كتابا تاريخيا ولا صحيفة من الصحف القصصيّة التخيلية ، وإنّما هو كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ كما نصّ على ذلك ـ وإنّه لا يقول إلّا الحقّ ، وليس بعد الحقّ إلّا الضلال.

وليس هذا لأنّ مقتضى الإيمان بالله ورسوله أن ينفى عن القرآن اشتماله على الباطل والكذب ، بل لأنّ القرآن كتاب يدّعي لنفسه أنّه كلام إلهي موضوع لهداية الناس إلى حقيقة سعادتهم وإلى الحقّ ، ومن الواجب على من يفسر كتابا هذا شأنه أن يفترضه صادقا في حديثه مقتصرا على ما هو الحقّ الصريح في خبره» (١).

ج ـ التربية على الأخلاق الإنسانية العالية ، في مقابل التركيز على الأحاسيس والانفعالات في شخصية الإنسان ، والتربية على الاهتمام بالغرائز.

وإنّما اتّصفت في القرآن (بالأخلاقية) ؛ لأنّ المسيرة والحركة التكاملية للإنسان ـ سواء على مستوى الفرد أو الجماعة ـ إنّما تقوم على أساس الأخلاق بعد العقيدة بالله تعالى والرسالات واليوم الآخر ، بل إنّ الاتصاف بالأخلاق العالية هو الذي يمثل عنصر التكامل الحقيقي في حركة الإنسان الفردية والجماعية ، ولذا كانت قاعدة المجتمع الإنساني في نظر الإسلام قاعدة أخلاقية ، والسلوك الراقي للإنسان هو السلوك الأخلاقي. وقد ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : «إنّما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق».

لذا جاءت القصّة في القرآن الكريم ذات طابع أخلاقي وللتربية على الإيمان بالله والأخلاق ، مثل الإيمان بالغيب ، أو على التسليم والخضوع لله تعالى والحكمة

__________________

(١) الميزان : ١٦٧ ـ ١٦٨.

٢٧

الإلهية ، أو على الأخلاق الإنسانية العالية ، كالصبر والإخلاص والحبّ لله تعالى والتضحية في سبيله والشجاعة والاستقامة في العمل والقدوة الحسنة.

ولعل هذا هو معنى (الهدى والرحمة) في الآية السابقة من سورة يوسف عليه‌السلام.

د ـ الحكمة ، وكشف الحقائق الكونية ، والسنن التاريخية ، والقوانين والأسباب التي تتحكم أو تؤثر في مسيرة الإنسان ، وعلاقاته الاجتماعية ، والحياة الكونية المحيطة به ؛ لأنّ هذه الحقائق الكونية لها علاقة بمسيرة الإنسان التكاملية ما دام الله ـ تعالى ـ أراد لهذا الإنسان أن يكون مختارا في حياته ومستخدما للعلم والحكمة في مسيرته.

ولذا كان من أهداف (النبوة) تعليم الكتاب والحكمة حتى ينتفع بها الإنسان في مسيرته. وسوف نشير إلى بعض هذه السنن والقوانين والحقائق في بحث أغراض القصّة.

ولكن هنا لا بدّ أن نشير إلى أنّ القرآن الكريم ـ باعتبار هذه الخصوصية ـ يقتصر في ذكر الحوادث التاريخية على ما يكون له علاقة بهذه الصفة وهذا الهدف.

ولعله لهذه الصفة أشارت الآية السابقة من سورة يوسف بقوله تعالى : (... وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ ...) إلى قاعدة (ينفتح من كل باب ألف باب) وعلى وزن قوله تعالى : (... وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ)(١) ما ورد في روايات أهل البيت عليهم‌السلام أنّه جاء في القرآن كلّ شيء.

وهذا بخلاف ما لو كانت القصّة في القرآن الكريم لمجرد التسلية أو لتدوين الحوادث والوقائع التاريخية ، كما هو شأن كتب التاريخ ، فإنّ ذلك قد يتطلب التوسع

__________________

(١) النحل : ٨٩.

