العقيدة وعلم الكلام

الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري

العقيدة وعلم الكلام

المؤلف:

الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري


المحقق: الشيخ محمّد زاهد بن حسن بن علي الكوثري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN: 978-2-7451-4364-6
الصفحات: ٦٤٥

ابن حنبل الرضى الشيباني ولأي شيء كان أيضا خصمكم شيخ الوجود العالم الحراني (١)».

__________________

(١) ونحن معاشر أهل الحق لا نبالي بعداء مثله من المبطلين ولا تزال تطن في آذان رواد الحقائق شواذ ابن تيمية السخيفة باطلاعهم عليها في مؤلفاته نفسه وفيما رواه ثقات أهل العلم عنه وكلمته فيما رد به على الرازي في المجلد رقم ٢٥ من الكواكب الدراري بظاهرية دمشق حيث قال : «لو شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته فكيف على عرش عظيم» آية من آيات خرقه وحمقه فليصادق من شاء من الخرقى مثله على عدائه لأهل الحق والمراسيم الملكية الصادرة في حقه بعد محاكمته أمام جماعة كبار العلماء في عصره مسجلة في كتب التاريخ وكتب خاصة مثل عيون التواريخ ونجم المهتدي ودفع الشبه وغيرها ، ولا بأس أن أسجل هنا صورة منها بالنقل من خط الحافظ شمس الدين بن طولون وهي كما رأيتها بخطه رحمه‌الله : «نسخة مثال شريف سلطاني ملكي تاريخه ثامن عشري رمضان سنة ٧٠٥.

أحد المراسيم الصادرة في حق ابن تيمية

الحمد لله الذي تنزّه عن الشبيه والنظير ، وتعالى عن المثال فقال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشّورى : ١١] نحمده على أن ألهمنا العمل بالسنة والكتاب ورفع في أيامنا أسباب الشك والارتياب ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير ونزّه خالقه عن التحيز في جهة لقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد : ٤] ونشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة بما سلك طريق مرضاته وأمر بالتفكر في آلائه ونهى عن التفكر في ذاته ـ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين علا بهم منار الإيمان ـ ورفع وشيد بهم قواعد الشرع وما شرع ، وأحمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال إلى البدع. وبعد ، فن العقائد الشرعية وقواعد الإسلام المرعية وأركان الإيمان العلية ومذاهب الدين المرضية هي الأساس الذي يبنى عليه والموئل الذي يرجع كل أحد إليه والطريق الذي من سلكها فقد فاز فوزا عظيما ، ومن زاغ عنها فقد استوجب عذابا أليما ، فلهذا يجب أن تنفذ أحكامها ويؤكد دوامها وتصان عقائد هذه الملة عن الاختلاف وتزان بالائتلاف وتخمد نوائر البدع ويفرق من فرقها ما اجتمع ، وكان التقي ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه ومدّ عنان كلمه وتحدث في مسائل الصفات والذات ، ونص في كلامه على أمور منكرات وتكلم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون وفاه بما تجنبه السلف الصالحون وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام ، وشهر من فتاويه ما استخف به عقول العباد وخالف في ذلك فقهاء عصره وعلماء شامه ومصره وبعث برسائل إلى كل مكان وسمّى فتاواه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان فلما اتصل بنا أنه صرح في حق الله بالحرف والصوت والتجسيم ، قمنا في الله مشفقين من هذا النبأ العظيم. وأنكرنا هذه البدعة وعزّ علينا أن يشيع عمن تضم ممالكنا هذه السمعة ، وكرهنا ما فاه به المبطلون ، وتلونا قوله سبحانه وتعالى عما يصفون ، فإنه جلّ جلاله تنزّه في ذاته وصفاته عن العديل والنظير (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣)) [الأنعام : ١٠٣] وتقدمت مراسيمنا باستدعاء التقي ابن تيمية إلى أبوابنا عند ما سارت فتاواه في شامنا ومصرنا ، وصرّح فيها بألفاظ

٥٠١

__________________

ـ ما سمعها ذو فهم إلا وتلا (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً) [الكهف : ٧٤] ولما وصل إلينا تقدمنا بجمع أولي العقد والحل وذوي التحقيق والنقل وحضر قضاة الإسلام وحكام الأنام وعلماء الدين ، وفقهاء المسلمين وعقدوا له مجلس شرع في ملأ من الأئمة وجمع ، فثبت عند ذلك جميع ما نسب إليه بمقتضى خط يده الدال على سوء معتقده ، وانفصل ذلك الجمع وهم عليه وعلى عقيدته منكرون وآخذوه بما شهد به قلمه قائلين (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) [الزّخرف : ١٩] وبلغنا أنه استتيب مرارا فيما تقدم وأخره الشرع لما تعرض إليه وأقدم ثم عاد بعد منعه ولم تدخل تلك النواهي في سمعه ولما ثبت عليه ذلك في مجلس الحكم العزيز المالكي حكم الشرع الشريف أنه يسجن هذا المذكور ويمنع من التصرف والظهور ، ومن يومنا هذا نأمر بأن لا يسلك أحد مسلك المذكور من المسالك ، وننهي عن التشبه به في اعتقاده مثل ذلك ، أو يعود له في هذا القول متبعا أو لهذه الألفاظ مستمعا ، وأن يسري في التجسيم مسراه ، أو يفوه بحد العلو مخصصا كما فاه أو يتحدث إنسان في صوت أو حرف أو يوسع القول في ذات أو وصف أو ينطق بتجسيم أو يحيد عن الصراط المستقيم أو يخرج عن رأي الأئمة وينفرد به عن علماء الأمة أو يحيز الله تعالى في جهة أو يتعرض إلى حيث وكيف ، فليس لمن يعتقد هذا المجموع عندنا إلا السيف ، فليقف كل واحد على هذا الحد ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، وليلزم كل الحنابلة بالرجوع عما أنكره الأئمة من هذه العقيدة والخروج من هذه التشبهات الشريدة ولزوم ما أمر الله به والتمسك بأهل المذاهب الحميدة ، فإنه من خرج عن أمر الله فقد ضلّ سواء السبيل ، وليس له غير السجن الطويل مستقرا ومقيلا ، فقد رسمنا أن ينادي في دمشق المحروسة والبلاد الشامية وتلك الجهات مع النهي الشديد والتخويف والتهديد أن لا يتبع التقي ابن تيمية في هذا الأمر الذي أوضحناه ، ومن تابعه منهم تركناه في مثل مكانه وأحللناه ووضعناه عن عيون الأمة كما وضعناه ، ومن أعرض عن الامتناع وأبى إلا الدفاع أمرنا بعزلهم من مدارسهم ومناصبهم وإسقاطهم من مراتبهم ، وأن لا يكون لهم في بلادنا حكم ولا قضاء ولا إمامة ولا شهادة ولا ولاية ولا إقامة ، فإننا أزلنا دعوة هذا المبتدع من البلاد وأبطلنا عقيدته التي ضلّ بها العباد أو كاد ، ولتثبت المحاضر الشرعية على الحنابلة بالرجوع عن ذلك ولتسير إلينا المحاضر بعد إثباتها على قضاة الممالك ، فقد أعذرنا حيث أنذرنا ، وأنصفنا حيث حذرنا ، وليقرأ مرسومنا هذا على المنابر ليكون أبلغ واعظ وزاجر وأجمل ناه وآمر ، والاعتماد على الخط الشريف أعلاه ، الحمد لله ، صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم».

انتهى ما رأيته بخط الحافظ ابن طولون في المجموعة الحسبية التي كان فيها الدرة المضية والمقالة في الرد على من ينكر الزيارة المحمدية للتقي الأخنائي والاعتبار في بقاء الجنة والنار ودفع شبه من شبه وتمرد وغيرها ، ونص المرسوم المقروء على الجمهور على منبر جامع القاهرة بعد صلاة الجمعة وعلى منبر جامع الفسطاط بعد العصر سلخ رمضان مدوّن في نجم المهتدي لابن المعلم القرشي. وما قرئ على منبر جامع دمشق بعد وصول ابن صصرى القاضي من مصر به في اليوم السادس عشر من شهر ذي القعدة سنة سبعمائة وخمس مدوّن في دفع الشبه للتقي الحصني وما نقلناه هنا من المراسيم التي قرئت على منابر البلاد الشامية وألفاظ تلك المراسيم كلها متقاربة في المعنى وفي ذلك كله عبر بالغة ، فما ذا علينا من عداء مثل هذا

٥٠٢

وبالغ هذا الخبيث في الأقذاع والسفاهة بما هو صفته ونسي قول فرعون كما حكى القرآن الكريم : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : ٣٨] وتجرأ على علماء المسلمين بما لو نقلناه لطال ولا يحتمل الإبطال.

فصل

قال : «وثامن عشرها تنزيهه سبحانه عن موجب النقصان ، فلأي شيء لم ينزه نفسه عن الفوقية».

فنقول قد قال : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١].

