العقيدة وعلم الكلام

الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري

العقيدة وعلم الكلام

المؤلف:

الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري


المحقق: الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4364-6
الصفحات: ٦٤٥

أما سئموا من النزول؟!!

إصرار فاض على فتيا زائفة له في إنكار نزول عيسى عليه‌السلام ، أوجب مناصرة عقيدة المسلمين في المسألة ، ولو لا هذا لكنا في غنية عن هذا الحديث في مثل هذه الظروف.

ومن الناس من لا يجد موطئ قدم يقوى على حمل أثقاله ، فلا يزداد إلا نزولا وتورّطا كلما حاول النهوض من حيث كبا ، مثل الأستاذ المتهجّم ، فإنك تراه يزداد تورّطا وتخبّطا وانكسافا وانخسافا ، كلّما حاول الدفاع عن خروجه على المتوارث في العمل والعقيدة.

فها هو ذا قد كتب مقالا في العدد (٥١٤) من مجلة الرسالة ، يظهر منه أنه يريد أن يشغل الناس ـ إلى نزول عيسى عليه‌السلام ـ برأيه الشاذّ في النزول ، بعد أن أماتته حجج أهل الحق وأقبرته ، والدجّال الأعور لا يتأخّر عن الاعتراف بنزوله عليه‌السلام ، حين يرى نزوله بعينه السليمة مع عدم اعترافه بالوحي.

ومن أسوإ ما يصاب به المرء أن لا يشعر بما مني به في مناهضة عقيدة الجماعة ، فيزداد سقوطا بتمرّده واستكباره عن قبول الحق ، وبرميه جماعة أهل العلم بدائه ، قاعدا تحت المثل السائر : «أوسعتهم سبّا وأودوا بالإبل» ، وهو مطمئن إلى أننا لا نستطيع أن نساجله في ذلك ، وله الحقّ في هذا الاطمئنان.

ومما يدل على مبلغ تهيّج أعصابه إزاء وطأة الحق قوله عن حجج أهل الحق الرادين على باطله : إنها إنما نشرت في مجلات وصحف لا تقع عليها عين عالم!! كلمة ما أسخفها!! وبذلك يكون أقرّ على نفسه بأنه غير عالم ، لأنه من كتّاب مجلة نكتب فيها ، وكم كتب فيها وأثنى عليها ، ورأى الردود على شطحاته فيها ، فحاول الجواب عنها ، فهو يراها ثم يراها إلى أن تقوم قيامته ، وهذا الإقرار منه حجّة قاصرة لا تتعدّى شخص المقرّ ، وله أن يقرّ على نفسه بما يشاء.

٤١

وبعد أن اعترف هكذا بأنه غير عالم ، كيف يزجّ نفسه في مضايق البحوث العلمية؟ أم كيف يبيح لنفسه أن يحكم على أناس بأنهم جهلة؟!! وليس الحكم على أناس بأنهم جهلة من شأن الجاهل ، والجاهل إنما يعلم جهله العالم ، بيد أنّ الجاهل جهلا مكعّبا ـ بجهله للشيء ، وبجهله لجهله له ، وبحسبانه مع ذلك أنه يعلمه فوق علم كل عالم ـ لا يتحاشى عن تجهيل الأمة بأسرها من صدر الإسلام إلى اليوم ، في مسألة أجمعت الأمّة عليها ، وشذّ هو فيها عن جماعة أهل الحق.

وأما إن كان العالم في نظره هو من يستلهم الفقه من (لاهاي) ، ويستوحي العقيدة من (لاهور) (١) ، فلتلك المجلات والصحف كلّ الفخر إذا لم تقع عليها عين مثل هذا العالم.

وقد أنطقه الله في مفتتح مقاله آية تنطبق كلّ الانطباق على شخص الشاذّ نفسه ، لو فكّر وتدبّر.

الصحابة والتابعون وأئمة الفقه والحديث والتفسير والتوحيد كلّهم في جانب ، يؤيّدهم الكتاب والسنة والإجماع ، وذلك المتحامل في جانب يعضده متنبئ المغول في (قاديان) ، وفيلسوف (طرة) في سابق الأزمان!! منظر ما أروعه!! ومع ذلك كله يعدّ نفسه هو المحقّ التقيّ النقيّ الصالح الورع الوديع الحكيم ، ويفرض أنّ جماعة علماء المسلمين على توالي القرون هم المبطلون المتنطعون الحشوية!! فاعجب أن يتحدّث مثله عن الحجة والبرهان ، وقد داس تحت رجليه معايير العلم وموازين الفهم!! فسبحان قاسم المواهب.

فيجب أن يعلم أنّ إحالة من أحال المسألة عليه ـ كما فعل مثل ذلك في حمله على التجرؤ على السّنّة ـ لا تبرّر موقفه من حجج الشرع في نزول عيسى عليه‌السلام ، فها نحن أولاء نتعقّبه بإذن الله سبحانه خطوة فخطوة ، في جميع ما يبدئ ويعيد ، من انحرافاته عن الجادة ، ونريه بتوفيق الله وتسديده ما دام للحق سلطان ، كيف يكون زهوق الباطل تحت قوارع الحجج؟ إلى أن يقتنع بالحق.

رجل يقول : إنّ الشيطان ليس بكائن حيّ عاقل ، بل هو قوّة الشرّ المنبثّة في العالم! ـ كما هو رأي الباطنية ـ ويقسم السّنّة إلى أقسام ، تمهيدا للانسلاخ من معظمها بل كلّها ، تقرّبا إلى اللاهورية نفاة السنة ، ويستسهل إلغاء فريضة الظهر لمن صلّى العيد

__________________

(١) يعني بلد القادياني ، الذي جاءت فتوى الشيخ شلتوت على وفق دعواه!

٤٢

يوم الجمعة علنا جهارا ـ تشكيكا للعامة في المتوارث ، ويدعو إلى القول بموت عيسى وعدم نزوله في آخر الزمان ـ موافقة ومناصرة للأحمدية أتباع متنبئ المغول في قاديان.

(ولم ينس الناس بعد ، ذلك الحديث المنشور لشيخه في (الصاعقة) و (الجامعة الإسلامية) و (الفتح) وتلك الفقرات في (تقرير البعثة الهندية ، عنهم!).

ويحمل زملاءه باسم الدين الإسلامي على تجويز إقعاد معبوده على ظهر بعوضة ، وإثبات القعود والقيام والمشي والحركة والتنقل والاستقرار المكانيّ والحدّ والجهة والمكان والبعد المكانيّ له تعالى ، كما هو معتقد الحشويّة.

(صغيرهم) يفعل ذلك كلّه ، ولا يخجل مما اقترف ، بل يجرؤ على نشر ذلك المقال المكتظّ بالعدوان على أهل الحق ، ويسمح له أن ينال من أسس الدين ، باسم حراسة الدين ، ويكافأ مكافأة الحرّاس الأمناء ، ويحمل فوق الأكتاف! هذا ما يتيه في تعليله العقل في بلد يكون العلم سائدا فيه.

