العقيدة وعلم الكلام

الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري

العقيدة وعلم الكلام

المؤلف:

الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري


المحقق: الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4364-6
الصفحات: ٦٤٥

فصل

قال : «ومن العجائب قولهم حشوية (١) سمى به ابن عبيد» فيه سفه.

فصل

قال : «كم ذا مجسمة ، وإذا سببتم بالمحال فسبنا بأدلة وحجاج ذي برهان فحقيقة التجسيم إن يك عندكم وصف الإله بصفاته العليا فتحملوا عنا الشهادة واشهدوا في كل مجتمع وكل مكان أنا مجسمة بفضل الله وليشهد بذلك معكم الثقلان».

نقول له : أنت أبديت لنا اعتقادك ووصفت بأمور يمتحن فيها كل عاقل منصف إذا عرضت على خال من الأغراض كلها من امرأة أو صبي أو أعجمي أو عربي عامي وعموم الناس هل يفهمون من الاستواء والقعود والنزول والمجيء والإتيان والوجه (٢)

__________________

ـ المتبوع. ومما ذكره ابن رجب في مفرداته ارتفاع الحدث بالمياه المعتصرة كماء الورد ونحوه ، وجواز المسح على كل ما يحتاج في نزعه من الرجل إلى معالجة باليد أو بالرجل الأخرى ، وعدم توقيت المسح على الخفين مع الحاجة ، وجواز التيمم خشية فوت الوقت لغير المعذور وفوت الجمعة والعيدين وأنه لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره ولا لسن الإياس ، وأن قصر الصلاة يجوز في قصير السفر وطويله ، وأن البكر لا تستبرئ ولو كانت كبيرة وأنه لا يشترط الوضوء لسجود التلاوة ، وأنه يجوز المسابقة بلا محلل ، واستبراء المختلعة بحيضة وكذا الموطوءة بشبهة والمطلقة آخر ثلاث تطليقات وغيرها اه فكم له من شواذ نحو ما تقدم. وقد ذكر ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثية كثيرا من شواذ ابن تيمية وقال عنه : «عبد خذله الله وأخزاه وأصمّه وأعماه» وقد حاول الشيخ نعمان الألوسي بإشارة صديق خان الذي كان له به صلة مادية متينة الرد عليه في (جلاء العينين) متوخيا تبرئة ساحة ابن تيمية من غالب تلك الشواذ لكن سقط في يده حيث فضحت هذه المرحلة من الدعاية لابن تيمية بطبع كتب له فيما بعد تصرح بما نفى هو عنه بل ربما تطبع له كتب أخرى مثل (التأسيس في رد أساس التقديس) بالنظر إلى أن بعض صنائع الحشوية نقله حديثا فيخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المسلمين وفيما ذكرناه كفاية في لفت النظر إلى نماذج من مفرداته والشيخ نعمان المذكور ناقض نفسه حيث يناقض كلامه في الكتاب المذكور ما سطره هو في (غالية المواعظ) لكن قاتل الله المادة ما دخلت في شيء إلا أفسدته وهو ليس بأمين على طبع تفسير والده ولو قابله أحدهم بالنسخة المحفوظة اليوم بمكتبة راغب باشا بإصطنبول ـ وهي النسخة التي كان المؤلف أهداها إلى السلطان عبد المجيد خان ـ لوجد ما يطمئن إليه. نسأل الله السلامة.

(١) فهل تلقيب عمرو بن عبيد لابن عمر رضي الله عنه بالحشوي إفكا وزورا على تقدير ثبوت ذلك عنه يمنع من تلقيب الحسن البصري لطوائف المجسمة حشوية حقا وصدقا ، فاضحك ثم اضحك على عقل من يأبى هذا التلقيب وهو متلبس بهذه الوصمة الشنيعة بشهادة نفسه.

(٢) ليس بخاف على ملم باللغة العربية وبمناحي الكلام في اللسان العربي المبين أن لكل كلمة مع

٥٢١

واليد والساق والجنب والعين والانتقال في الدرجات وغير ذلك مما قد ذكرته معنى الجسم ويرسم ذلك في نفسه أولا فإن قال إنه لا يفهم منها إلا معنى الجسم فيكفيك إثما عند الله إضلال مثل هؤلاء وحملهم على اعتقاد التجسيم الذي تزعم أنت بلسانك أنك لا تقول به فالمحقق منك إضلال أكثر العالم ، وأما أنت في نفسك فإن كذبت في إنكارك التجسيم فقد جمعت إلى فساد الاعتقاد الكذب ، وإن صدقت في زعمك فقد لبست عليك نفسك وخيلت لك فرقا أو كان عندك فرق الله أعلم به ، هذا في الباطن الذي أمره إلى الله في الآخرة وأما في الدنيا فإن في قبول قولك عندنا نظرا فإن قبل أو لم يقبل ـ وإن كنا لم نقل بالتكفير ولا بالقتل ـ فلا أقل من القدر الذي ينكف به ضررك عن المسلمين. وهذه الأشياء التي ذكرناها هي عند أهل اللغة أجزاء لا أوصاف ، فهي صريحة في التركيب والتركيب للأجسام ، فذكرك لفظ الأوصاف تلبس وكل أهل اللغة لا يفهمون من الوجه والعين (١) والجنب والقدم إلا الأجزاء ولا

__________________

ـ صاحبتها شأنا ليس لها مع كلمة أخرى ، فمن جمع ما فرقه الله سبحانه في كتابه من الصفات العليا أو فرق ما جمعه فقد خان الله حيث جعل صفات الله سبحانه عرضة لتقولات المتقولين من أصحاب الأهواء وكذلك ما ورد في السنة من الصفات والأفعال. وكم بين المجسمة من ألّف فيما يسمونه التوحيد أو السنة أو الصفات أبوابا في اليد والعين والساعد والأصبع واليمين والذراع والكف والجنب والقدم والحقو والصدر ونحوها. جمعا لما تفرق في الروايات المختلفة لمختلف الرواة لهوى في نفوسهم ، وليس تفريق المجموع جمع الفرق في هذا الباب من شأن من يخافه سبحانه ، وأنت علمت معاني تلك الصفات على مذهب أهل الحق.

قول السلف في العين واليد

(١) ومن ذكر من السلف أن العين واليد صفتان تبرأ بهذا اللفظ عن القول بالجارحة بل يكون قائلا بأن المراد بالعين معنى قائم بالله وكذلك اليد لكن لا أعين ذلك المعنى المراد بأن أقول إنه الرؤية أو الحفظ ، والقدرة أو النعمة أو العناية الخاصة لكون تعيين المراد من بين المحتملات الموافقة للتنزيه تحكما على مراد الله وتسميته لهما صفتين تدل على أنه جازم بأنهما ليستا من قبيل أجزاء الذات تعالى الله عن ذلك ، ومن قال وله يد بها يبطش وعين بها يرى جعلهما من قبيل الجوارح وخالف السلف الصالح. وقد قال الترمذي عند الكلام على حديث «يمين الرّحمن ملأى سخاء ...» وهذا حديث قد روته الأئمة نؤمن به كما جاء من غير أن يفسر أو يتوهم ، هكذا قال غير واحد من الأئمة منهم الثوري ومالك بن أنس وابن عيينة وابن المبارك أنه تروى هذه الأشياء ويؤمن بها فلا يقال كيف اه».

خداع الناظم وشيخه

وأين هذا من عمل الناظم وشيخه؟ نعم قد يقع في كلامهما ذكر الوجه والعين واليد وغيرها بأنها صفات لكن السياق والسباق في كلامهما يناديان أنهما أرادا بها أجزاء الذات لا المعاني

٥٢٢

يفهم من الاستواء بمعنى القعود إلا أنه هيئة وضع المتمكن في المكان ولا من المجيء والإتيان والنزول إلا الحركة الخاصة بالجسم ، وأما المشيئة والعلم والقدر ونحوها فهي صفات ذات وهي فينا ذات أمرين أحدهما عرض قائم بالجسم ، والله تعالى منزّه عنه ، والثاني المعاني المتعلقة بالمراد والمعلوم والمقدور وهي الموصوف بها الرب سبحانه وتعالى وليست مختصة بالأجسام فظهر الفرق.