فصل

قال : «وتاسع عشرها إلزام المعطل لأي شيء لم يصرح النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بنفي هذا (١)».

ثم استمر هذا السفيه على سفهه.

فصل

قال : «والعشرون نصوص الاستواء (٢) سبع والفوق ثلاث والعلو خمسة والنزول

__________________

ـ الفاتن المفتون ، ومن أحاط علما بما نقلناه في هذا الكتاب وغيره من نصوص عباراته وتأكد من الأصول صدق النقل واستمر على مشايعته وعلى عده شيخ الإسلام فعليه مقت الله وغضبه ، ومن اشتبه في شيء مما نقلناه فنحن على استعداد أن نسهل عليه سبيل الاطلاع على الأصول إن كان لا يكفيه ما يراه بنفسه في منهاجه ومعقوله ونحوهما من كتبه المطبوعة والله سبحانه هو الهادي إلى سواء السبيل.

(١) ما للنقائص من آخر ، فهل تدون مجلدات في نفي كل نقيصة عنه تعالى بالرواية عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكفى قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] والمحتاج إلى الإثبات هو المثبت دون المنفي ، وكلمة هذا الرجل هذه تقول إن الله تعالى مثبت له من النقائص ملايين الملايين مما لم ينص النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على نفيه بلفظ خاص ، وهل يقول هذا عاقل فضلا عن فاضل فضلا عن إمام يعتقد تابعوه أنه وحيد الأمة فضلا وعلما.

(٢) ألفت نظر القارئ الكريم إلى أن الاستواء لم يذكر في تلك الآيات إلا بصيغة الفعل المقرونة بأداة التراخي في بعضها ، وذلك نص على أن الاستواء فعل من أفعال الله سبحانه لا صفة ذات له تعالى ، وجلّ الإله أن تحدث له صفة بعد أن لم تكن ومن قال إنه مستو نطق بما لم يأذن الله به كائنا من كان ومن زاد وقال استوى بذاته بمعنى استقر فهو عابد وثن خيالي إن لم يكن عاميا.

٥٠٣

أكثر من سبعين نصا ، والسماء منفطر به لم يسمح المتأخرون بنقله جبنا (١) وضعفا بل قاله المتقدمون».

هذا الرجل كما قال الله تعالى : (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) [آل عمران : ٧].

فصل

قال : «والحادي والعشرون إتيان رب العرش ومجيئه (٢) من أين يأتي لا يأتي إلا

__________________

(١) وروى الحشوية في تفسيره ألفاظا وهي (ممتلئ به) و (مثقلة به) و (مثقلة به موقرة) و (يئط من ثقل الذات) وركبوا لها أسانيد فمن أثبت لله سبحانه ثقلا لم يدع ما لم يفه به في التجسيم ، والناظم استنكر إمساك المتأخرين عن ذلك حتى باح بما في نفسه ، ويحاول شيخه أن يجعل قول كعب الأحبار في ذلك مما يمكن أن يكون سمعه من الصحابة ، فحاشاهم عن ذلك ، وفي جزء المنبجي تلميذ الناظم في هذا الصدد مخاز ، ومن علم الحالة العامة عند مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عراقة البيئة في الوثنية ومنازع الأمم المحدقة بها في التشبيه والتجسيم كما أشرت إلى بعض ذلك في مقدمة تبيين كذب المفتري لا يصعب عليه معرفة وجه اندساس أعداء الدين بين الجمهور من عهد التابعين لبعث ما عندهم من صنوف الزيغ بين أعراب الرواة وبسطاء مواليهم حتى وجدت تلك الأساطير من يذيعها بين الأمة خلفا عن سلف ، قاتلهم الله ، ولو لا قيام علماء أصول الدين في كل قرن بكشف الستار عن وجوه هؤلاء المخذولين لاستفحل أمرهم وله الحمد في الآخرة والأولى ، وهذا الناظم وشيخه قد جددا الكرة بسلاح جديد بتلبيس معتقدهما الزائغ بلباس النظر والتفلسف تارة على طريقة صاحب المعتبر أبي البركات البغدادي اليهودي وبلباس الرواية والأثر تارة أخرى وأمرهما كما ترى مكشوف مفضوح في الحالتين بفضل الله وتوفيقه ولا عذر للمنخدعين بهما بعد ما سردناه في هذا الكتاب.

نص أحمد في المجيء

(٢) قال ابن حزم : روينا عن الإمام أحمد في قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] إنما معناه وجاء أمر ربك كقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) [النّحل : ٣٣] والقرآن يفسر بعضه بعضا. وهكذا نقله ابن الجوزي في تفسيره زاد المسير ، وقال البيهقي في مناقب أحمد أنبأنا الحاكم قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت عمي أبا عبد الله يعني أحمد يقول : احتجوا علي يومئذ ـ يعني يوم نوظر في دار أمير المؤمنين ـ فقالوا تجيء سورة البقرة يوم القيامة وتجيء سورة تبارك فقلت لهم إنما هو الثواب قال الله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : ٢٢] إنما تأتي قدرته ، وإنما القرآن أمثال ومواعظ.

قال البيهقي وفيه دليل على أنه كان لا يعتقد في المجيء الذي ورد به الكتاب والنزول الذي وردت به السنة انتقالا من مكان إلى مكان كمجيء ذوات الأجسام ونزولها ، وإنما هو عبارة عن ظهور آيات قدرته ، فإنهم لما زعموا أن القرآن لو كان كلام الله وصفة من صفات ذاته لم يجز عليه المجيء والإتيان فأجابهم أبو عبد الله بأنه إنما يجيء ثواب قراءته التي يريد إظهارها يومئذ ، فعبّر عن إظهاره إياها بمجيئه اه.

٥٠٤

من العلو».

ما كفاه إثبات الفوقية حتى أثبت الحركة في الإتيان.

فصل

في الإشارة إلى ذلك من (١) السنة».

قال :

«لما قضى الله ربنا الخليقة

كتبت يداه كتاب ذي إحسان»

أين لفظ كتبت يداه؟

قال :

«ولقد أشار نبينا في خطبة

نحو السماء بإصبع وبنان»

__________________

ـ وقال اليافعي بعد أن ساق ذلك : قال العلماء وقد يقتضي الحذف من التعظيم والتفخيم ما لا يقتضيه الذكر ، وشواهده من الكتاب كثيرة كقوله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [المائدة : ٣٣] و (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب : ٥٧] وقد أجمع المسلمون على تقدسه تعالى عن التأذي والضرر ، أي يحاربون عباد الله وأولياءه ويوضحه قوله تعالى : (فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ) [النّحل : ٢٦] ليس المراد الإتيان بذاته بالاتفاق وإنما هو أمره ويشهد له قوله تعالى : (أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً) [يونس : ٢٤] اه. والناظم وشيخه يدعيان الانتماء إلى أحمد ولا يتابعانه في التنزيه كما رأيت نصوص أهل العلم عن أحمد فلا ينخدعن الموفق بثرثرتهما المفضوحة وتهويلهما المصطنع وإنما ذلك وقاحة منهما قاتلهما الله ، ما أجرأهما على الله تعالى.

معنى كتب ربكم على نفسه بيده

(١) قد أجمع أهل الحق على أنه لا يجوز إثبات صفة الله سبحانه بدون دليل يفيد العلم ولهم في ذلك أدلة ناصعة قال أبو سليمان الخطابي في (الناصحة) لا يجوز أن يعتمد في الصفات إلا على الأحاديث المشهورة التي قد ثبتت صحة أسانيدها وعدالة ناقليها اه. ثم أقام النكير على قوم من أهل الحديث تعلقوا برواية المفاريد والشواذ في الصفات ، ونكتفي بهذه الإشارة هنا. ولم يقع كتبت يداه في الصحيح عند ذكر حديث «سبقت رحمتي غضبي» ، وأما ما في ابن ماجه فبطريق ابن عجلان وقد ضعفه البخاري ولم يكن مالك يرضاه في الصفات فلا حجة في رواية مثله على أن لفظه «كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي» قال الله تعالى : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام : ٥٤] فكتب إذا تعدّى بلفظ على يكون بمعنى أوجب ، فيكون معنى الحديث أوجب على نفسه بذاته لا بإيجاب أحد سواه ، واستعمال (بيده) بمعنى بذاته شائع كثير ، والإيجاب على النفس بمعنى الوعد والوجوب عن الله لا الوجوب على الله. فليس هناك خط ولا مخطوط ، ومن الدليل على ما قلنا أن الخط حادث مخلوق فكيف يتصور أن يكون قبل الخلق خلق فلا تغفل مع الغافلين.

٥٠٥

تقدم جوابه.

قال : «ولقد أتى في رقية المرضى نص بأن الله فوق (١) سمائه وخبر رواه العباس أن الله فوق العرش (٢).

