العقيدة وعلم الكلام

الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري

العقيدة وعلم الكلام

المؤلف:

الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري


المحقق: الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4364-6
الصفحات: ٦٤٥

الكتب التي تتبيّن بها مواطن الاتفاق والاختلاف في المسائل بين الصحابة والتابعين وتابعيهم رضي الله عنهم.

وقد دلّ الدليل على أنّ هذه الأمّة محفوظة من الخطأ ، وأنّهم عدول شهداء على الناس ، وأنهم خير أمّة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، وأنّ من تابعهم تابع سبيل من أناب ، ومن خالفهم سلك سبيل غير المؤمنين ، وناهض علماء الدين.

ولا أدري من أين أتت هذه الفوضى في التفكير ، ومن أين تسرّبت هذه السّموم الفاتكة إلى أذهان بعض المتفيهقين في هذا العصر؟ ... فإذا ذكر أهل العلم الإجماع ، فإنما يريدون به إجماع من بلغوا رتبة الاجتهاد من بين العلماء ، باعترافهم ، مع ورع يحجزهم عن محارم الله ، ليمكن بقاؤهم بين الشهداء على الناس.

فمن لم يبلغ مرتبة الاجتهاد باعتراف العلماء له بذلك ، فهو خارج من أن يعتدّ بكلامه في الإجماع ، ولو كان من الصالحين الورعين ، وكذلك من ثبت فسقه أو خروجه على معتقد أهل السنة ، لا يتصوّر أن يعتدّ بكلامه في الإجماع ، لسقوطه من مرتبة الشهداء على الناس.

على أنّ المبتدع كالخوارج وغيرهم لا يعتدّون بروايات ثقات أهل السنة في جميع الطبقات ، فكيف يتصوّر أن يوحد فيهم من العلم بالآثار ما يؤهّلهم لدرجة الاجتهاد.

ثم أقلّ ما يجب على المجتهد المستجمع لشروط الاجتهاد ، باعتراف العلماء : أن يدلي بحجّته ، ويصارح الجمهور بما يراه حقا تعليما وتدوينا ، إذا رأى أهل العلم على خطإ في مسألة من المسائل ، حسب ما يراه هو ، لا أن ينقبع في داره ، أو ينزوي في رأس جبل بعيد عن أمصار المسلمين ، ساكتا عن بيان الحق ، والساكت عن الحق شيطان أخرس ، ناكثا عهد الله وميثاقه في تبيين الحق ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، فبمجرّد ذلك يلتحق بالفاسقين الساقطين عن مرتبة قبول الشهادة ، فضلا عن مرتبة الاجتهاد.

ومن المحال في جاري العادة بين هذه الأمّة ، نظرا إلى نشاط علماء المسلمين في جميع الطبقات لتدوين أحوال من له شأن في العلم ، وتسابقهم في كتابة العلوم وتسجيلها ، وإفشاء ما يلزم الجمهور علمه في أمر دينهم ودنياهم امتثالا منهم لأمر

٨١

تبليغ الشاهد للغائب ، ووفاء بميثاق تبيين الحق : أن لا تكون جماعة العلماء في كل عصر يعلمون من هم مجتهدو ذلك العصر ، الحائزون لتلك المرتبة العالية ، القائمون بواجبهم؟.

فإذا ذاع رأي رآه جمهرة الفقهاء في أي قرن من القرون ، من غير أن يعلم أهل الشأن مخالفة أحد من الفقهاء لهذا الرأي ، فالعاقل لا يشكّ في أنّ هذا الرأي مجمع عليه ، وهو الذي يعوّل عليه المحققون من أئمة الأصول ، وهذا مما لا يمكن أن تجري حوله الثرثرة : بأنّ في الإجماع كلاما من جهة حجيته ، وإمكانه ، ووقوعه ، وإمكان العلم به ، وإمكان نقله كما لا يخفى.

وليس معنى الإجماع أن يدوّن في كل مسألة مجلّدات تحتوي على أسماء مائة ألف صحابيّ مات عنهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهم ، بالرواية عن كل واحد منهم فيها ، بل تكفي في الإجماع على حكم صحّة الرواية فيه عن جمع من المجتهدين من الصحابة ، وهم نحو عشرين صحابيا فقط في التحقيق ، بدون أن تصحّ مخالفة أحد منهم لذلك الحكم ، بل قد لا تضرّ مخالفة واحد أو اثنين منهم ، في مواضع فصّلها أئمة هذا الشأن في محله ، وهكذا الأمر في عهد التابعين وتابعيهم.

ومن أحسن من أوضح هذا البحث بحيث لا يدع وجه شكّ لمتشكّك ، ذلك الإمام الكبير أبو بكر الرازيّ الجصّاص ، في كتابه «الفصول في الأصول» ، وقد خصّ فيه لبحث الإجماع وحده نحو عشرين ورقة من القطع الكبير ، وهو كتاب لا يستغني عنه من يرغب في العلم للعلم ، وكذا العلامة الإتقانيّ في «الشامل» شرح «أصول» البزدوي ، وهو في عشرة مجلّدات ، يذكر فيه نصوص الأقدمين بحروفها ، ثم يناقشهم فيما تجب المناقشة فيه ، مناقشة من له غوص.

ومن الإجماع ما يشترك فيه العامّة مع الخاصّة ، لعموم بلواهم ، كإجماعهم على أنّ الفجر ركعتان ، والظهر أربع ركعات ، والمغرب ثلاث ركعات ، ومنه ما ينفرد به الخاصّة وهم المجتهدون ، كإجماعهم على الحقّ الواجب في الزّروع والثمار ، وتحريم الجمع بين العمّة وبنت الأخ ، فلا تنزل مرتبة هذا الإجماع عن ذاك ، لأنّ المجتهدين لا يزدادون حجّة إلى حججهم بانضمام العوامّ إليهم.

