الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]
المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
فصل الزاي والكاف
ز ك و :
قوله تعالى : (وَآتُوا الزَّكاةَ)(١) الزكاة في اللغة : النّماء ، ومنه زكا المال يزكو. وقيل : الطهارة. في الشرع : قدر مخصوص من مال مخصوص في زمن مخصوص. وقيل : هو النموّ الحاصل عن بركة الله تعالى ، ولذلك سمي المخرج زكاة ، وإن كان فيما يشاهد نقصا ، لما ذكروا من أنه يبارك فيه ، ومنه قيل : الزكاة بركة المال ، أو لأنّها تحصّنه من الضّياع ، ولذلك قيل : الزكاة حرز المال. ويعتبر ذلك بالأمور الدّنيوية والأخروية. يقال : زكا الزرع : إذا حصل منه كثرة.
قوله : (أَيُّها أَزْكى طَعاماً)(٢) أراد الحلال الذي لا تستوخم عقباه. ومنه الزكاة لما يخرجه (٣) من حقّ الله ، لما يكون فيها من رجاء البركة ، أو التزكية ، لتنميتها وتربيتها بالخيرات. ويجوز أن يرادا جميعا لأنّ الأمرين موجودان فيها.
وقرنت بالصلاة في القرآن منبهة على أنه لا فرق بينهما في الدّين ، ولذلك قال خليفة رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين منعه الزكاة بعض الناس : «والله لأقتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة» (٤) أي في كونها أحد الأركان الخمسة ، فلا معنى لمن يجحدها دون غيرها. وتزكية الله عباده هي أن جعلهم مسلمين مطهّرين من أدناس المشركين.
قوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها)(٥) أي تجعلهم أزكياء. قوله : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ)(٦) أي لا تنسبوها إلى التطهير المقتضي لأن تكونوا عدولا أتقياء ،
__________________
(١) ٤٣ البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٢) ١٩ الكهف : ١٨.
(٣) يعني : يخرجه الإنسان.
(٤) أخرجه البخاري في كتاب الزكاة ، ومسلم والأربعة إلّا ابن ماجة ، كما أخرجه ابن حبّان والبيهقي.
(٥) ١٠٣ التوبة : ٩.
(٦) ٣٢ النجم : ٥٣.
ولذلك قال : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ)(١) أي ينسب من يشاء من عباده إلى ذلك. ومن هذا قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)(٢) ، (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)(٣) ، فهذه ، والله ، التزكية.
وقوله : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً)(٤) ، أي بركة وتطهيرا. وقوله : (غُلاماً زَكِيًّا)(٥) أي مباركا مطهرا منسوبا من لدنّ الله تعالى إلى ذلك. وأصل الزكيّ : زكيو ، فأعلّ بقلب الواو ياء ، وقيل : معناه زكّي بالخلقة ، وذلك عن طريق الاصطفاء بأن يجعل بعض عباده عالما طاهر الخلق لا يتعلّم من غيره ، وهذا دأب الأنبياء ، وبه استدلّ بعض المتصوفة على أنّ الفقير المجذوب أفضل من المربّى ، وقيل : معناه سيؤول إلى التزكية ، وفيه بشارة.
قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ)(٦) يجوز أن يريد شقيقة الصلاة ، أثنى عليهم بإخراجها كما أثنى عليهم بإقامة شقيقتها. ويجوز أن يريد الفاعلين ما يزكّون به أنفسهم قال الراغب (٧) : وليس قوله للزكاة مفعولا لقوله فاعلون ، بل اللام فيه للقصد وللعلّة. وتزكية الإنسان لنفسه ضربان : أحدهما بالقصد (٨) ، وذلك محمود ، وإليه نحا بقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها)(٩) والثاني بالقول كتزكية العدل غيره ؛ وقد تقدّم أنه مذموم ، وهو تأديب لأنّ مدح الإنسان نفسه قبيح شرعا وعقلا حتّى قال الشاعر :
وما حسن أن يمدح المرء نفسه |
|
ولكنّ أخلاقا تذمّ وتمدح |
وقيل لحكيم : ما الذي لا يحسن وإنه كان حقا؟ فقال : مدح الإنسان نفسه. وقوله : (نَفْساً زَكِيَّةً)(١٠) وزاكية : أي طاهرة بريئة مما لا يوجب قتلها. قوله : (ما زَكى
__________________
(١) ٤٩ النساء : ٤.
(٢) ١٤٣ البقرة : ٢.
(٣) ١١٠ آل عمران : ٣.
(٤) ١٣ مريم : ١٩.
(٥) ١٩ مريم : ١٩.
(٦) ٤ المؤمنون : ٢٣.
(٧) المفردات : ٢١٤.
(٨) وفي المفردات : بالفعل ، وهو أصوب.
(٩) ٩ الشمس : ٩١.
(١٠) ٧٤ الكهف : ١٨.
مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ)(١) أي ما طهر. قوله : (وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ)(٢) أي العمل الصالح ، وقيل : الطهارة. قوله : (ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ)(٣) أي أغنى بركة وأزيد.
فصل الزاي واللام
ز ل ف :
قوله تعالى : (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ)(٤) أي ساعات ، والمعنى : ساعة بعد أخرى تقرب منها ، من قولهم : أزلفته : أي قرّبته. ومنه : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ)(٥) أي قرّبت ، ومنه (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ)(٦). والمزالف : المراقي ، لأنها تزلف من يرقى عليها : أي تدنيه لما يريد الصعود إليه ، ويكون ذلك في قرب المنزلة ، ومنه : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ)(٧).
