الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]
المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ)(١) ثم تزيين الله الأشياء قد يكون بإبداعها وإيجادها مزيّنة في نفسها ، أو بأن يزيّنها غيرها كتزيين البيت بأثاثه. وقد قرئ قوله : (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) على أوجه (٢) تلتفت إلى ما ذكرناه حسبما حقّقناه في «الدر» وغيره.
__________________
(١) ٤٠ يس : ٣٦.
(٢) قرأ مسروق وحفص وحمزة : «بزينة الكواكب» ، وقراءة أبي بكر عن عاصم «الكواكب» ، وذكر الفراء إمكان قراءتها مرفوعة (معاني القرآن : ٢ ٣٨٢).
باب السين
فصل السين والهمزة
س أل :
قوله تعالى : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ)(١) أي تتناشدون به وتتقاسمون. فتقول : أنشدك بالله وبالرّحم. والسؤال : استدعاء معرفة أو ما يؤدّي إليها ، واستدعاء مال أو ما يؤدّي إليه. فاستدعاء المعرفة جوابها باللسان ، وتنوب عنه اليد ، فاليد خليفة عنه بالكتابة والإشارة ، واستدعاء المال جوابه باليد ، وينوب عنها اللسان بوعد أو ردّ. وأمّا السؤال الوارد من الله تعالى فليس للاستعلام لأنه تعالى علّام الغيوب ، وإنّما المراد به التقريع والتّبكيت لقوم ، أو الجحد كقوله تعالى : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)(٢) المقصود تبكيت عبدة المسيح وأمّه ، وإظهار كذبهم على عيسى ومريم عليهماالسلام (٣) ، وقوله : (فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(٤) المقصود نفي ذلك عن كلّ أحد وإثباته للفسقة ، وقوله : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ)(٥) يقال : هذا تبكيت وتقريع لمن كان يئد ولده ، ولهذا قرئ سألت مبنيا للفاعل و «قتلت» مبنيا للمفعول مضموم التاء للمتكلم (٦).
ثم السؤال إن كان للتعرّف تعدّى لاثنين ثانيهما بنفسه تارة وبحرف الجرّ أخرى. وهو
__________________
(١) ١ النساء : ٤.
(٢) ١١٦ المائدة : ٥.
(٣) بكته : عنفه وقرّعه.
(٤) ٣٥ الأحقاف : ٤٦.
(٥) ٨ التكوير : ٨١.
(٦) قرأها كذلك علي (رضي) وابن مسعود وابن عباس وعن عشرة من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقرأها أبو جعفر المدني بالتشديد «قتّلت» بالتشديد. وقرأ الأعشى «المودة» بلا همز (مختصر الشواذ : ١٦٩).
«عن» ، وتنوب عنها الباء نحو : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً)(١) ، وقوله (٢) : [من الطويل]
فإن تسألوني بالنساء فإنني |
|
خبير بأدواء النساء طبيب |
وبعن أكثر ، كقوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ)(٣). وإن كان لاستدعاء مال تعدّى بنفسه أو بمن ، فمن الأول قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً)(٤) ومن الثاني : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ)(٥). وغلب السائل على الفقير لقوله تعالى : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(٦)(لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(٧). ولا معارضة بين قوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ)(٨). وقوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)(٩) إذ يوم القيامة ذو مواطن فيسألون في موطن ولا يسألون في آخر ، أو يسألون سؤال تقريع وتوبيخ لا سؤال تكرمة.
قوله تعالى : (وَعْداً مَسْؤُلاً)(١٠) إشارة إلى قوله تعالى حكاية عن الملائكة في دعائهم للمؤمنين : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ)(١١). وقوله تعالى : (سَأَلَ سائِلٌ)(١٢) أي دعا داع ، وذلك إشارة إلى قوله حكاية عن بعض الأشقياء : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ)(١٣) الآية.
قوله تعالى : (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ)(١٤) قرئ لا تسأل مبنيا
__________________
(١) ٥٩ الفرقان : ٢٥.
(٢) البيت لعلقمة من بائية (شرح بائية علقمة : ١٤). وروايته في اللسان ـ مادة طبب : بصير بأدواء ...
(٣) ٨٥ الإسراء : ١٧.
(٤) ٥٣ الأحزاب : ٣٣.
(٥) ٣٢ النساء : ٤.
(٦) ١٠ الضحى : ٩٣.
(٧) ١٩ الذاريات : ٥١.
(٨) ٣٩ الرحمن : ٥٥.
(٩) ٩٢ الحجر : ١٥.
(١٠) ١٦ الفرقان : ٢٥.
(١١) ٨ غافر : ٤٠.
(١٢) ١ المعارج : ٧٠.
(١٣) ٣٢ الأنفال : ٨.
(١٤) ١١٩ البقرة : ٢.
للمفعول على الخبر المنفيّ ، أي إنّما عليك أن تبلّغ ، وفي معناه : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ)(١)(ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ)(٢). (وَلا تُسْئَلُ) على النهي وذلك لشدّة الأمر ، كقولك : لا تسأل عن فلان ، أي هو بحالة لا يستطاع أن يسأل عنها ، لما في جوابها من الفظاعة.
وقوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا)(٣) قيل : خوطب به ليلة الإسراء به ، حيث صلّى إماما بالأنبياء عليهم الصلاة والسّلام : وقيل : معناه : سل أممهم والأول أوجه.