٢٨

بذكر الحوادث والتفاصيل خصوصا المثيرة والمسلية.

وقد حاول الشيخ محمد عبده أن يضيف سببا آخر يفسر فيه عدم تعرض القرآن الكريم لذكر التفاصيل في القصص القرآني ؛ وهو : «أنّ تسجيل الحوادث التاريخية بتفاصيلها يؤدّي في النهاية إلى الوقوع في الأخطاء الكثيرة ، وهذا ما تجنبه القرآن ، ولذا اقتصر على ذكر الكليات والعموميات» (١) ولكن هذه المحاولة غير صحيحة ؛ لسببين :

الأوّل : أنّ القرآن الكريم هو وحي إلهيّ ولا يمكن أن نتصوّر فيه الخطأ والاشتباه سواء تناول الجزئيات أو الكليات.

الثاني : أنّ القرآن الكريم تناول ـ أحيانا ـ بعض التفاصيل الصغيرة في قصص الأنبياء لأغراض معينة ، مثل : تأكيد عدم صلب المسيح وكيفية ولادته ، أو تفاصيل الحياة الشخصية لموسى في ولادته وتربيته ، وخروجه من مصر ، وهجرته ورجوعه.

يقول العلّامة الطباطبائي في تأكيد هذا الجانب من النظرية والفهم :

«والقرآن الكريم كتاب دعوة وهداية لا يتخطى عن صراطه ولو خطوة ، وليس كتاب تاريخ ولا قصّة ، وليست مهمته مهمة الدراسة التاريخية ، ولا مسلكه مسلك الفن القصصي ، وليس فيه هوى ذكر الأنساب ، ولا مقدرات الزمان والمكان ، ولا مشخصات أخر لا غنى للدرس التاريخي والقصّة التخيلية عن إحصائها وتمثيلها» (٢).

__________________

(١) المنار ٢ : ٤٧٠.

(٢) الميزان ٧ : ١٦٧.

٢٩

هذا كلّه في ميزات القصّة من حيث مضمونها.

وأمّا الحديث عن الاسلوب فسوف نتناوله في دراسة ظواهر عامّة في القصّة القرآنية.

٣٠

الفصل الثاني

أغراض القصّة في القرآن الكريم

الأغراض الرسالية.

الأغراض التربوية.

الأغراض الاجتماعية والتاريخية.

٣١
٣٢

لقد جاءت القصّة في القرآن الكريم لتساهم في عملية التغيير الإنساني بجوانبها المتعدّدة ، فما هي الأغراض ذات الأثر الرسالي التي استهدفتها القصّة القرآنية؟

وبهذا الصدد نجد القصّة القرآنية تكاد تستوعب في مضمونها وهدفها جميع الأغراض الرئيسة التي جاء من أجلها القرآن الكريم ، ونظرا لكثرة هذه الأغراض وتشعبها نجد من المستحسن أن نقتصر في عرضنا لأغراض القصّة في القرآن على الأغراض القرآنية المهمة ؛ لنتعرّف من ذلك على أهمية ذكر القصّة في القرآن الكريم والفوائد التي تترتب عليها. وتنقسم هذه الأغراض إلى أقسام ثلاثة (١) :

الأوّل ـ الأغراض الرسالية :

أ ـ إثبات الوحي والرسالة ، وأنّ ما جاء به القرآن الكريم لم يكن من عند

__________________

(١) راجع في بحث أغراض القصّة ما كتبه سيد قطب في كتابه التصوير الفني في القرآن : ١٢٠ ـ ١٤١ ، وما سجّله السيد رشيد رضا في مواضع مختلفة في كتابه : تفسير المنار.

٣٣

محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّما هو وحي أوحاه الله ـ تعالى ـ إليه وأنزله هداية للبشرية.