واذكر حديث حصين (٣) بن المنذر الثقة الرضى أعني أبا عمران إذ قال : ربي في

__________________

(١) ولفظ الحديث «ربنا الله الذي في السماء تقدّس اسمك» يدور هذا اللفظ بين أن يكون بمعنى أنه تقدس اسمه في السماء لأن أهل السماء كلهم منزّهون بخلاف أهل الأرض وبين أن يكون بمعنى أنه في السماء واستحالة الثاني تعين الأول والناظم غير اللفظ وادعى أنه نصّ تحريفا للكلم على أن في سنده زيادة ابن محمد وهو منكر الحديث والناظم يستدل بالمنكر في الصفات مع تغيير نص الرواية والحديث مخرج في سنن أبي داود.

(٢) في رواية عبد الرزاق (والله فوق ذلك) ولفظ فوق العرش إنما وقع في بعض الروايات كما سبق على أن الحديث انفرد به سماك. وشيخه عبد الله بن عميرة لم يدرك الأحنف كما نصّ عليه البخاري فضلا عن أن يدرك عباسا مع كونه مجهول الصفة ، وتحسين الترمذي باعتبار أنه مروي عن سماك بطرق لا بمعنى أنه محتج به حيث قال حسن غريب ثم ذكر وقفه عن شريك عن سماك فتكون في رفعه علة أيضا ، ويحيى بن العلاء في مسند عبد الرزاق متروك ، هكذا تكون حجج الناظم في السنة لا يبالي أن يكون الحديث من المفاريد أو أن يكون فيه منكر أو مجهول أو انقطاع. دعنا من تخريج الضياء وقد عرف الناس مذهبه في الصفات وقال ابن العربي في العارضة عن حديث الأوعال هذا : وروى غير ذلك ولم يصح شيء منه وإنما هي أمور تلفقت من أهل الكتاب ليس لها أصل في الصحة وقد روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنشد قول أمية بن أبي الصلت :

رجل وثور تحت رجل يمينه

والنسر للأخرى وليث مرصد

ولم يصح اه.

سخف عثمان بن سعيد في التمسك بحديث

حصين في الفوقية

(٣) غلط الناظم في اسم والد حصين كما يظهر من الكتب المؤلفة في الصحابة ، وإسلام حصين صاحب القصة مختلف فيه ووصفه بالثقة الرضى مطلقا مجازفة وأقل ما يقال فيه إنه لم يكن ثقة ولا رضي حين المحادثة على تقدير ثبوت الخبر ولسنا في صدد استقصاء جهالات الناظم ويريد بحديث حصين ما رواه أحمد بن منيع عن أبي معاوية عن شبيب بن شيبة عن الحسن عن عمران بن حصين قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي : «كم تعبد اليوم إلها؟ فقال : ستة في الأرض وواحدا في السماء ، قال : فأيهم تعده لرغبتك ورهبتك؟ قال : الذي في السماء. قال : يا حصين ، أما إنك لو أسلمت علّمتك كلمتين ينفعانك ، فلما أسلم قال : يا رسول الله علّمني الكلمتين ، قال : «قل اللهم ألهمني رشدي وأعذني من شر نفسي». وأخرجه عثمان بن سعيد السجزي الدارمي عن ابن منيع إلى «الذي في السماء» فقط في كتاب النقض محتجا به على إثبات الحد والنهاية والمكان له تعالى حتى قال : فلم ينكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الكافر إذ عرف أن إله

٥٠٦

السماء لرغبتي ولرهبتي أدعوه كل أوان ، فأقره الهادي البشير صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يقل أنت المجسم قائل مكان واذكر شهادته لمن قال ربي في السماء (١) بالإيمان وشهادة المعطل له بالكفران ، وحديث (٢) الأطيط ، وحديث النزول (٣) وحديث (٤) ابن رواحة ،

__________________

ـ العالمين في السماء فحصين الخزاعي في كفره يومئذ كان أعلم بالله من المريسي وأصحابه ... وقد اتفقت الكلمة من المسلمين والكافرين أن الله في السماء وحدّوه بذلك .. وكل أحد بالله وبمكانه أعلم من الجهمية اه» راجع معقول ابن تيمية في هامش منهاجه (٢ ـ ٣٠) تجده ينقل ذلك عنه بنصه وفصه بدون استنكار ، والناظم أتبع له من ظله في كل صغير وكبير (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النّور : ٤٠] وعثمان الدارمي هذا مجسم قح كما ترى وهو إمام الناظم وشيخه وإسلام عمران بن حصين أيام خيبر وهذه المحادثة وقعت قبل الهجرة وحصين مشرك ولا يكون من التقرير في شيء ما يشاهده النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المشرك وسكت عليه ، وكيف يتصور عاقل أنه أقره على ما يدّعيه الناظم؟ إذ من المحال أن يقره على ستة في الأرض ، على أن عرضه الإسلام يدل على استنكار ما قاله حصين وعلى أنه كان على شر وضلال فيما قال ، وشبيب بن شيبة ضعفه النسائي وغيره وبمثل هذا السند لا يستدل في الأعمال فضلا عن الاستدلال به في المعتقد ، وأما ما أخرجه ابن خزيمة في التوحيد فبلفظ آخر زيد فيه كلمة إنقاذا للموقف لكن في سنده عمران بن خالد وحاله أسوأ من أن يقال : إنه ضعيف بل هو مكشوف الأمر والروايتان مختلفتان فلا تجمعان ولا تلفقان ولا ينقذ هذا الموقف بمثل ذلك الترقيع ، فليتق الناظم رب العالمين من أن يسوق في صفات الله سبحانه أمثال تلك الروايات.

(١) وليس في رواية يحيى الليثي عن مالك لفظ «فإنها مؤمنة» في حديث الجارية وقد سبق بيان اضطراب هذا الحديث سندا ومتنا وعدم صلاحية مثله للاحتجاج إلا في الأعمال دون المطالب الاعتقادية وقد حمل الشريف الجرجاني لفظ «أين» في الحديث على السؤال الاستكشافي ، ومن أهل العلم من قال إن العامي الذي يعلو عن مداركه التنزيه عن المكان يؤخذ بالرفق ويعذر لهذا الحديث بخلاف من عنده بعض إلمام بالعلم ، وجعل ابن رشد الحفيد لصاحب البرهان شأنا غير شأن العامي في ذلك ، وقد سبق بسط ذلك كله.

(٢) قال الذهبي في كتاب العلو : لفظ الأطيط لم يأت به نص ثابت اه. وقد ألّف الحافظ أبو القاسم بن عساكر جزءا سماه (بيان التخليط في حديث الأطيط) بيّن فيه وجوه التخليط في روايات الأطيط فلا حاجة لتكلف التأويل بعد ثبوت بطلان تلك الروايات.

(٣) وقد سبق بيان ما فيه كفاية في هذا الصدد فلا نعيد الكلام بدون موجب.

الشعر المنسوب إلى ابن رواحة

(٤) يشير به إلى ما ينسب إلى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه من أنه أنشد :

شهدت بأنّ وعد الله حقّ

وأن النار مثوى الكافرينا

وأنّ العرش فوق الماء طاف

وفوق العرش رب العالمينا

إيهاما لامرأته أنه يتلو القرآن دفعا لما اتهمته به من نيله جارية له حتى قالت زوجته آمنت بالله وكذبت عيني اه وهذه قصة تذكر في كتب المحاضرات والمسامرات دون كتب الحديث

٥٠٧

والمعراج (١) وقريظة (٢) ، وصعود الروح (٣) عند الموت ، وسخط الله (٤) على المرأة

__________________

ـ المعتمدة ولم ترد في كتب أهل الحديث بسند متصل ولو من وجه واحد وأما ما وقع في الاستيعاب من قول ابن عبد البر (رويناه من وجوه صحاح) فسهو واضح من الناسخ وأصل الكلام (من وجوه غير صحاح) فسقط لفظ (غير) فتتابعت النسخ على السهو إذ لم يجد أهل الاستقصاء سندا واحدا يحتج بمثله في هذه القصة بل كل ما عندهم في هذا الصدد أخبار منقطعة وما يكون في عهد ابن عبد البر مرويا بطرق صحيحة كيف لا يكون مرويا عند من بعده ولو بطريق واحد صحيح؟ وهذا يعين ما قلناه من سقوط لفظ (غير) في الكتاب. ولم يتمكن الذهبي بعد بذل جهده من ذكر سند واحد غير منقطع في القصة وأفعال الصحابة كلها جد ، وجلّ مقدار مثل هذا الصحابي عن أن يوهم صحابية أنه يتلو القرآن بإنشاده الشعر لها. وإيهام كون الشعر من القرآن ليس مما يقر عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمتن الخبر نفسه يدل على البطلان. على أن الحافظ ابن الجوزي ذكر في كتاب الأذكياء أنه قال :

وفينا رسول الله يتلو كتابه

كما انشق مرموق من الصبح ساطع

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا

به موقنات أن ما قال واقع

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

وأين هذا الشعر من ذاك الشعر والحكاية هي هي. ولا مجال لتعدد القصة لأن المرأة لا تخدع بمثل ذاك مرتين.