فمن ادّعى أنّ من الإجماع ما هو قطعيّ يستغنى عنه بالكتاب المتواتر والسنة المتواترة ، وما دونه يتسكّع في الظن ، فقد حاول ردّ حجيّة الإجماع ، واتّبع غير سبيل المؤمنين ، وشرح ذلك في الكتب المبسوطة ، ولا يتحمّل هذا الموضع للإفاضة فيه.

٨٢

وما ذا على الإجماع من كون بعض أنواعه ظنيّا؟ وجحد ما هو يقينيّ منه كفر ، وإنكار ما جرى مجرى الخبر المشهور منه ضلال وابتداع ، وجاحد ما دون ذلك كجاحد بعض ما صحّ من أخبار الآحاد على حدّ سواء.

أما قول محمد بن إبراهيم الوزير اليماني في الإجماع ، فبعيد عما يفقهه الفقهاء ، وهو ليّن الملمس في كتبه بالنسبة إلى أمثال المقبليّ ومحمد بن إسماعيل الأمير والشوكانيّ من أذياله الهدّامين ، لكن مع هذا اللين تحمل كتبه سمّا ناقعا ، وهو أول من شوّش فقه العترة النبوية ببلاد اليمن ، وكلامه في الإجماع يرمي إلى إسقاط الإجماع من الحجية ، وإن لم يصرّح تصريح الشوكانيّ في «جزء الطلاق الثلاث». انتهى ما نقلته من «الإشفاق».

وقول الشوكانيّ في جزئه المذكور «إنّ الحقّ عدم حجيّة الإجماع ، بل عدم وقوعه ، بل عدم إمكانه ، بل عدم إمكان العلم به ، وعدم إمكان نقله» متابعة للنّظّام على طول الخطّ : مما لا يستكثر من مثله في التجرّؤ على الأحكام ، وهو الذي لا يعترف بعدد محدود في نكاح النساء ، على خلاف الكتاب والسّنّة ، كما في «وبل الغمام» له. وتجد تفصيل الردّ عليه في «تذكرة الراشد» ، وإن كان هذا على خلاف ما في «نيل الأوطار» ، وله مراحل في الدعوة إلى بدعته.

وقد علّقنا على مواضع من «مراتب الإجماع» لابن حزم برمز (م) في الغالب ، ما يعيد الحقّ إلى نصابه في مواضع انحرافه عن الجادّة ، وهكذا فعلنا فيما علّقناه على «النّبذ» لابن حزم بتوفيق الله سبحانه.

وليس بين الأئمة المتبوعين كبير خلاف في الإجماع ، وما كلّ من تحدّث فيه تحدّث بما يقام لكلامه وزن ، والحقّ واضح لمن درس الإجماع من جميع نواحيه ، لكن ضعف المناعة الفقهية في متفقهة الأدوار الأخيرة ، جعلهم ضحايا للآراء الشاذّة التي تنشر هنا ، بسعي من أصحاب غايات ، وذلك ناشئ من الفوضى وقلة التبصّر في مناهج تفقيههم وإن كان القائمون بالأمر يصعب عليهم الاعتراف بذلك ، لكنّ الأمر واقع ، ما له من دافع.

ثم إنّ أضيق المذاهب في الإجماع هو مذهب الظاهرية ، المقتصرين على الصحابة في الإجماع ، ونزول عيسى عليه‌السلام مما نصّ عليه ثلاثون من الصحابة رضي الله عنهم ، وآثارهم الموقوفة عليهم مدوّنة في «التصريح» للكشميري كما سبق ، ولم يصحّ عن صحابيّ واحد القول بما يخالف ذلك.

٨٣

وما أخرجه الطبراني في سنده مجالد ، فإذا لم يكن مثله إجماعا ، فلا يوجد في الدنيا إجماع ، ويقول أبو حامد الأسفراييني شيخ الطريقة العراقية في مذهب الشافعي ـ عن أن يقول بعض أهل الاجتهاد بقول ، وينتشر ذلك في المجتهدين من أهل ذلك العصر ، فيسكتون بدون أن يظهر منهم اعتراف ولا إنكار ـ إنّه إجماع وحجة مقطوع بها. فلا يكون لكاتب المقال متمسّك بما نقله من «رسالة» الشافعي رضي الله عنه ، حيث حمّله ما لا يتحمّله.

وردّ ما يروى عن أحمد في الإجماع : في «السيف الصقيل» ص ١١٠ ، ثم الخلاف في الاحتجاج بالإجماع في العلميّات ليس مما يوهن أمر الإجماع في موضوع بحثنا ، لأنّ ذلك في المسائل العويصة التي تضطرب فيها العقول ، وقد دلّلنا على أنّ الأخبار في النزول متواترة ، وثبوت تواترها ليس في حاجة إلى اعتراف صاحب المقال بتواترها ، بعد أن نصّ أصحاب الشأن على تواترها. والإجماع اليقينيّ على ما ثبت بالتواتر ، مما لا ينكره إلا مكابر.

ثم إنّ اعتقاد النزول عمل القلب ، فيكون التمسّك بالإجماع هنا تمسكا به في باب العمل ، فيكون الأخذ بالإجماع في هذا الموضع أمرا متفقا عليه بين العلماء.

وما نقله كاتب المقال عن «التحرير» لابن الهمام ، في أشراط الساعة وأمور الآخرة ، من لزوم استنادها على النقل دون الإجماع ، هو عين ما قاله صدر الشريعة في «التوضيح» ، لكن نظر فيه السعد المحقّق في «التلويح» وقال : إنّ النّقل قد يكون ظنّيّا فبالإجماع يصير قطعيا». وهذا كلام متين.

