عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

س ل خ :

قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ)(١) ، أي نخرجه منه إخراجا ليس معه من صورته شيء ، كما نسلخ جلد الشاة ونحوها عن لحمها ، وهو من أبلغ الاستعارات. ومنه استعير : انسلخ الشهر ، كأنه نزع عمّا قبله. وسلخت درعه ، وأسود سالخ (٢) وصالخ ، تصوّرا منه أنه سلخ جلده. ونخلة مسلاخ أي انتثر بسرها أخضر ؛ كذا قال الراغب (٣) ، وليس كما قال : بل التي ينتثر بسرها أخضر يقال لها : مخضارا فإن لم يكن أخضر فهي المسلاخ. وفي الحديث : «ما يشترطه مشتري التمر على بائعه أنه ليس بمسلاخ» (٤) كذا فسّره القتيبيّ. وفي حديث هدهد سليمان عليه‌السلام : «أنهم سلخوا موضع الماء» (٥) يريد : حفروا فاستعار ذلك ، ويجوز أن يريد : سلخوا طبقة من الأرض كما يسلخ إهاب (٦) الشاة.

س ل س :

قوله تعالى : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً)(٧). ابن عرفة : هي اللينة السهلة في الحلق التي تسلسل فيه. ويؤيد هذا تفسير ابن عباس : إذا أدنوها من أفواههم تسلسلت في أجوافهم قال ابن الأعرابي : لم أسمع «سلسبيلا» إلا في القرآن. ويقال : عين سلسال وسلسل وسلسبيل أي عذبة سهلة المرور في الحلق. وأغرب ما قيل فيه. وليس بمستقيم ـ عند المحقّقين ـ أن أصله : سل سبيلا ، فيكون سل فعل أمر ، وسبيلا مفعول به ، أي : سل طريقا إلى الجنة. وهل وزنه فعفعيل بتكرار الفاء أو فعلليل؟ خلاف لأهل التّصريف.

س ل ط :

قوله تعالى : (سُلْطاناً مُبِيناً)(٨) أي حجة تثبت ضدّ مدّعيها. والسّلاطة : التمكّن من

__________________

(١) ٣٧ يس : ٣٦.

(٢) أسود : ثعبان

(٣) المفردات : ٢٣٨ ، وفيه : بسره الأخضر.

(٤) النهاية : ٢ ٣٨٩.

(٥) النهاية : ٢ ٣٨٩.

(٦) وفي س : إهابة.

(٧) ١٨ الإنسان : ٧٦.

(٨) ٩١ النساء : ٤ ، وغيرها.

٢٤١

القهر. ومنه السلطان لأنه يتمكّن من قهر رعيته على ما يريد. وقيل : لأنه ذو الحجة وقيل : لأنّ به تقوم الحجة ويظهر منارها. وقيل : هو مشتقّ من السليط. والسليط : الدهن الذي يستصبح به. فالحجة يستضاء بها في الأمور ، والإمام يستضاء به في سائر المصالح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما : «رأيت عليا رضي الله عنه وكأنّ عينيه سراجا سليط» (١). قوله تعالى : (فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً)(٢) يجوز أن يكون إماما يتسلّط به على القصاص من قاتل مولّيه ، وأن يكون المعنى سلاطة عليه وقوة يتمكّن من القود. قوله : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ)(٣) يحتمل : تسلّطي وقهري للناس ، ويحتمل : حجتي ، أي تبيّن أنها باطلة.

س ل ف :

قوله تعالى : (سَلَفاً وَمَثَلاً)(٤). السّلف : المتقدّم (٥). وقوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ)(٦) أي ما تقدّم من الذنوب. وقوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ)(٧) أي ما قد تقدّم من فعلكم ، فذلك يتجافى عنه. قال الراغب (٨) : فالاستثناء عن الإثم (٩) لا عن جواز الفعل.

يقال : سلف يسلف إذا تقدّم ومضى. والسّلف : الآباء الماضون ، الواحد سالف ، ومن بعدهم خلف ، الواحد خالف. وقرئ «سلفا» بفتحتين وضمتين ؛ فبالفتحتين جمع سالف كخدم لخادم ، وبالضمتين جمع لسلف بمعنى سالف (١٠).

__________________

(١) النهاية : ٢ ٣٨٩. وفي رواية : «كضوء سراج السليط».

(٢) ٣٣ الإسراء : ١٧.

(٣) ٢٨ و ٢٩ الحاقة : ٦٩.

(٤) ٥٦ الزخرف : ٤٣.

(٥) في الأصل : المقدّم.

(٦) ٩٥ المائدة : ٥.

(٧) ٢٣ النساء : ٤.

(٨) المفردات : ٢٣٩.

(٩) في الأصل : العلم ، والتصويب من المفردات.

(١٠) قرأها يحيى بن وثاب والأعرج بضمتين. وزعم القاسم بن معن أنه سمع واحدها سليف ، والعوام ـ

٢٤٢

والسّلافة : أول ما يخرج من الزبيب إذا انتقع ، والماء الثاني يقال له نطل (١). والسّلف : تقديم رأس المال. وفي الحديث : «من أسلف فليسلّف» (٢). والسّلف : يطلق بمعنى السّلف تارة وبمعنى القرض أخرى ، كلّ ذلك لما فيه من التقدّم. والسّلف أيضا : ما قدّمته من العمل الصالح وما فرط وتقدّم من أقاربك. والسالفة والسّلاف : المتقدّمون في حرب أو سفر. والسّلفة : ما يقدّم للضّيف قبل القرى. ومن كلامهم : «سلّفوا ضيفكم ولهّنوه» (٣) وذلك لما فيه من التقدّم والتعجيل.

