عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

غيره. ومنه : صامت الشمس : إذا بلغت كبد السماء ، فلم تجر ، توهّموا إمساكها عن السّير. وصامت الفرس : أمسكت عن الجري أو العلف ، وأنشد (١) : [من البسيط]

خيل صيام وخيل غير صائمة

تحت العجاج وأخرى تعلك اللّجما

ومصام الفرس ومصامته (٢) : موقفه ، ومنه قيل للريح إذا ركدت : صوم. وقيل في قوله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً)(٣) أي إمساكا ، بدليل قوله : (فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا). وأمّا الصوم شرعا : فإمساك جميع النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بشرائط مذكورة في غير هذا.

فصل الصاد والياء

ص ي ب :

قوله تعالى : (حَيْثُ أَصابَ)(٤) قد أدخله الراغب في هذه المادة ، والظاهر أنه من ذوات الواو. وقد تقدّم تفسيره في مادة (ص وب) وأنّه بمعنى أراد.

ص ي ح :

قوله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ)(٥) هي الصوت الشديد ؛ إمّا من ملك ، كصيحة جبريل بأهل أنطاكية فماتوا ، وإليه الإشارة بقوله : (إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً)(٦). وإما من رعد ، وإمّا من ريح ، وإما من غير ذلك. قوله : (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ)(٧) أي النفخ في الصّور. والظاهر أنها النداء من الملك للعالم : يا أيّها الناس قوموا لربّ العالمين.

__________________

(١) البيت للنابغة الذبياني ، الديوان : ١١٢. صائمة : قائمة.

(٢) وفي الأصل : مصارمه.

(٣) ٢٦ مريم : ١٩.

(٤) ٣٦ ص : ٣٨.

(٥) ٨٣ الحجر : ١٥ ، وغيرها.

(٦) ٢٩ يس : ٣٦.

(٧) ٤٢ ق : ٥٠.

٤٢١

فيسمعه كلّ أحد. وهذه عبارته عن النفخة الثانية. قال بعضهم : وأصله تشقيق الصوت من قولهم : انصاح الخشب والثوب : إذا انشقّ فسمع منه صوت. وصيح الثوب كذلك. و [يقال :](١) بأرض زيد شجر قد صاح : عبارة عن طوله أي من نفسه للناظر كما بيّنها من دلّ على نفسه بصياحه. ولما كانت الصيحة تفزع سامعها [عبّر بها](٢) عن الفزع. ومنه قوله : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ)(٣) وصيح بفلان ، أي فزع. وأنشد لامرئ القيس (٤) : [من الطويل]

فدع عنك نهبا صيح في حجراته

ولكن حديثا ما حديث الرّواحل

ويقال : صاح فلان في مال فلان : إذا أهلكه.

ص ي د :

قوله تعالى : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ)(٥) أي الوحش المصيد ، فعبّر عنه بالمصدر نحو : درهم ضرب الأمير. قال الهرويّ : هو اسم المصيد ما كان ممتنعا ولم يكن له مالك وكان حلالا أكله. فإذا اجتمعت فيه هذه الحلال فهو صيد. وقال الراغب (٦) : الصيد مصدر صاد وهو تناول ما يظفر به ممّا كان ممتنعا ، وفي الشرع تناول الحيوانات الممتنعة ممّا لم يكن مملوكا. والمتناول منه ما كان حلالا. قال : وقد سمي الصّيد صيدا بقوله : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ)(٧). وأما الصّيد المنهيّ عنه المحرم فما (٨) كان مأكولا أو إحدى أصليه مأكولا ؛ قال الراغب (٩) : الصيد في هذه المواضع مختصّ بما يؤكل لحمه فيما قال الفقهاء بدلالة ما روي (١٠) : «خمس يقتلهنّ [المحرم] في الحلّ والحرم : الحية والعقرب والفأرة

__________________

(١) إضافة يقتضيها السياق.

(٢) إضافة من المفردات ، والكلام منه : ٢٨٩.

(٣) ٧٣ الحجر : ١٥.

(٤) مطلع لقصيدة يمدح بها جارية بن مرّ ويذم خالد بن سدوس (الديوان : ٨٢).

(٥) ٩٥ المائدة : ٥.

(٦) المفردات : ٢٨٩.

(٧) ٩٦ المائدة : ٥.

(٨) في الأصل : ما ، فأضفنا فاء الجواب. والجملة ليست متكاملة.

(٩) المفردات : ٢٨٩ ، والإضافة منه.

(١٠) النهاية : ٣ ٢٧٤.

٤٢٢

والكلب العقور والذئب» والأصيد : من عنقه مائل ، والجمع صيد ، وعبّر عن المتكبّر بما تقدّم في الصّعر. والصّيدان : برام الأحجار ، وأنشد (١) : [من الطويل]

وسود من الصّيدان فيها مذانب

ويقال فيه صاد أيضا ، وأنشد (٢) : [من الطويل]

رأيت (٣) قدور الصّاد حول بيوتنا

والصاد أيضا بمعنى الأصيد. وفي الحديث : «كما يذاد البعير الصّاد» (٤). قال ابن السّكيت : هو داء يصيب الإبل تسيل منه أنوفها وتسمو رؤوسها.

