عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

تعالى : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)(١) قيل : معناه مصبوب. وأصله من سننت الحديد ، أي أسلته وحددته. والمسنّ : الآلة. فباعتبار هذا الأصل قيل : سننت الماء ، أي صببته وأسلته. وقيل : معناه متغير منتن. ومنه قوله تعالى : (لَمْ يَتَسَنَّهْ)(٢) أي لم يتغيّر ولم ينتن. والأصل : يتسنّن ، فأبدل أحد الأمثال حرف علة.

س ن ه (٣) :

قوله تعالى : (أَلْفَ سَنَةٍ)(٤). السّنة : الحول اثنا عشر شهرا ، وأصلها سنهة في إحدى اللغتين ، وسنوة في اللغة الأخرى. فمن الأولى : سانهت (٥) ، وسنيهة. ومن الثاني : سانيت ، وسنيّة. وشذّ جمعها سلامة في قولهم : هذه سنون ، ورأيت سنين. وقد يعرب بالحركات مع التاء. وعليه قوله عليه الصلاة والسّلام في إحدى الروايتين : «اللهمّ اجعلها عليهم سنينا كسني يوسف» (٦) وقول الآخر (٧) : [من الطويل]

دعاني من نجد فإنّ سنينه

لعبن بنا شيبا وشيّبننا مردا

فمن ثمّ لم تحذف نونه للإضافة. وتحقيق العبارة فيه أنه جمع تكسير جرى مجرى الصّحيح. ولنا فيه كلام مشبع في غير هذا. قوله : (لَمْ يَتَسَنَّهْ)(٨) قيل : هو من لفظة السّنة على اللغة الأولى ، والمعنى : لم يتغيّر بمرّ السنين عليه ولم تذهب طراوته (٩). وقيل : من الثانية ، والهاء للسّكت. وغلبت السنة في الحول المجدب ، والعام في المخصب. ولذلك

__________________

(١) ٢٦ الحجر : ١٥.

(٢) ٢٥٩ البقرة : ٢.

(٣) جاء في هامش ح ، الورقة : ١٦٦ : «وفرق بعضهم بين السنة والعام ؛ بأن العام من أول المحرم إلى [ذي] الحجة ، والسنة كل يوم إلى مثله من القابلة. ذكره ابن الخباز في شرح اللمع».

(٤) ٩٦ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٥) سانهت فلانا : عاملته سنة فسنة.

(٦) النهاية : ٢ ٤١٤ ، مع اختلاف في الرواية. وهي السنون التي ذكرها الله تعالى في كتابه : ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ.

(٧) أنشده الفارسي كما في اللسان ـ مادة سنة.

(٨) ٢٥٩ البقرة : ٢.

(٩) في ح : طرية ، وفي س : طراية.

٢٦١

قال : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ)(١). وقال : (ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)(٢). وفي حديث عمر : «كان لا يجيز نكاح عام السّنة» (٣) ، ويقول : الضيقة تحملهم أن ينكحوا غير الأكفاء. و : «كان لا يقطع في عام السّنة» (٤) يعني لشدّة الضيق. وقيل : أسنت (٥) القوم ، أي أصابتهم السّنة ، وليس من هذه المادة ؛ لأنّ التاء أصل. وفي الحديث : «كان القوم مسنتين» (٦) وروي : مشتين أي داخلين في الشتاء ؛ وليس بمحفوظ. فيجوز أن يكون قد صحّف. وقال آخر (٧) : [من الكامل]

عمرو الذي هشم الثّريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

وأمّا قوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ)(٨) فمن الوسن ، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وليس من هذه المادّة.

س ن و :

قوله تعالى : (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ)(٩) السّنا بالقصر : الضّوء الساطع ، وبالمدّ : الشرف والرّفعة. وقد جمع بينهما من قال : [من الرمل]

أيّها البدر سناء وسنا

حفظ الله زمانا أطلعك

__________________

(١) ١٣٠ الأعراف : ٧.

(٢) ٤٩ يوسف : ١٢.

(٣) النهاية : ٢ ٤١٤ ، وفيه : «كان لا يجيز نكاحا عام سنة» ، أي عام الجدب.

(٤) النهاية : ٢ ٤١٤ ، أي السارق.

(٥) وفي الأصل : أسن ، وهو وهم من الناسخ.

(٦) النهاية : ٢ ٤٠٧. وهذا الحديث يثبت ما ذهب إليه المؤلف ، من أن هذه اللفظة ليست من هذه المادة. ومعنى الحديث : كانوا مجدبين.

(٧) قاله شاعر من قريش أو بعض العرب يمدح هاشما. ذكره ابن بري مع بيت آخر (الجوهرة : ٢ ٢٧).

غير أن عجزه فيه يختلف :

قوم بمكة مسنتين عجاف

أما ابن منظور فأقرب إلى الأصل إلا في مطلع البيت : عمرو العلا (مادة ـ هشم).

(٨) ٢٥٥ البقرة : ٢.

(٩) ٤٣ النور : ٢٤.

٢٦٢

والسانية : الناضح التي تسقي الأرض (١). يقال : سنا يسنو أي سقى الأرض بالسانية. والسّنا (٢) أيضا : النّبات المسهل له حمل ، إذا يبس حرّكته الريح فسمعت له زجلا ، الواحدة سناة. وسنا أيضا بمعنى حسن. ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «سنا سنا» (٣) أي حسن حسن ، قيل : هي لغة يمنية.

فصل السين والهاء

س ه ر :

قوله تعالى : (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)(٤) قيل : هي أرض بيضاء لم يعص الله عليها. وقيل : وجه الأرض. وقيل : الأرض المستوية.