فصل

قال : «يا وارد القلوط» (١).

فأتى ببضعة عشر بيتا من هذا القبيل فهل سمع أحد بأن هذا كلام أهل العلم ، وما دعاني إلى الوقوف على هذا الوسخ؟ ينبغي أن يأتي له (مجلى) مثله يتكلم معه زيبق المشاعلي أو غرير المرقد أو أهل جعفر أو عماد فكيف بابن حجاج؟.

فصل

فيه أكثر من تسعين بيتا ... وقال في أواخره :

من قال بالتعطيل فهو مكذب

بجميع رسل الله والفرقان

إن المعطل لا إله له

سوى المنحوت في الأذهان

وكذا إله المشركين نحتته الأي

دي ما في نحتهم سيان

لكن إله المرسلين هو الذي

فوق السماء مكون الأكوان

__________________

ـ القائمة بالله سبحانه كما يقول السلف ، واصطلحا في الصفة على معنى ، يجامع الجزء على خلاف المعروف بين أهل العلم وإلا لما بقي وجه لتشددهما ضد أهل الحق.

وشيخ الناظم يقول في الأجوبة المصرية : «إن الله يقبض السماوات والأرض باليدين اللتين هما اليدان» فما ذا يجدي بعد هذا التصريح أن يسميها صفات؟ والله سبحانه هو الهادي.

معنى القبضة عند الخلف

وأهل العلم من الخلف يحملون القبض على أنه مجاز عن إخراج السماوات من الإظلال والأرض من الإقلال وإيقافهما عن أن تكونا صالحتين لتناسل المتناسلين كما يشير إلى ذلك البيضاوي وهو القابض الباسط أي الموقف عن المسير متى شاء والمجرى للأمور كما يشاء.

راجع العارضة في شرح الأسماء الحسنى. والسلف يفوضون مع التنزيه ، وأما حمل القبض على القبض الحسي فقول بالتجسيم والجارحة ، تعالى الله عن ذلك.

(١) لفظة عامية لا ينطق بها من العوام إلا من هو بالغ الوقاحة فضلا عن أهل العلم فنأبى شرح هذه الكلمة القذرة المنتنة.

٥٢٣

المعطل في الأصل من ينفي الصانع

وهذا الرجل يسمي خصومه معطلة لأنهم نفوا الصانع الذي يقول هو به ويصفه بتلك الصفات بزعمه ويجعلهم يعبدون إلها آخر ويكفرهم كالمشركين العابدين للأصنام ، فيا خيبة المسلمين إن كان يكفر بعضهم بعضا ، ولم لا يقول هذا الجاهل إن الكل يقرون بالله ووحدانيته ويغلط بعضهم في وصفه ولا يخرجهم ذلك الغلط عن الإسلام؟ وإن كان ولا بد من الإخراج فمن أولى به؟ ومن أولى بعبادة ما نحته ذهنه؟ من ركب أجزاء مقصودة معقولة أو من قال أعبد إلها واحدا أنا عاجز عن معرفته وعن كنه ذاته فهو كما وصف به نفسه ، وفوق ما يصف به عباده ، وعقلي يقصر عن سبحات وجهه وعلمي يضل في علمه ويتضاءل دون عظمته وملكوت سلطانه وقدرته وقهره لا شريك له سبحانه وتعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١] كل ما تصوره الذهن فالله بخلافه لو اجتمعت عقول العالمين كلها لم تبلغ معرفة حقيقة ذاته ولا كنه صفاته ، وإنما علموا منها ما دلهم على التوحيد وأمر السيد العبيد وأنعم عليهم بالرسول أرشدهم إلى ما فيه صلاحهم وأنزل عليهم كتابا كلفهم فيه بتكاليف إن عملوا بها وصلوا إلى دار السلام. فلا ينبغي لهم الاشتغال بغيرها ـ فاشتغالهم بغيرها فضول ـ وإن فكروا فكروا في آلائه لا في ذاته ، فإن هناك تضل العقول ، وانظر إلى هذه الصفات التي يثبتها هذا المبتدع لم تجيء قط في الغالب مقصودة وإنما في ضمن كلام يقصد منه أمر آخر وجاءت لتقرير ذلك الأمر ، وقد فهمها الصحابة ولذلك لم يسألوا عنها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنها كانت معقولة عندهم بوضع اللسان وقرائن الأحوال وسياق الكلام وسبب النزول ومضت الأعصار الثلاثة التي هي خيار القرون على ذلك حتى حدثت البدع والأهواء فيجيء مثل هذا المتخلف يجمع كلمات وقعت في أثناء آيات أو أخبار فهم الموفقون معناها بانضمامها مع الكلام المقصود فجعلها هذا المتخلف في أمثاله مقصودة وبالغ فيها فأورث الريب في قلوب المهتدين ، وانظر إلى أكثرها لا تجده مقصودا بالكلام بل المقصود غيره إما بسياق قبله أو بسياق بعده ، أو بأن يكون المحدث عنه معنى آخر والمحدث به ويكون ذلك مذكورا على جهة الوصف المقوي لمعنى ما سيق الكلام لأجله ، وما مثل المشتغلين بذلك وبالكلام إلا مثل سرية أتاها كتاب السلطان يأمرهم بما يعتمدونه في الغزاة التي ندبهم لها ويوصيهم بأمور مهمة لما بين أيديهم وينهاهم عن أمور وينبههم على مكان لعدوهم وعدوه حتى يحترزوا عن غوائلها فأخذوا يتأملون في ذلك الكتاب ويفكرون فيمن كتبه وفي حروفه ومتى كتب وأين كان السلطان حين كتبه وعلم عليه ، وهل كان

٥٢٤

في القلعة أو في غبرها وربما كان فيهم من لم ير السلطان قط فصار يسأل عن صفته وشغلوا الزمان بذلك وبسؤال حامل الكتاب عنه وبالفكرة فيه واشتغلوا به عما هم بصدده من الجهاد الذي أمرهم به وعن تلك الأمور التي وصاهم بها في الكتاب وأمرهم بها ونهاهم عنها وما كفاهم ذلك حتى أداهم اختلافهم في صفة السلطان وفي أين كان لما كتب ومن كتب الكتاب عنه إلى أن قال كل فريق منهم عن الآخر الذي وصفه بخلاف ما وصفه به رفيقه إنه أنكر السلطان وقال إنه لا سلطان له فهل يكون لهؤلاء عقل ، اللهم إنا نسألك أن لا تضل عقولنا ولا تزيغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وتحفظ علينا ديننا يا مقلّب القلوب يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك.

فصل

أكثر من مائة بيت كلها إغراء بخصومه والله ينتقم لهم منه ثم إنه يناقض قوله فينكر على خصومه تكفيره فلم لا ينكر على نفسه تكفيرهم بعين ما كفروه به.

فصل

مختصر في معناه.

فصل

قريب منه.

فصل

قال :

اسمع سرا عجيبا كا

ن مكتوما منذ زمان(١)

جيم وجيم ثم جيم معها

مقرونة مع أحرف بوزان

فيها لدى الأقوام طلسم متى

تحلله تحلل ذروة العرفان

فإذا رأيت الثور فيه تقارن ال

جيمات بالتثليث شر قران

__________________

(١) هذا من الدليل على أنه من ورثة علوم الصابئة عبدة الأجرام العلوية كاد أن يبوح بما عنده من عزائم الكواكب كما فعل عبد السلام الجيلي ، راجع ترجمته من طبقات ابن رجب وذيل الروضتين لأبي شامة الحافظ.

٥٢٥

دلت على أن النحوس جميعها سه

م الذي قد فاز بالخذلان

جبر وإرجاء وجيم تجهم

فتأمل المجموع في الميزان

فاحكم لطالعها لمن حصلت له

بخلاصه من ربقة الإيمان

وأخذ يذكر مفاسد المذاهب الثلاثة «وقياد الجبر (١) إلى الكفر والبهتان والإرجاء كذلك بالجد في العصيان وشتم الرسل ومن أتوا من عنده والسجود للصنم ، فإذا أضفت إلى الجيمين جيم تجهم أين الصفات والجهم أصلها جميعا والوارثون له أصحابها لا شيعة الإيمان لكن نجا أهل الحديث المحض أتباع الرسول وتابعوا القرآن».