ص ي ر :

قوله تعالى : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)(٥) قد تقدّم أنه لغة في صار يصور ، بمعنى الإمالة أو القطع. قيل : وأصله من الصّير وهو الشقّ. وفي الحديث : «من اطلع من صير باب» (٦) أي من شقّه. والشّقّ والقطع يتقاربان. والصير أيضا : الصّحناة ؛ وقد فسّر به الحديث : «أنه عليه الصلاة والسّلام مرّ بصير فذاق منه» (٧). ولما قال المثنّى بن حارثة : «إنّا نزلنا بين الصّيرين : اليمامة والسّمامة. قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما هذان الصّيران؟ قال ؛ مياه العرب ومياه

__________________

(١) صدر بيت لأبي ذؤيب. وعجزه كما في ديوان الهذليين : ١ ٢٧ :

نضار إذا لم نستفدها نعارها

قال ابن بري : يروى هذا البيت بفتح الصاد (من الصيدان) وكسرها ؛ فمن فتحها جعل الصّيدان جمع صيدانة فيكون من باب تمر وتمرة. ومن كسرها جعلها جمع صاد للنحاس ، ويكون صادّ وصيدان بمنزلة تاج وتيجان. وقوله : فيها مذانب نضار ، يريد : فيها مغارف معمولة من النضار وهو شجر معروف (اللسان ـ مادة صيد). وشرحها في الديوان : القدور.

(٢) صدر بيت لحسان بن ثابت. وعجزه كما في الديوان : ١ ٣٥ :

قنابل دهما في المحلّة صيّما

(٣) كذا في الأصل ، وفي اللسان (مادة ـ صيد) ، ولكن اللسان يضم التاء. وفي الديوان : حسبت.

(٤) يروى أنه قاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعلي (رضي). النهاية : ٣ ٦٥.

(٥) أنظر مادة «ص ور».

(٦) النهاية : ٣ ٦٦.

(٧) النهاية : ٣ ٦٦ ، وفيه : «.. مر برجل صير ..» وهو الصواب.

٤٢٣

كسرى» (١). والصير : [الماء](٢) الذي يحضره الناس ؛ صار القوم الماء : حضروه. وأنشد للأعشى (٣) : [من المتقارب]

وروض التّناضب حتى تصيرا

وصار إلى كذا : انتهى إليه. قوله تعالى : (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)(٤) كقوله : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى)(٥). ومنه : صر الباب لمصيره الذي ينتهي إليه في تنقّله وتحرّكه. وصار من الأفعال الناقصة ككان يدلّ على تحوّل الموصوف من صفة إلى أخرى ، كقولك : صار الطين خزفا. ومصدرها الصّيرورة مثل الكينونة ، والأصل صرّورة وكنّونة. وقد مرّ ذلك في باب الباء.

ص ي ص :

قوله تعالى : (مِنْ صَياصِيهِمْ)(٦) هو جمع صيصة (٧) وهي الحصن. وكلّ ما يتحصّن به ويمتنع فهو صيصة. وبهذا الاعتبار قيل لقرن البقر صيصة ، ولشوكة الديك التي في رجله بها صيصية. وفي الحديث ، وقد ذكر فتنة ، فقال : «كأنّها صياصي بقر» (٨) شبهها به في الشّدة وصعوبة الأمر ، وقال أبو هريرة في أصحاب الدجّال : «شواربهم كالصّياصي» (٩) يعني في الطول كقرون البقرة مما يوفرونها (١٠).

__________________

(١) النهاية : ٣ ٦٦. ويروى فيه قراءات لكلمة «الصيرين».

(٢) الإضافة من النهاية.

(٣) وصدره ، كما في الديوان : ٩٣ :

بما قد تربّع روض القطا

(٤) ٣ غافر : ٤٠.

(٥) ٤٢ النجم : ٥٣.

(٦) ٢٦ الأحزاب : ٣٣.

(٧) وفي الأصل لها ولقرن البقر : صيصية. والتصويب من اللسان ـ صيص.

(٨) النهاية : ٣ ٦٧.

(٩) النهاية : ٣ ٦٧ ، يعني أنهم أطالوها وفتلوها حتى صارت كأنها قرون البقر.

(١٠) لعلها : يفتلونها. والمعنى : يعفونها من القص.

٤٢٤

ص ي ف :

قوله تعالى : (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ)(١) ؛ كانت قريش يرحلون رحلتين ؛ واحدة في الشتاء إلى اليمن وأخرى في الصيف إلى الشام. ولعمري لقد أصابوا حيث جعلوا هذا الفصل الحارّ في هذا الإقليم البارد وبالعكس ، فامتنّ الله عليهم بذلك بأن أمّنهم في هاتين الرحلتين. والصيف هو الفصل المقابل للشتاء ، وما قرب منه وهو الربيع. وإن كان ابن قتيبة غلّط الناس فيه وسمّاه الخريف. وليس المراد فصل الشتاء وحده ، وهو نزول الشمس في الجدي والدلو والحوت ، ولا فصل الصيف وحده ، وهو نزول الشمس الأسد والسّرطان والسّنبلة. وإنما المراد ـ والله أعلم ـ ما ذكرته. وصافوا : حصلوا في الصيف. وأصافوا : دخلوا فيه ، والمطر الآتي فيه صيفيّ ، كالآتي في الربيع ربعيّ. وفي الحديث : «فصاف عنه» (٢) أي عدل ، من صاف السهم : إذا لم يصب الرميّة.

__________________

(١) ٢ قريش : ١٠٦.

(٢) من حديث أنس في بدر. النهاية : ٣ ٦٧.

٤٢٥

باب الضاد

فصل الضاد والهمزة

ض أن :

قوله تعالى : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ)(١). الضأن من الغنم معروف يقابل المعز ، وهو جمع ضائن مثل : تاجر وتجر ، وصاحب وصحب. وقيل : الواحدة ضائنة ، وسيأتي له مزيد بيان في باب الميم عند ذكر المعز. وأضأن الرجل : كثر ضأنه.