س ل ق :

السّلق : بسط بقهر إمّا بيد أو لسان. ومنه قوله تعالى : (سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ)(٤). ومنه : سلق امرأته إذا بسطها فجامعها. وقال مسيلمة لعنه الله لسجاح لعنها الله ـ المتنبّئان ـ لمّا وهبت له نفسها الخبيثة : [من مجزوء الوافر]

ألا هيّا إلى المخدع (٥)

فإن شئت سلقناك

وإن شئت على أربع

وقيل : معنى سلقوكم : جهروا فيكم بالسوء من القول. ومنه الحديث : «ليس منّا من سلق» (٦) أي رفع صوته عند المصيبة. وفي الحديث : «لعن الله السالقة» (٧) أي الرافعة صوتها عند الجزع وتلطم وجهها. وسلقه بالسّوط نزع به جلده. ومنه سلق اللحم لأنه ينزعه عن العظم. والصاد تعاقب السين في هذه المادة. ويقال : سلقه واستلقاه (٨) على قفاه ، أي

__________________

ـ يقرؤونها «سلفا» بفتحتين. والسلفة ـ بالضم ـ قطعة من الناس مثل أمة (معاني القرآن للفراء : ٣ ٣٦). وذكر ابن خالويه أن مجاهدا وحميدا قرأاها «سلفا» ، وقال : كأنه جمع سلفة .. (شواذ القرآن : ١٣٥).

(١) وفي المفردات : «سلافة الخمر : ما بقي من العصير (ص ٢٣٩). واللسان يؤيد الأصل.

(٢) النهاية : ٢ ٣٨٩ ، وفيه «سلّفت».

(٣) اللهنة : ما تهديه للرجل إذا قدم من السفر ، واللهنة : السّلفة وهو الطعام الذي يتعلل به قبل الغداء (اللسان ـ مادة لهن).

(٤) ١٩ الأحزاب : ٣٣.

(٥) الصدر خطأ ، صوابه في تاريخ الطبري : ٣ ٢٧٣ مع تتمة القطعة.

(٦) النهاية : ٢ ٣٩١.

(٧) النهاية : ٢ ٣٩١ ، ويروى بالصاد.

(٨) جاء في هامش النسخة س : وسلقاه.

٢٤٣

ألقاه على حلاوة قفاه. وفي الحديث عن جبريل : «فسلقني لحلاوة القفا» (١) وسلقيته فأسلقني. وفي الحديث : «فإذا برجل مسلنق» (٢) ؛ فالألف والنون مزيدتان. قال القتيبيّ : أصل السّلق الضرب ؛ كأنه قال : ضرب في الأرض وفي الحديث : «قد سلقت أفواهنا من أكل الشجر» (٣) أي خرج فيها البثور وهي السّلاق أيضا (٤).

والسّلق أيضا : المطمئنّ من الأرض. والسّلق أيضا إدخال إحدى عروتي الجوالق في الأخرى. والسّليقة : خبز مرقّق ، والجمع سلائق. والسّليقة أيضا : الطبيعة.

س ل ك :

قوله تعالى : (يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً)(٥) أي يدخله. ويقال : سلك الخيط في الإبرة ، وأسلكه فيها ؛ فعل وأفعل بمعنى. وأنشد ثعلب (٦) : [من الوافر]

وهم سلكوك في أمر عصيب

وقال الآخر (٧) :

حتى إذا سلكوهم في فنايده فعذابا

إما منصوب على أنه مفعول به بعد إسقاط الخافض أي في عذاب ، أو بفعل مقدّر ؛ أي نعذبه [به](٨) عذابا ، قاله الراغب (٩). قوله : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ)(١٠) أي نمكّن ذلك تمكينا لا ينفكّ عن قلوبهم.

__________________

(١) النهاية : ٢ ٣٩١.

(٢) النهاية : ٢ ٣٩١ ، أي مستلق على قفاه.

(٣) النهاية : ٢ ٣٩١.

(٤) والسلاق : الداء الذي يسببه هذا الأمر.

(٥) ١٧ الجن : ٧٢.

(٦) عجز لعدي بن زيد ، وصدره.

وكنت لزاز خصمك لم أعرّد

(٧) الشطر مكسور.

(٨) إضافة المحقق لضرورة السياق.

(٩) المفردات : ٢٣٩.

(١٠) ١٢ الحجر : ١٥.

٢٤٤

س ل ل :

قوله تعالى : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً)(١) السّلّ : نزع شيء من شيء ، نحو : نزعت السيف من الغمد ، وسللته. قال امرؤ القيس (٢) : [من الطويل]

وإن تك قد ساءتك مني خليقة

فسلّي ثيابي من ثيابك تنسل

وكان المنافقون يخرجون من المسجد متوارين بالناس عن أن يراهم غيرهم. وسلّ الشيء من البيت : سرقه. والولد سليل لأنه سلّ من الأب. قوله : (مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ)(٣). السّلالة : الصّفوة التي استلّت من الأرض. وقيل : هي كناية عن النّطفة ، وذكر أصلها ، وهو الطين. ومرض السّلّ لأنه ينزع اللحم والقوّة. وقال عليه الصلاة والسّلام : «لا إسلال ولا إغلال» (٤) أي لا خيانة ولا سرقة. وقيل : السّلالة : القليل من المنيّ. وكلّ بناء على فعالة دلّ على التقلّل نحو الفضالة والخثارة. وفي المثل : «الخلّة توجب السّلّة» (٥) لأنّ الحاجة ١٦٣ توجب السّرقة غالبا. والسّلّة : سلّ السيف. قال الشاعر (٦) : [من الراجز]

وذو غرارين سريع السّلّه

والسّلة هي السّلّ ، وقد تقدّم. وتسلسل الشيء : اضطرب ؛ كأنه تصوّر منه تسلّلّ (٧) متردّد ، تردّد لفظه تنبيها (٨) على تردّد معناه. ومنه : التسلسل عند أهل الكلام ، وهو عدم الانقطاع. ومنه السّلة أيضا. وماء سلسل : متردد في مقرّه. وقد ذكر الراغب (٩) قوله تعالى :

__________________

(١) ٦٣ النور : ٢٤. أي يستتر بعضهم ببعض في الخروج.

(٢) من معلقته ، الديوان : ٣٢.

(٣) ١٢ المؤمنون : ٢٣.

(٤) النهاية : ٢ ٣٩٢ ، ويروى : «لا إغلال ولا إسلال». والإسلال : السرقة الخفية.

(٥) ذكره الميداني في مجمع الأمثال (١ ٢٤١) برواية : «الخلة تدعو إلى السّلة» الخلة : الفقر. والسلة : السرقة. ويقول : ويجوز أن يراد بالسلة سلّ السيوف.

