الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]
المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
وقال النابغة الذبيانيّ (١) : [من الطويل]
لئن كنت قد بلّغت عني رسالة |
|
لمبلغك الواشي أغشّ وأكذب |
ولكنّني كنت امرءا لي جانب |
|
من الأرض فيه مستراد ومذهب |
مستراد ، مستفعل ، من الرّود ، وفي الحديث : «إذا بال أحدكم ، فليرتد لبوله» (٢) أي يطلب مكانا ليّنا (٣). وقيل : وأصل الحرف من رادت الريح ترود رودانا : إذا تحرّكت حركة خفيفة ، وقال الراغب (٤) : الرّود : التّردّد في طلب الشيء برفق ، وباعتبار الرفق قيل : رادت المرأة في طلب شيء. والإرادة في الأصل [قوة](٥) مركبة من شهوة أو حاجة وأمل ، وجعلت اسما لنزوع النفس إلى الشيء مع الحكم فيه بأنه (٦) ينبغي أن يفعل أو لا يفعل. فإذا استعمل في الله تعالى فإنه يراد به المنتهى دون المبتدأ ، فإنّه يتعالى عن معنى النزوع ؛ فإذا قيل : أراد الله كذا ، فمعناه حكم الله أنه كذا أو ليس كذا. وقد تذكر الإرادة ويراد بها معنى الأمر ، كقولك : أريد منك كذا ، أي آمرك ، نحو : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ)(٧). وقد تذكر (٨) ويراد بها القصد ، كقوله : (لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً)(٩) أي لا يقصدونه ولا يطلبونه. والمراودة : أن تنازع غيرك في الإرادة ، فتريد غير ما يريد ، وترود غير ما يرود ، فمعنى (تُراوِدُ فَتاها)(١٠) أي تصرفه عن رأيه. والإرادة قد تكون بحسب القوة
__________________
(١) الديوان : ٧٧ ، وصوّبنا البيت الأول منه.
(٢) النهاية : ٢ ٢٧٦.
(٣) لئلا يرجع إليه رشاش بوله.
(٤) المفردات : ٢٠٦.
(٥) إضافة منقولة من المفردات : ٢٠٦.
(٦) وفي الأصل : فإنه.
(٧) ١٨٥ البقرة : ٢.
(٨) يعني الإرادة.
(٩) ٨٣ القصص : ٢٨.
(١٠) ٣٠ يوسف : ١٢.
التّسخيريّة والحسّية ، كما تكون بحسب القوة الاختيارية ، ولذلك يستعمل في الجماد والحيوان ، كقوله تعالى : (جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ)(١). ويقال : فرسي تريد التّبن.
ر و ض :
قوله تعالى : (فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ)(٢). الروضة : مستنقع الماء ذو الخضرة والأزهار ، وتكون مرتفعة غالبا ، قال (٣) : [من البسيط]
ما روضة من رياض الحزن معشبة
وتطلق الروضة على الماء نفسه ، وأنشد (٤) : [من الرجز]
وروضة سقيت منها نضوتي
وفي الحديث : «فدعا بإناء يريض الرّهط» (٥) أي يرويهم بعض الرّيّ. والرّوض نحو من نصف قرية. واستراض الحوض : صبّ فيه من الماء ما يواري أرضه. وأراض ، وأرض : صبّ لبنا على لبن. وفي حديث ابن المسيّب : «نهى عن المراوضة» (٦) وهي بيع المواصفة (٧) ، وقال الراغب : الروض : مستنقع الماء والخضرة ، وباعتبار الماء قيل : أراض الوادي واستراض ، وأراضهم : أرواهم. والرّياضة : كثرة استعمال النّفس والبدن ليسلس ويمهر ، ومنه : رضت الدابّة. وقولهم : افعل كذا ما دامت النفس مستراضة أي قابلة
__________________
(١) ٧٧ الكهف : ١٨.