فصل

قال : «وسل المعطل ما ذا يقول لربه».

وساق ما يقولونه كله بقبح وأنهم يخاطبون به الله يوم القيامة ، وعن طائفته ما يولونه ومخاطبتهم به وهاتان طائفتان من المسلمين يعرفون عظمة الله تعالى ، وكل أحد قد بذل جهده وطاقته فيما اعتقده ويخاف ويفرق ، ويوم القيامة يكون أشد خوفا يوم لا يتكلم إلا الرسل ويود كل من دونهم أن ينجو كفافا ، فتصوير مخاطبة الله تعالى بذلك في ذلك الموقف العظيم إنما يصدر عن قلب فارغ.

فصل

في تحميل أهل الإثبات للمعطلين شهادة تؤدى عند رب العالمين.

قال : «يا أيها الباغي على أتباعه قد حملوك شهادة فاشهد بها إن كنت مقبولا لدى الرّحمن فاشهد عليهم إن سئلت بأنهم قالوا إله العرش والأكوان فوق السماوات

__________________

(١) والجبر الذي يريده الناظم هو قول الأشعري إن العبد كاسب والرب سبحانه هو الخالق وحده ، وأين الجبر في ذلك؟ نعم جهم بن صفوان كان يقول بالجبر ، لكن ليس له من يتابعه بعده ، وأما الإرجاء الذي يريده فهو القول بأن الإيمان هو الاعتقاد الجازم كما نص عليه الحديث الصحيح «الإيمان أن تؤمن بالله ...» ومن جعل الأعمال من أركان الإيمان حقيقة فقد تابع الخوارج من حيث يعلم أو لا يعلم ، وأما التجهم الذي يذكره فمراده به نفي حلول الحوادث في الله سبحانه وتنزيهه تعالى عن قيام الحوادث به سبحانه كما هو مذهب أهل الحق فظهر أنه ينبز بتلك الألقاب السيئة جمهور أهل الحق افتراء منه عليهم وإلا فلا وجود للجبرية حقيقة ولا للإرجاء بالمعنى البدعي ولا للجهمية في عصر الناظم والله سبحانه ينتقم منه.

٥٢٦

العلى حقا على العرش استوى والأمر ينزل منه وإليه يصعد ما يشاء وإليه صعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعيسى ابن مريم والأملاك تصعد دائما من هنا إليه وروح العبد بعد الموت وأنه متكلم بالقرآن سمع الأمين كلامه منه هو قول رب العالمين حقيقة لفظا (١) ومعنى وأنهم وصفوا الإله بكل ما جاء في القرآن وأن قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم نص (٢) يفيد علم اليقين».

فمن ينازع في ذلك؟ وإن أراد الآحاد أو الذي جوزت اللغة احتمال لفظه فحكمه عليه بإفادة علم اليقين جهل منه.

قال : «وإنهم قابلوا التعطيل والتمثيل بالنكران أن المعطل والمثل ما هما متيقنين عبادة الرّحمن ذا عابد المعدوم لا سبحانه أبدا وهذا عابد الأوثان وأنهم يتأولون حقيقة التأويل وأن تأويلاتهم صرف عن المرجوح (٣) للرجحان وأنهم حملوا النصوص على

__________________

(١) قد سبق إبطال القول بالفوقية الحسية والنزول الحسي والجلوس على العرش ونحوها مما هو معتقد المجسمة إبطالا لا مزيد عليه ، وقوله هنا في الكلام إعادة لزعمه الحرف والصوت في كلام الله وقد سبق إبطال ذلك أيضا ومن الغريب أن يؤلف مثل الموفق بن قدامة (الصراط المستقيم في إثبات الحرف القديم) وكفى ما سبق في إبطاله. وابن بطة صاحب الإبانة فضح نفسه بأن يزيد في رواية حديث موسى عليه‌السلام «من ذا العبراني الذي يكلمني من الشجرة؟» ليجعل كلام الله من قبيل كلام الخلق فجمع بين الاختلاق وسوء المعتقد وابن بطة هذا من أئمة الناظم ولست في صدد استقصاء أهل الكذب والزيغ من أئمته وبين هذا المتأخر زمنا وعلما كلمات جوفاء في تزويق مزاعم الحشوية في تلك المسائل ، ومن ظنّ به أنه أتى بشيء جديد غير الجمع بين الحشوية والتصوف السالمي الهاذي بالتجلي في الصور فقد ولى فهمه وأدبر علمه وكم من مصاب في عقله ودينه يتكلم في هذه الأبحاث بدون علم ولا فهم ولا تقى ، نسأل الله المعافاة.

(٢) قول الرسول القطعي الثبوت والقطعي الدلالة نص يفيد علم اليقين من غير خلاف ، وأما ما هو ظني الدلالة منه فلا ، كما تقرر في الأصول ودعوى إفادة خبر الآحاد العلم من هواجس الظاهرية إلا إذا كان متحفا بقرائن ، وقد بيّنّا الحق في ذلك في تعليقاتنا المهمة على شروط الأئمة فليراجع هناك. والحشوية يحشرون في كتبهم في المعتقد المنقطعات والوحدان وروايات المجاهيل والضعفاء والوضّاعين ويقولون عنها إنها قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع إنها مما لا يحتج به في باب الاعتقاد أصلا بل لا يتمسك بها في باب الأعمال أيضا ، وتوثيق مثل ابن حبان لرجل لا يخرجه من الجهالة عند من يعرف مصطلح ابن حبان في التوثيق. وإنما الحجة في باب الاعتقاد هي الكتاب المنزل والصحاح المشاهير من الحديث.

(٣) صرف اللفظ عن الاحتمال المرجوح إلى الراجح مما لا معنى له لأن اللفظ منصرف بنفسه إلى الراجح من الاحتمالين ، واللفظ ظاهر بالنسبة إلى الراجح مطلقا سواء كان بالوضع أو بالدليل كما ذكره أبو الخطاب في التمهيد في أصول الحنابلة فما يرى مرجوحا بالنظر إلى الوضع فقط

٥٢٧

الحقيقة لا على المجاز إلا إذا اضطروا للمجاز بحس أو برهان وأنهم لا يكفرونكم بما قلتم من الكفران إذ أنتم أهل الجهالة عندهم لستم أولي كفر ولا إيمان» (١).

فالبالغ المكلف الذي بلغته الدعوة إما كافر وإما مؤمن فكيف ينتفيان عنه والجهل ليس عذرا في ذلك.

قال : «لا تفرقون حقيقة الكفران بل لا تفرقون حقيقة الإيمان إلا إذا عاندتم ورددتم قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأجل قول فلان فهناك أنتم أكفر الثقلين وأشهد عليهم أنهم فاعلون حقيقة والجبر عندهم محال هكذا نفي القضاء».

قد أشهد على نفسه بالفوقية وباللفظ والله يعلم ما تصوره قلبه منهما وبمعنى التأويل وأين هذا من التابعين الذين قيل فيهم ما منهم إلا من يخاف النفاق على نفسه كانوا مع صحة الاعتقاد والاجتهاد في العمل يخافون النفاق ، ونحن اليوم مع البعد ـ وشتان ما بيننا وبينهم ـ بيننا من يتجاسر هذه الجسارة ويدل هذا الإدلال.

فصل

في عهود المثبتين مع الله رب العالمين

قال : «يا ناصر الإسلام اشرح لدينك صدر كل موحد وانصر به حزب الهدى فو حق نعمتك التي وليتني وأريتني البدع المضلة لأجاهد لك عداك ما أبقيتني ولأجعلن لحومهم ودماءهم في يوم نصرك أعظم القربان».

