عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ومراعاة أحواله. ويؤيّده الحديث في وصف الأولياء : «أبدانهم في الأرض سائرة وقلوبهم في الملكوت جائلة» (١). ومنهم من حمله على الاجتهاد في العبادة الموصلة إلى نيل الثواب الأخرويّ. وعليه حمل قوله عليه الصلاة والسّلام : «سافروا تغنموا» (٢).

قوله : (سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى)(٣) أي حالتها. والسيرة : الحالة التي يكون عليها الإنسان وغيره غريزة كانت أو اكتسابا. فالمعنى : إلى حالها التي كانت عليه من العوديّة والحسّية. والتّسيير ضربان : تسخير ، كقوله : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) واختيار ، كقوله : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ)(٤).

والسّيرة : الطريقة المسلوكة. وتستعار للمذهب أيضا ، ومنه قولهم : هم على سيرة واحدة ، أي على طريقة.

س ي ل :

السّيلان : جريان الماء. ومنه قوله تعالى : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ)(٥) أي أذبناه حتى سال سيلان المائعات. وقرئ : سال سايل (٦) فقيل : هو واد يسيل عليهم بأنواع العذاب. يقال : سال يسيل سيلانا. وقيل : هو من السؤال ، وأبدلت الهمزة ألفا. وأنشد (٧) : [من البسيط]

سالت هذيل رسول الله فاحشة

ضلّت هذيل بما سالت ولم تصب

والسّيل : اسم للماء الآتي من حيث لا يحتسب ، ويقال له الأتيّ. وأصله مصدر أطلق على السايل. والسّيلان : الممتدّ من الحديد الداخل في النّصاب. وفي صفته عليه الصلاة

__________________

(١) المفردات : ٢٤٧.

(٢) جزء من حديث رواه الطبراني بلفظه.

(٣) ٢١ طه : ٢٠.

(٤) ٢٢ يونس : ١٠.

(٥) ١٢ سبأ : ٣٤.

(٦) ١ المعارج : ٧٠. قرأها ابن عباس : «سال سيل» (مختصر الشواذ : ١٦١). أما «سايل» فلم يذكرها الأخفش ولا الفراء ولا ابن خالويه.

(٧) البيت مطلع من قطعة لحسان بن ثابت (الديوان : ١ ٤٤٣).

٢٨١

والسّلام : «سائل الأطراف» (١) أي ممتدّها. ويروى سائن بالنون ، وهما بمعنى ، [مثل](٢) جبريل وجبرين وعزيل وعزين.

س ي ن :

قوله : (طُورِ سَيْناءَ)(٣) قرئ في المتواتر بكسر السين وفتحها (٤) ، وهما لغتان في اسم جبل. قيل : الكسر لغة كنانة والفتح لغة غيرهم. ووجه الفتح أن يكون وزنه فعلاء كحمراء. ووزنه على الكسر فيعال ؛ فهمزته منقلبة عن زائد ملحق بالأصل جعلوها كعلياء ، لأنهم ليس في لغتهم فعلاء بكسر الفاء وألفه للتأنيث. وقيل : اللفظة أعجمية فنطقت بها العرب كيف شاءت على عادتها في تلاعبها بالأعجمية. ففتحوا سينها تارة وكسروها أخرى. فالمنع من الصرف حينئذ للعلمية والعجمة الشخصية. وقيل بل مركّب تركيب مزج كبعلبكّ. ولنا فيه كلام أوسع من هذا في «الدرّ» و «العقد» وغيرهما. فعليك بالالتفات إلى ذلك.

وقوله تعالى : (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ)(٥) فقيل : هما حرفا تهج ك «طه» (٦) وهو الظاهر. وقيل : يا للنداء ، وسين منادى. وقيل : هو اسم من أسماء نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. والظاهر الأول. كقوله : (حم عسق)(٧)(طس)(٨)(طسم)(٩) في سورها. فالسين في هذه حروف تهجّ كسابقه.

__________________

(١) النهاية : ٢ ٤٣٤.

(٢) إضافة المحقق للسياق.

(٣) ٢٠ المؤمنون : ٢٣.

(٤) قرأ أهل الحجاز «سيناء» بكسر السين والمد. وقرأ عاصم وغيره «سيناء» ممدودة مفتوحة السين (معاني القرآن للفراء : ٢ ٢٣٣). وقرأها «سينا» بغير همز الأعمش (مختصر الشواذ : ٩٧).

(٥) ١ و ٢ يس : ٣٦.

(٦) ١ طه : ٢٠.

(٧) ١ و ٢ الشورى : ٤٢.

(٨) ١ النمل : ٢٧.

(٩) ١ الشعراء : ٢٦.

٢٨٢

باب الشين

فصل الشين والهمزة

ش أم :

قوله تعالى : (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ)(١) أي عبّر عنهم بذلك الاشتقاق. المشأمة من الشّؤم أو من اليد الشّوماء ، وهي اليسار. كما أنهم يتيامنون (٢) باليد اليمنى ؛ فالميمنة والمشأمة ، مفعلة من اليد اليمنى والشمال لتفاؤلهم بتلك ، وتشاؤمهم بالأخرى. ومنه رجل مشؤوم. وتشاءم : أتى نحو الشام. وأشأم : أتى الشام. وفي الحديث : «إذا نشأت بحريّة ثم تشاءمت فتلك عين غديقة» (٣) أي أخذت نحو الشام. وتيامن القوم وأيمنوا. أتوا بلاد اليمن.