(٢) ١٥ الروم : ٣٠. يحبرون : يسرّون أو يكرمون.
(٣) صدر بيت للأعشى (الديوان : ٥٧) وعجزه :
خضراء جاد عليها مسبل هطل
(٤) الشطر من شواهد اللسان ـ مادة روض.
(٥) النهاية : ٢ ٢٧٧.
(٦) النهاية : ٢ ٢٧٧.
(٧) وهو أن تواصف الرجل بالسلعة ليست عندك. ويجيز بعض الفقهاء بيع المواصفة إذا وافقت السلعة الصفة.
للرياضة ، أو معناه متّسعة ، ويكون من الرّوض. قوله : (فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ)(١) إشارة إلى ما أعدّ لهم في العقبى بحسب الظاهر. وقيل : إشارة إلى ما أهّلهم له من العلوم والأخلاق التي من تخصّص بها طاب قلبه.
ر و ع :
قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ)(٢) هو الفزع ، وفي الحديث : «لن تراعوا» (٣) وأصله إصابة الرّوع ـ بالضم ـ. والرّوع : النفس والخلد. وفي الحديث : «إنّ روح القدس نفث في روعي» (٤) أي في خلدي ونفسي. وفيه أيضا : «إنّ في كلّ أمّة مروّعين ومحدّثين» (٥) المروّع : الملقى في نفسه الصواب ، فاستعمل الرّوع فيما ألقي فيه من الفزع. رعته ، وروّعته ، وريع فلان ، فهو مروّع ، وناقة روعاء. والأروع : الذي يروع بحسنه كأنه يفزع غيره ، قال (٦) : [من الطويل]
يروعك أن تلقاه في الصدر محفلا
وارتاع فلان : افتعال من الرّوع. وكتب معاوية لابنه يزيد : «ليفرخ روعك أبا المغيرة» (٧) أي ليسكن ، ويروى بضمّ راء روعك وهو موضع الرّوع : أي ليخرج الروع من قلبك ، أفرخت البيضة : خرج فرخها ، تفرّد بذلك أبو الهيثم.
ويقال : رائع ، وأرواع ، كناصر ، وأنصار ، وقال رؤبة : [من الرجز]
__________________
(١) ٢٢ الشورى : ٤٢.
(٢) ٧٤ هود : ١١.
(٣) النهاية : ٢ ٢٧٧.
(٤) النهاية : ٢ ٢٧٧.
(٥) النهاية : ٢ ٢٧٧ ، وفيه : «محدثين ومروعين».
(٦) الشاهد في المفردات : ٢٠٨ ، وفيه : يهولك.
(٧) الصواب أنه كتب به إلى زياد ، وذلك أنه كان على البصرة ، وكان المغيرة بن شعبة على الكوفة فتوفي بها ، فخاف زياد أن يولي معاوية عبد الله بن عامر مكانه ، فكتب إلى معاوية يخبره بوفاة المغيرة ، ويشير عليه بتولية الضحاك بن قيس مكانه ، ففطن له معاوية وكتب إليه. قد فهمت كتابك فأفرخ روعك أبا المغيرة ..» (اللسان ـ روع).
راعك والشيب قناع الموت
أي أفزعك.
ر و غ :
قوله تعالى : (فَراغَ إِلى أَهْلِهِ)(١) أي مال. يقال : راغ يروغ. أي مال من حيث لا يعلم به ، ومنه روغان الثّعلب. وقريب منه قول الفرّاء : رجع إليهم في إخفاء [منه](٢). ولا يقال ذلك إلا لمن يخفيه. وقيل : هو الميل على سبيل الاحتيال ، ومنه راغ الثعلب روغانا. وطريق رائغ : غير مستقيم ، كأنّه يروغ بسالكه ، وراغ فلان إلى فلان : مال إليه ليحتال عليه. قوله تعالى : (فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ)(٣) أي أحال ، وحقيقته طلب بضرب من الرّوغان ، ونبّه بقوله على معنى الاستعلاء (٤).
