عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

س ج و :

قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا سَجى)(١) أي سكن ، وهو إشارة إلى ما قيل : هدأت الأرجل ، وعين ساجية أي فاترة النظر. وسجا البحر سجوا : سكنت أمواجه. ومنه استعير : تسجية الميت أي تغطيته. وقال الشاعر (٢) : [من السريع]

يا حبّذا القمراء والليل ساج

فصل السين والحاء

س ح ب :

قوله تعالى : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ)(٣). السحب : الجرّ ، ومنه سحب ذيله ، وسحبته على وجهه. وسمي السحاب سحابا ، إما لجرّه الماء أو لجرّ الرياح له أو لانجراره في ممرّه. وفلان يتسحّب (٤) على فلان ، كقولهم : [ينجرّ](٥) عليه ، وذلك إذا تجرّأ (٦) عليه.

والسحاب : الغيم سواء كان فيه ماء أو لم يكن. ولذلك قيل : سحاب جهام. وقد يذكر السحاب ، ويراد به الظّلّ والظّلمة (٧) على طريق التشبيه ، كقوله تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ)(٨).

__________________

(١) ٢ الضحى : ٩٣.

(٢) أنشد للحارثي ، وعجزه كما في اللسان ـ مادة سجا.

وطرق مثل ملاء النسّاج

(٣) ٤٨ القمر : ٥٤.

(٤) وفي الأصل : سحب ، ولعلها كما ذكرنا.

(٥) بياض في الأصل ، والإضافة من المفردات ، ٢٢٥ ، على السياق.

(٦) وفي الأصل : اقترح.

(٧) وفي الأصل : الظلة.

(٨) ٤٠ النور : ٢٤.

٢٠١

س ح ت :

قوله تعالى : (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)(١). السّحت : الحرام ، وما لا يحلّ تناوله ، لأنه يسحت صاحبه أي يذهب بدينه ومروءته. وأشار بذلك إلى الرّشا التي كان الأحبار يأخذونها ليحكموا لسلفهم وملوكهم بما يهوونه. وأصل السّحت قشر الشيء باستئصال. قال تعالى : (فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذابٍ)(٢) قرئ بضمّ التاء من أسحته ، وبفتحها من سحته ، أي يهلككم هلاك استئصال.

فالسّحت : ما يلزم صاحبه العار ، كأنه يقشر دينه ومروءته. وقال الفرزدق (٣) : [من الطويل]

وعضّ زمان يابن مروان لم يدع

من المال إلا مسحتا أو مجلّف

وقيل : سمي سحتا لأنه يذهب البركة. وقيل : هو الذي لا خير فيه. وعندي أن هذه اختلافات في العبارة والمعنى واحد. وفي الحديث : «لحم نبت من سحت ، النار أولى به» (٤). وقوله : «كسب الحجّام سحت» (٥) يريد أنه يسحت المروءة لا الدّين ، ولذلك أذن له عليه الصلاة والسّلام في إعلافه الناضح وإطعامه الأرقاء. ولو كان محظورا لم يأذن فيه بوجه.

س ح ر :

قوله تعالى : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ)(٦). السّحر على أضرب : ضرب بخداع وتخييلات لا حقيقة لها ، كما يفعله بعض المشعبذة من صرف الأبصار عن حقائق الأشياء كخفّة يد وسرعة صناعة. قيل ومنه سحرة فرعون إذ جاء في التفسير أنهم جعلوا تحت

__________________

(١) ٤٢ المائدة : ٥.

(٢) ٦١ طه : ٢٠.

(٣) الديوان : ٥٥٦ ، وفيه روايات عديدة ذكرها شارح الديوان ، وأيّد في بعضها رواية اللسان.

(٤) مطلع الحديث ناقص ؛ ففي الترمذي : «لا يربو لحم ..» (باب الجمعة : ٧٩). وفي المفردات : «كلّ لحم ...» (ص : ٢٢٥).

(٥) وكذا في المفردات : ٢٢٥.

(٦) ١٠٢ البقرة : ٢.

٢٠٢

العصيّ والحبال زئبقا يمشّيها. وعليه قوله تعالى : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ)(١) ولذلك قال : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى)(٢). وضرب باستجلاب معاونة الشياطين بأعمال يفعلونها يتقرّبون بها إلى الشياطين. وعليه قوله تعالى : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) الآية (٣). وضرب يذهب إليه بعض الأغتام ، ويزعمون أنهم يقلّبون صور الحيوانات بعضها إلى بعض ، فيقلبون (٤) الإنسان حمارا والحمار جارية حسناء ، ولا يثبته أهل التحقيق. وقد أتينا على تقسيمه واختلاف العلماء فيه على أتمّ كلام في كتابنا «القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز».

وقد يستعار السّحر للكلام المنّمق المزوّق ؛ فيقال : سحرني بكلامه. وأطلق ذلك على الكلام من حيث إنه يغيّر المعاني عن مقارّها إلى مقرّ آخر ، وهو ممدوح في الأشياء الحسنة شرعا ، ومذموم في غيرها. ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّ من البيان لسحرا» (٥). قيل : ومنه سمّوه ساحرا ، وما جاء به السّحر لأنه يصرف الناس في زعمهم من دينهم إلى دينه بحسن كلامه ، وإلا فما أبعده من السّحر. وقد تصوّر من السحر تارة حسنه نحو : «إنّ من البيان لسحرا» ، وتارة دقة فعله حتى قالت الأطباء : الطبيعة ساحرة والغذاء سحر ، من حيث إنه يدقّ ويلطف تأثيره. وعليه قوله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ)(٦) أي ممن جعل له سحر تنبيها أنه محتاج إلى الغذاء كقوله : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ)(٧). وقال امرؤ القيس (٨) : [من الوافر]

أرانا موضعين لأمر غيب

ونسحر بالطعام وبالشراب

__________________

(١) ١١٦ الأعراف : ٧.