وقد أشرنا إلى هذا الهدف القرآني من القصّة عند بحثنا عن إعجاز القرآن الكريم ، حيث عرفنا : أنّ حديث النبي محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أخبار الامم السالفة وأنبيائهم ورسلهم بهذه الدقة والتفصيل والثقة والطمأنينة ـ مع ملاحظة ظروفه الثقافية والاجتماعية ـ يكشف عن حقيقة ثابتة ، وهي : تلقّيه هذه الأنباء والأخبار من مصدر غيبي مطّلع على الأسرار ، وما خفي من بواطن الامور ، وهذا المصدر هو : الله سبحانه وتعالى.

وقد نصّ القرآن الكريم على أنّ من أهداف القصّة هو هذا الغرض السامي ، وذلك في مقدّمة بعض القصص القرآنية أو ذيلها.

فقد جاء في سورة يوسف : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ)(١).

كما أشار إلى ذلك في نهاية القصّة من نفس السورة : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ)(٢).

وجاء في سورة القصص بعد عرضه لقصة موسى : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ* وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ* وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(٣).

__________________

(١) يوسف : ٣.

(٢) يوسف : ١٠٢.

(٣) القصص : ٤٤ ـ ٤٦.

٣٤

وجاء في سورة آل عمران في مبدأ قصّة مريم : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ)(١).

وجاء في سورة (ص) قبل عرضه لقصّة آدم : (قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ* أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ* ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ* إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)(٢).

وجاء في سورة هود بعد قصّة نوح : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)(٣).

فكلّ هذه الآيات الكريمة وغيرها تشير إلى أنّ القصّة إنّما جاءت في القرآن تأكيدا لفكرة الوحي التي هي الفكرة الأساس في الشريعة الإسلامية.

ب ـ وحدة الدين والعقيدة لجميع الأنبياء ، وأنّ الدين كلّه من الله سبحانه ، وأنّ الأساس للدين الذي جاء به الأنبياء المتعددون ، هو أساس واحد لا يختلف بين نبي وآخر ، فالدين واحد ، ومصدر الدين واحد أيضا ، وجميع الأنبياء امّة واحدة تعبد هذا الإله الواحد وتدعو إليه.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في عدّة مواضع :

(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(٤).

__________________

(١) آل عمران : ٤٤.

(٢) سورة ص : ٦٧ ـ ٧٠.

(٣) هود : ٤٩.

(٤) النحل : ٣٦.

٣٥

وقوله تعالى : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ)(١).

وقوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ ...)(٢).

وقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(٣).

وهذا الغرض يهدف فيما يهدف إلى :

١ ـ إبراز الصلة الوثيقة بين الإسلام الحنيف وسائر الأديان الإلهيّة الاخرى التي دعا إليها الرسل والأنبياء الآخرون ، وأنّ الإسلام يمثل امتدادا لها ، ولكنّه يحتل منها مركز الخاتمة التي يجب على الإنسانية أن تنتهي إليها ، وبذلك يسدّ الطريق على الزيغ الذي يدعو إلى التمسك بالأديان السابقة ؛ على أساس أنّها حقيقة موحاة من قبل الله تعالى ؛ لأنّ الإسلام يصدقها بذلك ، ولكنّه جاء في نفس الوقت مهيمنا عليها (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ...)(٤).

٢ ـ مضافا إلى ذلك تظهر الدعوة على أنّها ليست بدعا في تأريخ الرسالات ،

__________________

(١) النحل : ٨٩.

(٢) المائدة : ٤٤.

(٣) البيّنة : ٥١.

(٤) المائدة : ٤٨.

٣٦

وإنّما هي وطيدة الصلة بها في أهدافها وأفكارها ومفاهيمها (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ ...)(١) ، بل إنّها تمثل امتدادا لهذه الرسالات الإلهيّة ، وتلك الرسالات تمثل الجذر التاريخي للرسالة الإسلامية ، فهي رسالة (أخلاقية) وتغييريّة ، لها هذا الامتداد في التأريخ الإنساني ، ولها هذا القدر من الأنصار والمضحّين والمؤمنين.