فصل الضاد والباء

ض ب ح :

قوله تعالى : (وَالْعادِياتِ ضَبْحاً)(٢) هو خفّة العدو. وقيل : هو كالضّبع (٣) ، وهو مدّ الضّبع في السّير فكأنه أبدل من العين حاء. وقيل : هو صوت أنفاس الفرس تشبيها بالضّبح والضّباح ، وهو صوت الثعلب. قيل : والضّبح مختصّ من الحيوان بجنسين : الفرس والثعلب ، وهو مشكل بحكاية مطولة مختصرها أنّ ابن عباس سئل عن ذلك وهو في الحجر ففسّرها بالخيل ، فقيل لعليّ فدعاني وقال لي : «تفتي الناس بما لا علم لك؟ والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام بدر ، ولم يكن معنا إلا فرسان». العاديات : الإبل من عرفة إلى مزدلفة ، ومن مزدلفة إلى منى. قال بعضهم : إن صحّ هذا فالضّبح للإبل استعارة كاستعارة الحافر والمشافر للإنسان ، وقد أوضحتها في «الدرّ». وقيل : أصله إحراق العود ؛ شبه عدوها

__________________

(١) ١٤٣ الأنعام : ٦.

(٢) ١ العاديات : ١٠٠.

(٣) يريد أن الضّبح كالضبع. وفي الأصل : هو الضبع. وقيل : هو عدو دون التقريب (اللسان).

٤٢٦

به لشبهها بالنار في حركتها وسرعتها. والمراد خيل الغزاة أقسم بها لشرفها. وقد سئل ابن عباس عن ذلك فقال : هي الخيل ، وحكاه (١) فقال : ا ح ا ح. وأنشد لعنترة (٢) : [من مجزوء الكامل]

والخيل تعلم حين تض

بح في حياض الموت ضبحا

قلت : وبهذا البيت يتّضح ما قال ابن عباس.

فصل الضاد والجيم

ض ج ع :

قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ)(٣) جمع مضجع ، وهو موضع الاضطجاع أي النوم على الجنب. وصفهم بكثرة العبادة ليلا كقوله : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ)(٤). قوله : (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ)(٥) أي المراقد. ويقال : أضجعه يضجعه أي أماله. واضطجع أي افتعل فقلبت التاء طاء لحرف الإطباق. وشذّ إدغامه فقيل : الطجع. وأنشد (٦) : [من الرجز].

لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع

مال إلى أرطاة حقف فالطجع

وقال الأعشى (٧) : [من البسيط]

عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضي

يوما فإنّ لجنب المرء مضطجعا

__________________

(١) ساقطة من س.

(٢) البيت ناقص ومضطرب في الأصل ، وهو غير مذكور في ديوان عنترة. والتصويب من اللسان ـ مادة ضبح.

(٣) ١٦ السجدة : ٣٢.

(٤) ١٧ الذاريات : ٥١.

(٥) ٣٤ النساء : ٤.

(٦) البيت لراجز كما في اللسان ـ مادة ضجع.

(٧) في الأصل : النابغة ، وفي كل مرة يخطئ الناسخ فيضع اسم النابغة في موضع الأعشى. وهو في ديوانه : ١٠١.

٤٢٧

ويروى ملطجعا ومصطرعا. والضّجيع بمعنى المضاجع ، كالخليط والجليس بمعنى المخالط [والمجالس](١) والضّجعة المرّة ، والضّجعة الهيئة.

فصل الضاد والحاء (٢)

ض ح ك :

قوله تعالى : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ)(٣). ضحكهم كناية عن السّخرية والحقارة لهم ، وذلك أنهم كانوا في الدنيا على العكس ، وشتان ما بين السّخريتين. والضّحك أصله انبساط الوجه وتكشّر الأسنان لسرور النفس وانشراحها. ولظهور بعض الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان ضواحك ، ثم استعير للسخرية المجردّة كما تقدم. يقال : رجل ضحكة ـ بفتح العين ـ : إذا أكثر الضحك من غيره ، وبسكونها لمن يضحك منه. وقد يستعمل في السرور المجرّد. ومنه قوله تعالى : (مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ)(٤). واستعماله في الأناسيّ على استعارة التخييل ، وهو في الحيوان أقرب. وأنشد (٥) : [من الرمل]

تضحك الضّبع [لقتلى هذيل]

وترى الذئب لها يستهلّ

وذلك كناية عن قلّة غنائهم ، وأنهم ليسوا أبناء ضرب ، لأنّ الضّبع والذئب اعتادا الأكل منهم في المعركة. وقد استعير ذلك في الجماد. وأنشد للأعشى (٦) : [من البسيط]

يضاحك الشمس منها كوكب شرق

مؤزّر بعميم النّبت مكتهل

__________________

(١) إضافة يقتضيها السياق.

(٢) سها الناسخ فوضع فصل الضاد والجيم بعد الضاد والحاء. فوضعنا كل فصل منهما في موضعه.

(٣) ٣٤ المطففين : ٨٣.

(٤) من الآيتين : ٣٨ و ٣٩ عبس : ٨٠.

(٥) من شواهد اللسان ـ مادة ضحك ، ومذكور في المفردات : ٢٩٢. والإضافة منهما. والمعنى أن الضبع إذا أكلت لحوم الناس أو شربت دماءهم طمثت وقد أضحكها الدم.

(٦) في الأصل : للنابغة وهو وهم. والبيت للأعشى كما في الديوان : ٥٧ ، واللسان ـ مادة كهل.

٤٢٨

سمّى تلألؤها ضحكا. وضحك الغدير : تلألأ من امتلائه. وطريق ضحوك ، أي واضح ضدّ العبوس للطامس الأعلام ، واستعير أيضا لمجرّد التعجب لأنه مسبّب عنه غالبا. وهذا قصد من قال : الضحك مختصّ بالإنسان. وأما بإسناده إلى الله تعالى في قوله عليه‌السلام : «ضحك الله» (١) فاستعارة لرضاه. قوله تعالى : (فَضَحِكَتْ)(٢) هو على بابه فعلت ذلك سرورا بالولد. وقيل : بل حاضت. قال بعضهم محققا لذلك : وضحكها كان للتعجب ، ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ)(٣). وقول من قال : حاضت فليس ذلك تفسيرا لقوله : ضحكت كما تصوّره بعض المفسرين فقال ضحكت بمعنى حاضت. وإنما ذكر ذلك تنصيصا لحالها فإنه جعل ذلك أمارة لما بشّرت به فحاضت في الوقت ليعلم أنّ حملها ليس منكرا إذا كانت المرأة ما دامت تحيض فإنها مظنة الحبل.