وقيل : المراد بقوله : (وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) صلاة المغرب والعشاء ، قال الشاعر (٨) : [من الرجز]
طيّ الليالي زلفا فزلفا |
|
سماوة الهلال حتى احقوقفا |
وقيل : أصل الزلفة المنزلة والحظوة ، فأما قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً)(٩) فعنه جوابان : أحدهما أنّ هذا مما عكس فيه الكلام ، كاستعمال البشارة في العذاب. والثاني لمعنى لمّا رأوا زلفة المؤمنين وقد حرموها.
وأزلفته : جعلت له زلفى. ومزدلفة : اسم لمكان معروف ، وخصّت بذلك لقربهم من
__________________
(١) ٢١ النور : ٢٤.
(٢) ٣١ مريم : ١٩.
(٣) ٢٣٢ البقرة : ٢.
(٤) ١١٤ هود : ١١. زلفا من الليل : ساعات منه قريبة من النهار.
(٥) ٩٠ الشعراء : ٢٦.
(٦) ٦٤ الشعراء : ٢٦.
(٧) ٢٥ ص : ٣٨.
(٨) هو العجاج ، انظر الديوان : ٢ ٢٣٢. الزلف هنا : الدرج. السماوة : شخص كل شيء. احقوقف : اعوجّ.
(٩) ٢٧ الملك : ٦٧.
منى بعد الإفاضة ، وقيل : سميت بذلك لاجتماع الناس فيها فإنّ ليلتها تجمع. والازدلاف : الجمع. قال ابن عرفة في قوله : (وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي جمعناهم ، والأول أشهر. وفي الحديث : «وازدلفوا إلى الله بركعتين» (١) أي تقرّبوا. وقال رجل لعثمان رضي الله عنه (٢) : «إني حججت من هذه المزالف». المزالف جمع مزلفة (٣) ، وهي ما بين البرّ والريف ، ويقال لها المزارع والمراعيل أيضا. وفي الحديث : «فيغسل الأرض حتى يتركها كالزّلفة» (٤) الزّلفة بفتح الزاي واللام : مصانع الماء ، ويقال لها المزالف أيضا. وقرئ : وزلفا بضمتين وضمة وسكون (٥) ، وزلفى بزنة حبلى. فالأوليان كاليسر واليسر ، والثالثة أنّ فعلى في معنى فعلة ، نحو القربى بمعنى القربة.
ز ل ق :
قوله تعالى : (صَعِيداً زَلَقاً)(٦). قال الراغب (٧) : الزلق والزّلل متقاربان ، ومنه قوله تعالى : (فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً) أي دحضا لا نبات فيه ، نحو (فَتَرَكَهُ صَلْداً)(٨). والزلق : المكان الدّحضر (٩). يقال : زلقه وأزلقه فزلق ، وعلى هذا قرئ قوله تعالى : (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ)(١٠) بضمّ الياء وفتحها. والإزلاق : التّنحية والإزالة. ومنه زلق رأسه : أي حلقه. وقرأ أبيّ (١١) : «وأزلقنا الآخرين» بالقاف ، أراد : أذللنا. قال يونس : لم يسمع الزّلق والإزلاق إلا في القرآن.
__________________
(١) النهاية : ٢ ٣٠٩ ، والحديث طويل وهناك جاء بصيغة المفرد ، كتب به رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى مصعب بن عمير.
(٢) الحديث لعمر رضي الله عنه مع تفصيل في النهاية : ٢ ٣١٠.
(٣) في الأصل : المزدلفة.
(٤) النهاية : ٢ ٣٠٩. وفي الأصل : «حتى تركها» ولعله خطأ من الناسخ.
(٥) بضمتين قرأها أبو جعفر المدني وابن أبي إسحاق وعيسى. وحكى ابن مجاهد عن ابن محيصن زلفا ـ بضمتين ـ وحكاه أيضا عن محبوب عن أبي عمرو. وزلفا ، بضم الزاي وإسكان اللام ، الحسن وابن محيصن واليماني. وقرأها مجاهد بالإمالة «زلفى» مختصر الشواذ : ٦١.
(٦) ٤٠ الكهف : ١٨.
(٧) المفردات : ٢١٥.
(٨) ٢٦٤ البقرة : ٢.
(٩) والتي قبلها في الأصل : الرخص ، ولعله وهم من الناسخ.
(١٠) ٥١ القلم : ٦٨.
(١١) هو أبي بن كعب كما في المفردات : ٢١٥.
ومعنى قوله تعالى : (لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) ليغتابونك أي يصيبونك بعيونهم فيزلقونك عن مكانك ويزيلونك عنه لنفوذ عيونهم ، وفيه دلالة على أن «العين حقّ» (١) كما أخبر عليه الصلاة والسّلام بذلك.
ورأى عليّ رضي الله عنه رجلين خرجا من الحمام متزلّقين ، قيل : متنعّمين. يقال : يزلق إذا غسل جسده حتى صار له بصيص ولبشرته بريق. ويجوز أن يراد محلوقي الرأس ، كما تقدّم.
ز ل ز ل :
قوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها)(٢) الزّلزلة : الحركة الشديدة جدّا ، يروى أنها تتحرك وتضطرب اضطرابا شديدا حتى تخرج ما في بطنها إلى ظهرها من أموات وكنوز ، فذلك قوله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها)(٣). ومن ثم استعظمها عظيم العظماء في قوله تعالى : (إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)(٤) وذلك بالنسبة إلينا ، إذ لا يعظم عنده شيء.
وقوله : (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً)(٥) إشارة إلى ما لقوا من الأذى ، فإنّهم أزعجوا وحركوا بأنواع المصائب والرّزايا. وقوله : (وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ)(٦) من ذلك.
والزّلزال عند العرب : الدّواهي العظام ، وتكرير لفظه يدلّ على تكرير معناه. والزّلزال ـ بالكسر ـ المصدر ، وبالفتح الاسم. وقيل : هو بمعنى المزلزل.
