عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

وقيل : «سرعان ذا إهالة» (١). فسرعان : اسم فعل بمعنى سرع كوشكان من وشك وبطآن ، وذا إشارة إلى شاة ، والإهالة : الشحم. وأصله أنّ رجلا اشترى شاة عجفاء ، فأتى بها أمّه ولعابها يسيل من شدقيها ، فقال : هذا شحمها. فقالت : سرعان ذا إهالة. وإهالة نصب على التمييز. وفي الحديث : «أنّ أحد ابنيه بال عليه فرأى بوله أساريع» (٢) أي طرائق. والأساريع أيضا : دود أبيض. قال امرؤ القيس (٣) : [من الطويل]

وتعطو برخص غير شثن كأنّه

أساريع ظبي أو مساويك إسحل

وفي حديث آخر : «فأخذ بهم بين سروعتين» (٤). السّروعة : الرابية من الرمل ، والزّروحة كذلك. وقد يكون من غير الرمل أيضا.

س ر ف :

قوله تعالى : (وَلا تُسْرِفُوا)(٥). الإسراف : تجاوز الحدّ في سائر الأفعال ، إلا أنه غلب في الإنفاق. ويقال باعتبارين : باعتبار القدر ، وباعتبار الكيفيّة. ومنه قول سفيان : «ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف وإن كان قليلا» (٦). وقال إياس بن معاوية : «الإسراف : ما قصّر به عن حقّ الله تعالى» (٧). وهو ضدّ القصد. ويقال : فلان مسرف وفلان مقتصد. قوله تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ)(٨) ، يتناول الإسراف في الإنفاق وفي سائر الأعمال. قوله تعالى : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ)(٩) ؛ نهى عما كانت الجاهلية تفعله من قتل غير القاتل ، بأن لا يرضى إلا بقتل من هو أشرف منه ، أو بقتل عدد كثير مكان الواحد.

وقيل : سرفه فيه أن يعدل عن طريق القصاص بأن يستحقّ حزّ رقبته فيعدل إلى ما هو

__________________

(١) مثل ذكره اللسان ـ مادة سرع ، وذكر قصته.

(٢) النهاية : ٢ ٣٦١ ، وفيه ذكر الحسن والحسين رضي الله عنهما.

(٣) البيت من معلقته ، الديوان : ٣٥. شنن : جاف ، غليظ. ظبي : اسم لكثيب.

(٤) من حديث الحديبية النهاية : ٢ ٣٦١.

(٥) ١٤١ الأنعام : ٦ ، وغيرها.

(٦) المفردات : ٢٣٠. ورواه ابن منظور فقال : قال سفيان : الإسراف كل ما أنفق في غير طاعة الله.

(٧) من كلام إياس بن معاوية قاضي البصرة الشهير بالفطنة حتى قيل : أزكن من إياس.

(٨) ٥٣ الزمر : ٣٩.

(٩) ٣٣ الإسراء : ١٧.

٢٢١

أشقّ. وقيل : هو نهي عن المثلة ، والكلّ جائز. وقوله تعالى : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ)(١) أي المتجاوزين حدود الله من أوامره ونواهيه سواء كان ذلك في الإنفاق أم في غيره. ووصف قوم لوط بأنهم مسرفون من حيث تجاوزوا موضع البذر موضعه المذكور في قوله تعالى : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) الآية (٢). قوله : «مررت بكم فسرفتكم» (٣) أي جهلتكم وذلك أنه تجاوز ما من حقّه أن لا يتجاوزه ، فلذلك فسّر به.

والسّرفة : دويبّة تأكل الورق تصوروا منها الإسراف في ذلك. يقال : سرفت الشجرة فهي مسروفة. وفي حديث عائشة : «إنّ للحم سرفا كسرف الخمر» (٤). قال ابن الأعرابي : هو تجاوز ما حدّ لك. والسّرف : الجهل. والسّرف : الإغفال ، ومنه : «فسرفتكم» (٥) أي أغفلتكم (٦).

س ر ق :

قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)(٧). السرقة : أخذ مال الغير خفية. وفي الشرع : أخذ مال بقدر مخصوص من حرز مخصوص. قال ابن عرفة : السارق عند العرب من جاء مستترا إلى حرز فأخذ منه ما ليس له ، فإن أخذ من ظاهر فهو مختلس ومستلب ومنتهب ومحترس. فإن بيع ما في يده فهو غاصب قوله تعالى : (إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ)(٨). قيل : إنه كان في أحد خزائنه صنم (٩) يعبد من دون الله (١٠) إنكارا على عبده. وقيل : إنّ عمّته دسّت عليه عبدا ليأخذه إذ كان في دينهم أنّ من يسرق لأحد شيئا كان (١١)

__________________

(١) ٤٣ غافر : ٤٠.

(٢) ٢٢٣ البقرة : ٢.

(٣) وتمام الحديث : «أردتكم فسرفتكم». النهاية : ٢ ٣٦٢.

(٤) النهاية : ٢ ٣٦١. أي : ضراوة كضراوتها ، وشدة كشدّتها.

(٥) وتمام الحديث : «أردتكم فسرفتكم». النهاية : ٢ ٣٦٢.

(٦) أو : أخطأتكم كما في النهاية.

(٧) ٣٨ المائدة : ٥.

(٨) ٧٧ يوسف : ١٢.

(٩) وفي الأصل : صنما.

(١٠) اللفظة ساقطة من ح.

(١١) الضمير للسارق.

٢٢٢

ملكا للمسروق منه. واستعير ذلك للسمع في خفية ؛ فقال تعالى : (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ)(١).

والسّرقة : الحرير الجيد. قيل : هو فارسي معرب أصله : سره (٢). وفي الحديث : «أنه عليه الصلاة والسّلام قال لعائشة : يحملك في سرقة من حرير» (٣).