ش أن :

قوله تعالى : (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)(٤) أي من إحياء هذا ، وإماتة هذا ، وإغناء هذا ، وإفقار هذا ، وإسعاد هذا ، وإشقاء هذا. والأصل في الشأن الحال ، وذلك مجاز عن تصّرفه في خلقه بما أراد ، وقسرهم على ما شاء لا كما يريدون ويشاؤون. والشأن : القصد ؛ وقد شأنت شأنه ، أي قصدت قصده. وقيل : الشأن : الأمر الذي [يتفق](٥) ويصلح ، ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور. فلا يقال : ما شأن الحجّام؟ ما شأن الملك؟.

والشّأن أيضا من الرأس : الوصلة التي بين متقابلاته [التي](٦) بها حياة الإنسان. وجمعها شؤون.

__________________

(١) ٩ الواقعة : ٥٩.

(٢) في الأصل : يتمنون.

(٣) النهاية : ٢ ٤٣٧.

(٤) ٢٩ الرحمن : ٥٥.

(٥) بياض في الأصل ، والإضافة من المفردات : ٢٧١.

(٦) إضافة المحقق.

٢٨٣

فصل الشين والباء

ش ب ه :

قوله تعالى : (مُتَشابِهاً)(١) يعني أنّ ثمر الجنة يشبه بعضه بعضا. فالمنظر واحد والطعم مختلف. وقيل : يشبه ثمر الدنيا في التسمية وبعض الهيئات. وهذا مبنيّ على أن المرزوق ... أو (٢) فيه خلاف ، أتقنّاه في غير هذا.

قوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً)(٣) أي يشبه بعضه بعضا في الفصاحة والإعجاز وعدم تناقضه ، وإبداع ألفاظه ، واستخراج حكمه. قوله تعالى : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا)(٤) أي اختلط علينا أمره والتبس فلا ندري ما المقصود منه. وفي الحرف قراءات أتقنّاها في غير هذا (٥). قوله تعالى : (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ)(٦) اختلف الناس في المتشابه على أقوال كثيرة منها :

أنّ المحكم هو الناسخ ، والمتشابه هو المنسوخ. وقيل : المتشابه : ما لم يتضمّن حكما بل تضمّن قصصا وأخبارا. وقيل : المتشابه منه : ما أشكل تفسيره لمشابهته غيره ؛ إمّا من جهة اللفظ أو المعنى. وقال الفقهاء : المتشابه : ما لا ينبئ ظاهره عن مراده. وحقيقة ذلك أنّ آيات الكتاب العزيز عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أقسام :

الأول : متشابه من حيث اللفظ فقط.

__________________

(١) ٢٥ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٢) بياض في الأصل ، وساقطة من ح.

(٣) ٢٣ الزمر : ٣٩.

(٤) ٧٠ البقرة : ٢.

(٥) قراءة «إن الباقر يشابه» بالباء لمحمد ذي الشامة. و «تشبّه علينا» لمجاهد. و «تشّابه» لابن مسعود. و «تشابه» بالتخفيف للحسن. «متشابه علينا» عن ابن مسعود أيضا في رواية (مختصر الشواذ : ٧).

(٦) ٧ آل عمران : ٣.

٢٨٤

الثاني : من حيث المعنى فقط.

الثالث : من جهتهما معا.

ثم المتشابه من حيث اللفظ نوعان : أحدهما يرجع إلى المفردات إمّا من جهة الغرابة من قوله : (وَفاكِهَةً وَأَبًّا)(١) وكقوله : (يَزِفُّونَ)(٢) ، وإمّا من جهة الاشتراك كاليد والعين في قوله تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ)(٣)(تَجْرِي بِأَعْيُنِنا)(٤)(عَلى عَيْنِي)(٥). والثاني يرجع إلى التركيبات ، وهي الجمل. وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

أحدها : لاختصار الكلام كقوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) إلى قوله : (وَرُباعَ)(٦).

وثانيها : عكسه ، وهو بسط الكلام ، كقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)(٧) إذ لو قيل : ليس مثله شيء. لكان أظهر للسامع.

ثالثها : لنظم الكلام ، كقوله تعالى : (أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً)(٨).

والقسم الثاني من حيث المعنى فقط ، وذلك في أوصاف الباري تعالى ، وأوصاف القيامة. فإنّ تلك الصفات لا تتصوّر لنا ؛ إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسّه إذ لم يكن من جنس ما نحسّه.

القسم الثالث وهو المتشابه من جهتهما معا ينقسم خمسة أقسام : الأول من جهة

__________________

(١) ٣١ عبس : ٨٠.

(٢) ٩٤ الصافات : ٣٧.

(٣) ٦٤ المائدة : ٥.

(٤) ١٤ القمر : ٥٤.

(٥) ٣٩ طه : ٢٠.

(٦) ٣ النساء : ٤.

(٧) ١١ الشورى : ٤٢.

(٨) ١ و ٢ الكهف : ١٨.

٢٨٥

الكمّية كالعموم والخصوص نحو : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ)(١). الثاني من جهة الكيفية كالوجوب والنّدب كقوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٢). الثالث من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ نحو قوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ)(٣).

الرابع من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها كقوله تعالى : (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ) الآية (٤) ، وقوله : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ)(٥) فإنّ من لا يعرف عادة أهل الجاهلية في ذلك يتعذّر عليه تفسير هذه الآية الكريمة. الخامس من جهة الشروط التي يصحّ بها الفعل (٦) أو يفسد كشروط النكاح والصلاة. ويعلم أنّ كلّ ما ذكره المفسرون في تفسير المتشابه لا يخرج عن أحد هذه الأقسام كتفسير قتادة ؛ المحكم : الناسخ ، والمتشابه : المنسوخ. وقول الأصمّ : المحكم : ما اتّفقوا على تأويله ، والمتشابه ما اختلفوا في تأويله (٧). وقول بعضهم : المتشابه : الحروف المقطعة في أوائل السور ك (أَلَمْ) و (طسم) و (حم عسق) ، إلى غير ذلك.

