الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]
المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
نحو : (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى)(١) ، وعلى ذلك حمل قوله : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)(٢).
قال : والرأي : اعتقاد النفس أحد النّقيضين عن غلبة الظنّ ، وعلى هذا قوله تعالى : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ)(٣) أي يظنونهم بحسب مقتضى مشاهدة العين مثليهم.
والرّويّة والتّروية : التفكّر في الشيء ، والإمالة بين خواطر النفس في تحصيل الرأي. وإذا عدّيت رأى ب إلى دلّت على التفكّر المؤدّي إلى الاعتبار كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)(٤). قوله تعالى : (فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ)(٥) أي تقابلا وتقاربا حتى صار كلّ واحد يتمكّن من رؤية الآخر. ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «لا تراءى ناراهما ومنازلهم» (٦). وقوله تعالى : (وَأَرِنا مَناسِكَنا)(٧). أي أعلمنا ، ومنه قول حطائط ابن يعفر (٨) : [من الطويل]
أريني جوادا مات هزلا لعلّني (٩) |
|
أرى ما ترين أو بخيلا مخلّدا |
أي أعلميني. قوله : (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى)(١٠) أي يعلم. وقال ابن عرفة : أي يرى ما غاب عنه. وقوله : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ)(١١) معناه عرّفناكهم.
__________________
(١) ١١ النجم : ٥٣.
(٢) ١٣ النجم : ٥٣.
(٣) ١٣ آل عمران : ٣.
(٤) ٤٥ الفرقان : ٢٥.
(٥) ٦١ الشعراء : ٢٦.
(٦) النهاية : ٢ ١٧٧ ، وفي الأصل : لا يتراءى ، والتصويب منه.
(٧) ١٢٨ البقرة : ٢.
(٨) في الأصل : حطائط بن جعفر ، وهو أخو الأسود بن يعفر ، وهو من شعراء الحماسة. كما أن البيت منسوب إلى حاتم ضمن قطعة. انظر : الشعر والشعراء : ١٦٩ ، وشرح المفصل : ٨ ٧٨.
(٩) وفي شرح المفصل : لأنني.
(١٠) ٣٥ النجم : ٥٣.
(١١) ٣٠ محمد : ٤٧.
ر أى :
قوله : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ)(١) أي قابلتهم ، من قولهم : منازلهم تتراءى أي تتقابل. قوله : (بِما أَراكَ اللهُ)(٢) أي أعلمك وعرّفك. والراية : العلامة المنصوبة للرؤية. ومع فلان رئيّ من الجنّ. وأرأت الناقة فهي مرء : أظهرت الحمل حتى يرى صدق حملها.
قوله تعالى : (رِئاءَ النَّاسِ)(٣) مصدر راءى بعمله. ومعنى الفاعل فيه أنه يريهم عمله ليروه ثناءهم عليه. والمرآة : مفعلة من الرّؤية ، هي آلة الرؤية المنعكسة (٤). وهي ما ترى فيها صورة الأشياء ، قال ابن عرفة : [من الطويل]
فإن لم تك المرآة أبدت وسامة |
|
فقد أبدت المرآة جبهة ضيغم (٥) |
وجمعها المرايا. والأصل المرائي (٦) ، ثم غلب الإعلال المشهور. قوله : (أَثاثاً وَرِءْياً)(٧). الرّئي : المنظر والشارة ؛ يقال : إنه لحسن الرّئي أي الشارة ، وقرئ رياّ بتشديد الياء (٨) فقيل : هو مهموز الأصل خفّف. وقيل : هو من الرّيّ وهو من ذوات الواو من روي بالماء يروى به. وتقدّم تفسير الأثاث في بابه ، وانتصابهما تمييز. وأمّا الرّئيّ فهو التابع من الجنّ لأنه يتراءى على شكل ما أراد. وفي الحديث : «فإذا رئيّ» (٩) ؛ حية عظيمة. ويجوز كسر فائه إتباعا. وأما الرّئي بالكسر فقط فهو أن يريك ثوبا حسنا لتشتريه لحسنه. قال علقمة (١٠) : [من الطويل]
__________________
(١) ١٢ الفرقان : ٢٥.
(٢) ١٠٥ النساء : ٤.
(٣) ٢٦٤ البقرة : ٢.
(٤) كذا قرأناها ، وفي الأصل : تريه المكسبة.
(٥) البيت للخنجر بن صخر الأسدي ، وهو من شواهد ابن هشام في أوضح المسالك : ١ ١٩٢.
(٦) ويقول ابن منظور (مادة ـ رأى) : وجمعها المرائي ، والكثير : المرايا.
(٧) ٧٤ مريم : ١٩. ورئي على وزن رعي. الأثاث : المتاع.
(٨) يقول الفراء : «وأهل المدينة يقرؤونها بغير همز (وريّا) ، وهو وجه جيد ... وقد قرأ بعضهم (وزيّا) بالزاي ، والزيّ : الهيئة والمنظر ...» (معاني القرآن : ٢ ١٧١).
(٩) من حديث الخدري (النهاية : ٢ ١٧٨). وقد سمى الحية بالرّئيّ : الجني ؛ لأنهم يزعمون أن الحيات من مسخ الجن ، ولهذا سموه شيطانا وحيابا وجانا.
(١٠) ديوان علقمة : ٨٨.
كميت كلون الأرجوان شريته |
|
لبيع الرداء في الصوان المكعّب |
والرّئة : العضو المعروف ، وهي السّحر (١) أيضا. ومنه قول لقمان بن عاد : «لا تملأ رئتي جنبي» (٢). يقول : لست بجبان تنتفخ رئتي من الفزع حتى تملأ جنبي. يقال : انتفخ سحره (٣) ويجمع رئون كجمع زيد (٤) حكاه الراغب (٥). ويخفّف همزها بإبداله ياء. وفي بعض الألغاز (٦) : [من البسيط]
إني رأيت عجيبا في دياركم ؛ |
|
شيخا وجارية في بطن عصفور! |
وجأ قطع ، ورية مفعوله. ويقال في التّورية : ما رأيت زيدا أي ما أصبت رئته ، نحو فأدته أي أصبت فؤاده.