س ر م د :

قوله تعالى : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً)(٤). السرمد : الدائم غير المنقطع. والجمع سرامد نحو جعفر وجعافر. قال بعضهم : كأنّ الميم فيه زائدة. واشتقاقه من السّرد وهو التتابع والاستمرار وليس ببعيد ، فإنّ بعضهم قال في قوله تعالى : (قَمْطَرِيراً)(٥) إنه من القمط ، فزيد فيه الراء.

س ر و :

قوله تعالى : (سَرِيًّا)(٦). السريّ : السيد ، وهو من سرو يسرو مثل : طرو يطرو ، وأصله سريو. وقيل : السّريّ : النهر ، إلا أن يكون من مادة سرى يسري كما سيأتي. فعلى الأول يراد به عيسى عليه‌السلام ، ويؤيد الثاني قوله : ... (٧) وأسرّ لي. والجمع : سراة. قال (٨) : [من البسيط]

وإن سقيت سراة الناس فاسقينا

وقيل : سمّي السريّ بذلك لأنه يسرو ثوبه أي ينزعه ويتشمّر لفعل الخيرات ضدّ

__________________

(١) ١٨ الحجر : ١٥.

(٢) وانظر معجم المعربات الفارسية : ٩٩.

(٣) النهاية : ٢ ٣٦٢. وهي هنا بمعنى قطعة من جيد الحرير. وجمعها سرق.

(٤) ٧١ القصص : ٢٨.

(٥) ١٠ الإنسان : ٧٦.

(٦) ٢٤ مريم : ١٩.

(٧) بياض في الأصل قدر ثلاث كلمات ، ولعله (أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً) (١ الإسراء : ١٧).

(٨) عجز لبعض بني قيس بن ثعلبة ويروى أنه لبشامة بن جزء النهشلي (الحماسة : ١٠٠). وصدره :

إنا محيّوك يا سلمى فحيّينا

٢٢٣

الزّميل (١). وقيل : السّرى : الرّفعة. والسريّ : رفيع المنزلة. والسّروة : الرّفعة أيضا ، وجمع على سروات.

وسروت الشيء : كشفته. يقال : سروت الثوب وسريته أي نضوته. وفي الحديث : «سرّي عنه» (٢) أي كشف. وسرّي القوم : قتل سريّهم ، نحو : أكموا ، أي قتل كميّهم (٣). وفي حديث أحد : «اليوم تسرّون» (٤) أي يقتل سريّكم. فقتل حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه. وفي الحديث : «ليس للنساء سروات الطرق» (٥) يعني ما ظهر منها ، وإنما لهنّ أطرافها وجوانبها ، الواحد سراة. وفي حديث المساقاة : «يشترط صاحب الأرض [على المساقي] خمّ العين وسرو الشّرب» (٦) ؛ نزعه ، يعني : تنقية أنهار الشرب ، وهي الحديقة.

س ر ي :

قوله تعالى : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً)(٧). يقال : سرى وأسرى لغتان قرئتا : (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) و (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) بقطع الهمزة وبوصلها (٨). وبهذا يردّ قول من قال : إنّ سرى ليلا وأسرى نهارا ، ولذلك قال : ليلا مع أسرى. وقيل : إنّ أسرى ليس من لفظ سرى ، وإنّما هو من لفظ السّراة ، وهي الأرض الواسعة. ومنه قول الآخر (٩) : [من البسيط]

بسرو حمير أبوال البغال به

فأسر نحو أيور الخيل واتّهم

__________________

(١) والمتزمّل والمتدثّر.

(٢) النهاية : ٢ ٣٦٤.

(٣) كذا قرأنا السطر ، ويحتمل قراءة أخرى.

(٤) النهاية : ٢ ٣٦٣.

(٥) النهاية : ٢ ٣٦٤.

(٦) النهاية : ٢ ٣٦٤ ، والإضافة منه للتوضيح. وهو حديث مالك بن أنس. وقال القتيبي : أحسبه من قولك : سروت الشيء : إذا نزعته.

(٧) ١ الإسراء : ١٧.

(٨) ٨١ هود : ١١ ، وغيرها. ويقول الفراء : «فأسر بأهلك» قراءتنا من أسريت بنصب الألف وهمزها. وقراءة أهل المدينة : «فأسر بأهلك» ؛ من سريت (معاني القرآن : ١ ٢٤). ويزيد ابن خالويه قراءة اليماني : «فسر بأهلك» (شواذ القرآن : ٦١).

(٩) العجز مذكور في المفردات.

٢٢٤

فقوله تعالى : (أَسْرى بِعَبْدِهِ) ذهب به في سراة الأرض ، وسراة كلّ شيء : أعلاه. ومنه : سراة النّهار. والسارية : القوم يسرون. والسارية أيضا : الاسطوانة ، والسحابة التي تمرّ ليلا. قال الشاعر (١) : [من البسيط]

سرت عليه من الجوزاء سارية

وفي البيت تداخل لغتين ؛ إذ كان من حقّه أن يقول : مسراه (٢). والمسرى : إذا أريد به النهر كان من هذه المادة اشتقاقا من سرى يسري ، لأن الماء يسري فيه وفي التفسير أنه الجدول ، وقد تقدّم.

فصل السين والطاء

س ط ح :

قوله تعالى : (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)(٣) أي بسطت واتّسعت ، كقوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها)(٤) أي بسطها بعد أن كانت كرة. وانسطح (٥) الرجل : امتدّ على قفاه. وقيل : هو مشتق من سطح البيت ، وهو أعلاه. فقولهم : سطحت المكان أي جعلته في التسوية كالسّطح. وسطحت الثّريد في القصعة أي بسطته. والمسطح : عمود الخيمة ، لأنّ به يجعل لها سطحا (٦). وسطيح الكاهن سمي بذلك لأنه كان كالأديم المسطوح. وجمع السّطح سطوح وأسطح.

