عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

والدّمام : ما يطلى به كما تقدّم ، وقال الفراء : الدمدمة والدّمدام : الهلاك : والديمومة : المفازة.

د م م :

قوله تعالى : (وَالدَّمَ)(١). الدم : معروف ، وفي لامه قولان أشهرهما أنها بواو بدليل دمويّ في النسب ودموين في التّثنية. وقيل : دميان ، وأنشد (٢) : [من الوافر]

فلو أنّا على حجر ذبحنا

جرى الدّميان بالخبر (٣) اليقين

وقد يقصر كعصا ، وأنشد : [من الرمل]

عقلت ثم أتت تطلبه

فإذا هي بعظام ودما

وقد تشدّد ميمه ، وأنشد : [من البسيط]

أهان دمّك فزعا بعد عزّته

يا عمرو نعيك إضرار على الجسد

قوله : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً)(٤) أي مصبوبا صرفا ، يجوز عمّا في العروق.

وفرس مدميّ : أي شديد الشّقرة تشبيها بلون الدم ، وأنشد (٥) : [من الطويل]

وكمتا مدمّاة كأنّ متونها

جرى فوقها واستشعرت لون مذهب

وفي الحديث : «هذا سهم مدمىّ» (٦) ، المدمّى من السهام ما رمي به مرة بعد أخرى. وكلّ ما فيه سواد وحمرة فهو مدمّى. وأمّا مادة دم ي فهي إحدى اللغتين في دم وقد تقدّم القول فيه. والدّمية : الصورة من المرمر أو الرّخام ، وأنشد : [من السريع]

يا دمية في مرمر صوّرت

أو طينة في خمر عاطف

__________________

(١) ١٧٣ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٢) البيت من قطعة استشهد بها ابن منظور (مادة ـ دمي).

(٣) وفي الأصل : يخبر ، وصوّبناه من اللسان.

(٤) ١٤٥ الأنعام : ٦.

(٥) البيت لطفيل الغنوي ، وهو من شواهد اللسان ـ مادة كمت.

(٦) من حديث سعد (النهاية : ٢ ١٣٥) وفيه : «هذا سهم مبارك مدمّى».

٢١

أحسن منها يوم قالت لنا

والدمع من مقلتها واكف

لأنت أحلى من لذيذ الكرى

ومن أمان ناله خائف

وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «كأنّ عنقه جيد دمية» (١).

فصل الدال والنون

د ن ر :

قوله تعالى : (تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ)(٢) والدينار معروف ، وغلب على ما وزنه مثقال ، وإن كان قد يطلق على النّاقص عنه إذا كان بصورته. وأصله دنّار بنون مشدّدة فاستثقل فأبدلت الأولى بحركة تجانس حركة ما قبلها. ويدلّ على ذلك قولهم في الجمع دنانير ، فعادت النون. ومثله قيراط وديوان ، الأصل دوّان وقرّاط ، بدليل دواوين وقراريط ، وأنشدني بعضهم : [من البسيط]

النار آخر دينار نطقت به

والهمّ آخر هذا الدرهم الجاري

والمرء بينهما ، ما لم يكن ورعا ،

معذب القلب بين الهمّ والنار

قال الراغب (٣) : وقيل : أصله بالفارسية دين آر أي الشريعة جاءت به.

د ن ي :

قوله تعالى : (ثُمَّ دَنا)(٤) أي قرب. يقال : دنا يدنو دنوا. ويكون تارة بالذات كقوله تعالى : (قِنْوانٌ دانِيَةٌ)(٥) أي قريبة التناول سهلته أو متدليّة لثقلها بالثمرة. وتارة بالحكم كقوله : (دَنا فَتَدَلَّى) أي جعلنا ذلك كناية عن قرب رحمته وإنعامه على عبده. ويجوز أن

__________________

(١) النهاية : ٢ ١٣٥.

(٢) ٧٥ آل عمران : ٣.

(٣) المفردات ١٧٢. كلمة دينار فارسية ولكنها ليست من أصل «دين آر» كما أشار.

(٤) ٨ النجم : ٥٣.

(٥) ٩٩ الأنعام : ٦. قنوان : عذوق وعراجين كالعناقيد تنشقّ عنها الكيزان.

٢٢

يكون ذلك بالذات إن جعلنا ضمير الفاعل لجبريل أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقوله : (أَوْ أَدْنى)(١) أي أردأ. وقيل : إنّه مقلوب من أدون ، من الدّون وهو الرديء.

واعلم أنّ أدنى يطلق ويراد به الأصغر فيقابل بالأكبر نحو : ابنك أدنى منك. وتارة يراد به الأقلّ فيقابل بالأكبر نحو : (وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ)(٢). وتارة يراد به الأرذل فيقابل بالخير نحو : (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ)(٣). وتارة يراد به الأول ، ومن ذلك مقابلة مؤنثه بالآخرة نحو : الدنيا والآخرة ومنه : (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ)(٤). وتارة يراد به الأقرب فيقابل بالأقصى كقوله تعالى في مؤنثه : (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى)(٥).

والدّنيا : مؤنثة تجمع على الدّنى (٦) نحو الكبر والفضل. ولا يستعمل إلا بأل غالبا ، وقد تحذف كقوله (٧) : [من الرجز]

في سعي دنيا طالما قد مدّت

وذلك لجريانها مجرى الجوامد. وقوله : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ)(٨) أي أقرب لتقريبهم لتحرّي العدالة في إقامة الشهادة. قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ)(٩) متناول للأحوال التي في النشأة الأولى وما يكون في النشأة الآخرة. وخصّ الدّنيء بالحقير القدر ويقابل به السيد. وتأنّيت بين الأمرين. وأدنيت أحدهما من الآخر. وما

__________________

(١) ٩ النجم : ٥٣.