قلت : الصائر لذلك مجاهد بن جبريل تلميذ ابن عباس. وحكي : حاضت الأرنب وضحكت بمعنى. والأضحوكة كالأعجوبة.

ض ح و :

قوله تعالى : (وَالضُّحى)(٤) هو امتداد الشمس وقيل : امتداد النهار ، وهما متلازمان. وقوله تعالى : (وَأَخْرَجَ ضُحاها)(٥)(وَالشَّمْسِ وَضُحاها)(٦) أي ضوءها ونورها. و (الضُّحى) بالضم مقصور ؛ قال الهرويّ : وإذا فتحت مدّدت ، وظاهره أنهما بمعنى. والضّحاء فوق الضّحى. وقال الراغب (٧) : الضّحاء كالغداء : وهو الطعام المأكول في وقت الضّحى ، كما أن الغداء الطعام المأكول وقت الغداة. ويقال : ليله إضحيانة وإضحيان وضحيانة وضحياء ، أي مضيئة كإضاءة الضّحى. ويوم إضحيان أيضا وضحيان : لا غيم فيه.

__________________

(١) صحيح البخاري ، باب مناقب الأنصار : ١٠.

(٢) ٧١ هود : ١١.

(٣) ٧٢ هود : ١١.

(٤) ١ الضحى : ٩٣.

(٥) ٢٩ النازعات : ٧٩.

(٦) ١ الشمس : ٩١.

(٧) المفردات : ٢٩٢.

٤٢٩

قوله : (وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى)(١) إنّما قال ذلك وثوقا بنصر الله له ، فوعدهم في وقت ظاهر لكلّ أحد وهو وقت نشاط أيضا. والضّحى مؤنثة ؛ يقال : ارتفعت الضّحى ، وكتابتها بالياء لأجل إمالتها وإمالتها لأجل تواليها. وتصغّر على الضّحيّ ، وكان حقّها أن تؤنّث كقديدة إلا أنها شذّت شذوذ فويس وعريب في أخوات لها. قوله : (وَلا تَضْحى)(٢) أي لا تبرز للضّحى. وحقيقته أنه مصون من الشمس وهو أمر يبتغى عند العرب لحرّ بلادهم. والأضحية : ما يضّحى به ، أي يذبح. وسميت بذلك شرعا لذبحها وقت الضّحى. قال بعضهم : تسميتها بذلك في الشرع لقوله عليه الصلاة والسّلام : «من ذبح قبل صلاتنا هذه فليعد» (٣). والجمع أضاح وضحيّة وضحايا وأضحاة وأضحى. والضّواحي : النّواحي البارزة ، الواحدة ضاحية. وضاحية كلّ شيء ناحيته البارزة.

فصل الضاد والدال

ض د د :

قوله تعالى : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا)(٤) أي عونا. يشير إلى أنّهم عكست عليهم أغراضهم ، وذلك أنهم قالوا : إنما عبدناهم ليكونوا شفعاء لنا فما نعبدهم إلا ليقرّبونا إلى الله زلفى ، فجاؤوا يوم القيامة لما رجوه منهم وأكذبوهم. وكانت الأصنام وقودا عليهم وهي الحجارة في قوله تعالى : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ)(٥). ومن علامة الضّدّين ألا يجتمعا ، وقد يرتفعان كالسّواد والبياض ، والحركة والسكون. والنّقيضان : ما لا يجتمعان ولا يرتفعان كالسّلب والإيجاب (٦). وقال بعضهم : الضدّان : الشيئان اللذان تحت جنس واحد ، وينافي

__________________

(١) ٥٩ طه : ٢٠.

(٢) ١١٩ طه : ٢٠.

(٣) صحيح البخاري ، باب العيدين : ٥. وفيه : «... قبل الصلاة».

(٤) ٨٢ مريم : ١٩.

(٥) ٢٤ البقرة : ٢.

(٦) جاء في حاشية الورقة ٢٠٥ ، النسخة ح : الفرق بين الضد والنقيض أن الضدين لا يجتمعان ويجوز ارتفاعهما ، والنقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان.

٤٣٠

كلّ واحد منهما الآخر في أوصافه الخاصّة وبينهما أبعد البعد كالسّواد والبياض ، والخير والشرّ. وما لم يكونا تحت جنس واحد لا يقال لهما الضدّان كالحلاوة والحركة.

قالوا : والضدّ هو أحد المتماثلات ؛ فإنّ المتقابلين هما الشيئان المختلفان اللذان كلّ واحد منهما قبالة الآخر ، ولا يجتمعان في شيء في وقت واحد ، وذلك أربعة أشياء : الضدّان كالسواد والبياض ، والمتضايفان كالضّعف والنّصف ، والوجود [والعدم](١) كالبصر والعمى ، والموجبة والسالبة في الأخبار ، نحو : كلّ إنسان ههنا (٢). وكثير من المتكلمين وأهل اللغة يجعلون ذلك من المضادّات ، ويقولون : الضدان : ما لا يصحّ اجتماعهما في محلّ واحد. وقيل : الله تعالى لا ضدّ له ولا ندّ ؛ لأن الندّ هو الاشتراك في الجوهر ، والضدّ : هو أن يتعاقب (٣) الشيئان المتنافيان على جنس واحد ، والله تعالى منزّه عن أن يكون له جوهر ، فإذا لا ضدّ له ولا ندّ. وقوله : (وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) وحّده وإن كان خبرا عن جمع ، لأن الأخفش حكى فيه أن يكون واحدا وجمعا. وقال الفراء : معناه عونا فلذلك وحّد.