__________________

(١) صدر من معلقة النابغة. الديوان : ٨. وقد صوبناه منه. وعجزه :

تزجي الشّمال عليه جامد البرد

(٢) لأن رواية البيت فيه : أسرى.

(٣) ٢٠ الغاشية : ٨٨.

(٤) ٣٠ النازعات : ٧٩.

(٥) وفي الأصل : تسطح.

(٦) وفي الأصل : سطيح.

٢٢٥

س ط ر :

قوله تعالى : (وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ)(١) جمع أسطورة تقديرا. كما قيل : أحاديث في جمع أحدوثة. وقيل : أساطير : جمع أسطار ، وأسطار جمع سطر بالفتح. يقال : سطر وسطر ؛ وهما الصفّ من الكتابة ومن الشجر المغروس ، ومن القوم الوقوف. وسطّر فلان أسطرا. قال الشاعر (٢) : [من الرجز]

إني وأسطار سطرن سطرا

لقائل : يا نصر نصر نصرا

قوله تعالى : (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً)(٣) أي مثبتا محفوظا ، لأنّ ما كتب فقد أثبت وحفظ. قوله تعالى : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)(٤) أي بحفيظ. (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)(٥) بحفيظ.

يقال : تسيطر فلان على كذا وسيطر أي أقام عليه قيام السطر وثبوته فالمعنى : لست عليهم بقائم ولا حافظ. فيكون المسيطر كالكاتب في قوله : (وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(٦). وهذه الكتابة هي المذكورة في قوله : (إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ)(٧).

والمسيطر : هو المعنيّ بقوله تعالى : (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ)(٨). وقيل : معناه ممحّص لأعمالهم. وقوله : (أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ)(٩) أي الأرباب المسلّطون. قوله تعالى : (وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ)(١٠) أي يكتبون أعمال العباد. وقيل : عنى صناعة الكتابة من حيث هي ، وتبدّل السين صادا وزايا ، كما في السراط.

__________________

(١) ٥ الفرقان : ٢٥.

(٢) البيت لرؤبة ، وهو من شواهد المغني : ٣٨٨.

(٣) ٥٨ الإسراء : ١٧.

(٤) ٢٣ الغاشية : ٨٨.

(٥) ١٠٧ الأنعام : ٦.

(٦) ٨٠ الزخرف : ٤٣.

(٧) ٧٠ الحج : ٢٢.

(٨) ٣٣ الرعد : ١٣.

(٩) ٣٧ الطور : ٥٢. وفي الأصل بالسين.

(١٠) ١ القلم : ٦٨.

٢٢٦

س ط و :

قوله تعالى : (يَسْطُونَ)(١) أي يبطشون. سطا به وعليه بمعنى. والسّطو : البطش باليد ، وأصله من سطا الفحل على رمكة (٢) : إذا قام على رجليه رافعا يديه مرحا أو للنّزو. وسطا الراعي : أخرج الولد من بطن أمّه ميتا. ويستعار السّطو للماء كالطّغويّة ، كقوله تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ)(٣).

فصل السين والعين

س ع د :

قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا)(٤). السعادة : معاونة الأمور الإلهية للإنسان على فعل الخير. وهي ضدّ الشّقاوة. وأعظم السعادات الجنة ، ولذلك قال : (فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها)(٥). يقال : سعد الرجل وسعدته وأسعدته. وقرئ قوله : (سُعِدُوا) بالوجهين : مبنيا للفاعل أو للمفعول. وعليه قولهم : رجل مسعود ، استغناء به عن مسعد وسعيد وسعد. والمساعدة : المعاونة بما تظنّ به السعادة. وفي التلبية : «لبّيك وسعديك» (٦) أي مساعدة لطاعتك بعد مساعدة (٧). والمعنى : ساعدت طاعتك مساعدة بعد أخرى. وقولهم : سعديك ، أي أسعدك الله إسعادا بعد إسعاد. وفي الحديث : «لا إسعاد في الإسلام» (٨) ، هو ما كانت الجاهلية تفعله من مساعدة بعضها بعضا في النّياحة. وساعد الكفّ لأنه يستعين به صاحبه ، وجيء به على فاعل تصورا منه أنه فعل ذلك وكان قياسه مساعدا ، وجناحا الطائر ساعداه.

__________________

(١) ٧٢ الحج : ٢٢.

(٢) الرمكة : الفرس أو البرذونة تتخذ للنسل.

(٣) ١١ الحاقة : ٦٩.

(٤) ١٠٨ هود : ١١.

(٥) تابع الآية السابقة.

(٦) النهاية : ٢ ٣٦٦.

(٧) ولهذا ثني.

(٨) الحديث في إسعاد النساء في المناحات ، وتمامه : «لا إسعاد ولا عقر في الإسلام» فقد كان نساء الجاهلية يسعد بعضهن بعضا ، فنهين عن ذلك (النهاية : ٢ ٣٦٦).

٢٢٧

والسّعدان : نبت معروف لأنه يغزر اللبن تصورا لمساعدته في ذلك. وفي المثل : «مرعى ولا كالسّعدان» (١). وفي الحديث : «له شوك كشوك السّعدان» (٢). والواحدة سعدانة. والسّعدانة أيضا : الحمامة ، وكركرة البعير ، وعقدة الشّسع. والسّعود : كواكب معروفة. وقوله في الحديث : «وساعد الله أشدّ وموساه أحدّ» (٣) من أبلغ الاستعارات كقوله : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ)(٤) تعالى الله عن الجارحة ومشابهة لشيء. والسّعيد : النهر ، لمساعدته الناس ، وجمعه سعد. قال أوس بن حجر (٥) : [من الكامل]

وكأنّ ظعن الحيّ مدبرة

نخل مواقر بينها السّعد

س ع ر :

قوله تعالى : (فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ)(٦) السّعير : النار الموقدة. والسّعر : التهاب النار وشدة إضرامها. يقال : سعرت النار وسعّرتها. مخففا ومثقلا (وأسعرتها بمعنى واحد. وقرئ : (وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ)(٧) و (سُعِّرَتْ)(٨) مخففا ومثقلا بالوجهين (٩).