وقد بلغت به الجرأة إلى حدّ أن يشهد على ما عند الله سبحانه ـ كأنه رسول من عند الله ـ فيقول فيمن ينفي رفع عيسى حيا ، ونزوله في آخر الزمان : إنه لا شية في إيمانه عند الله. فيكون ما عليه الجماعة من الاعتقاد المتوارث على ضدّ من ذلك طبعا ، وهذا قلب للأوضاع فظيع ، وجهل بأصول الاستدلال الشرعي شنيع. ولا أدري من أين أتاه هذا الوحي ضدّ اعتقاد جماعة المسلمين؟

وإني أوصي ذلك المتحامل أن لا يذهل عن مداولات الألفاظ التي يوجّهها إلى قرّة عيون المجاهدين ، وسيف المناظرين ، العلامة الأوحد مولانا شيخ الإسلام (١) ـ أمتع الله المسلمين بعلومه ، وأطال بقاءه في خير وعافية ـ وأن يبتعد عن إرسال الكلام جزافا نحوه ، لأنّ سماحته ليس من الطراز الذي تعوّد صاحب المقال التجرؤ عليه ، وهو القائم بالحجة في هذا العصر ، كما كان البرهان الأبناسيّ يقول ذلك في ابن الهمام ، فيذوب أمام صولته العلمية كلّ مبطل ، فلطمة أدبية منه تدع هذا المتهجّم مثلا في الآخرين.

__________________

(١) يعني به : شيخ الإسلام مصطفى صبري ، آخر شيوخ الإسلام في الدولة العثمانية ، وقد سكن مصر مهاجرا إليها ، ورد على بعض شذوذات الشيخ محمود شلتوت بقلمه البليغ الرفيع.

٤٣

وما لصاحب المقال ولذلك المجهول في الجماعة؟! وهو نفسه غريق إلى (شوشته) في مخاضة لا يستطيع الخلاص منها ، ولا النهوض حيث وقع. فأوّل واجب عليه أن يخلّص نفسه مما تورّط فيه من الزيغ المبين ، لا أن يدافع دفاع الفضوليّ ويشهد بالنفي! عن مجهول يعلم نفسه ويعلمه غيره ، ولا شأن له به.

وطائفة لا تأبى الانصياع لتقرير يكتبه بطل الخروج على كل متوارث ، عن كتاب «النّقض» المكتظّ بوثنيات مشروحة في العددين (٤٤ و ٤٥ ، ١٣٦١ ه‍ من ـ مجلّة ـ الإسلام ، وتقرّر إباحة نشره ، وأن لا شيء في تداوله : لا محلّ لاستبعاد أن يوجد بينهم من يقول : «إنّ قوله تعالى : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب : ٤٠] عرضة الاحتمالات العشرة!! وحديث «لا نبيّ بعدي» خبر آحاد لا يفيد العلم ، والإجماع في إمكانه ووقوعه وإمكان نقله وحجّيّته : كلام!».

مع أن التقعّر بالاحتمالات العشرة لا يمتّ إلى أيّ إمام من أئمة الدين بأيّ صلة ، وإنما هو صنع يد بعض المبتدعة ، وتابعه بعض المتفلسفين من أهل الأصول ، فساير هذا الرأي مسايرون من المقلّدة ، كما محّص ذلك في موضعه ، والقول بظنية الدليل اللفظيّ مطلقا : باطل ، لأدلة مشروحة في موضعه.

ومن لا يكون له إلمام بالسنة ، ويكون له هوى في إبطالها بكل وسيلة ، يسهل عليه أن يقول في كلّ ما ثبت بالتواتر المعنوي : هذا خبر آحاد ، كما يقول الشيخ في حديث نزول عيسى عليه‌السلام ، وغيره في حديث «لا نبيّ بعدي» ، مع أنّ طرقهما في غاية الكثرة عند أهل العلم بالحديث.

وقد نصّ على تواتر حديث نزول عيسى عليه‌السلام ، ابن جرير والآبريّ وابن عطية وابن رشد الكبير والقرطبيّ وأبو حيان وابن كثير وابن حجر وغيرهم من الحفاظ ، وهم أصحاب الشأن ، وكذا صرّح بتواتره الشوكانيّ وصدّيق خان والكشميريّ في مؤلفاتهم.

ويسهل أيضا على كل من يسير وراء الهدّامين من اللامذهبية أن يقول في المسائل الإجماعية : إنّ الإجماع في إمكانه ووقوعه وإمكان نقله وحجّيّته كلام!! كما سبق ، فإذن لا كتاب ولا سنة ولا إجماع ، فليتقوّل من يشاء ما يشاء ، كلّ يوم باسم الشرع!!

٤٤

وليس انتقاد بطل الإسلام (١) لأناس إلا بعد أن وضع إصبعه المشخّصة على نصوص كلامهم ، فلا يمكن لهم أن ينفلتوا من يده ، حيث يبني ردوده على الحقائق الملموسة ـ وفي كتابه الخبر اليقين ـ.

والضغينة التي يتخيلها بطل الشذوذ في كلام سماحته ، ما هي إلا بغض في الله ، وليس يحوم حول فكره السامي طائر العنصريات والإقليميات وسائر وجوه الجهالات ، التي وضعها المصطفى ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ تحت قدمه الشريفة ، لأن الإسلام لا يعرف عنصرا ولا إقليما ، وإنما يعرف إخاء شاملا على مبادئ سامية ، وهكذا العلم لا يخصّ بلدا ولا قبيلا ، بل هو نور شامل.

ولذا تجد سماحته من أبرأ الناس من مثل تلك الجاهلية الجهلاء ، بل يعدّ المبطل مبطلا كائنا من كان ، والباطل باطلا حيثما كان ، وإلا ما تحدّث عن الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده بما تحدّث به عنه ، لأنه تركمانيّ الدم ـ من بني جنسه ـ كما كان الشيخ نفسه يصرّح بذلك ، ومن شهود هذا التصريح صاحب «المنار» في المجلد الثامن (ص ٣٧٩) ، ومعالي الوزير الحكيم الشيخ مصطفى عبد الرزاق باشا في مقدمة «العروة الوثقى».

وأما الشيخ محمد عبده فله مميزات معروفة ، وكان نادرة بين شيوخ عصره في الكتابة والإدارة وتصريف الشئون ، والقيام ببعض ما يعود على المجتمع بخير ، وقد أثنى عليه صديقه اللورد كرومر ، بسعة العلم واستنارة الذهن ، كما أثنى على مريديه بأنهم : «جديرون بكل تشجيع ومساعدة ، يمكن إمدادهم بهما ، لأنهم خلفاء المصلح الأوروبي الطبيعيون»!

وقال عن الشيخ عبده : «كان أحد زعماء الفتنة العرابية ، فلما جئت مصر سنة ١٨٨٣ كان مغضوبا عليه ، ولكن الخديو توفيق عفا عنه بما فطر عليه من مكارم الأخلاق ، وانقيادا لتشديد الإنكليز عليه في ذلك ، وعيّنه قاضيا (أهليا) ، فأحسن العمل وأدّى الأمانة حقّها».