قلت : كأنه ينحو به نحو المصادر ، والمصادر توحّد في المشهور وأحسن ما فسرت به الآية : أي يكونون منافين لهم.

__________________

(١) إضافة من المفردات : ٢٩٣.

(٢) الجملة ناقصة ، وبعدها : وليس كل إنسان ههنا. عن المفردات.

(٣) وفي الأصل : يعقب.

٤٣١

فصل الضاد والراء

ض ر ب :

قوله تعالى : (أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ)(١). الضرب : إيقاع جسم على جسم قصدا للتأليم والإيلام. وقال بعضهم : الضرب : إيقاع شيء على شيء ؛ وهو أعمّ من الأول قال (٢) : ولتصوّر اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها كضرب الشيء باليد وبالعصا والسيف ونحوها. وضرب الأرض بالمطر وضرب الدرهم اعتبارا بضربه بالمطرقة. قوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ)(٣) أي سفرا وذهابا ، وذلك لأنّ المسافر كالضارب الأرض برجله. وضرب في الأرض أيضا : أسرع ، وأنشد (٤) : [من الطويل]

ولكن يجاب المستغيث ، وخيلهم

عليها كماة بالمنيّة تضرب

أي تسرع. ومنه قول عليّ رضي الله عنه : «فإذا كان كذا ضرب يعسوب الدين بذنبه» (٥) أي أسرع الذهاب ، قاله الأزهريّ. وما أحسن هذه الاستعارة وأفصحها فلله درّه ، كم له من مثلها كرّم الله وجهه. قوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ)(٦) أي أحاطت عليهم إحاطة القبّة المضروبة على شيء فيها. وأصل ذلك من ضرب الخيمة لأنّ فيها ضرب أوتادها بالقدّوم. قوله : (فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ)(٧) أي أغبناهم. وأصله أن الرجل إذا ضرب على أذنه حصل له غيبة. قوله : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ)(٨) أي نمهلكم ونعرض عنكم وننحّي عنكم ما يجب تعريفه إياكم.

__________________

(١) ١٦٠ الأعراف : ٦.

(٢) والكلام للراغب : ٢٩٤.

(٣) ٢٧٣ البقرة : ٢.

(٤) يذكر ابن منظور البيت لأحدهم ، كما في المادة ـ ضرب

(٥) النهاية : ٣ ٧٩.

(٦) ٦١ البقرة : ٢.

(٧) ١١ الكهف : ١٨.

(٨) ٥ الزخرف : ٤٣.

٤٣٢

قوله : (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً)(١) ونحوه فيه وجهان : أحدهما أنّ (ضرب) هنا أغنى عن (٢) لفظ المثل خاصة ضرب [الجاري] مجرى صيّر فنصبت مفعولين ، وصيّر الله قرية حقّها كيت وكيت مثلا يعتبر من سمعه كسائر الأمثال (٣). وسيأتي إن شاء الله تفسير المثل. والثاني أنه لم يضمره ذلك ، فقيل : إنه استعير من ضرب الدراهم ، وذلك لأنه ذكر شيء أثره يظهر في غيره. وقال بعضهم : «واضرب لهم مثلا» (٤) أي اذكر ومثّل. وعندي : من الضرب أي من المثل ، وهذا الشيء على اضرب أي على أمثال وأنواع.

وقال الأزهريّ في قوله : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ) : أصله أنّ الراكب إذا ركب دابة فأراد أن يصرفها إلى جهة ، ضربها بعصا ليعدلها عن جهتها إلى الجهة التي يريدها. فوضع الضرب موضع الصّرف والعدل ، وهو حسن. والاضطراب : كثرة الذهاب في الجهات من الضّرب في الأرض ، وعبر به عن الأشياء المختلفة فقيل : حاله مضطرب أي مختلف. والمضاربة : المقارضة لأنه يسافر غالبا للرّبح. والمضرّبة : ما أكثر بالخياطة ضربه. والتّضريب : حثّ على الضرب في الأرض. فضرب الفحل الناقة ، على التشبيه (٥).

ض ر ر :

قوله تعالى : (فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً)(٦). الضّرّ والضّر والضّرر : سوء الحال ، إمّا في النفس لقلة العلم والفضل والعفّة ، وإما في البدن لفقدان جارحة ، وإما في حالة ظاهرة من قلّة مال وجاه. والضرّ ضدّ النفع. قوله : (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً)(٧) تنبيه على قلّة مبالاتهم بهم ، وأنّهم لا ينالهم من ضررهم إلا هذا القدر اليسير والمقصود الأعظم وهو عليكم

__________________

(١) ١١٢ النحل : ١٦.

(٢) في الأصل : مع ، والتركيب بعده مضطرب وإن كان واضح المعنى. والإضافة بعده يقتضيها السياق.

(٣) وفي س : الإمساك.

(٤) ١٣ يس : ٣٦.

(٥) يقصد : على التشبيه بالطرق بالمطرقة.

(٦) ٤٢ المائدة : ٥.

(٧) ١١١ آل عمران : ٣.

٤٣٣

مضمون لكم. ومثله في المعنى : (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)(١). قوله تعالى : (يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ) إلى قوله (لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ)(٢). فالأول يقتضي نفي الضّرر ، والثاني إثباته ، وأجيب بأنّ الأول يعنى به النفع والضّرّ الحاصلان (٣) بالقصد والإرادة أنه لا يقصد في ذلك ضرا ولا نفعا لكونه جمادا. والثاني يعنى به ما نشأ وتولّد من عبادته إياه واستعانته به في مهماته لا ما يكون منه بقصده (٤).