فصل الراء والباء
ر ب ب :
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(٧) الربّ : الملك والسيّد والمصلح والصاحب ، وكلّها معان متقاربة. ولا يقال مطلقا إلا للباري تعالى. فأمّا قوله (٨) : [من الخفيف]
فهو الربّ والشهيد على يو |
|
م الحيارين ، والبلاء بلاء |
فقول جاهليّ لا يعتدّ به. ويقال : فلان ربّ الداء والشاء والبعير. ومنه : (ارْجِعْ إِلى
__________________
(١) السحر (بضم وفتح) : الرئة.
(٢) النهاية : ٢ ١٧٧.
(٣) أي جبن كأن الخوف ملأ جوفة فانتفخ سحره.
(٤) ورئات.
(٥) المفردات : ٢٠٩.
(٦) البيت من الأبيات الملغزة. وجأ : ضرب. رية : مخفّفة من رئة.
(٧) ٢ الفاتحة : ١.
(٨) البيت للحارث بن حلّزة ، كما في اللسان. وفي الأصل تصحيف.
رَبِّكَ)(١)(إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ)(٢). ومنه (٣) : [من مجزوء الكامل]
فإذا سكرت فإنّني |
|
ربّ الخورنق والسّدير |
وإذا صحوت فإنني |
|
ربّ الشّويهة والبعير |
وقيل : عني بقوله : (إِنَّهُ رَبِّي) الباري تعالى ، وهو الأليق بحاله. والربّ في الأصل قيل : وصف ، وقيل مصدرا واقع موقع اسم الفاعل ربّه يربّه ربّا ، وربّاه يربّبه تربية ، وربّبه يربّبه تربيبا ، كلّه بمعنى أصلحه. وقال (٤) : «لأن يربّني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يربّني رجل من هوازن». فإذا قيل إنه وصف فهل هو مقصور من رأب ، نحو برّ مقصور من نحو بارّ أو وصف على فعل من غير حذف ، نحو صعب وضخم؟ خلاف مشهور. وكلّ موضع ذكر فيه لفظ الربّ فلمناسبة ذلك المقام ؛ ألا ترى حسن موقعه في قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) حيث نبّههم على استحقاق الحمد له بكونه مصلحهم ومالكهم ومتولي مصالحهم. وكذا قوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)(٥) ، (اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ)(٦) إلى غير ذلك من نظائره. وتجمع على أرباب كقوله تعالى : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ)(٧) ، وعلى ربوب كقول الشاعر (٨) : [من الطويل]
وأنت امرؤ أفضت إليك أمانتي |
|
وقبلك ربّتني ، فضعت ، ربوب |
وأديم مربوب أي مصلح ؛ قال الشاعر (٩) : [من الطويل]
فإن كنت مني أو تريدين صحبتي |
|
فكوني له كالسّمن ربّ له الأدم |
__________________
(١) ٥٠ يوسف : ١٢.
(٢) ٢٣ يوسف : ١٢ ، وهو العزيز.
(٣) البيتان للمنخل اليشكري من قصيدة ، وهو صاحب المتجردة ، يصفها.
(٤) من حديث صفوان بن أمية قاله لأبي سفيان بن حرب يوم حنين (النهاية : ٢ ١٨٠).
(٥) ٥٤ الأعراف : ٧ ، وغيرها.
(٦) ١ النساء : ٤.
(٧) ٣٩ يوسف : ١٢.
(٨) البيت لعلقمة من بائيته : ٢٦. أفضت إليك : صارت إليك. أمانتي : نصيحتي. ربتني : ملكتني. ربوب : ملوك ، جمع رب أي ملك.
(٩) البيت لعمرو بن شأس يخاطب به امرأته ، وكانت تؤذي ابنه عرارا (الديوان : ٧١).
ويطلق على المعبود بغير حق (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ). وقول الآخر (١) : [من الطويل].
أربّ يبول الثّعلبان برأسه |
|
لقد هان من بالت عليه الثّعالب |
ولنا فيه كلام أطول من هذا. واختلف فيه ؛ هل هو صفة ذات أم صفة فعل. وفي حديث أشراط الساعة «أن تلد الأمة ربّها أو ربّتها» (٢) هو أن يكثر التّسرّي فيولد الرجل أمته ولدا فهو مولاها في المعنى (٣). قوله : (وَالرَّبَّانِيُّونَ)(٤) جمع ربّاني منسوب إلى لفظ الربّ بمعنى التّربية ، وذلك أن العلماء يربّون العلم أي يصلحونه ويتعلمونه ، ثم يربّون به الناس فيعلّمونهم كما تعلّموا ويصلحونهم كما صلحوا هم به ، وهم الذين يربّون بصغار العلوم قبل كبارها ؛ فهو من لفظ الرّبّيّة ومعناها. ولمّا توفي الحبر البحر ابن عباس رضي الله عنهما قال السيد محمد ابن الحنفيّة : «مات ربّانيّ هذه الأمة» (٥).
وقوله : (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ)(٦) أي علماء حلماء يعلّمون الناس ويربّونهم كما علّمكم غيركم وربّاكم. ولذلك نبّههم على ذلك حيث قال : (بِما كُنْتُمْ) وزيدت الألف والنون في النسب مبالغة كقولهم : لحيانيّ وجبّانيّ في الكبير اللحية والجبّة. وقوله : (مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)(٧) جمع ربّيّ وهو العالم أيضا. قيل : هو نسبة إلى الرّبّ غيرّ (٨) في النّسب نحو دهري ، وقيل : منسوب إلى الرّبّة وهي الجماعة (٩). وقيل : الرّبّانيّ منسوب إلى ربّان بني [على](١٠) فعلان من ربّ كما في عطشان من عطش (١١). وقال عليه الصلاة والسّلام : «أنا
__________________
(١) البيت لعباس بن مرداس ، وقيل لغيره (اللسان ـ مادة ثعلب). وفيه : لقد ذلت.
(٢) النهاية : ٢ ١٧٩.
(٣) يقصد : أن الأمة تلد لسيدها ولدا فيكون لها كالمولى.
(٤) ٤٤ المائدة : ٥. زعم أبو عبيد أن الكلمة عبرانية أو سريانية (اللسان ـ ربب).
(٥) النهاية : ٢ ١٨١.
(٦) ٧٩ آل عمران : ٣.
(٧) ١٤٦ آل عمران : ٣.
(٨) لعل في النص نقصا ، ولعله يريد : هو نسبة إلى الرب على غير قياس في النسب.