قال الراغب (٨) : ثم المتشابه على ثلاثة أضرب ؛ ضرب لا سبيل للوقوف عليه كوقت الساعة ، وخروج الدابة وكيفيتهما. وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته كالألفاظ الغريبة ، والأحكام الغلقة. وضرب متردّد بين الأمرين نحو أن يختصّ بمعرفته بعض الراسخين في العلم ، ويخفى على من دونهم ، وهو الضرب المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسّلام في علي كرم الله وجهه : «اللهمّ فقّهه في الدين وعلّمه التأويل» (٩). وقوله في ابن عباس مثل ذلك.

__________________

(١) ٥ التوبة : ٩.

(٢) ٣ النساء : ٤.

(٣) ١٠٢ آل عمران : ٣.

(٤) ١٨٩ البقرة : ٢.

(٥) ٣٧ التوبة : ٩.

(٦) وفي س. العقل.

(٧) القولان مذكوران في المفردات : ٢٥٤ ـ ٢٥٥.

(٨) المفردات : ٢٥٥.

(٩) المفردات : ٢٥٥.

٢٨٦

قال : وإذا عرفت هذه الجملة علمت أنّ الوقف على قوله : (إِلَّا اللهُ)(١) ووصله بقوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(٢) جائزان ، وأنّ لكلّ منهما وجها حسبما دلّ عليه التفصيل المتقدّم ، انتهى وهو حسن (٣).

قوله : (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)(٤) أي مثّل لهم من حسبوه إياه. يقال : إنّه ألقى شبهه عليه‌السلام على رجل دلّ عليه. فدخلوا فوجدوه بعد ارتفاعه عليه‌السلام فأرادوا صلبه ، فقال : أنا صاحبكم. فلم يصدّقوه. ويقال : شبه وشبه وشبيه نحو مثل ومثل ومثيل. وحقيقتها في المماثلة من جهة الكيفية كاللون والطعم المشار إليهما بقوله تعالى : (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً)(٥) كما تقدّم تحقيقه.

والشّبهة : ما يخيل للإنسان حقيقة شيء والأمر بخلافها. قال الراغب (٦) : والشّبهة : أن لا يتميّز أحد الشيئين عن الآخر لما بينهما من التّشابه عينا كان أو معنى. وذكر حذيفة رضي الله عنه «فتنة» فقال فيها «تشبّه مقبلة ، وتبين مدبرة» (٧). قال شمر : معناه أنّ الفتنة إذا أقبلت [شبّهت] على القوم (٨) وأرتهم أنّهم على الحقّ حتى يدخلوا فيها ويرتكبوها. فإذا انقضت بان أمرها ، و [علم](٩) من يرتكبها كان على خطأ من الرأي.

__________________

(١) ٧ آل عمران : ٣.

(٢) تابع الآية السابقة.

(٣) يعني انتهى كلام الراغب.

(٤) ١٥٧ النساء : ٤.

(٥) ٢٥ البقرة : ٢.

(٦) المفردات : ٢٥٤.

(٧) النهاية : ٢ ٤٤٢.

(٨) إضافة من النهاية (٢ ٤٤٢) لمتابعة السياق. والكلام منقول منه.

(٩) إضافة من النهاية.

٢٨٧

فصل الشين والتاء

ش ت ت :

قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً)(١). الأشتات : جمع شتّ ، والشتّ : الشيء المتفرّق ، أو نفس المتفرّق على أنه مصدر. يقال : شتّ شتّا وشتاتا ، أي تفرّق. والمعنى أنّ الناس يحشرون مختلفي الأحوال من شقاوة وسعادة ، وخوف وأمن ، وحزن وسرور ؛ بحسب أعمالهم. ولذلك عقّبه بقوله : (فَمَنْ يَعْمَلْ) الآية (٢). وقوله تعالى : (مِنْ نَباتٍ شَتَّى)(٣) أي مختلفة الأنواع من لون وطعم وريح وطراوة ، وغير ذلك. وهو جمع شتيت. وقيل : اسم جمع لشتيت.

قوله تعالى : (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)(٤) أي متفرقة غير مجتمعة على أمر ، عكس من قال فيهم ووصفهم بقوله : (وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ)(٥). وقيل : معناه مذاهبهم متفرقة ، وأديانهم متفرقة. وقوله تعالى : (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)(٦) أي لمتفرق من سعي مشكور وسعي مذموم. ويحكى أنها نزلت في شأن الصدّيق رضي الله عنه ؛ وذلك أنّ جارا له نخلة فسقط من تمرها تمرة فأخذها صبيّ من جيرانه ، فأخذها ذلك الرجل من الصبيّ ونهره. فسمع أبو بكر بذلك فعمد إلى النخلة فاشتراها ونحلها الصبيّ وأهله ، فنزلت.

وشتّان : اسم فعل بمعنى افترق ، من ذلك نقول : شتّان زيد وعمرو. ولا يكتفى بواحد كما لا يكتفى به افترق ؛ قال (٧) : [من السريع]

شتّان ما يومي على كورها

ويوم حيّان أخي جابر

__________________

(١) ٦ الزلزلة : ٩٩.

(٢) الآية بعدها.

(٣) ٥٣ طه : ٢٠.

(٤) ١٤ الحشر : ٥٩.