س أم :
قوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ)(٤) أي لا يملّ ، والسآمة : الملل ، يقال : سئم زيد فلانا ومن فلان. قال تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ). وقال زهير بن أبي سلمى (٥) : [من الطويل]
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش |
|
ثمانين عاما ـ لا أبا لك ـ يسأم |
وقيل : السآمة : الملالة ممّا يكثر لبثه فعلا كان أو انفعالا.
__________________
(١) ٤٠ الرعد : ١٣.
(٢) ٥٢ الأنعام : ٦.
(٣) ٤٥ الزخرف : ٤٣.
(٤) ٤٩ فصلت : ٤١.
(٥) البيت من مشهور معلقته. وأكثر الروايات : ثمانين حولا (شعر زهير : ٢٥).
فصل السين والباء
س ب أ :
قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ)(١). سبأ في الأصل : اسم رجل من قحطان. وقيل : اسمه الأصليّ عبد شمس ، وسبأ لقب له لأنّه أول من سبا ، وفيه نظر لأنّ المادتين مختلفتان ، وولد له عشرة أولاد ، تيامن (٢) ستة وهم : جمعة وكندة والأزد ومجاشعة وخثعم وبجيلة. وتشأم أربعة وهم : لخم وجذام وعاملة وغسان. ثم سميت به بلد معروفة وصرّف ليعرف أهلها. المثل لقصّة استوفيناها (٣) في «التفسير» ؛ فيقال : تفرّقوا أيادي سبا ، وأيدي سبا (٤). وقيل : سمي به القبيلة أو الحيّ ، ومن ثمّ قرئ في الصحيح بصرفه ومنعه ؛ فمن الصرف قوله (٥) : [من البسيط]
الواردون وتيم في ذرى سبإ |
|
قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس |
ومن المنع قول الآخر (٦) : [من المنسرح]
من سبأ الحاضرين مأرب إذ |
|
يبنون من دون سيلها العرما |
__________________
(١) ١٥ سبأ : ٣٤.
(٢) تيامن : ذهب إلى اليمن ، وتشأم : قصد الشام.
(٣) ضربت بهم العرب المثل في الفرقة ، لأنه لما أذهب الله عنهم جنّتهم وغرّق مكانهم تبدّدوا في البلاد (اللسان).
(٤) العرب لا تهمز سبأ في هذا الموضع لأنه كثر في كلامهم ، فاستثقلوا فيه الهمزة وإن كان أصله مهموزا (اللسان ـ مادة سبأ).
(٥) البيت لجرير. وروايته هنا تناسب رواية معاني القرآن للفراء : ١ ٣٠٨. واختلفت رواية صدره في الديوان (ص : ٣٢٥) ، وفيه :
تدعوك تيم وتيم في قرى سبأ
(٦) البيت من شواهد اللسان (مادة ـ سبأ) ، ومنه صوّبنا رواية البيت.
والسّبء : الخمرة ، من سبأت الخمرة أي شربتها ؛ قال حسان بن ثابت رضي الله عنه (١) : [من الوافر]
كأنّ سبيئة من بيت رأس |
|
يكون مزاجها عسل وماء |
س ب ب :
قوله تعالى : (فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ)(٢). السبب في الأصل : هو الحبل الذي يصعد به إلى النّخل ، ثم جعل عبارة عن كلّ شيء يتوصّل به إلى غيره ، عينا كان أو معنى. قوله : (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ)(٣) إشارة إلى قوله : (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ)(٤). وقوله : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً)(٥) إشارة إلى ما متّعه به من وجوه المعارف وأحوال الدنيا ، وأنه أتبع سببا واحدا منها فبلغ به ما هو مشهور عنه.
وقوله تعالى حكاية عن فرعون : (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ)(٦) أي الذرائع التي يتوصّل بها مثلي إلى طلبته.
قوله : (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ)(٧) أي الوصل والمودّات. وسمّوا الثوب والخمار والعمامة سببا لطولها تشبيها بالحبل في الامتداد والطول.
والسّبب : الطريق. والسبب : الباب أيضا ، وذلك لأنهما يتوصّل بهما إلى ما بعدهما ، وسمي الشّتم الوجيع سبّا لأنه يوصل إلى المشتوم أو يتوصّل به إلى أذاه ، قال تعالى : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ)(٨) أي يتكلمون بما لا يليق بجلاله لا أنهمّ يصرّحون بسبّه تعالى ، إذ (٩) لم يتجاسر أحد ولا يطاوعه طبعه ولا سجيّته على ذلك ، وقد
__________________
(١) الديوان : ١ ١٧ ، وفيه : كأن خبيئة. واللسان (مادة ـ سبأ) يطابق الأصل.
(٢) ١٥ الحج : ٢٢.
(٣) ١٠ ص : ٣٨.
(٤) ٣٨ الطور : ٥٢.
(٥) ٨٤ و ٨٥ الكهف : ١٨.
(٦) ٣٦ و ٣٧ غافر : ٤٠.
(٧) ١٦٦ البقرة : ٢.
(٨) ١٠٨ الأنعام : ٦.