(٩) وفي اللسان : الربة : الفرقة من الناس ، قيل : هي عشرة آلاف أو نحوها ، والجمع رباب.
(١٠) إضافة يقتضيها السياق.
(١١) وذلك بزيادة الألف والنون للمبالغة.
ربّانيّ هذه الأمة» (١) ولا شكّ في ذلك بأيّ تفسير فسّر الربّانيّ. وقيل : الربانيّ أصله سريانيّ ؛ قال الراغب (٢) : وأخلق بذلك فقلّما يوجد في كلامهم. وقد اختار غير المختار ، لأنّا متى وجدنا لفظا موافقا للأصول اشتقاقا (٣) ومعنى ، فأيّ معنى إلى ادّعاء السّريانية فيه؟ وهذا كما قيل في الله والرحمن أنهما معربان. وهذه أقوال ضعيفة ، وقد نبّهنا عليها في أماكنها.
والرّباب : السحاب لأنّه يربّ النبات ، ومنه سمّي المطر درّا. وأربّت السحابة : دامت ، وحقيقته صارت ذات تربية وتصوّر فيها معنى الإقامة ؛ يقال : أربّ فلان بمكانه أي أقام ، تشبيها بإقامة الرّباب.
والرّبابة : خريطة تجمع فيها قداح الميسر ، والرّبابة تقال للعقد في موالاة الغير (٤). واختصّ الرّابّ والرّابّة بأحد الزّوجين إذا تولّى تربية الولد من زوج كان قبل ذلك. واختصّ الرّبيب بذلك الولد ؛ فعيل بمعنى مفعول. وشاة ربّى (٥) أي حديثة عهد بنتاج. ولذلك نهي المصدّق عن أخذها ؛ يقال : شاة ربّى : بيّنة الرّباب. ويقال : ربابها بين أن تضع إلى أن يأتي عليها شهران (٦) وجمعها رباب بضم الراء.
وربّ : حرف تقليل. وقيل : اسم ، ويكون للتكثير عند بعضهم كقول امرئ القيس (٧) : [من الطويل]
ويا ربّ يوم قد لهوت وليلة |
|
بآنسة كأنها خطّ تمثال |
ومثله قوله : [من الطويل]
فيا ربّ مكروب كررت وراءه |
|
وعان فككت الغلّ عنه فعرّاني |
__________________
(١) ورواه الراغب للإمام علي (المفردات : ١٨٤).
(٢) المفردات : ١٨٤ ، وأخلق بذلك يريد بهذه القراءة.
(٣) في الأصل : اشتقاق ، ولعل في الكلام نقصا.
(٤) في الأصل : الخير ، ولعل الصواب ما ذكرنا.
(٥) وزنها فعلى.
(٦) وفي اللسان : وقيل : ربابها ما بينها وبين عشرين يوما من ولادتها.
(٧) الديوان : ٤٦.
ولا يليق بمقام التمدّح القليل ، وأجيب بأنها لتقليل النظر فيفيد التمدّح. ولها أحكام كثيرة ولغات عديدة حقّقناها ولله الحمد في غير هذا (١). ولا تجرّ إلّا الفكرة غالبا ، وتدخل معها ما مزيدة فتفكّها ولا تكفّها وتليها الأفعال (٢) فتخلصها للمضيّ ، فأما قوله : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٣) فكقوله : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ)(٤) وقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(٥) لتحقّق الخبر. وتؤنّث بالتاء ساكنة ومفتوحة كما في ثمّ.
ر ب ح :
الرّبح : الزيادة على رأس المال. قوله تعالى : (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ)(٦) من أبلغ المجاز حيث نسب الخسران إلى نفس البضاعة التي هي سبب في الربح والزيادة ، ومن له أدنى ذوق يفرّق بين فصاحة وأبلغيّة «فما ربحت تجارتهم» وبين : فما ربحوا في تجارتهم ، وهو ترشيح للمجاز الذي تقدّم في قوله : (اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى)(٧). ومثله في الإسناد المجازيّ (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ)(٨) ، (وَالنَّهارَ مُبْصِراً)(٩) ، (النَّاقَةَ مُبْصِرَةً)(١٠) ، فجلّ ربّ العالمين المتكلم بهذا الكلام العظيم. ومن هذا قول الآخر : [من الوافر]
قروا أضيافهم ربحا ببحّ (١١)
__________________
(١) انظرها في مغني اللبيب : ١٣٤ ، وشرح المفصل : ٨ ٢٦.
(٢) إذا كانت متصلة ب «ما».
(٣) ٢ الحجر : ١٥.
(٤) ٤٤ الأعراف. ٧.
(٥) ١ النحل : ١٦.
(٦) ١٦ البقرة : ٢.
(٧) تابع الآية السابقة.
(٨) ٢١ محمد : ٤٧.
(٩) ٦٧ يونس : ١٠.
(١٠) ٥٩ الإسراء : ١٧.
(١١) صدر بيت لخفاف بن ندبة كما في اللسان (ربح) ، وعجزه :
يعيش بفضلهنّ الحيّ ، سمر
بحّ : اسم للقداح التي (١) يستقسمون بها. وعندي (٢) أن الرّبح هنا اسم لما يحصل من الربح نحو النّقص ؛ والمعنى قروا أضيافهم ما حصّلوا منه الحمد الذي هو أعظم الربح. وذلك كقول الآخر (٣) : [من الطويل]
فأوسعني حمدا وأوسعته قرى |
|
فأرخص بحمد كان كاسبه الأكل |
وفي الحديث : «ذلك مال رابح» (٤) ك : لابن وتامر ، أي ذو ربح. ويروى رايح بالياء أي عائد الفائدة.
ر ب ص :
قوله تعالى : (يَتَرَبَّصْنَ)(٥) أي ينتظرن. والتربّص : الانتظار بالشيء. يقال : تربّصت : يريد الموت أي انتظرته به. ولي ربصة بكذا أي تربّص ، والتربّص : الانتظار بالشيء سلعة كان أو غيرها من الأمور المنتظر زوالها أو حصولها. ومنه : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)(٦) ، أي نزول الموت والانتظار بالسلعة تارة يكون لغلاء سعرها وهو الغالب وتارة لغير ذلك.