والسهر : عدم النوم ، فكأنّ أرض القيامة من كثرة الوطء عليها سهرت من ذلك. والأسهران : عرقان معروفان.

س ه ل :

السهولة ضدّ الصعوبة. سهل الأمر سهولة فهو سهل. والسّهل : ضدّ الحزن. وأسهل : دخل في السّهل ، كأنجد دخل نجدا. وسهيل : نجم معروف.

س ه م :

قوله : (فَساهَمَ)(٥) أي قارع ، أي خرج السهم عليه لا له. والسّهم أيضا : القدح الذي كانوا يقتسمون به ، وهي عشرة قد ذكرناها وذكرنا اختلاف الناس في كيفية فعلهم في الجاهلية في «الأحكام» و «التفسير». والسّهم : النصيب. ويطلق على الجزاء أيضا ، وسهم

__________________

(١) الناضح : الناقة التي يستقى عليها. والغرب أداته.

(٢) وتقصر.

(٣) النهاية : ٢ ٤١٥. و «سنا» تخفف نونها وتشدّد.

(٤) ١٤ النازعات : ٧٩.

(٥) ١٤١ الصافات : ٣٧.

٢٦٣

وجهه ، أي تغيّر. وكان الأصل فيه أنّ وجه الرجل إذا ضرب له بالسّهم يتغير إذ لا يدري ما ذا يخرج له من خير أو شرّ. وفي الحديث : «فدخل عليّ ساهم الوجه» (١).

فصل السين والواو

س و ا :

قوله تعالى : (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ)(٢). السوء : كلّ ما يغمّ الإنسان من الأمور الأخرويّة والدّنيوية كفقد مال أو حميم. ويكنى به عن البرص لإساءة صاحبه. وبه فسّر قوله تعالى : (تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ)(٣). وقيل : سليمة من كلّ آفة. والسوء أيضا : كلّ ما يقبح. ولهذا قوبل بالحسنى. وقوله : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى)(٤).

والسيّئة : الفعلة القبيحة ، صفة في الأصل جرت مجرى الجوامد كالحسنة. ووزن السيئة فعلية (٥). والأصل سيوئة فأعلّت كميت وسيد. ثم الحسنة والسيئة ضربان ؛ ضرب يقال باعتبار العقل والشرع ، كقوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها)(٦). وضرب يقال باعتبار الطبع مّما يستخفّه أو يستثقله ، كقوله تعالى : (فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ)(٧). وقوله : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا)(٨).

وساءه كذا ، وأسأت إلى فلان (٩) ، أي أدخلت عليه السّوء. ويقال : سأى وهو مقلوب من ساء كناء ونأى. وساء يكون قاصرا إذا كان للذمّ بمعنى بئس ، فيلزم فيه ما يلزم فيه ، كقوله

__________________

(١) النهاية : ٢ ٤٢٩. أي : متغيره.

(٢) ٦١ الزمر : ٣٩.

(٣) ٣٢ القصص : ٢٨.

(٤) ١٠ الروم : ٣٠.

(٥) أصل سيئة سيوئة ، فقلبت الواو ياء وأدغمت. ورسمها ناسخ ح : فعيلة.

(٦) ١٦٠ الأنعام : ٦.

(٧) ١٣١ الأعراف : ٧.

(٨) ٥٠ التوبة : ٩.

(٩) ويقال : أسأت به وعليه وله.

٢٦٤

تعالى : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ)(١) ، ومتعديا إذا لم يكن كذلك. ومنه قوله تعالى : (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٢) ؛ إذ لا يبنى للمفعول على التّمام إلا المتعدّي.

وتقول : ساءني كذا ، وسرّني كذا. وقال تعالى : (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ)(٣). قوله تعالى : (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ)(٤) يريد : بما تسيئهم عاقبته في الآخرة. والسّوءة : العورة ، لأنها تسوء من ينظرها ، أو تسيء من تظهر منه لاستكراه ذلك طبعا. وقوله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ)(٥) يريد : ما ساءه فيها وهي رمّته حين أنتن. وقوله : (ثُمَّ كانَ عاقِبَةَ الَّذِينَ أَساؤُا السُّواى)(٦) فأساؤوا بمعنى أشركوا. السّوأى : النار ، إذا لم تجعلها مصدرا لأساء.

قوله تعالى : (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ)(٧) هو أن لا تقبل لهم حسنة ولا تغفر لهم سيئة. وقوله : (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ)(٨) أي مكان الجدب ، والحسنة : الحيا (٩). قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ)(١٠) أي بالعذاب ، كقوله : (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً)(١١). وقوله تعالى : (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(١٢) إنما بني الفعل مسندا إلى الوجوه تنبيها أنهم ساءهم ذلك حتى تبيّن أثره في وجوههم. قوله تعالى : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً)(١٣) قرئ «سيئه» و «سيئة» (١٤). فالأولى بمعنى كان جمع المنهيّات

__________________

(١) ١٧٧ الأعراف : ٧.

(٢) ٢٧ الملك : ٦٧.

(٣) ٥٠ التوبة : ٩.

(٤) ١٦٩ البقرة : ٢.

(٥) ٣١ المائدة : ٥.

(٦) ١٠ الروم : ٣٠.

(٧) ٢١ الرعد : ١٣.

(٨) ٩٥ الأعراف : ٧.

(٩) وفي الأصل : والسنة : الحياة.

(١٠) ٦ الرعد : ١٣.

(١١) ٨٢ هود : ١١ ، وغيرها.

(١٢) ٢٧ الملك : ٦٧.

(١٣) ٣٨ الإسراء : ١٧.