وابن الهمام هو الذي يقول في «المسايرة ، في العقائد المنجية في الآخرة» ، في عداد المكفّرات : «وكذا مخالفة ما أجمع عليه ، وإنكاره بعد العلم به». والخلاف في كون الإجماع مدركا مستقلا هنا ، لا في الاعتداد به إذا وقع ، وتوارد الأدلة على شيء مما يزيده قوّة.

وقال في «المسايرة» أيضا : وأشراط الساعة من خروج الدجال ونزول عيسى عليه‌السلام ، وخروج يأجوج ومأجوج ، والدابّة ، وطلوع الشمس من مغربها حقّ» فما ذا بعد الحقّ إلا الضلال ، وقول ابن رشد الحفيد في الفرق بين العلميّات النظرية والعمليّات في باب الإجماع : منزع آخر ، ليس هذا موضع بسطه.

٨٤

وأما قول الكاتب : «وعلى فرض أنّ أشراط الساعة مما يخضع للإجماع الذي اصطلحوا عليه ، نقول : إنّ نزول عيسى قد استقرّ فيه الخلاف قديما وحديثا ، أمّا قديما فقد نصّ على ذلك ابن حزم في كتابه «مراتب الإجماع» ، حيث يقول : اختلفوا في عيسى عليه‌السلام : أيأتي قبل يوم القيامة أم لا ...؟. كما نصّ عليه أيضا القاضي عياض في شرح مسلم ، والسعد في «شرح المقاصد» ، وقد سقنا عبارته في البحث السابق ، وهي واضحة جليّة في أنّ المسألة ظنية في ورودها ودلالتها. وأمّا حديثا فقد قرّر ذلك ...» :

فخلو من صلاحية التّترّس به ، فإنّ ابن حزم لم يحك نفي النزول عن أحد من أهل الحق بسند صحيح ، حتى يقام له وزن ، وإنما هو توليد واستنتاج مما يحكى في موته ، ثم رفعه ، وقد محّصنا هذه الحكاية فيما سبق ، بل قال ابن رشد الكبير بعد أن قال : لا بد من نزوله لتواتر الأحاديث بذلك : «فما ذكره ابن حزم من الخلاف في نزوله : لا يصح» ، كما في «شرح» الأبيّ على «مسلم».

وأما لفظ القاضي عياض في «شرح مسلم» فهو «نزول عيسى عليه‌السلام ، وقتله الدّجّال : حقّ وصحيح عند أهل السنة ، للأحاديث الصحيحة في ذلك ، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله ، فوجب إثباته ، وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية» اه. وذلك البعض هو الجبّائي. ولو علم تواتر الخبر لما خالف ، على أنّ خلاف المبتدعة لا يخلّ بالإجماع في التحقيق كما سبق ، وجمهرة المعتزلة مع أهل الحقّ في المسألة ، على ما يظهر من كلام خطيبهم الزمخشريّ في «الكشاف».

وأما ما نقله السعد بعد ذكره قوله أهل الشريعة ، وبعد ذكره لزعم الفلاسفة : فبعيد عن أن يكون نقلا لخلاف يعتدّ به ، بل هو قول بعض من سار سير الباطنية في التأويل كما سبق ، ولذا أغفل ذكر اسمه ، ومن طريقة تأويله يظهر أنه من المبتدعة الذين لا يلتفت إليهم ، والتأويل من غير داع عقليّ ولا شرعيّ على خلاف لغة التخاطب : شأن الباطنية ومن سار سيرهم ، هذا هو قديمه.

وأما حديثه فالدكتور محمد توفيق صدقي (في المجلّد الحادي عشر من المنار ص ٣٦٧) ومن لفّ لفّه ، من أصحاب الصّحافة ، فبالنظر إلى أنّ هؤلاء ليس عندهم من العلوم الضرورية ، لمن يريد أن يتكلّم في هذا الموضوع ، ما يسوغ لهم الكلام فيه ، ضربنا عن ذكرهم صفحا ، على أنّ منازلهم في العلم والورع غير مجهولة عند الشعب الكريم.

٨٥

وكفى في معرفة الدكتور مقالاته الصريحة في نفي الاحتجاج بالسنة مطلقا ، وقصر الاحتجاج على القرآن ، ومن جملة ما قاله في (١١ ـ ٣٧٠) : «واعلم أنّ المسلم لا يجب عليه الإيمان بأنه سيجيء يوم القيامة (هكذا) والظاهر أنّ هذه عقيدة سرت من النّصارى إلى المسلمين ، ولم يأت بها القرآن ، والأحاديث لا يؤخذ بها في العقائد إلا إذا تواترت ، وليس في هذه المسألة حديث متواتر».

فيعلم من ذلك أنه قدوة كاتب المقال ، كما أنه قدوة الحدثاء الذين تحدّثوا في المسألة على خلاف ما عليه الجماعة ، ولكاتب المقال قدوة آخر في الباب ، وهو ابن هود الدمشقيّ ، وكان أصحابه يعتقدون فيه أنه المسيح ابن مريم ، ويقولون : إنّ أمّة كان اسمها مريم .. ويعتقدون أنّ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ينزل فيكم ابن مريم» ، هو هذا ، وأنّ روحانيّة عيسى تنزل عليه.

وابن تيمية بيّن لهم فساد دعواهم بالأحاديث الصحيحة الواردة في نزول عيسى ، وأنّ ذلك الوصف لا ينطبق على هذا ، وكان منهم من يفسّر طلوع الشمس من مغربها : بطلوع كلامهم ، وبطلوع النّفس من البدن ، ونزول عيسى ابن مريم من السماء : بنزول روحانيّته أو جزئيته على هذا الشخص.

فإذا وصل التقوّل والتحريف إلى هذا الحد ، نشكر الله على سلامة الدين والعقل ، ونسكت ، نسأل الله الصون.