ر ب ط :
قوله تعالى : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ)(٧) أي عقدنا عليها عقدا اطمأنّت به حتى لا تفزع ولا تقلق كقلوب من بعدوا عن أهلهم وديارهم. ولا يرى أقلق من قلب الغريب لا سيما المتوحّد. وقوله : (لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها)(٨). وأصل الرّبط : العقد في الأعيان نحو
__________________
(١) في الأصل : الذي.
(٢) الضمير عائد إلى الراغب (ص ١٨٥) من غير عزو.
(٣) المفردات : ١٨٥.
(٤) النهاية : ٢ ١٨٢ ، والحديث لأبي طلحة.
(٥) ٢٢٨ البقرة : ٢.
(٦) ٣٠ الطور : ٥٢.
(٧) ١٤ الكهف : ١٨. والمعنى : ثبتنا قلوبهم وألهمناهم الصبر (غريب القرآن : ١١٤).
(٨) ١٠ القصص : ٢٨.
ربطت الفرس أربطه ، فاستعير في إلهام الطمأنينة والصبر على المكاره لحصول تقوية القلب وتشديده بتوفيق الله تعالى. وسمي المكان الذي يخصّ بإقامة حفظة فيه رباطا. والمرابطة : كالمحافظة ؛ وهو ضربان : مرابطة في ثغور المسلمين ، ومرابطة النفس فإنها كمن أقيم في ثغر وفوّض إليه مراعاته ، فيحتاج أن يراعيه غير مخلّ به. وذلك كالمجاهدة. وفي الحديث من المرابطة «انتظار الصلاة بعد الصلاة» (١) وفلان رابط الجأش : إذا قوي قلبه. وقوله تعالى : (وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ)(٢) إشارة إلى نحو قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ)(٣) عكس من قال فيهم : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ)(٤) قوله : (وَرابِطُوا)(٥) فيه قولان أحدهما : أقيموا على جهاد عدوّكم ورباط خيولكم. والثاني : ما قال عليه الصلاة والسّلام من «إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة ألا فذلكم الرّباط». وقوله : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ)(٦) يعني ارتباطها وحبسها معدّة للقتال. وقرأ عبد الله : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ)(٧) فربط : جمع رباط نحو حمر وحمار. وقال الهرويّ : يقال رباط وأربطة ثم ربط ، ظاهره أنّ ربطا جمع أربطة ، ولكن لا يريد ذلك لفساده صناعة. وقال القتيبيّ : المرابطة أن يربط هؤلاء خيولهم في ثغر ، وهؤلاء خيولهم في ثغر. يعني : فالمفاعلة محقّقة في ذلك. وفرس ربيط أي مربوط. وفي الحديث : «إنّ ربيط بني إسرائيل» (٨) أي حكيمهم الذي ربط نفسه عن الدنيا (٩) والرّبيط أيضا : رطب يصبّ عليه عسل ونحوه لئلا يجفّ. والرّباط أيضا : المواظبة على الشيء وما يربط (١٠) به من حبل ونحوه.
__________________
(١) النهاية : ٢ ١٨٥ ، وتتمته : «.. فذلكم الرّباط».
(٢) ١١ الأنفال : ٨.
(٣) ٤ الفتح : ٤٨.
(٤) ٤٣ إبراهيم : ١٤.
(٥) ٢٠٠ آل عمران : ٣.
(٦) ٦٠ الأنفال : ٨. والحديث قبله في النهاية : ٢ ١٨٥.
(٧) وكذا قرأها الحسن ، وقرأها أبو حيوة «ربط» (مختصر الشواذ : ٥٠).
(٨) النهاية : ٢ ١٨٦.
(٩) أي شدّها ومنعها.
(١٠) وفي الأصل : يرابط.
ر ب ع :
قوله تعالى : (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)(١) الأربعون ونحوها جار مجرى جمع السّلامة ، وليس جمعا صناعيا لعدم سر ... (٢) مذكورة في غير هذا ، ولفساد المعنى في عشرين وثلاثين. وقد يعرب إعراب جمع التكسير كقوله (٣) : [من الوافر]
وقد جاوزت حدّ الأربعينا (٤)
قوله : (رُباعَ)(٥) معدول عن عدد مكرر أي أربع أربع ، ولذلك (٦) منع الصرف. والأربع هذا جرى مجرى الأوصاف من قولهم (٧) : مررت بنسوة أربع. ولا يعتدّ بذلك لعروضه ، فلذلك صرف بخلاف : أبطح وأبرق ، وإن جريا مجرى الجوامد.
وربعت القوم أربعهم : كنت لهم رابعا ، وأخذت ربع أموالهم. وهو يمشي في قومه بالمرباع : أي يأخذ ربع ما يغنمون ، وكانوا يفعلونه في الجاهلية (٨). وقال عليه الصلاة والسّلام لعديّ بن حاتم : «وإنك تأكل المرباع [وهو] لا يحلّ لك في دينك» (٩). والرّبع : من أظماء الإبل والحمّى (١٠). وأربع : إذا أورد إبله ربعا. ورجل مربوع ومربع : أخذته حمّى
__________________
(١) ٥١ البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٢) سقط في الأصل ، وبياض قدر كلمة في س.
(٣) عجز لسحيم بن وثيل الرّياحيّ ، كما في اللسان ـ ربع. وصدره :
وما ذا يدّري الشعراء مني
(٤) فالنون في «أربعين» ليست حرف إعراب ، ولا الكسرة فيها علامة جر الاسم ، وإنما هي حركة لالتقاء الساكنين إذا التقيا ، ولم تفتح كما تفتح نون الجمع لأن الشاعر هنا اضطر إلى ذلك لئلا يختلف حرف الروي في سائر الأبيات.
(٥) ٣ النساء : ٤.
(٦) أي لعدوله.
(٧) كذا في س ، وفي ح : قوله.
(٨) قالوا : المرباع : الربع ، والمعشار : العشر ، ولم يسمع في غيرهما. وقد كانوا في الجاهلية إذا غزا بعضهم بعضا وغنموا أخذ الرئيس ربع الغنيمة خالصا دون أصحابه ، وذلك الربع يسمى المرباع (اللسان).
(٩) النهاية : ٢ ١٨٦ ، والإضافة منه.
(١٠) وهو أن تحبس الإبل عن الماء أربعا ثم ترد الخامس. وأربعت عليه الحمى : أن يحمّ يومين ويترك يومين لا يحمّ ، ويحمّ في اليوم الرابع. وأصله من المعنى الأول (اللسان).