والمسعر : الخشب الذي يسعر به. وفي الحديث : «ويلمّه مسعر حرب» (١٠) جعله كذلك مبالغة. واستعرت الحرب ، نحو : اشتعلت. والسّعار : حرّ النار. قوله تعالى : (لَفِي

__________________

(١) مثل يضرب لجيد غير مبالغ في الجودة. قالته الطائية لامرئ القيس ، وقد قال لها : كيف أنا من طرفة؟ وكان زوجها قبله (المستقصى : ٢ ٣٤٤.

(٢) أنظر النهاية : ٢ ٣٦٧ للتفصيل في الحديث. وفي البخاري ، باب الأذان ، رقم ١٢٩.

(٣) النهاية : ٢ ٣٦٧ ، وهو من حديث البحيرة.

(٤) ٦٤ المائدة : ٥.

(٥) اختلفت رواية صدره عما في اللسان ـ مادة سعد. ففيه :

وكأنّ ظعنهم مقفّية

(٦) ١١ الملك : ٦٧.

(٧) ١٢ التكوير : ٨١.

(٨) الكلام بين قوسين ساقط من س.

(٩) خففها الأخفش وأصحابه ، وشدّدها الآخرون منهم نافع وابن ذكوان وحفص وأبو بكر (معاني القرآن للفراء : ٣ ٢٤١ ، والحاشية رقم ٧ ، المنقولة عن الاتحاف : ٤٣٤).

(١٠) النهاية : ٢ ٣٦٧.

٢٢٨

ضَلالٍ وَسُعُرٍ)(١) قيل : هو جمع سعير. وقيل : السّعر : الجنون. وقال ابن عرفة : تسعّرت لهيبا ، وناقة مسعورة أي مجنونة. وقيل : هو نشاطها. وسعر الرجل : أصابه حرّ. وقوله : (عَذابِ السَّعِيرِ)(٢) أي الحميم ؛ فهو فعيل بمعنى مفعول. والسّعر في البياعات (٣) مأخوذ من استعار النار على التشبيه.

س ع و :

قوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ)(٤). السّعي : [المشي](٥) السريع ، وهو دون العدو. ويستعمل للجدّ في الأمر ، خيرا كان أو شرا. قال تعالى : (وَسَعى فِي خَرابِها)(٦). وقال تعالى : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ)(٧) وهو من أبلغ الاستعارات. وغلب السعي في الأمور المحمودة ، وخصّ فيما بين الصّفا والمروة من المشي ، والسّعاية بالنّميمة ، وبأخذ الصدقات ، وبكسب المكاتب لعتق رقبته. والمساعاة بالفجور ، والمسعاة بطلب المكرمة.

قوله : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ)(٨) أي اجتهدوا في إظهار عجزنا فيما أنزلناه من الآيات.

__________________

(١) ٢٤ القمر : ٥٤.

(٢) ٤ الحج : ٢٢ ، وغيره.

(٣) وفي الأصل : الساعات ، وهو يريد السوق.

(٤) ٩ الجمعة : ٦٢.

(٥) إضافة المحقق.

(٦) ١١٤ البقرة : ٢.

(٧) ١٢ الحديد : ٥٧.

(٨) ٣٨ سبأ : ٣٤.

٢٢٩

فصل السين والغين

س غ ب :

قوله تعالى : (ذِي مَسْغَبَةٍ)(١) أي مجاعة. وأكثر استعمال السّغب في الجوع مع التّعب. وقد يستعمل في العطش مع التعب. يقال : سغب يسغب سغبا وسغوبا ، فهو ساغب وسغبان. وأسغب : دخل في السّغوب. وفي الحديث «دخل بأصحابه وهم مسغبون» (٢) من ذلك.

فصل السين والفاء

س ف ح :

قوله تعالى : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً)(٣) أي مصبوبا. يقال : سفح دمعه أي أساله من البكاء. قال امرؤ القيس (٤) : [من الطويل]

وإنّ شفائي عبرة إن سفحتها (٥)

وهل عند رسم دارس من معوّل؟

قوله تعالى : (غَيْرَ مُسافِحِينَ)(٦). السّفاح : الزّنا ، لأنه صبّ المنيّ في الرّحم. وغلب في الزنا ، ويقابله النكاح. يقال : سفحت الماء : صببته.

س ف ر :

قوله تعالى : (بَيْنَ أَسْفارِنا)(٧). الأسفار : جمع سفر. والسّفر : الرحيل من مكان إلى

__________________

(١) ١٤ البلد : ٩٠.

(٢) النهاية : ٢ ٣٧١.

(٣) ١٤٥ الأنعام : ٦.

(٤) الديوان : ٣٠.

(٥) هذه الرواية ذكرها الديوان تحقيق أبي الفضل طبعة ١٩٥٨ بينما رواية الديوان المعتمد ، وشرح القصائد العشر : ٢٨ ، وشرح القصائد التسع : ١ ١٠٤ : عبرة مهراقة.

(٦) ٢٤ النساء : ٤.

(٧) ١٩ سبأ : ٣٤.