وبهذا يعلم من هو قدوة صاحب «المنار» في قوله المنقول في مقال الكاتب «وليس فيه نصّ صريح بأنه ينزل من السماء ، وإنما هذه عقيدة أكثر النصارى ، وقد حاولوا في كلّ زمان من ظهور الإسلام بثّها في المسلمين». انظر إلى هذا الرأي التالف وهذه الجرأة البالغة من صاحب «المنار»!!

والقول بسعي النصارى في بثّ تلك العقيدة في المسلمين من ظهور الإسلام إذا قورن بصحة نزوله عليه‌السلام عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، على لسان ثلاثين من أصحابه رضي الله عنهم ، بأسانيد في الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع والمصنفات وغيرها : علم مبلغ إيغال قائله في الباطل ، أينطق المصطفى صلوات الله وسلامه بما بثّه النصارى ويروج عليه؟ أم الصحابة يروج عليهم هذا الدّس؟ أم حفّاظ الأمّة وأئمتها يروج عليهم هذا البثّ وهذا الدّسّ فيروونها في كتبهم خالفا عن سالف بطريق التواتر ، ولا يتصوّر ما هو أبلغ من هذا المروق ، وها هي حجّة كاتب المقال!!

٨٦

ومن يرى مثل هذا الرأي في أصحاب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورضي عنهم ، ورواة السّنن عنهم طبقة فطبقة ، وفي كتب الحديث من صحاح وسنن ومسانيد وجوامع ومصنّفات وكتب التفسير بالرواية والدراية وسائر الكتب : فقد كشف النّقاب عن وجهه ، فلم يدع حاجة إلى المناقشة معه ، وليس شيخ الكاتب بالأمس بحجّة كشيخه اليوم. (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤)) [الإسراء : ٨٤].

وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله تعالى في تبيين الحقّ في المسألة ، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين. وكان ختام تحريره في يوم الاثنين ١٨ جمادى الآخرة سنة ١٣٦٢ ه‍.

٨٧
٨٨

٨٩
٩٠

بسم الله الرّحمن الرّحيم

قال القاضي الإمام السعيد ، سيف السنّة ، ولسان الأمة ، أبو بكر : محمد بن الطيب بن محمد رضي الله عنه.

الحمد لله ذي القدرة والجلال ، والعظمة والكمال. أحمده على سوابغ الإنعام وجزيل الثواب ، وأرغب إليه في الصلاة على نبيه محمد المختار وعلى آله الأبرار وصحابته الأخيار ، والتابعين لهم بإحسان [إلى يوم القرار] (١).

أما بعد : فقد وقفت على ما التمسته الحرة الفاضلة الديّنة ـ أحسن الله توفيقها ـ لما تتوخاه من طلب الحق ونصرته ، وتنكب الباطل وتجنبه. واعتماد القربة باعتقاد المفروض في أحكام الدين. واتباع السلف الصالح من المؤمنين ، من ذكر جمل ما يجب على المكلفين اعتقاده ، ولا يسع الجهل به ، وما إذا تدين به المرء صار إلى التزام الحق المفروض ، والسلامة من البدع والباطل المرفوض. وإني بحول الله تعالى وعونه ، ومشيئته وطوله ، أذكر لها جملا مختصرة تأتي على البغية من ذلك ، ويستغنى بالوقوف عليها عن الطلب ، واشتغال الهمة بما سواه. فنقول وبالله التوفيق :

إن الواجب على المكلف :

١ ـ أن يعرف بدء الأوائل والمقدمات التي لا يتم له النظر في معرفة الله عزوجل وحقيقة توحيده ، وما هو عليه من صفاته التي بان بها عن خلقه ، وما لأجل حصوله عليها استحق أن يعبد بالطاعة دون عباده. فأول ذلك القول في العلم وأحكامه ومراتبه ، وأن حده : أنه معرفة المعلوم على ما هو به ، فكل علم معرفة وكل معرفة علم.

٢ ـ وأن يعلم أن العلوم تنقسم قسمين : قسم منهما : علم الله سبحانه ، وهو صفته لذاته ، وليس بعلم ضرورة ولا استدلال ، قال الله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ)

__________________

(١) تنبيه : الكلمات الموجودة بين أقواس مربعة هي من تصحيح الإمام الكوثري.

٩١

[النّساء : ١٦٦] وقال : (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) [فاطر : ١١] وقال : (فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) [هود : ١٤] فأثبت العلم لنفسه ، ونص على أنه صفة له في نص كتابه.

والقسم الآخر : علم الخلق. وهو ينقسم قسمين : فقسم منه علم اضطرار ، والآخر علم نظر واستدلال : فالضروري ما لزم أنفس الخلق لزوما لا يمكنهم دفعه والشك في معلومه ؛ نحو العلم بما أدركته الحواس الخمس ، وما ابتدئ في النفس من الضرورات.

والنظري منهما : ما احتيج في حصوله إلى الفكر والروية ، وكان طريقه النظر والحجة. ومن حكمه جواز الرجوع عنه والشك في متعلقه.

وجميع العلوم الضرورية تقع للخلق من ستة طرق : فمنها : درك الحواس الخمس ، وهي : حاسة الرؤية ، وحاسة السمع ، وحاسة الذوق ، وحاسة الشم ، وحاسة اللمس وكل مدرك بحاسة من هذه الحواس من جسم ، ولون ، وكون ، وكلام ، وصوت ، ورائحة ، وطعم ، وحرارة ، وبرودة ، ولين ، وخشونة ، وصلابة ، ورخاوة فالعلم به يقع ضرورة. والطريق السادس : هو العلم المبتدأ في النفس ، لا عن درك ببعض الحواس ، وذلك نحو علم الإنسان بوجود نفسه ، وما يحدث فيها وينطوي عليها من اللذة ، والألم ، والغم ، والفرح ، والقدرة ، والعجز ، والصحة ، والسقم. والعلم بأن الضدين لا يجتمعان ، وأن الأجسام لا تخلو من الاجتماع والافتراق ، وكل معلوم بأوائل العقول ، والعلم بأن الثمر لا يكون إلا من شجر ، أو نخل ، وأن اللبن لا يكون إلا من ضرع وكل ما هو مقتضى العادات.