(١٤) قرأ بعض أهل الحجاز «سيئة» (معاني الفراء : ٢ ١٢٤). وفي حاشية الشارح (رقم ٢) أن القراءة الأولى ـ

٢٦٥

والثانية أن الإشارة إلى كلّ ما تقدّم ، وفيه سيّئ وغير سيّئ. وقوله : (سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ)(١) أي حلّ بهم ما يسوءهم. قوله : (دائِرَةُ السَّوْءِ)(٢) قرئ بالضم والفتح (٣) ، أي أحاط بهم السّوء إحاطة الدائرة بالشيء ، فلا انفلات لهم منه. ولنا فيه كلام مشبع في «الدرّ» و «العقد» وغيرهما. قوله : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً)(٤) أي هلكة ونحوها.

س و د :

قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ)(٥). السّواد : حمله بعضهم على حقيقته ، وهو اللون المعروف والمقول في تعريفه : اللون القابض للبصر عكس البياض فإنه المفرّق للبصر. وقال : هو أنّ الله تعالى يسوّد وجوههم تسويدا محسوسا ليعرفهم أهل المحشر. وعليه قوله : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ)(٦). وقيل : ابيضاض الوجوه واسودادها ، كناية عن الإيمان والكفر وأثرهما ، وذلك أنّ وجه الصادق المطمئنّ يستنير بضوء. ووجه الكاذب الخائف كأنما نسف رمادا.

قوله تعالى : (وَسَيِّداً)(٧) السيّد : من ساد قومه أي فاقهم. وأصله سيود فاعل ، وأصل ذلك من قولهم : سواد الناس ، يعنون أشخاصهم. ولا يفارق سوادي سواده ، أي شخصي شخصه ، فكأنه قام مقام جماعة. والسيّد : البعل أيضا ، ومنه قوله تعالى : (وَأَلْفَيا

__________________

ـ لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف وافقهم الحسن والأعمش ، والقراءة الآخرة للباقين. وفي مختصر الشواذ لابن خالويه (ص ٧٦ و ٧٧) : قرأ «سيئاته» على الجمع ابن أبي إسحاق ، و «سيّياته» أبو بكر الصديق. «سيئا» في بعض المصاحف ، وفي بعضها «سيئات».

(١) ٧٧ هود : ١١.

(٢) ٩٨ التوبة : ٩.

(٣) يقول الفراء : وفتح السوء هو وجه الكلام وقراءة أكثر القرّاء. وقد رفع مجاهد السين في موضعين ها هنا وفي الفتح. فمن قال «السّوء» فإنه أراد المصدر من سؤته سوءا و... ومن رفع السين جعله اسما (معاني القرآن : ١ ٤٥٠).

(٤) ١١ الرعد : ١٣.

(٥) ١٠٦ آل عمران : ٣.

(٦) ٤٠ و ٤١ عبس : ٨٠.

(٧) ٣٩ آل عمران : ٣.

٢٦٦

سَيِّدَها)(١) أي بعلها. وقوله تعالى : (إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا)(٢) أي متولّو أمورنا (٣).

س و ر :

قوله تعالى : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ)(٤). السّورة من القرآن : القطعة منه المفتتحة بالبسملة المختتمة بخاتمتها. سميت بذلك لأنها محيطة إحاطة السّور بالمدينة. وقيل : سميت بذلك لرفعتها. والسّورة : المنزلة الرفيعة. قال النابغة (٥) : [من الطويل]

ألم تر أنّ الله أعطاك سورة

ترى كلّ ملك دونها يتذبذب؟

وقيل : لأنها منزلة من منازل القرآن كمنازل القمر ، كذا قاله الراغب (٦) وليس بظاهر. وقيل : أصلها سؤرة مهموزة ، من أسأرت أي أبقيت. قال (٧) : [من البسيط]

لا بالحصور ولا فيها بسأار

وقيل : إنها بقية من القرآن ، وحينئذ فليست مما نحن فيه. قوله تعالى : (أَساوِرَ)(٨) وقرئ : «أسورة» جمع أسوار ، وهو مما يجعل في معصم المرأة. وقيل : هو فارسيّ معرب ، وأصله أسوار (٩). والأسوار من الفرسان غلب في الرامي منهم (١٠). والسّورة : شدة

__________________

(١) ٢٥ يوسف : ١٢.

(٢) ٦٧ الأحزاب : ٣٣.

(٣) جاء في هامش الورقة ١٦٧ من النسخة ح (وهو مذكور في المفردات : ٢٤٧): «والسيد : المتولي للسواد أي الجماعة الكثيرة. أو ينسب إلى ذلك فيقال : سيد القوم. ولا يقال : سيد الثوب. ولما كان من شرط المتولي للجماعة كونه مهذب النفس قيل لكل من كان فاضلا في نفسه (سيد) المناوى».

(٤) ٢٣ البقرة : ٢.

(٥) الديوان : ٧٨. ويروى : صورة.

(٦) المفردات : ٢٤٨.

(٧) البيت للأخطل. ورواه ابن منظور بروايتين الأولى كما في النص (مادة ـ سأر) ، والثانية (مادة ـ سور) : بسوّار كما سيأتي. وصدره :

وشارب مربح بالكأس نادمني

(٨) ٣١ الكهف : ١٨ ، وغيرها.

(٩) وفي الأصل : استوار. ومعناها الفارسي : المحكم.

(١٠) الأسوار في الفارسية : الفارس راميا أو غير رام ، وهذا هو المعنى هنا.

٢٦٧

الغضب. قال الشاعر (١) : [من الطويل]

خذي العفو مني تستديمي مودّتي

ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

فالسّورة أيضا : حدّة الشيء ، ومنه : يكسر سورة الجوع. وساوره أي واثبه. قال النابغة (٢) : [من الطويل]

فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

ويقال للمعربد من السكر : سوّار ، لأنه يثب على الناس. وعلى ذلك روي قوله : [من البسيط]

لا بالحصور ولا فيها بسوّار (٣)

أي شديد الغضب والوثبة على جلسائه.