هذا يقتضي أنه يعتقد كفرهم وسفك دمائهم ، وقد حملهم في الفصل الذي قبل هذا شهادة أنه لا يكفرهم فيناقض كلامه وقال هناك إنهم جهال لا كفار ولا مؤمنون فلعله يرى أنهم كالبهائم لكنه صرح هنا بأنهم أعداء الله وغير الكافر ليس عدو الله.

__________________

ـ قد يكون راجحا بالنظر إلى الدليل فيكون اللفظ حينذاك ظاهرا في احتمال قد ترجح بالدليل حيث لا يكون هذا الاحتمال مرجوحا عند قيام الدليل على الرجحان فقولهم بالظهور في جانب الوضع إنما هو بالنظر إلى حالة عدم قيام دليل مرجح للاحتمال المقابل. والحاصل أن الظاهر بالوضع هو ما لا يقارنه دليل يرجح الاحتمال الآخر فلا ظاهر بالوضع عند ترجح الاحتمال الثاني بالدليل ، فإطلاق الظاهر على ما بالوضع عند قيام الدليل المرجح للاحتمال الثاني ما هو إلا تسامح فليعرف ذلك.

(١) وهذا بظاهره قول بالمنزلة بين المنزلتين كما هو معتقد المعتزلة الذين هم من أبغض خلق الله إليه. وإخراج أهل الحق من الإيمان محض هذيان.

٥٢٨

فصل

افتراؤهم المثلث على الأشعرية

قال :

إنا تحملنا الشهادة بالذي

قلتم نؤديها لدى الرّحمن

ما عندكم في الأرض (١) قرآن

كلام الله حقا يا أولي العدوان

كلا ولا فوق السماوات العلى رب (٢) مطاع ولا في القبر (٣) عندكم من يرسل فالروح عندكم عرض قائم بجسم الحي ، وكذا صفات الحي قائمة به مشروطة بالحياة ، فإذا انتفت الحياة انتفى مشروطها ورسالة المبعوث مشروطة بها كصفاته بالعلم والإيمان فإذا انتفت تلك الحياة فكل مشروط بها عدم».

قوله ما في الأرض قرآن شهادة زور ونحن نطلق القرآن على ما في المصحف وهو إن كان لا يطلقه عليه لزمه ما ألزمنا وإن كان يقول إنه في المصحف حقيقة فهو قد قال فيما تقدم إن الصوت من العبد مخلوق فالخط بطريق الأولى وعندنا أن القرآن مكتوب في المصاحف ولهذا يحرم على المحدث حمل المصحف ومتلو بالألسنة ومحفوظ في الصدور.

__________________

(١) تلك الثلاثة هي أقانيم اختلاقهم على الأشعري وأصحابه ، لهج بها أبو نصر الوائلي السجزي صاحب الإبانة وابن مت صاحب ذم الكلام ومن تابعهما في البهت على أئمة الدين. ومن قال إن القرآن القائم بالله في الأرض فهو حلولي زائغ وهذا ظاهر جدا.

(٢) نعم هم لا يعتقدون صنما متمكنا بمكان وإنما يؤمنون بإله العالمين الذي ليس كمثله شيء ، وله الأسماء الحسنى ، تعالى الله عما يقول الجاهلون من الجاهلية بعد الإسلام.

(٣) وقال إمام الحرمين فيما ردّ به على السجزي ، السابق ذكره في مقدمة المصنف : ما كنت أظن أن هذا الجاهل يبلغ حمقه وخرقه هذا المبلغ (وهو زعمه أن من مذهب الأشعرية أن النبوة عرض لا يبقى زمانين وإذا مات النبي زالت نبوته (وهذا الذي حكاه لم يقل به قائل ولم ينقله قبله ناقل ولو سئل هذا الأحمق عن النبوة وحقيقتها ومعناها لتبلد في غمه وتردد في غيه ولم يتمسك إلا بدهش الحيرة كما نسب إليها غيره فليست النبوة عرضا من الأعراض باتفاق من المحققين وإطباق من المحصلين ـ ثم ذكر الدليل على أن النبوة ليست عرضا ثم قال ـ فبطل المصير إلى أن النبوة عرض ووجب القضاء بأن النبوة هي حكم الله تعالى برسالة رسول وإخباره عن سفارته وأمره إياه بتبليغ الشرائع وشرع الأحكام وقد حكم الله تعالى بنبوة الأنبياء عليهم‌السلام في حياتهم وبعد مماتهم وكونهم مرسلين ، وعلم ذلك منهم في السابقة والعاقبة فهذا مذهب أهل الحق ودينهم ، فعلى من يصفهم بغير ذلك لعنة الله ولعنة الملائكة والناس أجمعين. انتهى ما ذكره إمام الحرمين وهو نص ما نقله اللبلي عنه.

٥٢٩

فصل

في حياة الأنبياء

قال :

ولأجل هذا رام ناصر قو

لكم ترقيعه يا كثرة الخلقان

قال الرسول بقبره حي (١).

__________________

(١) الناظم وشيخه ينفيان التوسل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم باعتبار تفرقتهما بين حالتيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم حال حياته وحال وفاته وبإخراجهما للحديث الصحيح في التوسل عن دلالته الصريحة بالرأي عن هوى ، وقد أقام قاضي قضاة الشافعية العلامة علاء الدين القونوي الشافعي النكير على ابن تيمية بعنف في هذه المسألة في كتابه (شرح التعرف) وهو من محفوظات التيمورية ، وعدّ ذلك مأخوذا من اليهود مع أنه كان من المثنين عليه قبل هذه الحادثة ، وفي الاطلاع على شرح التعرف هذا تنوير للمسألة. وقد أغنانا عن بسط ذلك هنا ما نقله التقي الحصني منه في كتاب (دفع الشبه) وهو مطبوع. وفي كتاب الروح للناظم كثير مما ينافي ما ذكره هنا ، والناقض شأن من أصيب في عقله أو دينه ، نسأل الله السلامة والمعافاة. وأما كلمة ابن حزم في الفصل فاغترار منه بتقولات الرواة من الحشوية في حق الأشعري كما بينت ذلك فيما علقته على تبيين كذب المفتري لابن عساكر.

فتيا الأئمة في إنكاره شد الرحل لزيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم

وقد بلغ بالناظم وشيخه الغلو في هذا الصدد إلى حد تحريم شد الرحل لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعد السفر لأجل ذلك سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة فأصدر الشاميون فتيا في ابن تيمية وكتب عليها البرهان ابن الفركاح الفزاري نحو أربعين سطرا بأشياء إلى أن قال بتكفيره ووافقه على ذلك الشهاب بن جهبل ، وكتب تحت خطه كذلك المالكي ، ثم عرضت الفتيا لقاضي قضاة الشافعية بمصر البدر بن جماعة فكتب على ظاهر الفتوى : الحمد لله ، هذا المنقول باطنها جواب عن السؤال عن قوله إن زيارة الأنبياء والصالحين بدعة وما ذكره من نحو ذلك وأنه لا يرخص بالسفر لزيارة الأنبياء باطل مردود عليه ، وقد نقل جماعة من العلماء أن زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضيلة وسنّة مجمع عليها ، وهذا المفتي المذكور ـ يعني ابن تيمية ـ ينبغي أن يزجر عن مثل هذه الفتاوى الغريبة ، ويحبس إذا لم يمتنع من ذلك ويشهد أمره ليحتفظ الناس من الاقتداء به. وكتبه محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي.

وكذلك يقول محمد بن الجريري الأنصاري الحنفي لكن يحبس الآن جزما مطلقا.

وكذلك يقول محمد بن أبي بكر المالكي ويبالغ في زجره حسبما تندفع تلك المفسدة وغيرها من المفاسد.

وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي ، راجع دفع الشبه (٤٥ ـ ٤٧) وهؤلاء الأربعة هم قضاة المذاهب الأربعة بمصر أيام تلك الفتنة في سنة ٧٢٦ والنهي عن شد الرحل إلى غير المساجد الثلاثة في الحديث باعتبار أنه لا مضاعفة لثواب المصلي في غيرها ولا علاقة له أصلا

٥٣٠

__________________

ـ بمثل زيارة القبور ، وهذا ظاهر جدا فمعنى الحديث النهي عن شد الرحل إلى مساجد غير المساجد الثلاثة التي يضاعف فيها الثواب حيث لا داعي إلى تجشم المشاق والاستثناء المفرغ بقدر فيه المستثنى منه بقدر أدنى ما يصحح الاستثناء لأن التقدير ضرورة فلا يزيد على القدر الضروري في تصحيح الكلام ـ وما زاد على ذلك ليس مما يعتبره أهل العلم كما لا يخفى على أن شد الرحل لأجل العلم أو الجهاد أو التجارة أو الاعتبار أو استعادة الصحة ونحو هذا لا يتصور أن يتناوله النهي في الحديث فلا يصح تقدير المستثنى منه من أعم ما يتناول المستثنى ومن تصور خلاف ذلك فقد غلط غلطا فاحشا واستعجم عليه الحديث.

والأحاديث في زيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غاية من الكثرة وقد جمع طرقها الحافظ صلاح الدين العلائي في جزء كما سبق وعلى العمل بموجبها استمرت الأمة إلى أن شذّ ابن تيمية عن جماعة المسلمين في ذلك ، قال علي القاري في شرح الشفا : «وقد فرط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرم السفر لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما أفرط غيره حيث قال كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة وجاحده محكوم عليه بالكفر ولعل الثاني أقرب إلى الصواب لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفرا لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه ... اه».

فسعيه في منع الناس من زيارته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يدل على ضغينة كامنة فيه نحو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكيف يتصور الإشراك بسبب الزيارة والتوسل في المسلمين الذين يعتقدون في حقه صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أنه عبده ورسوله» وينطقون بذلك في صلواتهم نحو عشرين مرة في كل يوم على أقل تقدير إدامة لذكرى ذلك. ولم يزل أهل العلم ينهون العوام عن البدع في كل شئونهم ويرشدونهم إلى السنة في الزيارة وغيرها إذا صدرت منهم بدعة في شيء ولم يعدوهم في يوم من الأيام مشركين بسبب الزيارة أو التوسل ، كيف وقد أنقذهم الله من الشرك وأدخل في قلوبهم الإيمان وأول من رماهم بالإشراك بتلك الوسيلة هو ابن تيمية وجرى خلفه من أراد استباحة أموال المسلمين ودماءهم لحاجة في النفس ولم يخف ابن تيمية من الله في رواية عد السفر لزيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة عن الإمام أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي ، وحاشاه عن ذلك ـ راجع كتاب التذكرة له تجد فيه مبلغ عنايته بزيارة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم والتوسل به كما هو مذهب الحنابلة ـ وإنما قوله بذلك في السفر إلى المشاهد المعروفة في العراق لما قارن ذلك من البدع في عهده وفي نظره.

نص ابن عقيل الحنبلي في تذكرته

وإليك نص عبارته في التذكرة المحفوظة بظاهرية دمشق تحت رقم ٨٧ في الفقه الحنبلي. «فصل : ويستحب له قدوم مدينة الرسول صلوات الله عليه فيأتي مسجده فيقول عند دخوله باسم الله اللهم صلّ على محمد وآل محمد وافتح لي أبواب رحمتك وكف عني أبواب عذابك ، الحمد لله الذي بلغ بنا هذا المشهد وجعلنا لذلك أهلا ، الحمد لله رب العالمين. ثم تأتي حائط القبر فلا تمسه ولا تلصق به صدرك ، لأن ذلك عادة اليهود واجعل القبر تلقاء وجهك وقم مما يلي المنبر وقل السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد ... إلى آخر ما تقوله في التشهد الأخير ، ثم تقول اللهم أعط محمدا الوسيلة والفضيلة

٥٣١

وذكر أربعين نبيا في إنكار ذلك وقد صنف البيهقي (١) جزءا في حياة الأنبياء ولكن هذا المدبر بعيد عن التوفيق.

فصل

قال : «فإن احتججتم بالشهيد».

وذكر غيره أشياء من حججنا.

فصل

قال في الجواب : «إن الشهيد حياته منصوصة مع النهي عن أن ندعوه ميتا ، ونساؤه حل لنا من بعده وما له مقسوم وهو مع ذلك حي فارح قلتم فالرسل أولى».

فانظر إلى قلب الدليل عليهم ما قلب شيئا قلب الله قلبه.

قال : «ورؤيته موسى مصليا في قبره في القلب منه حسيكة هل قاله؟ ولذلك

__________________

ـ والدرجة الرفيعة والمقام المحمود الذي وعدته ، اللهم صلّ على روحه في الأرواح وجسده في الأجساد كما بلغ رسالاتك وتلا آياتك وصدع بأمرك حتى أتاه اليقين ، اللهم إنك قلت في كتابك لنبيك صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) [النّساء : ٦٤] وإني قد أتيت نبيك تائبا مستغفرا فأسألك أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبي الرحمة ، يا رسول الله إني أتوجه بك إلى ربي ليغفر لي ذنوبي ، اللهم إني أسألك بحقه أن تغفر لي ذنوبي ، اللهم اجعل محمدا أول الشافعين وأنجح السائلين وأكرم الأولين والآخرين اللهم كما آمنا به ولم نره وصدقناه ولم نلقه فأدخلنا مدخله واحشرنا في زمرته وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه مشربا صافيا رويا سائغا هنيا لا نظمأ بعده أبدا غير خزايا ولا ناكثين ولا مارقين ولا مغضوبا علينا ولا ضالين واجعلنا من أهل شفاعته. ثم تقدم عن يمينك فقل السلام عليك يا أبا بكر الصديق ، السلام عليك يا عمر الفاروق ، اللهم اجزهما عن نبيهما وعن الإسلام خيرا ، اللهم (اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ ...) [الحشر : ١٠] وتصلي بين القبر والمنبر في الروضة وإن أحببت تمسح بالمنبر وبالحنانة وهو الجذع الذي كان يخطب عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلما اعتزل عنه حنّ إليه كحنين الناقة ، وتأتي مسجد قباء فتصلي لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقصده فيصلي فيه ، وإن أمكنك فأت قبور الشهداء وزرهم وأكثر من الدعاء في تلك المشاهد حتى كأنك تنظر إلى مواقفهم واصنع عند الخروج ما صنعت عند الدخول».

ويقال عن كتاب الفنون لابن عقيل الحنبلي هذا إنه في ثمانمائة مجلد ويقول الذهبي عنه إنه لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب. ومن هو نظير ابن عقيل هذا بين الحنابلة في الجمع والتحقيق؟ وأنت رأيت نص عبارته في المسألة على خلاف ما يعزو إليه ابن تيمية.

(١) وجزء البيهقي في حياة الأنبياء مطبوع فاستغنينا به عن الكلام في ذلك.

٥٣٢

أعرض البخاري عنه عمدا والدار قطني أعله ورأى أنه موقوف على أنس لكن تقلد مسلما ، لكن هذا ليس مختصا به روى ابن حبان صلاة العصر في قبر الذي مات مؤمنا فتمثل الشمس التي قد كان يرعاها لأجل الصلاة عند الغروب يخاف فوت صلاته فيقول للملكين تدعاني حتى أصلي العصر قالا ستفعل ذلك بعد الآن ، هذا مع الموت المحقق لا الذي حكيت لنا بثبوته القولان.

وثابت البناني دعا أن لا يزال مصليا في قبره وحديث ذكر حياتهم بقبورهم لما يصح ، وظاهر النكران ونحن نقول إنهم أحياء عند ربهم كالشهيد». يعني وننكر حياتهم في قبورهم.

قال : «هذي نهايات لأقدام الورى في ذا المقام الضنك والحق فيه ليس تحمله عقول بني الزمان لغلظة الأذهان ولجهلهم بالروح هل في عقولهم أن الروح في أعلى الرفيق مقيمة بجنان ، وترد أوقات السلام عليه وأجواف الطير الخضر مسكنها لدى الجنات ، من ليس يحمل عقله هذا فاعذره على النكران للروح شأن غير ذي الأكوان ، وهو الذي حار الورى فيه فلم يعرفه غير الفرد في الأزمان ، هذا وأمر فوق ذا لو قلته بادرت بالإنكار والعدوان فلذلك أمسكت العنان ولو أرى ذاك الرفيق جريت في الميدان ، وقولي إنها مخلوقة وليست كما قال أهل الإفك لا داخلة فينا ولا خارجة عنا ـ والله ـ لا الرّحمن أثبتم ولا أرواحكم ، عطلتم الأبدان من أرواحها والعرش عطلتم من الرّحمن.