وكل ما عدا هذه العلوم وهو علم استدلال لا يحصل إلا عن استئناف الذكر والنظر وتفكر بالنظر والعقل فمن جملة هذه الضرورات العلم بالضرورات الواقعة بأوائل العقول ، ومقتضى العادات التي لا تشارك ذوي العقول في علمها البهائم ، والأطفال والمنتقصون ؛ نحو العلم الواقع بالبديهة ، ومتضمن كثير من العادات ، ونحو العلم بأن الاثنين أكثر من الواحد ، وأن الضدين لا يجتمعان ، وأمثال ذلك من موجب العادات وبداءة العقول التي لا يخص بعلمها العاقلون.

٣ ـ وأن يعلم أن الاستدلال هو : نظر القلب المطلوب به علم ما غاب عن الضرورة والحس ، وأن الدليل هو : ما أمكن أن يتوصل بصحيح النظر فيه إلى معرفة ما لا يعلم باضطراره ، وهو على ثلاثة أضرب : عقلي : له تعلق بمدلوله ، نحو دلالة

٩٢

الفعل على فاعله ، وما يجب كونه عليه من صفاته. نحو حياته ، وعلمه ، وقدرته ، وإرادته. وسمعي شرعي : دال من طريق النطق بعد المواضعة ، ومن جهة معنى مستخرج من النطق ، ولغوي : دال من جهة المواطأة والمواضعة على معاني الكلام ، ودلالات الأسماء والصفات وسائر الألفاظ ، وقد لحق بهذا الباب : دلالات الكتابات والرموز ، والإشارات والعقود ، الدالة على مقادير الأعداد ، وكل ما لا يدل إلا بالمواطأة والاتفاق. والدال هو ناصب الدليل : فالمدلول هو ما نصب له الدليل. والمستدل الناظر في الدليل ، واستدلاله نظره في الدليل وطلبه به علم ما غاب عنه.

٤ ـ وأن يعلم أن المعلومات على ضربين : معدوم وموجود ، لا ثالث لهما ولا واسطة بينهما. فالمعدوم : هو المنتقى الذي ليس بشيء. قال الله عزوجل : (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) [مريم : ٩] وقال تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً (١)) [الإنسان : ١] فأخبر أن المعدوم منتف ليس بشيء ، والموجود هو الشيء الكائن الثابت. وقولنا «شيء» إثبات ، وقولنا «ليس بشيء» نفي. قال الله تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ) [الأنعام : ١٩] وهو سبحانه موجود غير معدوم.

وقول أهل اللغة : علمت شيئا ، ورأيت شيئا ، وسمعت شيئا ، إشارة إلى كائن موجود ، وقولهم : ليس بشيء هو واقع على نفي المعدوم ، ولو كان المعدوم شيئا كان القول ليس بشيء نفيا لا يقع أبدا إلا كذبا ، وذلك باطل بالاتفاق.

٥ ـ وأن يعلم أن الموجودات كلها على قسمين. منها : قديم لم يزل وهو الله تعالى ، وصفات ذاته التي لم يزل موصوفا بها ولا يزال كذلك. وقولهم : «أقدم ، وقديم» موضع للمبالغة في الوصف بالتقدم وكذلك أعلم وعليم ، وأسمع وسميع.

والقسم الثاني : محدث ، لوجوده أول ، ومعنى المحدث ما لم يكن ثم كان ، مأخوذ ذلك من قولهم : حدث بفلان حادث. من مرض ، أو صداع ؛ وأحدث بدعة في الدين ، وأحدث روشنا ، وأحدث في العرصة بناء ، أي فعل ما لم يكن من قبل موجودا.

٦ ـ وأن يعلم أن المحدثات كلها على ثلاثة أقسام : جسم ، وجوهر ، وعرض. فالجسم في اللغة هو : المؤلف المركب. يدل على ذلك قولهم : رجل جسيم وزيد أجسم من عمرو ، وهذا اللفظ من أبنية المبالغة ، وقد اتفقوا على أن معنى المبالغة في الاسم مأخوذ من معنى الاسم ؛ يبين ذلك أن قولهم : «أضرب» إذا أفاد كثرة الضرب

٩٣

كان قولهم : ضارب مفيدا للضرب ، وكذلك إذا كان قولهم : المؤلف المركب مفيدا كثرة الاجتماع والتأليف ، وجب أن يكون قولهم جسم مفيدا كذلك.

والجوهر : الذي له حيز. والحيز هو المكان أو ما يقدر تقدير المكان عن أنه يوجه فيه غيره.

والعرض : هو الذي يعرض في الجوهر ، ولا يصح بقاؤه وقتين ، يدل على ذلك قولهم : «عرض لفلان عارض من مرض ، وصداع» إذا قرب زواله ، ولم يعتقد دوامه. ومنه قوله عزوجل : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] وقوله : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤] فكل شيء قرب عدمه وزواله ، موصوف بذلك ، وهذه صفة المعاني القائمة بالأجسام ، فوجب وصفها في قضية العقل بأنها أعراض.