ر و م :
قوله تعالى : (الم ، غُلِبَتِ الرُّومُ)(٥) : جيل معروف ، وهو اسم جنس ، وتفرّق بينه وبين صاحبه ياء النسبة نحو رومي في الواحد ، وروم في الجمع ؛ قال تعالى : (غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ)(٦). وهذا خارج عن القياس ، فإنّ الفارق بين الواحد والجمع في أسماء الأجناس إنما هو تاء التّأنيث. وقال الراغب (٧) : الروم تارة يقال للجيل المعروف ، وتارة لجمع روميّ كالعجم. فجعله مشتركا بين المعنيين.
والرّوم : الإشارة ، ومنه : روم الحركة في الوقف (٨). والرّوم : التطلّع إلى الشيء وطلبه ، ومنه : رام فلان كذا : أي طلبه ، وله أقسام ذكرناها في «العقد النضيد من شرح
__________________
(١) ٢٦ الذاريات : ٥١.
(٢) إضافة من اللسان ـ مادة روغ.
(٣) ٩٣ الصافات : ٣٧.
(٤) وفي المفردات : ٢٠٨ : الاستيلاء.
(٥) ١ و ٢ الروم : ٣٠.
(٦) ٢ و ٣ الروم : ٣٠.
(٧) المفردات : ٢٠٨.
(٨) وفي اللسان : .. الوقف على المرفوع والمجرور.
القصيد في القراءات». والرّوم ـ أيضا ـ شحمة الأذن ، وقد فسّر به الأزهريّ قول بعض التابعين لمن أوصاه في طهارته : «تتّبع المغفلة والمنشلة والرّوم» (١).
وأمّا رام يريم بمعنى برح فمادة أخرى. ومعنى آخر لم يرد في القرآن الكريم ؛ يقال : ما رام يفعل كذا ، أي ما برح. وفي الحديث : «لا ترم من منزلك غدا أنت وبنوك» (٢).
ر و ي :
قوله تعالى : (وَرِءْياً)(٣) من قرأه بتشديد الياء احتمل أصله الهمز (٤) ، وأن يكون من روي بكذا ، يروى به (٥) ، يقال : روي الزرع بالماء ، يروى به ريّا ، والمعنى : أحسن منظرا من الارتواء من النعمة. يقال : ماء رواء. قال (٦) : [من الرجز]
ماء رواء ونصيّ حوليه
والرّواء أيضا : حبل يقرن به البعيران. وقال الأزهريّ : الرّواء : ما يروى به البعير ، فأما ما يقرن به البعيران فقرن وقران. وسمّى عليه الصلاة والسّلام السّحاب «روايا البلاد» (٧) الواحدة رواية ، ووزن روايا فواعل كضوارب. ويقال : رويت على البعير أروي ريّا إذا استقيت عليه ورويت من الماء أروي ريا بالفتح في الأول والكسر في الثاني. والأصل فيهما رويا ورويا. والتصريف مذكور في غير هذا. قال الشاعر : [من البسيط]
قالت رواياه : قد حان النزول وقد |
|
نادى مناد بأنّ الجند قد نزلا |
الجند هنا (٨) السحاب.
__________________
(١) ويروى الحديث لأبي بكر أو لأحد التابعين كما في النهاية : ٢ ٢٧٩.
(٢) النهاية : ٢ ٢٩٠ ، والحديث للعباس ، والمعنى : لا تبرح.
(٣) ٧٤ مريم : ١٩. الرئي : المنظر.
(٤) أهل المدينة يقرؤونها بغير همز (وريّا) وهو وجه جيد. وقد ذكر عن بعضهم أنه ذهب بالري إلى رويت. وقد قرأ بعضهم (وزيّا) بالزاي. والزّي : الهيئة والمنظر (معاني القرآن للفراء : ٢ ١٧١). وذكر ابن خالويه أن الذي قرأها بالزاي سعيد بن جبير ، وأن طلحة قرأها بالقصر والتخفيف ، وحكى البزّي قراءة «رياء» بالمد (مختصر الشواذ : ٨٦).