استشكال معرفة الروح صحيح لكنه ما أظنه يفهمه وإنما قاله تقليدا وإنكاره حياة الأنبياء ليس له عليه حامل صحيح (١).

__________________

حياة الأنبياء

(١) وعن أنس مرفوعا «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون» رواه أبو يعلى الموصلي والبزار قال الهيثمي ورجال أبي يعلى ثقات. والحياة البرزخية الثابتة للأنبياء فوق الحياة الثابتة للشهداء ويغنينا عن الكلام في حياة الأنبياء جزء البيهقي المطبوع ، نعم انقطعت حاجتهم إلى الأكل والشرب من مآكل هذه الدار ومشاربها ، ولذلك صحّ وصفهم بالموت (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)) [الزّمر : ٣٠] وحامل الناظم على إنكار حياتهم البرزخية هو التذرع بذلك إلى تحريم التوسل بهم عن هوى وفي دفع الشبه للتقي الحصني ووفاء الوفاء للنور السمهودي وغيرهما أحاديث وآثار كثيرة في الندب إليه ، وليس هذا موضع سرد لتلك الأحاديث وله موضع آخر وفي المطالب العالية للرازي وفي شرح المقاصد للتفتازاني وفيما علقه الشريف الجرجاني على شرح المطالع ما يسكن إليه صدور المقتدين بأئمة أصول الدني من البيان في هذه المسألة ، وكنت بسطت

٥٣٣

__________________

ـ المسألة قبل سنين متطاولة في (إرغام المريد) الذي كنت ألفته سنة ١٣٢٠ ولا بأس في أن أورد هنا بعض ما كنت نقلته فيه ، مما قاله الفخر الرازي والسعد التفتازاني ، والشريف الجرجاني في هذا الصدد فإنهم أئمة في أصول الدين يميزون بين الحق والباطل والتوحيد والإشراك حق التمييز ، ولا يرميهم أحد من أهل الحق بنزعة تخالف مذهب أهل الحق في هذه المسألة ومن الغريب رمي أهل التجسيم لأهل الحق بالإشراك بوسيلة التوسل وفيما ننقله عن أئمة أصول الدين في هذا الصدد قمع من يرمي أهل الحق بدائه وهم من أبعد الناس عن الإشراك بخلاف من يقول بالجهة والتحيز وسائر لوازم الجسمية تعالى الله عن ذلك.

نصوص من المطالب العالية للفخر الرازي

قال الإمام فخر الدين الرازي بعد بسط مقدمات في الفصل الثامن عشر من كتابه المطالب العالية وهو من أمتع مؤلفاته في علم أصول الدين : «وإذا عرفت هذه المقدمات فنقول إن الإنسان إذا ذهب إلى قبر إنسان قوي النفس كامل الجوهر شديد التأثير ووقف هناك ساعة وتأثرت نفسه من تلك التربة حصل لنفس الزائر تعلق بتلك التربة وقد عرفت أن لنفس الميت تعلقا بتلك التربة أيضا فحينئذ يحصل لنفس هذا الزائر الحي ولنفس ذلك الإنسان الميت ملاقاة بسبب اجتماعهما على تلك التربة فصارت هاتان النفسان شبيهتين بمرآتين صقيلتين وضعتا بحيث ينعكس الشعاع من واحدة منهما إلى الأخرى فكل ما حصل في نفس هذا الزائر الحي من المعارف البرهانية والعلوم الكسبية والأخلاق الفاضلة من الخضوع لله تعالى والرضى بقضاء الله ، ينعكس منه نور إلى روح ذلك الإنسان الميت وكل ما حصل في نفس ذلك الإنسان الميت من العلوم المشرفة والآثار العلوية الكاملة فإنه ينعكس منه نور إلى روح هذا الزائر الحي ، وبهذا الطريق تصير تلك الزيارة سببا لحصول المنفعة الكبرى والبهجة العظمى لروح الزائر ولروح المزور ، فهذا هو السبب الأصلي في مشروعية الزيارة ، ولا يبعد أن يحصل فيها أسرار أخرى أدق وأحق مما ذكرناه ، وتمام العلم بالحقائق ليس إلا عند الله اه».

وأما بقاء النفس مدركة لبعض الجزئيات فقد بينها الرازي في الفصل الخامس عشر من الكتاب المذكور. وقال الرازي أيضا في تفسيره : «إن الأرواح البشرية الخالية عن العلائق الجسمانية ، المشتاقة إلى الاتصال بالعالم العلوي ، بعد خروجها من ظلمة الأجساد تذهب إلى عالم الملائكة ومنازل القدس ، ويظهر منها آثار في أحوال هذا العالم فهي المدبرات أمرا ، أليس الإنسان قد يرى أستاذه في المنام ويسأله عن مشكلة فيرشده إليها اه».

وقال العلامة سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد عند إثبات إدراك بعض الجزئيات للميت ردا على الفلاسفة : «لما كان إدراك الجزئيات مشروطا عند الفلاسفة بحصول الصورة في الآلات فعند مفارقة النفس وبطلان الآلات لا تبقى مدركة للجزئيات ضرورة انتفاء المشروط بانتفاء الشرط وعندنا لما لم تكن الآلات شرطا في إدراك الجزئيات إما لأنه ليس بحصول الصورة لا في النفس ولا في الحس وإما لأنه لا يمتنع ارتسام صورة الجزئي في النفس بل الظاهر من قواعد الإسلام أنه يكون للنفس بعد المفارقة إدراكات متجددة جزئية واطلاع على بعض جزئيات أحوال الأحياء ، ولا سيما الذين كان بينهم وبين الميت تعارف في الدنيا ، ولهذا

٥٣٤

فصل

قال : «ما معناه منجنيق المعطلة ما يدعونه من التركيب ، وللتركيب ستة معان أحدها : التركيب من متباين كتركيب الحيوان من هذه الأعضاء وتركيب الأعضاء من الأركان الأربعة ، الثاني : تركيب الجوار من اثنين يفترقان ، الثالث : التركيب من متماثل يدعى الجواهر الفردة ، الرابع : الجسم المركب من هيولى وصورة عند الفيلسوف والجواهر الفرد ليس ممكنا ، الخامس : التركيب من ذات وأوصاف سموه تركيبا وليس بتركيب ، السادس : التركيب من ماهية ووجودها ، واختلفوا هل الذات الوجود أو غيره فيكون تركيبا محالا أو يفرق بين الواجب والممكن حتى أتى من أرض آمد ثور كبير (١) ، بل حقير الشأن قال الصواب الوقف فقصاراه أن شك في الله».

جوابه أنه لم يشك في الله في الوجود هل هو زائد أو لا ولا يجوز أن يقال له

__________________

ـ ينتفع بزيارة القبور والاستغاثة بنفوس الأخيار من الأموات في استنزال الخيرات واستدفاع الملمات ، فإن للنفس بعد المفارقة تعلقا بالبدن وبالتربة التي دفنت فيها ، فإذا زار الحي تلك التربة وتوجهت تلقاء نفس الميت حصل بين النفسين ملاقاة وإفاضات اه».