(٩) وفي س : إذا
يطلق على سبب السّبّ سبّا ، ومنه : «لا يسبّ الرجل أباه. قيل : كيف يسبّ أباه؟ قال : يسبّ أبا الرجل ، فيسبّ إباه» (١). قال الشاعر (٢) : [من المتقارب]
وما كان ذنب بني مالك |
|
بأن سبّ منهم غلام فسب |
بأبيض ذي شطب قاطع (٣) |
|
يقدّ العظام ويبري العصب |
نبّه بذلك على قول الآخر (٤) : [من الطويل]
ونشتم بالأفعال لا بالتّكلّم
وقد أحسن من قال (٥) : [من الكامل]
ولقد أمرّ على اللئيم يسبّني |
|
فمضيت [ثمة] قلت : لا يعنيني |
والسّبّة : الشيء الذي يسبّ ، قال الشاعر (٦) : [من البسيط]
إن يسمعوا سبّة طاروا بها فرحا |
|
منّي وما سمعوا من صالح دفنوا |
والسّبّ : الكثير السبّ. قال الشاعر (٧) : [من الرمل]
لا تسبّني فلست بسبّي
ويكنى بالسّبّة عن الدّبر كما كني بالسّوءة عنه وعن القبل. والسبّابة من الأصابع : ما يلي الإبهام ؛ سميت بذلك لتحريكها والإشارة بها وقت المسابّة ، كما سمّوها مسبّحة لتحريكها وقته. والسبّ أيضا الثوب الدقيق. ومنه : [من الخفيف]
__________________
(١) النهاية : ٢ ٣٣٠ ، وانظر فيه اختلافه.
(٢) البيتان لذي الخرق الطّهويّ مع ثالث لهما في اللسان (مادة ـ سبب) ، وهما من شواهد المفردات من غير عزو.
(٣) وفي رواية اللسان : باتر.
(٤) من شواهد المفردات : ٢٢٠.
(٥) البيت من شواهد المغني : ١٠٢ ، والإضافة منه.
(٦) البيت للقعنب بن أم صاحب ، كما في معاني الفراء : ٣ ٢٧٦.
(٧) صدر لعبد الرحمن بن حسان يهجو به مسكينا الدارميّ ، وعجزه (اللسان ـ مادة سبب) :
إنّ سبي من الرجال الكريم
فإذا سبّ فيه ذو خلّة رطب
والسّباب مصدر سابّه ، نحو قاتله قتالا. وفي الحديث : «وسبابه فسوق» (١).
س ب ت :
قوله تعالى : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً)(٢) أي قطعا لأعمالكم التي تزاولونها نهارا ، والمعنى : جعلناه راحة لكم. أو لأنه تنقطع فيه حركاتكم فتسكنون. والسّبات : السكون ، ومنه يوم السّبت لأنه يقال أنه تعالى قطع فيه بعض خلق الأرض ، أو لأنه حرّم على اليهود فيه العمل. يقال : أسبت : إذا دخل في السّبت. وسبت يسبت إذا عظّمه ، ومنه قوله تعالى : (يَوْمَ لا يَسْبِتُونَ)(٣) أي لا يفعلون ما يجب في شرعهم في هذا اليوم.
وسبت رأسه : حلقه ، ومنه : النّعال السّبتيّة لأنها يحلق شعرها بالدّباغ. وفي الحديث : «يا صاحب السّبتين اخلع سبتيك» (٤). وقيل : سميت بذلك لأنّها ليّنت بالدباغ ، ومنه : رطب منسبتة ، أي لينة. والسّبت : جلد البقر المدبوغ بالقرظ (٥).
س ب ح :
قوله تعالى : (فَسُبْحانَ اللهِ)(٦). سبحان : علم للتّسبيح ، ولذلك منع صرفه للعلمية وزيادة الألف والنون ؛ فهو في المعاني كعثمان في الأعيان ، وعليه قوله (٧) : [من السريع]
أقول لما جاءني فخره : |
|
سبحان من علقمة الفاخر! |
وأكثر استعماله مضافا كما ترى ، وقد يقطع عن الإضافة ممنوعا. قلنا :
سبّح الجوديّ والحمد
__________________
(١) النهاية : ٢ ٣٣٠ ، والضمير للمسلم.
(٢) ٩ النبأ : ٧٨.
(٣) ١٦٣ الأعراف : ٧.
(٤) وفي النهاية (٢ ٣٣٠): «يا صاحب السبتين اخلع نعليك». وفي س : «.. سبتينا» وهو وهم.
(٥) القرظ : ورق السّلم يدبغ به.
(٦) ٢٢ الأنبياء : ٢١.
(٧) البيت للأعشى كما في اللسان (مادة سبح) غير أن الديوان يروي البيت بشكل مخالف تماما فانظره : ١٤١. والعجز نفسه مذكور في مفردات الراغب (ص ٢٢١) ، وفيه : الفاخر (بالجيم).
وذلك لأنه يكره. فهو كقولك : ربّ عثمان العثمانين جاءني. وله أحكام ، ومعناه التّنزيه فمعنى سبحان الله : تنزيهه عمّا لا يليق به ، ويستعمل في التعجب ، ومنه الحديث : «سبحان الله إنّ المؤمن لا ينجس» (١). وأصل المادة للدّلالة على البعد ، ومنه : السّبح في الماء ، وكذلك تسبيح الله لأنّ فيه إبعادا له عمّا لا يليق به ، ممّا كانت الكفرة الذين لا يقدّرونه حقّ قدره ينسبونه إليه من الشّرك والولد وغير ذلك.
والسّبح : المرّ السريع في الماء أو الهواء ، ويستعار ذلك للنجوم ، قال تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٢) ، وفي دؤوب العمل أيضا قال تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً)(٣) والتّسبيح عام في العبادة ؛ قوليّة كانت أو فعليّة أو منويّة. وقيل في قوله تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)(٤) أي القائلين : سبحانك ، ويؤيده قوله : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(٥) ، وقيل : من المصلّين. وقيل : من النّاوين ؛ أنه إذا تمكّن من العبادة حين يخرج من بطن الحوت أن يسبّح الله بقلبه ولسانه ، ويذيب جوارحه في طاعته ، والأولى أن يحمل على جميع ذلك ، لأنه اللائق بحال ذي النون عليهالسلام.