وقال أيضا «إنني قدّمت لمحمد عبده كلّ تنشيط استطعته مدة سنين كثيرة ... ولسوء الحظ كان على خلاف كبير مع الخديو ، ولم يتمكن من البقاء في منصب الإفتاء ، لو لا أنّ الإنكليز أيّدوه بقوة»!

__________________

(١) يعني به : سماحة الإمام شيخ الإسلام مصطفى صبري.

٤٥

وصدّق اللورد كرومر قول المستشار القضائي في الشيخ : «قام لنا بخدم جزيلة لا تقدّر ، في مجلس شورى القوانين ، في معظم ما أحدثناه أخيرا من الإصلاحات المتعلقة بالموادّ الجنائية وغيرها ، من الإصلاحات القضائية»!!

وقال اللورد أيضا : «وفي سنة ١٨٩٩ رقّي إلى منصب الإفتاء الخطير الشأن ، فأصبحت مشورته ومعاونته في هذا المنصب ذات قيمة ثمينة ، لتضلّعه من علوم الشرع الإسلامي ، مع ما به من سعة العقل واستنارة الذهن» ، ثم ذكر كمثال فتواه في تثمير الأموال في صناديق التوفير.

وقد طال أمد الصداقة بين الشيخ وبين اللورد كرومر ، فعرف كلّ منهما صاحبه ، فإذا انتقد مثله بعض نواحي الانتقاد في الشيخ ، لا يتّهم بغرض ، بل يعدّ منصفا ، ما غطّت صداقته على حقيقة أمر صديقه ، فدونك ما يقوله في «مصر الحديثة» ، على ما تجد في المجلد الحادي عشر من المنار (ص ٩٤) :

«وأخشى أن يكون صديقي محمد عبده في حقيقة أمره (لا أدريّا) ولو أنه يستاء منه لو نسبت إليه». ثم يأخذ عليه حديثه مع جمال الدين بشأن الخديو إسماعيل كما في (ص ٩٦) من المجلد المذكور. وأقرب الناس إلى الشيخ ما كان ينكر تساهل الشيخ في الإفتاء ، ويأخذ عليه أنجب تلاميذه المنفلوطيّ في «النظرات» فتحه لباب التأويل على مصراعيه (١) ، بل يستبعد كثير من الناس التجرؤ على المسائل المتوارثة ممن يرى قداسة الشرع.

والواقع أن للشيخ أطوارا في العلم والعمل والاتجاه ، فوجهته في عهد «العروة الوثقى» غير وجهته بعد اتصاله بزعيمه ، كما ذكره مصطفى عبد الرازق باشا في «الشباب». واتجاهه يوم رفع اللائحة إلى شيخ الإسلام العثماني غير اتجاهه فيما بعد ، وقد ذكرت صفحة منها في العدد (١٩ ـ ١٣٦٢ ه‍) من مجلة الإسلام ، ومن طالع «الواردات» و «العقيدة المحمدية» و «حاشية الدّوّاني على العضدية» و «فتاواه» وما نقل عنه في التفسير ، و «رسالة التوحيد» ، لا يصعب عليه فهم أطواره.

وتصوّره الخطاب إلى الحس في دين ، وإلى القلب في دين آخر ، وإلى العقل في دين الإسلام فقط : خيال شاعر يأباه قوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) [الأنعام : ٨٣] وغيره من الآيات ، بل كلّ دين إلهي إنما يكون الخطاب فيه إلى العقل

__________________

(١) انظر في الجزء الأول من «النظرات» مقالة (يوم الحساب) ففيها نقد المنفلوطي لشيخه محمد عبده بأسلوب أدبي لاذع.

٤٦

الذي سلطانه على المشاعر الظاهرة والباطنة على حدّ سواء ، ورأيه في تطوّر الأديان مثار جدل اليوم في الجامعة.

ولم يتحدث سماحة شيخ الإسلام إلا عن العلماء الذين تقاعسوا عن القيام بواجبهم ، ولا تكلّم عن المجلات والصحف عامة ، بل عن الصحف والمجلات المنحرفة عن الثقافة الإسلامية.

فإن كان كاتب المقال يجهل وجود انحراف عن الثقافة الإسلامية ، في صحف ومجلات تنشر هنا وهي بين يديه ، ويكتب في بعضها ، ـ وصلة منبر آرائه بإسماعيل أدهم (١) لا تزال ماثلة في الأذهان ـ فذلك لا يهمّنا ، وليس جهل ذلك بناع علينا ، وما الجري وراء الخرص والتظنّن والتشويه إلا شأن غيرنا.

وأما تقريظ كتاب معالي هيكل باشا مع نفيه المعجزات الكونية ، ومع ردّه الاحتجاج بالسنة ، فيجعل المؤلّف والمقرّظ في صفّ واحد ، وبيان حال المقرّظ في العدد (٤٢ ـ ١٣٦١ ه‍) ، على أن المعجزات كلّها قاهرة ، وقصر المعجزة القاهرة على القرآن الحكيم نفي لسائر المعجزات!

ومن الغريب أن صاحب المقال كلما تحدّث عن السّنّة يعطي الرادّين عليه حججا جديدة ، تدل على بعده الشاسع عن معرفة علوم الحديث ، وليس هو على علم من أنّ الخبر الذي تكثر رواته في كل طبقة ، بحيث تصل إلى حدّ التواتر ، لا يبقى للجرح والتعديل شأن في رجال أسانيده اتفاقا بين أهل العلم بالحديث ، وليس القول بأنّ هذا ضعيف منجبر ، أو حسن ، أو صحيح ، إلا بالنظر إلى سند خاص ورواية خاصة ، وأما الحديث الذي يرويه نحو ثلاثين صحابيا بطرق كثيرة تبلغ حدّ التواتر في كل طبقة ، فيعلو من أن تنال يد النقد طرقه واحدة واحدة ، بعد ثبوت التواتر بالنظر إلى مجموع الأسانيد والروايات.

فبهذا البيان يعلم أنّ هزء الشيخ في الكلام عن سبعين حديثا ـ أربعون منها صحاح وحسان ، والباقي منجبر (٢) ـ لا يجد موردا ، فيرتدّ إلى مصدره ، ومجاملة أهل الحق لا تنتظر ممن تعوّد مجاملة أهل الباطل.

__________________

(١) الملحد الزنديق ، وداعية الإلحاد في تأليف كتاب له خاص بالإلحاد. وانظر ترجمته في (الأعلام) للزركلي.

(٢) انظر في هذا كتاب إمام العصر محمد أنور شاه الكشميري ، واسمه : «التصريح بما تواتر في نزول المسيح» ، وهو مطبوع في الهند ولبنان ، وهو غاية الغايات في موضوعه.

٤٧

وإذا رأيت من ظهرت للملإ مسايرته لأهواء أهل عصره يقول في الأباة الكرام الرادّين على باطله ، القائمين بالذب عن دين الله يوم خذله حرّاسه : «فتلك شنشنة عرفت من أمثال هؤلاء الذين مني الإسلام بهم في كل عصر ، ورأوا أنّ مسايرة الجماهير في أهوائهم وعقائدهم أجدى لهم وأسبغ للنعمة عليهم!» وعرفت دعوته ودعوتهم ، وخبرت محياه ومحياهم : عرفت مبلغ توخّي الصدق في قلمه ، وهكذا يكون الأدب الراقي!! ولسنا نعيش في كرة المرّيخ حتى تجهلنا الأمّة.