(٦) عجز لبيت من شعر حماس بن قيس بن خالد الكناني. وصدره كما في اللسان :

هذا سلاح كامل وألّه

(٧) وفي الأصل : تسلسل ، ولعل الصواب ما ذكرنا.

(٨) الكلمة ساقطة من س ، وفي ح : تنبيه.

(٩) المفردات : ٢٣٧.

٢٤٥

(سَلْسَبِيلاً)(١) في هذه المادة أي سهلا لذيذا سلسا حديد الجرية. وقيل : هو اسم عين في الجنّة. قال (٢) : وذكر بعضهم أنه مركب من : سل سبيلا كالحوقلة والبسملة. وقيل : هو اسم لكلّ عين سريعة الجرية. وأسلة اللسان : طرفه الرقيق.

س ل م :

قوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ)(٣) أي سلامة واقعة عليكم فلا تعذّبون ولا تخافون كغيركم من أهل الشقاء. وقيل : معناه السلامة لكم ومعكم. وقيل : معناه الله عليكم ، أي حفيظ عليكم أو على حفظكم. وقيل : معناه نحن سالمون لكم. وأصل السّلام والسلامة : التعرّي (٤) من الآفات الظاهرة والباطنة. ومنه قوله تعالى : (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(٥) أي متعرّ عن الدّغل (٦) ؛ فهذا في الباطن. وقوله تعالى : (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها)(٧). فهذا في الظاهر.

يقال : سلم يسلم سلاما وسلامة. وسلّمه الله : أوقع به السّلامة. قوله : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ)(٨) يجوز أن تكون التحية المشار إليها بقوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ)(٩). وأن يريد الأمن من العذاب والسلامة من الآفات ، والسلامة الحقيقية ليست إلا في الجنة لأن فيها بقاء بلا فناء ، وغنى بلا فقر ، وعزّا بلا ذلّ ، وفرحا بلا ترح ، وسرورا بلا غمّ ، وصحّة بلا سقم.

قوله تعالى : (رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ)(١٠) أي طرق الخير المؤدّية إلى السّلامة.

__________________

(١) ١٨ الإنسان : ٧٦.

(٢) يعني الراغب.

(٣) ٥٤ الأنعام : ٦ ، وغيرها.

(٤) وفي الأصل : التقصي من الآيات. فصوّبناها.

(٥) ٨٩ الشعراء : ٢٦ ، وغيرها.

(٦) الدغل : الدخول المريب ، وما يدخل في الأمر يخالفه ويفسده.

(٧) ٧١ البقرة : ٢.

(٨) ٤٦ الحجر : ١٥.

(٩) ٢٣ و ٢٤ الرعد : ١٣.

(١٠) ١٦ المائدة : ٥.

٢٤٦

والمراد به الباري تعالى ، أي طرق الله وهي دينه وشرائعه ؛ كقوله تعالى : (فِي سَبِيلِ اللهِ)(١). ومن ورود السّلام اسما لله تعالى قول لبيد (٢) : [من الطويل]

إلى الحول ثمّ [اسم] السّلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

وإنما وصف تعالى نفسه بذلك لسلامته من الآفات والنقائص والعيوب التي تلحق الخلق. قوله تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)(٣). وقوله : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ)(٤) فهذا كلّه يكون بالقول من الملائكة ومن الناس ، ومن الله تعالى بالفعل وهو إعطاؤه أهل الجنة السلامة من الآفات والمنغّصات.

قوله تعالى : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً)(٥) أي سدادا من القول. والمعنى : قالوا قولا ذا سداد ؛ فهو مصدر. وقيل : معناه : نطلب منكم السلامة ، فنصبه بفعل مضمر. وقيل : معناه : قالوا قولا ذا سلامة ؛ فهو مصدر أيضا. قوله تعالى : (قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ)(٦) فهذا هو التحية. ثم يحتمل أن يكون هذا هو اللفظ بعينه هو القول والمحكيّ ، أو أن يكون : قيل بمعناه ، وحكي على المعنى لا على اللفظ ، لأن لغته كانت عربية ، وإنما رفع الخليل «سلام» لأنه أبلغ من النّصب لما قرّره أهل العلم ، كما بينته في غير هذا. وكأنه امتثل قوله : (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها)(٧).

قوله تعالى : (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً)(٨). قال الراغب (٩) : هذا لا يكون بالقول فقط ، بل ذلك بالقول والفعل جميعا. قوله تعالى : (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ)(١٠) هذا في الظاهر

__________________

(١) ١٥٤ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٢) الديوان : ٢١٤. قال بعضهم : السّلام هو الله. وفي الديوان أقحم لفظ (اسم) بعد (ثم) ، ويقول الشارح : هذا البيت شاهد على إقحام لفظة اسم ، وله عند بعضهم تخريجات ولم يذكرها المؤلف.

(٣) ٥٨ يس : ٣٦.

(٤) ٢٤ الرعد : ١٣.

(٥) ٦٣ الفرقان : ٢٥.

(٦) ٦٩ هود : ١١.

(٧) ٨٦ النساء : ٤.

(٨) ٢٦ الواقعة : ٥٦.

(٩) المفردات : ٢٤٠.

(١٠) ٨٩ الزخرف : ٤٣.

٢٤٧

أنه يسلم عليهم. وفي الحقيقة سؤال السلامة فيهم. قوله تعالى : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ)(١) تنبيه منه تعالى أنه جعله وذرّيته بحيث يثنى عليهم ويدعى لهم. قوله تعالى : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً)(٢) قرئ بالفتح والكسر فقيل : هما بمعنى. وقيل : بالفتح «السّلام» وبالكسر «الصّلح». قوله : (فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ)(٣) هو السّلام ، وقيل : الاستسلام. وفي التفسير : إنها نزلت فيمن قتل بعد إقراره بالإسلام. وقوله : (يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ)(٤) أي أصحّاء لا يمنعهم مانع لأنه روي أنه تصير ظهورهم طبقات فيؤمرون بالسجود فلا يستطيعون. قوله تعالى : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى)(٥) سلم من عذاب الله. قوله تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(٦) يعني ليلة القدر ذات سلام لا داء فيها ، ولا يستطيع شيطان أن يعمل فيها شيئا.