٧ ـ وأن يعلم أن العالم محدث ، وأنه لا ينفك علويه وسفليه من أن يكون جسما مؤلفا ، أو جوهرا منفردا ، أو عرضا محمولا. وهو محدث بأسره. وطريق العلم بحدوث أجسامه وحدوث أعراضه. والدليل على ثبوت أعراضه : تحرك الجسم بعد سكونه ، وتفرقه بعد اجتماعه ، وتغير حالاته ، وانتقال صفاته ، فلو كان متحركا لنفسه ، ومتغيرا لذاته لوجب تركه في حال سكونه ، وتغيره واستحالته في حال اعتداله ، وفي بطلان ذلك دليل على إثبات حركته ، وسكونه ، وألوانه ، وأكوانه ، وغير ذلك من صفاته ، لأنه إذا لم يكن كذلك لنفسه وجب أن يكون لمعنى ما تغير عن حاله واستحال عن وصفه.

والدليل على حدوث هذه الأعراض : ما هي عليه من التنافي والتضاد ، فلو كانت قديمة كلها لكانت لم تزل موجودة ، ولا تزال كذلك ، ولوجب متى كانت الحركة في الجسم أن يكون السكون فيه ، وذلك يوجب كونه متحركا في حال سكونه ، وميتا في حال حياته ، وفي بطلان ذلك دليل على طروق السكون بعد أن لم يكن ، وبطلان الحركة عند مجيء السكون ، والطارئ بعد عدمه ، والمعدوم بعد وجوده محدث باتفاق ؛ لأن القديم لا يحدث ولا يعدم ، ولا يبطل.

والدليل على حدوث الأجسام : أنها لم تسبق الحوادث ، ولم تخل منها ، لأننا باضطرار نعلم : أن الجسم لا ينفك من الألوان ، ومعاني الألوان من الاجتماع والافتراق ، وما لا ينفك من المحدثات ، ولم تسبقه كان محدثا. لأنه إذا لم يسبقه كان موجودا معه في وقته أو بعده ، وأي ذلك وجد وجب القضاء على حدوثه ، وأنه معدوم قبل وجوده.

٩٤

٨ ـ وأن يعلم أن للعالم محدثا أحداثه. والدليل على ذلك وجود الحوادث متقدمة ومتأخرة مع صحة تأخر المتقدم وتقدم المتأخر ، ولا يجوز أن يكون ما تقدم منها وتأخر متقدما ومتأخرا لنفسه ، لأنه ليس التقدم بصحة تقدمه أولى من التأخر بصحة تأخره ، فوجب أن يدل على فاعل فعله ، وصرفه في الوجود على إرادته وجعله مقصورا على مشيئته ، يقدم منها ما شاء ويؤخر ما شاء. قال الله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] قال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)) [النّحل : ٤٠] ويدل على علمنا بتعلق الفعل بالفاعل في كونه فعلا كتعلق الفاعل في كونه فاعلا بالفعل ، فإن تعلق الكتابة ، والصناعة بالكاتب والصانع كتعلق الكاتب في كونه كاتبا بالكتابة ؛ فلو جاز وجود فعل لا من فاعل ، وكتابه لا من كاتب وصورة وبنية محدثة لا من مصور ، لجاز وجود كاتب لا كتابة له ، وصانع لا صنعة له ، فلما استحال ذلك وجب أن يكون اقتضاء الفعل للفاعل ودلالته عليه كاقتضاء الفاعل في كونه فاعلا. لوجود الفعل وحصوله منه ، ومن صفات هذا الصانع تعالى أنه : موجود ، قديم ، واحد ، أحد ، حي ، عالم ، قادر ، مريد ، متكلم ، سميع ، بصير ، باق (١) (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١] وسندل على ذلك فيما بعد إن شاء الله بعد البداية بفرائض المكلفين ، وشرائع المسلمين مما يقرب فهمه ولا ينبغي جهله ، ولا بد للمكلف من علمه والعمل [به] فإذا أتينا على هذه الجملة رجعنا إلى القول في التوحيد ، وإثبات أسماء الله تعالى وصفاته ، وذكر ما يجوز عليه وما يستحيل في صفته ، وما توفيقي إلا بالله.

٩ ـ وأن يعلم : أن أول نعم الله تعالى على خلقه الحيّ الدرّاك خلقه فيهم إدراك اللذات ، وسلامة الحواس ، ونيل ما ينتفعون به من الشهوات التي تميل إليها طباعهم ، وتصلح عليها أجسامهم ، ولو أحياهم ، وآلمهم ومنعهم إدراك اللذات لكانوا مستضرين بالآلام ، وبمثابة الأحياء المعذبين من أهل النار ، وهذه نعمة الله سبحانه على جميع الحيوان الحاس ، العاقل منهم والناقص ، والمؤمن والكافر.

١٠ ـ وأن يعلم أن أفضل وأعظم نعمة الله على خلقه الطائعين وعباده المؤمنين خلقه الإيمان في قلوبهم ، وإجراؤه على ألسنتهم ، وتوفيقهم لفعله ، وتمكينهم بالتمسك به. وخلق الإيمان ، والتوفيق له نعمة خصّ الله تعالى بها المؤمنين دون الكافرين ، ولذلك قال عزوجل : (فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) [البقرة :

__________________

(١) والبقاء ليس صفة حقيقة عند الباقلاني بل هو دوام الوجود (ز).

٩٥

٦٤](وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) [النّساء : ٨٣](وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) [النّور : ٢١] وقال عزوجل : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) [آل عمران : ١٠٣] وقال تعالى : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الحجرات : ١٧] فلو كانت هذه النعمة له على الكافرين لم يكن لتخصيصه بها المؤمنين وامتنانه على المؤمنين وجه ، إذ كان قد أنعم بها على المردة والكفرة الضالين.

١١ ـ وأن يعلم : أن طرق المباين عن الأدلة التي يدرك بها الحق والباطل خمسة أوجه : (١) كتاب الله عزوجل و (٢) سنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم و (٣) إجماع الأمة و (٤) ما استخرج من هذه النصوص وبنى عليها بطريق القياس والاجتهاد ، و (٥) حجج العقول. قال الله تعالى آمرا باتباع كتابه والرجوع إلى بيانه : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)) [محمّد : ٢٤] وقال عزوجل : (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النّساء : ٨٢] وقال تعالى : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩] وقال سبحانه : (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النّحل : ٨٩] و (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨].