وأما توهّمه اتصالات بشأنه فصنع خياله! ومناصرة أهل الحق للحق في مثل هذا البلد الأمين لا تحوج إلى اتصالات ، لكنّ المريب يكون وهّاما ، رضي الله عن الذين يناصرون الحقّ حيثما كانوا.

وليس الشيخ بموفّق حتى في ضربه الأمثال وذكره النظائر ، على أمل أن تخفّف الوطأة عنه ، وهو كثير الأغلاط فيها أيضا ، فلكونها غريبة عن الموضوع ، لا نشتغل بتبيين تلك الأغلاط هنا ، حيث لا نسمح له أن يسرح في خارج البحث ، إلى أن ينفد ما في جعبته في الموضوع. ونكتفي بلفت نظره إلى أنه لا تنقذه من ورطته موافقة طائفة من غير المسلمين له ، فليقل ما يوافقه عليه المسلمون كائنا ما كان قوله ، وافقه اليهود مثلا أم لم يوافقوا ، لكن ليحذر كلّ الحذر مما يخالفه فيه المسلمون كمسألتنا هذه ، وهناك الطامّة.

٤٨

العقيدة الدينية وطريق ثبوتها

بهذا العنوان مقال أيضا في العدد (٥١٦) يوسّع فيه كاتبه ـ بعد مقدمة غريبة عن الموضوع ـ دائرة البحث الجاري بينه وبين الذّابّين عن عقيدة أهل الحق في نزول عيسى عليه‌السلام ، فيحشر فيه ما لا صلة له به من آراء تكشف الغطاء عن علم الكاتب وفهمه واتجاهه أكثر من ذي قبل ، وتنيله شهرة ، لكن بما لا يرضاه لنفسه ، وقد انفرد بفهم معنى (العقيدة) ، وباكتشاف طريق ثبوتها في الإسلام ، وإن تأخّر هذا الفهم وهذا الاكتشاف إلى القرن الرابع عشر الهجري!! فلا بأس أن نستعرض هنا بعض آرائه الطريفة ، لنزيد كشفا عن مرمى كاتب المقال ووجهته.

فمنها قوله : «إنّ ما يجب الإيمان به يرجع إلى الأصول التي اشتركت فيها الأديان السماوية» ، فعلى هذا لا يعترف الكاتب بعقيدة خاصة في الإسلام ، ولا يقرّ بعقيدة فيه ما لم تكن متوارثة من الأديان السابقة!! فيكون هذا حجر الزاوية في بناء توحيد الأديان!! بل وضع أساس للاستغناء عن اللاحق بالسابق!!

مع أنه لا مصدر يوثق به في الاطلاع على جلية أحوال الأديان السابقة غير القرآن الحكيم والسنة النقيّة البيضاء. وقوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ) [الشّورى : ١٣] وقوله تعالى : (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) [آل عمران : ٦٤] للتدرّج بالمخاطبين إلى الدعوة المحمدية بحكمة. وليس الاشتراك في بعض الأسس يوجب الاشتراك في الجميع.

ومنها قوله : «إنّ الإيمان هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع عن دليل». وهذا رأي ساقط ، لأنّ اعتقاد العامة لا عن دليل ، فيكونون غير مؤمنين على هذا الرأي!.

ومنها قوله : «إنّ الدليل العقليّ يفيد اليقين ، ويحقّق الإيمان المطلوب بالاتفاق بين العلماء» ، فيختصّ بأن يكون مصدر العقيدة ، لأنها لا تؤخذ مما اختلف فيه عنده ، والدليل النقليّ مختلف فيه في نظره كما سيأتي منه.

٤٩

ومنها قوله : «إنّ الأدلة النقلية لا تفيد اليقين ، ولا تحصّل الإيمان المطلوب ، ولا تثبت بها وحدها عقيدة عند كثير من العلماء ، والذين ذهبوا إلى أنها تفيد اليقين ، وتثبت العقيدة ، شرطوا في الدليل النقليّ أن يكون قطعيّ الورود ، قطعيّ الدلالة» ، وذكر أمثلة للنوعين على رأي الفريق الثاني ، ثم قال : «ولا بد أن يعمّ العلم بالعقائد جميع الناس ، ولا يختصّ بطائفة دون أخرى ... ومن مقتضيات هذا العلم العامّ بها أن لا يقع خلاف بين العلماء في ثبوتها أو نفيها ، والعلميّات المختلف فيها ليست من العقائد».

فعلى هذا لا يكون أحد سالم العقيدة والإيمان ما لم يعتقد جميع الناس ما اعتقده هو ، وما لم تعلم كافّة البشر ما علمه هو ، فلا يمكن للأشعرية أو الماتريدية مثلا أن ينفردوا بعقيدة تكون حقا ، ما لم يشاركهم باقي الفرق فيها ، فتكون النّحل كلّها على قدم المساواة ، وتزول الحواجز بينها ، ويرتع الغنم مع الذئاب في مرتع واحد!! فتكون النّحل موحدة بفضل هذا الاجتهاد الجديد!!.

ومنها قوله : «إن ما اختلف فيه العلماء في باب العقليات ، والعلميّات ، كاختلاف الفقهاء في العمليات ، في عدم التضليل والتفسيق ، فضلا عن التكفير».

والعلماء في نظره أعمّ من علماء أهل الحق وزعماء سائر الفرق من أيّ نوع كان بدعتهم.

وهو يفرض أن الدليل القطعيّ البيّن عند هذا ، يكون بيّنا معلوما عند الجميع ، وأنّ الناس كلّهم سواسية في العلم والفهم!! فتتمّ بتلك المبادئ تصفية كتب العقائد في الإسلام ، وتنزيل مسائلها إلى عشر معشارها!! وفي ذلك الاقتصاد التامّ في العقيدة ، والاقتصاد مطلوب في كل شيء!!

هذا هو منزع صاحبنا ، فما يجب اعتقاده في نظره هو ما اتّفق عليه أرباب النّحل ، ويكون الناس أحرارا في اعتقاد ما يشاءون ، في مواضع الخلاف بين الفرق بدون أي لوم وتثريب!! وقد سبق منه تنويع السّنّة إلى أنواع (١) ، لا يكون للوحي شأن إلا في النّزر اليسير منها ، فتسقط أغلب السّنّة من أن تصلح للاحتجاج بها في باب العمل ، فضلا عن باب الاعتقاد ، رغم ما يقرّره فخر الإسلام في ذلك ، مع افتتان الكاتب بالنقل عنه فيما يهواه.

__________________

(١) وذلك في مقالاته التي كتبها بعنوان (شخصيات الرسول).

٥٠

وهنا يضع قاعدة تمنع من أخذ الاعتقاد من مورد الخلاف ، وإفادة الدليل اللفظيّ اليقين مختلف فيها ، فلا يصحّ أن تؤخذ من الدليل اللفظيّ عقيدة ، على هذه القاعدة التي استقعدها هنا ، فيسقط الكتاب من مقام الحجّة في باب الاعتقاد ، كما تسقط أغلب السّنّة من مقام الاحتجاج بها في باب العمل عنده.