(٥) ٦٣ الأنفال : ٨.

(٦) ٤ الليل : ٩٢.

(٧) البيت للأعشى من قصيدة طويلة في هجاء علقمة ومدح عامر بن الطفيل (الديوان : ١٤٧).

٢٨٨

فيومي فاعل ، وما مزيدة. ويقال : شتان بين زيد وعمرو ، وشتان ما بين. وأنشد (١) : [من الطويل]

لشتّان ما بين اليزيدين في النّدى

يزيد سليم والأغرّ بن حاتم

ش ت و :

قوله تعالى : (رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ)(٢) كانوا يرحلون شتاء لليمن وصيفا للشام ، ينتفعون برحلتيهم في المتاجر ، فامتنّ عليهم بذلك. والشتاء : زمن البرد. قال الشاعر (٣) : [من الوافر]

إذا جاء الشتاء فأدفئوني

فإن الشيخ يهرمه الشتاء

ويقال : شتا وأشتى ، نحو صاف وأصاف ، أي دخل فيهما. والمشتاة والمشتى : مكان الشتاء وزمانه ومصدره ، قال الشاعر (٤) : [من الرمل]

نحن في المشتاة ندعو الجفلى

[لا ترى] الآدب فينا ينتقر

والظاهر أن لامه واو ، فيقال : شتا يشتو. وقد ذكره الهرويّ في مادة (ش ت و) ، وإن كان الراغب (٥) ذكره في مادة (ش ت ي). ويعبّر بالشتاء عن المجاعة لأنه مظنتها ، فيقال : أصابهم الشتاء. وفي حديث أمّ معبد : «وكان القوم مرملين مشتين» (٦) ويروى : «مسنتين» (٧) أي أصابتهم السّنة (٨) ، والأول أشهر ، وأنشد للحطيئة (٩) : [من الوافر]

__________________

(١) البيت لربيعة الرقي كما في شرح المفصل : ٤ ٣٧ و ٦٨ ، واللسان ـ مادة شتت ، وهو في المحكم : يزيد أسيد.

(٢) ٢ قريش : ١٠٧.

(٣) البيت من شواهد اللسان والتاج ـ مادة كون. وفيهما : إذا كان.

(٤) البيت لطرفة بن العبد : ٧٧ ، والإضافة منه ومن اللسان ـ مادة جفل.

(٥) المفردات : ٢٥٥.

(٦) النهاية : ٢ ٤٤٣.

(٧) بالسين المهملة والنون قبل التاء.

(٨) أي الجدب.

(٩) مذكور في اللسان ـ مادة شتا. وقد جعل الشتاء قحطا.

٢٨٩

إذا نزل الشتاء بدار قوم

تجنّب جار بيتهم الشتاء

أي لم يصب جارهم ضيق لتوسّعهم.

فصل الشين والجيم

ش ج ر :

قوله تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ)(١) قيل : هي السّنبلة. وقيل : التّين. وقيل : العنب. وقيل غير ذلك. وأصل الشجر ما نبت على ساق وكان له أغصان وظل ، وإلا فهو نجم. ومنه قوله تعالى : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(٢) أي جميع النبات ، لأنّ النبات لا يخلو من أحد هذين الوصفين. وسميت الشجرة شجرة لاختلاف أغصانها وتشعّب أفنانها. ومنه المشاجرة : وهي المخاصمة ، لاختلاط أصواتهم. وقيل : لاشتباك الأغصان. والمخاصمة فيها اشتباك أيضا. ومنه قوله تعالى : (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ)(٣) أي اختلف والتبس ، لأنّ الواضح لا اشتباك فيه. وشجر الرمح : إذا جرّه ليطعن به غيره ، وشبكه فيه. وفي الحديث : «فشجرناهم بالرماح» (٤) أي شبكناهم ، وأنشد (٥) : [من الطويل]

يذكّرني حاميم والرمح شاجر

فهلّا تلا حاميم قبل التقدّم؟

قوله : «يوقد من شجرة مباركة» (٦) ، قيل : هي شجرة الزيتون. وقيل : هو النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والنور ماء قلبه ، وهذا من بليغ الاستعارات ، ولكن لا يجوز أن يراد ذلك إلا بتوقيف.

والشّجر : اسم جنس ، لأنه تفرّق بينه وبين واحده تاء التأنيث كقمح وقمحة ، وهو

__________________

(١) ٣٥ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٢) ٦ الرحمن : ٥٥.

(٣) ٦٥ النساء : ٤.

(٤) من حديث الشّراة. النهاية : ٢ ٤٤٦.

(٥) البيت كما في اللسان ـ مادة حمم لشريح بن أوفى العبسيّ. وحم* قراءتها العروضية في البيت «حاميم».

(٦) ٣٥ النور : ٢٤.

٢٩٠

مؤنث ، وكان قياس تصغيره دخول الياء لو لا خوف لبسه بالمفرد. والشّجار : خشب الهودج. وقيل : هودج مكشوف. ومثله الشّجر ، وجمعه مشاجر (١) ، وأنشد للبيد (٢) [من الوافر]

وأرثد فارس الهيجا إذا ما

تقعّرت المشاجر بالفئام

تقعرت : سقطت. والفئام : وطاء يفرش في المشجر.

فصل الشين والحاء

ش ح ح :

قوله تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ)(٣) أي بخل نفسه. والشّحّ : أشدّ البخل. يقال : شحّ يشحّ يشحّ ويشحّ ـ مثلث عين المضارع ـ ورجل شحيح وشحاح ، ومنه استعير بزند شحاح ، أي لا يورّي. والجمع أشحّة. قال تعالى : (أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ)(٤) أي هم بخلاء مع كونهم ذوي مال. وقيل : الشّحّ هو البخل مع حرص.