ز ل ل :
وقوله : (فَأَزَلَّهُمَا)(٧) أي نحّاهما عن مكانهما الذي في الجنة. وقيل : حملهما على
__________________
(١) متفق عليه عن أبي هريرة «كشف الخفاء : ٢ ٧٦». والحديث بعده عن علي (رض) في النهاية : ٢ ٣١٠ ، وفسّره ابن الأثير : تزلّق الرجل : إذا تنعّم حتى يكون للونه بريق وبصيص.
(٢) ١ الزلزلة : ٩٩.
(٣) الآية بعد السابقة.
(٤) ١ الحج : ٢٢.
(٥) ١١ الأحزاب : ٣٣.
(٦) ٢١٤ البقرة : ٢.
(٧) ٣٦ البقرة : ٢.
الزّلّة ، والأول أصوب لقراءة من قرأ : فأزالهما (١) ، ولا يليق بحال آدم عليهالسلام أن تصيبه الزّلّة. والزّلّة في الأصل : استرسال الرّجل وزلقها من غير قصد. والمزلّة : المكان الزّلق. ثم قيل للذّنب زلّة تشبيها على زلة الآراء والعقول بزلة الأقدام. وعليه قوله تعالى : (فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ)(٢) إن تنحّيتم عن الحقّ. يقال : زلّ في الدّين يزلّ زلّا ومزلّة ، وزلّ في الطين ونحوه زللا. وأزللت عنده إزلالا وزلّة : إذا اتّخذت عنده يدا. وفي الحديث : «من أزلّت إليه نعمة فليشكرها» (٣) أي من أسديت إليه لا بقصد ، وفيه تنبيه على أنّ شكرها إذا كان لازما من غير قصد فكيف معه؟
وأزللته عن جوابه : أزلته عنه. وقوله : (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ)(٤) أي استجرّهم وطلب زللهم ؛ فإنّ الصغيرة متى فعلت سهّلت ارتكاب أمثالها ، ومكّنت الشيطان من صاحبها. وروي أنّ «المعاصي بريد الكفر» (٥) نسأل الله البديع العصمة من الزّلل.
ز ل م :
قوله تعالى : (وَالْأَزْلامُ)(٦) الأزلام : قداح كانت العرب تتشاءم بها وتتفاءل ، كانوا يضعونها عند سدنة الأصنام. فإذا أرادوا أمرا أتوا السادن فأجال الخريطة فإن خرج السهم الذي فيه الأمر مضى ، وإن خرج ما فيه النّهي أمسك. قال تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ)(٧) أي وحرّم عليكم ما قسم لكم بهذه القداح ، الواحد منها زلم وزلم. والزّلم ـ أيضا ـ سهم لا ريش له. والأزلام قوائم البقر الوحشية تشبيها بالقداح للطافتها. وسمي
__________________
(١) وفي ح : فأزلهما. يقول الأخفش : «والتضعيف القراءة الجيدة وبها نقرأ». وقال بعضهم : «فأزالهما» أخذهما من «زال يزول» (معاني القرآن : ١ ٢٣٢). وأيد التضعيف تفسير الطبري : ١ ٥٢٤ وعزاها إلى عامة القراء.
(٢) ٢٠٩ البقرة : ٢.
(٣) النهاية : ٢ ٣١٠. وفي الأصل : «من أزليت له ..» ، والتصويب من النهاية.
(٤) ١٥٥ آل عمران : ٣.
(٥) قال في كشف الخفاء ٢ ٢١٣ : «لم أر من ذكره غير ابن حجر المكّي في شرح الأربعين. قال : أظنّه من قول السلف ، وهو معنى ما قيل : الصغيرة تجرّ الكبيرة ، وهي تجرّ الكفر».
(٦) ٩٠ المائدة : ٥.
(٧) ٣ المائدة : ٥.
الزّلم زلما لأنه نحت وسوّي واحد من حروفه ، وهذا هو التّزليم وقيل : الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها تفاؤلا ، وعليه قول الشاعر (١) : [من الطويل]
لعمرك ما تدري الطوارق (٢) بالحصى |
|
ولا زاجرات الطير ما الله صانع |
وازلمّ به : أي ذهب ، وفي حديث سطيح : «فازلمّ به شأو العنن» (٣) يقول : ذهب به شوط اعتراض الموت ، وقد استقصينا هذا في «التفسير» وغيره.
فصل الزاي والميم
ز م ر :
قوله تعالى : (زُمَراً)(٤) الزمر : جمع زمرة ، والزمرة : الجماعة القليلة ، ومنه : شاة زمرة للقليلة الشعر ، ورجل زمر للقليل المروءة. وزمرت النّعامة ، تزمر زمارا : إذا صوّتت ومنه اشتقّ الزّمر ، والقصبة التي يزمر بها زمّارة ، وهو من الإسناد المجازيّ كقولهم للأرض المزدرعة : زرّاعة ، ويكنى بالزّمّارة عن الزّانية. وفي الحديث : «نهى عن كسب الزمّارة» (٥). وقيل : والحديث غلط فيه ، وإنّما هو الرّمّازة ؛ الراء قبل الزاي لأنها ترمز للناس بعينها. قال الشاعر (٦) : [من الكامل]
رمزت إليّ لخوفها من بعلها |
|
من غير أن يبدو هناك كلامها |
__________________
(١) البيت للشاعر لبيد ، الديوان : ١٧٢.
(٢) كذا رواية المخطوطة ، واللسان ـ مادة طرق. وفي الديوان : الضوارب.
(٣) من شطر لسطيح. وهو كما في النهاية : ٢ ٣١١ :
أم فاز فازلمّ به شأو العنن
قيل : أصلها : ازلامّ كاشهابّ فحذف الألف تخفيفا. وشأو العنن : اعتراض الموت. وقيل : ازلّم : قبض. العنن : الموت ، أي عرض له الموت فقبضه.
(٤) ٧١ الزمر : ٣٩ ، وغيرها.
