عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

فصل الصاد والكاف

ص ك ك :

قوله تعالى : (فَصَكَّتْ وَجْهَها)(١) أي لطمته. ويقال : إنه ضرب الوجه بأطراف الأصابع تفعله النساء. وفي الحديث : «كان يستظلّ بجفنة عبد الله بن جدعان صكّة عميّ» (٢). هذا اللفظ صار علما على الهاجرة وشدة القيظ في وسط النهار. ومنه : لقيته صكّة عميّ. وعميّ تصغير أعمى ترخيما. والأصل في ذلك ـ والله أعلم ـ أن الإنسان في هذا الوقت يظلل على عينيه لينظر في الفلاة فيضع يده على جبهته ، فكأنه صكّ وجهه وجعل قريبا من الأعمى ، ولذلك صغّروه ولم يصغّروه كاملا بل محذوفا منه منبهة على ذلك.

فصل الصاد واللام

ص ل ب :

قوله تعالى : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ)(٣) يعني أنّ الماء الذي يخلق منه الإنسان هذا مقرّه صلب الرجل ، وترائب المرأة وهي عظام صدرها ، تنبيه على ذلك حتى لا يتكبّر ، فعكس أكثر الناس ذلك. ولو لا الأنبياء ومن وفّقه الله لقلب كلّ الناس. وأصل الصّلب هو الشيء الشديد. والصّلابة : الشدّة. ومنه صلب الرجل وهو ظهره ، ولقوته قالوا : ظاهره إذا عاونه كأنّه ساعده بأقوى ما فيه وأشدّه. قوله : (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ)(٤) قيل : إنّما قال ذلك تنبيها أن الولد جزء من والده. والصّلب والصّلب والصالب بمعنى واحد ؛ لغات ثلاث. قال العباس رضي الله عنه يمدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٥) : [من المنسرح]

__________________

(١) ٢٩ الذاريات : ٥١.

(٢) النهاية : ٣ ٤٣ ، وفيه : ... بظل جفنة.

(٣) ٧ الطارق : ٨٦. الترائب : عظام الصدر أو الأطراف من كل منهما ، أو يخرج من كل البدن منهما والصلب والترائب كناية عنه.

(٤) ٢٣ النساء : ٤.

(٥) النهاية : ٣ ٤٤. وكذا في اللسان والقاموس ـ مادة صلب. وفيهما بفتح اللام في «صالب».

٤٠١

تنقل من صالب إلى رحم

إذا مضى عالم بدا طبق

قيل : وسمي الظهر صلبا لأنه يخرج منه ما يشبه الصليب وهو الودك ، منه سمي المصلوب مصلوبا لما يسيل من ودكه عند صلبه. وأنشد لعلقمة بن عبدة يصف فلاة (١) : [من الطويل]

بها جيف الحسرى فأمّا عظامها

فبيض وأمّا جلدها فصليب

وسمي المصلوب بذلك لأنه يشدّ صلبه على الخشب غالبا. وفي الحديث : «لمّا دخل مكة أتاه أصحاب الصّلب» (٢) هم قوم يجمعون العظام بعد أكل (٣) لحمها ، فيطبخونها ليخرج صليبها فذلك هو الصّلب والاصطلاب. وثوب مصلّب : عليه صور الصّليب ، وهو الخشب الذي يصلب عليه. ومن ثمّ عظّمت النصارى هذه الهيئة لأنّهم يزعمون ـ وقد كذبوا ـ أنّ عيسى صلب عليه. والصّالب من الحمّى : ما يسيل ودك المحموم أو ما يكسر صلبه. وصلّبت السّنان : شحذته بالصّلبيّة ؛ وهي حجارة المسنّ ، لصلابتها.

ص ل ح :

قوله تعالى : (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)(٤) أي المسلمين العاملين بما أمروا به ونهوا عنه. وزادوا على ذلك بنوافل. والصلاح ضدّ الفساد ، ويختصّان في غالب أحوال الاستعمال بالأفعال. وقد قوبل في التنزيل تارة بالفساد وتارة بالسيء. قال تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ)(٥). وقال تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً)(٦) وإصلاح الله تعالى بعض عباده يكون تارة بخلقه إياه كذلك ، وأخرى بإزالة ما فيه من الفساد. وأخرى بالحكم له بذلك.

__________________

(١) شرح بائية علقمة : ٢٤.

(٢) النهاية : ٣ ٤٥.

(٣) الكلمة ساقطة من ح.

(٤) ١٩٦ الأعراف : ٧.

(٥) ١١ البقرة : ٢.

(٦) ١٠٢ التوبة : ٩.

٤٠٢

قوله : (إِنَّ اللهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)(١) لأنّ أعمالهم تضادّ ذلك. قال الراغب (٢) : أي المفسد يضادّ الله في فعله لأنه يفسد ، والله تعالى يتحرّى في جميع أفعاله الصلاح ، فهو لا يصلح عمله. وفي عبارته غلظة. وقيل : لا يوفقهم لعمل الصلحاء. قوله : (وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)(٣) غلب الصلح على المودّة (٤) بين الناس وإزالة ما بينهم من الضّغائن ، والإصلاح فعل ذلك ؛ قال تعالى : (أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)(٥) ، والصلح في الفقه نوع من ذلك ، لأن فيه إزالة خصومة بترك بعض الحقّ. قوله : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(٦) أي اجعلني منهم بأن أحشر في زمرتهم لأنك تتولّاهم ، ومن تولّيته فلا سعادة له أعظم من ذلك. قوله : (وَأَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ)(٧) أي خلقا وخلقا. وقيل : من العقر ، ألا ترى قوله : (وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً)(٨). قوله : (مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ)(٩) وصفهما بأجمل الصفات لأن الصلاح يشمل أمور الدنيا والآخرة.

وصالح النبيّ المشهور من ذلك. وصلاح : علم لمكنّى مبنيّ على الكسر كحذام وقطام. وهذه لغة الحجاز ، ولغة تميم إعرابه غير منصرف. وقد جمع بين اللغتين من قال (١٠) : [من الوافر]

إذا قالت حذام فصدّقوها

فإنّ القول ما قالت حذام

وقال الحارث بن أمية يذكر مكة ، شرّفها الله تعالى بهذا الاسم (١١) : [من الوافر]

__________________

(١) ٨١ يونس : ١٠.