الرّبع. والمربوع أيضا : الرّبعة ، وهو بين الرجلين (١) ، ويستوي فيه الذكر والأنثى ؛ يقال : رجل ربعة (٢) وامرأة ربعة ورجال ربعون ونساء ربعات ـ بفتح الباء ـ والقياس سكونها [لأنها](٣) صفة. وقيل : فتحت جمعا لقول بعضهم : ربعة بالفتح (٤) ومثلها لجبة. وربعت الحجر وارتبعته : شلته لأروز قواي. والحجر ربيعة (٥).
وربع زيد وارتبع : أقام في الربيع ، ثم استعمل في كلّ إقامة حتى سمّوا مكان الإقامة ربعا وإن لم يكن في الربيع. والرّبيع : رابع فصول السنة. والاربعاء : رابع الأسبوع من يوم الأحد.
والأربعاء : جمع ربيع وهو النّهر. وفي الحديث : «كانوا يكرون الأرض بما ينبت على الأربعاء» (٦) والتين (٧). والرّبع والرّبعيّ : ما نتج في الربيع وهو المرباع أيضا. ولمّا كان الربيع أولى وقت الولادة وأحمده استعير لكلّ ولد يولد في الشباب. فقيل : [من الرجز]
أفلح من كان له ربعيّون (٨)
وغيث مربع : يأتي في الربيع. ومنه في الاستسقاء : «اللهمّ اسقنا غيثا مغيثا مربعا» (٩) وقيل : المربع المغني عن الارتياد. وقولهم : أربع على نفسك أي ارفق بها. وفي حديث
__________________
(١) أي مربوع الخلق لا بالطويل ولا بالقصير.
(٢) وتفتح باؤها كما في اللسان.
(٣) في الأصل : لا ، والإضافة للسياق.
(٤) يعني بفتح الراء.
(٥) أي والحجر المرفوع يسمى ربيعة.
(٦) النهاية : ٢ ١٨٨. أي كانوا يكرون الأرض بشيء معلوم ، ويشترطون بعد ذلك على مكريها ما ينبت على الأنهار والسواقي.
(٧) الكلمة غير منقوطة في ح ، وليست من الحديث ، ولعلها شيء آخر.
(٨) شطر من حديث سليمان بن عبد الملك كما في النهاية : ٢ ١٨٩. وصدره :
إنّ بنيّ صبية صيفيّون
(٩) النهاية : ٢ ١٨٨. وفي الأصل جاءت كلمة «مربعا» مكررة. والمعنى : أي عامّا يغني عن الارتياد والنّجعة ، أي : لا يحتاجون إلى الانتقال في طلب الكلأ.
التّلبية : «أيّها الناس اربعوا على أنفسكم» (١). وفي الحديث : «فعدل إلى الربيع» (٢) فيظهر منه الربيع : النهر كما تقدّم.
وقولهم : اربع على ظلعك ، يجوز أن يكون من الرّفق وأن يكون من الإقامة. أي أقم على ظلعك. ويجوز أن يكون من ربع الحجر ، أي تناوله على ظلعك. والرّباعة : الرياسة وأصلها الجماعة ، وذلك أن رئيس القوم من يجمعهم. وقيل : لأنه يأخذ مرباعهم. ومنه قوله : لا يقيم رباعة القوم غير (٣) فلان. وفي الحديث : «إنهم أمة على رباعتهم» (٤). قال الفراء : أي على استقامتهم. وقيل : معناه على أمرهم الذي كانوا عليه. يقال : هم على رباعهم ورباعتهم بمعنى واحد.
والرّباعيتان من أسنان الإنسان : ما اكتنفا الثّنايا. قال الراغب (٥) : سميتا بذلك لكون أربع أسنان بينهما. واليربوع : هذه الفأرة المعروفة سميت بذلك لكون لجحرها أربعة أبواب. وأرض مربعة (٦) : فيها يرابيع والرّبعة : الجونة لكونها في الأصل ذات أربع أرجل ، ولكونها ذات أربع طبقات.
ر ب و :
قوله تعالى : (وَحَرَّمَ الرِّبا)(٧). الرّبا : في الأصل الزيادة ؛ يقال : يربو. ومنه : (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)(٨). وقوله : (لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ)(٩) ليزيد. وكانوا يستقرضون فإذا حلّ الأجل قال صاحب الدّين : ... (١٠) في الأجل وزدني في الدّين. وكانوا يسلّفون
__________________
(١) صحيح البخاري ، الجهاد ١٣١.
(٢) النهاية : ٢ ١٨٨.
(٣) في الأصل : يقم .. على. والتصويب يقتضيه السياق.
(٤) النهاية : ٢ ١٨٩.
(٥) المفردات : ١٨٦.
(٦) في الأصل : مرتبع ، والتصويب من المفردات واللسان. ولعله يريد بالجونة الخابية.
(٧) ٢٧٥ البقرة : ٢.
(٨) ٥ الحج : ٢٢.
(٩) ٣٩ الروم : ٣٠.
(١٠) بياض في الأصل ، ولعلها الفعل : أنسئني.
القليل بالكثير. وهو ينقسم إلى أربعة أقسام : ربا الفضل ، وربا النّسيئة ، وربا اليد ، وربا القرض. حسبما بّيناه في «الأحكام» وفيه لغة : غارما بالميم والمدّ.
قوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ)(١) فهذا من الزيادة على رأس المال. والمعنى : ليكثر ويزيد فلا ينمو عند الله. وعليه قوله : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ)(٢). والرّبا : من ذوات الواو وشذّت (٣) إمالته قياسا لا استعمالا. وكتبت في المصحف بواو بعدها ألف وتثنّى عند البصريين بالألف وعند الكوفيين بالياء. وقوله : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ)(٤). قال ابن عرفة : يقول : إذا كان بينكم وبين قوم عقد وحلف نقضتم ذلك وجعلتم مكانهم أمة هي أكثر منهم عددا. وقيل : معناه أن تكون أمة هي أغنى وأعلى من أمة. قوله : (زَبَداً رابِياً)(٥) أي طافيا فوق الماء. والأفصح في الرّبا القصر ، وقد تمدّ. وأنشدوا للأخطل (٦) : [من البسيط]
تعلو الهضاب وحلّوا في أرومتها |
|
أهل الرباء وأهل الفخر إن فخروا |
والظاهر أن هذا وهم لأنّ البيت ينشد بفتح الراء والرّبا بفتح الراء هو الكثرة والرفعة. وفي كتابه عليه الصلاة والسّلام في صلح نجران : «أنه ليس عليهم ربّيّة ولا دم» (٧) قيل : أصلها ربية من الرّبا كالحبية من الاحتباء. قوله : (بِرَبْوَةٍ)(٨) أي ما ارتفع من الأرض فزادت على ما حولها. وفيها لغات : ربوة بتثليث الراء وقرئ في المتواتر بالضمّ والفتح ، ورباوة بتثليثها أيضا ، فهذه ستّ لغات. وفي الحديث : «الفردوس ربوة الجنة» (٩) أي
__________________
(١) تمام الآية السابقة.