قوله تعالى : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ)(٥). الضّراء : الضرّ. وتقابل السّراء بالنّعماء ، وتقدّم وجه الجمع بين البأساء وبينها في باب الباء. قوله تعالى : (وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ)(٦) يجوز أن يكون مبنيا للفاعل بمعنى أنه نهى الكاتب والشهيد عن مضارّة المكتوب له والمشهود له ؛ بأن يكتب له ما لا يخلّصه ، وأن يؤخّر الشاهد شهادته عند الحاجة إليها ، وأن يكون مبنيا للمفعول بمعنى أنه لا ينبغي أن يعطلا عن معاشهما حسبما بينّا ذلك بيانا شافيا في «القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز» وحسبما أيضا بينّا القراءات الواردة في ذلك ، الشاهدة بكلتا القراءتين في «الدرّ» وغيره. قوله : (لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها)(٧) هو كالذي قبله في احتمال الوجهين قد بينّا الحكمين والقراءات أيضا في الكتابين المشار إليهما. وقرئ هنا برفع الراء وهو خبر في معنى النّهي ، وبفتحها على صراحة النّهي (٨).

والضرير : غلب على فاقد البصر ؛ فعيل بمعنى مفعول. والضّرير أيضا شاطئ الوادي تخيلا أنّ الماء قد ضرّه. والضرير أيضا : الضارّ. والضّرّة : غلبت على المرأة المصاحبة لزوجة أخرى. وأصلها الفعلة من الضّرّ تخيلا أنها نفس الضّرر الحاصل لصاحبتها منها. وبهذا النظر قال عليه الصلاة والسّلام : «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في

__________________

(١) ١٢٠ آل عمران : ٣.

(٢) ١٢ و ١٣ الحج : ٢٢.

(٣) وفي الأصل : الحاصلين.

(٤) وفي الأصل : بقصد.

(٥) ٢١٤ البقرة : ٢.

(٦) ٢٨٢ البقرة : ٢.

(٧) ٢٣٣ البقرة : ٢.

(٨) وفي المفردات (٢٩٤) : ومعناه أمر ... وإذا فتح فأمر.

٤٣٤

صحفتها» (١). والمتزوج بالضّرة يقال له الضّرار. وضرار أيضا علم لرجل مشهور وهو ضرار بن الأزور (٢). ويقال : زوج مضرّ ، أي ذو زوجين ، قال : وامرأة مضرّ بغير تاء ، أي لها ضرّة من آخر صار ذا ضرّة. قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ)(٣) أي ألجئ ؛ افتعال من الضرّ ، فقلبت التاء طاء لوقوعها بعد حرف الإطباق. وقيل : هو حمل الإنسان على ما يضرّه. وقيل : هو في العرف الحمل على ما يكره ، وذلك على ضربين : أحدهما اضطرار بسبب خارج ، كمن يضرب أو يهدّد حتى ينقاد أو يؤخذ قهرا ، فيحمل على ما يكرهه. وعليه قوله تعالى : (ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ)(٤). والثاني بسبب داخل ، وذلك إما بقهر قوة لا يناله بدفعها (٥) هلاك ، كمن غلب عليه شهوة خمر أو قمار ، وأما بقهر قوة يناله (٦) بدفعها هلاك ، كمن اشتدّ به الجوع ، فاضطرّ إلى أكل ميتة ونحوها.

قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ)(٧) أي غير باغ ما حدّ له ولا عاد في زيادته على سدّ رمقه أو شبعه ، حسبما بينّا ذلك في «القول الوجيز». قوله : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ)(٨) هو عامّ في كلّ أنواع الاضطرار. وقولهم : الضروريّ هو نسبة للضرورة ، ويقال ذلك باعتبار ثلاثة أوجه : أحدها ما يكون على سبيله القسر كالغصن المحرّك بريح شديدة (٩). والثاني ما لا يحصل وجوده إلا به نحو الغذاء الضروريّ للإنسان في حفظ بدنه. والثالث يقال فيما لا يمكن أن يكون على خلافة كقول المتكلمين : الجسم الواحد لا يجوز حصوله في مكان واحد في آن واحد بالضرورة. قوله تعالى : (لا يَضُرُّكُمْ)(١٠) قرئ بضمّ

__________________

(١) النهاية : ٤ ١٨٢ ، وفي الأصل : لتكفى.

(٢) هو ضرار بن الأزور ، كان فارسا شجاعا شاعرا. قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وله ألف بعير ، وهو الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد. توفي في الكوفة بخلافة عمر ، وقيل غير ذلك (أسد الغابة : ٣ ٣٩).

(٣) ١٧٣ البقرة : ٢.

(٤) ١٢٦ البقرة : ٢.

(٥) في الأصل : بدفعه.

(٦) في الأصل : ينال.

(٧) ١٧٣ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٨) ٦٢ النمل : ٢٧.

(٩) وفي الأصل : شديد.

(١٠) ١٢٠ آل عمران : ٣ ، وغيرها.

٤٣٥

الفاء وتشديد العين من الضرّ ، وبكسر الفاء وسكون العين (١) يقال : ضرّه ضرّا وضاره ضيرا. ومنه قوله تعالى : (لا ضَيْرَ)(٢) وضاره يضوره ، ثلاث لغات بمعنى. وضاررته : خالفته. وأنشد للنابغة (٣) : [من المتقارب]

وخصمي ضرار ذوي تدرإ

متى بات سلمها يشغبا

وفي بعض روايات حديث الرؤية «لا تضارّون في رؤيته» (٤) ، أي لا تتخالفون.

ض ر ع :

(إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا)(٥). التضرّع : التذلّل والخضوع والاستكانة. وفي الحديث أنه قال في ولدي جعفر : «ما لي أراهما ضارعين؟» (٦) فالضارع : الذليل. وأنشد (٧) : [من الطويل]

ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط ممّا تطيح الطّوائح

وقد ضرع ضراعة وأنشد : [من الوافر]

أذاقكم الضراعة والهوانا

فهو ضارع وضرع. فالتضرّع : إظهار الضّراعة. ومنه قوله تعالى : (ادْعُوا رَبَّكُمْ

__________________

(١) يقول الفراء : إن شئت جعلت جزما ـ لا يضركم ـ وإن كانت مرفوعة ، ولو نصبتها أو خفضتها كان صوابا .. وقد قرأ بعض القراء : «لا يضركم» تجعله من الضّير ، ولو قرئت «لا يضركم» كان صوابا (معاني القرآن : ١ ٢٣٢).