(٢) المفردات : ٢٨٥.

(٣) ١٢٨ النساء : ٤.

(٤) وفي الأصل : الموادّة.

(٥) ١١٤ النساء : ٤.

(٦) ١٠١ يوسف : ١٢.

(٧) ٩٠ الأنبياء : ٢١.

(٨) ٥ مريم : ١٩.

(٩) ١٠ التحريم : ٦٦ ، ورسمها مضطرب في الأصل.

(١٠) من شواهد المغني رقم ٣٨١.

(١١) الأبيات مذكورة في اللسان ـ مادة صلح. يعزوها لحرب بن أمية يخاطب فيها أبا مطر الحضرمي. ويقول ـ

٤٠٣

أبا مطر هلمّ إلى صلاح

فتكفيك النّدامى من قريش

وتأمن وسطهم وتعيش فيهم

أبا مطر هديت بخير عيش

وتسكن بلدة عزّت لقاحا

وتأمن أن يزورك ربّ جيش

قال الهرويّ : قرأت في شعر الدّريديّ في مفاخرة (١) : [من الكامل]

منّا الذي بصلاح قام مؤذّنا

لم يستكن لتهدّد وتنمّر

قال : يعني خبيب بن عديّ. قلت : يشير إلى قتله وصلبه رضي الله عنه حين قتله المشركون بمكة وصلبوه ، شبّهه بالمؤذن.

ص ل د :

قوله تعالى : (فَتَرَكَهُ صَلْداً)(٢) أي نقيا. وأصله الحجر الصّلب ، وهو الذي لا ينبت شيئا. ومنه : رأس صلد ، أي لا ينبت شعرا. وناقة صلود ومصلاد : قليلة اللبن. وفرس صلود : لا يعرق. وصلد الزّند : لا يخرج ناره. وعود صلد : لا يقدح نارا.

ص ل ص ل :

قوله تعالى : (مِنْ صَلْصالٍ)(٣). الصّلصال : الطين اليابس الذي له صوت وصلصلة. وأصل الصّلصلة ، تردّد الصوت من الشيء اليابس. ومنه : صلّ المسمار وصلصل (٤). والصّلصلة : بقية الماء أيضا ، سميت بذلك لحكاية صوت حركته في المزادة (٥). وقيل : الصّلصال : المنتن المتغير ، من قولهم : صلّ اللحم ، وصلّل وأصلّ.

__________________

ـ ابن منظور : وقيل : هو للحرث بن أمية. وقال ابن بري : الشاهد في هذا الشعر صرف صلاح ؛ قال : والأصل فيها أن تكون مبنية كقطام.

(١) البيت شاهد على أن صلاح بالكسر من غير صرف. وهو لخبيب بن عديّ كما في اللسان ـ مادة صلح. وهو خبيب بن عدي بن مالك بن عامر الأنصاري الأوسي ، صحابي شهد بدرا. قتله المشركون.

(٢) ٢٦٤ البقرة : ٢.

(٣) ٢٦ الحجر : ١٥ ، وغيرها.

(٤) صلّ المسمار : إذا ضرب فأكره أن يدخل في شيء.

(٥) في الأصل : المراق ، وصوّبناها من المفردات : ٢٨٤.

٤٠٤

والأصل صلّال فأبدل اللام الثانية من جنس فاء الكلمة تخفيفا. وقد قرئ : أئذا صلّلنا في الأرض (١) بالمهملة ، أي أنتنّا وتغيّرنا. وفي الحديث : «كل ما ردّت عليك قوسك ما لم تصلّ» (٢) أي تنتن ، وقيل : الصّلصال : ما لم يطبخ بالنار ، فإذا طبخ فهو فخّار.

ص ل و :

قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ)(٣). الصلاة لغوية وشرعية ؛ فاللغوية : الدّعاء ؛ قال الأعشى (٤) : [من البسيط]

تقول بنتي ، وقد قرّبت مرتحلا

يا ربّ جنّب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثل الذي صلّيت فاغتمضي

يوما فإنّ لجنب المرء مضطجعا

وقال آخر : [من الطويل]

لها حارس لا يبرح الدهر ينهها

وإن ذبحت صلّى عليها وزمزما

وأمّا الشرعية فذات الأركان المعلومة ، وهي مشتقّة من ذلك ، لأنها مشتملة على الدّعاء ؛ وهذا عند من لم يثبت أسماء شرعية. وفي الحديث : «إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب فإن كان صائما فليصلّ» (٥) أي ليدع. وقيل : هي مشتقّة من الصّلوين ؛ عرقين (٦) ؛ لأنّ المصلّي يحركهما عند حركته فيها. ومنه المصلّي في حلبة السّباق ، لأنه يضع رأسه عند صلوي السابق. قال الشاعر (٧) : [من البسيط]

إن ينتدب غاية يوما لمكرمة

تلقي السّوابق منّا والمصلّينا

__________________

(١) ١٠ السجدة : ٣٢. قرأها الإمام علي «ضللنا» وكذلك الحسن. وعن الحسن أيضا «صللنا» أي دفنّا في الصّلّة وهي الأرض الصلبة. وعن يحيى بن وثاب «ضللنا». وعن أبي حيوة «ضلّلنا» (مختصر الشواذ : ١١٨).

(٢) النهاية : ٣ ٤٨.

(٣) ٣ البقرة : ٢.

(٤) وفي الأصل : النابغة وهو وهم محض ، وفي الرواية اضطراب. والتصويب من الديوان : ١٠١.

(٥) النهاية : ٣ ٥٠ ، أي ليدع لأهل الدعوة بالمغفرة والبركة.

(٦) هما أول موصل الفخذين من الإنسان فكأنهما مكتنفا العصعص.

(٧) البيت لبشامة بن حزن النهشلي كما في الحماسة للمرزوقي : ١ ١٠٣.