(١) نحيل الناظم في حديث المعراج الذي يريد أن يستدل به هنا على ما كتبه هو نفسه في زاد المعاد في الأوهام الواقعة في حديث شريك في المعراج وقد بسط أهل العلم أغلاطه فيه.

حديث بني قريظة

(٢) يعني ما يروى عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة بأن يقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم : «لقد حكمت فيهم بحكم الملك من فوق سبعة أرقعة» وفي سنده النسائي محمد بن صالح التمار ليس بقوي ، قال أبو بكر بن العربي في القواصم : لم يصح اه على أن حكم الله يطلع عليه الملائكة باطلاعهم على اللوح المحفوظ فيكون معنى كون حكمه في السماء كون حكمه في اللوح المحفوظ الذي هو في السماء.

(٣) أخرجه أحمد وابن خزيمة وفيه لفظ «حتى تنتهي إلى السماء التي فيها الرب». وليس السند إليهما كالسند إلى الأصول الستة ، وقد أعرض عن تخريجه أصحاب الأصول الستة وهذا اللفظ منكر والظاهر أنه من تغيير بعض الرواة وقد أجمع المسلمون على أن الله سبحانه لا تحويه السماء ولا الأرض وأنه منزّه عن المكان ، قال الخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه : إذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد ردّ بأمور أحدها أن يخالف موجبات العقول فيعلم بطلانه لأن الشرع إنما يرد بمجوزات العقول وأما بخلاف العقول فلا اه. وأما هذا فمخالف للكتاب والسنة والمعقول في آن واحد.

(٤) ولفظ مسلم «كان الذي في السماء ساخطا عليها» وليس في هذا اللفظ التصريح بما يرمي إليه الناظم ، ومثل هذا الحديث من أخبار الآحاد يحمل على المحكمات وليس في الحديث. ذكر الرب سبحانه وحمله عليه تقول وعلى فرض حمله عليه ليس معنى كونه في السماء الاستقرار والتمكن فيها باتفاق بل معنى ذلك علو الشأن ، كما سبق.

٥٠٨

التي تهجر زوجها ، وحديث جابر في أهل الجنة إذا بنور (١) ساطع فإذا هو الرّحمن.

وحديث فضل (٢) يوم الجمعة ، وأمين (٣) من في السماء ، وأذكر حديث أبي رزين (٤) وبطوله ساقه ابن إمامنا والطبراني وأبو بكر بن زهير واذكر كلام مجاهد في قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ) [الإسراء : ٧٨] ... في سبحان في ذكر تفسير المقام

__________________

حديث جابر

(١) أخرجه ابن ماجه بطريق العباداني وهو منكر الحديث وفضل الرقاشي ممن لا يكتب حديثه وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وأقرّ الذهبي بكونه ضعيف الإسناد وبمثله يحتج الناظم!.

(٢) غير صالح للاحتجاج بالمرة ولا سيما في مثل هذا المطلب ولابن عساكر الحافظ جزء سماه (القول في جملة الأسانيد الواردة في حديث يوم المزيد) وبيّن فيه وجوه الوهي فيها وقال إن لهذا الحديث عن أنس عدة طرق في جميعها مقال. وفي بعض طرق الحديث ما يخيل إلى الناظر أنه في احتفاء بأحد رجالات العرب تعالى الله عما اختلقه أعداء الدين وركبوا له أسانيد ما أنزل الله بها من سلطان.

(٣) وهو أمين من في الأرض من المؤمنين وأمين سكان السماوات كلهم فما ذا في هذا الحديث مما يرمي إليه الناظم.

(٤) سبق الكلام في حديث أبي رزين ، ونود أن نعلم هل كان الناظم يعتقد صحة جميع ما في كتاب السنة المنسوب إلى عبد الله بن أحمد ، فإذا ذاك يسقط التابع والمتبوع وجلّ مقدار أحمد أن يصح عنه جميع ما في الكتاب المذكور ومن طالعه من أهل العلم لا يتردد أنه ليس بكتاب يحتج بجميع ما فيه ومن جملة ما فيه : رآه على كرسي من ذهب يحمله أربعة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة أسد وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر ، في روضة خضراء دونه فراش من ذهب. ومنها : كلمه بصوت يشبه الرعد. ومنها : أوحى الله إلى الجبال إني نازل على جبل منك ، ومنها : أن الرّحمن ليثقل على حملة العرش من أول النهار إذا قام المشركون حتى إذا قام المسبحون خفف عن حملة العرش ومنها (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ) [المزمّل : ١٨] مثقل وممتلئ به. ومنها : أنه ليقعد عليه فما يفضل منه إلا قيد أربع أصابع. ومنها فأصبح ربك يطوف في الأرض ... إلى آخر ما تجده في النسخة المطبوعة من كتاب السنة. وقوله «نازل على جبل منك» يذكرنا ما أخرجه أبو إسماعيل الهروي في الفاروق عن كعب : إن الله نظر إلى الأرض فقال إني واطئ على بعضك فاستبقت له الجبال وتضعضعت الصخرة فشكر لها ذلك فوضع عليها قدمه فقال هذا مقامي ... اه. وهذا الهروي المخرف يروي في ذم الكلام عن بعض قادته أنه لا تحل ذبائح الأشعرية لأنهم ليسوا بمسلمين ولا بأهل كتاب اه ، والله ينتقم منه. وأما الطبراني فمن المعروف عند أهل النقد أنه من الذين يروون الحديث الموضوع والضعيف بدون بيان كونه موضوعا أو ضعيفا بل ينسب إليه تصحيح حديث عكرمة في الرؤية على صورة شاب مرد ... فلا حب ولا كرامة.

٥٠٩

لأحمد (١) إن كان تجسيما ، فإن مجاهدا هو شيخهم بل شيخه الفوقاني ولقد أتى ذكر الجلوس به».

هذه الأحاديث كلها قد ذكرها الأئمة وذكروا تأويلاتها من قديم الزمان وإلى الآن.

فصل

بحث ممتع في التأويل

في جناية التأويل (٢) على ما جاء به الرسول.

__________________

(١) مروي عنه بطرق ضعيفة وتفسيره بالشفاعة متواتر معنى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنى يناهضه قول تابعي على تقدير ثبوته عنه؟ ومن يقول إن الله سبحانه قد أخلى مكانا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عرشه فيقعده عليه في جنب ذاته فلا نشك في زيغه وضلاله واختلال عقله رغم تقول جماعة البربهارية من الحشوية وكم آذوا ابن جرير حتى أدخل في تفسيره بعض شيء من ذلك مع أنه القائل :

سبحان من ليس له أنيس

ولا له في عرشه جليس

ولو ورد مثل ذلك بسند صحيح لردّ وعد أن هذا سند مركب فكيف وهو لم يرفع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أصلا بل نسب إلى مجاهد بن جبر ، نعم لا مانع من أن يكون الله سبحانه يقعده على عرش أعده لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القيامة إظهارا لمنزلته لا أنه يقعد ويقعده في جنبه ، تعالى الله عن ذلك. إذ هو محال يرد بمثله خبر الآحاد على تقدير وروده مرفوعا فكيف ولم يرد ذلك في المرفوع حتى قال الذهبي : لم يثبت في قعود نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم على العرش نص بل في الباب حديث واه. وقال أيضا : ويروى مرفوعا وهو باطل. فما ذكره ابن عطية من التأويل وسايره الآلوسي فليس في محله لأن أصحاب الاستقراء لم يجدوه مرفوعا حتى نحتاج إلى محاولة التأويل بما يمجه الذوق ومن ظن أنه يوجد في مسند الفردوس ما يصح في ذلك لم يعرف الديلمي ولا مسنده وأرسل الكلام جزافا. جزى الله الواحدي خيرا حيث ردّ تلك الأخلوقة ردا مشبعا وكذا ابن المعلم القرشي وأما ما يروى عن أبي داود أنه قال من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم. فبطريق النقاش صاحب شفاء الصدور وهو كذاب عند أهل النقد وقال ابن عبد البر إن لمجاهد قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما تأويل المقام المحمود بهذا الإجلاس والثاني تأويل (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣)) [القيامة : ٢٣] بانتظار الثواب. وفتنة أبي محمد البربهاري ببغداد في الإقعاد وصمة عار يأبى أهل الدين أن يميلوا إليها لاستحالة ذلك وتضافر الأدلة على تفسير المقام المحمود بالشفاعة وإنما هذه الأسطورة تسربت إلى معتقد الحشوية من قول بعض النصارى بأن عيسى عليه‌السلام رفع إلى السماء وقعد في جنب أبيه ، تعالى الله عن ذلك فحاولوا أن يجعلوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل ما جعله النصارى لعيسى عليه‌السلام كسابقة لهم ، تعالى الله عن ذلك ، فعليك أن تتهم من يقول إني أتهم من ينفي حديث الإقعاد في جنب الله عزوجل.