(٢) ٢٧٦ البقرة : ٢.
(٣) في الأصل : وشذذت.
(٤) ٩٢ النحل : ١٦.
(٥) ١٧ الرعد : ١٣. رابيا : عاليا على الماء (غريب القرآن : ١١٣).
(٦) شعر الأخطل : ١٠٤.
(٧) النهاية : ٢ ١٩٢. وفي الأصل : ربيئة .. كالحبيئة ، والتصويب منه ومن اللسان. والمعنى أنه أسقط عنهم ما استسلفوه في الجاهلية من سلف ، أو جنوه من جناية. والرّبية : لغة في الربا ، والقياس ربوة.
(٨) ٢٦٥ البقرة : ٢.
(٩) النهاية : ٢ ١٩٢.
أرفعها. قوله : (أَخْذَةً رابِيَةً)(١) أي زائدة على الأخذات. وفي حديث عائشة : «مالك حشياء رابية» (٢) الحشياء والرابية بمعنى واحد وهي من أخذها الرّبو. والرّبو : الانبهار ، سمي بذلك تصوّرا لتصعّده. ولذلك قيل : يتنفّس الصّعداء ، لأنه يرتفع بصدره إلى جهة العلوّ. وقيل : رابية تربو فاعلها كأنّها ربت بنفسها. ومنه : (اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)(٣) وربّيت الولد فربا من ذلك ، لأنه زاد في ترعرعه ، وقيل : أصله : ربّبته بالتّضعيف ، فقلب من أحد الأمثال حرف علة تخفيفا نحو : تظنّيت (٤). والأربيّتان من ذلك لأنهما لحمان ناتئان في أصول الفخذين (٥) وأمّا الرّبيئة ـ وهو الطليعة ـ فمهموز ، وليس من هذا الباب في شيء.
فصل الراء والتاء
ر ت ع :
قوله تعالى : (يَرْتَعْ)(٦) قيل : يلهو ، يقال : رتع يرتع من لها يلهو ، قاله أبو عبيد. وقال غيره : يسعى وينبسط. وقال ابن الأنباريّ : رتع فلان أي هو مخصب لا يعدم ما يريد. وقيل : يأكل أكلا واسعا. قال سويد (٧) : [من الرمل]
وحبيب لي إذا لاقيته |
|
وإذا يخلو له لحمي رتع |
كنّى بذلك عن الغيبة كقوله : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً)(٨). وفي
__________________
(١) ١٠ الحاقة : ٦٩.
(٢) النهاية : ٢ ١٩٢. الرابية : التي أخذها الرّبو ، وهو النّهج وتواتر النّفس الذي يعرض للمسرع في حركته.
(٣) ٥ الحج : ٢٢ ، أي زادت زيادة المتربّي.
(٤) من : تظننت.
(٥) مفردها : أربيّة.
(٦) ١٢ يوسف : ١٢.
(٧) شاهد في اللسان (مادة رتع) ، وفي الأصل : ويحييني إذا ، وهي رواية. ومعناه : أكله.
(٨) ١٢ الحجرات : ٤٩.
حديث أمّ زرع : «في شبع وريّ ورتع» (١). أي تنعّم. وفي دعاء الاستسقاء : «مربعا مرتعا» (٢). يقال : رتعت الإبل ، وأرتعها الله أو ربّها. أرتع دكانه : إذا خلّاها. والرتع : أصله لكلّ البهائم ، ويستعار في الأناسيّ كما تقدّم ؛ يقال : رتع يرتع رتوعا ، ورتعه يرتعه رتعا ، وأرتعه يرتعه إرتاعا. والثلاثيّ قاصر ومتعّد ؛ وقع الفرق بينهما بالمصدر. ويقال : رتع ورتع ورتعه ورتعه بسكون التاء وفتحها. وقال الحجاج لمحبوس : «سمنت» فقال : «أسمنني القيد والرّتعة» يعني سعة الخصب والعيش (٣).
ر ت ق :
قوله تعالى : (كانَتا رَتْقاً)(٤) أي متطابقة منضمّة لا فرجة بينها ، ففتق هذه بالمطر وهذه بالنّبات. هذا قول ابن عرفة. وقال الأزهريّ : كانت سماء مرتقة وأرضا مرتقة ففتق كلّا منهما ، فجعلهما فتقا كقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ)(٥). وأصل الرّتق : الضّمّ والالتحام ، ومنه : امرأة رتقاء وهي المنضمّة الشّفرين (٦). وفلان فاتق راتق أي عاقد حالّ.
ر ت ل :
قوله : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(٧) أي بيّن كلمه واحدة بعد أخرى من قولهم : ثغر رتل : إذا كان بيّن الأسنان غير متراكبها ، وهو المفلّج الذي لا لصص فيه (٨). وأصل التّرتيل
__________________
(١) النهاية : ٢ ١٩٤.
(٢) النهاية : ٢ ١٩٣.
(٣) اسم المحبوس هو الغضبان الشيباني ، وأول من قال هذا عمرو بن الصعق حين أسره بنو شاكر من همدان. وحين هرب إلى قومه قالوا له : خرجت من عندنا نحيفا وأنت اليوم بادن! فقال : .. (اللسان ـ رتع).
(٤) ٣٠ الأنبياء : ٢١ ، أي كانتا ملتصقتين بلا فصل.
(٥) ١٢ الطلاق : ٦٥.
(٦) أي : لا يكاد الذكر يجوز فرجها لشدة انضمامه.
(٧) ٤ المزمل : ٧٣.