٤٠٥

ومن كلام عليّ رضي الله عنه : «سبق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصلّى أبو بكر» (١). وقيل : هي مشتقة من الصّلاء ، وهو النار لأنه إذا فعل هذه العبادة فقد درأ عن نفسه الصّلاء ، وهذا مردود بأنّ تلك مادة أخرى كما سيأتي. ويقال : الصّلاة من الله تعالى لعباده تزكية لهم وبركة عليهم. ومن الملائكة استغفار ، ومن الناس الدعاء وهذه العبادة. وقد أتقنّا الكلام على هذه المادة وما قيل فيها بأطول من هذا ، وذكرنا شواهدها في «الدرّ».

قوله تعالى : (لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ)(٢) قيل : هي كنائس اليهود يصلّون فيها. وقيل : هي الصّلوات ، وذلك على حذف مضاف أي مواضع صلوات. قيل : وكلّ موضع مدح الله تعالى فعل الصلاة أو حثّ عليه (٣). ذكر ذلك [بلفظ](٤) الإقامة تنبيها أنّ المقصود من فعلها توفية حقوقها وشرائطها لا الإتيان بهيئتها فقط ، ولهذا روي أنّ المصلين كثير وأنّ المقيمين لها قليل. وقوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ)(٥) أي غافلون عن استحضارها وإن كانوا فيها ؛ فكم من مصلّ قلبه في معاشه وأذى الناس. وفي التفسير : ما تركوها وإنما أخّروها عن وقتها. وكذا قوله : (أَضاعُوا الصَّلاةَ)(٦)(وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى)(٧) تنبيها أنّ فعلهم لها بتكلف لا عن طواعية وذلك لما كانوا يصلّونه تقيّة واتقاء لأنفسهم وذراريّهم وأموالهم كفعل كثير من الناس إن فعلوا. قيل : ولم يقل المصلّين إلا في المفرطين والمنافقين كقوله : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ)(٨)(لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)(٩) أي من الذين صلّوا إخلاصا لا نفاقا. وقيل : من أتباع الأنبياء.

__________________

(١) النهاية : ٣ ٥٠. صلّى هنا : جاء ثانيا في السباق. وتمام الحديث : «وثلّث عمر» والثالث في السباق هو المسلّي.

(٢) ٤٠ الحج : ٢٢. صلوات اليهود : كنائسهم (اللسان ـ صلا) وأصلها بالعبرية : صلوتا.

(٣) وفي الأصل : عليها.

(٤) إضافة مناسبة للسياق من المفردات : ٢٨٥.

(٥) ٥ الماعون : ١٠٧.

(٦) ٥٩ مريم : ١٩.

(٧) ٥٤ التوبة : ٩.

(٨) ٤ الماعون : ١٠٧.

(٩) ٤٣ المدثر : ٧٤.

٤٠٦

قوله : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى)(١) تنبيه أنّه لم يكن ممّن يصلّي ، أي يأتي بهيئتها فضلا عن إقامته لها. قوله : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ)(٢). ثم قال : (عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ)(٣) ذكرهما بوصفين أحدهما أشرف من الآخر ، وهو مخّ العبادة الذي هو الخشوع ، حتى جعله بعضهم شرطا في صحتها. ورأى عليه الصلاة والسّلام رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه» (٤). ثم وصفهم بالمحافظة عليها ويدخل تحته أشياء كثيرة بيانها في غير هذا. قوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً)(٥) تنبيه على إبطال صلاتهم ، وأنّ فعلهم ذلك لا اعتداد به ، بل هم في ذلك كطيور تمكو وتصدي. وقيل : لم يصلّوا البتّة وإنما جعلوا ذلك بدل صلاتهم كقوله : [من الوافر]

تحية بينهم ضرب وجيع

وقد مرّ مثله. ومثله قوله تعالى : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(٦).

ص ل ي :

قوله تعالى : (لا يَصْلاها)(٧) أي لا يدخلها ويلاقي صلاها ، وهو حرّها وإيقادها. يقال : صليت الشاة : شويتها ، فهي مصليّة. قال الخليل : صلي الكافر النار : قاسى حرّها وقال : صلاه النار ، وأصلاه إياها. والصّلا ـ بالفتح ـ اتّقاؤها وإضرامها. وبالكسر النار نفسها. وقيل : يقال في النار نفسها : صلا ـ بالفتح والكسر ـ إلا إذا فتحت قصرت ، وإذا كسرت مددت. وقرئ قوله : (وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(٨) من صلى ـ ثلاثيا ـ وصلّى ـ رباعيا.

__________________

(١) ٣١ القيامة : ٧٥.

(٢) ٢ المؤمنون : ٢٣.

(٣) ٣٤ المعارج : ٧٠.

(٤) كنوز الحقائق ، ورقة ٦٢.

(٥) ٣٥ الأنفال : ٨. مكاء وتصدية : صفيرا وتصفيقا.

(٦) ٨٢ الواقعة : ٥٦.

(٧) ١٥ الليل : ٩٢.

(٨) ١٠ النساء : ٤.

٤٠٧

وصليت العود بالنار : أدخلته فيها ليقوّم. قوله : (أَوْلى بِها صِلِيًّا)(١) قيل هو جمع صال. قوله : (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ)(٢) أي الداخل فيها. قال الشاعر : [من الخفيف]

لم أكن من حماتها علم الل

ه وإني لحرّها اليوم صال

قوله : (تَصْطَلُونَ)(٣) أي تستدفئون بالنار ؛ تفتعلون من الصّلا. قال الشاعر : [مجزوء الخفيف]

ما اصطلى النار مصطلي

فصل الصاد والميم

ص م ت :

قوله تعالى : (أَمْ أَنْتُمْ صامِتُونَ)(٤) أي ساكتون. يقال : صمت يصمت صمتا : إذا لم يتكلّم. وفي الحديث : «إنّ من الصّمت لحكمة». وأصمت المريض : اعتقل لسانه. وفي الحديث : «دخلت عليه يوم أصمت» (٥). وقد أصمت أمامه : أي اعتقل لسانه. وصمتة (٦) الصبيّ : ما يسكت [به](٧) كالسّكتة. ومنه قيل للتّمرة : صمتة الصّبيان ؛ لأنهم إذا أعطوها سكتوا وصمتوا. وأصمتّه وصمتّه : إذا قضيت حاجته ، وذلك لأنه يسأل حاجته ، فإذا قضيت سكت. فجعل ذلك كناية لأنه لازمها وقال الشاعر يذكر حمله (٨) : [من الرجز]

إنّك لا تشكو إلى مصمّت

فاصبر على الحمل الثّقيل أو مت

__________________

(١) ٧٠ مريم : ١٩.