(٢) ٦٦ طه : ٢٠.

(٣) ٢٢١ و ٢٢٢ الشعراء : ٢٦.

(٤) وفي الأصل : فيقلبوا.

(٥) النهاية : ٢ ٣٤٦.

(٦) ١٥٣ الشعراء : ٢٦.

(٧) ٧ الفرقان : ٢٥.

(٨) البيت مطلع لامرئ القيس. موضعون : مسرعون لأمر غريب ، يريد الموت أو المستقبل المجهول. الديوان : ٨٤.

٢٠٣

ونبّه بذلك على أنه بشر كقوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(١). وقيل : ممّن جعل له سحر يتوصّل بلطفه إلى ما يأتي به ويدّعيه. وقوله : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(٢) يحتمل الوجهين.

قيل : وأصل السّحر بالكسر مأخوذ من السّحر بالفتح ، وهو طرف الحلقوم والرئة. ومنه قول أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها : «مات بين سحري ونحري» (٣) ؛ يعني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقالوا : انتفخ سحره للجبان من الخور. وبعير سحير : عظيم السّحر. والسّحارة : ما يلقى عند الذّبح ويرمى به. وبني على فعالة كبناء النّفاية (٤) والسّقاطة ، وذلك أن السحر يؤثر في المسحور فيكون بمنزلة من أصيب سحره.

وقوله تعالى : (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)(٥) أي مصروفون عن معرفتنا بالسّحر. وقيل : معناه : إنّ منه ما يصرف قلوب السامعين إلى قبول ما يسمعون وإن كان غير حقّ. وقيل : يكتسب به من الإثم ما يكتسبه الساحر بسحره. وعليه قوله : «فمن قضيت له بشيء من حقّ أخيه فإنّما أقطعه قطعة من النار». قوله : (نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ)(٦). السّحر : أول النهار ، وهو اختلاط الظلمة بضياء النهار. وأراد : سحر من الأسحار ، ولذلك صرفه. أما إذا أراد به من يوم بعينه فإنه يمنع من الصرف ، نحو : أتيتك يوم الجمعة سحر. قالوا : وعليه منعه العدل (٧) وأشبه العلمية. وزعم صدر الأفاضل (٨) أنه مبنيّ كأمس. ولنا فيه كلام طويل أتقنّاه في مواضع من تأليفنا.

والسّحر : اختلاط ظلام آخر الليل بضياء أول النهار. ولقيته بأعلى السّحرين ، أي

__________________

(١) ١٠ إبراهيم : ١٤.

(٢) ٤٧ الإسراء : ١٧.

(٣) النهاية : ٢ ٣٤٦.

(٤) في س : النفاثة ، وفي ح : النفالة. ولعلها كما ذكرنا.

(٥) ١٥ الحجر : ١٥.

(٦) ٣٤ القمر : ٥٤.

(٧) غامض ، ولعلها : زنة الفعل.

(٨) هو القاسم بن الحسين بن أحمد الخوارزمي ، الملقب بصدر الأفاضل. عالم بالعربية ومن فقهاء الحنفية. من كتبه «شرح المفصل للخوارزمي» و «ضرام السقط». قتله التتار سنة ٦١٧ ه‍.

٢٠٤

بغلس. والمسحر : الخارج بالسّحر. والسّحور : المأكول وقت السّحر. وبالضمّ : الفعل. ومثله التسحير. وفي الحديث : «تسحّروا فإنّ السّحور بركة» (١) الأحسن قراءته بالضمّ ، أي في فعل ذلك (٢).

س ح ق :

قوله تعالى : (فَسُحْقاً)(٣) أي بعدا. يقال : أسحقه الله ، أي أبعده من رحمته. وقوله : (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ)(٤) أي بعيد العمق. ونخلة سحوق أي طويلة ، وذلك لبعد جناها على مجتنيها. وقيل : السّحق : التّفتيت. ومنه : سحقت الدّواء فانسحق. والسّحق أيضا : البلاء ، ومنه ثوب سحق أي بال. وأسحق الثوب أي أخلق. وأسحق الضّرع : ذهب لبنه ، على التشبيه بالثوب البالي. وأسحقه الله أي جعله سحيقا. وسحقه : جعله باليا. ودم منسحق ومسحوق على الاستعارة ، كقولهم : مذرور. وجعل بعضهم إسحاق من هذه المادة ، وهو مردود بمنعه من الصرف (٥).

س ح ل :

قوله تعالى : (فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ)(٦) أي شاطئ البحر. وهو من سحل الحديد أي برده وقشره ، لأنّ الماء يفعل به ذلك. قيل وعلى هذا فكان ينبغي أن تجيء مسحولا ، ولكنّه جاء على حد قولهم : هم ناصب. وقيل : بل هو على بابه ، لأنه تصوّر منه أنه يسحل

__________________

(١) البخاري ، باب الصوم : ٢٠ ، وفيه : «.. فإن في السحور بركة».

(٢) السحور بالفتح : اسم ما يتسحّر به من الطعام ، وبالضم : المصدر والفعل نفسه.

(٣) ١١ الملك : ٦٧.

(٤) ٣١ الحج : ٢٢.

(٥) جاء في هامش ح ورقة ١٥٤ : إسحاق : أعجمي ، وإن وافق لفظ العربيّ ؛ يقال : أسحقه الله يسحقه إسحاقا «معرب».

(٦) ٣٩ طه : ٢٠.