وقال العلامة الشريف الجرجاني في أوائل حاشية شرح المطالع معلقا على ما ذكره شارح المطالع في صدد بيان الحكمة في التوصل والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإن قيل هذا التوسل إنما يتصور إذا كانوا متعلقين بالأبدان وأما إذا تجردوا عنها فلا إذ لا جهة مقتضية للمناسبة ، قلنا يكفيه أنهم كانوا متعلقين بها متوجهين إلى تكميل النفوس الناقصة بهمة عالية فإن أثر ذلك باق فيهم ولذلك كانت زيارة مراقدهم معدة لفيضان أنوار كثيرة منهم على الزائرين كما يشاهده أصحاب البصائر اه». ورأيت بخط الحافظ الضياء المقدسي الحنبلي في كتابه ـ الحكايات المنثورة ـ المحفوظ تحت رقم ٩٨ من المجاميع بظاهرية دمشق أنه سمع الحافظ عبد الغني المقدسي الحنبلي يقول إنه خرج في عضده شيء يشبه الدمل فأعيته مداواته ، ثم مسح به قبر أحمد بن حنبل فبرئ ولم يعد إليه ، وفي تاريخ الخطيب (١ ـ ١٢٣) بسنده إلى الشافعي رضي الله عنه قال : «إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره كل يوم ـ يعني زائرا ـ فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده فما تبعد عني حتى تقضى اه».

فمن الذي يستطيع أن يعد هؤلاء قبوريين يتعبدون الضرائح؟!.

(١) سيف الدين الآمدي المعروف بين الفرق ببالغ الذكاء ذنبه عند الحشوية أنه نشأ حشويا ثم هداه الله إلى مذهب الأشاعرة ولأجل ذلك يرى متقشفو الحشوية من تمام ورعهم اختلاق حكايات في حقه ويسعى ابن تيمية جهده في مناقشته في معقوله ، ويقوم الذهبي بحظه في الاختلاق عليه في ميزانه. وتآليفه الخالدة في أصول الدين وأصول الفقه والجدل هي آية كونه ثورا كبيرا في نظر الناظم فليعتبر.

٥٣٥

ثور ولا أنه حقير الشأن ، وقد اعترف في التركيبين الأخيرين بالامتناع فيسأل من أهل اللغة هل القدم واليد والجنب أعضاء (١) أو صفات.

فصل

قال : «ودلالة الأسماء مطابقة وتضمن والتزام فالمطابقة يفهم منها ذات الإله والوصف والتضمن دلالته على أحدهما واللازم دلالته على الصفة التي اشتق الاسم منها كالرحمن ، فالذات والرحمة مدلولاه تضمنا ودلالته على الحياة بالالتزام».

مقصوده بهذا المبالغة في القول بالتركيب في المعنى (٢) وإن أنكره باللفظ فيما تقدم ، ومدلول الرحمن في اللغة ذو الرحمة وهو شيء واحد لا مركب وإن كان

__________________

(١) فإن اعترف بعد السؤال من أهل اللغة بأنها أعضاء يكون المركب منها من القسم الأول فيكون عابد جسم ذي أعضاء وإن لم يعترف بأنها أعضاء بل قال إنها مجازات عن صفات ثابتة له تعالى فقد ترك مذهبه وكان جهاده في غير عدو ولكن أنى يعترف بأنها مجازات مع الغلو المشهود في نحلته؟ ومن ألطف النكت الجارية مجرى الإلزامات الظاهرة على المجسمة ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره (٧ ـ ١٤٨) حيث قال : إن من قال إنه مركب من الأعضاء والأجزاء فإما أن يثبت الأعضاء التي ورد ذكرها في القرآن ولا يزيد عليها وإما أن يزيد عليها ، فإن كان الأول لزمه إثبات صورة لا يمكن أن يزاد عليها في القبح لأنه يلزمه إثبات وجه بحيث لا يوجد منه إلا مجرد رقعة الوجه لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] ويلزمه أن يثبت في تلك الرقعة عيونا كثيرة لقوله تعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) [القمر : ١٤] وأن يثبت له جنبا واحدا لقوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : ٥٦] وأن يثبت على ذلك الجنب أيدي كثيرة لقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] وبتقدير أن يكون له يدان فإنه يجب أن يكون كلاهما على جانب واحد لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وكلتا يديه يمين» وأن يثبت له ساقا واحدا لقوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : ٤٢] فيكون الحاصل من هذه الصورة مجرد رقعة الوجه ويكون عليها عيون كثيرة وجنب واحد ويكون عليه أيد كثيرة وساق واحد ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور ولو كان هذا عبدا لم يرغب أحد في شرائه فكيف يقول العاقل إن رب العالمين موصوف بهذه الصورة؟! وإن كان الثاني وهو أن لا يقتصر على الأعضاء المذكورة في القرآن بل يزيد وينقص على وفق التأويلات فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظواهر ولا بد له من قبول دلائل العقل اه.

(٢) لأن كلام أهل العربية في الدلالات الثلاث (دلالة اللفظ على تمام ما وضع له مطابقة وعلى جزئه تضمن وعلى الخارج اللازم التزام) والاجتراء على إجراء ذلك في الأسماء المقدسة مبالغة في القول بالتركيب في المعنى بإثبات الجزء في دلالتها كما قال المصنف على أن ابن حزم قطع على الحشوية سيل التقول بالمرة بأن قال إن الأسماء الحسنى أسماء أعلام للذات العلية لا تدل على الصفات باعتبار أن الله سماها أسماء. فضاقوا ذرعا من كلامه هذا جدا وليس هذا موضع توسع لبيان ما له وما عليه ، وكفى للبصير مجرد الإشارة إليه.

٥٣٦

يقتضي أن له رحمة وكذا ضارب ، مدلوله شيء له الضرب ولا نقول بأن الضرب بعض مدلوله وإن كان قاله بعض الأصوليين من جهة تركيب العقل ما دلّ عليه اللفظ لا من جهة أن الواضع وضعه لهما كما أشعر به كلام هذا الفدم ، واستعماله في الأسماء المقدسة جرأة جرأتها عقيدة سوء ميّالة إلى معنى التركيب.

فصل

قال : «الملحدون ثلاثة : المشركون وإخوانهم الاتحادية ، والثاني : المعطلة يقولون ما ثم غير الاسم عطل حرف ثم أول وافقها واقذف بتجسيم وبالكفران للمثبتين ، فإن احتجوا عليك فقل مجاز فإن غلبت عن المجاز فقل الألفاظ لا تفيد اليقين فإن غلبت عن تقريره فقل العقل مقدم على النقل ، والثالث : منكر الخالق الصانع لا يوحشنك غربة بين الورى قل لي متى سلم الرسول وصحبه وتظن أنك وارث لهم ولا جاهدت في الله حق جهاده».

هذا الرجل قال قبل ذلك إنه لم ينكر أحد الخالق وقد ناقض هنا وجعل القسم الثاني من الملحدة خصماءه ووصفهم بما قال ، وهم هداة الأمة.

فصل

في النوع الثاني من توحيد المرسلين المخالف لتوحيد المعطلين والمشركين.

قال : «وهو أن لا تعبد غير الله ، فالمشركون اتخذوا أندادا يحبونهم كحب الله ، ولقد رأينا من فريق يدعي الإسلام شركا جعلوا له شركاء سووهم به في الحب بل زادوا لهم حبا ـ والله ـ ما غضبوا إذا انتهكت محارم ربهم حتى إذا ما قيل في الوثن الذي يدعونه ما فيه من نقصان فأجارك الرحمن من غضب ومن حرب ومن شتم ومن عدوان وضرب وتعزير وسب وتسجان ، قالوا تنقصت الأكابر والأمر ـ والله العظيم ـ يزيد فوق الوصف ، وإذا ذكرت الله توحيدا رأيت وجوههم مكسوفة الألوان ، وإذا ذكرت بمدحة شركاءهم يستبشرون ـ والله ـ ما شمّوا روائح دينه». انتهى ثناؤه على المسلمين قبّحه الله.

فصل

في صفة العسكرين وتقابل الصفين واستدارة رحى الحرب العوان وتصاول الأقران.

٥٣٧

أبصر كيف يوقع الملعون العداوة بين المسلمين.

فذكر جماعة ثم قال : «وخيار عسكرهم فذاك الأشعري الفدم» أو القرم «ذاك مقدم الفرسان».

سواء أقال الفدم أو القرم قد جعله من عسكر الملحدين.