س و ط :

قوله تعالى : (سَوْطَ عَذابٍ)(٤). السّوط في الأصل مصدر ساطه يسوطه أي خلطه ، كقول كعب بن زهير (٥) : [من البسيط]

لكنّها خلّة قد سيط من دمها

فجع وولع وإخلاف وتبديل

فسمي به هذه الآلة المعروفة التي يعاقب بها ، وهو ما يضفر من الجلود لأنه يخلط اللحم بالدم. فقوله : (سَوْطَ عَذابٍ) على التشبيه بما يعرفون ألمه وإيجاعه ، وإلا فشتّان ما بين السّوطين! وما أبلغ هذه الاستعارة عند أهل الذوق! وقيل : سمي سوطا لاختلاط ١٦٨ طاقاته بعضها ببعض. وقيل : إشارة إلى أنه تعالى خلط لهم أنواع العذاب بعضها ببعض ،

__________________

(١) البيت من شواهد ابن منظور في مادة ـ عفا.

(٢) الديوان : ٤٦.

(٣) أنظر قبل صفحة.

(٤) ١٣ الفجر : ٨٩.

(٥) الديوان : ٨.

٢٦٨

كقوله : (فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ)(١). وقال الفراء : السّوط اسم للعذاب وإن لم يكن ثمّ ضرب بسوط ، والأول هو المعوّل عليه (٢).

س و ع :

قوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ)(٣) يعني يوم القيامة. والساعة في الأصل : القطعة من الزّمان وإن قصر. وعبّر به عن القيامة وإن كانت متطاولة الأزمنة لقوله : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ)(٤) تنبيها على سرعة الحساب. وإنه تعالى لا يفوته شيء من أعمال خلقه من صالح وسيئ. فهو يجازي الفريقين في أسرع زمان في ظنّكم. وعلى ذلك نبّه بقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ)(٥). والساعة عند أهل الفلك زمن مخصوص. وقوله تعالى : (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ)(٦) منبّه على ما تقدّم.

وقوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ)(٧) ؛ فالساعة الأولى القيامة ، والثانية القليل من الزّمان. وقيل : الساعات التي هي القيامة ثلاث : الساعة الكبرى ، وهي بعث الناس للقيامة والمحاسبة. وقد أشار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إليها بقوله : «لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفحش ، وحتى يعبد الدرهم والدينار» (٨). فذكر أمورا لم تكن في زمانه ولا فيما بعده مما يقرب منه.

والساعة الوسطى ، وهي موت أهل القرن الواحد ، نحو ما روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد رأى عبد الله بن أنيس فقال : «إن يطل عمر هذا الغلام لم يمت حتى تقوم الساعة» (٩). فيقال : إنه آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

__________________

(١) ٥٦ و ٥٧ ص : ٣٨.

(٢) ويقول : هذه كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب ، تدخل فيه السوط ، جرى به الكلام والمثل (معاني القرآن : ٣ ٢٦١).

(٣) ١٥ طه : ٢٠.

(٤) ٤٧ الحج : ٢٢.

(٥) ٣٥ الأحقاف : ٤٦.

(٦) ٦٢ الأنعام : ٦.

(٧) ٥٥ الروم : ٣٠.

(٨) مسند أحمد بن حنبل ٢ ، ١٦٢ ، ٤٥. وفيه «التفاحش».

(٩) أنظر ترجمته في الإصابة : ٢ ٢٧٨ وفي أسد الغابة : ٣ ١١٩.

٢٦٩

والساعة الصغرى ، وهي موت الإنسان ؛ قيل : وهي المرادة هنا بقوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا)(١) لأنّ من المعلوم [أن] مثل هذه الحسرة [تنال](٢) الإنسان عند موته. ويجوز أن يراد القيامة. وفي الحديث : «من مات فقد قامت قيامته» (٣) وقوله : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ)(٤). وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا هبّت ريح شديدة تغيّر لونه ويقول : «تخوّفت الساعة» (٥). وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما أمدّ طرفي ولا أغمضها إلا وأظنّ الساعة قد قامت» (٦). فهذا كلّه يدلّ على أنّ المراد بالساعة حين موت الإنسان ، ويحتمل أن يكون ذلك منبها على القرب ، لأنّ ما هو آت قريب لقوله تعالى : (وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)(٧). ولا ترد في القرآن إلا مرادا بها القيامة.

وعين الساعة واو بدليل قولهم : عاملته مساوعة ، نحو : معاومة ومشاهرة. وقولهم : جاء بعد سوع من الليل وسواع ، أي هدء. وتصوّر من الساعة الإهمال (٨). فقيل : أسعت الإبل أسيعها ، فهو ضائع وسائع.

قوله : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً)(٩) سواع : اسم صنم. ويقال : إنه اسم رجل صالح كان في زمن نوح ، عمل قومه مثل صورته وصورة أصحابه ليتذكّروا عبادتهم فيعيدونها ، فجاء إبليس وقال لأعقابهم الأغمار (١٠) : كان آباؤكم يعبدونها. فمن ثمّ اتّخذت الأصنام. وفي ذلك نظر ؛ إذ كان يلزم منع صرفه للعجمة الشخصية والعلمية.

__________________

(١) ٣١ الأنعام : ٦.

(٢) إضافة المحقق لضرورة السياق.

(٣) رواه الديلمي عن أنس بلفظه ، وبمعناه رواه الطبراني عن المغيرة بن شعبة «كشف الخفاء : ٢ ٢٧٩».

(٤) ١٠ المنافقون : ٦٣.