والشّحشح : الخطيب الماضي في خطبته. وقد سمع علي رضي الله عنه خطيبا يخطب فقال : «هذا الخطيب الشحشح» (٥) أي الماضي فيها لا يتلعثم. وكلّ ماض في سير أو كلام لا يتوقف فيه فهو شحشح. وهو مأخوذ من قولهم : شحشح البعير في هديره : إذا مضى فيه لا يسكت.

قوله تعالى : (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَ)(٦) قيل : معناه هو أن تشحّ المرأة على

__________________

(١) المشاجر : عيدان الهودج ، وهذا رأي الجوهري.

(٢) البيت على رواية اللسان ـ مادة فأم في حين أن رواية الديوان (ص ٢٠١) تختلف الكلمتان الأولى والأخيرة : وأربد ... بالخيام. وقد روى ابن منظور البيت في مادة ـ شجر «بالقيام» ويقول ناشر اللسان في الحاشية : قوله : وأبد .. تقدم في مادة شجر محرفا (يعني القيام) محرفا ، وما هنا هو الصواب.

(٣) ٩ الحشر : ٥٩ ، وغيرها.

(٤) ١٩ الأحزاب : ٣٣.

(٥) النهاية : ٢ ٤٤٩.

(٦) ١٢٨ النساء : ٤.

٢٩١

مكانها من زوجها ، ويشحّ الرجل على المرأة بنفسه : إذا كان غيرها أحبّ إليه منها. قوله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ)(١) أي بخلاء عليكم بالغنيمة (٢) أن يأتوا (٣) الحرب معكم لئلا يشاركوهم في الغنيمة.

ش ح م :

قوله تعالى : (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما)(٤) الشحوم جمع شحم ، وهو معروف يكون بوجود السّمن ويذهب بذهابه. ورجل مشحم : كثير الشّحم. وشاحم : يطعم أصحابه الشّحم. وشحيم : كثر شحم بدنه. وفي الحديث : «لا يجاوز شحمة أذنه» (٥) شحمة الأذن : مالان من أسفلها ، وهو معلق القرط. وشحمة الأذن ، قيل : الكمأة البيضاء. وقيل : دودة بيضاء.

ش ح ن :

قوله تعالى : (فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ)(٦) أي المملوء. يقال : شحنت السفينة ، أي ملأتها. والشحناء : العداواة لامتلاء النفس منها. وعدوّ مشاحن. وتشاحنوا : تعادوا. وأشحن فلان للبكاء أي امتلأت (٧) نفسه له لتهيئه (٨) له.

__________________

(١) ١٩ الأحزاب : ٣٣.

(٢) وفي س : لغنيمة.

(٣) في الأصل : يأتون.

(٤) ١٤٦ الأنعام : ٦.

(٥) صحيح البخاري ، المناقب : ٢٣.

(٦) ١١٩ الشعراء : ٢٦.

(٧) وفي الأصل : امتلأ.

(٨) وفي الأصل : وتهيئه. والتصويب من المفردات : ٢٥٦.

٢٩٢

فصل الشين والخاء

ش خ ص :

قوله تعالى : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(١). يقال : شخص من بلده : إذا خرج منها. وأشخصته : أخرجته ، وحقيقته : أخرجت شخصه. والشّخص : السواد المرئيّ من بعيد. ويقال : شخص بصره : إذا ارتفع غير متحرّك. فالمعنى أن أجفانهم ارتفعت فهي لا تطرف لشدّة هول المطلع. والشّخص يقع على الذكر والأنثى ، عاقلا كان أو غيره. ولفظه مذكر ، فمن ثمّ تجب التاء في عدده وإن أريد به مؤنث. ومن ثم لحّنوا عمر بن أبي ربيعة في قوله (٢) : [من الطويل]

وكان مجنّي دون ما كنت أتّقي

ثلاث شخوص : كاعبان ومعصر

وهذا ليس بجيد ؛ فإنه ممن احتجّ بقوله. وجوابه أنه لما فسّر الشخوص بقوله : كاعبان ومعصر ، سهّل ذلك سقوط التاء من عدده.

فصل الشين والدال

ش د د :

قوله تعالى : (إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ)(٣) قيل : هو خمس عشرة سنة إلى أربعين سنة. وهو جمع شدّة نحو نعمة وأنعم. وهي القوة والجلادة في البدن والعقل. وقد شدّ يشدّ شدّة : إذا كان قويا. وأصل الشّدّة : العقد القويّ. وشددت الشيء : قوّيت عقده. ومنه قوله تعالى :

__________________

(١) ٩٧ الأنبياء : ٢١.

(٢) البيت من شواهد اللسان ـ مادة شخص ، وفيه : دون من. وفي الكتاب لسيبويه : فكان نصيري (٣ ٥٦٦). المجن : الترس. المعصر : التي دخلت في عصر شبابها.

(٣) ١٥ الأحقاف : ٤٦.

٢٩٣

(اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي)(١) قرئ أمرا ومضارعا (٢) ، وقد بينّا ذلك في غير هذا. والشدّ يستعمل في العقد وفي البدن وفي قوى النّفس.