وقال عزوجل في الأمر باتباع رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر : ٧] وقال : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى (٤)) [النّجم : ٣ ، ٤] وقال : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [النّور : ٦٣].

وقال سبحانه في وصف عدالة أمة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم والأمر باتباعها ، والتحذير من مخالفتها : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) [البقرة : ١٤٣] وقال : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران : ١١٠] وقال : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥)) [النّساء : ١١٥].

وقال في الأمر بالقياس والحكم بالنظائر والأمثال : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [الحشر : ٢] وقال : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النّساء : ٨٣] وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقاضيه معاذ بن جبل رضي الله عنه حين أنفذه إلى اليمين لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق : «بم تحكم؟ قال : بكتاب الله عزوجل. قال :

٩٦

فإن لم تجد؟ قال : بسنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : فإن لم تجد؟ قال : أجتهد رأيي وأحكم. فقال : الحمد لله الذي وفّق رسول رسوله لما يرضي الله ورسوله». فأقره على الحكم والاجتهاد وجعله أحد طرق الأحكام.

وقال عزوجل في الأمر باتباع حجة العقل : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١)) [الذّاريات : ٢١] وقال : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩)) [الواقعة : ٥٨ ، ٥٩] وقال : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠)) [آل عمران : ١٩٠] وقال : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)) [يس : ٧٨ ، ٧٩] وقال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الرّوم : ٢٧] فأمرنا بالاعتبار والاستبصار ورد الشيء إلى مثله أو الحكم له بحسب نظيره ، وهذا هو الحكم ، المعقول والتقاضي إلى أدلة العقول.

١٢ ـ وأن يعلم : أن فرائض الدين وشرائع المسلمين ، وجميع فرائض المسلمين وسائر المكلفين على ثلاثة أقسام : فقسم منها : يلزم جميع الأعيان وكل من بلغ الحلم وهو : الإيمان بالله عزوجل ، والتصديق له ، ولرسله ، وكتبه ، وما جاء من عنده ، والعبادات على كل مكلف بعينه ، من نحو الصلاة ، والصيام ، وما سنذكره ونفصله فيما بعد إن شاء الله.

والقسم الثاني : واجب على العلماء دون العامة ، وهو القيام بالفتيا في أحكام الدين ، والاجتهاد ، والبحث عن طرق الأحكام ، ومعرفة الحلال والحرام ، وهذا فرض على الكفاية دون الأعيان ، فإذا قام به البعض سقط عن باقي الأمة وكذلك القول في حفظ جميع القرآن ، وما تنفذ به الأحكام من سنن الرسول عليه‌السلام ، وغسل الميت ، ومواراته ، والصلاة عليه ، والجهاد ، ودفع العدو ، وحماية البيضة وما جرى مجرى ذلك مما هو فرض على الكفاية. فإذا قام به البعض سقط عن باقي الأمة.

والقسم الثالث : من الواجبات من فرائض السلطان دون سائر الرعية : نحو إقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق ، وقبض الصدقات ، وتولية الأمراء ، والقضاة ، والسعاة ، والفصل بين المتخاصمين ، وهذا وما يتصل به من فرائض الإمام وخلفائه على هذه الأعمال دون سائر الرعية والعوام وليس في فرائض الدين ما يخرج عما وصفناه ويزيد على ما قلناه.

٩٧

١٣ ـ وأن يعلم : أن أول ما فرض الله عزوجل على جميع العباد. النظر في آياته ، والاعتبار بمقدوراته ، والاستدلال عليه بآثار قدرته وشواهد ربوبيته ؛ لأنه سبحانه غير معلوم باضطرار ، ولا مشاهد بالحواس ، وإنما يعلم وجوده وكونه على ما تقتضيه أفعاله بالأدلة القاهرة ، والبراهين الباهرة.

والثاني : من فرائض الله عزوجل على جميع العباد ؛ الإيمان به والإقرار بكتبه ورسله ، وما جاء من عنده ، والتصديق بجميع ذلك بالقلب والإقرار به باللسان.

١٤ ـ وأن يعلم : أن الإيمان بالله عزوجل هو : التصديق بالقلب ، بأن الله الواحد ، الفرد ، الصمد ، القديم ، الخالق ، العليم ، الذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١].

والدليل على أن الإيمان هو الإقرار بالقلب والتصديق ؛ قوله عزوجل : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [يوسف : ١٧] يريد بمصدق لنا. ومنه قوله عزوجل : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) [غافر : ١٢] أي تصدقوا. ويقال فلان يؤمن بالله وبالبعث ؛ أي يصدق بذلك. وكذلك قولهم : فلان يؤمن بالشفاعة والقدر ، وفلان لا يؤمن بذلك ، يعني به التصديق ، وينفي الإيمان به التكذيب. وقد اتفق أهل اللغة قبل نزول القرآن وبعث الرسول عليه‌السلام على أن الإيمان في اللغة هو التصديق دون سائر أفعال الجوارح والقلوب.

والإيمان بالله تعالى يتضمن التوحيد له سبحانه ، والوصف له بصفاته ، ونفي النقائص عنه الدالة على حدوث من جازت عليه.

والتوحيد له هو : الإقرار بأنه ثابت موجود ، وإله واحد فرد معبود ليس كمثله شيء ؛ على ما قرر به قوله تعالى : (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (١٦٣)) [البقرة : ١٦٣] وقوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١].

وأنه الأول قبل جميع المحدثات. الباقي بعد المخلوقات ، على ما أخبر به تعالى من قوله : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣)) [الحديد : ٣] والعالم الذي لا يخفى عليه شيء والقادر على اختراع كل مصنوع ، وإبداع كل جنس مفعول ، على ما أخبر به في قوله تعالى : (خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠٢](وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة : ١٢٠].