٢٠٥

الماء أي (١) يفرّقه ويضيّعه. والسّحالة : البرادة. والسّحيل : الحبل ؛ قال زهير (٢) : [من الطويل]

لعمري لنعم السيّدان وجدتما

على كلّ حال من سحيل ومبرم

والسّحل : الثوب الأبيض من القطن الأبيض النقيّ. وفي الحديث : «أنّه عليه الصلاة والسّلام كفّن في ثلاثة أثواب سحوليّة» (٣) ويروى بضمّ السين على أنه جمع سحل. ويجمع أيضا على سحل ، نقله الهرويّ. وبفتحها على أنه منسوب لسحول : قرية باليمن. وفي حديث ابن عباس «أنه افتتح سورة فسحلها» (٤) أي قرأها ، وذلك على التشبيه. ومنه أسحل في خطبته ، أي قالها جمعا. ومثله : يصبّ الكلام صبّا.

والمسحل : اللسان. ومنه قول علي كرم الله وجهه في بني أمية : «لا يزالون يطعنون في مسحل ضلالة» (٥). وأصل ذلك أنّ السّحال : نهيق الحمار ؛ مأخوذ من سحل الحديد تشبيها لصوته بصوت سحل الحديد. وقيل للسان جهير الصوت مسحل ، لما فيه من القول التي في نهيق الحمار ، لا في الكراهة.

والمسحلان : حديدتان تكتنفان اللّجام. وأنشد الهرويّ في المعنى (٦) : [من الكامل]

نرقى ونطعن في الجمام ونقتحم

ورد الحمام إذا أحدّ حمامها

__________________

(١) وفي الأصل : أن سحل الماء أن.

(٢) الديوان : ١٥. وفيه مطلعه : يمينا لنعم السيدان ...

(٣) النهاية : ٢ ٣٤٧.

(٤) النهاية : ٢ ٣٤٨.

(٥) النهاية : ٢ ٣٤٨.

(٦) ليس في البيت شاهد على سحل ، ولعل للشاعر بيتا آخر بعده لم يذكره الناسخ.

٢٠٦

فصل السين والخاء

س خ ر :

قوله : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ)(١). التّسخير : التهيئة. وقيل : هو سياقة الشيء إلى الغرض المختصّ به. فهذا قوله : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا)(٢) قرئ بالضمّ والكسر ؛ فقيل : هما بمعنى. والمعنى أنكم تستهزئون بهم ، يدلّ عليه ما بعده وهو قوله : (وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ)(٣). وقيل : تستخدمونهم وتستهزئون بهم. وقيل : المضموم من الخدمة ، والمكسور من الهمز والسّخرية (٤) ، ولذلك لم يختلف السبعة في ضمّ ما في «الزخرف» (٥). ورجل سخرة : إذا كان يكثر السّخرية بغيره ، وسخرة إذا كان يسخر منه ، نحو ضحكة وضحكة.

قوله : (وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ)(٦) أي جارية لمنافعكم. قوله : (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ)(٧) أي قهرهما. وفي ذلك تنبيه على الردّ على عبدة الكواكب والنّيّرين ، إذ لو كانوا ممّا يصلح للعبادة لم يقهروا ويسخّروا ، وهو معنى حسن بديع. قوله : (وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ)(٨) أي يسخرون. فالاستفعال بمعنى المجرّد ، كقولك : عجب واستعجب وتعجّب ؛ كلّه بمعنى واحد ، وفيه كلام ليس هذا موضعه.

وقوله : (إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ)(٩) أي نستجهلكم كما تستجهلون ، أو يكون من باب المقابلة ، فتكون السخرية حقيقة فيهم. والاستجهال عليه الصلاة

__________________

(١) ١٣ الجاثية : ٤٥.

(٢) ١١٠ المؤمنون : ٢٣.

(٣) تابع الآية السابقة.

(٤) يريد بالمعنيين : التسخير والسخرية.

(٥) يقصد الآية : (وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) (٣٢ الزخرف : ٤٣).

(٦) ٥٤ الأعراف : ٧. و (سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (١٣ سورة الزخرف : ٤٣).

(٧) ٢ الرعد : ١٣.

(٨) ١٤ الصافات : ٣٧.

(٩) ٣٨ هود : ١١.

٢٠٧

والسّلام إذ لم ... (١) أن يسخر من أحد. ويقال : سخرت فلانا بالتخفيف ، أي تسخّرته (٢). وقوله : (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ)(٣) أي المستهزئين. وقوله : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ)(٤) على المقابلة كما تقدّم ، أو يجازيهم بسخرهم ، وهو كقوله : (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)(٥).

س خ ط :

قوله تعالى : (أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ)(٦). السّخط والسّخط : الغضب الشديد المقتضي للعقوبة. فهو من الباري تعالى إنزال عقوبته لمن سخط عليه نعوذ برضى الله من سخطه ، وبمعافاته من عقوبته.

فصل السين والدال

س د د :

قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا)(٧) قرئ بالفتح والضمّ ١٥٥ فيهما. وكذا ما جاء منه ، فقيل : هما بمعنى. وقيل : المضموم ما كان من صنع الله ، والمفتوح ما كان من صنعة الناس ، وهو مردود بما ذكرت من القراءتين ؛ فإنه قرئ بالفتح في «يس» وهو من فعل الله ، وبالضمّ في «الكهف» (٨) وهو من فعل الناس. والسّدّ في الأصل مصدر سددت الشيء أسدّه : إذا جعلت في ما يتوصّل إليه به مانعا كسدّ الباب والثغر

__________________

(١) بياض أكثر من كلمتين في الأصل.

(٢) ولعلها : سخّرته.

(٣) ٥٦ الزمر : ٣٩.

(٤) ٧٩ التوبة : ٩.

(٥) ١٥ البقرة : ٢.