(٢) ١٦٣ الصافات : ٣٧.

(٣) ٧ النمل : ٢٧ ، وغيرها.

(٤) ١٩٣ الأعراف : ٧.

(٥) النهاية : ٣ ٥١.

(٦) وفي الأصل : وصمت.

(٧) إضافة يقتضيها السياق.

(٨) اللسان ـ مادة صمت.

٤٠٨

والصّموت : الكثير الصمت.

ص م د :

قوله تعالى : (اللهُ الصَّمَدُ)(١) هو السّند الذي يصمد إليه في الأمور ، أي يقصد. يقال : صمد صمده أي قصد قصده معتمدا عليه. وقيل : هو الذي ليس بأجوف. قال بعضهم (٢) : والذي ليس بأجوف شيئان أحدهما لكونه أدون من الإنسان كالجمادات ، والثاني أعلى منه وهو الباري تعالى والملائكة. والقصد الأول بقوله : (اللهُ الصَّمَدُ) تنبيه أنه بخلاف من أثبتوا له الألوهية ، وإليه أشار بقوله : (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ)(٣). وقيل : الصّمد : الدائم الباقي. وقيل : من انتهى إليه السؤدد. وفي حديث عمر : «إياكم وتعلم الأنساب فو الذي نفس عمر بيده لو قلت لا يخرج من هذا الباب إلا صمد لم يخرج إلا أقلّكم» (٤) أي من انتهى إليه السّؤدد. وقيل : الصّمد : المرتفع الرّتبة. ومنه بناء مصمد أي مرتفع عال. والصّمد بسكون العين : ما شرف من الأرض وعلا.

ص م ع :

قوله تعالى : (صَوامِعُ)(٥) جمع صومعة وهي متعبّدات النّصارى ، وكلّ بناء متصمّع الرأس ، أي متلاصقه. ومنه رجل أصمع أي لاصقة أذنه برأسه. وقيل لصغير الأذن من الناس وغيرهم. ومن كلام عليّ رضي الله عنه : «كأني برجل أصلع أصمع» (٦). وفي حديث ابن عباس : «كان لا يرى بأسا أن يضحّى بالصّمعاء» (٧). ويقال : قلب أصمع (٨) ،

__________________

(١) ٢ الإخلاص : ١١٢.

(٢) وهو مذكور في المفردات : ٢٨٦.

(٣) ٧٥ المائدة : ٥.

(٤) النهاية : ٣ ٥٢.

(٥) ٤٠ الحج : ٢٢.

(٦) النهاية : ٢ ٥٣ ، وفيه «رجل» من غير باء ، والصواب ما ذكرنا.

(٧) النهاية : ٢ ٥٣. الصمعاء : الصغيرة الأذنين.

(٨) قلب أصمع : ذكي متوقد فطن.

٤٠٩

أي قويّ كالبناء مجتمع ، أي جرى فيه عكس من قيل فيهم : «وأفئدتهم» (١). وكلاب صمع الكعوب أي قوية ليست (٢) بجوفها. قال النابغة (٣) : [من البسيط]

صمع الكعوب بريّات من الحرد

والصّمعاء : البهمى قبل أن تتفقّأ لتضامّها.

ص م م :

قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ)(٤) الصّمم فقدان حاسة السّمع ، وبه شبّه من لا يصغي إلى الحقّ ولا يقبله. والقوم ـ كانوا ـ سامعون ناطقون مبصرون ، لكن لمّا لم يسمعوا القرآن ولم يقرؤوه ولم ينظروا في دلالاته جعلوا كذلك ، وليتهم كانوا فاقدين لهذه الحواسّ خاصّة إنّما المصيبة في فقدان تلك البصائر. وأصل الصّمم السدّ. ومنه صممت القارورة : إذا شددت رأسها. ويشبّه من لا صوت له بالصمم ، فيقال : صمّ فلان : إذا لم ينطق ، كأنه من باب اللازم غالبا. وفي المثل : «صمّت حصاة بدم» (٥) أي أنّ الدم لم ألقي فيه حصاة لم تسمع لها حركة. واشتمال الصّمّاء : أن يلتفّ [المصلّي](٦) بالرداء ونحوه حتى لا يبقى له موضع يخرج يده منه ، وقد نهى عنها. وتقدّم فيه وجهان.

وصمّم في الأمر : مضى فيه. ومنه : الصّمّة للشجاع ، لأنه يصمّم على الإقدام. وقيل : لأنه يصمّ على الإقدام. وقيل : لأنه يصمّ بالضّربة (٧). ودريد بن الصّمّة. وضربة صمّاء ، أي تصمّ من تقع به ، أي ذات صمم. وقيل : ماضية. والصّمّان : أرض غليظة.

__________________

(١) ٤٣ إبراهيم : ١٤ (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ).

(٢) وفي ح : ليس.

(٣) عجز للذبياني ، وصدره كما في اللسان : ٨ :

فبثّهنّ عليه واستمرّ به

بريات من الحرد : ليس بهن عيب.

(٤) ١٨ البقرة : ٢.

(٥) المستقصى : ٢ ١٤٢ ، يضرب في اشتداد الخطب.

(٦) إضافة يقتضيها السياق. والكلام من حديث : «أنه نهى عن اشتمال الصماء».

(٧) في الأصل من غير باء.

٤١٠

وعنه ورّى رجل من بني العنبر بجمله الأصهب (١). وستأتي حكايته مستوفاة في باب لحن القول إن شاء الله تعالى.