٢٣٠

مكان. وأصله الكشف. قيل : لأنه يسفر عن أخلاق الرجال ، ويختصّ ذلك بالأعيان نحو : سفر العمامة والخمار عن الوجه. وسفر البيت : كنسه بالمسفر وهو المكنسة ، لأنه أزال السّفير عنه ، والسفير : التراب المكنوس.

والإسفار : ظهور ضوء النهار. ومنه قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)(١) وذاك لكشفه الظّلمة. وقال الراغب (٢) : الإسفار يختصّ باللون ، ومنه : (إِذا أَسْفَرَ) أشرق ضوءه. ومنه قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ)(٣) منه. وفي الحديث : «أسفروا بالصبح تؤجروا» (٤) أي تبيّنوه ، وقيل : من قولهم : «أسفرت» أي دخلت فيه نحو : أصبحت. وسفر الرجل فهو سافر. والجمع سفر ، نحو راكب وركب. وسافر فاعل ، بمعنى فعيل. وقيل على بابه اعتبارا بأنّ الإنسان قد سفر عن المكان وأنّ المكان قد سفر عنه.

والسفر : الكتاب لأنه يسفر عن الحقائق ، وجمعه أسفار كقوله تعالى : (يَحْمِلُ أَسْفاراً)(٥) وإنّما أتى بالأسفار هنا تنبيها أن التّوراة وإن كانت تحقّق ما فيها فالجاهل لا يكاد يستيقنها كالحمار الحامل لها. قوله تعالى : (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ)(٦) هم الملائكة الموصوفون بقوله تعالى : (كِراماً كاتِبِينَ)(٧). وهم جمع سافر نحو كتبة في جمع كاتب. والسّفير يطلق باعتبارين : أحدهما بمعنى الرسول فيكون فعيلا بمعنى فاعل ، بمعنى أنه يزيل ما بين القوم من الوحشة بينهم (٨). والثاني بمعنى ما يكنس فيكون بمعنى مفعول.

والسّفارة : الرسالة. فالرسول والكتب والملائكة مشتركة في كونها مسفرة عن القوم وما استبهم عليهم. وعن ابن عرفة أن الملائكة سمّوا سفرة لأنهم يسفرون بين الله تعالى وبين

__________________

(١) ٣٤ المدثر : ٧٤.

(٢) المفردات : ٢٣٣.

(٣) ٣٨ عبس : ٨٠.

(٤) ويروى : «أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر» (النهاية : ٢ ٣٧٢).

(٥) ٥ الجمعة : ٦٢.

(٦) ١٥ عبس : ٨٠.

(٧) ١١ الانفطار : ٨٢.

(٨) لعلها مقحمة.

٢٣١

أنبيائه. وعن أبي بكر أنهم ينزلون بالوحي وبما فيه صلاح الخلق ؛ اشتقاقا من السّفير ، وهو الساعي بالصّلح. وفي الحديث في قوم لوط : «وتتبّعت أسفارهم بالحجارة» (١). أسافر (٢) جمع سفر ، وسفر جمع سافر كما تقدّم. والسّفار : الزّمان. سفرت البعير وأسفرته. وفي الحديث : «هات السّفار» (٣). والسّفار أيضا : الحديدة التي يخطم بها (٤).

س ف ع :

قوله تعالى : (لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ)(٥) أي لنأخذن. والسّفع (٦) : الأخذ بسفعة الرأس أي بسواد رأسه ، وباعتبار السّواد قيل للأثافيّ : سفع جمع سفعاء. وبه سفعة غضب اعتبارا بما يعلو وجه الشديد الغضب من اللون الدّخانيّ (٧). وقيل للصقر أسفع اعتبارا بلونه. وقيل : السّفع : الأخذ بشدّة. والمعنى : لنجرّنّ بناصيته جرّا عنيفا. يقال : سفعت بالشيء أي قبضت عليه قبضا شديدا. قال الشاعر (٨) : [من الكامل]

قوم إذا سمعوا الصّريخ رأيتهم

ما بين ملجم مهره أو سافع

وقيل : معناه لنسوّدنّ وجهه. واكتفى بالناصية لأنها مقدّم الوجه. وفي الحديث : «سفعاء الخدّين» (٩). وقيل : معناه لنجعلنّ على ناصيته علامة يعرف بها ، [من] سفعت الشيء ، أي علّمته. وأنشد : [من الطويل]

وكنت إذا نفس الخناء نزت به (١٠)

سفعت على العرنين منه بميسم

__________________

(١) النهاية : ٢ ٣٧٢ ، أي القوم الذين سافروا منهم.

(٢) وفي الأصل : أسفار ، ولعله وهم من الناسخ. وهي جمع الجمع.

(٣) النهاية : ٢ ٣٧٣.

(٤) يعني البعير ، ليذلّ وينقاد.

(٥) ١٥ العلق : ٩٦.

(٦) وفي الأصل : المسفع ، وهو وهم من الناسخ. وكثيرا ما يضيف مثل هذه الميم.

(٧) وفي الأصل : الدخائن.

(٨) البيت من شواهد اللسان ـ مادة سفع.

(٩) النهاية : ٢ ٣٧٤. وتمامه : «أنا و.. الحانية على ولدها يوم القيامة كهاتين ، وضمّ أصبعيه».

(١٠) ورواية صدر البيت في اللسان ـ مادة سفع :

وكنت إذا نفس الغويّ نزت به

٢٣٢

وفي الحديث : «وعندها جارية بها سفعة». فقال عليه الصلاة والسّلام : «إنّ بها نظرة» (١) أي عينا. قيل : معناه علامة من الشيطان. وقيل معناه ضربة. يقال : سفعه : إذا لطمه.

س ف ك :

قوله تعالى : (وَيَسْفِكُ الدِّماءَ)(٢) أي يصبّها بقتل أصحابها. يقال سفك الدمع والدّم والجوهر المذاب من الذهب والفضّة أي صبّه.