(٦) ٨٠ المائدة : ٥.

(٧) ٩ يس : ٣٦.

(٨) يقصد سورتي (يس والكهف).

٢٠٨

ونحو ذلك. واستعير ذلك في المعاني كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا) كني بذلك عن مجلسهم وكفرهم ، وإنّ من لم يبصرهم من عماهم ، ولم يهدهم من ضلالهم لا يسأل عمّا يفعل. وقيل : إنّ المشركين أرادوا به مكروها فمنعهم الله من ذلك. وفي معناه : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(١). وقيل : السّدّ بالفتح : الجبل ، وبالضمّ غيره. قال الأسود (٢) : [من الكامل]

ومن الحوادث ، لا أبالك ، أنني

ضربت عليّ الأرض بالأسداد

قوله تعالى : (وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً)(٣) أي مستقيما من السّداد ، وهو ما يسدّ به من الخلل. وكّل ما سددته من ثلمة ونحوها فهو مسدود ، وما كان من المعاني والأقوال فهو مفتوح. وأنشد للعرجيّ (٤) : [من الوافر]

أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغر

وقد جاء الكسر في موضع الفتح. ومنه الحديث : «حتى رضيت سدادا من العيش» كذا رواه الهرويّ (٥) ، ثم قال : وكل ما سددت به خللا فهو سداد ، وبه سمي سداد الثغر ، وسداد القارورة. ولم يذكر الفتح البتّة في المعنيين المذكورين ، بل ذكره وجعله بمعنى الوفق ؛ قال : والوفق : المقدار ، وجعل من ذلك حديث أبي بكر حين سئل عليه الصلاة والسّلام عن الإزار فقال : «سدّد وقارب» (٦). قال : قال شمر : سدّد ، من السّداد وهو الوفق الذي لا يعاب. ويعبّر بالسّدّ عن الباب ، وجمعها سدد ؛ وفي الحديث : «تفتح لهم السّدد» (٧). وقيل : هي الستور مرخاة على الأبواب.

__________________

(١) ٦٧ المائدة : ٥.

(٢) العجز مذكور في اللسان ـ مادة سدد ، من غير عزو.

(٣) ٩ النساء : ٤.

(٤) من الأصوات التي ذكرها أبو الفرج في الأغاني : ١ ٤١٣.

(٥) وروايته في النهاية : ٢ ٣٥٣ : «حتى يصيب سدادا من العيش» من حديث السؤال.

(٦) النهاية : ٢ ٣٥٢. وقد جعله الزمخشري من حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأن أبا بكر سأله.

(٧) من حديث واردي الحوض كما في النهاية : ٢ ٣٥٣.

٢٠٩

س د ر :

قوله تعالى : (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ)(١). السّدر : ورق شجرة النّبق ، وهو عند العرب منتفع به في الاستظلال والتفيّؤ ، وقليل الغناء عندهم بالنسبة إلى أكله. فمن ثمّ حسن أن يجاء به في قلة الغناء ؛ وعلى ذلك قوله تعالى : (وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ)(٢). أو وصفه بأخسّ الصفات. والخضد والخضد قيل : نزع الشوك. وقيل : هو أن يبسق (٣) الغصن بالثمر من أوّله إلى آخره. فالحاصل أنه على خلاف ما يعهدونه في الدنيا وقوله تعالى : (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى)(٤) هي سدرة المنتهى. جاء في الحديث : «إنّ نبقها كقلال هجر وورقها كآذان الفيلة» (٥). ونقل الراغب (٦) أنها الشجرة التي بويع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحتها ، فأنزل الله تعالى السّكينة في قلوب المؤمنين. ولم أره لغيره. والسّدر : التحيّر (٧). والسادر : المتحّير.

قال (٨) : [من الرمل]

سادرا أحسب غيّي رشدا

وسدر شعره قال الراغب (٩) : هو مقلوب (١٠) عن دسر. وعندي أنه من غسّله بالسّدر.

س د س :

قوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ)(١١). قيل : هي من أيامنا وهو

__________________

(١) ٢٨ الواقعة : ٥٦.

(٢) ١٦ سبأ : ٣٤.

(٣) وفي ح : يفسق. وبسق النخل : ارتفعت أغصانه وطال.

(٤) ١٦ النجم : ٥٣.

(٥) النهاية : ٥ ١٠. والنبق : ثمر السّدر ، وأشبه شيء به العناب قبل أن تشتد حمرته.

(٦) المفردات : ٢٢٨.

(٧) يعني : تحير البصر.

(٨) هو صدر لشاهد في اللسان (مادة ـ سدر) وعجزه :

فتناهيت وقد صابت بقر

(٩) المفردات : ٢٢٨.

(١٠) وفي الأصل : هو من سدل. وصوبناه من المفردات.

(١١) ٥٤ الأعراف : ٧.

٢١٠

الصحيح ، لأنه أبلغ في القدرة. فإن قيل : اليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، وقيل : خلق ذلك وليس شمس [هناك] فالجواب أنه فعل في مدة هذه مقدارها. وهذا خطاب لما يفهمه الناس ، وإلا فالباري تعالى إيجاده الأشياء ب «كن». وقيل : ستة من أيام الآخرة ؛ كلّ يوم ألف سنة ، وهو ضعيف جدا.

وأصل ستّ سدس ، فأبدلت السين الأخيرة تاء كإبدالها في قولهم : النات النات (١) ، يريدون الناس الناس. وقرئ به شاذا فاجتمع متقاربان ، فأدغمت الدال في التاء بعد قلبها بجنس ما بعدها. ويقال : سادس وسادي ، بإبدال السين ياء. قال (٢) : [من الطويل]

ويعتدّني إن يتّق الله ساديا

يريد : سادسا. وسدست القوم : صرت سادسهم ، وأخذت سدس أموالهم. وسدس الشيء : جزء من ستة أجزاء. وأمّا قولهم : فلانة ستّ القوم ، فلغة مولّدة غير معروفة.