(٢) ٧ المجادلة : ٥٨.

(٣) ٦١ البقرة : ٢.

(٤) ١١ الحج : ٢٢.

(٥) ٤٢ الأنفال : ٨.

(٦) في الأصل : الدين ، يقصد : الكبرى والكبر ، والفضلى والفضل.

(٧) رجز للعجاج (ديوانه : ٢ ٤١٠) وفيه : من سعي. ومن شواهد ابن يعيش (شرح المفصل : ٦ ١٠٠) على استعمال (دنيا) بغير ألف ولام والقياس أن تكون بألف ولام.

(٨) ١٠٨ المائدة : ٥.

(٩) ٢١٩ و ٢٢٠ البقرة : ٢.

٢٣

روي : «إذا أكلتم فدنوا» (١) أي فقرّبوا أكلكم ممّا يليكم. قوله : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ)(٢) أي قريب التناول قد تدلّى لجانيه. قوله : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ)(٣) أي أقربها إلى بلاد العرب. يريد أرض الشام. قوله : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ)(٤) أي يقرّبنها للتّغطية والتّستّر بها ليعرفن أنهنّ حرائر. قوله : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا)(٥) أي القريبة من أهل الأرض. والدّنيء كالدنيّ وهو الخسيس.

فصل الدال والهاء

د ه ر :

قوله تعالى : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ)(٦) أي إلّا مرور الزمان لا ما يقوله الأنبياء. وكان القوم أجهل من ذلك. والدّهر في الأصل اسم لمدة العالم من مبتداه إلى انقضائه. قال الراغب : (٧) ومنه قوله تعالى : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)(٨). وقد يعبّر به عن المدة القليلة والكثيرة. ودهر فلان : مدة حياته. واستعير للمدّة الباقية مدة الحياة فقيل : ما دهري بكذا.

وحكى الخليل : دهرت فلانا نائبة دهرا ، أي نزلت [به](٩). فالدهر هنا مصدر. وفي معناه : دهدره دهدرة ، ودهر داهر ودهير. وقوله عليه الصلاة والسّلام : «لا تسبّوا الدهر فإنّ الدهر هو الله» (١٠) تأوّله على ما قال أبو عبيد أنّ العرب كانت تنسب الحوادث إلى الدّهر

__________________

(١) كذا في المفردات : ١٧٢. وفي النهاية : ٢ ١٣٧ : «سمّوا الله ودنّوا».

(٢) ٥٤ الرحمن : ٥٥.

(٣) ٣ الروم : ٣٠.

(٤) ٥٩ الأحزاب : ٣٣.

(٥) ٦ الصافات : ٣٧.

(٦) ٢٤ الجاثية : ٤٥.

(٧) المفردات : ١٧٣.

(٨) ١ الإنسان : ٧٦.

(٩) إضافة المحقق للضرورة.

(١٠) النهاية : ٢ ١٤٤.

٢٤

فيقولون : أهلكه الدهر ، وأصابتهم قوارع الدهر. فأخبرهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ الذي يفعل ذلك بهم في الحقيقة هو الله تعالى ، فإذا سبّوا الدهر معتقدين أنه فاعل ذلك فإنما سبّوا الله تعالى. وقال آخرون : الدهر الثاني (١) مصدر واقع موقع الفاعل. والتقدير : فالدّهر أي مدبّر الأمور ومصرّفها ، وموقع الحوادث في الدهور ، ومفيض النّعم فيها هو الله تعالى. والأول أولى.

د ه ق :

قوله : (وَكَأْساً دِهاقاً)(٢) أي ملأى ؛ يقال : دهقت الكأس دهقا ودهاقا أي ملأتها. قاله الحسن وقال مجاهد : متتابعا ، والأول أشهر. ويقال : أدهقته أيضا فدهق.

د ه م :

قوله تعالى : (مُدْهامَّتانِ)(٣) أي خضراوان شديدتا الرّيّ ، أي غلب عليهما لون السواد. والعرب تقول للشجر : السّواد ، لخضرتها. ومنه سواد العراق لاخضرار أشجاره. فيعبّر بالدّهمة عن الخضرة الكاملة اللون ، كما يعبّر بالخضرة عن الدّهمة الناقصة اللون. يقال : ادهامّ (٤) الليل يدهامّ ادهيماما. فافعالّ أبلغ من افعلّ ، وذلك أنّ احمارّ أبلغ من احمرّ ، وكأنّ زيادة الحرف زيادة في المعنى. وقد أتقنّا هذا في مسألة الرحمن الرحيم في غير هذا الموضوع.

وقولهم : دهمه الأمر أي فاجأه بشدّة مظلمة. والدّهم : الغائلة (٥) ، والدّهيماء : الداهية.

__________________

(١) أي الدهر الثاني الذي ورد في الخبر غير الدهر الأول.

(٢) ٣٤ النبأ : ٧٨.

(٣) ٦٤ الرحمن : ٥٥.

(٤) في الأصل : أدهم. ولو كان كذا لوجب أن يكون مصدره : ادهماما كما يقول ابن منظور في مادة ـ دهم.

(٥) وفي اللسان : الجماعة الكثيرة ، عن الليث.