س ف ل :

قوله تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ)(٣) أي بالضّعف والهرم ، كقوله تعالى : (إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ)(٤). يقال رددناه أسفل من سفل ، وأسفل سافل. وقيل : معناه رددناه إلى الضّلال كقوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)(٥). والسّفل ضدّ العلوّ. يقال سفل فهو سافل. وسفل : صار في سفل. والأسفل ضدّ الأعلى ، وقوبل بفوق في قوله تعالى : (وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)(٦) ، فجعل ظرفا ، وقد قرئ مرفوعا على تصرّفه. وسفالة الريح حيث تمرّ ، والعلاوة ضدّه. وسفلة الناس : الأنذال. وأمرهم في سفال.

س ف ن :

قوله تعالى : (أَمَّا السَّفِينَةُ)(٧). السفين : المركب ، مأخوذ من السّفن ، والسّفن :

نحت ظاهر الشيء. سفن العود والجلد ، وسفن الرمح عن الأرض ، أي نحّاه. والسّفن ما يسفن كالنّقض لما ينقض.

__________________

(١) النهاية : ٢ ٣٧٥.

(٢) ٣٠ البقرة : ٢.

(٣) ٥ التين : ٩٥.

(٤) ٧٠ النحل : ١٦ ، وغيرها.

(٥) ٢ و ٣ العصر : ١٠٣.

(٦) ٤٢ الأنفال : ٨.

(٧) ٧٩ الكهف : ١٨.

٢٣٣

س ف ه :

قوله تعالى : (كَما آمَنَ السُّفَهاءُ)(١) أي الجهال. والسّفيه جاهل. وأصله خفّة النسج في الثوب. يقال : ثوب سفيه ، أي خفيف النسج. والسّفه أيضا خفّة البدن. وزمام سفيه : كثير الاضطراب. واستعمل في خفّة النّفس كنقصان العقل في الأمور الدّنيوية والأخروية. وقال الشاعر (٢) : [من الكامل]

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم

إني أخاف عليكم أن أغضبا

أي جهالكم. وقال الآخر (٣) :

مشين كما اهتزت رماح

تسفهّت أعاليها من الرياح

أي استخفّت.

قوله : (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً)(٤) أي ضعيف العقل ، اعتبارا بخفّته ، ولذلك قوبل بالرّزانة ؛ فقيل : رزين العقل. فمن السّفه الدّنيويّ قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ)(٥). ومن الأخرويّ قوله : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً)(٦). ومثله : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ)(٧) أي في الدّين ، لأنهم أرجح الناس عقلا دنيويا. قوله : (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ)(٨) أي في نفسه ، أو بمعنى خسر نفسه ، أو الأصل ، سفهت نفسه فحوّل ، كقوله : (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً)(٩).

__________________

(١) ١٣ البقرة : ٢.

(٢) البيت لجرير من أصل بيتين كما في الديوان : ٥٠.

(٣) : البيت مضطرب الوزن والمعنى.

(٤) ٢٨٢ البقرة : ٢.

(٥) ٥ النساء : ٤.

(٦) ٤ الجن : ٧٢.

(٧) ١٤٢ البقرة : ٢.

(٨) ١٣٠ البقرة : ٢. ويقول الراغب (ص ٢٧٤): «قيل : سفه نفسه وأصله سفه نفسه فصرف عنه الفعل».

(٩) ٤ مريم : ١٩.

٢٣٤

فصل السين والقاف

س ق ط :

قوله تعالى : (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ)(١) ندموا وتحيّروا. وأصل السقوط : الوقوع من علوّ إلى سفل. وذكر بعضهم أنه يلزم البناء للمفعول. يقال سقط في يده ، وأسقط فهو مسقوط. وقيل للكلام الذي لا فائدة فيه : سقط فيه الكلام ، اعتبارا بانخفاض منزلته. وسقط الكلام : ما لا يعتدّ به. قال قطريّ بن الفجاءة : [من الوافر]

وما للمرء خير من حياة

إذا ما عدّ من سقط المتاع

وخصّ السقط ـ مثلث السين ـ بما تضعه المرأة لغير تمام ، وسقط الزند بشرره ؛ مثلثة السين أيضا ، وبذلك يسمّى الولد. والسّقاط : ما يقلّ الاعتداد به من الكلام وغيره. ورجل ساقط : لئيم.

س ق ف :

قوله تعالى : (سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ)(٢). السّقف : كلّ ما علاك من مظلّة ونحوها. وقرئ (سُقُفاً) جمعا وإفرادا ، كرهن ورهن (٣). والسّقيفة : كلّ ما كان له سقف كالصّفّة. والسّقف : طول في انحناء. وكذلك الأسقفّ وهو السّقف. وفي الحديث : «لا يمنع أسقفّ من سقّيفاه» (٤) ؛ والسّقّيفى : مصدر كالخلّيفى (٥). وقيل : إنّما قيل له أسقف لخضوعه وانحنائه.

__________________

(١) ١٤٩ الأعراف : ٧.

(٢) ٣٣ الزخرف : ٤٣.

(٣) قرأها عاصم والأعمش والحسن بضمتين. وقرأها عاصم وبعض أهل الحجاز «سقفا» (معاني القرآن للفراء : ٣ ٣٢).

(٤) النهاية : ٢ ٣٧٩.

(٥) الخلّيفى من الخلافة.