(٥) المفردات : ٢٤٨.

(٦) وفي المفردات : ٢٤٨ : «ولا أغضّها».

(٧) ٧٧ النحل : ١٦.

(٨) وفي الأصل : الأعمال.

(٩) ٢٣ نوح : ٧١.

(١٠) غمار الناس : عامّتهم.

٢٧٠

س و غ :

قوله تعالى : (سائِغاً لِلشَّارِبِينَ)(١) أي سهل الانحدار والدخول. ساغ الشراب يسوغ سوغا. قال الشاعر (٢) : [من الوافر]

فساغ لي الشراب وكنت قبلا

أكاد أغصّ بالماء القراح

وأسغت لزيد شرابه ، وسوّغته مالا : أعطيته إياه بسهولة. وفلان سوغ أخيه : إذا ولد على إثره ، تشبيها بذلك. واستعير في الجواز ، فقيل : ساغ له أن يفعل ، ولم يسغ له أن يفعل.

س و ف :

قوله تعالى : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٣). سوف : حرف تنفيس وتراخ في الزمان يخلّص المضارع للاستقبال بعد احتماله للزّمنين. وفي قوله : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) تنبيه أنّ ما يطلبونه وإن لم يكن حاصلا الآن فهو آت لا محالة. وفي عبارة بعضهم : إنها أكثر تراخيا من السّين ، كأنه نظر إلى كثرة الحروف ، وهذا يشبه ما قالوه في أنّ التوكيد بالنون الشديدة آكد منه بالخفيفة. وكما قالوا في (الرَّحْمنِ) إنه أبلغ من (الرَّحِيمِ) ، وباعتبار المماطلة والتأخّر قالوا : سّوفته ، أي وعدته وعدا ما طلته بوفائه وقلت له : سوف أفعل كذا.

والسّوف : شمّ التراب ، ومنه قيل : علوم العرب ثلاثة : القيافة ، والعيافة ، والسّيافة. قال امرؤ القيس (٤) : [من الطويل]

على لا حب لا يهتدي بمناره

إذا سافه العود النّباطيّ جرجرا

يريد : إذا شمّه. ومسافة الطريق من ذلك ، لأنّ الدليل : يسوف ترابها. والسّواف :

__________________

(١) ٦٦ النحل : ١٦.

(٢) المشهور رواية البيت : «بالماء الفرات» ، والبيت من شواهد شرح شذور الذهب رقم ٤٧ ، ص ١٠٤. ينسب لعبد الله بن يعرب. والصواب هو ليزيد بن الصعق. وذكر ابن يعيش في شرح (المفصل) أن روايته : «بالماء الحميم» ، وهي رواية الزمخشري.

(٣) ١٣٥ الأنعام : ٦ ، وغيرها.

(٤) الديوان : ٦٧. العود : الجمل. جرجر : رغا وضجّ.

٢٧١

مرض إبل يشارف بها الهلاك (١) إما لأنها تشمّ الموت أو يشّمها الموت (٢). والأسواف : حرم المدينة.

س و ق :

قوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ)(٣). قيل : المراد به الكناية عن التفاف ساقي الميت في كفنه (٤). وقيل : هذا كناية عن شدّة الأمر وتفاقمه. أي اتصلت شدّة الدنيا بشدة الآخرة. وقوله : (يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ)(٥) كناية عن ظهور شدائد يوم القيامة ، وهو قول الجمهور عن ابن عباس وغيره. وفي حديث معاوية بن أبي سفيان قال : «خاصم رجل ابن أخي فجعلت أحجّه. فقال : أنت (٦) كما قال أبو دؤاد» (٧) : [من البسيط].

إنّي أتيح له حرباء تنضبة

لا يرسل الساق إلا ممسكا ساقا

أراد أنه لا تنقضي له حجة حتى يتعلّق بأخرى ، تشبيها بالحرباء في تعلقها بساقها في شجرة ونحوها. ويعبّر بالساق عن النّفس في قول بعضهم ... (٨) وجعل منه قول عليّ رضي الله عنه : «ولو تلفت ساقي» (٩). وقيل في قوله تعالى : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) هو أن يموت صاحبهما فلا يحملانه بعد أن كانا حاملين له. وقال ابن الأعرابيّ : الساق : شدة الدنيا والآخرة. قال الراغب (١٠) : قال أبو القاسم الاصبهانيّ : والأصل فيه أن يموت ولد الناقة في بطنها ، فيدخل المذمّر (١١) يده في رحمها ، فيخرجه ميتا ، فيجرّه بساقه. واليتن : الذي

__________________

(١) وفي الأصل : الإبل ، وهو خطأ محض.

(٢) وفي المفردات : وإما لأنه مما سوف تموت منه.

(٣) ٢٩ القيامة : ٧٥.

(٤) وقيل : عني التفاف الساقين عند خروج الروح. وقيل غير ذلك.

(٥) ٤٢ القلم : ٦٨.

(٦) في الأصل : أرأيت. وصوبناها من النهاية.

(٧) الخبر والبيت في النهاية : ٢ ٤٢٣.

(٨) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات.

(٩) النهاية : ٢ ٤٢٣ ، قاله في حرب الشّراة.

(١٠) المفردات : ٢٤٩ ، ولم يذكر اسم أبي القاسم.

(١١) في الأصل : المرء. والتصويب من المفردات ومن السياق. والمذمّر : الذي يدخل يده في حياء الناقة لينظر أذكر جنينها أم أنثى (اللسان ـ مادة ساق).

٢٧٢

يخرج رجليه أولا عند الولادة. فجعل ذلك كناية عن كلّ أمر فظيع.