(٥) النهاية : ٢ ٣١٢.
(٦) أنشده الهروي ، وانظره في حاشية (١) من النهاية : ٢ ٣١٢ ، وفيه خلاف.
وقيل : لا غلط فيه ، بل هي البغيّ الحسناء لأنها تتعاطى الزّمر والغناء في بعض الأحيان. يقال : غناء زمير أي حسن. قال الأزهري : يحتمل أن يكون نهى عن كسب المغنية. قال الأصمعيّ : زمر أي غنّى. والزمّارة ـ أيضا ـ ساجور الغسل (١) ، وفي حديث سعيد (٢) : «لما أتي به [إلى](٣) الحجاج وفي عنقه زمارة» تشبيها بقصبة الزّمر ، قال الشاعر (٤) : [من المتقارب]
ولي مسمعان وزمّارة |
|
وظلّ مديد وحصن أمق |
عنى بالمسمعتين القيد لأنه يسمعه ، وبالزمّارة الغلّ ، ويروى مسمعان ؛ بضمّ الأولى وكسر الثانية.
ز م ل :
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ)(٥). المزمّل : المتلفّف ، وأصله المتزمّل. وأتاه صلىاللهعليهوسلم الوحي وهو متزمّل في كساء. قال امرؤ القيس (٦) : [من الطويل]
كأنّ ثبيرا في أفانين ودقه (٧) |
|
كبير أناس في بجاد مزمّل |
ومنه قيل للفافة الرّواية والقربة زمال. وقال في قتلى أحد «زمّلوهم في ثيابهم ودمائهم» (٨) أي لفّوهم. وقال أبو الدّرداء : «لئن فقدتموني لتفقدنّ زملا» (٩). الزّمل :
__________________
(١) الساجور في الأصل : الخشبة التي تعلق في رقبة الكلب.
(٢) وفي النهاية (٢ ٣١٢) : ابن جبير.
(٣) إضافة المحقق.
(٤) وورد في النهاية : ٢ ٣١٢ ، وأنشده الهروي ، وثعلب في مجالسه : ٤٧٣ ، والجاحظ في البيان والتبيين : ٣ ٦٤. الأمق : الواسع. والمسمعتان : القيدان كأنهما يغنيانه ، وأنّث لأن أكثر ذلك للمرأة.
(٥) ١ المزمل : ٧٣.
(٦) شرح القصائد العشر : ٨٩.
(٧) وكذا في الديوان : ٤٠. وفي شرح القصائد : عرانين وبله. الأفانين : الأنواع والضروب. الودق : المطر. البجاد : كساء مخطط.
(٨) النهاية : ٢ ٣١٣.
(٩) النهاية : ٢ ٣١٣.
الحمل ، أراد زملا من العلم. والزّمّيل : الضعيف ، قال (١) : [من الرجز]
لست بزمّيل ولا نكس وكل
فصل الزاي والنون
ز ن م :
قوله : (عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ)(٢) الزّنيم : الدعيّ في القوم ، أي المعلّق والملصق بهم وليس منهم ، تشبيها بزنمتي شاة المعز لأنّ في عنقها زنمتين تعرف بهما ، فكذلك هذا جعل الله عليه علامة يعرف بها أنه لصيق في قريش. قال الشاعر (٣) : [من الطويل]
وأنت زنيم نيط في آل هاشم |
|
كما نيط خلف الراكب القدح الفرد |
قيل : والمراد به الأخنس.
ز ن و :
قوله : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى)(٤) الزّنا : وطء بغير نكاح شرعيّ ، والأكثر قصره وقد يمدّ ، وإذا (٥) فالأحسن أن يجعل مصدرا لفاعل ، والنّسبة إليه زنويّ. وأمّا زنأ ـ بالهمز ـ فبمعنى (٦) صعد الجبل ، زنأ وزنوءا. وزنأ بوله فهو زنّاء أي حقنه فمادة أخرى. وجعله الفقهاء من الكنايات في القذف.
__________________
(١) من شواهد المغني : ٥٧٧ ، وفيه :
فارسا ما غادروه ملحما |
|
غير زمّيل ولا نكس وكل |
وفي حماسة المرزوقي يعزى العجز إلى الأعرج المعنيّ الطائي مع اختلاف (١ ٢٩٠).
(٢) ١٣ القلم : ٦٨.
(٣) البيت لحسان بن ثابت ، لكن مطلعه يخالف رواية الكتاب ورواية اللسان (مادة ـ زنم). ففيه : «وكنت دعيا نيط ..» (الديوان : ٢ ٣٩٨). والبيت من قطعة في هجاء أبي سفيان.
(٤) ٣٢ الإسراء : ١٧.
(٥) لعله يريد أن يقول : وإذا مدّ.
(٦) وفي الأصل : بمعنى.
فصل الزاي والهاء
ز ه د :
قوله تعالى : (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ)(١). الزّهد في الشيء : قلة الرّغبة فيه. والزهيد : الشيء القليل ، وفي الحديث : «إنك لزهيد» (٢) فمعنى الزاهد في الشيء : الراغب عنه ، القانع منه بقليله. وفي الحديث : «أفضل الناس مؤمن مزهد» (٣). يقال : أزهد إزهادا ، وزهد زهدا.
ز ه ق :
قوله تعالى : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ)(٤). يقال : زهقت نفسه أي فاضت أسفا. قوله : (وَزَهَقَ الْباطِلُ)(٥) أي ذهب واضمحلّ كذهاب النفس. وكذا : (فَإِذا هُوَ زاهِقٌ)(٦) أي ذاهب باطل ، وزهوق النفس ، بطلانها.