(٢) من كلام العرب ما يفهم منه مراد المتكلم بمجرد سماعه بدون احتياج إلى التدبر ومنه ما لا يفهم المراد منه إلا بعد التأمل فيما يؤول إليه ذلك الكلام والتأويل تبيين ما يؤول إليه الكلام

٥١٠

__________________

ـ بعد التدبر فمن نفى التأويل جملة وتفصيلا فقد جهل الكتاب والسنة ومناحي كلام العرب في التخاطب. وأبو يعلى الحنبلي المسكين ـ من أئمة الناظم ـ ألّف كتابا سماه (إبطال التأويلات في أخبار الصفات) أتى فيه بكل طامة حتى قال عنه أبو محمد رزق الله التميمي الحنبلي : لقد بال أبو يعلى على الحنابلة بولة لا يغسلها ماء البحار. كما ذكره سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان ، ولفظ ابن الأثير في الكامل أفظع وأما لفظ ابن الجوزي في دفع الشبع فرواية بالمعنى ، وقد ذكر أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي في دفع شبه التشبيه كثيرا من مخازيه بل في تأسيس ابن تيمية نقول كثيرة من كتاب (إبطال التأويلات) منها إثبات الحد له تعالى من الجانب الأسفل ، تعالى الله عن ذلك. ويأسف الإنسان كل الأسف أن يضل مثل أبي يعلى هذا الضلال وما ذلك إلا من عدوى خلطائه ، فلو كان والده الذي كان من أخص أصحاب أبي بكر الرازي الجصاص رأى ما آل إليه أمر ابنه اليتيم عنه لبكى بكاء مرا وتبرأ منه ومن عقائده. ومما زاد في ويلات الكتاب اعتداده بكل خبر غير مميز بين المختلق وغيره. ولأبي يعلى هذا كتاب المعتمد في المعتقد وهو قريب إلى السنة ونرجو أن يكون هذا آخر مؤلفاته ليكون قاضيا على ما سلف منه وإلا فيا للعار والنار من مسايرة الأشرار ، فمن أول في كل موضع فهو قرمطي كافر ، ومن أبي التأويل في كل آية وحديث فهو حجري زائغ كابن الفاعوس الحنبلي الذي لقب بالحجري حيث كان يقول إن الحجر الأسود يمين الله حقيقة قال أبو بكر بن العربي عن الظاهرية :

قالوا الظواهر أصل لا يجوز لنا

عنها العدول إلى رأي ولا نظر

بينوا عن الخلق لستم منهم أبدا

ما للأنام ومعلوف من البقر

وقد قال ابن عقيل الحنبلي «هلك الإسلام بين طائفتين : الباطنية والظاهرية والحق بين المنزلتين وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع» وللغزالي جزء لطيف سماه قانون التأويل وهو يقول فيه عند البحث فيما إذا كان بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر : «والخائضون فيه تحزّبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول وإلى متوسط طمع في الجمع والتلفيق والمتوسطون انقسموا إلى من جعل المعقول أصلا والمنقول تابعا وإلى من جعل المنقول أصلا والمعقول تابعا وإلى من جعل كل واحد أصلا» : ثم شرح هؤلاء الأصناف الخمسة شرحا جيدا لا يستغني عنه باحث ، حفظنا الله سبحانه من الإفراط والتفريط وسلك بنا سواء السبيل وفي الاطلاع على جزء الغزالي هذا فوائد في هذا الصدد.

قول ابن حجر في التأويل

وأما قول ابن حجر في فتح الباري «إنه لم ينقل عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا عن أحد من الصحابة بطريق صحيح التصريح بوجوب تأويل شيء من ذلك ـ يعني المتشابهات ـ ولا المنع من ذكره ومن المحال أن يأمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبليغ ما أنزل إليه ربه وينزل عليه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبة إليه تعالى وما لا يجوز مع حثه على التبليغ عنه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ليبلغ الشاهد الغائب» حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحواله وما فعل بحضرته فدلّ على أنهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله تعالى منها ووجب تنزيهه عن

٥١١

__________________

ـ مشابهة المخلوقات بقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم وبالله التوفيق اه».

فليس مما يستطيع الحشوي أن يتخذه سندا في ترويج مزاعم المشبهة ـ رغم محاولة بعضهم ذلك لأن في سياق كلامه ما يحتم التفويض مع التنزيه وهو مذهب جمهور السلف وليس أحد من أهل العلم يمنع من إجراء المتشابه في الكتاب والسنة المشهورة على اللسان بدون خوض في المعنى فمن خاض وحمل على ما ينافي التنزيه فهو الذي خالف سبيلهم ، بل الصحابة كلهم أجمعوا على تنزيه الله سبحانه عن مشابهة المخلوقات في ذاته وصفاته وأفعاله ومن ضرورة ذلك صرف الألفاظ المستعملة في الخلق عن معانيها المتعارفة بينهم إلى معان تتسامى عنها عند نسبة تلك الألفاظ إلى الله سبحانه على مقتضى قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] وهو تأويل إجمالي وأما تعيين تلك المعاني المتسامية تفصيلا بقرائن قائمة فمما يختلف مبلغ انتباه أهل العلم إليه على اختلاف ما آتاهم الله من الفهم فمن بان له وجه الكلام كوضح الصبح يسلك طريق التبيين بل يدخل هذا المتشابه في حقه في عداد المحكم ـ وذلك كالنظري بالنسبة إلى الحدسي وكم من نظري مستصعب عند أناس يكون حدسيا مكشوفا عند أناس آخرين ـ فأحاديث النزول مثلا إبعادها عن معان توجب التشبيه والنقلة موضع اتفاق بين أهل الحق سلفا وخلفا وحملها على المجاز في الطرف أو على الإسناد المجازي استعمال عربي صحيح وموافق للتنزيه وقد يترجح عند بعضهم الأول وعند بعضهم الثاني ، ولكن الذي صحّ عنده رواية الإنزال أو اطلع على صحة حديث أبي هريرة في سنن النسائي «إن الله عزوجل يمهل حتى يمضي شطر الليل ثم يأمر مناديا يقول هل من داع فيستجاب له» يجزم بإرادة الإسناد المجازي في باقي الروايات فيخرج حديث النزول في نظره من عداد المتشابه ويدخل في عداد المحكم حيث رده إليه.

تحقيق ابن دقيق العيد

قال الإمام المجتهد ابن دقيق العيد : «إن كان التأويل من المجاز البين الشائع فالحق سلوكه من غير توقف ، أو من المجاز البعيد الشاذ فالحق تركه ، وإن استوى الأمران فالاختلاف في جوازه وعدم جوازه مسألة فقهية اجتهادية والأمر فيها ليس بالخطر بالنسبة للفريقين اه».

وهذا كلام نفيس جدا ينبئ عن علم جم ، وصراحة في بيان الحق ، وتوسط حكيم بخلاف كلام الذين يسعون في إرضاء الطوائف بكلام معقد متشابه يفتح باب التقول لمن بعدهم من الزائغين في المتشابهات ، وأين هؤلاء من ابن دقيق العيد في التروي والأمانة والصراحة والتحقيق والجمع بين الأصلين والفقه والحديث؟ وعن ابن دقيق العيد هذا يقول ابن المعلم : (كان مبارزا لأهل البدع من الحشوية والصوتية والقائلين بالجهة ... منكرا عليهم بيده ولسانه ولفظه وجنانه يغري ويؤلب عليهم ولا يدع لهم رأسا قائمة إلا اقتطعها ولا شجرة يخشى شرها إلا اقتلعها) فتبين من ذلك أن المسلم في سعة من التفويض والتأويل فالأول في حينه أسلم والثاني بشرطه أحكم فلا يتصور أن ينقل التصريح بوجوب التأويل التفصيلي عن الصحابة لأنه لو نقل لوجب التأويل التفصيلي على العالم والجاهل على حد سواء وهذا مما يبرأ منه الشرع الحنيف.