(٥) أي رويت أبدانهم وأجسامهم من التنعم والرفاهية.
(٦) قاله الزفيان السعدي من قطعة. انظر اللسان ـ مادة روي.
(٧) النهاية : ٢ ٢٧٩ ، وفيه : «سمى السحاب روايا البلاد».
(٨) وفي الأصل : هذا.
ورويت الشعر والحديث أرويه رواية ورويا. وفي حديث عبد الله : «شرّ الرّوايا روايا الكذب» (١) قيل : هو جمع راوية. وقيل : جمع رويّة ، وهو ما يتروّى فيه الإنسان أمام العمل. والرويّة : الفكر. ورويّ القصيدة : الحرف الذي تنسب إليه.
فصل الراء والياء
ر ي ب :
قوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ)(٢) قيل : لا شكّ فيه. قال الزمخشريّ : الرّيب : مصدر رابني ، إذا حصل شكّ. الرّيبة : قلق النفس واضطرابها ، ومنه : «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» (٣) ، فإنّ الشكّ ريبة ، وإنّ الصّدق طمأنينة ، فإنّ كون الأمر مشكوكا فيه مما تقلق له النفوس ولا تستقرّه ، وكونه صحيحا صادقا مما تطمئنّ له وتستكنّ. ومنه ريب الزّمان ، وهو مما تقلق له النفوس وتشخص القلوب في نوائبه. والراغب (٤) قد عاب على من فسّر الرّيب بالشكّ ، فقال في خطبة كتابه بعد كلام طويل : «فيعدّه من لا يحقّ الحقّ ويبطل الباطل أنه باب واحد ـ أي نوع ـ فيقدّر أنّه إذا فسّر الحمد لله بقوله : الشكر لله ، ولا ريب فيه بلا شكّ فيه ، فقد فسّر القرآن». ثم قال في مادّة الرّيب (٥) : «يقال : رابني ... فالرّيب أن تتوهّم بالشيء أمرا [ما](٦) فينكشف عما تتوهّمه» ، ولهذا قال تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) وإلا رأى أن يتوهّم فيه أمرا فلا ينكشف عمّا يتوهّمه. وقال الهرويّ : رابني : شكّكني وأوهمني الرّيبة ، فإذا استيقنته قلت : أربني ـ بغير ألف ـ وأنشد للمتلمّس (٧) : [من الطويل]
أخوك الذي إن ربته قال : إنّما |
|
أربت وإن عاتبته لان جانبه |
__________________
(١) النهاية : ٢ ٢٧٩.
(٢) ٩ آل عمران : ٣ ، وغيرها.
(٣) النهاية : ٢ ٢٨٦. ويروى بالفتح والضم.
(٤) المفردات : ٦.
(٥) المفردات : ٢٠٥.
(٦) الإضافة من المفردات.
(٧) البيت لبشار كما في الديوان : ١ ٣٠٨ من بائيته المشهورة. وابن منظور يعزوه لأحدهما. ويروى البيت بضم «أربت» وفتحها.
أي : إن أهنته بحادث قال : أربت إن أوهمت ولم تحقّق. وقال الفراء : هما بمعنى (١).