فصل الصاد والنون

ص ن ع :

قوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ)(٢) أي صنعته وخلقه. والصّنع : إجادة الفعل ؛ فكلّ صنع فعل وليس كلّ فعل صنعا. ولا يجوز نسبته إلى الحيوانات غير الآدميين ولا إلى الجمادات. وإن كان الفعل ينسب إليها تقول : فعل الحمار كذا ، وفعل الحجر كذا ، ولا تقول : صنعا. ولا يقال : صنع إلا للحاذق المجيد. وامرأة صناع : تتقن ما تعمله ، ضدّ الخرقاء. وقالت عاتكة بنت عبد المطلب : «إني صناع فلا أعلّم وحصان فلا أكلّم». والصّنيعة : ما اصطنعته من خير. وكني بالمصانعة عن الرّشوة. قوله : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي)(٣). قيل : الاصطناع : المبالغة في إصلاح الشيء. قوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) كناية عن تربيته إلى أن شبّ وبلغ أشدّه ، وجعله بمنزلة الشيء المصنوع بمرتقاه ممّن يصطنعه. فقوله : (عَلى عَيْنِي) ، أي على حفظي لك وكلاءتي إياك ، أي بمرأى مني ومسمع ، كقوله : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى)(٤) أي أحفظكما ، وإلا فالباري تعالى يسمع ويرى مع كلّ أحد. وعن بعض الحكماء : أنّ الله تعالى إذا أحبّ عبدا تفقّده كما يتفقّد الصديق صديقه.

قوله : (وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ)(٥) قيل : هي مجاري الماء. وقيل : الأصناع ، واحدها

__________________

(١) وهي حكاية مشهورة عن رجل كّنى عن متاعه بكلام ملحون. ولحن القول يريد هذا الفنّ أو يريد «لحن القول» الآية.

(٢) ٨٨ النمل : ٢٧.

(٣) ٣٩ طه : ٢٠.

(٤) ٤٦ طه : ٢٠.

(٥) ١٢٩ الشعراء : ٢٦.

٤١١

صنع (١) وقيل : المصانع : ما شيّد من القصور وزخرف من الدّور. والكلّ مراد ؛ فإنّ القوم فعلوا كلّ ذلك. وفي الحديث : «اصطنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاتما» (٢) سأل أن يصنع له. والصنيعة : الإحسان ، ومنه قيل : الصّنيعة تذهب القطيعة. وقال الشاعر : [من الكامل]

وإن امرأ أسدى إليّ صنيعة

وذكّرنيها مرة لبخيل (٣)

ص ن م :

قوله تعالى : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ)(٤) جمع صنم وهو الجثة المتخذة من خشب أو حجر أو نحاس ، فتعبد متقرّبا بها إلى الله تعالى. وقيل : كلّ ما عبد من دون الله فهو صنم. وقيل : بل كلّ ما شغل عن الله ، حتى قال بعض الحكماء : معلوم أنّ خليل الرحمن كان يعلم من الله مع تحقّقه بمعرفته واطلاعه على حكمته لم يكن ممن يخاف أن يعود إلى عبادة الأصنام ، فكأنّه قال : اجنبني عمّا يشغلني عنك ويصرف وجهي إليه. قال ابن عرفة : كلّ ما اتّخذ وله صورة فهو صنم ، وإن لم يكن له صورة فهو وثن ، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

ص ن و :

قوله تعالى : (صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ)(٥) وهو أن يكون الأصل واحدا وتتفرع منه النخلتان والثلاث فأكثر. وقيل : هو الغصن الخارج من أصل شجرة. يقال : هما صنوا دوحة. والظاهر اختصاص ذلك بالنخل والبقل. وفي الحديث : «عمّ الرجل صنو أبيه» (٦) أي أنّ أصلهما واحد. ومنه «العباس صنو أبي» (٧) ويستوي المثنّى والجمع حالة الوقف في

__________________

(١) الأصناع : أحباس الماء.

(٢) النهاية : ٢ ٥٦.

(٣) جاء في هامش الورقة .. ٢ : الصناعة علم متعلق بكيفية العمل سواء حصل بمزاولة العمل كعلم الخياطة أو بدونها كعلم الطب. وقد يطلق على ملكة المقتدر بها على استعمال موضوعات ما على وجه البصيرة لتحصيل غرض من الأغراض بحسب الإمكان.

(٤) ٣٥ إبراهيم : ١٤.

(٥) ٤ الرعد : ١٣.

(٦) النهاية : ٣ ٥٧.

(٧) وفي النهاية : «العباس صنوي». الصنو : المثل.

٤١٢

هذه اللفظة (١) وفي قنوان إذ يقال صنوان وقنوان ، فإذا وصلت قلت : صنوان في التثنية وصنوان في الجمع ، هذا إذا رفعت المثنّى. فإذا نصبته أو جررته فلا اشتباه ، وهذا من ملح علم الإعراب ، ولا ثالث لهما. ويجمع الصّنو أيضا في القلّة على أصنة ، وفي الكثرة على صنى وصنى (٢).

فصل الصاد والهاء

ص ه ر :

قوله تعالى : (فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً)(٣) أي قريبا من جهة النكاح. والأصهار : أقارب الزوج أو الزوجة. ومنه الحديث : «كان يؤسّس مسجد قباء فيصهر الحجر العظيم إلى بطنه» (٤) أي يقرّبه. يقال : صهره وأصهره أي قرّبه. وقال بعض أهل اللغة : الصّهر : الختن. وأهل بيت المرأة يقال لهم الأصهار ، وكذا قاله الخليل. وقال ابن الأعرابّي : الإصهار : التّحرّم بجوار أو نسب أو تزوّج. يقال : رجل مصهر : إذا كان له تحرّمّ من ذلك. قوله تعالى : (يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ)(٥) أي يذاب. والصّهر : إذابة الشيء ، والصّهارة (٦) : ما ذاب منه. قال أعرابيّ : لأصهرنّك بيميني مرّة. وصهرت الشحم : أذبته وصهرته. والصّهر والهصر يتقاربان ؛ يقال : هصرت الغصن ، أي أذبته فكأنه مقلوب من هصرت أي قربت ودنوت.

