تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ١

آية الله السيد محمد الشيرازي

تقريب القرآن إلى الأذهان - ج ١

المؤلف:

آية الله السيد محمد الشيرازي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٨٠

١
٢

٣

٤

المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي أنزل القرآن وجعله شفاء ورحمة للمؤمنين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيّد الأنبياء والمرسلين ، سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمّد وعلى آله الغرّ الميامين أهل بيت الوحي ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الذكر والتنزيل ، خزّان العلم ، ومنتهى الحلم ، وأصول الكرم ، وقادة الأمم ، وأولياء النعم ، وعناصر الأبرار ، ودعائم الأخيار ، وأبواب الإيمان ، وأمناء الرحمن ، وسلالة النبيّين ، وصفوة المرسلين ، وعترة خيرة ربّ العالمين.

وبعد :

فحيث إنّ الحكمة الإلهيّة اقتضت أن يكون الرسل بشرا يوحى إليهم كانت الحاجة إلى آيات ودلائل تبيّن صدقهم فيما يبلّغون عن ربّهم ، ويهدون ، ويعلّمون. من هنا كانت المعجزة قرينة الرسالة ، ولو لا المعجزة لأشكل الأمر على الناس ، وخالط الشكّ اليقين ، والتبس الصدق والكذب ، وبالتالي تشوّشت أفكار الناس في تمييز الصادق من الكاذب ، والنبيّ من المنتحل.

ومن هنا فإنّ الظاهر أنّه لم يرد لفظ المعجزة كاصطلاح إلّا في الفترة

٥

المتأخّرة عن رسول الوحي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول القرآن ، وإنّما عبّر عنها في الآيات والروايات بالآية تارة (قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ) (١) وبالبيّنة تارة (قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢) وبالبرهان تارة ثالثة (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ) (٣) وبالسلطان رابعة (فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٤) لما في هذه الألفاظ من اندماج بين وحي اللفظ وبصيرة العقل وقوّة الحجّة ومنطق البرهان ، فتحاكي وجدان الإنسان وقلبه وعقله وفطرته وبصره وبصيرته بما يقطع أمامه سبل الشكّ ، ويزيح ظلمات الوهم.

فالآيات علائم ودلالات ظاهرة ، كما أنّ دلالاتها واضحة سواء كانت دلالة عقليّة أو حسيّة ، والبرهان إظهار للحجّة بموازين العقل والحكمة ، وهو أوكد الأدلّة المحفّزة لكوامن الصدق والتصديق ؛ لذلك يقتضي الصدق لا محالة ، والسلطان لما فيه من سلطنة وهيمنة على القلب والعقل تدعو إلى الإيمان ، وتدفع الشكوك والأوهام ، ولا يبعد أن تكون الآية لعموم الناس ؛ لأنّ الحب طريقهم إلى الإيمان واليقين غالبا ، والبيّنة في مواقع إظهار ما يخفى على الناس معرفته ، والبرهان لمن كان من أهل العقول والأفكار ، والسلطان لتسلّطه على أهل العلم والحكمة من الناس. هذا من حيث خصوصيّات كلّ لفظ منها.

وأمّا من حيث الهدف والمضمون فالجميع يشترك في تصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتثبيت حقّانيّة دعواه ، واستقامة طريقه ، وصحّة أهدافه ونواياه. ولعلّ من هنا اتّفقت الكلمة على انحصار طريق معرفة صدق دعوى الأنبياء عليهم‌السلام بظهور المعجز على أيديهم كما يظهر من أقوال المحقّقين كقولهم : «وطريق معرفة صدقه ظهور المعجزة على يده». (٥)

__________________

(١) الأنعام : ١١٠.

(٢) الأعراف : ٧٤.

(٣) القصص : ٣٣.

(٤) إبراهيم : ١١.

(٥) تجريد الاعتقاد : ٢١٤.

٦

وعليه فإنّ طريق التصديق بالنبوّة والإيمان بها ينحصر بالإعجاز الذي يظهره النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاهدا مطابقا لدعواه.