س د ي :

قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً)(٣) أي مهملا غير مأمور ولا منهيّ. وكلّ شيء تركته وأهملته فهو سدى. وفي الحديث : إنّه كتب ليهود تيماء : إنّ لهم الذّمّة وعليهم الجزية بلا عداء ، النهار مدى والليل سدى» (٤). السّدى : التّخلية. والمدى : الغاية. فالمراد أنّ لهم ذلك أبدا. وأسديت إليه نعمة : كأنّه أرسلها وأهملها ، فلم يمنّ بها عليه.

والسّدى : سدى الثوب ؛ بالفتح والقصر : ما ظهر من غزل الثوب ، واللّحمة : ما خفي منه. وقيل : بالعكس.

__________________

(١) واستخدم ذلك علباء بن أرقم في قوله (اللسان ـ مادة نبت) :

يا قبّح الله بني السّعلاة

عمرو بن يربوع شرار النّات

(٢) وفي الأصل : إن لم ، فأسقطنا حرف الجزم للوزن.

(٣) ٣٦ القيامة : ٧٥ ، وصوّبنا الآية.

(٤) النهاية : ٢ ٣٥٦.

٢١١

فصل السين والراء

س ر ب :

قوله تعالى : (وَسارِبٌ بِالنَّهارِ)(١). السارب : الظاهر في الطريق ، يعني السالك. والسّرب : هو الطريق. يقال : خلّه في سربه أي طريقه. وروي أنه قال عليه الصلاة والسّلام : «من أصبح آمنا في سربه» (٢) بالفتح والكسر ؛ فالفتح [على](٣) أنه آمن في مذهبه وطريقه ، والكسر على أنه آمن في نفسه.

وفلان واسع السّرب أي رخيّ البال. ومعنى الآية أنه تعالى مستو عنده من هو مستخف في ظلمة الليل ، ومن هو ظاهر في ضياء النهار ، لا تفاوت بينهما في علمه تعالى.

سرب الرجل يسرب سروبا وسربا : إذا مضى في طريقه لسفر سهل ، وذلك السفر السّربة ، فإن كان مشقّا فهو السّرباة. وسرب الماء يسرب سروبا وسربا ، نحو مرّ مرورا مرّا. قال ذو الرمّة (٤) : [من البسيط]

ما بال عينك منها الماء ينسكب

كأنّه من كلى مفريّة سرب

وقوله تعالى : (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً)(٥) يعني الحوت وكان مملوحا. والمعنى أنه ذهب في سربه وطريقه الذي في الماء بعد ما مات وملّحوه. ومروره معجزة لموسى عليه‌السلام وعلامة على طلبته. وفي حديث الاستنجاء : «حجران للصّفحتين وحجر

__________________

(١) ١٠ الرعد : ١٣.

(٢) النهاية : ٢ ٣٥٦.

(٣) إضافة المحقق.

(٤) هو مطلع لأول قصيدة في ديوانه : ١ ٩. وضبطها كما في الديوان بالفتح والكسر.

(٥) ٦١ الكهف : ١٨.

٢١٢

للمسربة» (١) هي المجرى ؛ اتّخذت بمجرى الماء عند سروبه. وقيل : أصل السّرب الذهاب في انحدار. والسّرب : المنحدر. وسرب الدمع : سال. وانسربت الحية إلى جحرها. وقولهم في كناية الطلاق : «لا أنده سربك» (٢) أي لا أردّ تلك الدّاهية في سربها ؛ يروى بفتح السين وكسرها. وقالوا : ذعرت سربه أي إبله. وقيل : نساؤه. والسّربة : القطعة (٣) من الخيل ما بين العشرة إلى العشرين.

والمسربة : ما تدلّى من شعر الصدر. وقوله : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ)(٤). السراب : ما لمع في المفازة كالماء (٥) ، وذلك لانسرابه في مرأى العين. وكأنّ السّراب لما لا حقيقة له كما قال تعالى : (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً)(٦) كما أنّ الشراب لما له حقيقة. وأنشدني بعضهم في التّجانسّ والتضمين : [من الوافر]

ومن يرجو من الدنيا وفاء

كمن يرجو شرابا من سراب

لها داع ينادي كلّ يوم

لدوا للموت وابنوا للخراب

س ر ب ل (٧) :

قوله تعالى : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ)(٨) السرابيل : جمع سربال ، وهو القميص من أيّ جنس كان ، ويطلق على الدّرع. قال : (وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) والمعنى : تقي بعضكم من بأس بعض. وقد يستعار في المعاني ، كقول لبيد (٩) : [من البسيط]

__________________

(١) النهاية : ٢ ٣٥٧ ، وفيه الكلام منصوب. والمسربة ـ بضم الراء وفتحها. مجرى الحدث من الدّبر.

(٢) يقولون للمرأة عند الطلاق : اذهبي فلا أنده سربك ـ بالفتح في اللسان وبالكسر في المفردات ـ فتطلق المرأة في الجاهلية بهذه الكلمة (اللسان ـ مادة سرب).

(٣) وفي الأصل : القطيعة.

(٤) ٣٩ النور : ٢٤.

(٥) ويروى أنها فارسية ، مركبة من : «سر : رأس+ آب : ماء» والمعنى رأس الماء.

(٦) ٣٩ النور : ٢٤.

(٧) في الأصل بلا لام ، والسياق يتطلب وجودها.

(٨) ٨١ النحل : ١٦.