__________________

(١) يعني بالسكون.

(٢) لم يذكرهما ابن منظور ، وجمع الصنو على : الصنوان والأصناء.

(٣) ٥٤ الفرقان : ٢٥.

(٤) النهاية : ٣ ٦٣.

(٥) ٢٠ الحج : ٢٢.

(٦) وفي الأصل : إصهاره.

٤١٣

فصل الصاد والواو

ص و ب :

قوله تعالى : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً)(١) أي سدادا من القول. والصواب : ضدّ الخطأ ؛ قيل : وهو يقال على وجهين : أحدهما باعتبار الشيء في نفسه. فيقال : هذا صواب إذا كان مرضيّا محمودا بحسب مقتضى الشرع والعقل ، نحو قولهم : تحرّي العدل صواب والكرم صواب. والثاني يقال باعتبار الفاعل إذا أدرك المقصود بحسب ما يقصده. فيقال : أصاب كذا ، أي وجد ما طلب. نحو أصابه السهم ، وذلك على أنواع. الأول أن يقصد ما يحسن مقصده فيفعله. وذلك هو الصواب التامّ الذي يحمد به. والثاني أن يقصد ما يحسن فعله فيتأتّى منه غيره لتقديره بعد اجتهاده أنه صواب ، وذلك هو المراد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كلّ مجتهد مصيب» (٢) ، وروي : «المجتهد مصيب فإن أخطأ فله أجر» كما روي : «من اجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر». والثالث أن [يقصد](٣) صوابا فيتأتّى منه خطأ لعارض من خارج نحو : من يقصد رمي صيد فيصيب إنسانا فهذا معذور. والرابع أن يقصد ما يقبح فعله ولكن يقع خلاف ما يقصده فيقال : أخطأ في قصده وأصاب الذي قصده. والصّوب (٤) الإصابة ، ومنه : أصاب سهمه : إذا وقع في الغرض ، فيقال : صابه وأصابه ، نحو : جابه وأجابه.

قوله تعالى : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ)(٥). الصّيّب : المطر النازل بشدّة من مكان ، من صاب يصوب إذا نزل ؛ قال الشاعر (٦) : [من الطويل]

ولست لإنسيّ ولكن لملأك

تنزّل من جوّ السماء يصوب

__________________

(١) ٣٨ النبأ : ٧٨.

(٢) الأحاديث الثلاثة في المفردات : ٢٨٨.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

(٤) وفي الأصل : الصواب.

(٥) ١٩ البقرة : ٢.

(٦) الشاهد في اللسان ـ مادة صوب من عير عزو وهو في جمهرة ابن دريد لعبدة بن الطبيب : ٣ ١٧٠.

٤١٤

وقال آخر (١) : [من الكامل]

فسقى ديارك غير مفسدها

صوب الربيع وديمة تهمي

قال بعضهم : جعل الصّوب نزول المطر بقدر ما ينفع ، وإليهه أشار بقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ)(٢) وقال : [من الكامل]

فسقى ديارك غير مفسدها (البيت)

وقيل : الصّيّب : السحاب ، وهو فعيل (٣) من صاب يصوب. والفراء يقول : إنه فيعل (٤) ، والأصل صويب. وتحقيقه في غير هذا من كتبنا. قوله : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ)(٥) ؛ النائبة ، وأصلها في الرّمية ثم اختصّت بالنائبة الفادحة. وأصاب يستعمل في الخير والشرّ. قال تعالى : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا)(٦). وقال بعضهم (٧) : الإصابة في الخير اعتبارا بالصّوب وهو المطر ، وفي الشرّ اعتبارا بإصابة السّهم ، وكلاهما يرجعان إلى أصل واحد. قوله تعالى : (حَيْثُ أَصابَ)(٨) أي أراد. ويحكى أنّ رجلين من أهل اللغة [اختلفا](٩) فيها فخرجا يسألان عنها فلقيا رؤبة فقال لهما : أين تصيبان؟ فقالا : هذه بغيتنا ، ورجعا. وفي الحديث : «من يرد الله به خيرا يصب منه» (١٠) أي يبتليه بمصيبة. يقال : مصيبة ومصوبة ومصابة ، والجمع مصائب ومصاوب ، وهو الأصل. كما قالوا مناور في مناير.

__________________

(١) البيت من شواهد الراغب في المفردات : ٢٨٨. وفي اللسان ـ مادة همي.

(٢) ١٨ المؤمنون : ٢٣.

(٣) وفي ح : فيعل.

(٤) وفي س : فعيل.

(٥) ١٥٥ و ١٥٦ البقرة : ٢.

(٦) ٥٠ التوبة : ٩. وفي الأصل اضطراب في رسمها.

(٧) وقال الراغب كذلك ، المفردات : ٢٨٨.

(٨) ٣٦ ص : ٣٨.

(٩) في الأصل : اختلفوا.

(١٠) النهاية : ٣ ٥٧.

٤١٥

ص و ت :

قوله تعالى : (وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ)(١) الصوت : ما يسمع من المصوّت ، ويؤنّث. قال الشاعر (٢) : [من البسيط]

سائل بني أسد ما هذه الصّوت؟

وقيل : هو الهواء المنضغط عن قرع جسمين ، وهو نوعان : مجرّد عن تنفّس بشيء كالصّوت الممتدّ ، ومتنفّس بصوت ما (٣). ثم المتنفّس ضربان : ضروريّ كما يكون من الجمادات والحيوانات ، واختياريّ كما يكون من الإنسان وذلك ضربان : ضرب باليد كصوت العود ونحوه. وضرب بالفم. ثم الذي بالفم ضربان : نطق وغير نطق كصوت الناي. ثم النطق إمّا مفرد من الكلام وإمّا مركب. قوله تعالى : (لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ)(٤) أمرهم بالتأدّب وأن لا يعلو كلامهم كلامه. وكان جلّة الصحابة وأعزّهم عنده بعدها كأبي بكر وعمر لا يكلمونه إلا السّرار وكآخر السرار. قيل : وإنّما خصّ الصّوت (٥) دون النطق والكلام لأنه أعمّ منهما. وقيل : خصّه لأنّ المكروه رفع الصوت فوق صوته لا رفع الكلام. قاله الراغب (٦) وفيه نظر لأنه متى رفع كلامه رفع صوته ؛ إذ لا يكون كلام إلا مع صوت من غير عكس.