ولعل هذا هو المرتكز في أذهان البشر وفطرهم كسبيل قد يعد وحيدا ، أو الأكثر قوّة ، والأسرع أثرا في التصديق والإيمان ؛ ولذا كان أوّل نداء يطلقه الكافرون في مواجهة دعوات الرسل والأنبياء عليهم‌السلام هو المطالبة بإظهار الآيات والمعاجز ، وكلّ قوم كانوا يطلبون من رسولهم ذلك حتّى وإن أقرّوا بغيره من الأنبياء السابقين.

قال تعالى : (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَراهُ بَلْ هُوَ شاعِرٌ فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) (١).

ففي الوقت الذي أثبتت الآية التقارن التامّ بين رسالات الرسل والآيات البيّنة كشفت عن إيمان اللاحقين بدعوات السابقين حتّى وإن كذّبوا من أرسل إليهم من الأنبياء ، فطالبوهم بإظهار الآية.

وكانت هذه الآيات هي الحجّة التي تنهض للمطالبين الصادقين في دعواهم لجذبهم إلى الإيمان ، كما تثبت على المعاندين لو أصرّوا وظلّوا في غيّهم يعمهون.

ولعلّ ممّا يشهد لذلك آيات متضافرة في الكتاب العزيز ، بعضها يثبت وقوع الإعجاز مقارنا لدعوى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعضها يبيّن نوع الإعجاز وتفاصيل حدوثه.

وربّما يعدّ من الأولى قوله سبحانه : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٢).

فهي في الوقت الذي تثبت دلائل الأنبياء الكافية في اليقين والإيمان

__________________

(١) الأنبياء : ٦.

(٢) الروم : ٤٨.

٧

تهدّد المنكرين الذين عاصروا الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعايشوه بمصير يشبه مصير السابقين في مواقفهم من الرسل ، وقد جمعت هذه الآيات مع الآيات التي في سياقها قبلا وبعدا بين الدلائل المادّيّة والمعنويّة ، فحيث تحدّثت ما قبلها عن آية الرياح وما لها من آثار هامّة ونافعة تقوم عليها حياة الناس حيث إنّها :

١ ـ تأتي لهم بالسحاب المثقل بالغيث الذي يسقي الأرض العطشى ، فينبت رزقهم وكلأ مواشيهم.

٢ ـ توازن حرارة الجو فتعطيهم برودة في المناطق الحارّة ودفئا في الباردة.

٣ ـ تنقي الهواء والفضاء من الأوبئة والغازات الضارّة.

٤ ـ تلقح الأشجار فتعطي ثمارها ، والأزهار فتعطي أريجها وجمالها ، وتنشر البذور من البيادر إلى الأراضي الجرداء فتغدو خضراء ممرعة ترعاها الأغنام والمواشي ، وتضفي على الحياة بهجة وروعة.

٥ ـ تحرّك الفلك والسفن في البحار والأنهار فتربط بين البشر ، وتجمع بين حاجاتهم واحتياجاتهم فيتكافلون ويتكاملون ويتعاونون ..

وغيرها من آيات وبراهين ودلائل تقوم عليها حياة الناس ، وتدلّ على سعة رحمة الله عزوجل وعميم فضله وخيره وعظم بركته ؛ ولذا قال سبحانه بعدها : (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (١).

وأمّا الدلائل المعنويّة التي هي أيضا من آثار رحمة الله وخيره وبركته فقد جاءت مقارنة لتلك لتشمل كلّ جوانب الإنسان ، وتسدّ كلّ احتياجاته الجسديّة والروحيّة ؛ إذ لا يكفي الإنسان أن يعيش ناعما ، يبات شبعانا ،

__________________

(١) النحل : ١٥.