٢٣٥

س ق ي :

قوله تعالى : (نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِها)(١) ، قرئ بضمّ النون وفتحها ؛ من أسقاه وسقاه كما صرّح بكلّ منهما في قوله تعالى : (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً)(٢) ، وقوله تعالى : (وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً)(٣) فقيل : هما بمعنى. وقيل : سقاه : ناوله ماء ليشربه ، وأسقاه : جعل له ماء يشرب منه. فالسّقي والسّقيا : أن تعطيه ما يشرب ، والإسقاء : أن تجعل له ذلك يتناوله كيف شاء. والإسقاء أبلغ من السّقي. والسّقي : النصيب من السّقي. والسّقاء : ما تجعل فيه ما يستقى. والاستسقاء : طلب السقي. قوله تعالى : (جَعَلَ السِّقايَةَ)(٤) هي ما يشرب فيه كالكوز ونحوه ، وهو الصّواع. قيل ... (٥) يشرب فيه عزيز مصر.

فصل السين والكاف

س ك ب :

قوله تعالى : (وَماءٍ مَسْكُوبٍ)(٦) أي مصبوب. يقال : سكبت الماء سكبا ، فهو مسكوب ، وانسكب انسكابا. وشبهت الفرس بالماء المسكوب لشدّة جريها. وبه سميت السّكب (٧) ؛ فكان مبنيا على الكسر. وسكب الدمع فهو ساكب ؛ تصوّرا له بصورة الفاعل مبالغة. وثوب سكب لرقته تشبيها بالماء.

__________________

(١) ٢١ المؤمنون : ٢٣.

(٢) ١٦ الجن : ٧٢. غدقا : كثيرا يتسع به العيش.

(٣) ٢١ الإنسان : ٧٦.

(٤) ٧٠ يوسف : ١٢.

(٥) بياض في الأصل.

(٦) ٣١ الواقعة : ٥٦.

(٧) جواد سكب : كثير العدو ذريع. ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرس اسمه السكب.

٢٣٦

س ك ت :

قوله تعالى : (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ)(١). السكوت والسكون متقاربان ، قال الأزهريّ : معناه سكن. يقال : سكت يسكت سكوتا وسكتا وسكاتا وسكن بمعنى واحد. وقال ابن عرفة : معناه انقطع عنه الغضب. وحكي عن العرب : جرى الوادي ثلاثا ثم سكت ، أي انقطع. وعبّر به عن الموت كما عبر بالسكون. وفي الحديث : «فرميناه بجلاميد الحرّة حتى سكت» (٢). وقيل : السكوت يختصّ بترك الكلام. يقال : رجل سكّيت وساكوت : كثير السكوت. والسّكتة والسّكات : ما يعتري من مرض يمنع من الكلام. والسّكت : يختصّ بسكوت النّفس في الغناء. والسّكتات (٣) في الصلاة عند الافتتاح وبعد الفراغ والسّكيت في الحلبة. ما جاء آخرا.

س ك ر :

قوله تعالى : (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا)(٤) ، قيل : معناه : سدّت. والسّكر : السّدّ. ومنه : سكر فلان ، لأنه سدّ عنه عقله ومنع منه. وقيل : السّكر حالة تعرض بين المرء وعقله. وأكثر ما يستعمل ذلك في الشراب المسكر. وقد يعتري من الغضب والعشق ونحوهما ، وإلى ذلك نحا من قال (٥) : [من الكامل]

سكران : سكر هوى وسكر مدامة

أنّى يضيق فتى به سكران؟

ومنه سمي سدّ الماء بالسّكر. والسّكر : حبس الماء. قال مجاهد : معنى الآية : سدّت ومنعت النظر. أبو عبيدة : دير بهم كالسماء دائرا. ابن عرفة : حبست عن النظر. أبو عمر : مأخوذ من سكر الشراب كأنّ العين لحقها ما يلحق الشارب للمسكر. وحكى الفراء : أسكرت الريح أي احتبست. وسكرت الماء : حبسته عن جريه. وسكرت الريح والحرّ يسكران : سكنا.

__________________

(١) ١٥٤ الأعراف : ٧.

(٢) في حديث ماعز كما في النهاية : ٢ ٣٨٣. أي حتى سكن ومات.

(٣) وفي الأصل : السكتان ، وهو وهم.

(٤) ١٥ الحجر : ١٥.

(٥) الصدر مذكور في المفردات : ٢٣٦.

٢٣٧

قوله تعالى : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً)(١). السّكر : خمر الأعاجم في قول ابن عرفة. وقال : إنها نزلت قبل تحريم الخمر. فالسّكر فعل بمعنى مفعول : اسم لما يسكر به كالقبض والنّقض. وروى أحمد بن حنبل : «حرّمت الخمرة لعينها ، والسّكر من كلّ شراب» (٢) كذا رواه هو ، والإثبات بفتحتين. أبو عبيدة : السّكر : الطعام. قال الأزهريّ : أنكره أهل اللغة ، لأن العرب لا تعرفه. ابن عباس : السّكر : ما حرم من ثمره قبل أن يحرّم من الأعناب والتّمور.

وسكرات الموت : شدائده لما يلحق صاحبها من الغشي وغيبوبة العقل ، وعليه : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ)(٣). وقوله : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى)(٤) أي داهشين مختلطي العقول لشدّة الهول. (وَما هُمْ بِسُكارى) السّكر الذي يعرفونه. وهو ما يلحق السّكران لشدة الطرب وتزايد السرور. وقرئ : «سكارى» و «سكرى» (٥).

س ك ن :

قوله تعالى : (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها)(٦) أي تستريحون من التعب ، لأنّ السكون ضدّ الحركة. والحركة : مظنة التّعب لأنّ فيها انتقالات بالأعضاء وأعمالا بالجوارح ، والنهار ظرف ذلك ، والليل ظرف الراحة وبها السكون ؛ فإنه ثبوت الشيء بعد حركة أو ثبوته من غير نظر إلى حركة سابقة ، واستعمل في الاستيطان.