٥١٢

__________________

صنيع الصحابة في التأويل

ـ وقد كانت الصحابة رضي الله عنهم لا يخوضون في المعضلات حرصا منهم على معتقد الذين قرب عهدهم بالجاهلية وتدريبا لهم على الأعمال النافعة دون المماحكات الفارغة ، لأن الخوض فيها يضر ولا ينفع في شخص دون شخص وفي وقت دون وقت ـ وعمل الفاروق رضي الله عنه في صبيغ معروف ـ ولم يتقاعس الصحابة عن الإجابة عند حدوث ضرورة كما فعل ابن عباس رضي الله عنهما مع نافع بن الأزرق فلا يكون المؤول بشرطه مخالفا للصحابة رضي الله عنهم بل مقتديا بهم ، وقد سرد المحدث النظار الفخر بن المعلم القرشي الشافعي في (نجم المهتدي) في باب خاص منه نماذج كثيرة من التأويلات المروية عن الصحابة والتابعين وقد اكتظت كتب التفسير بالرواية بما روى عنهم في هذا الصدد ، وكانت الصحابة يفهمون بسليقتهم كلام الله وكلام رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يكن يصعب عليهم فهم ما يستعصي فهمه على كثير ممن تأخر زمنه عن زمن الوحي ، ولم يقع في كلام أحد منهم شيء ينافي التنزيه أصلا وأما ما وقع في بعض الروايات مما يوهم ذلك فمن تغيير أعراب الرواة وأعاجمهم والرواية بالمعنى من غير فقهاء الرواة في حاجة إلى التنقيب والنظر وحيث كان غالب ألفاظ الروايات ألفاظ الرواة ـ على حسب فهمهم المعاني ـ لا يعول محققو علماء العربية في اللغة على ألفاظ الحديث المروي بالمعنى فكيف يتصور أن يتخذ علماء أصول الدين ألفاظ هؤلاء الرواة ـ على حسب أفهامهم ـ حجة في دين الله من غير نظر فيما إذا كان مخالفا للتنزيه والبراهين القائمة؟ والحاصل أن التفويض مع التنزيه مذهب جمهور السلف لانتفاء الضرورة في عهدهم والتأويل مع التنزيه مذهب جمهور الخلف حيث عنّ لهم ضرورة التأويل لكثرة الساعين في الإضلال في زمنهم ، وليس بين الفريقين خلاف حقيقي لأن كليهما منزّه ومن أهل العلم من توسط بين هؤلاء وهؤلاء كما أشرت إليه.

وأما المشبهة فتراهم يقولون : نحن لا نؤول بل نحمل آيات الصفات وأخبارها على ظاهرها. وهم في قولهم هذا غير منتبهين إلى أن استعمال اللفظ في الله سبحانه بالمعنى المراد عند استعماله في الخلق تشبيه صريح وحمله على معنى سواه تأويل على أن الأخبار المحتج بها في الصفات إنما هي الصحاح المشاهير دون الوحدان والمفاريد والمناكير والمنقطعات والضعاف والموضوعات مع أنهم يسوقون جميعها في مساق واحد في كتب يسمونها التوحيد أو الصفات أو السنة أو العلو أو نحوها.

اضطراب الحشوية

ومن الأدلة القاطعة على رد مزاعم الحشوية في دعوى التمسك بالظاهر في اعتقاد الجلوس على العرش خاصة قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [البقرة : ١٨٦] وقوله تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] وقوله تعالى : (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق : ١٩] وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) [فصّلت : ٥٤] وقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤] إلى غير ذلك مما لا يحصى في الكتاب والسنة المشهورة مما ينافي الجلوس على العرش وأهل السنة يرونها أدلة على تنزه الله سبحانه عن المكان كما هو الحق فلا يبقى

٥١٣

__________________

ـ للحشوية أن يعملوا شيئا إزاء أمثال تلك النصوص غير محاولة تأويلها مجازفة أو العدول عن القول بالاستقرار المكاني فأين التمسك بالظاهر في هاتين الحالتين؟ وهكذا سائر مزاعمهم على أن من عرف أقسام النظم باعتبار الوضوح والخفاء وأقرّ بكون آيات الصفات وأخبارها من المتشابه كيف يتصور في هذا المقام ظاهرا يحمل المتشابه عليه؟ وإنما حقه أن يحمل المتشابه في الصفات على محكم قوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشّورى : ١١] بالتأويل الإجمالي ومن الحشوية من يزعم أن الآية المذكورة متشابهة ليتنكب الحمل المذكور ، بل منهم من بلغ به الكفر إلى حد أن يقول (له ساق كساقي هذه والمراد بالآية نفي المماثلة في الإلهية لا في كل أمر) كما تجد ذلك في ترجمة العبدري الظاهري في تاريخ ابن عساكر. وهذا كفر بواح ، فتلاوة المشبه الآية المذكورة لا تفيد بمجردها التنزيه بالمعنى الذي يفهمه أهل الحق من الآية فلا تغفل ولا تنخدع فمن المضحك المبكي تمسكهم مرة في نفي العلم بالتأويل بقوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ٧] باعتبار الوقف على الاسم الكريم مع دعوى الحمل على الظاهر ، وزعمهم أخرى أن التأويل بمعنى التفسير مع الوقف على (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) [آل عمران : ٧] مدّعين أنهم يعلمون تأويل المتشابه باعتبار أنهم من الراسخين في العلم ومجترئين على النطق بكلمات في المتشابهات لا ينطق بمثلها من يخاف مقام ربه ، وأما أهل الحق فلا يدعون معرفة جميع التأويل بل يفوضون علمه إلى الله ويردون المتشابه إلى المحكم جملة وتفصيلا ولا يحملون لفظ التأويل في تلك الآية على خلاف معناه المعلوم من السياق بل يحمل بعض المحققين منهم النفي في الآية ـ بالوقف على لفظة (اللهُ) كما هو المؤيد دراية ورواية ـ على سلب العموم دون عموم السلب بالنظر إلى أن التأويل مصدر مضاف فيكون من ألفاظ العموم فبانصباب النفي على العموم يكون المعنى : ما يعلم غيره تعالى بنفسه جميع التأويل وهذا لا يمانع معرفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم جميع التأويل بتعليم الله سبحانه وحيا ولا يمنع أهل العلم من الأمة من السعي في معرفة ما دون الجميع من التأويل كما هو حكم رفع الإيجاب الكلي ، ومنهج كثير من السلف الذين اختاروا الوقف على لفظة (اللهُ) فضلا عن الخلف وبهذا تعرف قيمة ما أطال به ابن تيمية الكلام في تفسير سورة الإخلاص متظاهرا بالمسايرة مع الخلف مخادعة منه في صدد توهين الوقف على لفظة (اللهُ) مع إخراج التأويل عن معناه ليتمكن من حمل المتشابهات على معتقد الحشوية ، فإذا تدبرت كلامه الطويل هناك تحت نور هذا البيان تجده يضمحل ويذهب هباء ومن الطريف تأويل التأويل ممن ينكر التأويل ويدعي الأخذ بالظاهر.

ثم إني أوصي الشحيح بدينه أن لا يلتفت إلى كلام مثل البرهان الكوراني (وله أمثال) ممن ضاع صوابه بين نزعات متضاربة من حشوية وتصوف وفلسفة وكلام حيث أطلق عنان الهذيان في التلفيق بينها من غير أن يستبحر في علم منها والكلام بعد الاستطراف المجرد موقع في التخريف ومصداق ذلك في (الأمم لإيقاظ الهمم) له في (ص ٢٣ ـ ٢٦) منه فما يرويه فيه عن كتب تنسب إلى الأشعري على خلاف ما هو مدوّن في كتب أصحابه وأصحاب أصحابه ليس بموضع تعويل لمنافاته لنقل الكافة ولإبادة الحشوية لكتبه في فتن بغداد ولتصرفهم في البقية الباقية التي يذيعونها بما يخالف نقل الكافة ولعدم روايتها سماعا بطريق أهل السنة ، كما بينت

٥١٤

فذكر أن التأويل أصل كل بلية ثم قال : «والتأويل الصحيح هو تفسيره وظهور معناه كقول عائشة يتأول القرآن وحقيقة التأويل معناه الرجوع إلى الحقيقة لا خلف بين أئمة التفسير في هذا ، تأويله هو عندهم تفسيره بالظاهر (١) ما قال منهم قط شخص واحد تأويله صرف عن الرجحان ولا نفي الحقيقة».

__________________

ـ ذلك في موضع آخر. وأما ما يرويه عن عبد الغني المقدسي بسنده عن الشافعي من الاعتقاد فباطل موضوع وفي سنده العشاري وأبو العز بن كادش وسيأتي حالهما في أواخر الكتاب وعبد الغني نفسه ليس ممن يقبل قوله في الصفات ، راجع ذيل الروضتين. فلا يعول على مثل هذا السند إلا مثل الكوراني.

التجلي في الصور

وقول الكوراني بالتجلي في الصور مجون في مجون وجنون ليس فوقه جنون ، وقال أبو بكر ابن العربي في القواصم والعواصم (٢ ـ ٢٨) فيمن يحمل حديث «... فيأتيهم في صورة ثم يأتيهم في صورة أخرى ...» على التبدل والانتقال والتحول : إنه ليس من أهل القبلة بل حكم بخروجه أصلا وفرعا من الملة. وحمل الصورة على ظاهرها فضيحة ليس فوقها فضيحة ـ والله هو الهادي.