٨

ويغدو وفيرا رويا ، فإنّ ذلك مهما بلغ وكثر ولذ وطاب لا يسدّ حاجاته الأكبر والأوسع في تحقيق الآمال ، واللهفة إلى النجاح في مختلف شؤون الحياة ، بل لو لا الأمل والنجاح يصبح نهار الإنسان ليلا ، وحلوه مرّا ؛ لقصور الدنيا بما فيها من شهوات وغرائز ولذات ومطائب عن إشباع روح الإنسان وعقله وفكره ، فحتى تتمّ النعمة وتكتمل الحجّة ويتمّ البرهان كان لا بدّ من إشعال وقدة الأمل في قلبه ، وإنارة طريقه على المستقبل والغد الناجح الوفير ، فقال سبحانه : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (١).

وعلى خلاف ذلك ما سيلاقيه الكفّار المعاندون من أيام شديدة وساعات سوداء مدلهمّة ، ومنها قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). (٢) والمستفاد منها هو أنّ لكلّ رسول ونبيّ آية قد أحكمها الله تعالى وتولّاها بالحقّ والصدق والثبات في الموقف والغاية ، يمتنع عنها الريب ، ولا تخالجها شكوك الشيطان وتشكيكاته ، وهذه أيضا تضمّنت آيات الظاهر والباطن ، فالأولى تنسف خطط الشيطان ، وتعود بالناس إلى الإيمان ، والثانية تطمئن الرسل بمستقبل مشرق يعيش الناس فيه الإيمان بأصنافه وشعبه.

__________________

(١) الروم : ٤٨.

(٢) الحج : ٥٣.

٩

كيفيّة الإعجاز

ومن الثانية : آيات متضافرة أيضا شرحت بوضوح ودقّة وعمق كيفيّة الإعجاز وأنحائه لعل منها :

١ ـ قوله سبحانه : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) (١) وهي اليد والعصا ، والحجر ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم دلائل خارقة ظاهرة.

٢ ـ قوله تعالى : (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ) (٢).

٣ ـ قوله تعالى : (وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللهِ لَكُمْ آيَةً). (٣)

٤ ـ قوله تعالى : (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) (٤).

٥ ـ قوله تبارك وتعالى : (قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) (٥) وغير ذلك من الآيات الدالّة على أنّ الله تعالى قد نصر أنبياءه عليهم‌السلام بالمعجزة ، ولم يوكل عموم الناس الذين يقنعهم بالإيمان عادة الشاهد

__________________

(١) الإسراء : ١٠٢.

(٢) آل عمران : ٥٠.

(٣) الأعراف : ٧٤.

(٤) سبأ : ١٣.

(٥) الأنبياء : ٧٠.

١٠

المادي الظاهر على صدق الأنبياء أكثر من قدرتهم الروحيّة وحالاتهم المعنويّة والعقليّة ؛ لأنّ هذا قد لا يدركه عموم الناس كما لم ينحصر لطفه عزوجل بإخبارات النبيّ السابق عن ظهور نبيّ في اللاحق ، وذكره لعلامات النبوّة وسيماء النبيّ القادم ؛ وذلك لأنّه حتى لو وصلت هذه الإخبارات والعلامات للأمم اللاحقة على نحو التواتر إلّا أنّها قد لا تلزم من لا يتديّن بدين أصلا ، أو لا يعتقد بنبوّة ذلك النبيّ ، فلا تتمّ الحجّة عليه.

ولعلّ قوله سبحانه في سورة الحديد : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) (١) يحاكي أصحاب العقول المتفتّحة والآراء المتطلّعة لجمع الدين بالدنيا والفكر والتطبيق حتّى في مثل مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد ونحوها ، حيث جمعت بين ثلاثة دلائل واضحة تشكّل العناصر الأساس لقيام أي مجتمع ودولة ، وهي :

١ ـ البيّنات كحجج على الإيمان

٢ ـ الكتاب كحجّة على التقنين والتنظيم

٣ ـ الميزان كحجّة على التطبيق والممارسة مادّيّا ومعنويّا.