(٨) والمفلج : الذي بين أسنانه فروج لا يركب بعضها بعضا. واللصص : تقارب الأضراس وهو من معايب الأسنان. وفي الأصل : لصيص.
إرسال الكلمة من الفم بسهولة على اللسان. والرّتل : اتّساق الشيء وانتظامه على استقامة وقوله : (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً)(١) أي أنزلناه مرتّلا مبيّنا.
فصل الراء والجيم
ر ج ج :
قوله تعالى : (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا)(٢) أي تزلزلت وتحركت حركة شديدة كقوله : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها)(٣). والرّجّ : تحريك الشيء وإزعاجه. وفي الحديث : «من ركب البحر إذا ارتجّ» (٤) أي اضطرب وهاج. وروي «أرتج» (٥) فإن حفظ فمعناه أغلق عن أن يركب ، من الرّتاج وهو الباب ، وليس من هذه المادة.
يقال : رجّه فارتجّ. والرّجرجة : الحركة والاضطراب وكتيبة رجراجة ، وجارية (٦). وفي الحديث : «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس رجرجة كرجرجة الماء الخبيث» (٧) قال أبو عبيد : كلام العرب الرجرجة بكسر الرائين وهي بقية الماء في الحوض كدرة مختلطة بطين لا ينتفع بها. وقال الحسن البصريّ في يزيد بن المهلّب : «رجرجة من الناس» (٨) شمر (٩) : يعني رذالتهم. وقال الكلابيّ : هم الذين لا عقول لهم. ويقال أيضا : رجراجة من الناس. وارتجّ كلامه : اضطرب وأرتج عليه.
__________________
(١) ٣٢ الفرقان : ٢٥.
(٢) ٤ الواقعة : ٥٦.
(٣) ١ الزلزلة : ٩٩.
(٤) النهاية : ٢ ١٩٧.
(٥) من الإرتاج أي الإغلاق.
(٦) يعني : وجارية رجراجة.
(٧) هو حديث ابن مسعود ، وفيه روايات أخر. أنظر اللسان ـ رجج والنهاية : ٢ ١٩٨.
(٨) النهاية : ٢ ١٩٨ ، واللسان ـ رجج.
(٩) أي قال شمر.
ر ج ز :
قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)(١) أي عبادة الأوثان وأصل الرّجز : العذاب (٢) ، والمعنى اهجر ما يؤدّي إلى الرّجز ، والأمر وإن كان له في الصورة فهو لغيره في المعنى لأنه عليه الصلاة والسّلام لم يزل هاجرا ذلك. أو المعنى : دم على ذلك ، وأصله الاضطراب. ومنه : رجز البعير يرجر رجزا فهو أرجز (٣) ورجز : تقارب خطوه واضطرب لضعف فيه. وشبّه به بحر الرجز لتقارب أجزائه في التّقطيع. ورجز فلان وارتجز أي عمل رجزا أو نشده. والأرجوزة : اسم لتلك القصيدة ، والجمع أراجيز. قال (٤) : [من البسيط]
أبالأراجيز يا بن اللّؤم توعدني |
|
وفي الأراجيز خلت اللؤم والخور |
ورجل راجز ورجّاز. وكان له عليه الصلاة والسّلام فرس تسمّى المرتجز لحسن صهيله وحمحمته. قوله : (عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ)(٥) أي مزلزل مزعج. قوله : (وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ)(٦) أي الشّهوة المفضية إلى ذلك. وقيل : أراد به ما يدعو إليه من الكفر والبهتان والفساد. وقيل : وساوسه. وقوله : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قرئ بالكسر والضّمّ ؛ لغتان بمعنى واحد (٧) وقيل : هو بالضّمّ اسم صنم قاله الحسن ، وبالكسر العذاب. وقوله : (وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ)(٨) يعني العذاب الفظيع.
__________________
(١) ٥ المدثر : ٧٤.
(٢) والرجز : القذر مثل الرجس ، والشرك ، والإثم.
(٣) وفي ح : رجز.
(٤) البيت من شواهد ابن يعيش (٧ ٨٤) وسيبويه (الكتاب : ١ ١٢٠). وهو للّعين يهجو فيه العجاج. وفي الحيوان (٤ ٢٦٦) يهجو فيه رؤبة مع اختلاف في العجز (واللعين اسم).
(٥) ٥ سبأ : ٣٤.
(٦) ١١ الأنفال : ٨.
(٧) كسر راء «الرجز» عاصم والأعمش والحسن ، ورفعه السلميّ ومجاهد ، وأهل المدينة. وفسّره مجاهد بالأوثان والكلبي بالعذاب. ويقول الفراء : ونرى أن المعنى فيهما واحد (معاني القرآن : ٣ ٢٠٠ و ٢٠١).
(٨) ١٣٤ الأعراف : ٧.
ر ج س :
قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ)(١) الرّجس : اسم لكلّ متقذّر ثم استعمل في الأفعال القبيحة. يقال : رجل رجس ورجال أرجاس. وهو على أربعة أوجه : إمّا من حيث الطّبع ، وإمّا من حيث العقل ، وإمّا من حيث الشّرع ، وإمّا من كلّ ذلك ؛ كالميتة فإنها تعاف طبعا وعقلا وشرعا. والرّجس من جهة الشرع الخمر والميسر. وقيل : من جهة العقل ؛ وعليه نبّه تعالى بقوله : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما)(٢) لأنّ كلّ من يؤتي إثمه على نفعه قضى العقل بخبثه ، نقله الراغب (٣) ، وفيه نظر من حيث إنّ كبر الإثم لا يعلم إلا من جهة الشّرع. فالعقل متوقف عليه غير مستقلّ. والكلام في استقلال العقل ١٢٨ بذلك. وقال الأصمعيّ : الرّجس : اسم لكلّ ما استقذر من عمل ، يقال : رجس الرجل ، ورجس يرجس : إذا عمل عملا قبيحا. ومنه قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) وقيل : هو الشكّ.
والرّجس : العمل المؤدّي إلى العذاب فيطلق ويراد به العذاب كقوله تعالى : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)(٤). وقيل : أراد به اللعنة. وقيل : النّتن. وقوله : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(٥) يشهد له. قوله : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ)(٦) أي مستقذر طبعا وشرعا ، وذلك لأنه لا أقذر في الحيوان من الخنزير. والرّجس والرّجز بمعنى ؛ وذلك أنّ الرّجز ، كما تقدّم يدلّ على الحركة والاضطراب وكذلك الرجس. ومنه في حديث سطيح : «فارتجس إيوان كسرى» (٧) أي اضطرب وتحرّك حركة سمع لها صوت. وارتجس الرّعد ، وسمعت رجسه أي صوته. وبعير رجّاس شديد الهدير ، وغمام راجس ورجّاس أي له رعد شديد.