قوله تعالى : (وَأَلْقَوْا إِلَى اللهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ)(٧) أي استسلموا لأمره. قوله : (وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ)(٨) أي المقادة. قوله : (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(٩) أي ينقادوا لحكمك انقيادا. يقال : سلّم واستسلم : إذا انقاد وخضع. قوله : (فَلَمَّا أَسْلَما)(١٠) أي أسلما أمرهما لأمر الله. قوله : (سَلامٌ هِيَ)(١١) أي ليلة القدر ذات سلامة من الآفات ، ولذلك لم يستطع شيطان أن يفتن فيها. قوله : (وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى)(١٢) أي السلامة والأمن لمن اهتدى فلم يضلّ. قوله : (وَرَجُلاً سَلَماً)(١٣) أي خالصا لا شرك فيه. وزعم بعضهم أنه

__________________

(١) ٧٩ الصافات : ٣٧.

(٢) ٢٠٨ البقرة : ٢.

(٣) ٩٠ النساء : ٤. والآية مكتوبة في الأصل خطأ فصوبناها.

(٤) ٤٣ القلم : ٦٨.

(٥) ٤٧ طه : ٢٠.

(٦) ٥ القدر : ٩٧.

(٧) ٨٧ النحل : ١٦.

(٨) ٩١ النساء : ٤.

(٩) ٦٥ النساء : ٤.

(١٠) ١٠٣ الصافات : ٣٧.

(١١) ٥ القدر : ٩٧.

(١٢) ٤٧ طه : ٢٠.

(١٣) ٢٩ الزمر : ٣٩.

٢٤٨

اسم عضو (١). وأنشد (٢) : [من الطويل]

يديرونني عن سالم وأديرهم

وجلدة بين الأنف والعين سالم

وهو غلط ؛ إذ المعنى أنه بمنزلة ذلك ، وأنه نصب عيني (٣). قوله : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً)(٤) أي اجعلني ممن استسلم لرضاك. وقيل : معناه اجعلني سالما من أسر (٥) الشيطان ، إشارة إلى قوله تعالى : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)(٦). قوله : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا)(٧) أي انقادوا والذين ليسوا من أولي العزم الذين يهتدون بأمر الله تعالى ويأتون بالشرائع ؛ قاله الراغب (٨). قوله : (فَهُمْ مُسْلِمُونَ)(٩) أي منقادون للحقّ مذعنون له.

والسّلّم : ما يتوصّل به إلى الأمكنة العالية ؛ سمي بذلك لأنه ترجى به السلامة. ثم جعل عبارة عن كلّ ما يتوصّل به إلى شيء رفيع كالنّسب. والسّلم (١٠) : شجر عظيم ؛ كأنهم اعتقدوا فيه أنه سليم من الآفات ، وأن لا يناله أحد. والسّلم أيضا : حجارة صلبة ، كأنها سلمت ، الواحدة سلمة. قال الشاعر (١١) : [من المنسرح]

ذاك خليلي وذو يواصلني

يرمي ورائي بامسهم وامسلمه

يريد : بالسّهم وبالسّلمة ، فأبدل اللام ميما. قوله : (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ)(١٢) أي منقادين مطيعين. قوله : (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(١٣) أي من الشّرك. وقيل : سليم : لديغ ، كأنه

__________________

(١) قال الجوهري : ويقال للجلدة التي بين العين والأنف سالم (اللسان ـ سلم).

(٢) أنشده عبد الله بن عمر في ابنه سالم (اللسان ـ سلم) ، وفي روايته خلاف.

(٣) هو وهم قبيح ، وسالم هو ابن ابن عمر ، فجعله لمحبته بمنزلة جلدة بين عينه وأنفه.

(٤) ١٠١ يوسف : ١٢.

(٥) وفي ح : أشرّ.

(٦) ٣٩ الحجر : ١٥.

(٧) ٤٤ المائدة : ٥.

(٨) المفردات : ٢٤١.

(٩) ٨١ النمل : ٢٧ ، وغيرها.

(١٠) السلم والسّلام. والتي بعدها : السّلام.

(١١) البيت من شواهد اللسان (مادة ـ سلم) أنشده أبو عبيد في السّلمة. وفيه : وذو يعاتبني.

(١٢) ١٢٨ البقرة : ٢.

(١٣) ٨٩ الشعراء : ٢٦ ، وغيرها.

٢٤٩

إشارة إلى التّواضع لله تعالى. وقيل : معناه : أسيرا من أسلم الرجل ، أي ألقى السلم.

قوله : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(١) استدلّ به بعضهم على تغاير الإيمان والإسلام وتباينهما في غير هذا. قوله : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ)(٢) أي الصّلح ؛ قرئ بالفتح والكسر. قوله : (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها)(٣) أي هي سالمة من كلّ عيب. وقيل : من آثار العمل التي تعملها البقر كالحرث والنّضح. قوله : (أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ)(٤) أي مصعدا ومرقى يصعد فيه. وفي الحديث : «على كلّ سلامى من أحدكم صدقة» (٥). قال أبو عبيد : هو في الأصل عظم في البعير. قيل : معناه على كلّ عظم من عظام ابن آدم صدقة ، وهو آخر ما يبقى فيه المخ. وفيه : «فاستلم الحجر» (٦) أي افتعل ذلك من السّلام وهو التحية (٧). ومنه قول أهل اليمن للركن الأسود المحيّا. وقال القتيبيّ : افتعال من السّلام وهي الحجارة ، الواحدة سلمة (٨). ويروى البيت المتقدّم بكسر اللام.

__________________

(١) ٣٥ و ٣٦ الذاريات : ٥١.

(٢) ٦١ الأنفال : ٨.

(٣) ٧١ البقرة : ٢.

(٤) ٣٥ الأنعام : ٦.

(٥) النهاية : ٢ ٣٩٦.

(٦) النهاية : ٢ ٣٩٥.