قوله : (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ)(١) هو جمع ساق ، نحو : لابة ولاب. وقرئ «سؤقه» بهمزة بدل الواو وبواو بعد هذه الهمزة. ورجل أسوق وامرأة سوقاء : عظيم الساقين. قوله تعالى : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ)(٢) هو من سقت الإبل ، أي زجرتها لتسرع. وسقت المهر من ذلك ، لأنهم كانوا يصدقون الإبل فيسوقونها للزّوجات. فغلب في كلّ ما يمهر ويعطى ، وإن لم يكن من الأبل. والسّوق من الساق لأنّ بها يسعى. قوله تعالى : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ)(٣) قيل : ملكان أحدهما يسوقه للحشر ، والآخر يشهد عليه. وقيل : هو كقوله : (كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ). وقوله : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ)(٤) ، كقوله : (وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى)(٥).

السّوق : ما يجلب إليه المتاع ، لأنه تساق إليها البضاعة. وهي مؤنثة ، ولذلك تصغّر على سويقة ، وجمعها أسواق. والسّويق معروف من ذلك ، لاتّساقه في الحلق من غير مضغ ؛ فعيل بمعنى مفعول.

س و ل :

قوله تعالى : (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً)(٦) أي زيّنت وحسّنت. يقال : سوّلت له كذا أي حسّنت له وسهّلت عليه فعله أو نزوله. وأصل السّؤال الحاجة التي تحرص عليها النفس. فالتّسويل : تزيين النفس لما تحرص عليه ، وتصوير القبيح منه بصورة الحسن. (والسّؤال : يقارب الأمنية) (٧) ، لكنّ الأمنية فيما قدّر ، والسّؤال فيما طلب. وهذا قد تقدّم في مادة السين مع الهمزة ، وإنما أبدلت الهمزة واوا.

__________________

(١) ٢٩ الفتح : ٤٨.

(٢) ٦ الأنفال : ٨.

(٣) ٢١ ق : ٥٠.

(٤) ٣٠ القيامة : ٧٥.

(٥) ٤٢ النجم : ٥٣.

(٦) ١٨ يوسف : ١٢.

(٧) وفي الأصل : والسؤال تقارب الأزمنة.

٢٧٣

س و م :

قوله تعالى : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ)(١) أي يكلفونكم ذلك ويحملونكم عليه. ومنه : سامه خسفا ، أي حمله على مكروه. وأصله : الأرض التي لا يثبت عليها الماشي قال : [من الرجز]

إن سام خسفا وجهه بريدا

وأصل السّوم : الذهاب في ابتغاء الشيء. قال الراغب (٢) : فهو (٣) لمعنى مركّب من الذّهاب والابتغاء ، فأجري مجرى الذهاب في قولهم : سامت الإبل فهي سائمة. ومجرى الابتغاء في قولهم : سمت كذا (٤).

قلت : وسوم السّلعة من ذلك ؛ لأنّ المشتري يسومها من بائعها ويطلبها منه. ويقال : صاحب السّلعة أحقّ بالسّوم أي بطلب ما يرضيه من الثمن. ويقال : سمت الإبل ، وأسمتها ، وسوّمتها. قال تعالى : (فِيهِ تُسِيمُونَ)(٥) أي ترسلون أنعامكم للرعي.

قوله تعالى : (وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)(٦) قيل : هو من سوّمها أي أرسلها للرعي. وقيل : المعلّمة ، من سوّمته أي جعلت له سومة يعرف بها. والسّومة : العلامة. وعن مجاهد : هي المطهّمة. وينشد قول الشاعر :

بني بكر تساموا

لأنها بذلك صار لها سميّ يعرف بها. قوله : (مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)(٧) قرئ بفتح الواو ، أي أن الله تعالى سوّمهم ، كما يروى أنهم كانوا بعمائم صفر على خيل بلق. وبكسرها أنهم سّوموا أنفسهم. ومعنى الإرسال هنا لا يظهر كلّ الظهور.

__________________

(١) ٤٩ البقرة : ٢.

(٢) المفردات : ٢٥٠.

(٣) وفي المفردات : فهو لفظ.

(٤) وفي الأصل : سمته كذا.

(٥) ١٠ النحل : ١٦.

(٦) ١٤ آل عمران : ٣.

(٧) ١٢٥ آل عمران : ٣.

٢٧٤

قوله : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ)(١) أي علامتهم. يقال : سيمى وسيماء وسيمياء ، والياء عن واو. فهي كديمة وقيمة ، من دام يدوم وقام يقوم. وفي الحديث : «نهى أن يساوم (٢) بسلعته قبل طلوع الشمس» قيل : نهى عن ذلك في هذا الوقت لأنه وقت يذكر فيه الله تعالى. وقيل يجوز أن يكون من رعي الإبل لأنه إذا رعاها في ذلك الوقت ، وهو وقت ندى (٣) أصابها الوباء ، وربّما قتلها ، ذكرهما الزّجاج. والسام : الموت. كذا فسّره صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين سئل عنه (٤).

س و ى :

قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ)(٥) ولذلك يحمل الضمير وعطف على ما أسكن فيه من الضمائر في قولهم : مررت برجل سواء والعدم ، برفع العدم. وفيه لغات أربع أفصحها الفتح مع المدّ ، ويليها القصر مع الكسر أو الضم ، ويقلّ المدّ مع الكسر. وهذه الأربع منقولة في سواء الظرف الواقع في الاستثناء في قولهم : قاموا سواء زيد. ولنا في هذه اللفظة كلام أتقنّاه في كتبنا المشار إليها غير مرة. قوله تعالى : (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ)(٦) أي عدل ونصفة. ومثله : (فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ)(٧) أي على حكم العدل والإنصاف. وقد يقصد بسواء مقصد غير ، كقوله (٨) : [من الطويل]

وما قصدت من أهلها لسوائكا

__________________

(١) ٢٩ الفتح : ٤٨.