ومن الواضح أنّ كلّ دولة وأمّة تقومان على العقيدة والنظام والسلطة ، ويجمعهما الهدف المشترك ، وهو العدل ، ثم يأتي بعد ذلك الحديد والقوّة لحمايتهما من الاستهانة أو الاستلاب ، وبهذا يبني الأنبياء عليهم‌السلام حضارة إنسانيّة رائعة يسودها الأمن والسلام ، ويحكمها العدل والنظام في شتى المجالات ، وقد جمع هذه جميعا القرآن الكريم ، فاحتوى كلّ رسالات الأنبياء وأهدافهم ، فوصفه ربّه ومنزّله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي

__________________

(١) الحديد : ٢٦.

١١

هِيَ أَقْوَمُ) (١) ووصفه من حمله وبلّغ به وبشّر : «هو الدليل يدلّ على خير سبيل» (٢) ..

وبالتالي فإنّ كلّ حرف وكلمة وجملة وآية وسورة بل كلّ حركة وسكنة ورفع ونصب فيه يدلّ على إعجاز وإعجاز وعلوّ وسمو ، فهو كما قالوا عنه : ليست معجزة واحدة فحسب ، بل موسوعة معجزات ، فاجتماعيّاته معجزة لعلماء الاجتماع ، وسياسيّاته معجزة للسياسيّين ، وأخلاقيّاته معجزة للأخلاقيّين ، وعسكريّاته معجزة للعسكريّين ، واقتصاديّاته معجزة للاقتصاديّين ، وتربويّاته معجزة للتربويّين ، وأداءه معجزة للأدباء ، ولكلّ اختصاصيّ معجزة في اختصاصه ، بل إنّ القرآن معجزة لكلّ إنسان في الجانب المنسجم مع أولويّات ذلك الإنسان ، فهو معاجز بعدد الخلائق ، أو ليست الطرق إلى الله سبحانه بعدد أنفاس الخلائق؟ فهو معجزة للناس أجمعين.

وفوق ذلك أنّه معجزة الفلسفة ، فهو كتاب أعطى الفلسفة الكاملة الصحيحة للبشر ، فهو كتاب الكون ، بل هو عدل الكون ؛ إذ الكون كلّه كلمة من كلمات الله ، والقرآن كلمة أخرى من كلمات الله ، فهي وتلك كلمتان مترادفتان ، الكون قرآن ولكن بشكل ، والقرآن كون ولكن بشكل آخر ، وبعد ذلك وقبله فإنّ من القرآن ما فيه شفاء ورحمة للعالمين ، ولا يزيد الظالمين إلّا خسارا.

كما ستبقى صور الإعجاز وأشكاله تتجلّى في كلّ عصر ، ومع كلّ جيل مهما نضج البشر ، وتنامت عقولهم ، وتراكمت تجاربهم ، وتنوّرت أفكارهم. فإنّ القرآن يفسّره الزمان كما في بعض الأخبار لا تنقضي عجائبه ، ولا تنتهي غرائبه ؛ لأنّه كلام الله سبحانه ، وفيض من علمه اللامتناهي ، وكلامه عزوجل مظهر لعلمه ، وعلمه مظهر لذاته ، وكلّها لا متناهية وفوق ما لا يتناهى ،

__________________

(١) الإسراء : ١٠.

(٢) أصول الكافي : ج ٢ ، ٥٩٩ ، ح ٢.

١٢

فكيف يدركه بشر ، أو يحيط بكنوزه محيط أو عالم؟ وبهذا يظهر مدى التجافي عن الحقيقة الدامغة فيما يدّعيه بعض أعداء الإسلام من أنّ القرآن من صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّ القرآن لم يوح إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأكمله ، بل كان يوحى إليه رؤي قصيرة ووصايا ، وأمثال وقصص ذات مغزى ، أو أحاديث في أصول العقيدة.

ويكفينا في ردّ زعم هؤلاء ما صدع به الحقّ تبارك وتعالى في قوله عزّ من قائل : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ) (١).

وقال مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : «وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما» (٢).