قوله تعالى : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى)(٣) يعني به جبريل عليه‌السلام. وذلك أنه قلب سبع مدائن ؛ حملها على ريشة من ريشه. قوله تعالى : (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٤) أي امنعها من الصرف والفهم عقوبة لهم حيث تعاموا بعد ما أبصروا ، وضلّوا بعدما تبيّن لهم طريق الهدى. قوله : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ)(٥) أي لبخيل ؛ والخير : المال. ومنه : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً)(٦) فسّر بالمال ، وقد تقدّم. والمتشدّد أيضا : البخيل ، ومنه قول طرفة (٧) : [من الطويل]

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي

عقيلة مال الفاحش المتشدّد

وقيل : المعنى : وإنه لشديد حبّ الخير ، أي حبّه شديد. وهو تفسير معنى قوله : (وَشَدَدْنا مُلْكَهُ)(٨) أي قوّيناه. قيل : إنه تداعى إليه رجلان فأوحي إليه بقتل أحدهما. فقال الرجل : لم أجن جناية تقتضي قتلي! فقال : بذلك أمرت. فقال الرجل : أما إني لم أقتل بهذه ، بل لأني قتلت أباه غيلة ، فهيب من حينئذ. وقيل : كان يحرس محرابه ثلاثون ألف مسلّح ، وكلّ ذلك بتقوية الله تعالى. وقال الراغب (٩) في قوله تعالى : (لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) : إنّ شديدا يجوز فيه أن يكون بمعنى مفعول ، كأنه شدّ كما يقال : غلّ عن الانفصال. وعلى هذا قالت اليهود : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ)(١٠). ويجوز أن يكون

__________________

(١) ٣١ طه : ٢٠.

(٢) قرئ «أشدد» بضم الألف. وقرأ ابن عامر والحسن «أشدد» (معاني القرآن للفراء : ٢ ١٧٨).

(٣) ٥ النجم : ٥٣.

(٤) ٨٨ يونس : ١٠.

(٥) ٨ العاديات : ١٠٠.

(٦) ١٨٠ البقرة : ٢ ، وانظر مادة : خ ي ر.

(٧) ديوانه : ٤٥. الاعتيام : الاختيار. الفاحش : البخيل.

(٨) ٢٠ ص : ٣٨. والآية وأوجه تفسيرها عن النبي داود (٤).

(٩) المفردات : ٢٥٦.

(١٠) ٦٤ المائدة : ٥.

٢٩٤

بمعنى فاعل كالمتشدّد كأنه شدّ صرته (١). وقال (٢) في قوله : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) : وفيه تنبيه أنّ الإنسان إذا بلغ هذا القدر يتقوّى خلقه الذي هو عليه ، فلا يكاد يزايله بعد ذلك. وإليه نحا الشاعر ، قال (٣) : [من الطويل]

إذا المرء وافى الأربعين ولم يكن

له دون ما يهوى حياء ولا ستر

فدعه ولا تنفس عليه الذي مضى

وإن جرّ أسباب الحياة له العمر

وشدّ فلان واشتدّ : أسرع ، كأنه مأخوذ من قولهم : اشتدّت (٤) به الريح.

فصل الشين والراء

ش ر ب :

قوله تعالى : (فَشَرِبُوا مِنْهُ)(٥). الشّرب : تناول كلّ مائع بالفم من ماء وغيره. قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ)(٦) أي تمكّن حبّه من قلوبهم تمكنا بمنزلة من شرب ماء فدخل جوفه. قوله تعالى : (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ)(٧) قرئ بالضمّ والفتح على أنهما مصدران لشرب (٨) ، وفيه لغة ثالثة «شرب» بالكسر. يقال : شربت الماء شربا وشربا. والمعروف أن المضموم مصدر والمفتوح جمع شارب كقول النابغة الذبياني (٩) : [من البسيط]

__________________

(١) وفي س : صورته. ويؤيد ح رواية الراغب في المفردات : ٢٥٦.

(٢) يعني الراغب.

(٣) شاهد الراغب : ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٤) في الأصل : اشتد.

(٥) ٢٤٩ البقرة : ٢.

(٦) ٩٣ البقرة : ٢.

(٧) ٥٥ الواقعة : ٥٦. أي شرب الإبل العطاش التي لا تروى.

(٨) قرأها ابن جريج يفتح الشين. وسائر القراء يرفعون الشين (معاني القرآن للفراء : ٣ ١٢٨). وقرأ مجاهد وأبو عثمان النهدي بالإمالة (مختصر الشواذ : ١٥١).

(٩) البيت من معلقته كما في الديوان : ١١. وفي الأصل : كأنه خارج. المفتأد : المشتوى والمطبخ ، وكل نار يشوى عليها تسمى فئيد.

٢٩٥

كأنّه خارجا من جنب صفحته

سفّود شرب نسوه عند مفتأد

والمكسور : الحظّ والنّصيب ؛ ومنه : (هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)(١). والشّراب : ما يشرب. قوله تعالى : (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ)(٢) ؛ الظاهر أنه مكان الشراب ، ويضعف كونه زمانا أو مصدرا. وجمعه مشارب. قال تعالى : (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ)(٣) فهذا جمع مشرب ، المراد به المصدر.

والشّارب : الشعر الذي على الشّفة العليا ، وهو أيضا عرق في باطن الحلق ؛ سمي بذلك تصوّرا بصورة فاعل الشراب. وقوله : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) أي تمكّن حبّه من قلوبهم تمكّنا بمنزلة من شرب ماء ، فوصل إليه (٤) وخالطه. وقيل : هو على حذف مضاف ، أي حبّ العجل. وأنشد للنابغة الجعديّ (٥) : [من المتقارب]

فكيف تواصل من أصبحت

خلالته كأبي مرحب؟

أي كخلالة ابن مرحب.