(٢) النهاية : ٢ ٤٢٥ ، وفيه : «نهى عن السوم».

(٣) رسمت في الأصل : كذا ، فصوبناها من النهاية.

(٤) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لكل داء دواء إلا السام» يعني الموت.

(٥) ٦ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٦) ٦٤ آل عمران : ٣.

(٧) ٥٨ الأنفال : ٨.

(٨) عجز للأعشى (الديوان : ٨٩). واختلفت روايته في اللسان (مادة ـ سوا) عنهما. وصدره :

تجانف عن جلّ اليمامة ناقتي

٢٧٥

أي لغيرك. وقوله (١) : [من المتقارب]

فلم يبق منها سوى هامد

قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا)(٢) أي الأمران مستويان في عدم الغناء عنا. قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٣) ، أي استولى. وأنشدوا عليه قول الشاعر (٤) : [من الرجز]

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

و «استوى» يقال باعتبارين أحدهما إسناده إلى شيئين فأكثر ، نحو : استوى زيد وعمرو في كذا. والثاني أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته ، كقوله تعالى : (ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى)(٥). قال الراغب (٦) : ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الاستيلاء نحو قوله تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى). وقيل : معناه استوى له ما في السماوات وما في الأرض بتسويته تعالى إياه ، كقوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَ)(٧). وقيل : معناه استوى كلّ شيء في النسبة إليه. فلا شيء أقرب إليه من شيء إذ كان تعالى ليس كالأجرام الحالّة في مكان دون مكان. وإذا عدّي بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه ؛ إمّا بالذات أو التّدبير. وعلى الثاني قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ)(٨).

قوله تعالى : (خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ)(٩) تسوية الشيء : جعله سواء ؛ إمّا في الرّفعة أو الصفة. فالمعنى : جعل خلقك على ما اقتضته الحكمة. وقوله تعالى : (وَنَفْسٍ وَما

__________________

(١) مذكور في المفردات : ٢٥٢.

(٢) ٢١ إبراهيم : ١٤.

(٣) ٥ طه : ٢٠. وفي هامش س (ورقة ١٦٦): «سئل ذو النون المصري عن قوله : الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فقال : الرحمن لم يزل والعرش محدث ، والعرش بالرحمن استوى».

(٤) ذكره ابن منظور في مادة ـ سوا.

(٥) ٦ النجم : ٥٣.

(٦) المفردات : ٢٥١.

(٧) ٢٩ البقرة : ٢.

(٨) ١١ فصلت : ٤١.

(٩) ٧ الانفطار : ٨٢.

٢٧٦

سَوَّاها)(١) إشارة إلى القوى التي جعلها الله مقوّمة للنفس ، فنسب إليها (٢). وقد ذكر في غير هذا الموضع أن الفعل كما يصحّ أن ينسب إلى الفاعل يصحّ أن ينسب إلى الآلة ، وسائرها يفتقر إليه نحو : سيف قاطع. وهذا أولى من قول من قال : إنّ المعنى «وما سوّاها» يعني به الله تعالى. قوله تعالى : (رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها)(٣) فتسويتها تتضمّن بناءها وترتيبها المذكورين في قوله تعالى : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) الآية (٤). قوله تعالى : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ)(٥) قيل : نجعل كفّه كخفّ الجمل من غير انقباض وانبساط. وقيل : هو عبارة عن تفاوت الأصابع واختلافها ؛ فإنّ كونها كذلك مما يعين على الانتفاع بها. وقيل : هو عبارة عن البعث والحشر ؛ أي نردّها كما كانت بعد أن كانت متفرقة.

قوله : (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا)(٦) أي كامل الخلق ، لا ينكر منه شيء ، كما لا ينكر من الآدميين الذين تعهدهم. والسّويّ في الأصل يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط.

قوله : (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها)(٧) كقوله : (فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها)(٨) والمعنى أنها صارت كأرض (٩) مسوّاة بها ، ومثله : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ)(١٠) قيل : تسوّى عليهم ، أي تطمّ فلا يدّبّرون منها لشدّة افتضاحهم. ويعبّر بالسّواء عن الوسط ، ومنه قوله : (فِي سَواءِ الْجَحِيمِ)(١١). ويقال : ما زلت أكتب حتى انقطع سواي. قوله : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ)(١٢) أي قصد. قال ابن عرفة : الاستواء من الله : الإقبال على الشيء

__________________

(١) ٧ الشمس : ٩١.

(٢) أي : فنسب الفعل إليها.

(٣) ٢٨ النازعات : ٧٩.

(٤) ٦ الصافات : ٣٧.

(٥) ٤ القيامة : ٧٥.

(٦) ١٧ مريم : ١٩.

(٧) ١٤ الشمس : ٩١.

(٨) ٤٥ الحج : ٢٢.

(٩) وفي ح : كالأرض.

(١٠) ٤٢ النساء : ٤.

(١١) ٥٥ الصافات : ٣٧.

(١٢) ٢٩ البقرة : ٢ ، وغيرها.

٢٧٧

والقصد له. حكى الفراء عنهم : استوى إليّ يخاصمني ، أي أقبل عليّ. قال : وحدّثني داود بن عليّ الإصبهانيّ قال : كنت عند ابن الأعرابيّ فأتاه رجل فقال : ما معنى قوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(١)؟ فقال : هو على عرشه كما أخبر. فقال الرجل : إنما معناه : استولى. فقال : ما يدريك؟ العرب لا تقول : استولى على الشيء حتى يكون مصادفا بهما غلب فقد استولى. أما سمعت قول النابغة (٢) : [من البسيط]

إلّا لمثلك أو من أنت سابقه

سبق الجواد قد استولى على الأمد

وقد سئل مالك بن أنس عن الاستواء فقال : الكيف غير معقول ، والاستواء غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة.