وقوله : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)(٢) سمّاه ريبا لا لكونه مشكوكا في كونه ، بل من حيث تشكّك في وقت حصوله ، فالإنسان أبدا في ريب المنون من جهة وقته لا من جهة كونه ، وعلى هذا قول الشاعر : [من البسيط]
الناس قد علموا أن لا بقاء لهم |
|
لو أنّهم عملوا مقدار ما علموا (٣) |
والارتياب يجري مجرى الأرابة ، ونفي عن المؤمنين الارتياب في قوله : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ)(٤). وريب الدّهر : صروفه ، وإنما قيل له ريب لما يتوهّم فيه من المكروه. والرّيب : التّهمة المجرّدة ، ومنه قول جميل (٥) : [من الطويل]
بثينة قالت : يا جميل أربتني |
|
فقلت : كلانا يا بثين مريب |
والريب : الحاجة ، ومنه قول الشاعر (٦) : [من الوافر]
قضينا من تهامة كلّ ريب |
|
وخيبر ثم أجممنا السّيوفا |
والريب : الشكّ المجرّد ، ومنه قول ابن الزّبعرى : [من الخفيف]
ليس في الحق يا أميمة ريب |
|
إنما الريب ما يقول الكذوب |
وفي وصيّة الصدّيق للفاروق رضي الله عنهما : «عليك بالنوائب في الأمور وإياك والرائب منهما» (٧) قال المبرد : هذا مثل. ويقال : راب اللبن إذا صفا وإذا كدّر فهو من الأضداد.
__________________
(١) يعني : رابني وأرابني.
(٢) ٣٠ الطور : ٥٢.
(٣) من شواهد الراغب ، المفردات : ٢٠٥. وفيه : علموا مقدار ما علموا.
(٤) ٣١ المدثر : ٧٤.
(٥) الديوان : ١٤ ، وصوّبنا الرواية والنقص منه.
(٦) البيت لكعب بن مالك الأنصاري كما في اللسان ـ مادة ريب.
(٧) النهاية : ٢ ٢٨٦.
ر ي د :
لم ترد هذه المادة في القرآن ، وقد زعم الهرويّ أنّ الإرادة من هذه المادة. قوله تعالى : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ)(١) الإرادة للمميّزين ، والمعنى أنّه متهيئ للسّقوط ، وأنشد (٢) : [من الوافر]
يريد الرّمح صدر أبي براء |
|
ويعدل عن دماء بني عقيل |
وقال الرّاعي (٣) : [من الكامل]
في مهمه قلقت به هاماتها |
|
قلق الفؤوس إذا أردن نضولا |
وفي ما قاله نظر لأنّ مادة الإرادة من ذوات الواو لا الياء كما تقدّم في بابه.
ر ي ش :
قوله تعالى : (وَرِيشاً)(٤) استعارة من ريش الطائر ، ومنه : أعطاه إبلا بريشها أي بما عليها من الثياب والآلات ؛ وذلك أنّ ريش الطائر زينة له بمنزلة ثياب الآدميين ، وقد يخصّ بالجناح لأنه أعظم منافعه.
ورشت السّهم أريشه ريشا. فهو مريش : جعلت فيه الريش ، وعبّر به عن الإصلاح ، وعليه قوله (٥) : [من الطويل]
فرشني بخير طالما قد بريتني |
|
فخير الموالي من يريش ولا يبري |
وقرئ : «ورياشا» (٦) فقيل : لغة فيه ، وقيل : الرياش : المال والمعاش ، وقيل : الأكل
__________________
(١) ٧٧ الكهف : ١٨.
(٢) من شواهد ابن منظور ـ رود ، من غير عزو.
(٣) اللسان ـ مادة رود. وفي الأصل : في نفنف.
(٤) ٢٦ الأعراف : ٧.
(٥) قاله عمير بن حبّاب ـ اللسان مادة ريش ، وفي القاموس لسويد الأنصاري.
(٦) نسبها أبو عبيد إلى الحسن. وفي القرطبي نسبتها إلى عاصم من رواية المفضل الضبي ، وإلى أبي عمرو من رواية الحسين الجعفي (ج ٢ ، معاني القرآن للفراء : ١ ٣٧٥). ويقول الفراء : فإن شئت جعلت رياشا جميعا واحده الريش ، وإن شئت جعلت الرياش مصدرا في معنى الريش ، كما يقال : لبس ولباس.