(٧) جاء في هامش ح ، الورقة ١٦٣ : «الإسلام : الخضوع والانقياد الظاهر لما أخذ به الرسول. وفي الكشاف : كلّ ما يكون من الإقرار باللسان من غير مواطأة القلب فهو إسلام. وما واطأ منه القلب اللسان فهو إيمان. ومنه أحمد الرواني (؟) قوله : الإسلام الكامل الصحيح لا يكون إلا مع الإيمان ، والإتيان بالشهادتين والصلاة والزكاة والصوم والحج. وقد ينقل الإسلام الظاهر عن الإيمان : «قل لم تؤمنوا لي». ويصبح أن يكون الشخص مسلما في ظاهر الشرع ولا يكون مؤمنا حقيقة. والإسلام الحنيفي المقبول عند الله لا ينفك عن الإيمان الحقيقي بخلاف العكس ، المناوي.

(٨) وفي هامش ح ، الورقة ١٦٤ في شرح المهذب أن في السّلام على المبتدع والفاسق المجاهر ومن ارتكب ذنبا عظيما ولم يتب منه وجهان حكاهما الرافعي أحدهما يستحب لأنه مسلم وأصحهما لا يستحب بل تركه مستحب ، وهذا مذهب ابن عمر والبخاري. واحتج البخاري في صحيحه بحديث كعب بن مالك ثم قال : وقال عبد الله بن عمر : لا تسلموا على شربة الخمر. قال البخاري وغيره : ولا يردّ السّلام على هؤلاء. ودليله حديث كعب. فإن اضطر بأن ترتب مفسده في دين أو دنيا سلم. قال ابن العربي : وينوي حينئذ أن السّلام من أسماء الله ، ومعناه : الله رقيب عليك. انتهى. وقال المهلب : ترك ـ

٢٥٠

س ل و :

قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى)(١). قيل : هو طائر يشبه السّمانى (٢) ولا واحد له. وقيل : السّلوى ـ هنا ـ التّسلّي والسّلوان ، وهو ما يسلّي الإنسان من أحزانه وكمده. قال ابن عباس : المنّ كان ينزل من السماء ، والسّلوى : طائر. قال بعضهم : أشار بذلك إلى رزق الله تعالى عباده من النبات واللحوم ، فأورد ذلك مثالا. يقال : سلوت عنه ، وسلّيت وتسلّيت : إذا زالت عنك محبته. والسّلوان : خرزة كانوا يحكّونها ويشربونها ؛ يتداوون بذلك من العشق. ومن مجيء سلي يسلى قول الشاعر : [من الوافر]

إذا ما شئت أن تسلى خليلا

فأكثر دونه عدّ الليالي

وقيل : السّلوى : العسل. وأنشد (٣) : [من الطويل]

وقاسمها بالله جهدا لأنتم

ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها

فصل السين والميم

س م د :

قوله تعالى : (وَأَنْتُمْ سامِدُونَ)(٤) أي لاهون ساهون. سمد (٥) عن كذا أي سها عنه. وعن ابن عباس : مستكبرون. وقيل : خاضعون ذليلون. أي لا تبكون في هذه الحالة ، بل في حالة التكبّر والتجبّر ، وأنشد (٦) : [من الوافر]

__________________

ـ السّلام على أهل المعاصي سنّة ماضية ، وبه قال كثير من أهل العلم في أهل البدع المتجاهلة (؟) وفيه طيب الكلام بفوائد السّلام للسمهوري.

(١) ٥٧ البقرة : ٢.

(٢) وفي الأصل : السماين.

(٣) البيت من شواهد اللسان (مادة ـ سلا) لخالد بن زهير.

(٤) ٦١ النجم : ٥٣.

(٥) وفي الأصل : سهد.

(٦) أنشد ابن عباس هذين البيتين شاهدا على أن السمود الغناء بلغة حمير. يقال : اسمدي لنا أي غنّي لنا ، ولم يذكر المؤلف هذا المعنى. والبيتان في اللسان ـ مادة سمد ، مع اختلاف.

٢٥١

رمى الحدثان نسوة آل سعد

بمقدار سمدن له سمودا

فردّ شعورهنّ السود بيضا

وردّ وجوههنّ البيض سودا

وقيل : سامدون : رافعون رؤوسهم. فيحتمل أن يكون ذلك تكبرا ، وأن يكون غفلة. وهذه الحالة تكون لهذين الشخصين. قال : سمد يسمد ، ويسمد : إذا رفع رأسه. وفي الحديث : «أنه خرج والناس ينتظرونه للصلاة ، فقال : مالي أراكم سامدين؟» (١) أي قائمين قبل أن يخرج إمامكم. وقيل : سمّد رأسه : إذا استأصل شعره.

س م ر :

قوله تعالى : (سامِراً تَهْجُرُونَ)(٢). السامر : الذي يسمر ، أي يتحدث ليلا. يقال ؛ سمر سمرا فهو سامر. والسّمر : الليل نفسه. ومنه : لا آتيك السّمر ولا القمر (٣). ولا آتيك ما سمر بنا سمير. والأصل : سمّارا. فوضع الواحد موضع الجمع. والسامر أيضا : الليل المظلم ، وكأنه من باب قولهم : نهار صائم ، على المجاز.

وقيل : سمر الحديث ، لأنه يكون من السّمر ، وهو ظلّ القمر ، وهو مأخوذ من السّمرة. والسّمرة : أحد الألوان المركبة من البياض والسواد. والسّمرة : الحنظلة للونها. والسّمار : اللبن الرقيق المتغير اللون. والسّمرة : شجرة سميت بذلك للونها جمعها سمرات. قال امرؤ القيس (٤) : [من الطويل]

كأني غداة البين يوم تحمّلوا

لدى سمرات الحيّ ناقف حنظل

وقيل : السامر : اسم جمع كالحاضر ونحوه. ومنه قوله (٥) : [من الطويل]

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصّفا

أنيس ، ولم يسمر بمكة سامر

__________________

(١) النهاية : ٢ ٣٩٨.

(٢) ٦٧ المؤمنون : ٢٣.

(٣) أي مادام الناس يسمرون في ليلة قمراء (اللسان ـ مادة سمر).

(٤) من معلقته ، الديوان : ٢٩.

(٥) البيت في اللسان ـ مادة حجن منسوبا إلى عمرو بن الحرث بن مضاض يتأسف على البيت ، وقيل : هو للحرث الجرهمي. وللبيت أخ في اللسان.