(٢) ٥٠ الشعراء : ٢٦.

(٣) هو نابغة بني جعدة ، والشاهد في اللسان ـ مادة ضرر. والعجز ساقط من س.

(٤) هذه الرواية على تشديد الراء. وأما التخفيف فهو من الضّير ؛ لغة من الضّرّ. وانظر النهاية : ٣ ٨٢.

(٥) ٤٣ الأنعام : ٦.

(٦) النهاية : ٣ ٨٤ ، وهو جعفر الطيار.

(٧) اختلفوا في نسبة البيت ففي كتاب سيبويه (١ ٢٨٨ ...) للحارث بن نهيك ، نسبه الأعلم الشنتمري (في شرح شواهد الكتاب) إلى لبيد. على أن البيت مشهور بنسبته إلى نهشل بن حري. وهو من شواهد أوضح المسالك : ٢ ٣٤٢ من غير عزو.

٤٣٦

تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً)(١) أي ذوي أودعاء. قوله : (إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ)(٢) قيل : هو نبت أحمر منتن الريح يرمي (٣) به البحر. وقيل : هو الشّبرق : نبت بالحجاز ذو (٤) شوك. وهو شبرق ما دام رطبا ، فإذا يبس فهو ضريع. وهذا تمثيل لهم بما يكرهونه مطعما لدوابّهم ، وإلا فيا ليتهم يكتفى لهم بأكل ما هو أفظع وأشنع من ذلك.

والمضارعة : المشابهة ؛ مأخوذة من ضرع الشاة لأنّ كلا من الضرعين يشبه الآخر. ومن ثم قال النحويّ : الفعل المضارع لأنه شابه الاسم في أشياء حرّرناها في غير هذا الوضع. والضّريع أيضا : الشاة العظيمة الضرع. وقد أضرعت : نزل اللبن في ضرعها لقرب نتاجها نحو ألبن : كثر لبنه. وضرع الحمل : تناول ضرع أمّه.

فصل الضاد والعين

ض ع ف :

قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ)(٥). الضّعف يقابل القوة. وغالب ورودهما في الأجسام الحيوانية. وقرئ بضمّ الفاء وفتحها فقيل : لغتان ؛ فقال الخليل بالضمّ في البدن وبالفتح في العقل والرأي ؛ فقوله تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً)(٦) فهذه ثلاثة أضعاف كلّ منها غير الآخر ، وذلك أنّ الضعف [الأول] إشارة إلى كونه من نطفة أو تراب. والثاني إلى كونه جنينا. والثالث إلى ضعف الشيخوخة والهرم ؛ وهو المشار إليه بقوله : (أَرْذَلِ الْعُمُرِ)(٧)(أَسْفَلَ

__________________

(١) ٥٥ الأعراف : ٧.

(٢) ٦ الغاشية : ٨٨.

(٣) في الأصل : يرمي في ، فأسقطناها.

(٤) في الأصل : له ذو ، فأسقطناها.

(٥ و ٦) ٥٤ الروم : ٣٠.

(٧) ٧٠ النحل : ١٦.

٤٣٧

سافِلِينَ) (١) (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ)(٢) .. وأمّا القوتان فأولهما المجعولة للطفل من التحرّك ٢٠٧ وهدايته لاستدعاء اللبن ودفع الأذى عن نفسه بالبكاء. والثانية ما بعد البلوغ ، ويدلّ على كون كلّ واحد من المذكورات غير الآخر إعادته منكّرا إذ هو من قواعد اللغة أنه متى ذكرت نكرة وأريد إعادتها عرّفت نحو (فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ)(٣) فإن نكّرت عرّفت به غير الأول. ومن ثمّ روي عن ابن عباس ، ويروى مرفوعا أيضا لن يغلب عسر يسرين (٤) من هذه الحيثية التي ذكرناها والله أعلم. والجمع أضعاف.

والضعيف : من كان به الضّعف وجمعه ضعفاء ، ومنه : (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ)(٥) ، وضعاف ومنه : (مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً)(٦). وقوبل تارة بالقوة وتارة بالاستكبار ، ومنه : (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا)(٧). قوله : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً)(٨) إشارة إلى كثرة حاجاته التي استغنى عنها الملأ الأعلى. قوله : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً)(٩) فضعفه إنما هو مع من وفّقه من عباده الذين أشار إليهم بقوله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ)(١٠). قوله تعالى : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ)(١١) أي مثلي عذاب غيرهم. قال الهرويّ : والضّعف : المثل إلى ما زاد. ونقل ابن عرفة عن أبي عبيدة أن الضعفين إثنان. قال : وهذا قول لا أحبّه لأنه قال في آية أخرى : (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ)(١٢) فأعلم أنّ لها من هذا حظّين ومن هذا حظّين. وقد أتقن ذلك بعضهم فقال (١٣) : الضّعف من الأسماء

__________________

(١) ٥ التين : ٩٥.

(٢) ٦٨ يس : ٣٦.

(٣) ١٦ المزمل : ٧٣.

(٤) من حديث عمر. النهاية : ٣ ٢٣٥.

(٥) ٢٦٦ البقرة : ٢.

(٦) ٩ النساء : ٤.

(٧) ٣٢ سبأ : ٣٤.

(٨) ٢٨ النساء : ٤.

(٩) ٧٦ النساء : ٤.

(١٠) ٤٢ الحجر : ١٥.