٢٥

د ه ن :

قوله تعالى : (وَرْدَةً كَالدِّهانِ)(١) قال الفراء : الدّهان جمع دهن شبّهها في اختلاف ألوانها بالدّهن في اختلاف ألوانه. وكذا قال الزجاج : تتلوّن من الفزع كما تتلوّن الدّهان المختلفة بدليل قوله تعالى : (يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ)(٢) أي كالزيت المغليّ. وقيل : الدّهان : الأديم : الشديد الحمرة. قال الفراء في قول الشاعر (٣) : [من الكامل]

ومخاصم قاومت في كبد

مثل الدّهان فكان لي العذر

الدّهان : الطريق الأملس ههنا. وأمّا في القرآن فالأديم : الأحمر الصّرف. قوله تعالى : (أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ)(٤) أي منافقون لا ينون ، وقيل : مكذّبون. وقوله : (وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)(٥). أي تلاينهم فيلاينوك. وأصل ذلك من الدّهن الذي يمسح به رأس الإنسان ، فيقال : دهنته وأدهنته أي مسحته بالدّهن. ثم جعل ذلك عبارة عن الملاينة وترك المجادلة والمداراة ، كما جعل التّقريد : وهو نزع القراد عن البعير عبارة عن ذلك. والمدهن : ما يجعل فيه الدّهن ، وهو أحد ما جاء من الآلة على مفعل كالمنخل والمسقط ، وشبّه به ما يستنقع فيه ماء قليل مما نقره في الجبل. فقيل : المداهن جمع مدهن. وفي الحديث : «وقد نشف المدهن» (٦). ومن لفظ الدّهن استعير الدّهين للناقة القليلة اللبن ، فيجوز أن تكون بمعنى الفاعل ، أي تعطي من اللبن قدر ما تدهن به لقلّته. أو بمعنى مفعوله أي كأنها دهنت باللبن لقلّته كما يدهن بالدّهن ، والثاني أقرب لعدم التاء (٧). ودهن المطر الأرض إذا كان قليلا من ذلك كالدّهن يدهن به الرأس. قوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ)(٨) الدّهن : الزيت ، وكلّ ما كان من الأشياء الذّميمة يسمى دهنا كالشّيرج. وجمعه أدهان أو دهان نحو : رمح

__________________

(١) ٣٧ الرحمن : ٥٥. والمقصود : دهن الزيت أو درديّ الزيت.

(٢) ٨ المعارج : ٧٠.

(٣) البيت لمسكين ، والتصويب من اللسان ـ مادة دهن.

(٤) ٨١ الواقعة : ٥٦.

(٥) ٩ القلم : ٦٨.

(٦) حديث طهفة (النهاية : ٢ ١٤٦) ، وهو نقرة في الجبل يجتمع فيها المطر.

(٧) يعني لعدم دخول الهاء فيه.

(٨) ٢٠ المؤمنون : ٢٣.

٢٦

ورماح وقرئ «تنبت» (١) من أنبت ثلاثيا على معنى تنبت. وفيها (٢) الدّهن أي ما يعتصر منه الدهن وهو الزيتون. و «تنبت» من أنبت رباعيا على زيادة التاء ، أي ذات الدّهن أو على معنى ما تقدّم من المصاحبة. ولتحقيقه موضع غير هذا.

فصل الدال والواو

د و د :

قوله : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ)(٣) اسم النبيّ وهو لا ينصرف للعلمية والعجمة والشخصية وقصته مع جالوت مذكورة في غير هذا.

د و ر :

قوله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ)(٤) هي المنزل سميت دارا لدوران أهلها بها أو لدورانها هي على أهلها وإحاطتها بهم. وأصلها دؤر فأعلّت. وجمعها : ديار وأدور (٥) واآدر بالقلب ، ويؤنّث فيقال : دارة. قال امرؤ القيس (٦) : [من الطويل]

ولا سيّما يوم بدارة جلجل

وتطلق ، ويراد بها البلد والضّيع والدّنيا كلّها. ومنه : قيل دار الدنيا ودار الآخرة إشارة إلى مقرّي النشأة الأولى والآخرة. وتطلق الدار على الجنة كقوله : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ)(٧)

__________________

(١) قرأها الحسن. ويقول الفراء : «وهما لغتان يقال : نبتت وأنبتت» معاني القرآن : ٢ ٢٣٢.

(٢) أي الدهن ، على هذه القراءة.

(٣) ٢٥١ البقرة : ٢ ، «وانظر قصته في كتابنا معجم أعلام القرآن».

(٤) ٨٣ القصص : ٢٨.

(٥) وأدور ، كما في اللسان (مادة ـ دور).

(٦) عجز ، وصدره (الديوان : ٣٠) :

ألا ربّ يوم لك منهنّ صالح

(٧) ١٢٧ الأنعام : ٦.

٢٧

وعلى النار قال تعالى : (دارَ الْبَوارِ)(١) أي الجحيم بدليل إبداله منها : (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها)(٢). وقوله : (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ)(٣) قيل : النار.

قوله : (لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً)(٤) أي من يدور ويمشي وهو فيعال ، وأصله ديوار فأعلّ ، ولا يجوز أن يكون فعّالا لأنّه كان يجب أن يقال : دوّار كقوّال. وقد تقدّم نحو هذا مبينا. قوله : (عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ)(٥) أي جعل السّوء عليهم بمنزلة الدارة المحيطة فلا انفكاك لهم منها. ويعبّر بالدائرة عن الحادثة الفادحة ؛ قال تعالى : (وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ)(٦) أي ينتظر أن تقع بكم المصائب. والدّوّاريّ : الدهر لأنه يدور بالإنسان أي (٧) يتصرّف فيه بحوادثه. وهو نسب شاذّ لأنه من نسبة الشيء إلى صفته كأحمريّ (٨) قال (٩) : [من الرجز]

أطربا وأنت قنّسريّ

والدّهر بالإنسان دوّاريّ

والدّوّار (١٠) : صنم ، لأنهم كانوا يدورون به. غلبت الدورة والدائرة في المكروه ، كما غلبت الدولة في المحبوب.