٢٥٢

ويقال : إبل مسمرة ، أي مهملة. والسامريّ : منسوب إلى قرية يقال لها سامرة. وقيل : إلى رجل ، وسمر أعينهم ، أي حمى مسامير ووضعها في أعينهم.

س م ع :

قوله تعالى : (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ)(١) كان (٢) اليهود ، لعنهم الله ، يقولون له : اسمع ظاهرا ، وفي أنفسهم : لا سمعت. وقيل : معناه : غير مجاب إلى ما تدعونا إليه. ومنه قوله : «اللهمّ إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع» (٣) أي لا يجاب. وقول المصلّي : «سمع الله لمن حمده» أي أجابه وقبله. وإنما قيل ذلك لأنّ غرض الداعي قبول دعائه وإجابته ، فأوقع السماع موقع الإجابة والقبول. والسّمع في الأصل : قوة في الأذن تدرك بها المسموعات ، وهو أيضا مصدر سمع يسمع فهو سامع. ويعبّر به تارة عن الذات فيقال : صمّ سمعه ومنه قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ)(٤). وقوله : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ)(٥). فالمراد المصدر ، ويعبّر به تارة عن الفهم وتارة عن الطاعة. ومنه قولهم : ما أسمع ما قلت ، أي لم أفهم أو لم أطع. قوله : (سَمِعْنا وَأَطَعْنا)(٦) أي فهمنا وامتثلنا عكس من قال فيهم : (سَمِعْنا وَعَصَيْنا)(٧). وقوله : (كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ)(٨) أي يدّعون الفهم وهم غير فاهمين ، وهم عاصون أو وهم غير عاملين بموجب ما سمعوا. ولمّا لم يعملوا بموجبه جعلوا صمّا. وقوله : (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٩) فسمعه تعالى علمه ، وعدم فوته شيء من المسموعات تعالى الله عن الحاسّة علوا كبيرا ، وهو مثال مبالغة محوّل

__________________

(١) ٤٦ النساء : ٤.

(٢) وفي الأصل : كانوا.

(٣) النهاية : ٢ ٤٠١. والحديث التالي في النهاية : ٢ ٤٠١.

(٤) ٧ البقرة : ٢.

(٥) ٢١٢ الشعراء : ٢٦.

(٦) ٢٨٥ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٧) ٩٣ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٨) ٢١ الأنفال : ٨.

(٩) ٢٢٤ البقرة : ٢.

٢٥٣

من سامع ، وقيل : من مسمع ، ولذلك عدّي في قولهم : إنّ الله سميع دعاؤه. وقوله (١) : [من الوافر]

أمن ريحانة الدّاعي السميع

يؤرّقني وأصحابي هجوع

وقوله : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا)(٢) أي لأفهمهم. وجعل لهم قوة يفهمون بها. وقيل : معناه يوفّقهم توفيق من ينتفع بسمعه. وقولهم : أسمع الله فلانا ، يحتمل الدعاء للإنسان والدّعاء عليه. فمن الأول : أسمعه أي لا أزال سمعه. ومن الثاني أسمعه أي أزال سمعه. فالهمزة للسّلب. ويقال : أسمعت فلانا أي سببته. فالإسماع متعارف في السبّ. وإذا وصف تعالى نفسه بالسّمع فالمراد علمه بالمسموعات ، وإحاطته بها ، وتحرّيه للمجازاة بها.

قوله : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى)(٣) أي لا تفهم هؤلاء الجهلة لأنّهم كالموتى في عدم الانتفاع بأسماعهم. وقوله : (أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍ)(٤) معناه أنّ من ١٦٥ وقف على عجائب حكمته وبدائع صنعته يتعجب من ذلك. والله تعالى لا يوصف إلا بما ورد به السمع. وقوله : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا)(٥) معناه أنهم يسمعون ذلك اليوم ما كانوا عنه صمّا وعميا. كقوله : (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)(٦). قوله : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ)(٧) أي يسمعون منك لأجل أن يكذبوا (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ)(٨). أي يسمعون لمكانهم. قوله : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ)(٩) أي من الموجد لأسماعهم وأبصارهم والمتولّي لحفظها.

__________________

(١) البيت لعمرو بن معديكرب. وهو من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل : ٦ ٧٣. واللسان (مادة سمع).

(٢) ٢٣ الأنفال : ٨.

(٣) ٨٠ النمل : ٢٧.

(٤) ٢٦ الكهف : ١٨.

(٥) ٣٨ مريم : ١٩.

(٦) ٢٢ ق : ٥٠.

(٧) ٤١ المائدة : ٥. وغيرها.

(٨) تابع الآية السابقة.

(٩) ٣١ يونس : ١٠.

٢٥٤

قوله : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ)(١) أي الذين يصغون إليك إصغاء الطاعة والقبول. قوله : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ)(٢) أي كانوا يعرضون عمّا يسمعون ولا يلقون له بالا. قوله : (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً)(٣) أي لا يقدرون أن يسمعوا ما يتلى عليهم لشدة بغضهم في التالي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قوله : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)(٤) أي مطيعون. وقيل : متجسّسون للأخبار. وفي الحديث : «من سمّع الناس بعمله سمّع الله به سامع خلقه» (٥). قال أبو عبيدة : يقال : سمّعت بالرجل : إذا ندّرت به وشهّرته. ويروى : «سامع خلقه» و «أسامع» مصدر. فعلى الأول يكون «سامع» نعتا للباري أو بدلا إذ لم تجعل الإضافة محضة. وعلى الثاني يكون أسامع جمع أسمع ، وأسمع جمع سميع ، نحو أكالب جمع أكلب وأكلب جمع كلب. يريد أنّ الله يسمع به أسماع خلقه ، إذ تظهر سريرته الخبيثة في الدنيا والآخرة.

والمسمع والمسمع : خرق الأذن. وفي حديث عثمان : «أترونني أكلّمه سمعكم» (٦) أي بحيث تسمعون. وأنشد لجندل بن المثنّى الطّهويّ : [من الرجز]

حتى إذا أخرس كلّ طائر

قامت تعنطى بك سمع الحاضر

أي بحيث تسمع من حضر. والمسمع : مكان السمع وزمانه ومصدره. وأنشد (٧) : [من الطويل]

حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي

فأنت بمرأى من سعاد ومسمعي

__________________

(١) ٣٦ الأنعام : ٦.