وقوله : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ)(٦) أي تعبدونه وتشكرونه. وقيل : تقولون : إن شاء الله ، يدلّ عليه قوله : (وَلا يَسْتَثْنُونَ)(٧).
وقوله : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)(٨) أي صلّ. وسميت الصلاة تسبيحا لاشتمالها عليه. ومنه : «كان يسبّح على راحلته» (٩). وقوله : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)
__________________
(١) صحيح البخاري ، باب الغسل : ٢٣ ، ٢٤.
(٢) ٣٣ الأنبياء : ٢١.
(٣) ٧ المزمل : ٧٣.
(٤) ١٤٣ الصافات : ٣٧.
(٥) ٨٧ الأنبياء : ٢١.
(٦) ٢٨ القلم : ٦٨.
(٧) ١٨ القلم : ٦٨.
(٨) ٩٨ الحجر : ١٥.
(٩) صحيح البخاري ، الصلاة ، ٣١ ، وفيه رواية : «كان النبي يصلي على راحلته».
الآية (١). قيل : معناه تصلون في هذه الأوقات. وقد استدلّ به على ذكر الصلوات الخمس. والسّبّوح والقدّوس فعّول ؛ من التّسبيح ومن القدس وهو الطهارة ، وليس لنا فعّولّ غيرهما ، وقد يفتحان نحو : كلّوب وسمّور.
والسّبحة للتّسبيح ، وهي أيضا الخرزات المسبّح بها ؛ سميت بذلك لأنه يعدّ بها لفظه.
وقوله تعالى ؛ (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً)(٢) قيل : هم الملائكة ، يسرعون فيما يؤمرون به بين السماء والأرض. وقيل : هي أرواح المؤمنين ، تنبيه على سهولة خروجها عند الموت ، أو جولانها في الملكوت عند النوم. وقيل : هي السفن لأنها تسبح في الماء ، والسابقات : الخيل. وفي الحديث : «لأحرقت سبحات وجهه» (٣) أي نور وجهه.
وقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ)(٤) أي بلسان الحال. وذلك هو الإذعان لربوبيّته والطواعية لقدرته ، كقوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)(٥). وقيل بلسان القال ، ولكن أخفى الله تعالى عنا فهم ذلك. وإليه أشار بقوله : (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(٦). وهذا هو الظاهر ؛ إذ لو لم يكن شيئا يخفى عنّا لما خاطبنا بذلك. فأمّا كونها مسبحة بلسان الحال بالمعنى الذي قدّمته عنهم فهذا تفقّه ، فلا بدّ من معنى زائد. وأمّا التسبيح الصادر من الجمادات كالحصى الصادر على يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم معجزة له فإنّ ذلك بلسان القال لا الحال ، وإلا لم يظهر التفاوت بينه وبين غيره عليه الصلاة والسّلام (٧).
__________________
(١) ١٧ الروم : ٣٠.
(٢) ٣ النازعات : ٧٩.
(٣) النهاية : ٢ ٣٣٢.
(٤) ٤٤ الإسراء : ١٧.
(٥) ١٥ الرعد : ١٣.
(٦) ٤٤ الإسراء : ١٧.
(٧) جاء في هامش ح الورقة ١٥٠ حول «سبحان الله» : «وهو اسم أقيم مقام المصدر ، ويكون أبدا منصوبا مضافا ، تقديره : نسبح الله تسبيحا ، ثم حذف المصدر حذفا لازما وأقيم «سبحان» مقامه وأضيف إلى الله فيكون معنى «سبحانه» : أنزهه عن صفات المخلوقات وأحوالها وأقدسه عن جميع ما لا يليق بذاته» عن شرح المفتاح.
س ب ط :
قوله تعالى : (وَالْأَسْباطِ)(١) جمع سبط ، وهم في بني إسرائيل كالقبائل في العرب. وأحسن منه ما قاله الأزهريّ : الأسباط في ولد إسحاق والقبائل في ولد إسماعيل ؛ فعلوا ذلك تفرقة بين أولاد الآخرين ، أعني إسحاق وإسماعيل. ولكنّ الأسباط إنما هم أولاد يعقوب بن إسحاق. واشتقاق ذلك من الامتداد والتفريع ؛ لأنّ السبط ولد الولد ، فكأنّ النسب امتدّ وانبسط وتفرّع. يقال : شعر سبط ضدّ جعد ، وعظامه سبط أي طويلة. قال الشاعر : [من الطويل]
فجاءت به سبط العظام كأنّما |
|
عمامته بين الرجال لواء |
وقد سبط سبوطا وسباطة. والساباط : مامدّ من دار إلى أخرى ، من ذلك. وسباطة الدار : ملقى زبالتها. لامتدادها. وفي الحديث : «فأتى سباطة قوم فبال» (٢). وقيل : اشتقّوا من السّبط ؛ وهو الشجرة التي أصلها واحد وأغصانها كثيرة. وفي الحديث : «الحسين سبط من الأسباط ـ أي أمّة من الأمم ـ في الجنة» (٣) واستدلّوا بقوله تعالى : (أَسْباطاً أُمَماً)(٤). فترجم الأسباط بالأمم ؛ فكلّ سبط أمة. وفي الحديث : «الحسن والحسين سبطا رسول الله صلىاللهعليهوسلم» (٥) أي طائفتان وقطعتان (٦) منه. وعن المبرّد قال : سألت ابن الأعرابيّ عن الأسباط فقال : هم خاصة الولد (٧).