وأنه الحيّ الذي يموت ، والدائم الذي لا يزول ، وأنه إله كل مخلوق ، ومبدعه ومنشئه ، ومخترعه ، وأنه لم يزل [مسميا] لنفسه [بأ] سمائه ، وواصفا لها بصفاته ، قبل

٩٨

إيجاد خلقه ، وأنه قديم بأسمائه وصفات ذاته ، التي منها : الحياة التي بها بان من الموت والأموات ، والقدرة التي أبدع بها الأجناس والذوات ، والعلم الذي أحكم به جميع المصنوعات ، وأحاط بجميع المعلومات ، والإرادة التي صرف بها أصناف المخلوقات. والسمع والبصر اللذان أدرك بهما جميع المسموعات والمبصرات ، والكلام الذي به فارق الخرس والسكوت وذوي الآفات ، والبقاء الذي به سبق المكونات ، ويبقى به بعد جميع الفانيات ، كما أخبر سبحانه في قوله : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [الأعراف : ١٨٠] وقوله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) [النّساء : ١٦٦](وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) [فاطر : ١١] وقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصّلت : ١٥] وقوله : (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذّاريات : ٥٨] فنصّ تعالى على إثبات أسمائه وصفات ذاته ، وأخبره أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات ، كما قال عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] وقال : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧)) [الرّحمن : ٢٧] واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن ، في قوله عزوجل : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٦٤] وقوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] وأنهما ليستا بجارحتين ، ولا ذوي صورة وهيئة ، والعينين (١) اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليه‌السلام ، فقال عزوجل : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] و (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) [القمر : ١٤] وأن عينه ليست بحاسة من الحواس ، ولا تشبه الجوارح والأجناس ، وأنه سبحانه لم يزل مريدا وشائيا ، ومحبا ومبغضا ، وراضيا ، وساخطا ، ومواليا ، ومعاديا ، ورحيما ، ورحمانا. ولأن جميع هذه الصفات راجعة إلى إرادته في عباده ومشيئته ، لا إلى غضب بغيره. ورضى يسكنه طبعا له ، وحنق وغيظ يلحقه ، وحقد يجده ، إذا كان سبحانه متعاليا عن الميل والنفور.

وأنه سبحانه راض في أزله عمن علم أنه بالإيمان يختم عمله ويوافي به. وغضبان على من علم أنه بالكفر يختم عمله ويكون عاقبة أمره ، وقد قال تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] و (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] وقال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)) [النّحل :

__________________

(١) وتثنية العين لم ترد في الكتاب ، وحديث الدجال ليس فيه إلا نفي النقص من الله سبحانه لا إثبات العينين له مع كونه خبر آحاد فيتعين الاقتصار على ما ورد في الكتاب وهو ما في الآيتين وإلا يكون في الأمر فتح باب التشبيه (ز).

٩٩

٤٠] وقال : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [المائدة : ١١٩](وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) [الإنسان : ٣٠] في أمثال هذه الآيات الدالة على أنه شاء مريد ، وأن الله جلّ ثناؤه مستو على العرش ، ومستول على جميع خلقه كما قال تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (٥)) [طه : ٥] بغير مماسة وكيفية ، ولا مجاورة ، وأنه في السماء إله وفي الأرض إله كما أخبر بذلك.

وأنه سبحانه يتجلى لعباده المؤمنين في المعاد ، فيرونه بالأبصار ، على ما نطق به القرآن في قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] وتأكيده كذلك بقوله في الكافرين : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)) [المطفّفين : ١٥] تخصيصا منه برؤيته للمؤمنين ، والتفرقة فيما بينهم وبين الكافرين ، وعلى ما وردت به السنن الصحيحة في ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما أخبر به عن موسى عليه‌السلام ، في قوله : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) [الأعراف : ١٤٣] ولو لا علمه بجواز الرؤية بالأبصار لما أقدم على هذا السؤال.

١٥ ـ وأن يعلم : مع كونه تعالى سميعا بصيرا : أنه مدرك لجميع المدركات التي يدركها الخلق : من الطعوم ، والروائح ، واللين ، والخشونة ، والحرارة ، والبرودة ؛ بإدراك معين ، وأنه مع ذلك ليس بذي جوارح وحواس توجد بها هذه الإدراكات.

فتعالى [الله] عن التصوير والجوارح ، والآلات.

١٦ ـ وأن يعلم : أنه مع إدراك سائر الأجناس [من] المدركات وجميع الموجودات ، غير ملتذ ولا متألم بإدراك شيء منها ، ولا مشقة [له منها] ولا نافر عنها ، ولا منتفع بإدراكها [ولا متضرر] بها. ولا يجانس شيئا منها ، ولا يضادها ، وإن كان مخالفا لها.

١٧ ـ وأن يعلم : أنه سبحانه ليس بمغاير لصفات ذاته ، وأنها في أنفسها غير متغايرات ؛ إذ كان حقيقة الغيرين ما يجوز مفارقة أحدهما الآخر بالزمان ، والمكان والوجود والعدم. وأنه سبحانه يتعالى عن المفارقة لصفات ذاته ، وأن توجد الواحدة منها مع عدم الأخرى.

١٨ ـ وأن يعلم : أن صفات ذاته [هي التي] لم تزل ، ولا يزال موصوفا بها. وأن صفات أفعاله هي التي سبقها ، وكان تعالى موجودا في الأزل قبلها.

ونعتقد أن مشيئة الله تعالى ومحبته ورضاه ورحمته وكراهيته وغضبه وسخطه وولايته وعداوته [كلها] راجع إلى إرادته ، وأن الإرادة صفة لذاته غير مخلوقة ، لا على

١٠٠