(٩) البيت منسوب إلى لبيد. كما ينسب إلى غيره ، فانظر الديوان : ٣٥٧.

٢١٣

الحمد لله إذ لم يأتني أجلي

حتى لبست من الإسلام سربالا

وقالوا : تسربل أي لبس السّربال. وقال أوس بن حجر يصف درعا (١) : [من الطويل]

تردّد فيه ضوؤها وشعاعها

فأحسن وأزين بامرئ أن تسربلا

س ر ج :

قوله تعالى : (وَسِراجاً مُنِيراً)(٢) وصفه تعالى بكونه سراجا منيرا لأنه عليه الصلاة والسّلام أضاءت الدنيا به وبشريعته بعد أن كانت مظلمة بالكفر. والسراج هو الزاهر بفتيلة ودهن ، ثم يعبّر به عن كلّ مضيء ثاقب. ولذلك وصف أضواء النيّرات ، وهي الشمس بأنه سراج ، فقال : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً)(٣).

وأسرجت السراج : أوقدته. وسرجت الشيء : جعلته في الحسن كالسّراج. وقال البيانيّون في قول القائل (٤) : [من الرجز]

وفاحما ومرسنا مسرّجا

أي له بريق كبريق السّراج. والمرسن : الأنف ، وأصله في الإبل لموضع الرسن ، فاستعير في الأناسيّ.

والسرج : رحالة الدابة ، والسرّاج : صانعه ، والجمع سروج وأسرج كفلوس وأفلس ؛ كثرة وقلّة.

س ر ح :

قوله تعالى : (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)(٥). أصل التسريح : الإرسال ؛ يقال سرّحت

__________________

(١) الديوان : ٨٤.

(٢) ٤٦ الأحزاب : ٣٣.

(٣) ١٦ نوح : ٧١.

(٤) الرجز للعجاج. أنظر ديوانه : ٢ ٣٣.

(٥) ٢٢٩ البقرة : ٢.

٢١٤

الإبل ، أي أرسلتها في المرعى. وأصله أن ترعيه السّرح (١) والسّرح سرح البادية ، الواحدة سرحة. قال (٢) : [من الطويل]

أبى الله إلا أنّ سرحة مالك

على كلّ أفنان العضاه تروق

ثم عبّر به عن كلّ إرسال في رعي مّا. ثم جعل لمطلق الإرسال. ثم استعير في الطلاق كاستعارة الطلاق للمرأة من إطلاق الإبل وهو تخليتها. وسرّحت الإبل أي أرسلتها ؛ قال تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)(٣). واعتبر من لفظه (٤) المضيّ والسرعة ؛ فقيل : ناقة سرح ، ومضى سرحا سهلا.

س ر د :

قوله تعالى : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ)(٥). السّرد في الأصل : نسج ما يخشن ويغلظ ، كنسج الدروع وخرز الجلد. فقوله : (وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) أي ضيّق نسيجها حتى لا يغلق بعضها من بعض ، فاستعار السرد لذلك. ويقال : سرد وزرد ، وسراد وزراد نحو سراط وزراط.

والسّرد : الثّقب. وقيل : السّرد : المتتابع (٦). ومنه : سرد الأحاديث ، أي تابع بعضها ببعض. فالمعنى : تابع بين حلق الزرد كي تتناسق. ويقال للحلق : سرد ومعنى التقدير فيها أن لا تجعل المسامير دقاقا فتغلق ، ولا غلاظا فتقصم.

س ر د ق :

قوله تعالى : (أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها)(٧). السّرادق : الحجر يكون حول الفسطاط.

__________________

(١) والسرح : اسم جمع وليس بتكسير سارح.

(٢) البيت لحميد بن ثور ، كما في اللسان ـ مادة سرح.

(٣) ٦ النحل : ١٦.

(٤) يعني : لفظ السرح.

(٥) ١١ سبأ : ٣٤.

(٦) وفي الأصل : المتتابعة ، والتصويب من اللسان.

(٧) ٢٩ الكهف : ١٨.

٢١٥

وقيل : ما يمدّ فوق صحن الدار. وقيل : كلّ بيت من كرسف (١) فهو سرادق. وأنشد لرؤبة (٢) : [من الرجز]

يا حكم بن المنذر بن الجارود

سرادق المجد عليك ممدود

وبيت مسردق ، وأنشد (٣) : [من الطويل]

هو المدخل النعمان بيتا ، سماؤه

صدور الفيول بعد بيت مسردق

وكان أبرويز ملك الفرس [قد] قتل النعمان ملك العرب ، أي أوطأه الفيلة. فالفيول جمع فيل. وقيل : السرادق : كلّ ما أحاط بشيء. ومنه قيل للحائط : سرادق. والسرادق فارسيّ معرب (٤) ؛ قال الراغب (٥) : وليس في كلامهم اسم مفرد ثالثه ألف وبعدها حرفان. وقيل : بيت مسردق : مجعول على هيئة سرادق ، انتهى. قلت : وليس كما قال ، لقولهم : جلاجل وحلاحل ؛ بالحاء والجيم. قال (٦) : [من الطويل]

فيا ظبية الوعساء بين جلاجل

وبين النّقاآ أنت أم أمّ سالم؟

نعم ، لو قال : مفتوح الأول لكان مستقيما نحو مساجد.

س ر ر :

قوله تعالى : (عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ)(٧). السّرر : جمع سرير ، وهو ما يجلس عليه ، مأخوذ من السّرور (٨) ، لأنه مجلس أولي النعمة. ويجمع على أسرّة (٩). وفي الحديث :

__________________

(١) الكرسف : القطن.

(٢) ذكر ابن منظور هذا الشاهد في مادة ـ سردق. وروي للكذّاب الحرمازي.