قال : «لكنكم ما أنتم على إثباته صفوا الجيوش وعبئوها وابرزوا للحرب واقتربوا من الفرسان فهم إلى لقياكم بالشوق كي يوفوا بنذرهم من القربان ، تبا لكم لو تستحون لكنتم خلف الخدور كأضعف النسوان ، من أين أنتم والحديث وأهله ما عندكم إلا الدعاوى والشكاوى وشهادات على البهتان هذا الذي والله نلنا منكم قبح الإله مناصبا ومآكلا قامت على البهتان والعدوان».

أيكون أقبح من هذا الإغراء.

فصل

في الهدنة بين المعطلة والاتحادية حزب جنكسخان

قال : «يا قوم صالحتم نفاة الذات ولأجل ذا كنتم مخانيثا لهم».

ينبغي أن يعرض عن كلام هذا المتخلف.

فصل

في مصارع المعطلة بأسنة الموحدين

قال : «وإذا أردت ترى مصارع من خلا من أمة التعطيل وترى وترى وترى فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة شيخ الوجود العالم الرباني أعني أبا العباس (١) واقرأ كتاب

__________________

كلمة صاحب الدرة المضيئة في ابن تيمية

(١) وعن هذا الشيخ الذي يطريه الناظم يقول صاحب الدرة المضيئة : «قد أحدث ابن تيمية ما أحدث في أصول العقائد ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد ، بعد أن كان متسترا بتبعية الكتاب والسنة ، مظهرا أنه داع إلى الحق هاد إلى الجنة ، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع ، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع ، وقال بما يقتضي الجسمية والتراكيب في الذات المقدسة وبأن الافتقار إلى الجزء ليس بمحال وقال بحلول الحوادث بذات الله تعالى وأن القرآن محدث تكلم الله به بعد أن لم يكن وأنه يتكلم ويسكت ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات ، وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم بالقول بأنه لا أول للمخلوقات ، فقال

٥٣٨

العقل ، والنقل ، والمنهاج (١) ، والتأسيس وغيرها وقرأت أكثرها عليه فزادني ـ والله ـ في علم وفي إيمان ، هذا ولو حدثت أنه قبلي يموت لكان غير الشأن وله المقامات الشهيرة أبدى فضائحهم (٢) وبين جهلهم وأصارهم تحت نعال أهل الحق ، كانت نواصينا بأيديهم فصارت نواصيهم بأيدينا وغدت ملوكهم مماليكا والفدم يوحشنا وليس هنا كم فحضوره ومغيبه سيان».

وهذا الفصل تسعون بيتا ما ذا تضمن من الكذب الذي يدل على أن قائله خرق جلباب الحياء.

فصل

يزيد على مائة وعشرين بيتا مما يهيج ويوقع العداوة وليس فيه قط إفادة.

__________________

ـ بحوادث لا أول لها فأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديما ، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ولا نحلة من النحل فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمة وكل ذلك وإن كان كفرا شنيعا مما تقل جملته بالنسبة إلى ما أحدث في الفروع فإن متلقي الأصول عنه وفاهم ذلك منه هم الأقلون والداعي إليه من أصحابه هم الأرذلون ، وإذا حققوا في ذلك أنكروه. وأما ما أحدثه في الفروع فأمر قد عمّت به البلوى .. وقد بثّ دعاته في أقطار الأرض لنشر دعوته الخبيثة وأضل بذلك جماعة من العوام ومن العرب والفلاحين ... ولبس عليهم ... اه».

والدرة المضية هذه مطبوعة ضمن المجموعة السبكية ونسخة مخطوطة منها موجودة في مكتبة أياصوفيا في إصطنبول. ومثل هذا الضال المضل اتخذه الناظم قدوة في فتنه عاملهما الله تعالى بعدله ولم يكن بغض علماء أهل الحق لهما إلا بغضا في الله شأنهم مع كل زائغ ، ومن حمل ذلك على الحسد لم يعرف سيرة الرادين عليه ولا مبلغ زيغ الناظم وشيخه فمثل هذا القول ينبئ عن جهل قائله أو زيغه.

(١) مطبوع في هامش منهاجه ، وأما التأسيس في رد أساس التقديس فقد فضح ابن تيمية به نفسه وهو في ضمن الكواكب الدراري لابن زكنون الحنبلي في المجلدات (رقم ٢٤ و ٢٥ و ٢٦) بظاهرية دمشق وقد سبق أن وصفت الكواكب فيما علقته على المصعد الأحمد لابن الجزري فلو قام بطبع التأسيس أحدهما لما بقي من أهل البسيطة أحد لم يعلم دخائل ابن تيمية. وقد نقلت منه نصوصا كثيرة فيما علقت على هذا الكتاب كما سبق في مواضع على أن مبلغ زيفه ظاهر من الكتابين المذكورين لمن ألقى السمع وهو شهيد ، ويتبجح بهما هذا الزائغ كتبجحه بالتأسيس ، هكذا شأن مقلدة الزائغين يثنون على الزيغ ويزدادون غواية. وقد أشرت إلى بعض ما في منهاجه ومعقوله في «الإشفاق على أحكام الطلاق» فليراجع هناك.

(٢) كلا بل فضح نفسه وأذنابه وقادته وأصارهم تحت نعال أهل الحق بجهله وخرقه ولم يزل ينقل من محبس إلى محبس ومن هوان إلى هوان حتى أفضى إلى ما عمل وخلف شواذه وصمة الأبد ، لكن قاتل الله الوقاحة تحاول قلب الحقائق.

٥٣٩

فصل

في كسر الطاغوت الذي نفوا به الصفات

ثمانية وثمانون بيتا كلها تهييج وإشلاء وسفاهة.

من جملتها :

فتعين الإلزام حينئذ على قو

ل الرسول ومحكم القرآن

وجعلتم أتباعه ما نسترا خو

فا من التصريح بالكفران

«والله ـ ما قلنا (١) سوى ما قاله فجعلتمونا جنة والقصد مفهوم فنحن وقاية القرآن».

ما يحس أن يتخيل أحد في مسلم أنه يقصد الرد على القرآن والرسول.

ثم قال : «والله لو نشرت لكم أشياخكم عجزوا.

إن كنتم فحولا فابرزوا

ودعوا الشكاوى حيلة النسوان

وإذا اشتكيتم فاجعلوا

الشكوى إلى الوحيين (٢) لا القاضي ولا السلطان

فصل

في مبدأ العداوة بين الموحدين والمعطلين

قال : «يا قوم تدرون العداوة بيننا من أجل ما ذا؟ إنا تحيزنا إلى القرآن والنقل

__________________

(١) اتق الله لا تحلف به كذبا هذا الكذب المكشوف أين قال الله أو قال رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله متمكن على العرش تمكن استقرار أو إن الحوادث تقوم به؟ أو إن الحوادث لا أول لها وإن من لم يقل ذلك معطل ملحد وإنه في جهة العلو من رءوس العباد أو إنه تكلم بحرف وصوت إلى آخر تلك المخازي أو أين قال الله أو قال رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن المنزهين لله من المادة والماديات والجسم والجسمانيات من حزب جنكزخان.

(٢) إن كان يريد بهما الكتاب والسنة فقد ظهر ظهورا لا مزيد عليه بما بسطناه في هذا الكتاب من تحاكمنا إليهما أننا على الحق وخصومنا على الزيغ والضلال المبين ، وإن كان يريد بهما وحي شياطين الجن ووحي شياطين الإنس على ما هو الظاهر من تلبيساته فلسنا نتحاكم معه إلى الطواغيت (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشّعراء : ٢٢٧] ولا بأس أن أهمس في أذنه وآذان أشياعه أنه لم يبق في غالب البلاد سلطان لأحكام الشرع يخاف الفاتنون جانبه بسبب تلك الفتن الدامية التي كانت الحشوية يثيرونها على طول القرون في أخطر أيام الإسلام حتى تركوا الشرع لا سلطان له إلا على قلوب المسلمين حقا وأصبح الإسلام بالحالة التي نراها والله سبحانه وتعالى ينتقم من هؤلاء الفاتنين الدائبين على السعي في تفريق كلمة المسلمين وتوهين سلطان الدين وأعاد إلى الدين سلطانه ، إنه قريب مجيب.

٥٤٠