وفي الحديث ؛ في صفته عليه الصلاة والسّلام : «ليس بالسّبط ولا الجعد القطط» (٨). يقال : رجل سبط ، وسبط ، وسبط. وقد سبط شعره سبوطة ، كقطط شعره قطوطة.
__________________
(١) ١٣٦ البقرة : ٢.
(٢) النهاية : ٢ ٣٣٤.
(٣) النهاية : ٢ ٣٣٤.
(٤) ١٦٠ الأعراف : ٧.
(٥) النهاية : ٢ ٣٣٤.
(٦) في الأصل : وقعتا منه ، ولعلها كما ذكرنا.
(٧) وقيل : أولاد الأولاد ، أو أولاد البنات.
(٨) النهاية : ٢ ٣٣٤. والقطط : الشديد الجعودة ، أي كان شعره وسطا بينهما.
س ب ع :
قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً)(١) ليس المراد حصر العدد ، بل المراد التكثير. والمعنى : إن استكثرت من الاستغفار لهؤلاء فلن يغفر الله لهم. قال الأزهريّ : أنا أرى هذه الآية من باب التكثير والتضعيف لا من باب حصر العدد. وحكى أبو عمرو أن رجلا أعطى أعرابيا درهما فقال : سبّع الله لك الأجر. أي ضعّفه. قال الهرويّ : والعرب تضع التسبيع موضع التّضعيف ، وإن جاوز السبع. والأصل فيه قوله تعالى : (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ)(٢).
والسّبع : كلّ حيوان متقوّ ، سمّي بذلك لتمام قوّته ، وذلك أن السّبع من الأعداد التّامة. وسبع فلان (٣) فلانا : اغتابه ، كأنّه أكل لحمه أكل السباع. والمسبع : موضع السباع.
والسّبع : جزء من سبعة أجزاء. والأسبوع : سبعة أيام ، جمعه أسابيع ، ومثله السّبع.
والسّبع في الورد كالخميس فيه. وقول ربيعة الهذليّ (٤) : [من الكامل]
.................. كأنه |
|
عبد لآل أبي ربيعة مسبع |
قيل : معناه وقع في غنمه السبع. وقيل : المهمل من السباع. وكني بالمسبع عن الدّعيّ الذي لا يعرف أبوه. وسبعت القوم : جعلتهم سبعة ، أو أخذت سبع أموالهم ، نحو ربعتهم وثلثتهم ، بمعنييه. وقوله : (ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً)(٥) من باب (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً). وقوله : (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً)(٦) عنى بالسّبع المتطابقة.
__________________
(١) ٨٠ التوبة : ٩.
(٢) ٢٦١ البقرة : ٢.
(٣) وفي الأصل : فلانا ، وهو وهم.
(٤) عجز وكلمة من بيت أبي ذؤيب الهذلي في صفة حمار الوحش ، وتمامه :
صخب الشوارب لا يزال كأنه |
|
........ عبد |
(ديوان الهذليين : ١ ٤ ـ اللسان ـ مادة سبع). وأبو ربيعة هو ابن ذهل بن شيبان. والمؤلف وهم إذ نسبه إلى ربيعة ، وأبو ذؤيب اسمه خويلد بن خالد.
(٥) ٣٢ الحاقة : ٦٩.
(٦) ١٢ النبأ : ٧٨.
قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ)(١) قيل : في العدد. وفي الحديث ما يؤيد هذا من قوله : «طوّقه من سبع أرضين» (٢) وقيل : مثلهنّ في الإتقان لا في العدد. ولذلك لم يجئ القرآن إلا بإفراد الأرض ، والأول أوجه.
س ب غ :
قوله تعالى : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ)(٣) أي ألبسكم إيّاها وأتمّها عليكم من قولهم : درع سابغ ، وثوب سابغ. وقوله تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ)(٤) إشارة إلى ما علّمه في قوله تعالى : (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ)(٥). وأسبغ وضوءه : أتمّه. ويسمى الدرع تسبغة. ومنه الحديث : «فتقع في ترقوته تحت تسبغة البيضة» (٦).
س ب ق :
قوله تعالى : (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً)(٧) عنى بها الخيل العادية في الجهاد. وقيل : هم الملائكة ، لأنهم يسبقون الجنّ باستماع الوحي. والسّبق : أصله التقدم في السّير ، ثم يعبّر بذلك عن التقدّم إلى الأشياء أعيانا كانت أو معاني.
قال تعالى : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ)(٨). وقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)(٩) أي المحرزون قصب السبق في الفضل. وقوله تعالى : (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ)(١٠) كناية عن عدم فوتهم لله تعالى ، أي أنهم لا يعجزوننا. وقوله : (وَلَقَدْ
__________________
(١) ١٢ الطلاق : ٦٥.
(٢) النهاية : ٣ ١٤٣.
(٣) ٢٠ لقمان : ٣١.
(٤) ١١ السبأ : ٣٤.
(٥) ٨٠ الأنبياء : ٢١.
(٦) : ٢ ٣٣٧. وفيه : التسبغة : شيء من حلق الدروع والزرد يعلق بالخوذة دائرا ليستر الرقبة وجيب الدرع.
(٧) ٤ النازعات : ٧٩.