والداريّ : العطار نسبة للدار ، وغلب عليه ذلك. وقيل : نسبة لدارين ؛ موضع بالبحرين يجلب منه الطيب. فقيل : أكلّ عطار داريّ وإن لم يكن من دارين؟

والدّاريّ أيضا : من لزم داره ولم يركب الأسفار. وقوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّ الزمان قد استدار» (١١) أي تحوّل من حكم الشيء إلى حاله الأول تشبيها بدوران الدائر.

__________________

(١) ٢٨ إبراهيم : ١٤.

(٢) من الآية بعدها.

(٣) ١٤٥ الأعراف : ٧.

(٤) ٢٦ نوح : ٧١.

(٥) ٩٨ التوبة : ٩.

(٦) تابع الآية السابقة.

(٧) وفي الأصل : أن ، ولعلها كما ذكرنا.

(٨) وكذلك : كرسيّ وبختيّ (اللسان ـ مادة دور).

(٩) الرجز للعجاج (الديوان : ١ ٤٨٠). القنسري : المسنّ الكبير القديم. والدواري : الدائر.

(١٠) وتفتح داله ، كذا قال الأزهري في اللسان.

(١١) النهاية : ٢ ١٣٩.

٢٨

قوله : (تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ)(١) أي تتداولونها ويتناولها بعضكم من بعض ، والإشارة إلى بيع الحلول لا التأجيل.

د و ل :

قوله تعالى : (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً)(٢) أي شيئا تتداولونه وتختصون به دون أهله. والدّولة : اسم لما يتداول. والدّولة : بالفتح مصدر. وقيل : الدّولة بالضمّ في المال وبالفتح في الحرب والجاه (٣). وقيل : هما بمعنى واحد قوله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ)(٤) أي نجعل الدولة فيها لقوم وفي غيرها لآخرين. ويقال : أدال الله فلانا من فلان أي جعل له عليه الدولة. وفلان مدال أي غالب ظافر. ودولة تجمع دولا ودولا (٥) ويجوز فيها دولات ودولات. قال (٦) : [من الرجز]

علّ صروف الدّهر أو دولاتها

تديلنا اللّمّة من لمّاتها

وأنشد الأزهريّ للخليل (٧) : [من البسيط]

وفّيت كلّ خليل ودّني ثمنا

إلا المؤمّل دولاتي وأيامي

وقال الأزهريّ : الدّولة اسم لكلّ ما يتداول من المال كالفيء. والدّولة : الانتقال من حالة البؤس والضرّ إلى حال الغبطة والسرور.

د و م :

قوله تعالى : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ)(٨) أي مدة دوامي فيهم. والدّوام

__________________

(١) ٢٨٢ البقرة : ٢.

(٢) ٧ الحشر : ٥٩.

(٣) وقيل : بالضم في الآخرة ، وبالفتح في الدنيا (اللسان ـ مادة دول).

(٤) ١٤٠ آل عمران : ٣.

(٥) في الأصل : دلة ، وهذا ما لم يذكره ابن منظور ولا ابن دريد ، ولعل الصواب ما ذكرناه

(٦) رجز استشهد به الفراء في معاني القرآن : ٣ ٩ ، وهو من شواهد ابن منظور في (لمم) وشرح شواهد المغني.

(٧) البيت للخليل بن أحمد ، ذكره التاج ـ مادة دال. وفيه : كل صديق.

(٨) ١١٧ المائدة : ٥.

٢٩

في الأصل : السكون يقال : دام الماء أي سكن وفي الحديث : «لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم» (١) أي الساكن. وأدمت القدر [و](٢) دّومتها : سكّنت غليانها بالماء. ومنه دام الشيء إذا امتدّ الزمان عليه. ويقال : دمت تدام ، ودمت تدوم لغتان كمتّ تمات ، ومتّ تموت. ودوّمت الشمس كبد السماء أي سكنت ، وهي عبارة عن استوائها أو عن جريانها من دوّم الطائر إذا حلّق في الجوّ. قال الشاعر (٣) : [من البسيط]

والشمس حيرى لها في الجوّ تدويم

واستدمت الشيء : تأنّيت. والدّيمة : المطر الدائم أياما. والدّوم : الظلّ الدائم. وقوله : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ)(٤) قيل : ما شاء ربّك دوامها. والعرب تضع هذه اللفظة موضع التأييد والدّوام. وقال قتادة والضحّاك : الاستثناء لاهل الكبائر من المسلمين يخرجون من النار. وقال مقاتل : استثنى الموحّدين. وقال الأزهريّ : استثنى أهل التّوحيد الذين شقوا بدخول النار المدة التي أرادها الله تعالى ثم أخرجهم بشفاعة الأنبياء والأولياء. وقيل : المراد بالسماء والأرض سماء الجنة وأرضها ، وبالاستثناء مدة إقامتهم في البرزخ وهذا أولى ما ذكر في الآية. وما ذكرته عن قتادة وغيره فممّا نبهت عليه أول هذا الكتاب لا يعني تفسير اللفظ بغير ما وضع له ، بل بما لزمه أو جعل كناية عنه. ولذلك ذكرته لبعده عن مدلول اللفظ. وفي الحديث : «كان عمله ديمة» (٥) أي متواصلا في سكون. وقيل : دوم من الأضداد ؛ دوّم : سكّن ، ودوّم الطائر : حلّق ودار في طيرانه كما تقدّم. وقيل : ليس كذلك بل دوّم معناه صفّ جناحيه في طيرانه وسكّنهما. والدّوام : الدّوار في الرأس. ودوّامة الولد من ذلك لدورانها.

__________________

(١) وفي النهاية (٢ ١٤٢): «نهى أن يبال في ...».