(١) وحمل التأويل على معنى التفسير في باب المتشابهات تحريف للكلم عن مواضعه وملاحظة ظاهر للمتشابه جهل يأباه كثير من العامة فضلا عن الخاصة وقد رضي الناظم لنفسه بهذا الجهل وأنى يتصور ظاهر في متشابه؟ فالظاهر في اللغة يقابل الخفي فلا يتصور حيث لا يكون المدلول عليه واضحا فلا يعقل أن يلاحظ هذا المعنى في المتشابه الذي هو غاية في الخفاء ، وأما في أصول الفقه فهو بمعنى الراجح من الاحتمالين بالوضع أو بالدليل وهو من أقسام الوضوح المقابل للخفاء الذي من أقسامه المتشابه فلا يتصور اجتماعهما في لفظ ويطلق الظاهر أيضا على ما يدل على المراد بإحدى الدلالات المعتبرة عند أهل اللسان فيكون مقابلا للباطن الذي ابتدعه القرامطة ، ولا شأن لهذا المعنى في هذا المبحث ، وقد يطلق الظاهر بمعنى المستفيض المشهور وهو مراد من يقول من أهل السنة (بإجراء أخبار الصفات على ظاهرها) حيث يريد إجراء اللفظ المستفيض عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في صفات الله على اللسان كما ورد مع التفويض أو التأويل على ما سبق ، وهذا المعنى هو المراد في قول الفقهاء (هذا ظاهر الرواية) يعنون أنه المروي عن صاحب المذهب بطريق الاستفاضة والشهرة. وفيما علقت على الاختلاف في اللفظ (ص ٤٥) : «أما ما يروى عن بعض السلف من إجراء أحاديث الصفات وإمرارها على ظاهرها فليس بمعنى الظاهر المصطلح في أصول الفقه الذي يبقى حين ترجح الاحتمال الآخر بالدليل كالنجم عند شروق الشمس ولا بمعنى ما يظهر للعامة من اللفظ بل بالمعنى المقابل للغريب الذي ينفرد بلفظه راو في إحدى الطبقات فيكون بمعنى تجويز إمرار اللفظ على اللسان وإجرائه عليه إذا كان اللفظ مرويا بطريق الظهور والشهرة في جميع الطبقات كما وقع إطلاق الظاهر بهذا المعنى في كلام الإمام مالك رضي الله عنه وغيره وقد يغالط بعضهم في ذلك فيضل ويضل فلزم التنبيه على ذلك اه».

٥١٥

قال الله تعالى في المتشابه : (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران : ٧] فكيف يكون تأويله تفسيره بالظاهر والمتشابه لا ظاهر له وقوله ما قال منهم أحد إن التأويل صرف عن الرجحان : كذب بل خلق قالوا ذلك وينطلق التأويل أيضا على تدبر القرآن وتفهم معناه.

فصل

فيما يلزم مدعى التأويل.

ثم قال : «دليل صارف واحتمال اللفظ وتعيين المقصود».

هذا كثرة كلام في أمر سهل مفروغ منه.

فصل

«في طريقة ابن سينا (١) وذويه من الملاحدة في التأويل».

ذكر ابن سينا والملاحدة هنا للتنفير وإلا لما جاء بابن سينا والملاحدة معنا.

قال : «ويقول تأويلي كتأويل الفوقية والصفات والعلو تأويله أشد من تأويل القيامة وحدوث العالم».

ليس مقصود هذا الناظم إلا أن يفظع مقالات خصومه من الفقهاء وأهل العلم ويجعلها في قلوب العامة أقبح من مقالات الفلاسفة لتشتد نفرتهم عنها واندفع في مخارق وسفه ودعاوى لا حقيقة لها.

__________________

تبديع الفلاسفة وإكفارهم

(١) ذكر الغزالي مخالفته لما عليه أهل الحق في نحو عشرين مسألة أكفره بثلاث منها وبدعه في الباقي في كتاب التهافت فقدم العالم وإنكار الحشر الجسماني ومسألة العلم بالجزئيات هي المكفرات عنده لكن الناظم وشيخه قائلان بالقدم النوعي ولا يقولان بإعادة الأجزاء المعدمة بل ولا يجمع الأجزاء المفرقة ـ راجع تفسير سورة الإخلاص لشيخه ـ وقولهما في العلم بالمتجددات معروف ـ راجع ما سننقله من مفردات ابن تيمية من ذخائر القصر ـ فهما من أوقع الناس في شبكة التفلسف عن جهل ، على أن قول ابن رشد في تهافت التهافت ومناهج الأدلة وقول الرازي في المطالب العالية وقول الدواني في شرح العضدية مما يثير اهتمام الباحث بتلك المسائل. وقد صرح ابن سيناء في بعض كتبه بأن العقل لا يدرك غير الحشر الروحاني وأما البعث الجسماني فطريق معرفته وحي الرسل وليس في هذا إنكار للبعث الجسماني.

٥١٦

فصل

قال : «هذا وثمّ بلية مستورة ورث المحرف من اليهود وأنى إلى حزب الهدى وأعطاهم شبه اليهود قال استوى استولى وذا من جهله عشرون (١) وجها تبطله أفردت بتصنف تصنيف حبر عالم رباني وشبه النون التي زادتها اليهود في حطة بلام تعطيل الجهمية».

وهذا من الخرافات.

فصل

قال : «ومن العجائب قولهم فرعون مذهبه العلو وفرعون قال إن موسى كاذب إذا ادعى فوقية الرّحمن».

أين ادعى موسى فوقية الرّحمن؟.

فصل

قال : «تركيب استوى مع حرف الاستعلاء نص في العلو بوضع كل لسان».

نص في العلو أما في الذات فلا ، فقولك : استوى قيس على العراق. لا يستلزم أن يكون إذ ذاك في العراق بل ملكه فيها وعليها.

فصل

كله دعاوى وفقاقيع فارغة.

فصل

فيه إنكار المجردات (٢).

__________________

(١) وقد سبق إبطال جميع تلك الوجوه ، والمصنف ذكر فيما سبق وجه حسن استعمال استوى مجازا عن استولى بحيث لا يدع لقائل مقالا ، على أن الاستعارة التمثيلية في هذا المقام أقعد وأوقع فيكون المجاز على هذا التقدير في المركب دون أن يسري في مفرداته كما هو مدوّن في محله وقد أشرت إلى اختيار ذلك فيما علقته على الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة (ص ٤١).

تجرد الروح

(٢) القول بتجرد الروح مما ذهب إليه إمام الهدى أبو منصور الماتريدي والحليمي والراغب والغزالي والبيضاوي وغيرهم من كبار علماء السنة وبه يزول كثير من الإشكالات ، وإن خفيت أدلة ذلك على جمهور المتكلمين فضلا عن مكسري الحشوية.

٥١٧

فصل

سوى فيه بينهم وبين المنافين والقرامطة وجعل المجسمة مقابل الجميع ، وأن ما ثم إلا التجسيم أو التعطيل وقد تقدم مثله ، وإنما زاد التكرير والتفظيع ليزرع الريبة في القلوب.

فصل

قال : «الاستواء ونحوه والمشيئة ونحوها كلاهما من صفات الأجسام ـ وطلب الفرق بينهما ـ والله لو نشرت شيوخك كلها لم يقدروا أبدا على فرقان».

انظر هذا الجلف الجاري على ما لا يعلم ، وكل عاقل يعلم أن الاستواء بمعنى القعود أقرب إلى صفات الأجسام من المشيئة والقدرة.

قال : «قال زعيمهم في الفرق هذه الصفات بالعقل والقرآن فيقال إن نفي العقل التجسيم فانفوها وانسلخوا من القرآن وإن أثبته فلم الفرار؟ وإن نفاه في وصف وأثبته في وصف فما الفرق؟.

انظر هل بعد هذا الكلام شيء في التجسيم (١)؟.

فصل

كله سفاهة.

فصل

حكى مذاهب خصومه بأقبح ما يكون ثم قال : «جربت هذا كله ووقعت في

__________________

نص من ابن تيمية في الحد والجسم

(١) وشيخه أصرح منه وأجهر صوتا في ذلك حيث يقول فيما ردّ به على أساس التقديس : «ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد في كلام الله لم يقصد به سلب الصفات ـ يريد ما يشمل المجيء ونحوه ـ ولا سلب إدراكه بالحواس ولا نفي الحد والقدر ونحو ذلك من المعاني التي ابتدع نفيها الجهمية وأتباعهم ، ولا يوجد نفيها في كتاب ولا سنة اه». وهذا صريح جدا لعلك لا تحوجني إلى شرح ذلك ، راجع الكواكب الدراري لابن زكنون الحنبلي المحفوظ بظاهرية دمشق ففي المجلد رقم ٢٤ و ٢٥ و ٢٦ منه رده على أساس التقديس وفيه فوق ما تقدم التصريح بأنه يمكنه التزام قدم بعض الأجسام يريد الباري سبحانه فهل يتصور أن ينطق مبتدع مارق بأصرح من هذا في وسط المسلمين والناظم متقلد مذهبه بدون تفكير والله سبحانه ينتقم منهما بما أثارا من الفتن بين العوام.

٥١٨

تلك الشباك وكنت ذا طيران حتى أتاح لي الإله بفضله من ليس تجزيه يدي ولساني حبر أتى من أرض حران فيا أهلا بمن قد جاء من حران» (١).