والزاهق من الأضداد : إذ يقال للهالك من الدوابّ وللسمين منها : زاهق ، وأنشد :
منها الشّنون ومنها الزّاهق الزّهم (٧)
الزاهق السمين ، والزّهم : أسمن منه ، والشّنون : فيه بعض السّمن ، والزاهق : السهم الذي يقع وراء الهدف دون إصابة. وفي الحديث : «أنّ حابيا خير من زاهق» (٨) الحابي :
__________________
(١) ٢٠ يوسف : ١٢.
(٢) هو حديث الإمام علي (رضي) كما في النهاية : ٢ ٣٢١.
(٣) المزهد : القليل الشيء (النهاية : ٢ ٣٢١).
(٤) ٥٥ التوبة : ٩ ، وغيرها.
(٥) ٨١ الإسراء : ١٧.
(٦) ١٨ الأنبياء : ٢١.
(٧) وصدره كما في اللسان ـ مادة زهق :
القائد الخيل منكوبا دوابره
(٨) النهاية : ٢ ٣٢٢ ، والحديث لعبد الرحمن بن عوف.
السهم الذي يزحف إلى الهدف ، والزاهق : الواقع وراء الهدف وتجاوزه دون إصابة ، ضرب ذلك مثلا لرجلين أحدهما ضعيف أصاب حقا ، فهو خير من قويّ تجاوزه.
والزهق : مجاوزة القدر ؛ يقال : زهق ، بفتح الهاء وكسرها.
فصل الزاي والواو
ز و ج :
قوله تعالى : (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ)(١) أي قرناهم بهنّ. يقال : زوّجته فلانة أي أنكحته إياها ، فإذا أدخلوا الباء فالمعنى قرنته بها. قال الهرويّ : ليس في الجنة تزويج فلذلك أدخل الباء في قوله : (بِحُورٍ). قال الراغب : ولم يجئ في القرآن : وزوّجناهم حورا كما يقال : زوجناهم امرأة تنبيها على أنّ ذلك لا يكون إلا على حسب المتعارف فيما بيننا من المناكحة.
قوله تعالى : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ)(٢). قيل : أراد : أفراد. والزوج في اللغة الواحد الذي يكون معه آخر ، والإثنان زوجان ؛ يقال : زوجا خفّ ، وزوجا نعل ؛ قاله الهرويّ وقال الراغب (٣) : يقال لكلّ من القرينين من الذكر والأنثى من الحيوانات المتزاوجة زوج ، ولكل قرينين في غيرها كالخفّ والنّعل ، ولكلّ ما يقترن بالآخر مماثلا له أو مضادّا : أزواج. قال تعالى : (وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)(٤). وزوجة لغة رديئة قلت : قد ورد ذلك في الحديث ، فإن ثبت فلا رداءة. وادّعى الفرّاء ثبوتها ، وأنشد للفرزدق (٥) : [من الطويل]
وإنّ الذي يسعى ليفسد زوجتي |
|
لساع إلى سد السّرى يستميلا |
وجمع الزوج أزواج ، والزوجة زوجات.
__________________
(١) ٥٤ الدخان : ٤٤.
(٢) ٦ الزمر : ٣٩.
(٣) وما قبله من المفردات : ٢١٦.
(٤) ١٩ الأعراف : ٧.
(٥) لم يرد البيت في نسختي الديوان.
قوله تعالى : (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ)(١) أي أقرانهم المقتدين بهم في أفعالهم. وقيل : أشباههم وأشكالهم. وقوله : (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها)(٢) أي الأصناف. وكذا (أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى)(٣)(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ)(٤) أي يصنّفهم فيجعلهم أصنافا.
قوله : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ)(٥) تنبيه على أنّ الأشياء كلّها مركبة من جوهر وعرض ومادة وصورة. وألّا شيء من تركيب يقتضي كونه مصنوعا ، وأنّه لا بدّ له من صانع تنبيها (٦) أنه تعالى هو الفرد ، ونبّه به أيضا أنّ كلّ ما في العالم زوج من حيث أنّ له ضدّا ما ومثلا ما وتركيبا ما ، بل لا ينفكّ بوجه من تركيب ، فإنما ذكرنا هنا زوجين تنبيها أنه وإن لم يكن له ضدّ ولا مثل فإنه لا ينفكّ من تركيب صورة ومادة ، وذلك زوجان.
قوله : (وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً)(٧) أي فرقا متفاوتين ، وقد فسّرهم بقوله : (فَأَصْحابُ)(٨) ... الآية.
قوله : (أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ) أي أنواعا متشابهة أو أصنافا متفاوتة كما تقدم. قوله : (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ)(٩) أي قرنت الأرواح بالأجساد ، وقيل : قرنت بأعمالها كقوله : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ)(١٠) الآية. وقيل : قرنت كلّ شيعة بما شايعته ، أي تابعته ، إما في الجنة وإما في النار ، والكلّ صحيح. وكلّ ما قرن
__________________
(١) ٢٢ الصافات : ٣٧.
(٢) ٣٦ يس : ٣٦.
(٣) ٥٣ طه : ٢٠.
(٤) ٥٠ الشورى : ٤٢.
(٥) ٤٩ الذاريات : ٥١.
(٦) في الأصل : منبهة.
(٧) ٧ الواقعة : ٥٦.
(٨) من الآيات بعدها.
(٩) ٧ التكوير : ٨١.
(١٠) ٣٠ آل عمران : ٣.
بشيء فهو زوج وهما زوجان. وفي الحديث : «من أنفق زوجين في سبيل الله. قيل : وما زوجان؟ قال : فرسان أو عبدان أو بعيران من إبله» (١).
ز و د :
قوله تعالى : (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى)(٢). الزاد هو القوت المدّخر الزائد على كفاية الوقت. والتزوّد : أخذ الزاد. وقوله : (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) من باب المقابلة نحو : [من الكامل]
قالوا : اقترح شيئا نجد لك طبخة |
|
قلت : اطبخوا لي جبّة وقميصا |
ومثله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ)(٣).