فمن يكون ملمّا بتاريخ الأديان والنّحل والمذاهب ، لا يتردّد لحظة أنه لا توجد طائفة ترى مجموع تلك الآراء ، فيظهر أنه ليس من طائفة من الطوائف المعروفة في كتب النّحل ، وإنما هو أمة وحده ، لا يمثّل بكلامه طائفة من تلك الطوائف ، بل يمثّل نفسه فقط ، كما قال الأستاذ العقاد في الأستاذ زكي مبارك.

ولا أرى بأسا في أن أتحدّث هنا عن الدليل اللفظي ، وعن المخطئ في العلميّات ، لخطورة ما فاه به كاتب المقال بشأنهما.

أما الدليل اللفظي فيفيد اليقين عند توارد الأدلة على معنى واحد ، بطرق متعددة وقرائن منضمة عند الماتريدية ، كما في «إشارات المرام» للبياضي وغيره ، وإلى هذا ذهب الآمدي في «الأبكار» ، والسعد في «شرح المقاصد» و «التلويح» ، والسيد في «شرح المواقف».

وعليه جرى المتقدمون من أئمة هذه الأمة وجماهير أهل العلم من كل مذهب ، بل الأشعريّ يقول : إنّ معرفة الله لا تكون إلا بالدليل السمعي. ومن يقول هذا يكون بعيدا عن القول بأن الدليل السمعي لا يفيد إلا الظن ، فيكون من عزا المسألة إلى الأشعرية مطلقا ، متساهلا بل غالطا غلطا غير مستساغ.

والواقع أن القول بأن «الدليل اللفظي لا يفيد اليقين إلا عند تيقّن أمور عشرة ودون ذلك خرط القتاد» : تقعّر من بعض المبتدعة ، وقد تابعه بعض المتفلسفين من أهل الأصول وجرى وراءه بعض المقلدة من المتأخرين ، وليس لهذا القول أي صلة بأي إمام من أئمة أهل الحق ، وحاشاهم أن يضعوا أصلا يهدم به الدين ، ويتّخذ معولا بأيدي المشككين ، والدليل اللفظي القطعي الثبوت ، يكون قطعي الدلالة في مواضع مشروحة في أصول الفقه.

وأما ما أجمله الفخر الرازي في «المحصّل» فقد أوضحه في «المحصول» و «نهاية العقول» ، واعترف فيهما بأن القرائن قد تعيّن المقصود ، فيفيد الدليل اللفظيّ اليقين ، فيفلت بذلك من أيدي المشككين إمكان التمسك بقول الرازي في «المحصل» في باب

٥١

التشكيك في القرآن الحكيم ، بل القول بمجرد الدليل العقلي في علم الشريعة بدعة وضلالة.

بل الأصل في علم التوحيد والصفات هو التمسك بالكتاب والسنة ومجانبة الهوى والبدعة ، ولزوم طريق السنة والجماعة في المباحثة مع الذين أقروا برسالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإنما يستعمل الدليل العقلي وحده مع غيرهم كما يقوله فخر الإسلام وغيره ، فلا يعوّل عند أهل الحق على اعتقاد لا يقره الكتاب والسنة ، فمن سعى في إبعادهما عنه فقد أبعد في الضلال.

وأما عدّ كاتب المقال لمسائل الخلاف في علم أصول الدّين بمنزلة الخلاف في مسائل الفقه في عدم التأثيم : فنزوع منه إلى رأي عبيد الله بن الحسن العنبريّ في تصويب المختلفين في العقائد. ومبلغ شناعة رأيه في ذلك يظهر مما بسطه ابن قتيبة في «مختلف الحديث» ص ٥٥.

وقد توسّع أئمة الأصول في نقض خيال الجاحظ في عدم تأثيم المختلفين في العلميّات والعمليّات بعد بذل الجهد منهم ، مع كون الصواب واحدا عنده في النوعين ، كما توسّعوا في التشنيع على العنبري في تصويب المختلفين مطلقا.

قال الغزالي في «المستصفى» : مذهب العنبري شرّ من مذهب الجاحظ ، فإنه أقرّ بأن المصيب واحد ، ولكن جعل المخطئ معذورا ، بل هو شرّ من مذهب السوفسطائية ، لأنهم نفوا حقائق الأشياء ، وهذا أثبت الحقائق ثم جعلها تابعة للاعتقادات ، فهذا لو ورد به الشرع لكان محالا ، بخلاف مذهب الجاحظ.

وقد استبشع إخوانه من المعتزلة هذا المذهب فأنكروه وأوّلوه وقالوا : «أراد به اختلاف المسلمين في المسائل الكلامية التي لا يلزم فيها تكفير ، كمسألة الرؤية ، وخلق الأعمال ، وخلق القرآن ، وإرادة الكائنات ، لأن الآيات والأخبار فيها متشابهة ، وأدلّة الشرع فيها متعارضة ، وكلّ فريق ذهب إلى ما رآه أوفق لكلام الله وكلام رسوله عليه‌السلام ، وأليق بعظمة الله سبحانه وثبات دينه ، فكانوا فيه مصيبين ومعذورين».

ثم قال الغزالي : «إن زعم أنهم فيه مصيبون ، فهذا محال عقلا ، لأنّ هذه أمور ذاتية لا تختلف بالإضافة ، فلا يمكن أن يكون القرآن قديما ومخلوقا أيضا ، بل أحدهما ، والرؤية محالا وممكنا أيضا ، والمعاصي بإرادة الله تعالى وخارجة عن إرادته ، أو يكون القرآن مخلوقا في حق زيد قديما في حق عمرو.

٥٢

وإن أراد أن المصيب واحد لكنّ المخطئ معذور غير آثم ، فهذا ليس بمحال عقلا ، لكنه باطل بأدلة سمعية ضرورية ، واتّفاق سلف الأمة على ذمّ المبتدعة ومهاجرتهم ، وقطع الصحبة معهم ، وتشديد الإنكار عليهم ، مع ترك التشديد على المختلفين في مسائل الفرائض وفروع الفقه ، فهذا من حديث الشرع دليل قاطع ... ، ولم ينته الغموض في الأدلة إلى حدّ لا يمكن فيه تمييز الشّبهة من الدليل» اه.

ولذا قال السعد في «التلويح» : «وإنما قال ـ يعني صدر الشريعة ـ (المخطئ في الاجتهاد لا يعاقب) لأن المخطئ في الأصول والعقائد يعاقب ، بل يضلّل أو يكفّر ، لأنّ الحق فيها واحد إجماعا ، والمطلوب هو اليقين الحاصل بالأدلة القطعية ، إذ لا يعقل حدوث العالم وقدمه ، وجواز رؤية الصانع وعدمه ، فالمخطئ فيها مخطئ ابتداء وانتهاء ، وما نقل عن بعضهم من تصويب كلّ مجتهد في المسائل الكلامية ، إذا لم يوجب تكفير المخالف ، كمسألة خلق القرآن ، ومسألة الرؤية ، ومسألة خلق الأفعال : فمعناه نفي الإثم ، وتحقّق الخروج عن عهدة التكليف لا حقّيّة كلّ من القولين» اه.