(٣) البيت لسلامة بن جندل يذكر فيه قتل كسرى للنعمان. الديوان : ١٨٤ ، وفيه : نحور الفيول. ويؤيد النص الصحاح واللسان والتاج ومجاز القرآن.

(٤) أصلها الفارسي مركب من «سر : رأس+ پردة : ستارة».

(٥) المفردات : ٢٣٠.

(٦) البيت لذي الرمة : ٢ ٧٦٧ ، وفيه : أيا.

(٧) ٤٧ الحجر : ١٥.

(٨) وفي الأصل : السرر.

(٩) كما يجمع على سرر.

٢١٦

«ملوك على الأسرّة» (١). وسرير الميّت ؛ على التفاؤل بذلك ، وكأنه حصل له بلقاء ربّه سرور لخروجه من السجن المشار إليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الدّنيا سجن المؤمن» (٢).

قوله : (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى)(٣). قيل : السرّ ما أضمرته في نفسك وأخفى منه ما ستفعله ولا يخطر ببالك. وقيل : السرّ ما تتكلم به في خفاء وأخفى منه ما أضمرته في نفسك ولم تتكلم به. والأول أبلغ. والسرّ هو الحديث المكتّم في النفس والإسرار ضدّ الإعلان. ويستعمل في المعاني والأعيان. قوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوى)(٤) أي كتموها. وقوله : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ)(٥) قيل : كتموها تجلّدا ، وقيل : أظهروها. قال أبو عبيدة ، قال الراغب (٦) : بدلالة قوله : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ)(٧) قال : وليس كذلك ؛ فإنّ الندامة التي كتموها ليست إشارة إلى ما أظهروه. وقال الأزهريّ : ليس قول أبي عبيدة بشيء ، إنما يقال : أشروا بالشين ، يعني بالمعجمة ، أي أظهروا. وأسروا بالسين : أخفوا. وقال قطرب : أسرّها كبراؤهم من أتباعهم. قال ابن عرفة : لم يقل قطرب شيئا ، وحمل ذلك على حالتين ؛ يعني أنهم أظهروا ندامة وأخفوا ندامة ، لأنهم لم يستطيعوا أن يظهروا كلّ ما في قلوبهم عجزا عن ذلك. وصارت لهم الحالتان ؛ حالة الإخفاء وحالة الإظهار. وأنشد لأبي دؤاد الإياديّ (٨) : [من المتقارب]

إذا ما يذقّها شارب

أسرّ احتيالا وأبدى احتيالا

ولم أدر وجه قول ابن عرفة في الردّ على قطرب. قوله تعالى : (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)(٩) يقال : أسررت إلى فلان حديثا أو أصبت به إليه في خفية. والمعنى :

__________________

(١) البخاري ، باب التعبير : ١٢. وفيه : «.. أو مثل الملوك على الأسرة».

(٢) صحيح مسلم ، باب الزهد : ١.

(٣) ٧ طه : ٢.

(٤) ٦٢ طه : ٢٠ ، وغيرها.

(٥) ٥٤ يونس : ١٠ ، وغيرها.

(٦) المفردات : ٢٢٨.

(٧) ٢٧ الأنعام : ٦.

(٨) الصدر ناقص ومضطرب.

(٩) ١ الممتحنة : ٦٠.

٢١٧

تطلعونهم (١) على ما تسرّون من مودّتهم. وقد فسّر بأنّ معناه تظهرون. قال الراغب (٢) : وهذا صحيح فإن الإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضى إليه بالسرّ ، وإن كان يقتضي إخفاءه عن غيره. فإذا قولهم : أسررت إلى فلان يقتضي من وجه الإخفاء. قلت وحينئذ فقوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّدامَةَ) محتمل لما قاله أبو عبيدة ، فلا معنى لإنكاره عليه.

قوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ)(٣) جمع سريرة ، وهي أعمال العباد التي يسرّونها. قال الشاعر (٤) : [من الطويل]

سيبقى لها في مضمر الودّ والحشا

سرائر حبّ يوم تبلى السّرائر

ولما سمع الحسن هذا البيت قال : قاتله الله إنّ في ذلك اليوم لشغلا. قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا)(٥). قيل : السرّ : النكاح ، كنّي به عنه من حيث إنه يخفى. واستعير السرّ للخالص ؛ فقيل : هو في سرّ الوادي ، وفي سرّ قومه. وسرّة البطن : ما يبقى ؛ سميت بذلك لاستتارها بعكن (٦) البطن. والسّرر والسّرر والسّرّ : ما قطع منه. وفي الحديث : «إنّ السّقط يجترّهما ـ يعني والديه ـ بسرره حتى يدخلهما الجنة» (٧). وفي الحديث : «تبرق اسارير وجهه» (٨) واسره وجهه وهى الغضون والتكسر الذى فى جبهته ذلك لما فيها من الاستتار ؛ الواحد سرر وسرّ ، وجمعه أسرار (٩) ، وجمع هذا الجمع أسارير. وعن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ، وقد وصفه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وكأنّ ماء الذهب يجري في صفحة خدّه ورونق الجلال يطّرد في أسرّة جبينه» (١٠).

__________________

(١) في الأصل : يطلعون ، ولعلها كما ذكرنا.

(٢) المفردات : ٢٢٨.

(٣) ٩ الطارق : ٨٦.

(٤) البيت للأحوص من قطعة مذكورة في اللسان ـ مادة ضمر. وفيه : سريرة ودّ يوم ...

(٥) ٢٣٥ البقرة : ٢.

(٦) العكنة. ما انطوى وتثنى من لحم البطن ، وجمعها عكن.

(٧) النهاية : ٢ ٣٦٠.

(٨) النهاية : ٢ ٣٥٩.