فإنّ كلمات القرآن وآياته وحروفه وكلّ ما فيه ينطق بأنّه وحي ممّن خلق الأرض والسماوات العلى ، وما خلقته عقول بشر ، أو فاهت به ألسنتهم.

الإعجاز لغة واصطلاحا

المعجز في اللغة له أكثر من معنى إلّا أنّ الأقرب منه إلى الفهم العرفي ما ذكر في أقرب الموارد ، وهو : أعجز فلان فلانا أي صيّره عاجزا (٣).

لكن في مجمع البحرين فسّره بالمعنى المصطلح ، وكأنّه تفسير بالمصداق ، فقال : المعجز : الأمر الخارق للعادة المطابق للدعوى المقرون بالتحدّي ، وقد ذكر المسلمون للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألف معجزة منها القرآن (٤).

وقد فقد عرّف بتعاريف مختلفة بعض الشيء باختلاف قيودها.

__________________

(١) العنكبوت : ٥٠.

(٢) نهج البلاغة : ص ١١٢ ، الخطبة ٨٣.

(٣) أقرب الموارد : ج ٣ ، ص ٤٨٢ ، «عجز».

(٤) مجمع البحرين : ج ٤ ، ص ٢٥ ، «عجز».

١٣

ففي تجريد الاعتقاد : وطريق معرفة صدقه ظهور المعجزة على يده ، وهو ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوة (١).

وقريب منه ما في مجمع البيان : وحاصله أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهيّة بما يخرق النواميس الطبيعيّة ويعجز عنه غيره شاهدا على صدق دعواه (٢).

وينبغي إضافة قيد التحدّي لهذين التعريفين لينطبق على موازين الحدّ التامّ المنطقي بداهة دخول الكرامة ونحوها في التعريف ، فلا يصبح حينئذ مائزا بين ما يظهر على أيدي الأنبياء والأولياء عليهم‌السلام ، ولا يبعد أن تكون جميع هذه التعاريف ناظرة إلى أمر واحد وإن كان ربّما لم يستظهر من بيانها ، وهو أنّ المعجز أمر خارق للعادة وليس لضوابط العقل ؛ إذ لا يمكن الجمع بين النقيضين حتّى بالإعجاز لامتناع الموضوع.

وعليه فليس الإعجاز في تبديل الممتنع بالذات إلى ممكن ، بل هو اختصار مراحل الإمكان الاستعدادي للممكن بإرادة الله سبحانه ، أو بقوّة النبيّ المعنويّة التي منحها الله سبحانه إياه لإيجاده ؛ ولذا يسمّى خارقا للعادة ، فيمكن إثمار الشجرة غير المثمرة في آن ؛ لأنّ تحقّق الاثمار عادة يتوقّف على شرائط لا تتحقّق عادة إلّا بعد مضي زمان ، ولكن ربّما تحصل هذه الشرائط فورا بالإعجاز ، وهذا هو معنى خرق العادة أي المعتاد المألوف في الكون أو عند الناس.

هذا وهناك شروط أخرى ينبغي توفّرها في الإعجاز منها : مطابقة المعجزة للدعوى ، وأن لا يكون هناك من يعارض مدّعي النبوّة فيما يتحدّى

__________________

(١) تجريد الاعتقاد : ص ٢١٤.

(٢) مجمع البيان : ج ١ ، ص ١٥.

١٤

به ، بحيث يستطيع غيره أن يأتي بمثل ما أتى به ؛ إذ لا يكون حينئذ ما أتى به ذلك النبيّ معجزا ، ومنها غير ذلك ممّا فصّله علماء الكلام.

بعض مزايا القرآن الكريم

ولعلّ من المناسب أن نشير هنا إلى بعض مزايا القرآن الكريم التي اتّفق أهل الرأي فيها على أنّها إعجاز :

١ ـ أنّ القرآن الكريم معجز من حيث اختصاصه بمرتبة عليا في الفصاحة والبلاغة خارقة للعادة لا يمكن لأحد أن يأتي بمثلها أو أن يدانيها.