__________________
(١) ٣٣ الأحزاب : ٣٣.
(٢) ٢١٩ البقرة : ٢.
(٣) المفردات : ١٨٨ ، مع بعض التصرف.
(٤) ١٠٠ يونس : ١٠.
(٥) ٢٨ التوبة : ٩.
(٦) ١٤٥ الأنعام : ٦.
(٧) النهاية : ٢ ٢٠١.
ر ج ع :
قوله تعالى : (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)(١) أي تعودون. والرجوع في الأصل العود إلى مكان منه البدو ، وسواء كان مكانا أو قولا أو فعلا. وسواء كان العود بذاته أو بجزء من أجزائه أو بفعل من أفعاله. ورجع يتعدّى بنفسه ؛ قال تعالى : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ)(٢) ، ولذلك بني للمفعول. وقيل : يجوز أن يكون قاصرا بمعنى عاد كقوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) في قراءة البناء للفاعل. وقيل : المفعول مقدّر أي ترجعون أنفسكم ، وليس بظاهر.
قوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(٣) أي يردّون البضاعة لأنّها ممّا اكتالوه وأنتم لا تأخذون شيئا إلا بثمنه. وقيل : معناه يرجعون إلينا إذا علموا أنّ ماكيل لهم من الطعام لم يؤخذ له ثمن. ويدلّ له قوله : (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ) إلى قوله : (يا أَبانا ما نَبْغِي)(٤). والرجع : الإعادة ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ)(٥). قيل : أراد الإنسان ، وقيل : أراد الماء ، وأنه يردّه إلى الصلب إذا شاء ، والأوّل أظهر. وقوله : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ)(٦) هو المطر ، سمي بذلك لأنه يرجع كلّ سنة فيتكرّر. وقيل : ذات المطر بعد المطر ، وهو بمعناه. والرجع أيضا : الغدير ، قال الهذليّ يصف سيفا (٧) : [من السريع]
أبيض كالرجع رسوب إذا |
|
ما ثاخ في محتفل يختلي |
وقيل : لأنها ترجع إليها أعمال العباد لأنّ فيها اللوح المحفوظ ، فمنه تأخذ الملائكة أعمال العباد ، ثم ترجع إلى السماء. وقيل : لأنّ الملائكة ترجع إليها. وقيل : سمي المطر رجعا لردّ الهواء ما تناوله من الماء. قيل : وسمي الغدير رجعا اعتبارا بأنه من المطر أو لتردّد أمواجه. قوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ)(٨) أي حّرمنا عليهم أن يتوبوا
__________________
(١) ٢٨ البقرة : ٢.
(٢) ٨٣ التوبة : ٩.
(٣) ١٦٨ الأعراف : ٧ ، وغيرها.
(٤) ٦٥ يوسف : ١٢.
(٥) ٨ الطارق : ٨٦.
(٦) ١١ الطارق : ٨٦.
(٧) هو المتنخل الهذلي (ديوان الهذلي : ق ٢ ١. اللسان ـ رجع). وفي الأصل : هو المسحل.
(٨) ٩٥ الأنبياء : ٢١.
ويرجعوا عن الذنب تنبيها أنه لا توبة بعد الموت. قوله : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ)(١) ، قيل : من الرجوع. وقيل : من رجع الجواب وقوله : (فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ)(٢) من رجع الجواب فقط.
والرّجعة بالكسر (٣) : الحشر بعد الموت ، وفلان يؤمن بالرّجعة (٤). وبالفتحة مصدر رجع امرأته إلى نكاحه. ومصدر رجع إلى الدّنيا بعد الممات. وليس لكلامه مرجوع أي جواب. ودابّة لها مرجوع : يمكن بيعها بعد الاستعمال. وناقة راجع : إذا كانت لا تقبل ماء الفحل. والارتجاع : الاسترداد. وارتجع : إذا باع الذكور واشترى الإناث ، فاعتبر فيه معنى الرجع تقديرا وإن لم يحصل ذلك فيه عينا. وفي الحديث : «أنه عليه الصلاة والسّلام رأى في إبل الصدّقة ناقة كوماء (٥) فسأل المصدّق عنها فقال : إني ارتجعتها بإبل فسكت» (٦). قال أبو عبيد : الارتجاع : أن يقدم بإبله مصرا فيببعها ثم يشتري بثمنها مثلها أو غيرها ، فتلك الرّجعة بالكسر. ولذلك وجب على الرجل في الزكاة فأخذ غيرها ، فالمأخوذة الرّجعة أيضا لأنه ارتجعها من التي وجبت له.
والترجيع : ترديد الصوت بالقراءة والغناء وتكرير قوله مرتين فأكثر. ومنه ترجيع الأذان. واسترجع : قال : إنّا لله وإنا إليه راجعون. وفي الحديث : «حمدك واسترجع» (٧). والرّجيع من الكلام (٨) : المردود إلى صاحبه والمكرّر. والرّجيع أيضا : كناية عن العذرة ، لأنه رجع عن حاله الأول بعد أن كان (٩) طعاما. وفي الحديث «نهى أن يستنجى بالرّجيع» (١٠) فهو بمعنى فاعل أو مفعول.
__________________
(١) ٣٥ النمل : ٢٧.
(٢) ٢٨ النمل : ٢٧.
(٣) لم يذكر الراغب ولا ابن منظور الكسر هنا.
(٤) وهو مذهب قوم من العرب في الجاهلية ، ومذهب طائفة من أولى البدع والأهواء ، يقولون : إن الميت يرجع إلى الدنيا ويكون فيها حيا كما كان ، ومن جملتهم طائفة من الرافضة.
(٥) الكوماء : الضخمة السنام.
(٦) النهاية : ٢ ٢٠١.
(٧) بعض حديث أخرجه الترمذي في باب الجنائز : ١ ١٩٠.
(٨) وفي الأصل : كلام.
(٩) ساقطة من ح.
(١٠) النهاية : ٢ ٢٠٣ ، وتتمته «أو عظم».