قوله تعالى : (إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ)(٣) أي نعدلكم به ، فنجعلكم سواء في العبادة. وهذا سيّان ، أي مثلان. واستغني بتثنية سيّ عن تثنية سواء غالبا. وسمع سواءان ؛ قال الشاعر (٤) : [من البسيط]

من يفعل الحسنات الله يشكرها

والشّرّ بالشّرّ عند الله سيّان

قوله : (صِراطاً سَوِيًّا)(٥) أي مستويا مستقيما. قوله تعالى : (سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ)(٦) أي عدل ذات استواء. ولنا في مسألة الاستواء كلام أتقنّاه مع المبتدعة في «القول الوجيز».

__________________

(١) ٥ طه : ٧٠.

(٢) الديوان : ١٤.

(٣) ٩٨ الشعراء : ٢٦.

(٤) البيت لحسان : ٢ ٥١٦ ، وفيه : مثلان. ومن شواهد المغني واللسان (مادة ـ بجل) لابنه عبد الرحمن.

(٥) ٤٣ مريم : ١٩.

(٦) ٦٤ آل عمران : ٣.

٢٧٨

فصل السين والياء

س ي ب :

قوله تعالى : (وَلا سائِبَةٍ)(١). السائبة : هي الناقة التي تنتج خمسة أبطن ، فتترك فلا تركب ولا يحمل عليها ولا تردّ عن ماء ولا مرعى. وقيل : هي الناقة التي يقول ربّها : إن قدمت سالما من سفري أو شفيت من مرضي فناقتي سائبة. فلا ينتفع بها ولا تردّ عن ماء ولا علف. ويعتقون العبد ويقولون : هو سائبة ، فلا يعقل أحدهما الآخر ولا يرثه. وقيل : يكون ولاؤه لمعتقه ، ويضع ماله حيث يشاء (٢) وأصله من تسييب الدّوابّ ، وهو انبعاثها. يقال : سابت الحية تسيب ، وانسابت تنساب انسيابا. وسابت الدابة تسيب سيوبا ، وساب الماء : جرى ، والمصدر : السّيب ، ويعبّر به عن العطاء فيقال : أفاض عليه سيبه ، أي رزقه ، وذلك على الاستعارة. وفي الحديث : «وفي السّيوب الخمس» (٣) قال أبو عبيد : السّيوب : الرّكاز. ولا أراه أخذ إلا من السّيب ، وهو العطيّة. وفي الحديث : «لو سألتنا سيابة أعطيناكها» (٤) ؛ السّيابة : البلحة ، والجمع سياب. ومنه سمي الرجل سيّابة.

س ي ح :

قوله تعالى : (السَّائِحُونَ)(٥) السّياحة : الذهاب في الأرض. وأصله من : ساح الماء يسيح : إذا جرى وانبسط من غير نهاية ولا حدّ. وقيل : السياحة في هذه الأمة الصوم. ووجه ذلك كما قال الراغب (٦) : الصّوم ضربان ؛ حسّيّ (٧) وهو ترك المطعم والمنكح. وحكميّ

__________________

(١) ١٠٣ المائدة : ٥.

(٢) وهو الذي ورد النهي عنه.

(٣) النهاية : ٢ ٤٣٢. في كتابه لوائل بن حجر.

(٤) النهاية : ٢ ٤٣٢. في حديث أسيد بن حضير.

(٥) ١١٢ التوبة : ٩.

(٦) المفردات : ٢٤٦.

(٧) وفي المفردات : حقيقي ، ولعله أوقع.

٢٧٩

وهو حفظ الجوارح من المعاصي كالسّمع والبصر واللسان. والسائح : هو الذي يصوم هذا الصوم دون الأول. وقال غيره : وجه ذلك أنّ الذي يسيح في الأرض متعبّدا يسيح ولا زاد له ، فحين يجد يطعم. والصائم يمضي نهاره ولا يطعم شيئا ، فشبّه به. وإلى هذا نحا الهرويّ.

وقيل : المعنيّ بالسائحين : الذين يتحّرون ما اقتضاه قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها)(١).

والساحة : المكان الواسع ، ومنه ساحة الدار ؛ قال تعالى : (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ)(٢) أي بدارهم ومستقرّهم. والسائح : الماء الدائم الجرية في الساحة. وساح فلان : مرّ مرور الماء السائح. ويقال : سايح وسيّاح.

س ي ر :

قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(٣) السّير : المضيّ في الأرض. قال تعالى : (وَسارَ بِأَهْلِهِ)(٤) أي مضى. قال الراغب (٥) : يقال : سرت بفلان وسيّرته (٦) على التكثير. ومن الأول : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ)(٧). ومن الثاني : «وسار بأهله». ولم يجيء في القرآن القسم الثالث (٨). ومن الرابع : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ)(٩) ، وقوله : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ). قيل : هو حثّ على السّير بالجسم. وقيل : هو حثّ على إجالة الفكر

__________________

(١) ٤٦ الحج : ٢٢.

(٢) ١٧٧ الصافات : ٣٧.

(٣) ١٠٩ يوسف : ١٢ ، وغيره.

(٤) ٢٩ القصص : ٢٨.

(٥) المفردات : ٢٤٧.

(٦) وعند الراغب : «سرت وسرت بفلان وسرته أيضا وسيّرته ..».

(٧) ١١ الأنعام : ٦ ، وغيرها.

(٨) وهو : سرته.

(٩) ٢٠ النبأ : ٧٨.

٢٨٠