(٢) إضافة يقتضيها السياق.

(٣) عجز لذي الرمة ، وصدره (الديوان : ١ ٤١٨) يصف فيه جندبا :

معروريا رمض الرّضراض يركضه

(٤) ١٠٨ هود : ١١.

(٥) ذكره ابن الأثير في النهاية (٢ ١٤٨) في مادة (د ي م).

٣٠

د و ن :

قوله تعالى : (مِنْ دُونِكُمْ)(١) أي من مكان غير مكان إخوانكم المسلمين. هذا حقيقة تفسير اللفظ ؛ فإنّ دون ظرف مكان ويعبّر به عن المنزلة الدنيّة ، فيقال : فلان دون عمر ، أي تحته في المنزلة. وفسّرت بمعنى غير ، أي تتخذوا بطانة من غيركم. وقد ينصرف كقوله : [من الطويل]

وباشرت حدّ الموت والموت دونها

برفع النون. وقرئ (ما دُونَ ذلِكَ)(٢) بالرفع. وأما دون بمعنى رديء فصفة من الصفات. ومنه ثوب دون. وقيل : هو مقلوب من الدّنوّ. والأدون (٣) : الرديء كما تقدّم. وقيل في قوله : (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) أي ممّن لم تبلغ منزلته منزلتكم في الدّيانة ، وهذا قريب مما قدّمته أوّلا. وقيل : في القرابة. وقوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) أي أقلّ منه ، وهو راجع لما ذكرته. وقيل : ما سوى ذلك. قال الراغب (٤) : والمعنى متلازمان. وقوله : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(٥) أي غير الله. وقيل : الهين متوصّلا بهما إلى الله. قوله : (ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ)(٦) أي ليس لهم من يواليهم من دون أمر الله. قوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ)(٧) أي لا تقولوا : الله يشهد لنا. وهو معنى قول من يقول : من غير الله أو سوى الله. وقد حقّقنا هذا في «الدرّ» و «التفسير الكبير» ولله الحمد ، وغير ذلك.

ودونك : يقع للإغراء فينصب بها نحو : دونك العلم أي خذه ، قال (٨) : [من الرجز]

يا أيّها المائح دلوي دونكا

إني رأيت الناس يحمدونكا

__________________

(١) ١١٨ آل عمران : ٣.

(٢) ٤٨ النساء : ٤ ولم يذكر هذه القراءة ابن خالويه ولا الأخفش ولا الفراء.

(٣) كذا في المفردات : ١٧٥. وفي الأصل : والأدنى.

(٤) المفردات : ١٧٦.

(٥) ١١٦ المائدة : ٥.

(٦) ٢٦ الكهف : ١٨.

(٧) ٢٣ البقرة : ٢.

(٨) لراجز جاهلي من بني أسيد بن عمرو ، ويروى لجارية من مازن. وهو من شواهد ابن هشام في أوضح المسالك : ٣ ١٢٠ ومغني اللبيب : ٦٠٩.

٣١

فصل الدال والياء

د ي ن :

قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)(١) الدّين يقع لمعان شتّى ، منها : الجزاء وهو المراد هنا أي مالك يوم الجزاء. ومنه قول الحماسيّ (٢) : [من الهزج]

ولم يبق سوى العدوا

ن دنّاهم كما دانوا

ومنه : «كما تدين تدان» (٣) وقيل : يوم الحساب ، وقيل : الحكم ، وقيل : الطاعة لأنّ كلّ طاعة تظهر ذلك اليوم وكذا ضدّها ، وإمّا ذكر الطاعة تأنيسا. وفي الحديث : «عليّ ديّان هذه الأمة» أي حاكمها. وقال ذو الإصبع (٤) : [من البسيط]

لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب

عني ، ولا أنت ديّاني فتخزوني

والدّين : الشّريعة ، والدّين : الملّة ، لكنّ الدّين يقال اعتبارا بالطاعة والانقياد للشّريعة قوله : (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَ)(٥) أي جزاءهم أو حسابهم. قوله : (وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ)(٦) أي الجزاء أو الحكم أو الحساب. قوله : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ)(٧) أي في حكمه وشريعته. قوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً)(٨) أي الطاعة. قوله : (وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِ)(٩) أي لا يطيعون ولا يعبدون. قوله : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ)(١٠) أي

__________________

(١) ٤ الفاتحة : ١.

(٢) البيت لشهل بن شيبان كما في شرح الحماسة : ١ ٣٥.

(٣) مثل ذكره الزمخشري في المستقصى : ٢ ٢٣١.

(٤) البيت من شواهد النحو (مغني اللبيب : ١٤٧) والمعنى : لله درّ ابن عمك.

(٥) ٢٥ النور : ٢٤.

(٦) ٦ الذاريات : ٥١.

(٧) ٢ النور : ٢٤.

(٨) ٥٢ النحل : ١٦.

(٩) ٢٩ التوبة : ٩.

(١٠) ٣ الزمر : ٣٩.