سكن فلان بلد كذا أي استوطنها ، وذلك المكان مسكن ـ بفتح الكاف ـ وهو القياس ، وبكسرها ، وقد قرئ بهما قوله تعالى : (فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ)(٧) فيقال : سكنت البلد ، وأسكنتك إياه. ومنه قوله تعالى : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٨) أي اتّخذاها

__________________

(١) ٦٧ النحل : ١٦.

(٢) النهاية : ٢ ٣٨٣ ، وفيه روايات أخر.

(٣) ١٩ ق : ٥٠.

(٤) ٢ الحج : ٢٢.

(٥) «سكارى» بفتح السين قراءة أبي نهيك وعيسى. و «سكرى» قراءة سعيد بن جبير (مختصر الشواذ : ٩٤).

(٦) ٢١ الروم : ٣٠.

(٧) ١٥ سبأ : ٣٤.

(٨) ١٩ الأعراف : ٧.

٢٣٨

سكنا. والسكن : ما يسكن إليه. قال تعالى : (إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ)(١). وقوله تعالى : (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ)(٢) ، ينبّه على أنه الموجد له ، والقادر على إفنائه. والسّكنى : أن يجعل له المسكن بغير أجرة. والسّكن : سكين الدار ، جمع ساكن نحو سفر في سافر. والسّكّان من ذلك أيضا لأنه تسكن به حركة المذبوح.

قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ)(٣). قيل : هو ملك يسكن قلب المؤمن ويؤمنه. ومنه قول علي رضي الله عنه : «أنّ السكينة لتنطق على لسان عمر» (٤) قيل : هو العقل. وقوله تعالى : (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ)(٥) طمأنينة القلب. وقيل : زوال الرّعب ، وهو الأولى. وفي التفسير أقوال كثيرة ؛ إنها تشبه رأس الهرة وصورة ثور وفيل. وأهل التحقيق لا يثبتون ذلك. قوله تعالى : (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ)(٦) أي ما خضعوا وتذلّلوا من السكون. ووزنه افتعلوا ، والألف فيه للإشباع. يقال : استكن واستكنّ واستكان وسكن : إذا خضع. وقيل : وزنه استفعل من الكين وهي الحالة السيئة. وقال الأزهريّ : أصله من السكون ، والألف للإشباع. وأنشد لعنترة (٧) : [من الكامل]

ينباع من ذفري غضوب جسرة

زيّافة مثل الفنيق المكدم

أراد : ينبع. قوله : (الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ)(٨) فقر النفس. والمراد بها هنا الجزية والصّغار. والمسكين من السّكون ، لأنّ المسكين تسكن حركته. واختلف فيه مع الفقير فقيل : هو أصلح حالا منه ، لأنه تعالى جعل له ملكا في قوله : (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ

__________________

(١) ١٠٣ التوبة : ٩.

(٢) ١٨ المؤمنون : ٢٣.

(٣) ٤ الفتح : ٤٨.

(٤) رواه ابن الأثير لابن مسعود ، (النهاية : ٢ ٣٨٦) وفيه أكثر من رواية.

(٥) ٢٤٨ البقرة : ٢.

(٦) ٧٦ المؤمنون : ٢٣.

(٧) من معلقة عنترة ، شرح ديوان عنترة : ١٤٨.

(٨) ٦١ البقرة : ٢.

٢٣٩

لِمَساكِينَ)(١) وقال الراغب (٢) : في ميم المسكنة : إنها زائدة في أصحّ القولين ، وفيه نظر إذ لا معنى لأصالتها (٣).

فصل السين واللام

س ل ب :

قوله تعالى : (وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً)(٤). السّلب : النّزع من الغير على سبيل القهر ، وسلب القتيل : ثيابه التي تنزع عنه. وفي الحديث : «حشوها ليف أو سلب» (٥) ؛ والسّلب أيضا : لحاء الشجر. والسّلاب : ثوب الحداد الذي تلبسه المرأة ، وجمعه السّلب ، نحو : قذال وقذل. وأنشد للبيد (٦) : [من الرجز]

في السّلب السّود وفي الأمساح

وقال الراغب (٧) : فقد قيل : هي الثياب السود التي يلبسها المصاب ، وكأنها سميت سلبا لنزعه ما كان يلبس قبل. وتسلّبت المرأة مثل أحدّت. والأساليب : الفنون واحدها أسلوب. والسّلب أيضا : خوص الثّمام. وفي حديث مكة (٨) : «وأسلب ثمامها وأغدق إذفرها». وفي حديث صلة بن أشيم : «.. والنخل سلب» (٩) أي لا حمل لها ، جمع سليب.

__________________

(١) ٧٩ الكهف : ١٨.

(٢) المفردات : ٢٧٧.

(٣) جاء في هامش النسخة ح الورقة : ١٦١ : «الفرق بين الساكن والمتحرك أن الساكن ما ساغ فيه ثلاث حركات نحو ميم عمرو. والمتحرك لا يسوغ فيه إلا حركتان نحو جبل ؛ يسوغ في الباء منه الفتحة والكسرة ، ولا يسوغ إدخال الفتحة عليه ، عليه ، لأن اللفظ لا يتغير عما كان عليه أولا مع الفتحة عليه ، كما يتغير مع الضم والكسر. فهذا الفرق بينهما في الكلام كله. من عروض الخطيب التبريزي».

(٤) ٧٣ الحج : ٢٢.

(٥) النهاية : ٢ ٣٨٧.

(٦) من رجزه كما في الديوان : ٣٣٢.

(٧) المفردات : ٢٣٨.

(٨) لم يذكر ابن الأثير تمام الحديث. أنظر النهاية : ٢ ٣٨٧. والمعنى : أخرج خوصه.

(٩) النهاية : ٢ ٣٨٧.

٢٤٠