٢ ـ من حيث كونه مركّبا من نفس الحروف الهجائيّة التي يقدر على تأليفها كلّ أحد ومع ذلك عجز الخلق عن تركيب مثله بهذا التركيب العجيب ، والنمط الغريب من قوة اللفظ ، وسحر البيان ، ودقّة المعنى ، وسلاسة التعبير ، وقوّة الترابط بحيث إنّ كلّ تغيير أو تصرّف فيه يخرجه عن عذوبته ، ويشير إلى وجود خلل في العبارة.

٣ ـ من حيث امتيازه عن غيره من كلام العرب بامتياز مليح ، فإنّ أي كلام في هذه اللغة مهما كان فصيحا وبليغا إذا زيّن بالقرآن الكريم تجد القرآن ممتازا عنه متفوقا عليه بما لا يقبل القياس أو التقويم.

٤ ـ من حيث اتّصافه بنظام فريد ، وأسلوب وحيد غير معهود في جميع الأزمنة ، لا شعرا ولا نثرا ؛ لذلك نسبه أدباء الكفّار إلى السحر ؛ وذلك لأخذه بمجامع القلوب واتّصافه بالجاذبيّة الخاصّة.

٥ ـ بالرغم من سعة مضامينه ووفرة آياته وكثرة سوره فهو خال عن الاختلال والتناقض والتهافت (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (١).

__________________

(١) النساء : ٨٣.

١٥

فلا تجد فيه كلمة خالية عن الفصاحة ، ولا آية مخالفة لآية أخرى ، بل جميعه موصوف بغاية الجودة ، ومتّصف بما لم تجر بمثله العادة.

٦ ـ من حيث اشتمال القرآن الكريم على أحسن الآداب ، وأمتن الحكم ، وأكمل المواعظ ، وأصوب القوانين ، وأتمّ الأحكام في العبادات والمعاملات والمعاشرات في أمور الحياة والأسرة والمجتمع ، وفي الحدود والأقضية في السفر والحضر والأمن والخوف والسلم والحرب والعسرة والغلبة وكلّ ما يحتاجه الإنسان في أصوله وفروعه بشكل ليس فيه أدنى خلل.

فجعل الله تعالى هذا القرآن مشتملا على كلّ ما تحتاج إليه الأمم ، وهاديا إلى التي هي أقوم ، كما جعل بيانه وتبيانه عند مهابط وحيه وخزّان علمه وترجمانه في خلقه النبيّ الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الأطهار عليهم آلاف التحية والثناء تكريسا للاقتداء ، وتعظيما للإمامة وما يترتّب عليها من فوائد كبيرة في دنيا الناس ودينهم.

٧ ـ من حيث ما تضمّنه من الأخبار في قضايا الأمم السالفة ، وخفايا القصص الماضية ، ودقائق القرون الخالية ، مثل أخبار آدم عليه‌السلام وابنيه ، ومسائل نوح عليه‌السلام ، وأمور إبراهيم عليه‌السلام ، وقصّة أصحاب الكهف ، وقضايا موسى ..... ممّا لم يطّلع عليها أحد إلا بعض خواصّ الأحبار والرهبان الذين لم يكن النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاشرا لهم ، بل كان بعيدا عن مخالطتهم. فكتاب كهذا من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لم يتعلّم عند أحد يكشف قطعا عن كونه من الله العالم بجميع الأمور.

علما بأنّ ما بيّنه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أخبار القرآن لم يكن اقتباسا من كتبهم ، بل نقلا لحقيقة الأمر وواقعه الموجود عندهم ، وإلّا لكانوا يرمونه بالسرقة من كتبهم وهم غير آبين من توجيه التهمة مع توفّر الدواعي الكافية في ذلك.

٨ ـ من حيث اشتماله على الأخبار عن ضمائر المنافقين وبواطن

١٦

الكافرين ونوايا المشركين الخفيّة التي لم يطلع عليها أحد حتّى إنّهم كانوا يحذرون من أن تنزل فيهم آية تفضحهم ، وتكشف نواياهم.