٣٢

التوحيد. قوله : (غَيْرَ مَدِينِينَ)(١) أي مملوكين مدبرين ، وقيل : مجزيّين (٢). قوله : (أَإِنَّا لَمَدِينُونَ)(٣) أي محاسبون أو مجزيّون أو مسوسون. ومنه : ولا أنت ديّاني (٤) قوله : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ)(٥) يعني الإسلام بدليل قوله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً)(٦). قوله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ)(٧) أي في الطاعة ؛ فإن ذلك لا يكون في الحقيقة إلا بالإخلاص ، والإخلاص لا يتأتّى فيه الإكراه. وقيل : هذا منسوخ ، وقيل إنّه مختصّ بأهل الكتاب الباذلين للجزية. قوله : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)(٨) حثّ على اتّباع دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي هو وسط الأديان لقوله : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(٩) والمدينة : الأمة ، والمدين : العبد. قال أبو زيد : هو من دين فلان يدان إذا حمل على مكروه ، وقيل : هو من دنته أي جازيته بطاعته. قال (١٠) : [من الطويل]

ربت وربا في حجرها ابن مدينة

يظلّ على مسحاته يتركّل

وجعل بعضهم المدينة من هذا الباب. والدّين : ما التزمه الإنسان بسلف ونحوه. يقال : دنت الرجل : أخذت منه دينا ، وآدنته (: جعلته دائنا ، وذلك بأن تعطيه دينا. قال أبو عبيدة : دنته : أي أقرضته. ورجل مدين ومديون. ودنته أيضا :) (١١) استقرضت منه. قال الشاعر (١٢) : [من الطويل]

ندين ويقضي الله عنا ، وقد نرى

مصارع قوم لا يدينون ضيّعا

__________________

(١) ٨٦ الواقعة : ٥٦.

(٢) كذا في س ، وفي ح : مخزونين.

(٣) ٥٣ الصافات : ٣٧.

(٤) من بيت ذي الإصبع السابق الذكر. والديان : الله القهار.

(٥) ٨٣ آل عمران : ٣.

(٦) ٨٥ آل عمران : ٣.

(٧) ٢٥٦ البقرة : ٢.

(٨) ١٧١ النساء : ٤ لا تغلوا : أي لا تجاوزوا الحدّ ولا تفرطوا.

(٩) ١٤٣ البقرة : ٢.

(١٠) البيت للأخطل (الديوان : ٥). المسحاة : التي يسحى بها الأرض.

(١١) ما بين قوسين ساقط من ح.

(١٢) الكلمة ساقطة من ح. والبيت أنشده الأحمر للعجير السّلوليّ (كما في اللسان ـ مادة دين).

٣٣

وأدنت مثل دنت ، وأدنت مثل أقرضت. قوله : (إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ)(١) أي تعاملتم بالدّين ، وهو السّلف والسلم في قول ابن عباس ، قال (٢) : [من الرجز]

داينت أروى والدّيون تقضى

فماطلت بعضا وأدّت بعضا

وقال كثيّر (٣) : [من الطويل]

قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه

وعزّة ممطول معنّى غريمها

وأدنت الرجل وداينته : إذا بعت منه بأجل ، وأدنت منه : استدنت بأجل. وفي الحديث : «الكيّس من دان نفسه» (٤) أي ذلّلها ، وقيل : حاسبها. وقول الفقهاء : تديّن في خلقه أي يقلّد ويترك دينه فإنه أخربه ، ولكن يؤاخذ في الظاهر. والدّيّان من صفات الله تعالى. ومنه : يا ديّان يوم الدّين. قيل : ويقال : دان واستدان وأدان : أخذ بالدّين ، فإذا أعطي الدّين قيل : أدان.

__________________

(١) ٢٨٢ البقرة : ٢.

(٢) البيت لرؤبة (الديوان : ٧٩) وهو مطلع لمديح تميم وسعد ونفسه.

(٣) الأغاني : ٩ ٢٨ ، من خبر طريف.

(٤) النهاية : ٢ ١٤٨.

٣٤

باب الذال

فصل الذال والهمزة

ذ ا ب :

قوله : (أَكَلَهُ الذِّئْبُ)(١) هو حيوان معروف يجمع على أذئب وذؤبان وذئاب. وذئب فلان : وقع في غنمه ذئب ، أو صار كالذئب في خبثه (٢). وتذاءبت الريح : هبّت من كلّ جانب تشبيها بالذئب. وتبدّل همزته ياء باطراد كثير (٣). والذّئبة من القتب (٤) : ما تحت ملتقى الحنوين تشبيها بالذئب في الهيئة. وأرض مذأبة : كثيرة الذّؤبان. وتذاءبت الناقة : تشبّهت لها بالذئب لتظأر على ولدها.

ذ أم :

قوله تعالى : (مَذْؤُماً)(٥) أي مطرودا. قال ابن عرفة : ذأمته حقرته وأبعدته. وقيل : ذأمته : عبته ، بمعنى ذممته. وفيه ثلاث لغات ؛ يقال : ذأمته أذأمه ذأما ، وذئمته أذئمه ذئما ، وذممته أذمّه ذمّا بمعنى واحد. وهذا أولى من الوجهين قبله ، لأنّ معنى الطرد والإبعاد مذموم في قوله : (مَدْحُوراً)(٦).

__________________

(١) ١٤ يوسف : ١٢.

(٢) كأن المؤلف جعل المعنيين لفعل مبني للمجهول ، بينما الثاني مبني للمعلوم (ذئب). وانظر ذلك في اللسان مادة ـ ذأب ، والمفردات مادة ـ ذيب.

(٣) تخفف همزته تخفيفا بدليا صحيحا.

(٤) وفي الأصل : ما ألفت.

(٥) ١٨ الأعراف : ٧.

(٦) تابع الآية السابقة.

٣٥

فصل الذال والباء

ذ ب ب :

قوله تعالى : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً)(١). الذباب معروف ويجمع على ذبّان وواحدته ذبابة. قيل : كان المشركون يلطّخون أصنامهم بالزّعفران ونحوه فيجيء الذباب فيلحسه فلا يقدر على دفعه. ويقع الذباب على النحل والزّنابير. قال الشاعر (٢) : [من الطويل]

فهذا أوان العرض حيّ ذبابه

زنابيره والأزرق المتلمّس

وذباب العين : إنسانها تشبيها بصورته ، وقيل : لطيران شعاعه طيران الذباب. وذباب السيف تشبيها به في إيذائه. والمذبّة : ما يطرد به ، ثم استعير لمجرّد الدّفع.