وقال ابن عرفة : يقال : أشرب قلبه محبّة كذا ، أي حلّ محلّ الشراب. وقيل : هو من قولهم : أشربت البعير ، أي شددت في عنقه حبلا. وأنشد (٦) : [من الوافر]

تغلغل حيث لم يبلغ شراب

ولا حزن ، ولم يبلغ سرور

ولو قيل : حبّ العجل ، لم يكن في بلاغة ما أنزل الله تعالى ؛ فإنّ في ذكر العجل تنبيها أنّهم لفرط شغفهم به صارت صورة العجل في قلوبهم لا تنمحي. وفي المثل : «أشربتني ما لم أشرب» (٧) أي ادّعيت عليّ ما لم أفعل.

__________________

(١) ١٥٥ الشعراء : ٢٦.

(٢) ٦٠ البقرة : ٢.

(٣) ٧٣ يس : ٣٦.

(٤) في الأصل : إلى ، والسياق يتطلب وجود الضمير.

(٥) شعر النابغة الجعدي : ٢٦. وفي أمالي القالي (١ ٩٢) : وكيف تصادق.

(٦) من شواهد الراغب في المفردات : ٢٥٧.

(٧) أي ادّعيت عليّ شربه ولم أفعل (المستقصى : ١ ١٩٥).

٢٩٦

ش ر ح :

قوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ)(١) أي بسط ووسّع ، وهو عكس من قال فيه : (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً)(٢). وأصل الشّرح : البسط والتّوسعة. ومنه شرح الكلام لإيضاحه ، وشرح اللحم لبسطه ، وشرح الله صدور عباده ، إنما هو بما يلقي فيها من أنوار الهداية ووفور النظر. وشرح فلان جاريته ، أي وطئها على قفاها (٣). وفي حديث ابن عباس : «وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النساء شرحا» (٤) أي يبسطونهنّ وقت الجماع.

ش ر د :

قوله تعالى : (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ)(٥) أي اطرد من خلفهم طردا بليغا ، وذلك إذا فعلت بهؤلاء فعلا ينزجر به من رآهم فيشردون ويهربون كلّ مهرب ؛ أي هم سبب في تشريد غيرهم. ومنه نكّلت بفلان ، أي منعت غيره بسببه ، أي بسبب فعلي به فعلا يردع غيره. ومنه ، شرد البعير ، وشرّدته أنا وقيل : شرّد بهم ، أي أسمع بهم (٦). وقيل : هي لغة قرشية ؛ قال شاعرهم (٧) : [من الوافر]

أطوّف في الأباطح كلّ يوم

مخافة أن يشرّد بي حكيم

وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسّلام قال لخّوات بن جبير : «ما فعل شرادك؟» (٨). قال الهرويّ : يعرّض بقصته مع ذات النّحيين ، وهي معروفة. وأراد به : لما فرغ شرد في الأرض وانفلت خوفا (٩). يقال : شرد يشرد ، فهو شارد وشرود وشرّاد. ورجل شريد ، أي طريد.

__________________

(١) ٢٢ الزمر : ٣٩.

(٢) ١٢٥ الأنعام : ٦.

(٣) يعني : وهي نائمة على قفاها.

(٤) النهاية : ٢ ٤٥٦.

(٥) ٥٧ الأنفال : ٨ ، ولعل معناها : أسمع بها.

(٦) أي أسمع بعيوبه.

(٧) البيت في اللسان ـ مادة شرد. وفيه : بالأباطح. ولم يعزه. وقال : معناه : أن يسمّع بي.

(٨) النهاية : ٢ ٤٥٧.

(٩) انظر القصة في النهاية ، وفي اللسان ـ شرد ، وفي الصحاح ـ نحا. وقد قيل : إن هذا وهم من الهروي والجوهري ، وذكر ابن منظور هذا الوهم.

٢٩٧

ش ر ذ م :

قوله تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)(١). الشّرذمة : الجماعة المنقطعة ، من قولهم : ثوب شرذام ، أي متقطع.

ش ر ر :

قوله تعالى : (إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ)(٢). الشّرر : قطع النار التي تتطاير منها ، الواحدة شررة. وصف النار بأنها (٣) على خلاف ما يتعارفه الناس ، وهو أن شررها بقدر القصور. والشّرّ (٤) : ما ينفر منه كلّ أحد ؛ وقد يكون دينيا ودنيويا. والدنيويّ مدرك لذوي العقول من غير توقف على غيره غالبا. وأما الدينيّ فلا يعلم غالبا إلا بتوقف الرسل كآداب الجوارح في العبادات ، والامتناع من ملاذّ دنيوية (٥) ، وإن حصل بها تألّم عاجل فإنّ بها خيرا آجلا.

وقوله عليه الصلاة والسّلام : «والشرّ ليس إليك» (٦) ، أي لا يليق بالأدب نسبة ما يتعارفه الناس شرّا إليك. وقيل : لا يصعد إليك إلا الطيّب من العمل دون الخبيث ، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)(٧) ، وقد تقدّم طرف من ذلك عند ذكر الخير. ويقال : رجل [شرّير](٨) وشرّانيّ : متعاط للشرّ. والجمع شرار. قال تعالى : (كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ)(٩). وأشررته : نسبته إلى الشرّ. وقيل : أشررن كذا ، أي أظهرنه. وأنشد (١٠) : [من الطويل]

__________________

(١) ٥٤ الشعراء : ٢٦.

(٢) ٣٢ المرسلات : ٧٧.

(٣) ساقطة من س.

(٤) وفي الأصل : والشرر.

(٥) وفي س : دنيوي.

(٦) من حديث الدعاء كما في النهاية : ٢ ٤٥٨.

(٧) ١٠ فاطر : ٣٥.