يريد بمنتهى كلامه الإشارة إلى رأي العنبري على تأويل إخوانه المعتزلة ، وقد فنّده الغزالي كما سبق.

وقال القاضي عياض في «الشفا» : «أجمع فرق الأمّة سواه ـ يعني العنبريّ ـ على أنّ الحقّ في أصول الدين واحد ، والمخطئ فيه آثم عاص فاسق ، وإنما الخلاف في تكفيره» ، وتوسّع القاضي هناك في نقل نصوص أهل العلم في المسألة ، ومنزلة القاضي عياض في علوم الرواية والدراية غير مجهولة عند من اطّلع على كتبه ، أو طالع «أزهار الرياض».

فثبت أنّ الخلاف في العقائد ليس كالخلاف في الفروع ، في عدم تأثيم المخطئ ، وعلى هذا اتفاق أهل الحق خلفا عن سلف ، بل اتفاق الفرق كلّها ، على ما سبق من القاضي عياض.

وأما ما وقع في كلام العز بن عبد السلام ، ففي مثل زيادة الصفات ، وحكم ذلك مشروع في شرح الدّوّاني على «العضدية» ، وفي كلام عبد الحكيم على «النّسفيّة» ، وغيرهما من الكتب المتداولة بأيدي طلبة العلم ، وكذا مسألة الاستطاعة قبل الفعل مبيّنة في كلام عبد الحكيم على «المقدمات الأربع». وهكذا أوضح علماء العقائد في كتبهم ما يكون التنازع فيه خطيرا أو غير خطير ، فلا يبيح ذلك إرسال الكاتب الكلام على عواهنه في عدم تأثيم المختلفين في العقائد إطلاقا.

٥٣

على أنّ ابن عبد السلام له شطحات تسرّبت إليه من مطالعة بعض كتب ابن حزم ، التي أتى بها محيي الدين بن عربي إلى الشام ، فلا تزيد تلك الشطحات على أن تكون وهلة منه ، فلا يصحّ اتخاذها حجّة ، بل نرجو الله سبحانه أن يسامحه عليها.

وأما ابن حزم فعلى بعض ميل منه إلى رأي الجاحظ في المسألة ، يرى إكفار المعاند بعد إقامة الحجة عليه ولو بخبر الآحاد ، فلا يلقى صاحب المقال بغيته عنده بل عند العنبري فقط ، وقد أقيمت الحجة بتوفيق الله وتسديده على كاتب المقال ، من كتاب الله وسنّة رسوله المتواترة وإجماع أهل الحق.

وسبق أن أشرنا إلى أن الاحتمالات غير الناشئة من الدليل لا تخلّ بكون دلالة النصوص قطعية ، وذكرنا بعض ما ألّف في إثبات تواتر حديث النزول ، ونقلنا بعض نصوص أصحاب الشأن في تواتره وفي الإجماع على نزوله ، والمعاند بعد هذا يكون في موقف أخطر من التأثيم فقط ، ولذا صرّح السيوطيّ بتكفير منكر النزول في «الإعلام» المطبوع في ضمن «الحاوي» له ٢ : ١٦٦٠ ، وهو على القاعدة في إنكار ما تواتر في الشرع.

وليس أئمة هذه الأمة وعلماؤها من الصدر الأول إلى اليوم ، يجهلون معنى «العقيدة» ، وهم قد دوّنوا مسألة النزول في كتبهم في العقائد على توالي القرون ، قبل أن يخلق صاحب «الجوهرة» وصاحب «الخريدة» بدهور ، رغم أنف كلّ مكابر.

على أنّ مسألة نزول عيسى عليه‌السلام ليست من المسائل التي جرّت إليها المناقشات مثل الاستطاعة ، وخلق القرآن ، وزيادة الصفات ، بل هي ثابتة بنصوص الشرع مباشرة ، فلا يمكن لمن يدين بالكتاب والسنة والإجماع أن ينكرها ، فيكون لفّ الكاتب ودورانه واستقعاده لقواعد وصنوف مغالطاته إطالة للكلام بدون جدوى غير انكشاف حاله كلّ الانكشاف عند الجميع.

وحديثنا عن بضع تشكيكاته في الآيات يكون في فصل مفرد إن شاء الله تعالى ، وليس جهل الكاتب لدليل المسائل مما يوجب أن يجهله العالمون ، وتبجّحه بفهم معنى «العقيدة» لا يكسبه فخرا بعد أن جهل الدليل ، وجهل حصول العقد الجازم بالبرهان مرة ، وبالأدلة الإقناعية ، أو خبر الآحاد أو التقليد مرة أخرى.

قال علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري في «شرح أصول فخر الإسلام البزدوي» : «اعتقاد القلب فضّل على العلم ، لأنّ العلم قد يكون بدون عقد القلب ،

٥٤

كعلم أهل الكتاب بحقّيّة النبيّ عليه‌السلام مع عدم اعتقادهم حقيّته ... ، والعقد قد يكون بدون العلم أيضا ، كاعتقاد المقلّد ، وإذا كان كذلك جاز أن يكون خبر الواحد موجبا للاعتقاد الذي هو عمل القلب ، وإن لم يكن موجبا للعلم.

قال أبو اليسر : الأخبار الواردة في أحكام الآخرة من باب العمل ، فإنّ العمل نوعان : عمل الجوارح ، واعتقاد القلب ، فالعمل بالجوارح إن تعذّر لم يتعذّر العمل ... العمل بالقلب اعتقادا» اه وذلك عند شرحه لقول فخر الإسلام : «وفيه ضرب من العمل أيضا وهو عقد القلب عليه ، إذ العقد فضّل عليه».

فظهر أنّ خبر الآحاد الصحيح قد يفيد اعتقادا جازما في أناس ، ولا يفيد البرهان العلميّ اعتقادا في آخرين ، فواحد يعتقد اعتقادا جازما بنزول عيسى عليه‌السلام ، بمجرّد أن سمع حديثا واحدا في ذلك من صحيح البخاري مثلا ، وآخر لا يعتقد ذلك ولو أسمعته سبعين حديثا ، وثلاثين أثرا من الصّحاح والسّنن والمسانيد والجوامع وسائر المدوّنات في الحديث ، مما يحصل التواتر بأقلّ منها بكثير ، فالناجي هو ذاك الواحد دون الآخر. ووجه الفرق بين الأنبياء والعلماء والعامّة من ناحية الجزم الحاصل لهم ، وطريق حصول الجزم لكل منهم : مشروحان في «تأنيب الخطيب» ، فليراجع هناك.

٥٥

آيات في الرفع والنزول

وفي العدد (٥١٧) بعنوان «آيتان ...» مقال يتناسى فيه كاتبه ما قرّره في العدد السابق ، من أنّ مورد الخلاف لا يصلح أن يتّخذ مصدرا للعقيدة ، وأنّ الدليل النقليّ لا يفيد اليقين عند كثير من العلماء ، والذين قالوا بإفادته اليقين شرطوا شروطا إلى آخر ما ذكره في النوعين على رأي الفريق الثاني.