وعلى أساس هذا الغرض تكرر ورود عدد من قصص الأنبياء في سورة واحدة ، ومعروضة بطريقة خاصة ؛ لتؤكد هذا الارتباط الوثيق بينهم في الوحي والدعوة التي تأتي عن طريق هذا الوحي. ولنضرب لذلك مثلا ما جاء في سورة الأنبياء :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ* وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ).

(وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ* إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ* قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) الى قوله :

(وَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ* وَنَجَّيْناهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها لِلْعالَمِينَ* وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ* وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ).

(وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ إِنَّهُمْ

__________________

(١) الاحقاف : ٩ ، راجع ـ أيضا ـ الآيات ٤٣ ـ ٥٠.

٣٧

كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فاسِقِينَ* وَأَدْخَلْناهُ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).

(وَنُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَنَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ).

(وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ* فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ* وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ).

(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ* وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ).

(وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَذِكْرى لِلْعابِدِينَ).

(وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ* وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ).

(وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَنَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).

(وَزَكَرِيَّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ).

٣٨

(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ).

(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)(١).

ويبدو أنّ القرآن الكريم يريد أن يشير إلى الغرض من هذا الاستعراض لقصص الأنبياء بالآية الخاتمة المعبّرة عن هذه الوحدة العميقة الجذور في القدم للامّة المؤمنة بالإله الواحد ... وتأتي بقية الأغراض الاخرى في ثنايا هذا الاستعراض أيضا ، ولا يبعد أن يكون من أهم هذه الأغراض في هذا الاستعراض هو بيان الاشتراك بين الأنبياء في النعم الإلهيّة ، كما هو واضح من السياق والمضمون.

ومثال آخر يوضح وحدة العقيدة الاساسية التي استهدفها الأنبياء في تأريخهم الطويل وفي نضالهم المتواصل ، هذه العقيدة التي تدعو إلى الإيمان بالله سبحانه إلها واحدا لا شريك له في ملكه ، وذلك ما جاء في سورة الاعراف :

(لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ...).

(وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ...).

(وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ...)(٢).

فإنّ الابتداء بقصّة كلّ نبي بهذه الطريقة يؤكد وحدة العقيدة والدين لجميع هؤلاء الأنبياء.

__________________

(١) الأنبياء : ٤٨ ـ ٥٣ و ٧٠ ـ ٩٢.

(٢) الأعراف : ٥٩ و ٦٥ و ٨٥.

٣٩

فالإله واحد ، والعقيدة واحدة ، والأنبياء امّة واحدة ، والدين واحد ، وكلّه لواحد ، هو الله سبحانه ، وإن كان هناك أغراض اخرى قد تترتب على هذا الاستعراض كما سوف نلاحظ.

ج ـ بيان أنّ وسائل الأنبياء وأساليبهم في الدعوة واحدة ، وطريقة مجابهة قومهم لهم واستقبالهم متشابهة ، وأنّ العوامل والأسباب والظواهر التي تواجهها الدعوة واحدة ، وقد أكّد القرآن الكريم في عدة مواضع هذه الحقيقة ، وأشار إلى اشتراك الأنبياء في قضايا كثيرة ، من ذلك قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ...)(١).

وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ)(٢).

وكذلك قوله تعالى : (وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ* وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٣).

ويتحدّث القرآن الكريم ـ أحيانا ـ عن الرسل حديثا عاما ؛ ليؤكد هذه الوحدة بينهم في الوسائل والأساليب ... كما جاء في سورة إبراهيم (... جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ...)(٤).

__________________

(١) آل عمران : ١٤٦.

(٢) الانعام : ١١٢.

(٣) الزخرف : ٦ ـ ٧.

(٤) إبراهيم : ٩.

٤٠