(٨) بياض في الأصل. والإضافة من المفردات.

(٩) ٦٢ ص : ٣٨.

(١٠) الشاهد عند ابن هشام في مغني اللبيب : ١ ١١) لموضع خفض بالجار المحذوف. والبيت للفرزدق يهجو جريرا (الديوان : ٥٢٠) ، ولم يجر شارحه بل رفعه ، وذكر الرواية الأولى.

٢٩٨

إذا قيل : أيّ الناس شرّ قبيلة

أشرّت كليب بالأكفّ الأصابعا

قال الراغب (١) : فإن لم يكن في هذا إلا هذا البيت فإنه يحتمل أنها نسبت الأصابع (٢) بالإشارة إليه ، فيكون من أشررته : إذا نسبته إلى الشرّ. يعني أنه إن لم يكن لهذا القول شاهد إلا الشّعر ، فإنه لا دلالة فيه ، لاحتمال ما ذكره. وهو كما قاله. ويروى البيت :

أشارت كليب بالأكفّ الأصابع

بجرّ كليب ورفع الأصابع ، على تقدّم أشارت الأصابع إلى كليب فحذف الجارّ وأبقى عمله ، وهو شاذّ كقول الآخر (٣) :

حتى سرح فارتقى الإعلام

يريد : إلى الإعلام.

والشّرّ بالضم خصّ بالأمر المكروه. وشرر النار : ما تطاير منها ؛ سمي بذلك لما فيه من الشرّ. قوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ)(٤) ، أي يدعو على نفسه وولده وماله حال ضجره ، كما يدعو لهم بالخير فلا يعجل الله تعالى عليه لطفا به. وقوله تعالى : (أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً)(٥) نسب الشرّ إلى مكانهم مبالغة ؛ إذ لا يحضر المكان الموصوف بالشرّ إلا شرّير.

وفي الحديث : «يشر شر شدقه» (٦) أي يشقّق. والمشهور في مادة الخير والشرّ إذا بني منها أفعل تفضيل أن لا تثبت همزتها ؛ فيقال : زيد خير من عمرو ، وشرّ من بكر. وشذّ ثبوتها فيهما كقوله (٧) : [من الرجز]

بلال خير الناس وابن الأخير

__________________

(١) المفردات : ٢٥٧.

(٢) أسقط الناسخ هنا من كلام الراغب قوله : إلى الشر ، وهو مناسب.

(٣) الشطر غامض.

(٤) ١١ الإسراء : ١٧.

(٥) ٧٧ يوسف : ١٢.

(٦) من حديث الرؤيا كما في النهاية : ٢ ٤٥٩. يريد : يشقّقه ويقطّعه.

(٧) شرح ابن عقيل : ١ ١٣ ، جاء به شاهدا على مجيء أخير وأشرّ على الأصل.

٢٩٩

وقرئ شاذا : (سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ)(١). وإذا بني منهما أفعل التعجب ثبتت الهمزة ، فيقال : ما أخيرك وما أشرّه! وقد شذّ حذفها هنا في قولهم : ما خير اللبن للصحيح وما شرّه للمبطون. كما شذّ ثبوتها هناك كما مثّلته لك في الآية الكريمة والبيت.

ش ر ط :

قوله تعالى : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها)(٢) أي علاماتها ، واحدها شرط. والشرط الصناعيّ والشرعيّ من ذلك ، لأنه علامة لترتّب الحكم عليه ؛ ألا ترى إلى قولك : إن قمت ١٧٥ أكرمتك؟ فالقيام علامة لوقوع الإكرام مرتبا عليه. وقولك : إن دخلت الدار فأنت طالق ، بأنّ دخول الدار علامة على وقوع الطلاق؟ وفي كلام الراغب (٣) ما يضادّ ذلك ؛ فإنه قال : والشّرط : كلّ حكم يتعلّق بأمر يقع بوقوعه. وذلك الأمر كالعلامة له. وهذا عكس ما قاله الناس ، وعكس المعنى أيضا.

وأشرط نفسه : جعل لها علامة تعرف بها. قيل : والشّرط من ذلك ، لأنهم جعلوا زيّا يعرفون به دون غيرهم. وقيل : لأنهم أراذل الناس. ومنها : أشراط الإبل للرّذال منها. وفي الحديث ، وقد ذكر الزكاة : «ولا الشّرط اللئيمة» (٤) قيل : هي رذال الجمال كالدّبر والهذيل (٥). قال أبو عبيد : هي صغار الغنم وشرارها. واشترط كذا ، أي جعل له علامة على ما يتّفق مع غيره عليه. وقد اشترط نفسه للهلكة : إذا عمل عملا يكون علامة على هلكته ، أو يكون فيه شرط للهلاك.

والشرائط جمع شريطة لا شرط. وفي الحديث : «نهى عن شريطة الشّيطان» (٦) قيل : ذبيحة لا تقطع (٧) فيها الأوداج ، مأخوذ من شرط الحجّام ، لأنّ أهل الجاهلية كانوا يقطعون

__________________

(١) ٢٦ القمر : ٥٤. قرأها مجاهد وحده «الأشر» وانظر معاني القراء للفراء : ٣ ١٠٨.

(٢) ١٨ محمد : ٤٧.

(٣) المفردات : ٢٥٨.

(٤) النهاية : ٢ ٤٦٠.

(٥) الدبر : المصاب بتقرح في دبره. أي أن هذه الأصناف لا تكون زكاة عن غيرها.

(٦) النهاية : ٢ ٤٦٠.

(٧) في الأصل : لا تفرى ، والتصويب من النهاية.

٣٠٠