ورجل صيّت : شديد الصوت ، وأصله صيوت كميّت (٧). وخصّ الصوت بالذكر الجميل وإن كان أصله انتشار الصوت بني على فعيل فانقلبت الواو ياء.

__________________

(١) ١٠٨ طه : ٢٠.

(٢) عجز لرويشد بن كثير الطائي ، وصدره كما في اللسان ـ صوت :

يا أيّها الراكب المزجي مطيّته

(٣) وفي الأصل : بصورة ، وصوبناه من المفردات : ٢٨٨.

(٤) ٢ الحجرات : ٤٩.

(٥) يعني خصه بالنهي.

(٦) المفردات : ٢٨٨.

(٧) ووزنه فيعل ، فقلب وأدغم.

٤١٦

ص و ر :

قوله تعالى : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ)(١) قيل : الصّور : قرن فيه أرواح العالم ، فإذا نفخ فيه إسرافيل طارت كلّ روح إلى جسدها فلبسته. وقال الراغب (٢) : هو مثل قرن ينفخ فيه فيجعل [الله] ذلك سببا لعود الصور والأرواح إلى أجسامها (٣). وروي في الخبر «أنّ الصّور فيه صور الناس كلّهم» وقيل : الصور جمع صورة ولكنّه خفّف إذ كان من حقّه تحريك عينه نحو غرفة وغرف. ومن ثمّ قرئ شاذا بتحريكها. قوله تعالى : (فِي أَيِّ صُورَةٍ)(٤). الصورة : ما تنتقش به الأعيان وتتميز بها عن غيرها. وذلك ضربان : أحدهما محسوس مدرك للخاصة والعامة ، بل يدركه كثير من الحيوان غير الناطق كصورة الإنسان والفرس والحمار بالمعاينة. والثاني معقول تدركة الخاصّة دون العامة كالصورة التي اختصّ [الإنسان بها](٥) من العقل والرّويّة ، والمعاني التي خصّ بها شيء بشيء ، وإلى الصورتين أشار تعالى بقوله : (خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ)(٦). وقوله : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ)(٧) ، (يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ)(٨) ، (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ)(٩). وفي الحديث : «إنّ الله خلق آدم على صورته» الهاء عائدة على آدم ، أي على هيئته التي عرفتموها بالسّماع لا كما يتوهّمه الأغتام (١٠) ومن لا فهم له. وقيل : أراد بالصورة ما خصّ به الإنسان من الهيئة المدركة بالبصر والبصيرة ، وبها فضّله على كثير من خلقه. قيل : وإضافته إليه على سبيل الملك لا على سبيل البعضيّة والتّشبيه ، بل على سبيل التّشريف ، كقوله تعالى : (ناقَةَ اللهِ)(١١) وبيت الله.

__________________

(١) ٧٣ الأنعام : ٦ ، وغيرها.

(٢) المفردات : ٢٩٠.

(٣) وفي الأصل : لعود الموارى من الأرواح. والتصويب من المفردات.

(٤) ٨ الانفطار : ٨٢.

(٥) إضافة من المفردات : ٢٨٩ يقتضيها السياق.

(٦) ١١ الأعراف : ٧.

(٧) ٦٤ غافر : ٤٠ ، وغيرها.

(٨) ٦ آل عمران : ٣.

(٩) ٨ الانفطار : ٨٢. والآيات الأربع مضطربة في الأصل.

(١٠) الأغتم والغتميّ : من لا يفصح في كلامه ، وجمعهما غتم أغتام.

(١١) ١٣ الشمس : ٩١ ، وغيرها.

٤١٧

قوله تعالى : (فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)(١) ؛ بضمّ الصاد وكسرها ؛ فقيل : لغتان بمعنى أملهنّ ؛ يقال : صاره يصيره ويصوره : إذا أماله. وقال الأزهريّ : من ضمّ أراد أملهنّ ؛ يقال : صور يصور : إذا مال : ومن قرأ بالكسر فيحتمل ما تقدّم ، وهو لغة فيه. وقيل : بمعنى قطّعهنّ ؛ فإن الأصل فيه صريت أصري أي قطعت ، فقلبت. وقيل : أصرت أصير كما يقال : عنيت أعني وغثيت أغيث ، وغثثت أغثي. قلت : وفي حكايته صور يصور نظر من حيث إنّ مثله يجب إعلاله فيقال : صار يصار مثل خاف يخاف ، إلا أن يكون السماع كذلك فيحفظ ولا يقاس عليه. ويكون مثل قولهم : أغيمت وأغيلت. وقيل : من ضمّ أراد : قطّعهنّ صورة صورة. وقال بعضهم : (صرهنّ) أي صح بهنّ (٢). وحكى الخليل أنه يقال : عصفور صوّار وهو المجيب إذا دعي. وقرئ (فصرّهنّ) بضمّ الفاء وتشديد العين ؛ من الصّرّ وهو الشدّ. وقرئ كذلك لكنه بكسر الفاء (٣) من الصّرير وهو الصوت ؛ ومعناه : صح بهنّ. وفي الحرف كلام أكثر من هذا ، ذكرته في «الدرّ» وغيره. ولا شكّ أن المادة تدلّ على القطع والانفصال. ومنه الصّوار : قطيع البقر ، والجمع صيران. ومنه قول امرئ القيس (٤) : [من الطويل]

ترى بعر الصّيران في عرصاتها

وقيعانها كأنّه حبّ فلفل

وذلك نحو الصّرمة والقطعة والفرقة وسائر أسماء الجماعة المعتبر فيها معنى القطع. وقال أبو عبيدة : صرهنّ ـ بالضم ـ : قطّعهنّ. واحتجّ بقول الخنساء (٥) : [من البسيط]

لظلّت الشّهب منها وهي تنصار

أي تتصدّع وتتقطّع. وفي حديث مجاهد : «كره أن يصور شجرة مثمرة» (٦) أراد

__________________

(١) ٢٦٠ البقرة : ٢. وعن ابن مسعود بكسر الصاد وفتح الراء وتشديدها قراءة ابن عباس. وبضمها وتشديد الراء قراءة أبي العالية. وبضم الصاد وتشديد الراء مع فتحها قراءة عكرمة.