والمزود : ما يجعل فيه الزاد. والمزادة : ما يجعل فيه الماء.
ز و ر :
قوله تعالى : (تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ)(٤) أي تميل ، وقرئ : تزّاور وتزورّ وفي الحرف قراءات (٥). قال أبو الحسن : لا معنى لتزورّ ههنا لأنّ الازورار الانقباض. يقال : تزاور عنه ، وازورّ عنه. يقال : رجل أزور ، وقوم زوّر. وقيل للكذب زور لميله عن وجه الصواب ؛ قال تعالى : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)(٦). وسمّي الصنم زورا لأنه ميل به عن الحقّ.
والزّور : الصدر ، وزرت فلانا أصله لقيته بزوري ، كما تقول بصدري ، أو قصدت زوره نحو وجهته. ورجل زائر ورجال زور ، نحو مسافر وسفر. ويقال : رجل زور. فيكون مصدرا وصف به ، نحو عدل وضيف.
__________________
(١) النهاية : ٢ ٣١٧.
(٢) ١٩٧ البقرة : ٢.
(٣) ٥٤ آل عمران : ٣.
(٤) ١٧ الكهف : ١٨.
(٥) قرأها بتشديد الراء الجحدريّ وأبو أيوب السختياني. وأجاز أبو معاذ قراءة «تزوئرّ» (مختصر الشواذ : ٧٨).
(٦) ٣٠ الحج : ٢٢.
والزّور أيضا : ميل في الزّور. والأزور : المائل الزّور. وقوله : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)(١) أي لا يقولون غير الحقّ. وقيل : قول الشّرك ، والآية أعمّ. وقيل : لا يشهدون أعياد الكفرة كما نرى كثير من الجهلة يكثّرون سواد اليهود والنصارى في أعيادهم ، وينفقون نفقات (فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً)(٢).
قوله : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ)(٣) أي جاءكم الموت. وقال الشاعر ؛ هو ساعدة بن جؤيّة (٤) : [من الوافر]
إذا ما زار مجنأة عليها |
|
ثقال الصّخر والخشب القطيل |
المجنأة : القبر. وكثر استعمال الزيارة كناية عن الموت ، قال الشاعر : [من الطويل]
فما برحت أقدامنا في مكاننا |
|
ثلاثثتنا حتى أزيروا المنائيا |
وقد يعبّر بالتزوير عن الإصلاح ؛ قال عمر : «كنت زوّرت في نفسي مقالة أقوم بها بين يدي أبي بكر» (٥). ومن كلام الحجاج : «رحم الله امرءا زوّر نفسه» (٦) أي قوّمها. وكلّ ما كان صلاحا لشيء فهو زيّار له وزوّار ، ومنه زيار الدابة.
وقوله عليه الصلاة والسّلام : «المتشبّع بما لا يملك كلابس ثوبي زور» (٧) وفيه تفسيران : أحدهما أنه الذي يلبس ثياب الزهّاد ويري أنه زاهد ، والثاني أنه يصل بكمّي قميصه كمين آخرين ليرى أنّه لابس قميصين فهو ساخر من نفسه.
__________________
(١) ٧٢ الفرقان : ٢٥.
(٢) ٣٦ الأنفال : ٨.
(٣) ١ و ٢ التكاثر : ١٠٢.
(٤) البيت لساعدة بن جؤية الهذلي ، وكان أبو ذؤيب راويته. من قصيدة في وصف ضبع (أنظر ديوان الهذليين : ١ ٢١١). القطيل : المقطوع.
(٥) النهاية : ٢ ٣١٨.
(٦) النهاية : ٢ ٣١٨.
(٧) النهاية : ٢ ٣١٨ ، وفيه «.. بما لم يعط ..».
ز و ل :
قوله تعالى : (فَأَزَلَّهُمَا)(١) أي نحّاهما ، يقال : زال يزول زولا إذا فارق وطنه. يقال : أزلته وزوّلته ، والزّوال : يقال في شيء قد كان ثابتا. وقولهم : زوال الشمس وإن لم يكن لها ثبات بوجه لاعتقادهم في الظّهيرة أنّ لها ثباتا في كبد السماء ، ولهذا قيل : قام قائم الظهيرة. والزائلة : كلّ ما لا يستقرّ ، قال الشاعر (٢) : [من الطويل]
وكنت امرءا أرمي الزّوائل مرة |
|
فأصبحت قد ودّعت رمي الزّوائل |
عنى بذلك أنه كان في شبيبته يختل النساء ويصيبهنّ. وفي حديث قتادة : «أخذه العويل والزّويل» (٣) أي القلق ، يقال : زال زوالا وزويلا.
ز و ي :
قوله تعالى : (وَرِءْياً)(٤) قرأ ابن عباس وغيره «أحسن أثاثا وزيّا» بالزاي والياء المشدّدة (٥). والزّيّ : هو البزّة الحسنة والأدوات (٦) المجتمعة ، مأخوذ من زوى كذا يزويه أي جمعه ، لأنّ صاحب الزيّ يجمع ما يزينه. قال الشاعر (٧) :
ما زوى الله عنكم يرعى |
|
فقال لا عاري وسؤدد |
وفي الحديث : «زويت لي الأرض» (٨) أي جمعت. وقال عمر لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : «عجبت لما زوى الله عنك من الدنيا» (٩) أي جمع. وأصل زيا زويا فأدغم كنظائر ذكرناها.
__________________
(١) ٣٦ البقرة : ٢. والصواب موضعها في «زلّ» وليس هنا.
(٢) البيت من شواهد اللسان مع بيت آخر ـ مادة زول. وفي الأصل : أودعت.
(٣) كذا في اللسان ـ مادة زول. وفي الأصل : والرذائل ، وهو وهم.
(٤) ٧٤ مريم : ١٩.