(٨) ١٤٨ البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٩) ١٠ و ١١ الواقعة : ٥٦.
(١٠) ٦٠ الواقعة : ٥٦.
سَبَقَتْ كَلِمَتُنا)(١) وقوله : (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ)(٢) أي نفذت وتمّت لقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ)(٣). وقوله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أي بادروها ، وافعلوا فعل الواردة الذين يطلب كلّ منهم التقدّم إلى الماء ليحوزه لنفسه ومن يريد.
وقوله : (وَما كانُوا سابِقِينَ)(٤) أي فائتين ، كقوله : (وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ)(٥) وقوله : (يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ)(٦) أي فاعلون فعل السابق غير المتباطئ. وقيل : اللام بمعنى إلى لقوله : (أَوْحى لَها)(٧) أي إليها. وقوله : (إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ)(٨) أي نتناضل بالسهام ونتراهن. وجعل السبق كناية عن ذلك.
وقوله : (وَاسْتَبَقَا الْبابَ)(٩) أي بادر كلّ واحد منهم نحو الباب. قوله : (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ)(١٠) أي جاوزوه وتركوه حتى ضلّوا. وقوله : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ)(١١) أي لا يتكلمون بغير إذنه. وقيل لا يقولون بغير علمه حتى يعلّمهم.
س ب ل :
قوله تعالى : (فِجاجاً سُبُلاً)(١٢). السّبل جمع سبيل : وهو الطريق ، ويذكّر ويؤنث ؛ قال تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي)(١٣). ويعبّر به عن المذهب. ومنه : (اتَّبِعُوا سَبِيلَنا)(١٤) أي
__________________
(١) ١٧١ الصافات : ٣٧.
(٢) ١٢٩ طه : ٢٠.
(٣) ١١٥ الأنعام : ٦.
(٤) ٣٩ العنكبوت : ٢٩.
(٥) ١٣٤ الأنعام : ٦.
(٦) ٦١ المؤمنون : ٢٣.
(٧) ٥ الزلزلة : ٩٩.
(٨) ١٧ يوسف : ١٢.
(٩) ٢٥ يوسف : ١٢.
(١٠) ٦٦ يس : ٣٦ ، وفي الأصل «فاستبقوا الخيرات» والسياق يتطلب ما ذكرنا.
(١١) ٢٧ الأنبياء : ٢١.
(١٢) ٣١ الأنبياء : ٢١.
(١٣) ١٠٨ يوسف : ١٢.
(١٤) ١٢ العنكبوت : ٢٩.
طريقتنا في ديننا. قوله : (وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ)(١) أي طريق الولد ، لأنّ القوم كانوا يأتون الذّكران فيقلّ النّسل.
قوله : (وَابْنَ السَّبِيلِ)(٢) هو المسافر. جعل ابن الطريق لملازمته إياه. قوله : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ)(٣) قيل : هم المجاهدون. قوله : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ)(٤). قوله : (لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ)(٥) أي درك أي لا تطرق لهم علينا ، فأموالهم حلّ لنا ، كذا كانوا يعتقدون. قوله : (فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ)(٦) أي طريق الهدى. وكذا قوله : (لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ)(٧).
قوله : (سُبُلَ السَّلامِ)(٨) أي طرق السلامة المؤمّنة من العقوبة. وقيل : طرق الجنة ، إمّا طرقها حقيقة وإمّا الأسباب التى يتحصّلون بها إلى الجنة من الأعمال الصالحة. ويقال : سابل وسابلة ، وسبيل سابل ، نحو : شعر شاعر (٩). وأسبل السّتر والذيل : أرخاه. وأسبل الزرع : صار ذا سنبل. وبه استدلّ على زيادة نونه ، وإن كانت القواعد التّصريفية تأباه.
والمسبل : اسم للقدح الخامس من سهام الميسر. وخصّ السّبلة بشعر الشّفة السّفلى (١٠) لما فيها من التحدّر قاله الراغب (١١) ونقله الهرويّ عن الأزهريّ. وفي الحديث : «إنّه كان وافر السّبلة» (١٢) ؛ هي الشعرات التي تحت اللّحي الأسفل. وقيل : هي مقدّم اللّحية وما أسبل منها على الصدر. والسّنبلة : لما يقع على الزرع. والسّبل : ما أسبلته من ثوب ، نحو النّشر : للشيء المنشور ، وكالقبض بمعنى المقبوض ، والرّسل بمعنى المرسل.
__________________
(١) ٢٩ العنكبوت : ٢٩.
(٢) ٣٨ الروم : ٣٠.
(٣) ٦٠ التوبة : ٩.
(٤) ٢٠ عبس : ٨٠.
(٥) ٧٥ آل عمران : ٣.
(٦) ٢٤ النمل : ٢٧.
(٧) ٣٧ الزخرف : ٤٣.
(٨) ١٦ المائدة : ٥.
(٩) شعر شاعر : جيد (اللسان).
(١٠) في الأصل : العليا ، والسياق يتطلب ما ذكرنا.
(١١) المفردات : ٢٢٣.
(١٢) النهاية : ٢ ٢٣٩.
فصل السين والتاء
س ت ر :
قوله : (حِجاباً مَسْتُوراً)(١) قيل : معناه ساترا ، فهو مفعول بمعنى فاعل ، وعكسه فاعل بمعنى مفعول نحو : (ماءٍ دافِقٍ)(٢) أي مدفوق. والصحيح أنّ كلا منهما على بابه كما حقّقناه في غير هذا الموضوع.