(٩) وجمعه كذلك أسرّة.

(١٠) النهاية : ٢ ٣٥٩.

٢١٨

والسّرّيّة فعليّة : من السّرّ ، وهو الجماع. وقيل : فعيلة (١) ، من تسرّيت. وأصله تسرّرت : تفعّلت ، من السّرّ. ثم أبدل أحد الأمثال حرف علة ، ليس هذا موضع تحريره. والسّرار : اليوم الذي يستتر (٢) فيه القمر آخر الشهر. وفي الحديث : «هل صمت من سرار هذا الشهر شيئا؟» (٣) أي من آخره. قال الهرويّ : وسرر الشهر مثله. قال يعقوب : سرار الشهر بالفتح والكسر. قال الفراء : الفتح أجود. والسّرار : الخيار أيضا. وفي حديث ظبيان بن كداد حين وفد عليه عليه الصلاة والسّلام : «نحن من سرارة مذحج» (٤). وفي الحديث : «صوموا الشّهر وسرّه» (٥). قيل : عنى مستهلّه. قال الأوزاعيّ : سرّه أوّله ، وفيه ثلاث لغات : سرّه وسرره وسراره. قلت : وتقدّم أنّ في السّرار لغتين ، فتكون أربعة ، إلا أنّ الأزهريّ أنكر السرّ بهذا المعنى ، وقال : لا أعرف السرّ بهذا المعنى ، إنّما يقال : سرار الشهر وسراره وسرره. وقيل : أراد بسرّه وسطه ، وسرّ الشيء جوفه. ومنه : قناة سرّاء : إذا كانت جوفاء. قال : وعلى هذا فالمراد الأيام البيض. ورأيت الهرويّ قال : أراد الأيام البيض ، انتهى. وفيه ردّ على من يردّ على الفقهاء قولهم : وصوم الأيام البيض أي الليالي البيض لا بيضاضها بالقمر من أولها إلى آخرها ؛ فإنه دجل كبير من أهل هذا الشأن. وتسمية الأيام البيض بالبيض من جهة المعنى ظاهر ، فالغالط من غلّطهم.

س ر ط :

قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)(٦) هو الطريق المسلوك ، واستعير للدّين والاعتقادات. والمراد به هنا دين الإسلام ، لأنه دين المنعم عليهم وقال بعضهم : هو الطريق المستسهل. واشتقاقه من سرط الطعام واسترطه أي ابتلعه ، فسمي الطريق سراطا إمّا لأنهم

__________________

(١) وفي اللسان : فعّولة من السّرو ، وقلبت الواو الأخيرة ياء طلب الخفّة ، ثم أدغمت الواو فيها فصارت ياء مثلها ، ثم حولت الضمة كسرة لمجاورة الياء. وقد : تسرّرت وتسرّيت ؛ على تحويل التضعيف.

(٢) وفي الأصل : يستسر.

(٣) النهاية : ٢ ٣٥٩.

(٤) النهاية : ٢ ٣٦٠.

(٥) النهاية : ٢ ٣٥٩.

(٦) ٦ الفاتحة : ١.

٢١٩

تصوّروا منه أنه يبتلع سالكيه ، أو أنهم يبتلعونه. ومنه سمي (١) لقما وملتقما إما لأنّه يلتقم سالكه ، أو يلتقمه سالكه. ومن ثمّ قالوا : قتل أرضا عالمها ، وقتلت أرض جاهلها. ونظر أبو تمام للمعنيين فقال (٢) : [من الطويل]

رعته الفيافي بعد ما كان حقبة

رعاها وماء المزن ينهلّ ساكبه

ويجمع على سرط في الكثرة ، وأسرطة في القلّة ، نحو : قذال وقذل وأقذلة ، ويذكّر ويؤنّث كالسبيل. قيل : فعلى التأنيث يجمع على أسرط ، وعلى التذكير على أسرطة (٣).

وتبديل سينه صادا لأجل الطاء ، وإن فصلت ، وزايا لمقاربتها وبين الصاد والزاي. وقد قرئ بجميع ذلك ، ولم يرسم إلا بالصّاد ، وهو أول دليل على أن القراء إنما كانوا يأخذون القرآن من أفواه مشائخهم لا من المصحف كما يزعم بعض من لا تحصيل عنده.

س ر ع :

قوله تعالى : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ)(٤). السرعة في الأصل ضدّ البطء قال : [من البسيط]

منّا الأناة وبعض القوم يحسبنا

أنّا بطاء وفي إبطائنا سرع

ويستعمل ذلك في الأجسام والأفعال. يقال : سرع فهو سريع ، وأسرع فهو مسرع. وسرعان القوم : أوائلهم ؛ ومنه : وخرجت السّرعان (٥). فمعنى سرعة حسابه تعالى أنه لا يشغله حساب زيد عن حساب عمرو مثلا ، إذ لا يشغله شأن عن شأن ، فهو أسرع الحاسبين. وقيل : هو عبارة عن وقوعه لا محالة. وقيل : عن قرب وقته تنبيه على معنى قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٦). ومثله قوله : (سَرِيعُ الْحِسابِ).

__________________

(١) أي : سمي الطريق.

(٢) الديوان : ١ ٢٣٠. وفي الديوان : وماء الروض. وفي المفردات : إذا ما.

(٣) وكلمة صراط يونانية الأصل.

(٤) ٢٠٢ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٥) سرعان الناس : أوائلهم الذين يتسارعون إلى الشيء. من حديث سهو الصلاة : «فخرج سرعان الناس» أو من حديث يوم حنين : «فخرج سرعان الناس واخفّاؤهم» (النهاية : ٢ ٣٦١).

(٦) ٨٢ يس : ٣٦.

٢٢٠