(٥) وكذا قرأها سعيد بن جبير. ولها قراءات آخر (انظر : مختصر الشواذ : ٨٦) وقراءة الجمهور «ورئيا».
(٦) كذا في حاشيتي النسختين مصوّبة. وفي متنيهما : والآلات.
(٧) لم يقرأ معنا البيت.
(٨) النهاية : ٢ ٣٢٠.
(٩) النهاية : ٢ ٣٢٠.
فصل الزاي والياء
ز ي ت :
قوله تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)(١). الزيتون : اسم جنس واحده زيتونة ، كقمح وقمحة ، والزيت عصارته ، يقال : زات طعامه ورأسه ، أي مسّهما بالزيت. قوله : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) قيل : اقسم الله بهذين الجنسين ، وقيل : بجبليهما اللذين ينبتان فيهما : طورزيتا وطور سينا. وازدات فلان : أي ادّهن بالزيت.
وقولهم : أرض زتنة : أي كثيرة الزيتون ؛ يدلّ على أنّ نونه أصلية وياءه زائدة لكنّهم بوّبوا عليه في مادة ز ي ت كما تقدّم.
ز ي د :
قوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)(٢). الزيادة : ضمّ شيء إلى ما عليه الشيء في نفسه ، والمراد بزيادة الهدى زيادة أسبابه المقتضية لتقويته. وزاد يتعدّى لواحد ولاثنين ، نحو : «فزادهم الله مرضا» (٣) وقد يكون لازما نحو : زاد المال ومثله نقص. وزدته فازداد ، والأصل ازتيد ، فقلب وأعلّ.
قوله : (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ)(٤) كان قبل المطاوعة متعدّيا لاثنين فنقص بالمطاوعة واحدا إذ الأصل : زادنا كيل بعير فازداد (٥). وقال الراغب : (وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ) نحو ازددت فضلا ، أي ازداد فضلي ، فهو من باب (سَفِهَ نَفْسَهُ)(٦). أي أنه مسند في المعنى للمنصوب ، إذ
__________________
(١) ١ التين : ٩٥.
(٢) ٧٦ مريم : ١٩.
(٣) ١٠ البقرة : ٢.
(٤) ٦٥ يوسف : ١٢.
(٥) وفي الأصل : فيزاده. وكلام الراغب بعده من المفردات : ٢١٦.
(٦) ١٣٠ البقرة : ٢.
الأصل : ازداد كيل بعير ، وسفهت نفسه ، وهذا تفسير معنى الإعراب. والزيادة قد تكون مذمومة كالزيادة على الكفاية إذا كانت مطغية.
وقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ)(١). هذه الزيادة كما صحّ في الأحاديث : النظر إلى وجه الله الكريم ، قال الراغب (٢) : روي من طرق مختلفة أنّ هذه الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم إشارة إلى إنعام وأحوال لا يمكن تصوّرها في الدنيا. قلت : قوله : إشارة إلى آخره ؛ كالتأويل للأحاديث وليس كما قال بل هو على حقيقته نظرا يليق بجلاله الكريم لا كالمعهود في الدنيا.
قوله : (وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ)(٣) أي زاده وأعطاه من العلم والجسم قدرا زائدا على ما أعطى أهل زمانه. قوله : (وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ)(٤) يجوز أن يكون استدعاء للزيادة ، ويجوز أن يكون تنبيها أنها قد امتلأت ، وحصل فيها ما ذكر تعالى في قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(٥). ويقال : شر زائد وزيد ، كأنه وصف بالمصدر ، قال الشاعر (٦) : [من البسيط]
وأنتم معشر زيد على مئة |
|
فأجمعوا كيدكم كلّا فكيدوني |
قال الراغب في هذه المادة (٧) : والزّاد : المدّخر الزائد على ما يحتاج إليه في الوقت. والتزوّد : أخذ الزاد. وهذا منه بناء على ما يفعله أهل اللغة من ذكرهم الاشتقاق الأكبر ، وإلا فهذه من مادة ذوات الواو ، وقد ذكرناها في بابها ولله الحمد.
__________________
(١) ٢٦ يونس : ١٠.
(٢) الاثنتان من المفردات : ٢١٦.
(٣) ٢٤٧ البقرة : ٢.
(٤) ٣٠ ق : ٥٠.
(٥) ١١٩ هود : ١١.
(٦) البيت لذي الأصبع العدواني كما في اللسان ـ مادة زيد ، وفي المفردات : ٢١٧. وطابقت رواية البيت لما في الراغب ، في حين أن العجز في اللسان وفي الجمهرة (٢ ٢٦١) :
فأجمعوا أمركم طرّا فكيدوني
(٧) المفردات : ٢١٧.
ز ي غ :
قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا)(١) أي لا تملها عن الحقّ. والزّيغ : الميل عن الاستقامة ، والتّزاوغ : التّمايل ، كذا في الشائع ، والقياس التزايغ ـ بالياء ـ ورجل زائغ ، ورجال زائغون ، وزاغة أيضا.
وقوله تعالى : (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ)(٢) كناية عن شدة الخوف ، وذلك أنّ الخائف لا يستقرّ له بصر. وقيل : إشارة إلى ما يداخلهم من الخوف حتى أظلمت أبصارهم. وقيل : إشارة إلى معنى قوله : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ)(٣). ومثله في جانب النفي : (ما زاغَ الْبَصَرُ)(٤) أي لم ير إلا ما هو حقّ في نفسه. قوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ)(٥) أي لما تعاطوا أسباب الضّلال تركهم في ظلماتهم.
ز ي ل :
قوله تعالى : (لَوْ تَزَيَّلُوا)(٦) أي لو تميّزوا ، من قولهم : زلته أزيله أي ميّزته. ومثله : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ)(٧) أي ميّزنا بين أهل الأديان وشركائهم وفصّلناهم.