بل أخبر عن الأمور المستقبليّة والحوادث المقبلة والغيب الصادق والنبأ المطابق ممّا لم يطّلع عليه إلّا علّام الغيوب مع كمال المطابقة والصدق كما في قوله تعالى : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (١) ، وقوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٢) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

هذا مضافا إلى إخباراته عن الحقائق العلميّة التي لم ينكشف اليسير منها إلّا في الآونة الأخيرة والقرون المتأخّرة على رغم تطوّر العلوم والمعارف.

٩ ـ من حيث خواصّه المعنويّة وخصائصه الذاتيّة في التأثير على الأرواح ، وشفائه للقلوب والضمائر ، وعلاجه للأجسام ، وطمأنته للقلوب ، وبركاته في النفوس ، فضلا عن الآثار الوضعيّة الأخرى التي تلازمه في النظر والقراءة والاستشهاد والاحتفاظ ونحو ذلك.

١٠ ـ من حيث طراوته وحلاوته وعدم الملل منه عند تلاوته وقراءته مهما زادت وتكرّرت ، وبعد كلّ ذلك فإنّه لا يخلق على طول الأزمان ، ولا يبلى ، بل يستفاد منه في كلّ قراءة جديدة نكتة جديدة ، ويجد القارئ المتدبّر فيه إلماعات وإشارات وحقائق ولطائف لم تظهر له من قبل ، فهو كلام الله البالغ ، وحكمه الساطع ، وهو نور لا يطفأ ، وسراج لا يخبو كما ورد في خطبة مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام في نهج البلاغة (٣).

إلى غير ذلك من جهات وأسرار لا يسع المجال لبيانها هنا.

__________________

(١) القمر : ٤٦.

(٢) الفتح : ٢٨.

(٣) نهج البلاغة : ص ٣١٥ ، الخطبة ١٩٨.

١٧

الشيعة والاهتمام البالغ بالقرآن الكريم

إنّ القرآن الكريم أحدث في الحياة البشرية أعظم انقلاب وتغيير شمل كلّ مناحي الحياة ، وامتدّ شعاعه إلى أبعد الأصقاع ، وأذهل أقوى الأدمغة ، واكتسح أعظم الحضارات ، وأقام فوق ركامها أنظف حضارة وأجمل حياة وأكمل سيادة وسياسة.

هذا وقد كان للشيعة اليد الطولى والسهم العظيم في الاهتمام به ، والعمل على دراسته وتفسيره ، وبيان معانيه ومضامينه ، واكتشاف أسراره وآياته وبيّناته بهدى من أئمّتهم عليهم‌السلام الذين هم عدل القرآن وأهله الذين أنزل القرآن في بيوتهم.

فكتبوا ونشروا وحثّوا أيما حثّ على قراءته وحفظه ونشره وتجويده والاستناد إليه في كلّ حقول المعرفة ، وكان السبب في اهتمام الشيعة بالقرآن في الدرجة الأولى هو أهمّيّة القرآن نفسه وعظمة أمره ، ثمّ الاقتداء بالنبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من أهل بيته عليهم‌السلام في ذلك.

فمن ينظر إلى الأحاديث المرويّة عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام والتي تحدّثوا فيها عن القرآن الكريم يواجه عناية بالغة وكبيرة منهم بهذا الكتاب الإلهي الخالد ، ثم من يطّلع على بقيّة أحاديثهم في شتى جوانب الدين يجدها مليئة بالاستدلالات من القرآن الكريم ممّا يكشف عن شدّة حرصهم على البقاء إلى جانب القرآن والانطلاق منه والرجوع إليه ، ويشهد بذلك ما ألّفه علماء الإمامية سدّدهم الله تعالى ورواتهم حول فضل القرآن وخصائصه وعلومه ومزاياه وفي شتى المجالات. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر

١٨

ما يلي :

١ ـ كتاب فضل القرآن ليونس بن عبد الرحمن من أصحاب الإمام الرضا عليه‌السلام.