__________________

(١) وكم أضلّ من خلطائه ولهم معه موقف يوم القيامة لا يغبط عليه وهو الذي جاهر بقيام الحوادث بذاته تعالى ـ بعزو ذلك إلى أئمة أبرياء من مثل هذا الإلحاد ـ وبالقدم النوعي ، وبالجهة والحركة والثقل وتجويز الجسمية والاستقرار في جانب الله سبحانه مع التطاول على كثير من الأئمة والشذوذ عما عليه جمهور أهل العلم في كثير من المسائل الفرعية ، والرد على كبير العلماء وصغيرهم حتى الصحابة وتلبيس ذلك بمذهب السلف خيانة وكذبا ، ومما يجب التنبه إليه أن من وجوه تحيل الناظم وشيخه ومن على شاكلتهما من المتشبعين بما لم يعطوا تتبع ما دون ضد الأئمة المتبوعين من مؤاخذات في مسائل واتخاذ تلك المؤاخذات وسيلة للتهجم عليهم كلما شاءوا لأجل أن يظهروا بمظهر أنهم من السعة في العلم بحيث تضيق علوم الأئمة عن علومهم ويجب هجر آراء هؤلاء إلى أهوائهم ، هذا شأنهم في أئمة علوم الشرع وهكذا صنيعهم مع علماء باقي العلوم بدون تفرغ العلم ، ولا شك أن كل عالم مهما علت منزلته في علمه لا بد وأن تقع منه هفوات تكون مدوّنة في كتاب لأحد نقاد هذا العلم المتفرغين للتمحيص فيه خاصة إذ لا عصمة لغير الأنبياء عليهم‌السلام ، فمن تعوّد أن يجمع تلك المؤاخذات من مظانها كالباب الخاص في مصنف أبي شيبة في مخالفات أبي حنيفة لأحاديث صحيحة صريحة في نظر صاحب المصنف ، وكتاب إبراهيم ابن علية في مالك وكتاب محمد بن عبد الحكم في حق الشافعي ، وكتاب الكياهراسي في مفردات أحمد وكتاب الأهوازي في الأشعري ونحوها ، وأخذ يتحامل على الأئمة بتوجيه تلك المؤاخذات إليهم متظاهرا بأنها من بنات أفكاره داسا في غضون كلامه ما شاء من الأباطيل يظن به من لا بصر له بالحقائق من العامة أن له من العلم ما يجعله فوق الأئمة فهما وتحقيقا وإحاطة مع أنه لابس ثوبي زور ، وقد ردّ على غالب تلك المؤاخذات في كتب خاصة بحيث لا تقوم لها قائمة لكن الذي يجهل ذلك ينخدع بخزعبلاته ويقع في المهالك إذا تقاعس علماء أهل الحق عن البحث والتنقيب والرد على الشذاذ بمثل أسلحتهم كما يجب ، والله سبحانه يتولى هدانا بمنّه وكرمه وأيقظنا جميعا من رقدتنا وألهمنا طريق حراسة مذاهب أهل الحق في الأصول والفروع وأشعرنا عظم المسئولية في الآخرة ووقانا شر التساهل في ذلك إنه سميع مجيب.

قال الحافظ ابن طولون في «ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر» عند ذكره سبب انتقال الشيخ عبد النافع بن عراق من المذهب الحنبلي إلى المذهب الشافعي بعد أن جعله والده حنبليا : «قال الحافظ صلاح الدين العلائي (وقل من أفضله عليه من متأخري الشافعية في الجمع بين الفقه والحديث كما يجب) ذكر المسائل التي خالف فيها ابن تيمية الناس في الأصول والفروع. فمنها ما خالف فيها الإجماع ، ومنها ما خالف الراجح في المذاهب : فمن ذلك يمين الطلاق قال بأنه لا يقع عند وقوع المحلوف عليه بل عليه فيها كفارة يمين ، ولم يقل قبله بالكفارة فيها واحد من فقهاء المسلمين البتة ودام إفتاؤه بذلك زمانا طويلا وعظم الخطب ووقع في تقليده جم غفير من العوام وعمّ البلاء ، وأن طلاق الحائض لا يقع وكذلك الطلاق في طهر جامع فيه زوجته ، وأن الطلاق الثلاث يرد إلى واحدة ، وكان قبل ذلك قد نقل إجماع المسلمين في هذه المسألة على خلاف ذلك ، وإن من خالفه فقد كفر ، ثم إنه أفتى بخلافه وأوقع خلقا

٥١٩

__________________

ـ كثيرا من الناس فيه ، وأن الصلاة إذا تركت عمدا لا يشرع قضاؤها ، وأن الحائض تطوف في البيت من غير كفارة وهو مباح لها ، وإن المكوس حلال لمن أقطعها ، وإذا أخذت من التجار أجزأتهم عن الزكاة وإن لم يكن باسم الزكاة ولا على رسمها ، وأن المائعات لا تنجس بموت الفأرة ونحوها فيها ، وأن الجنب يصلي تطوعه بالليل بالتيمم ولا يؤخره إلى أن يغتسل عند الفجر وإن كان بالبلد. وقد رأيت من يفعل ذلك ممن قلده فمنعته منه ، وسمعته حين سئل عن رجل قدّم فراشا لأمير فيجنب بالليل في السفر ويخاف إن اغتسل عند الفجر أن يتهمه أستاذه فأفتاه بصلاة الصبح بالتيمم وهو قادر على الغسل (ومسألة أبي يوسف غير هذه) ، وسئل عن شرط الواقف قال غير معتبر بالكلية بل الوقف على الشافعية يصرف إلى الحنفية وعلى الفقهاء إلى الصوفية وبالعكس ، وكان يفعل هكذا في مدرسته فيعطي منها الجند والعوام ولا يحضر درسا على اصطلاح الفقهاء وشرط الواقف بل يحضر فيها ميعادا يوم الثلاثاء ويحضره العوام ويستغني بذلك عن الدرس ، وسئل عن جواز بيع أمهات الأولاد فرجحه وأفتى به.

ومن المسائل المنفرد بها في الأصول مسألة الحسن والقبح التي يقول بها المعتزلة (بل أربى عليهم بتحكيم العقل في الخلود راجع المعتمد لأبي الحسين البصري المعتزلي في المسألة وكلام ابن تيمية فيها حتى تعلم مبلغ مجازفته وتهوره) فقال بها ونصرها وصنف فيها وجعلها دين الله بل ألزم كل ما يبنى عليه كالموازنة في الأعمال (فيا ليته حينما حكم العقل حكم العقل السليم ولم يحكم عقل نفسه الظاهر اختلاله جدا بما فاه به في ذات الله وصفاته ، تعالى الله عما يقول الجاهلون).

وأما مقالاته في أصول الدين فمنها أن الله سبحانه محل للحوادث ، تعالى الله عما يقول علوا كبيرا ، وأنه مركب مفتقر إلى (اليد والعين والوجه والساق ونحوها) افتقار الكل إلى الجزء ، وإن القرآن محدث في ذاته تعالى ، وأن العالم قديم بالنوع ولم يزل مع الله مخلوق دائما فجعله موجبا بالذات لا فاعلا بالاختيار ـ سبحانه ما أحلمه ـ ومنها قوله بالجسمية والجهة والانتقال ـ وهو منزّه عن ذلك ـ وصرح في بعض تصانيفه بأن الله بقدر العرش لا أكبر ولا أصغر تعالى الله عن ذلك ، وصنّف جزءا في أن علم الله لا يتعلق بما لا يتناهى كنعيم أهل الجنّة وأنه لا يحيط بغير المتناهي وهي التي زلق فيها الإمام ـ يعني ابن الجويني في البرهان ـ ومنها أن الأنبياء غير معصومين وأن نبينا عليه وعليهم الصلاة والسلام ليس له جاه ولا يتوسل به أحد إلا وأن يكون مخطئا ، وصنف في ذلك عدة أوراق ، وأن إنشاء السفر لزيارة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم معصية لا تقصر فيها الصلاة وبالغ في ذلك ، ولم يقل به أحد من المسلمين قبله ، وإن عذاب أهل النار ينقطع ولا يتأبد (وجزء التقي السبكي في الرد عليه مطبوع) ومن أفراده أيضا أن التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظهما بل هي باقية على ما أنزلت وإنما وقع التحريف في تأويلهما وله فيه مصنف (هذا يخالف كتاب الله والتاريخ الصحيح ، وما في البخاري عن ابن عباس من الكلام الطويل في ذلك بين صدره وعجزه كلام مدرج ، ما أسنده أحد وفيه الإيهام فلا يصح أن يتمسك به أحد على خلاف كتاب الله وخلاف ما صحّ عن ابن عباس نفسه في البخاري نفسه) آخر ما رأيت وأستغفر الله من كتابة مثل هذا فضلا عن اعتقاده انتهى ما نقله ابن طولون عن الصلاح العلائي». وصاحب هذه الطامات هو الذي يرحب به النظام ويتخذه قدوة فتبا لهذا التابع وهذا

٥٢٠