وزايلت فلانا أي فارقته. وجعله القتيبيّ من زال يزول ، غلّطه الهرويّ. والمصدر الزّيل والزّيال والتّزيّل. وقولهم : ما زال زيد يفعل كذا أي أنّه متّصف بذلك لم تفارقه هذه الصفة ، وكذا أخواتها نحو ما انفكّ وما فتئ وما برح. ومن ثمّ كان نفيها إثباتا ، ولذلك لم يدخل إلا في خبرها. فأمّا قوله (٨) : [من الطويل]
__________________
(١) ٨ آل عمران : ٣.
(٢) ١٠ الأحزاب : ٣٣.
(٣) ١٣ آل عمران : ٣.
(٤) ١٧ النجم : ٥٣.
(٥) ٥ الصف : ٦١.
(٦) ٢٥ الفتح : ٤٨.
(٧) ٢٨ يونس : ١٠.
(٨) البيت لذي الرمّة : ٣ ١٤١٩.
حراجيج لم تنفكّ إلا مناخة |
|
على الخسف أو نرمي بها بلدا قفرا |
فمؤول على أنّها التامة ، ولنا فيها كلام أطول من هذا. قال الراغب (١) : ولا يصحّ أن يقال : ما زال زيد إلا عالما ، كما يقال : ما كان زيد إلا منطلقا ، وذلك لأنّ زال يقتضي معنى النفي إذ هو ضدّ الإثبات ، وما ولا يقتضيان النفي ، والنّفيان إذا اجتمعا اقتضيا الإثبات ، وصار قولهم : ما زال يجري مجرى كان في كونه إثباتا ، فكما لا يقال : كان زيد إلا قائما لا يقال : ما زال زيد إلا قائما.
ويقال : زاله يزيله زيلا أي مازه ، ومنهم من قال : إنّ زيل قاصر فإذا أريد تعديته ضعّف كقوله : (فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ). ومن ثمّ اختلف في نصب زوالها من قوله : «زال زوالها» (٢). فمن اعتقد تعديته نصبه على المفعول ، ومن اعتقد قصوره نصبه على المصدر.
ز ي ن :
قوله تعالى : (خُذُوا زِينَتَكُمْ)(٣) الزينة هنا ما يواري العورة ، وذلك أنّ الحمس ، وهم قريش ، كانوا يطوفون عراة ويقولون : لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها. فأمروا بستر العورة. وقيل : هي أخذ ما يتزّين به من ثياب وغيرها. وقال مجاهد : ما وارى عورتك ولو عباءة.
والزينة في الحقيقة : ما لا يشين الإنسان في شيء من أحواله ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأمّا ما يزينه في حالة دون حالة فهو من وجه شين. والزينة بالقول المجمل ثلاث (٤) : زينة نفسية كالعلم والاعتقادات الحسنة ، وزينة بدنية كالقوة وطول القامة ، وزينة خارجية كالمال والجاه. فقوله : (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ)(٥) هو من الزينة النفسيّة. وقوله :
__________________
(١) المفردات : ٢١٨.
(٢) من قول الشاعر الأعشى (الديوان : ٢٧) :
هذا النهار بدا لها من همّها |
|
ما بالها بالليل زال زوالها؟ |
ويقول ابن منظور : قيل : معناه زال الخيال زوالها (مادة ـ زيل).
(٣) ٣١ الأعراف : ٧.
(٤) وفي الأصل : ثلاثة.
(٥) ٧ الحجرات : ٤٩.
(مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ)(١) أراد الزينة الخارجية. وقيل : هي الكرم المذكور في قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(٢). وعليه قول الآخر (٣) : [من الرجز]
وزينة الإنسان حسن الأدب
وقوله : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ)(٤) يريد الزينة الدّنيوية من المال والقوة والجاه.
وقد نسب الله تعالى التزيين تارة إلى ذاته المقدسة سواء كان ذلك المزين هدى أم غيره ، قال تعالى : (وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) وقال تعالى : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ)(٥). ولنا فيه كلام مستوفى في «التفسير الكبير» مع المعتزلة. وتارة إلى الشيطان ، قال تعالى : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ)(٦) وتارة إلى العازم من الإنس ، قال تعالى : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ)(٧) في قراءة من قرأه كذلك. وتارة لم يسمّ فاعلها كقوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ)(٨) وقوله : (وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ) في قراءة من قرأه كذلك (٩).
وقوله : (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ)(١٠) ، وقوله : (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ)(١١) فيه إشارة بأنّ أحدها إلى الزينة التي يدركها الخاصّ والعامّ بحاسّة البصر ، وذلك من خلقها على هذه الأشكال البديعة والهيئات المختلفة. والثانية إلى الزينة التي يختصّ بمعرفتها الخاصّة دون غيرهم من إحكامها وإتقانها وتسييرها في منازل لا يتعدّى كلّ ما قدّر له : (لَا الشَّمْسُ
__________________
(١) ٣٢ الأعراف : ٧.
(٢) ١٣ الحجرات : ٤٩.
(٣) ورد الشطر في المفردات : ٢١٨.
(٤) ٧٩ القصص : ٢٨.
(٥) ٤ النمل : ٢٧.
(٦) ٣٨ العنكبوت : ٢٩ ، وغيرها.
(٧) ١٣٧ الأنعام : ٦.
(٨) ١٤ آل عمران : ٣.
(٩) قرأها علي (رضي) بضم الزاي ، كما قال ابن خالويه في مختصر الشواد : ٤٠. ويقول الفراء (معاني القرآن : ١ ٣٥٧) : وكان بعضهم يقرأ : «وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم» فيرفع القتل إذا لم يسمّ فاعله ويرفع الشركاء بفعل ينويه. وانظر فيه تفصيلا آخر.
(١٠) ١٢ فصلت : ٤١.
(١١) ٦ الصافات : ٣٧.