٢ ـ كتاب فضل القرآن لمحمّد بن الحسن الصفّار المتوفّى سنة ٢٩٠ ه‍.

٣ ـ كتاب نوادر القرآن لعليّ بن إبراهيم بن هاشم في القرن الثالث الهجري.

٤ ـ كتاب فضل القرآن لمحمّد بن مسعود العيّاشي في القرن الثالث الهجري.

٥ ـ كتاب فضائل القرآن لأحمد بن محمّد بن عمّار المتوفّى سنة ٣٤٦ ه‍.

كما عقد جمع من علماء الإمامية أبوابا خاصّة حول القرآن في كتب الحديث مثل :

١ ـ كتاب فضل القرآن في الجزء الثاني من (أصول الكافي) للكليني.

٢ ـ كتاب فضل القرآن في الجزء الثاني من موسوعة (من لا يحضره الفقيه).

٣ ـ كتاب القرآن في الجزء الرابع من موسوعة (وسائل الشيعة).

٤ ـ كتاب القرآن في الجزء الأوّل من (مستدرك وسائل الشيعة).

٥ ـ كتاب القرآن في الجزء الثاني والتسعين من موسوعة (بحار الأنوار).

وهذا يدلّك على مدى اهتمام الشيعة بالقرآن الكريم ، كما أنّ التأريخ يشهد لهم مدى تفانيهم وبذلهم لأرواحهم على مدى التأريخ في سبيل القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم‌السلام. وقبل كلّ ذلك كان الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام

١٩

هو أوّل من سمع القرآن من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخالجته آياته ، وهو أوّل من جمعه بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكتب تفسيره وتأويله وشأن نزوله كما في متضافر الأدلّة (١).

أمّا في علوم التفسير فكان الشيعة لهم القدم الأوّل في ذلك ، وقد ذكر الشيخ الذهبي من علماء الأزهر في كتابه التفسير والمفسّرون عددا من ذلك بعد أن استعرض بنحو مجمل من كتب في العصر الإسلامي الأوّل ، وعدّ على رأسها تفسير الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، فهو أوّل من كتب في التفسير ، ثم قال في كتابه : وقد عدّ السيوطي في الإتقان من اشتهر بالتفسير من الصحابة وسمّاهم ، ومن سمّاهم ابن مسعود ، وابن عبّاس ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت وغيرهم ... ثمّ قال : أمّا عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام فهو أكثر الخلفاء الراشدين رواية عنه في التفسير (٢).

وفي مكان آخر قال : جمع عليّ عليه‌السلام إلى مهارته في القضاء والفتوى علمه بكتاب الله ، وفهمه لأسراره وخفي معانيه ، فكان أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل ، وقد روي عن ابن عباس أنه قال : ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. (٣)

وليس الذهبي منفردا في هذا القول ، فقد ذكر هذا الكثيرون غيره (٤).

أمّا أوّل من صنّف في التفسير فهو ترجمان القرآن عبد الله بن العبّاس المتوفّى سنة ٦٨ ، ثم تلميذه سعيد بن جبير الذي قتله الحجاج عام ٩٤ (٥) ، وقيل : سنة ٩٥ وكان من المشهورين في التفسير ، بل روي عن قتادة أن

__________________

(١) انظر تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : ص ٣١٦ ـ ٣١٧ ؛ الذريعة : ج ٤ ، ص ٢٣١.

(٢) التفسير والمفسّرون : ج ١ ، ص ٦٣ ـ ٦٤.

(٣) التفسير والمفسّرون : ج ١ ، ص ٨٩ ـ ٩٠.

(٤) بين الجدران : ج ١ ، ص ١٧ ـ ١٨ ؛ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية : ج ١١ ، ص ٥٢.

(٥) الذريعة : ج ٤ ، ص ٢٣٣.

٢٠