(٢) ٢٠ هود : ١١.

(٣) ١٠١ الكهف : ١٨.

(٤) ٤٧ التوبة : ٩.

(٥) النهاية : ٢ ٤٠١.

(٦) النهاية : ٢ ٤٠٢. وفي اللسان بفتح التاء. وجاء في هامش ح الورقة ١٦٤ : «فائدة : سمع المعدّى بنفسه يفيد الإدراك ، والمعدى بإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك. الكشاف».

(٧) البيت لابن بابك الشاعر. الجرعاء : الرملة الطيبة المنبت (معاهد التنصيص : ١ ٥٩).

٢٥٥

س م ك :

السّمك : معروف. والسّمك : الرّفع. وسمكت البيت : رفعته. وقيل للسماوات مسموكات لارتفاعها. قال الفرزدق (١) : [من الكامل]

إنّ الذي سمك السماء بنى لنا

بيتا دعائمه أعزّ وأطول

وسنام سامك تامك أي مرتفع. ومنه قوله تعالى : (رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها)(٢).

س م ن :

قوله تعالى : (إِنِّي أَرى سَبْعَ بَقَراتٍ سِمانٍ)(٣) ؛ جمع سمينة وسمين أيضا ، نحو ظراف في ظريفة وظريف. والسّمن : امتلاء الجسد ضدّ الهزال. وسمّنته : جعلته سمينا ، وأسمنته كذلك ، أو وجدته كذلك ، أو أعطيته كذلك. واستسمنته : وجدته سمينا ، كذا قاله الراغب (٤). والظاهر أنّ المعنى : طلبته سمينا. ويكنى بالتسمّن عن التكثّر بما ليس فيه. وفي الحديث : «يكون في آخر الزمان قوم يتسمّنون» (٥) أي يتكثّرون بما ليس فيهم ، ويدّعون ما ليس فيهم من الشرف. والسّمنة : دواء يتسّمن به النساء. والسّمانى : طائر معروف.

س م م :

قوله تعالى : (فِي سَمِّ الْخِياطِ)(٦) هو ثقب الإبرة وخرمها. وقيل : هو كلّ ثقب ضيق كثقب الإبرة وثقب الأنف والأذن. وهو بفتح السين وضمّها. ولم يقرأ إلا بالفتح. والجمع سموم. وسمّه : أدخله فيه. والسّامّة : الحاجة ، وهم الدّخيل الذين يدخلون بواطن الأمور.

__________________

(١) مطلع قصيدة له. الديوان : ٧١٤.

(٢) ٢٨ النازعات : ٧٩.

(٣) ٤٣ يوسف : ١٢.

(٤) المفردات : ٢٤٣.

(٥) النهاية : ٢ ٤٠٥.

(٦) ٤٠ الأعراف : ٧.

٢٥٦

والسّمّ : القاتل ، هو مصدر في معنى الفاعل ؛ فإنه يلطف تأثيره ، ويدخل في بواطن الأمور. وقيل للريح الحارة : سموم ، لأنها تؤثر تأثير السّمّ.

س م و :

قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ)(١). السماء : كلّ ما علاك فأظلّك من سقف ونحوه. وعليه قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً)(٢). ولفظها مفرد والمراد به جمع بدليل قوله : (فَسَوَّاهُنَ)(٣). وهمزتها عن واو لأنها من سما يسمو أي ارتفع. ويجمع تكسيرا على أسمية نحو كساء وأكسية. وقيل للسّحاب سماء لارتفاعه ، ثم يعبّر به عن الماء ، ويعبّر به عن النبات لأنه سببه ، كقوله (٤) : [من الوافر]

إذا نزل السماء بأرض قوم

رعيناه وإن كانوا غضابا

وقوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)(٥) أي مثلا. وقيل : من يتسمّى باسمه. قيل : لم يتجاسر أحد أن يتسّمى بالله. قوله : (لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)(٦) قيل : مثلا. وقيل : لم يتسمّ أحد بيحيى. قوله تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها)(٧). قيل : الأسماء هنا المسّميات بدليل : «ثمّ عرضهم». وقيل : مسمّيات الأشياء التي تعرف بها. وقال الأزهريّ : أسماء ما خلق من حيوان ونبات ومعدن ، ثم عرض تلك الأشخاص عليهم. واختلف الناس في اشتقاقه فقيل : من السّموّ ، وهو قول البصريين. وقيل : من الوسم ، وهو قول الكوفيين. وقال ثعلب : هو من سميت ؛ جعل لامه ياء فيمن قال : سم بكسر الفاء. وقد حققت هذه

__________________

(١) ٢٩ البقرة : ٢.

(٢) ٣٢ الأنبياء : ٢١.

(٣) ٢٩ البقرة : ٢.

(٤) البيت لمعوّد الحكماء معاوية بن مالك ، كما في اللسان ـ مادة سما.

(٥) ٦٥ مريم : ١٩.

(٦) ٧ مريم : ١٩.

(٧) ٣١ البقرة : ٢.

٢٥٧

المذاهب في غير هذا. وهمزته همزة وصل ، وقد ثبتت درجا (١). قال (٢) : [من الطويل]

وما أنا بالمخسوس في جذم مالك

ولا من تسمّى ثم يلتزم الإسما

قال بعضهم : كلّ سماء إلى ما دونها سماء ، وبالإضافة إلى ما فوقها أرض إلا السماء العليا فسماء بلا أرض. قال الراغب : وعليه حمل قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ)(٣) ، والسماء تذكّر وتؤنّث. ومن التذكير قوله (٤) : [من الوافر]

فلو رفع السماء إليه قوما

فالهاء في «إليه» للسماء. وقيل : إن أريد بالسماء هذه المظلّة فمؤنثة فقط ، وإن أريد بها الماء والنبات فمذكّر كقوله : (السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ)(٥). والبيت المتقدّم يردّ هذا. والسماوة : الشخص العالي. قال (٦) : [من الرجز]

سماوة الهلال حتى احقوقفا

__________________

(١) جاء في هامش الورقة ١٦٥ ، من النسخة ح : «الاسم : وهو سمو عند البصريين بدليل جمعه على أسماء وتصغيره على سميّ ... ووسم ووسمت. ولو كان أصله كما قاله الكوفيون (وسما) كان كلّ منهما على العكس. وله خمس لغات : اسم واسم ـ والكسر أجود ـ وسم ، وسم ، وسمّى كهدى. والقياس الخطيّ فيه ألا تحذف ألفه في حال الدرج في الخط كما لا تحذف في «باسمك» وكما لا تحذف في حال الابتداء في اللفظ فحذفوها في «بسم الله» لكثرة الاستعمال. وقال أبو البقاء : لو قلت : «لاسم الله» أو «باسم ربي» أثبتّ الألف.