(١١) ٣٠ الأحزاب : ٣٣.

(١٢) ٣١ الأحزاب : ٣٣.

(١٣) مذكور في المفردات : ٢٩٦ إلى قول أبي بكر.

٤٣٨

المتضايفة التي يقتضي وجود أحدها وجود الآخر كالنّصف والزّوج ، وهو تركّب قدرين متساويين ، ويختصّ بالعدد ؛ فإذا قيل : أضعفت الشيء وضعّفته وضاعفته : ضممت إليه مثله فصاعدا. قال : فالضّعف مصدر ، والضّعف اسم كالشّيء والشّيء. فضعف الشيء هو الذي يثنّيه. ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد مثله ، نحو أن يقال : ضعف عشرة وضعف مئة ، فذلك عشرون ومئتان بلا خوف. قال الشاعر على هذا (١) : [من الطويل]

جزيتك ضعف الودّ لمّا اشتكيته

وما إن جزاك الضّعف من أحد قبلي

وإذا قيل : أعطه ضعفي واحد اقتضى ذلك ومثليه ، وذلك ثلاثة ، لأنّ معناه الواحد واللذان يزاوجانه وذلك ثلاثة. هذا إذا كان مضافا ، فإن لم يكن مضافا فقلت : الضّعفين فإنّ ذلك قد يجري مجرى الزوجين في أنّ كلّ واحد منهما يزاوج الآخر فيقتضي ذلك اثنين لأنّ كلّ واحد منهما يضاعف فلا يخرجان عن الاثنين بخلاف ما إذا أضيف الضّعفان إلى واحد فيثلّثهما. وقال أبو بكر بإسناده عن هشام بن معاوية النّحويّ عن أبيه قال : العرب تتكلم بالضّعف مثنّى فتقول : إن أعطيتني درهما فلك ضعفه.

قوله : (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً)(٢) قيل : أتى باللفظين على التأكيد. وقيل : بل بالمضاعفة من الضّعف ـ بالفتح ـ لا من الضّعف ـ بالكسر ـ قيل : ومعناه ما يعدّونه ضعفا هو ضعف أي نقص كقوله : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ)(٣). قوله : (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ)(٤). سألوا أن يعذّبهم عذابا بضلالهم وعذابا آخر بإضلالهم كما أشار بقوله تعالى : (لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ)(٥). وقوله : (لِكُلٍّ ضِعْفٌ)(٦) ، أي لكلّ منهم ضعف ما لكم من العذاب ، وقيل ؛ أي لكل منكم ومنهم ضعف ما بدا للآخر ؛ فإنّ من العذاب ظاهرا وباطنا. وكلّ لا يدرك من الآخر إلا

__________________

(١) البيت لأبي ذؤيب (ديوان الهذليين : ١ ٣٥) ، وفيه : لما شكيته. ورواية اللسان ـ مادة ضعف : لما استبنته. والأصل يطابق ما جاء في المفردات.

(٢) ١٣٠ آل عمران : ٣.

(٣) ٢٧٦ البقرة : ٢.

(٤) ٣٨ الأعراف : ٧.

(٥) ٢٥ النحل : ١٦.

(٦) ٣٨ الأعراف : ٧.

٤٣٩

الظاهر دون الباطن فيقدّر أن ليس له العذاب الباطن. قوله تعالى : (إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ)(١) أي ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات على تقدير ركونك إلى ما استدعوك. وليس في هذا الخطاب غضّ منه عليه الصلاة والسّلام ولا نقص من مرتبته ولا وعيد له ، وإنما ذكره تعالى منة عليه بالتّثبيت بالنبوّة.

قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)(٢) أي المتصدّقون ابتغاء وجه الله تعالى ، أولئك هم أصحاب التّضعيف أي زيادة الحساب لأنهم يجازون بالحسنة عشرة أمثالها ، ولا إضعاف أكثر من ذلك. يقال : أضعف الرجل فهو مضعف ، أي ذو أضعاف في الحسنات. قوله : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ)(٣) قال ابن الأنباريّ : يريد جزاء المضاعفة فألزم التضعيف التّوحيد لأن المصادر ليس سبيلها التثنية والجمع يزيدون مثله ، وإفراده لا بأس به ، إلا أن التثنية أحسن. قال أبو عبيدة : ضعف الشيء مثله ، وضعفاه مثلاه. وقوله : (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ)(٤) يجعل إلى الشيء شيئان حتى يصير ثلاثة.

قلت : قد تقدّم حكاية ابن عرفة عنه في ذلك. وقوله : إنه لا يحبّه ، أي لا يختاره لقوله : (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) كما مرّ شرحه. وقال الأزهريّ : الضّعف في كلام العرب : المثل إلى ما زاد وليس بمقصور على مثلين فيكون ما قال أبو عبيدة صوابا بل جائز في كلام العرب أن نقول : هذا ضعفه ، أي مثلاه وثلاثة أمثاله ، لأنّ الضعف في الأصل زيادة غير محصورة. ألا ترى قوله تعالى : (فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا) لم يرد به مثلا ولا مثلين ولكنّه أراد بالضّعف الأضعاف وأولى الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله لقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها)(٥) فأقلّ الضعف محصور وهو المثل وأكثره غير محصور. وإنّما أوسعت الكلام لاختلاف الناس فيه حتى اختلف الفقهاء في ما لو أوصى موص لزيد بضعف ما لابنه ما ذا يعطى ، ومذهبنا أنّ ضعف الشيء هو مثله ، وضعفاه هو مثلاه ، وهلمّ جرّا.

__________________

(١) ٧٥ الإسراء : ١٧.

(٢) ٣٩ الروم : ٣٠.

(٣) ٣٧ سبأ : ٣٤.

(٤) ٣٠ الأحزاب : ٣٣.

(٥) ١٢٠ الأنعام : ٦.

٤٤٠