وأصل السّتر : التغطية والإخفاء. والاستتار : الاستخفاء. والسّتر والسّترة : ما يستتر به أي يغطّى. والإستارة : بمعنى السّتر أيضا ، ومنه الحديث : «أيّما رجل أغلق دون امرأته بابا وأرخى عليها إستارة فقد تمّ صداقها» (٣). قال شمر : الإستارة من السّتر ، ولم أسمعه إلا في هذا الحديث. وقد جاءت السّتارة والمستر في معنى السّتر. وقد قالوا : أسوار للسّوار ، وإشرارة لما يشرر عليه الأقط.
فصل السين والجيم
س ج د :
قوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ)(٤) أصل السجود الخضوع (٥) والتذلّل. وخصّ ذلك شرعا بعبادة الله ؛ فلا يجوز السّجود لغير الله تعالى. والملل مختلفة في ذلك. فأمّا السجود ، على سبيل العبادة ، فلا يجوز في ملّة من الملل ، وأمّا على سبيل التعظيم كسجود الملائكة لآدم ، وإخوة يوسف لأخيهم ، فهذا محلّ الخلاف. على أنّ من الناس من قال ؛ إنما كان آدم كالقبلة لهم ، ثم السجود عامّ في الأناسيّ والحيوانات والجمادات ، وهو
__________________
(١) ٤٥ الإسراء : ١٧.
(٢) ٦ الطارق : ٨٦.
(٣) النهاية : ٢ ٣٤١. ويقول ابن الأثير : ولو رويت «أستاره» جمع ستر لكان حسنا. وكذا في اللسان.
(٤) ١٥ الرعد : ١٣.
(٥) ساقطة من ح.
نوعان : نوع باختيار ، وليس ذلك إلا للإنسان وبه يثاب ، كقوله : (ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ)(١) ، وقوله : (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)(٢).
ونوع بتسخير ، وهو في الإنسان والحيوان وغيرهما ، وعليه : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) ، وقوله : (سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ)(٣) وهو الدّلالة الصامتة والناطقة المنبّهة على كونها مخلوقة ، وأنها خلق فاعل حكيم متقن لها. وقوله : (وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ)(٤) سجود تسخير. وقوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)(٥) فشمل السّجودين : التّسخيريّ والاختياريّ ويعبّر به عن الصلاة لاشتمالها عليه. وعليه قوله : (وَأَدْبارَ السُّجُودِ)(٦) كما سميت سبحة ودعاء (٧). وقالوا سبحة الدعاء ، وسجود الضّحى.
قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ)(٨) قيل : عنى مواضع السجود ؛ واحدها مسجد ، بالكسر وقياسه الفتح ، وقد خرج هو وأخوات له مذكورة في غير هذا عن القياس (٩). وقيل : عني بها أعضاء السجود وهي سبعة ، وقيل : ثمانية ؛ الجبهة ، والأنف ، واليدان ، والرّجلان ، والركبتان. وفي الحديث : «أمرت أن أسجد على سبعة آراب» (١٠) أي أعضاء ، لأنّ كلّ عضو منها إرب. ويؤيد الأول قوله عليه الصلاة والسّلام : «جعلت لي الأرض مسجدا
__________________
(١) ٧٧ الحج : ٢٢.
(٢) ٦٢ النجم : ٥٣.
(٣) ٤٨ النحل : ١٦.
(٤) ٦ الرحمن : ٥٥.
(٥) ٤٩ النحل : ١٦.
(٦) ٤٠ ق : ٥٠ ، أي أدبار الصلاة.
(٧) ويسمون صلاة الضحى سبحة الضحى وسجود الضحى.
(٨) ١٨ الجن : ٧٢.
(٩) قال الفراء : كل ما كان على فعل يفعل فالمفعل منه بالفتح .. إلا أحرفا من الأسماء ألزموها كسر العين ، من ذلك : المسجد ، والمطلع ، والمغرب ، والمشرق ... وربما فتحه بعض العرب. قال : والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه (اللسان ـ مادة سجد).
(١٠) النهاية : ١ ٣٦. واحدها الإرب ـ بالكسر والسكون ـ وهو العضو.
وطهورا» (١) وقوله : (وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً)(٢) ؛ أي متذللين. وقوله : (أَلَّا يَسْجُدُوا)(٣) قرئ على التحضيض والاستفتاح (٤) ؛ (وَاسْجُدُوا) أمرا ، و (تَسْجُدُوا) منصوبا بما قبله. ولنا فيه كلام أتقنّاه في غير هذا ، أن تأتي قراءة الأمر إمّا تنبيه وإمّا نداء ، والمنادى محذوف كقوله (٥) : [من الطويل]
ألا يا اسلمي يا هند عند بني بدر |
|
وإن كان حيّانا عدى آخر الدهر |
في أبيات عديدة أنشدناها في غيره.
وقيل : أصل السجود الإمالة كقوله ، زيد الخيل (٦) : [من الطويل]
يجمّع نصل البلق في حجراته |
|
ترى الأكم فيها سجّدا للحوافر |
وقول الآخر (٧) : [من الكامل]
وافى بها كدراهم الإسجاد
قيل : عنى بها دراهم عليها صورة ملك يسجد له.
س ج ر :
قوله : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ)(٨) أي المملوء. وقيل : يملأ نارا ، ولذلك قال مجاهد :
__________________
(١) البخاري ، باب التيمم : ١.
(٢) ٥٨ البقرة : ٢.
(٣) ٢٥ النمل : ٢٧.