وذبّ البعير : إذا دخل في أنفه ذباب. جعل بناؤه بناء الأدواء نحوزكم. وبعير مذبوب. وذبّ جسمه : هزل فصار كالذّباب أو كذباب السيف. والذّبذبة : حكاية صوت حركة الشيء المعلّق ، ثم استعير لكلّ اضطراب وحركة ، ومنه قوله تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ)(٣) أي مائلين تارة إلى المؤمنين وأخرى إلى الكافرين. وقد فسّر ذلك تعالى بما بعده في قوله تعالى : (لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ). وذبّبنا إبلنا (٤) سوقا بتذبذب. والذّباب : الشّؤم ، وفي الحديث : «أنه رأى رجلا طويل الشعر ، فقال : هذا ذباب» (٥) أي شؤم. وذبابيّ مأخوذ من ذلك.

__________________

(١) ٧٣ الحج : ٢٢.

(٢) البيت من شواهد الراغب : ١٧٧ ومقاييس اللغة : ٤ ٢٨٠ والحيوان : ٣ ٣٩١ وهو للمتلمس ومذكور في ديوانه : ٦.

(٣) ١٤٣ النساء : ٤.

(٤) في الأصل : أتينا ، والتصويب من المفردات : ١٧٧.

(٥) النهاية : ٢ ١٥٢.

٣٦

ذ ب ح :

قوله تعالى : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ)(١) الذّبح : فعل بمعنى مفعول نحو الرّعي والطّحن بمعنى المرعّيّ والمطحون. والمراد به كبش أرسله الله تعالى فداء. قيل : هو الكبش الذي قرّبه هابيل ، فرفع ورتع في الجنة إلى أن أخرج إلى إبراهيم. وأصل الذّبح شقّ حلق الحيوانات. وذبحت فارة المسك : شققتها ، تشبيها بذلك. وتسمى الأخاديد من السّيل مذابح وقوله : (يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ)(٢) التضعيف فيه للتكثير.

فصل الذال والخاء

ذ خ ر :

قوله تعالى : (وَما تَدَّخِرُونَ)(٣) أي تخبئون يقال : ذخرت الشيء أي خبّاته. وأصله تذتخرون (٤) فأدغم بعد إبدال تاء الافتعال ذالا ، ثم إبدال الذال دالا مهملة ، نحو : ادّكر ، أصله اذتكر. يقال : دخرته وادّخرته : أعددته للعقبى. وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «كان لا يدّخر شيئا لغد». والمذاخر : الجوف والعروق المدّخرة للطعام. قال الشاعر (٥) : [من الطويل]

فلما سقيناها العكيس تملّأت

مذاخرها وامتدّ رشحا وريدها

والإذخر : نبت طيب الرّيح.

__________________

(١) ١٠٧ الصافات : ٣٧.

(٢) ٤٩ البقرة : ٢.

(٣) ٤٩ آل عمران : ٣.

(٤) وفي الأصل : تدخرون ، والتصويب من اللسان ، مادة ذخر ، وهذا قول الزجاج ويقول : ومن العرب من يقول : تذّخرون. والإبدال سببه أن الذال حرف مجهور لا يمكن النفس أن يجري معه لشدة اعتماده في مكانه والتاء مهموسة ، فأبدل من مخرج التاء حرف مجهور يشبه الذال في جهرها وهو الدال فصار تدّخرون. وأصل الإدغام أن تدغم الأول في الثاني. وانظر تفصيلا آخر في النهاية : ٢ ١٥٥.

(٥) البيت من شواهد الراغب (المفردات : ١٧٧) من غير عزو. ونسبه ابن منظور (مادة ـ ذخر) إلى الراعي ، وفيه خلاف.

٣٧

فصل الذال والراء

ذ ر ا :

قوله تعالى : (يَذْرَؤُكُمْ)(١) أي يكثركم بالتّزويج ؛ يقال : ذرأ الله الخلق. والذّرء : إظهار الله ما أبرأه. يقال : ذرأ الله خلقه أي أظهر أشخاصهم ، قال تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ)(٢). والذّرأة : بياض الشيب واللحم. ومنه : ملح ذرآنيّ ، ورجل أذرأ ، وامرأة ذرأى ، وقد ذرئ شعره.

ذ ر ر :

قوله تعالى : (مِثْقالَ ذَرَّةٍ)(٣) الذّرّة : واحده ذرّ ، وفيها قولان ؛ أحدهما أنها النّملة الصغيرة ؛ قال امرؤ القيس (٤) : [من الطويل]

من القاصرات الطّرف لو دبّ محول

من الذّرّ فوق الإتب منها لأثّرا

والثاني أنها واحدة الهباء ؛ وهو مارئي في شعاع الشمس من كوّة ونحوها ، وإنما خوطب العباد بذلك لأنّها أقلّ ما يتعارفونه من الأشياء القليلة ، وإلا فالله تعالى لا يظلم مثقاله ، ولا أقلّ من ذلك. قوله : (ذُرِّيَّتَهُمْ)(٥) الذّريّة : أصل إطلاقها على الصغار ، وقد يطلق على الآباء. فقوله : (حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)(٦) قيل : الآباء ، وقيل : الأبناء ، وذلك إذا أريد بالفلك جنس السّفن لا سفينة نوح ، ويقع على الواحد والجمع ؛ قال تعالى : (هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)(٧) فوهب له يحيى. وفيها أقوال ؛ أحدها أنّها

__________________

(١) ١١ الشورى : ٤٢.