وأما الآن فيقول في مفتتح هذا المقال : إنه كان قرّر فيما سبق «أن القرآن كلّه قطعيّ الثبوت ، وأنه في دلالته نوعان : قطعيّ لا يحتمل التأويل ، وغير قطعي يحتمل معنيين فأكثر». فيتراجع هكذا عن القول بعدم إفادة الدليل النقلي اليقين عند كثير من العلماء ، فيتهاتر.

ولم أر بين الذين في أنفسهم مرض الخروج على الجماعة : من لا يتهاتر ، فإذا اعترف هكذا أنه يوجد بين الأدلة النقلية كثير مما يفيد اليقين ، فقد انهدم ما بناه ، واضطرّ إلى الرجوع لقول الجماعة بدون أن تنفع تمهيداته المهلهلة في شيء من مقاصده.

وقوله : «قطعيّ لا يحتمل التأويل» يدلّ على أنه غاب عنه أنّ احتمال التأويل احتمالا غير ناشئ من الدليل : لا يخلّ بكون الدلالة قطعية اتفاقا بين أهل العلم ، على ما هو مشروح في «المستصفى» و «التلويح» و «مرآة الأصول» وغيرها.

كما أنّ قوله : «وغير قطعي يحتمل معنيين فأكثر» يدلّ على أنه لا يميّز بين المجمل المحتمل لمعنيين على قدم المساواة ، وبين الظاهر المحتمل لمعنيين يكون أحدهما راجحا بنفسه أو بدليل ، والآخر مرجوحا في حكم العدم عند انتفاء ما يوجب الاعتداد به ، كما لا يميّز بين أقسام الوضوح التي إنما يكون احتمال التأويل في بعضها ، مع كون جميعها قطعيّة الدلالة عند عدم دليل يعضد الاحتمال الآخر اتفاقا.

٥٦

وتلك الأقسام من الظاهر والنص والمفسّر والمحكم متداخلة ، وتغايرها بالمفهوم عند المتقدمين ، والتباين المعتبر بينها عند المتأخرين مشروح في محلّه ، ولا شأن لنا به هنا.

وظنيّة الظاهر إنما هي عند وجود ما يدلّ على الاحتمال الآخر ، وإلا فحكمه حكم النصّ في القطع بالمراد منه ، بل عند تضافر الظواهر الظنية على معنى ، يحصل القطع بذلك المعنى ، كما هو الحال في خبر الآحاد المفيد للظن ؛ فإنّ الأخبار إذا تواردت على معنى حصل اليقين بذلك المعنى.

ثم الظاهر : إما ظاهر بالوضع ، وإما ظاهر بالدليل ، كما في «التمهيد» لأبي الخطّاب محفوظ بن أحمد الكلواذي ، فتبيّن أن الظاهر ليس بقطعيّ مطلقا ، ولا ظنيّ مطلقا ، وأنّ الظواهر في الرفع والنزول قطعيّة لتضافر الأدلة وعدم وجود ما يدلّ على الاحتمال الآخر.

وبعد هذا الاستطراد اليسير أعود فأقول : إنّ الأساتذة القائمين بالذب عن عقيدة الجماعة ، لم يدعوا قولا لقائل في تبيين وجوه دلالة كتاب الله على المسألة ، فجزاهم الله عن العلم خيرا ، لكنّ الشيخ لما رأى أنّ قلمه طوع بنانه لا يتمرّد عليه فيما يريد أن يودعه الطّروس ، ولسانه لا يعاكسه فيما يشاء أن يفوه به ، والجماعة أطوع له من ظلّه : أصرّ على مخالفة الأمّة ، فأخذ يسترسل ويكتب ويتكلّم بكل هاجسة في نفسه ، ظنا منه أنّ الأعزل من الحجّة يكسب في معمعة الحجاج شيئا غير الموت الأدبي ، وأنه يتمكن ـ ولو إلى حين ـ من تغطية الحق وترويج الباطل بين فئام عهد انخداعهم بشغبه ومغالطته.

لكن خاب حدسه ، وضاع نفسه وسعيه في إظهار عقيدة المسلمين المتوارثة ، بمظهر اعتقاد الجماهير الجهلة الطّغام ، وتصويره للذابّين عنها بصورة عبدة المادّة النّفعيّين المجارين لأهواء العامّة الجهلة ، مما يدلّ على أنه ممن يرون دينا للعامة ، ودينا للخاصة ، وأنه إنما يحكي للناس عما يرى في مرآة ينظر هو فيها ، ولسنا نعيش في غير هذه الكرة حتى تجهلنا الأمّة وتجهله.

يكون المناضل عن عقيدة الجماعة على ضلال!! والخارج عليها المنشقّ على هدى!! فسبحان الفتّاح العليم ، هكذا يكون المنصف صاحب الضمير الحي ، والمصلح الموجّه للنّشء!! ولسنا نطمع في سكوته عن الباطل. وإسكاته بيد الله القاهر ، وإنما نريد صون المجتمع من تشكيكاته ، وقد فعلنا بتوفيق الله سبحانه.

٥٧

ولا نزال نمضي على مناصرة الحق بإذنه جلّ شأنه ، رغم كل صعوبة قائمة ، حتى ظهر للملإ أنه لو ابتغى نفقا في الأرض أو سلّما في السماء ، ليأتي برواية صحيحة ، عن أحد من علماء أهل الحق من صدر الإسلام إلى عهد متنبئ المغول ، ينفي ما ينفي كاتب المقال لما وجد إلى ذلك سبيلا ، ليقال : إنّ له زميلا في الشذوذ ، فضلا عن أن يتصوّر احتمال أن يكون الحقّ في جانبه ولو بمقدار نسبة

الواحد إلى الألف.

فيكفي في سقوط كلامه ظهور أنه قال ما لم يقله أحد من العالمين رحم الله الإمام زفر بن الهذيل حيث قال : «إني لا أناظر أحدا حتى يسكت ، بل أناظره حتى يجنّ ، قالوا : كيف ذلك؟ قال : يقول بما لم يقل به أحد» ، كما رواه الصّيمريّ وغيره عنه.

وأكتفي في الحديث عن الآيات التي نحن بصدد بيانها ، بلمحة يسيرة إليها هنا ، حيث أغنى عن التوسع فيها ما سبق توضيحه بقلم الأساتذة الرادّين على باطله ، فأقول : إنّ قوله تعالى : (... وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النساء : ١٥٧ ، ١٥٨] نصّ في الرفع الحسي ، لأن حقيقة الرفع هي النقل من السّفل إلى العلو ، كما يقول أبو حيان الأندلسي في «البحر المحيط» ، ولا صارف عن الحقيقة حتى يجوز حمل الرفع هنا على رفع المكانة مجازا ، فيكون احتمال المجاز احتمالا غير ناشئ من دليل ، فيكون (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) [النّساء : ١٥٨] نصّا في الرفع الحسّي بل في الآية ما يردّ احتمال المجاز ردّا باتا من وجوه :

أمّا أولا فإنّ السياق في تقرير بطلان ما قاله اليهود من قتله ، ببيان أنهم إنما قتلوا الشّبه ، فبرفعه الحسيّ يكون إنقاذ شخصه منهم ، فينسجم بذلك ما قبل «بل» بما بعدها ، ورفع المكانة مما لا ينافي القتل ، وكم من نبيّ قتل وهو رفيع المكانة ، فلا يصحّ دخول «بل» بينهما ، لانتفاء التضادّ بينهما.

وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم في «تفسيره» بسند صحيح إلى ابن عباس ، أنّ عيسى رفع من روزنة في البيت ، وساق ابن كثير السند في «تفسيره» ١ : ٥٧٤ وهذا ليس مما يعلم بالرأي ، فيكون في حكم المرفوع عند جماعة أهل العلم.

وأمّا ثانيا فإنّ حمل الرفع هنا على رفع المكانة لا يظهر له وجه اختصاص بهذا الموقف ، لأنّ أولي العزم من الرّسل يكون كلّ واحد منهم رفيع المكانة دائما.

٥٨

وأمّا ثالثا فإنّ ذكر منتهى لرفع شخص بوصل (رَفَعَهُ اللهُ) [النّساء : ١٥٨] بلفظ (إلى) ، يقضي على احتمال المجاز بحمله على رفع المكانة ، لأنّ رفع المكانة ينافيه ذكر منتهى له قطعا ، وإدخال (إلى) على ضمير المتكلم من قبيل الإضافة للتشريف ، والمعنى إلى سمائي ومنزل ملائكتي ، كما يقول أبو حيان وغيره.

وأما رابعا فإنّ رفع المكانة لا يخصّ عيسى حتى يمتنّ الله به هنا ، بل يعمّه وسائر الأنبياء والمرسلين ، بل وسائر الأبرار والأخيار.

وأما خامسا فإن حمل الرفع على رفع روحه ، بحذف المضاف ـ كما وقع في فتيا الشيخ ـ أمر لا يخصّ عيسى أيضا ، مع كون الحذف خلاف الأصيل ، فلذا يكون الرفع لشخصه ، فيشمل الرّوح والجسد معا ، وأنت لا تجد أحدا من المفسرين يحمل الرفع هنا على رفع المكانة ، أو رفع الرّوح فقط ، لظهور دلالته القطعية على الرفع الحسّيّ هنا.

وهذا كلّه مع قطع النظر عن تواتر الأخبار في الرفع والنزول ، وإلّا فمن استذكر تواتر الأخبار في ذلك ، لا يسعه أن يتشكّك لحظة في هذا الأمر ولو لم يستحضر وجوه دلالة الكتاب على الرفع والنزول ، فكيف والكتاب والسنة المتواترة والإجماع متواردة متضافرة على عقيدة الجماعة في ذلك.

وأما قوله تعالى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ٥٥] فنصّ أيضا في الرفع الحسيّ حتما ، لأن (إِلَيَ) تمنع من احتمال المجاز بحمله على رفع المكانة كما سبق ، مثل منع (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨] من أن يكون (يَطِيرُ) [الأنعام : ٣٨] مجازا على ما فصّل في موضعه.

وكلمة الفخر الرازي في بعض الوجوه عند تفسير قوله تعالى : (وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [آل عمران : ٥٥] لا تكون إلا سبق قلم منه ، لظهور بطلان ذلك رواية ودراية ، بما فصّلناه آنفا. وكم له ولغيره من وجوه لا وجه لها في النقل ولا في الدراية ، على أنه يجزم مع باقي المفسّرين بالرفع والنزول عند تفسيره للآيات كلّها ، فما ذا عليه بعد هذا لو غلط في وجه؟ سبحان من لا يسهو ولا يغلط.

وأما (مُتَوَفِّيكَ) [آل عمران : ٥٥] فمن التوفّي وهو القبض والأخذ في أصل اللغة ، ويستعمل مجازا في معنى الإماتة كما يظهر من «أساس البلاغة» للزمخشري ، فيكون معنى الآية : إني قابضك من الأرض ورافعك إلى سمائي. وقال ابن قتيبة : قابضك من الأرض من غير موت.

٥٩

وهذا المعنى منسجم مع باقي الآيات والأخبار فيكون نصا أيضا في رفعه حيا ، لأن احتمال المجاز لم ينشأ من دليل ، فيبقى قطعيّ الدلالة على الوجه الذي شرحناه ، ولو فرضنا اشتراك التوفّي بين الأخذ والإماتة والإنامة لكان لحقه البيان بقاطع من الآيات الأخر ، فيكون قطعيّ الدلالة على الرفع الحسيّ والأخذ من غير موت.

ولو فرضنا عدم لحوق بيان لا يتأتى حمله على الموت هنا ، لأن اسم الفاعل حقيقة في الحال ، ومجاز في الاستقبال عندهم ، فلو حملناه على الحقيقة يكون المعنى : إني مميتك الآن. فيكون قصد اليهود حاصلا ، وقد نصّ القرآن الكريم على أنّ قصدهم لم يحصل. ولو حملناه على الاستقبال مجازا لا يكون مستقبل أولى من مستقبل إلا بدليل ، فيتعيّن المستقبل الذي حدّده باقي الأدلة ، وهو ما بعد نزوله إلى الأرض.

«والواو» لا تفيد الترتيب ، فيكون هذا من باب تقديم ما هو مؤخّر في الوقوع ، لأجل التقريع على مدّعي ألوهيته ، ببيان أنه سيموت ، وإليه ذهب قتادة والفراء وعليه يحمل ما رواه عليّ بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، جمعا بين الأدلة.

على أنّ ابن أبي طلحة لم يدرك ابن عباس اتفاقا ، وقد قال فيه يعقوب بن سفيان : ضعيف الحديث منكره ، ليس محمود المذهب ، لا هو متروك ، ولا حجّة. فيكون مختلفا فيه ، وإن انتقى مسلم بعض حديثه.

ومعاوية بن صالح الحضرميّ الراوي عنه ، لم يكن يحيى بن سعيد القطان يرضاه ، وقد قال أبو حاتم : لا يحتجّ به ، وإن انتقى مسلم بعض حديثه.

وعبد الله بن صالح كاتب الليث الراوي عن الحضرمي ، كثير الغلط ، فلا يثبت بمثل هذا السّند هذا التفسير عن ابن عباس.

ووهب بن منبّه هو الذي يقول بموته ، ثم رفعه ، ثم إحيائه في السماء ، لكنه كثير الرواية عن كتب أهل الكتاب ، فلا يعوّل على ما لا يرويه عن المعصوم عند أهل العلم.

وقد صرّح محمد بن إسحاق بأنّ القول بموته قول النصارى ، وليس بين قول من قال : أنامه ثم رفعه ، وقول من قال : قبضه من الأرض ورفعه حيّا إلى السماء ، كبير فرق ، فيكون قول ابن حزم في «المحلّى» بموته ، ثم رفعه ، ثم إحيائه ونزوله ، مما لا تعضده رواية ولا دراية بل تكرير إيقاع الموت عليه مما ينافيه النصّ.

٦٠