(٤) يقول الفراء : ويكون «يسجدوا» في موضع نصب ، كذلك قرأها حمزة. وقرأها أبو عبد الرحمن السّلمي والحس وحميد الأعرج ـ وكذلك الكسائي ورويس وأبو جعفر ـ مخففة «ألا يسجدوا» على معنى : ألا يا هؤلاء اسجدوا ، فيضمر هؤلاء ويكتفي منها بقوله : «يا» (معاني القرآن : ٢ ٢٩٠).
(٥) البيت للأخطل كما في معاني القرآن : ٢ ٢٩٠.
(٦) العجز مذكور في اللسان ـ مادة سجد.
(٧) مذكور في اللسان. وصدره كما في القاموس (مادة ـ سجد) :
من خمر ذي نطق أغنّ منطق
ويقول ابن منظور : الإسجاد أي الجزية.
(٨) ٦ الطور : ٥٢. المسجور : الموقد نارا يوم القيامة.
الموقد. وقيل : السّجر : تهيج النار. ومنه سجرت التنور. وأنشد (١) : [من المتقارب]
إذا ساء طالع مسجورة |
|
ترى حولها النبع والشّوحطا |
وقوله تعالى : (وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ)(٢). قال الحسن : أضرمت نارا. وقيل : غيضت مياهها ، وإنما تكون كذلك لتسجير النار فيها. قوله : (ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ)(٣) أي يطرحون فيها فيملؤونها (٤) ومثله : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ)(٥) وقولهم : سجرت الناقة ، استعارة نحو اشتعلت. ولذلك قالوا : السّجير : وهو الذي يسجر في مودّة خليله أي يحترق في مودّته.
س ج ل :
قوله تعالى : (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ)(٦) أي طين وحجر مختلطان ؛ قيل : وهو فارسيّ (٧) عرّب ، وأصله ... (٨) قيل (٩). وقد بيّن ذلك بقوله في قصة لوط : (حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً)(١٠) وقوله : (كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ)(١١) ؛ قيل : السجلّ : المكتوب فيه. والكتاب مصدر ، أي كما يطوي الرقّ الكتب. وقيل : هو ملك يطوي كتب بني آدم ويحفظها. وقيل : هو اسم كاتب من كتّابه عليه الصلاة والسّلام. وقيل : هو حجر كان يكتب فيه ، ثم سمّي كلّ ما يكتب فيه سجلا.
__________________
(١) البيت في المفردات : ٢٢٤ ، وفيه : النبع والسمسما.
(٢) ٦ التكوير : ٨١.
(٣) ٧٢ غافر : ٤٠.
(٤) وفي الأصل : يملؤوها.
(٥) ٢٤ البقرة : ٢.
(٦) ٨٢ هود : ١١.
(٧) معرب من كلمتين «سنكك : حجر+ كل : طين».
(٨) بياض في الأصل ، ولعلها سنك.
(٩) ولعل الصواب : كل ، كما شرحنا.
(١٠) من الآيتين : ٢٣ و ٢٤ الذاريات : ٥١ ، مسوّمة : معلمة بأنها حجارة عذاب.
(١١) ١٠٤ الأنبياء : ٢١.
والسّجل : الدلو العظيمة (١). وسجلت الماء أي صببته فانسجل. ومن ثمّ استعير للإعطاء ؛ قالوا : أسجلته أي أعطيته (٢). والإسجال أيضا : الإرسال. وسجّل الكتاب أي أثبته وحقّقه. والمساجلة : المساقاة بالسّجل. ويعبّر به عن المباراة والمفاضلة ؛ قال الشاعر (٣) : [من الرمل]
من يساجلني يساجل ماجدا
س ج ن :
(رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَ)(٤). السّجن : موضع الحبس. وقرئ قوله تعالى : (السِّجْنُ) بالكسر على أنه مكان الحبس ، وبالفتح على أنه نفس الحبس (٥).
قوله تعالى : (لَفِي سِجِّينٍ)(٦) هو فعّيل من السّجن. قيل : هو حجر تحت الأرض السابعة مكتوب فيه عمل الأشقياء ، كما أنّ مقابلة وهو علّيّون مكان كتب الأبرار. وقيل : هو اسم لنار جهنّم ، وزيد لفظه تنبيها على زيادة معناه. وقيل : إنّ كلّ شيء ذكره الله بقوله : (وَما أَدْراكَ)(٧) فسّره ، وكل ما ذكره بقوله : (وَما يُدْرِيكَ)(٨) تركه مبهما. وفي هذا الموضع ذكر : (وَما أَدْراكَ ما سِجِّينٌ)(٩) وكذا قوله : (وَما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ)(١٠) ثم فسّر (كِتابٌ)(١١) لا السجّين ولا العليّين.
__________________
(١) وفي الأصل : العظيم.
(٢) يريد : أعطيته سجلا.
(٣) البيت للفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب. وعجزه كما في اللسان ـ سجل :
يملأ الدلو إلى عقد الكرب
(٤) ٣٣ يوسف : ١٢.
(٥) أنظر معاني القرآن للفراء : ٢ ٤٤ ، من غير احتجاج.
(٦) ٧ المطففين : ٨٣.
(٧) ٣ الحاقة : ٦٩ ، وغيرها.
(٨) ٣٣ الأحزاب : ٦٣ ، وغيرها.
(٩) ٨ المطففين : ٨٣.
(١٠) ١٩ المطففين : ٨٣.
(١١) يعني ما ورد في قوله : «كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ» (٢٠ و ٢١ المطففين : ٨٣).