(٢) ١٧٩ الأعراف : ٧.

(٣) ٧ الزلزلة : ٩٩ ، وغيرها.

(٤) الديوان : ٦٨ ، ومن شواهد اللسان ـ مادة قصر.

(٥) ١٧٢ الأعراف : ٧.

(٦) ٤١ يس : ٣٦.

(٧) ٣٨ آل عمران : ٣.

٣٨

فعليّة (١) من الذّرّ لأنّ الله استخرج الذريّة من ظهر آدم كالذّرّ حين أشهدهم على أنفسهم. والثاني أنها مهموزة الأصل اشتقاقا من ذرأ الله الخلق. وقد تقدّم فخفّفت والتزم تخفيفها. وقد تقدّم أنّ العرب التزمت تخفيف ألفاظ : البرية والخطيّة والذرية في باب الياء. والثالث أنها ذرّوية فأدغمت (٢). وقد تطلق التاء مع الصّبيان ، وفي الحديث : «لا تقتل ذرّية ولا عسيفا» (٣) وفسّرها الهرويّ بالمرأة خاصة ، والصواب الأول. وقد صرّح بذلك في حديث آخر. ولنا كلام فيها هو أطول من هذا.

ذ ر ع :

قوله : (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً)(٤) أي طاقة ووسعا. والعرب تقول في التّهديد : اقصد بذرعك أي استقم بطاقتك (٥). وفي الحديث : «فكسر ذلك في ذرعي» (٦). أي ثبّطني عمّا أردته.

وقيل : أصل الكلمة من الذراع ، والذراع من الحيوان معروف فإذا قالوا : هذا على حبل ذراعك كأنّهم قالوا : هذا في يدك. فإذا قالوا : ضاق بكذا ذرعا كأنّهم قالوا : ضاق (٧) يدا.

والذّراع : ما يذرع الثوب والأرض ونحوهما تشبيها بالعضو في المقدار. قال تعالى : (ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً)(٨) أي مقدارها. وذراع الأسد نجم تشبيها بذراع الحيوان.

__________________

(١) أي أن وزن ذريّة فعليّة. وكان قياسه أن يقول بفتح الذال لكنه نسب شاذّ لم يجئ إلا مضموما.

(٢) أي أدغمت الواو في الياء فصارت ذرية.

(٣) النهاية : ٢ ١٥٧ ، ومع أن الذرية تطلق على نسل الإنسان من ذكر وأنثى فإنها في هذا الحديث أريد بها النساء لأجل المرأة المقتولة.

(٤) ٧٧ هود : ١١.

(٥) أي بقوتك.

(٦) النهاية : ٢ ١٥٨. وفي الأصل : فكبر ، وهذا وهم ، لأنها من حديث آخر وهو : «فكبر في ذرعي» أي عظم وقعه. ولعل سقطا طرأ على الأصل.

(٧) في الأصل : ضاقون.

(٨) ٣٢ الحاقة : ٦٩.

٣٩

وذرعته : ضربت ذراعه نحو كبدته. وذرعت : مددت ذراعي. ومنه : بعير ذريع ، وفرس ذريع وذروع (١) أي سريع المشي واسع الخطو. وفي صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنه كان ذريع المشي» (٢) أي سريعه. وامرأة ذراع خفيفة اليد بالغزل. وفي الحديث : «خير كنّ أذرعكنّ» (٣). ومذرّع : أبيض الذّراع. وذرعه القيء (٤) : سبقه ، من ذرعت الفرس أي سبقت سريعا. وتذرّعت المرأة الخوص ، وتذرّع في كلامه تشبيها بذلك نحو سفسف في كلامه ، أصله من سفيف الخوص. وزقّ ذارع (٥) قيل : هو العظيم ، وقيل : هو الصغير ، فعلى الأول هو الذي بقي ذراعه ، وعلى الثاني هو الذي فصل عنه ذراعه. والقتل الذّريع : هو الكثير الواسع من ذلك. وفي الحديث : «وعليه جمّازة ذرع منها يده» (٦) أي أخرجها. وذرع البّعير يده ، أي حرّكها. قال الشاعر (٧) : [من الطويل].

تؤمّل أنفال الخميس وقد رأت

أوائل خيل لم يذرّع بشيرها

ذ ر و :

قوله تعالى : (تَذْرُوهُ الرِّياحُ)(٨) أي ترفعه وتفرّقه. أذرته (٩) الريح تذروه ذروا ، وذرته تذريه ذريا ، وأذرته تذرية ، لغات بمعنى. وقيل : بل معنى أذرته : ألقته. يقال : أذريته عن فرسه : ألقيته من عليها. وأصل ذلك من الرفع. ومنه : ذروة الجبل وذروته : أعلاه. وأنا في ذرى فلان أي في أعلى مكان من جنابه. وذروة السّنام تشبيها بذلك. ومنه الحديث : «يريد

__________________

(١) في الأصل : ذرع ، والتصويب من اللسان مادة ذرع ، والمفردات : ١٧٨.

(٢) النهاية : ٢ ١٥٨.

(٣) النهاية : ٢ ١٥٩.

(٤) من الحديث : «من ذرعه القيء فلا قضاء عليه» (النهاية : ٢ ١٥٨).

(٥) وفي الأصل : ذراع ، والتصويب من اللسان. والذارع : الزق الصغير يسلخ من قبل الذراع.

(٦) النهاية : ٢ ١٥٨.

(٧) التاج واللسان ـ مادة ذرع ، وفيه : سوابق خيل.

(٨) ٤٥ الكهف : ١٨.

(٩) في ح : تباذرته ، وفي س : تفاذرته.

٤٠