(٢) البيت للأحوص (اللسان ـ مادة سما). والبيت مضطرب في الأصل فصوّبناه منه.

(٣) ١٢ الطلاق : ٦٥.

(٤) أنشده ابن بري. وعجزه كما في اللسان (مادة ـ سما) ، وفي معاني القرآن للفراء (١ ١٢٨ و ٣ ١٩٩) :

لحقنا بالسماء مع السحاب

وعند الفراء : لحقنا بالنجوم.

(٥) ١٨ المزمل : ٧٣.

(٦) الرجز للعجاج ، الديوان : ٢ ٢٣٢. يريد بسماوة الهلال : أعلاه. والسماوة : (كما في شرح الديوان) الشخص ، شخص كل شيء. احقوقف : اعوجّ.

٢٥٨

قوله : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها)(١) يعني أنّ الأسماء التي تذكرونها ليس لها مسمّيات ، وإنّما هي أسماء لا حقائق لها ؛ إذ كان حقيقة ما يعتقدون في الأصنام بحسب تلك الأسماء غير موجود فيها. وقوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ)(٢). ليس المعنى : اذكروا أساميها فقولوا : اللات والعزّى وهبل ونحو ذلك ، وإنّما المعنى أظهروا حقيقة ما تدّعون فيها من الإلهية. وإنكم هل تجدون تحقيق ذلك فيها؟ ولهذا قال بعده : (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ)(٣). قوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ)(٤) أي يتزايد خيره وإنعامه. والمعنى أنّ البركة والنعمة الفائضة في صفاته إذا اعتبرت ، وذلك نحو الكريم العالم الرحمن الرحيم. وقوله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)(٥) أي نظيرا له يستحقّ اسمه ، وموصوفا يستحقّ صفاته على التحقيق. وليس معنى : هل تجد من تسمّى باسمه ، إذ كان كثير (٦) من أسمائه قد يطلق على غيره ، ولكن معناه ليس إذا استعمل فيه كان معناه إذا استعمل في غيره.

فصل السين والنون

س ن م :

قوله تعالى : (وَمِزاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ)(٧) قيل : هو عين في الجنة رفيعة القدر. وبه فسّر قوله تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ)(٨)(عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)(٩). وقيل : معناه من ماء متسنّم ، أي عينا تأتيهم من علوّ تتسنّم عليهم من الغرف. والتّسنيم : العلوّ. وقال

__________________

(١) ٤٠ يوسف : ١٢.

(٢) : ٣٣ الرعد : ١٣.

(٣) تابع الآية السابقة.

(٤) ٧٨ الرحمن : ٥٥.

(٥) ٦٥ مريم : ١٩.

(٦) وفي الأصل : كثيرا.

(٧) ٢٧ المطففين : ٨٣.

(٨) ٦ الإنسان : ٧٦.

(٩) تتمة الآية : ٢٧ من المطففين.

٢٥٩

الفراء (١) : أراد من ماء سنم ؛ سنّم عينا في عينين (٢). قال : وتسنيم معرفة وإن كان اسما للماء وعينا نكرة (٣) فخرجتا نصبا. وفي حديث لقمان بن عاد : «كان يهب المئة السّنمة» (٤) أي العظيمة السّنام.

س ن ن :

قوله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ)(٥) ؛ أي طرائق ، جمع سنّة. والسّنّة : الطريقة ، والمعنى : أهل سنن. أو عبّر بها عنهم تجوّزا. وقوله عليه الصلاة والسّلام : «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» (٦) أي اسلكوا بهم مسلكهم وطريقهم. وسنة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : طريقته التي كان يتحرّاها. ومنه : سنة الله أي طريقة شرائعه. وتطلق باعتبار طريقة حكمته وطريقة شرائعه وطاعاته. وقوله تعالى : (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)(٧)(وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً)(٨) فيه تنبيه أنّ فروع الشرائع وإن اختلفت صورها فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدّل ، وهو التوحيد وتطهير النفس وترشيحها للوصول إلى ثواب الله وجواره.

وقوله تعالى : (وَالسِّنَّ بِالسِّنِ)(٩) معروف ، وجمعها أسنان ، وهي اثنان وثلاثون سنا ؛ أربع ثنايا ، وأربع رباعيات ، وأربعة أنياب ، وأربعة ضواحك ، واثني عشر رحى ، وأربعة نواجذ. وترتيبها كما ذكرته. والنواجذ : أضراس الحلم.

وسانّ البعير الناقة : عارضها حتى أبركها. والسّنون : دواء تعالج به الأسنان. قوله

__________________

(١) معاني القراء : ٣ ٢٤٩.

(٢) لم يذكر الفراء الكلمتين الأخيرتين في معانيه ، ولعله يريد : في جهتين.

(٣) لم يذكرها الفراء في معانيه ، بل ذكر اللسان كلام الفراء وأورد كلمة «نكرة» في مادة ـ سنم. بينما ذكر الشارح في الحاشية (٥) أن كلمة «نكرة» تحريف عن كلمة «معرفة» فأثبتها في المتن على أنها اسم للماء.

(٤) النهاية : ٢ ٤٠٩. وفيه : «البكرة السنمة».

(٥) ١٣٧ آل عمران : ٣.

(٦) النهاية : ٢ ٤١٠ ، والحديث عن المجوس.

(٧) ٦٢ الأحزاب : ٣٣.

(٨) ٤٣ فاطر : ٣٥.

(٩) ٤٥ المائدة : ٥.

٢٦٠