(٢) وفي الأصل : لهن.

(٣) أي «فصرّهنّ».

(٤) هي رواية ابن النحاس في شرح القصائد التسع المشهورات : ١ ١٠١. ورواية التبريزي والديوان : ترى بعر الآرام.

(٥) ورد الشطر في اللسان ـ مادة صور. لكنه لم يرد في ديوان الخنساء.

(٦) النهاية : ٣ ٦٠.

٤١٨

قطعها أو إمالتها لأنه يؤذيها. وفي حديث عكرمة : «حملة العرش كلّهم صور» (١) أي جمع أصور وهو المائل العنق ، يعني من الهيبة.

ص و ع :

قوله تعالى : (نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ)(٢) هو الصاع الذي يكال به. وفي التفسير : هو إناء مستطيل يشبه المكوك ، كان يشرب فيه الملك ، يشبه الطاسة والطّرجهارة (٣). وعن الحسن : الصاع والسقاية شيء واحد ؛ يذكّر ويؤنّث. فقال : (لِمَنْ جاءَ بِهِ)(٤) ، (ثُمَّ اسْتَخْرَجَها)(٥) وذلك على الذّهاب به مذهب الصاع مرة والسقاية أخرى. وفي الحديث : «صاع برّ بصاع تمر» والصاع : المطيّن من الأرض (٦) ، وأنشد للمسيّب بن علس (٧) : [من الكامل]

مرحت يداها للنّجاء كأنّما

تكرو بكفّي لاعب في صاع

وقيل : الصاع في البيت بمعنى الأول وهو يلعب به مع كرة. نقله الراغب (٨). وتصوّع الشّعر والنّبت : هاج وتفرّق ، والكميّ يصوع أقرانه ، أي يفرّقهم. وفي حديث سلمان : «صوّع به فرسه» (٩) أي جمح به ؛ من صوّع الطائر رأسه ، أي حرّكه حركة شديدة.

ص و غ :

قرئ في الشاذّ «صواغ» بالعين المعجمة (١٠) ، سمي بذلك ذهابا إلى أنه مصوغ من

__________________

(١) النهاية : ٣ ٦٠.

(٢) ٧٢ يوسف : ١٢.

(٣) الطرجهارة : (فارسية معربة) آلة مائية. فنجان (معجم المعربات الفارسية : ١١٦)

(٤) ٧٢ يوسف : ١٢.

(٥) ٧٦ يوسف : ١٢.

(٦) وفي المفردات (ص ٢٩٠) : الصاع : بطن الأرض. والصاع : مكيال يسع أربعة أمداد ، والمدّ : رطلان تقريبا.

(٧) وفي الأصل : المسيب بن علين. والبيت مضطرب في الأصل. وذكر الراغب العجز مختلفا كذلك. وصوّبناه من اللسان ـ صالح.

(٨) المفردات : ٢٩٠.

(٩) النهاية : ٣ ٦٠.

(١٠) هي قراءة سعيد بن جبير. وقرأها يحيى بن يعمر «صوغ». وقرأها عبد الله بن عون وأبو حيوة «صوغ». وأبو هريرة «صاع». وأبو رخاء «صوع» .. (مختصر الشواذ : ٦٤).

٤١٩

ذهب ويعبّر بالصوّاغ عن الكذّاب ؛ يقال : صاغ قوله يصوغ صياغة فهو صوّاغ ، وذلك لأن الكاذب يحسن كلامه وينمقه ليروج كما أنّ الصائغ يحسن بصياغته الأشياء. ومنه حديث أبي هريرة وقد قيل : إنّه خرج الدجّال فقال : «كذبة كذبها الصوّاغون» (١) أي الكذّابون.

ص و ف :

قوله تعالى : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها)(٢) الأصواف : جمع صوف واحدته صوفة ، وهو معروف. قيل : عدّد عليهم نعمه بما جعل لهم من الأنعام غير ما يأكلونه ويشربونه وينتفعون به في سيرهم وحمل أثقالهم ما يكون لهم لباسا يقيهم الحرّ والبرد ، وهو من الأنواع الثلاثة : الضأن والمعز والإبل ؛ فالأصواف من الضأن وهو مختصّ بها ، والأوبار من الإبل وهو مختصّ بها ، والأشعار من المعز. ولم يذكر للبقر شعر ينتفع به في ذلك. وقولهم : «أخذ بصوفة قفاه» كناية عن التمكّن منه. وأرادوا شعره النابت في قفاه. فاستعاروا ذلك. وكبش صاف وصائف وأصوف : كثير الصوف. وصاف مقلوب من صائف كهار من هائر. قال الراغب (٣) : والصوفة : قوم كانوا يخدمون الكعبة ، فقيل : سموا بذلك لأنهم تشبّكوا [بها] كتشبّك الصوف بما يثبت عليه. والصّوفان : نبت أزغب. قال : والصوفيّ قيل : منسوب إلى لبسه الصوف. وقيل : منسوب إلى الصّوفة الذين كانوا يخدمون الكعبة لاشتغالهم بالعبادة ، وقيل : منسوب إلى الصّوفان الذي هو نبت ، لاقتصارهم في الطّعم على ما يجري مجرى الصّوفان في قلة العناء في الغذاء.

ص و م :

قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ)(٤) مصدر كالصّوم ، وهو لغة الإمساك مطلقا ، سواء كان الممسك عنه مطعما أو مشربا أو كلاما أو مشيا ، سواء صدر ذلك من حيوان أو

__________________

(١) النهاية : ٣ ٦١.

(٢) ٨٠ النحل : ١٦.

(٣) المفردات : ٢٩٠ ، والإضافة منه.

(٤) ١٨٣ البقرة : ٢.

٤٢٠