والشرب والمال المستفاد ، وفي الحديث : «فأخبرني عن الناس. فقال : هم كسهام الجعبة ، منها الصائب الرائش ، ومنها العطل الطائش» (١).
ر ي ع :
قوله تعالى : (بِكُلِّ رِيعٍ)(٢) الرّيع : كلّ طريق مشرف ، قاله ابن عرفة ، وأنشد للمسيّب بن علس (٣) : [من الكامل]
في الآل يرفعها ويخفضها |
|
ريع يلوح كأنّه سحل |
وقيل : كلّ مكان مرتفع يبدو من بعيد ، الواحدة ريعة ، وللارتفاع ، قيل : ريع البئر للجثوة المرتفعة حواليها. وريعان كلّ شيء : أوائله التي يبدو منها. وقيل : للزيادة الحاصلة من غلّة ونحوها : ريع.
ر ي ن :
قوله تعالى : (بَلْ رانَ)(٤) الرّان : صدأ يعلو الشيء ، والمعنى : صار ذلك كصدإ يعلو قلوبهم ، فعمي عليهم معرفة الخير من الشرّ. وقد رين على قلبه. وقيل : معناه غلب عليها فغطّاها.
ران ، يرين رينا ورينا. وران : غلبه النّعاس. وران به : أي غلبه ، وأنشد لعلقمة (٥) : [من البسيط]
أوردته القوم إذ ران النّعاس بهم |
|
فقلت إذ نهلوا من مائه : قيلوا |
ورين عليه وريم بمعنى واحد.
__________________
(١) النهاية : ٢ ٢٨٩ ، والحديث لعمر يخاطب جرير بن عبد الله.
(٢) ١٢٨ الشعراء : ٢٦.
(٣) اللسان ، مادة ـ ريع فيه : يخفضها ويرفعها.
(٤) ١٤ المطففين : ٨٣.
(٥) غير مذكور في ديوانه.
باب الزاي
فصل الزاي والباء
ز ب د :
قوله تعالى : (زَبَداً رابِياً)(١). زبد الماء : ما يطفو عليه من تراكم أمواجه ، وقد أزبد الماء يزبد أي صار ذا زبد ، والزّبد معلوم ، وهو شبه ما يطفو على الماء. وزبدته زبدا : أعطيته مالا كثيرا مثل الزّبد ، وأطعمته الزّبد. قال المبرّد : زبده ، يزبده ـ بكسر العين ـ أعطاه مالا كثيرا ، ويزبده بضمّها : أطعمه الزّبد ، وفي الحديث : «إنا لا نقبل زبد المشركين» (٢) بسكون العين ، أي رفدهم. والزّباد : نور يشبه الزّبد في بياضه.
ز ب ر :
قوله تعالى : (بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ)(٣) الزبر : الكتب ، الواحد زبور ، نحو : عمود وعمد. يقال : زبرت الكتاب : كتبته كتابة غليظة ، وكلّ كتاب غلظت كتابته فهو زبور. وقرئ قوله تعالى : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً)(٤) بضمّ الزاي وفتحها (٥) ؛ فقيل : هما بمعنى واحد ، وقيل : المضموم جمع زبر ، والزبر مصدر سمي به المزبور ، كالكتاب مصدر في الأصل سمي به المكتوب. وقيل : الزّبور اسم لكلّ كتاب ليس فيه أحكام ، ولذلك سمي ما نزل على داود زبورا إذ لم يكن فيه أحكام ، بل أمثال وعظات. وقيل : هو اسم لما يتضمّن من الحكم العقلية دون الأحكام الشرعية ، بخلاف الكتاب فإنه غلب على ما يتضمّن الأحكام. وقيل :
__________________
(١) ١٧ الرعد : ١٣.
(٢) النهاية : ٢ ٢٩٣.
(٣) ١٨٤ آل عمران : ٣.
(٤) ١٦٣ النساء : ٤ ، وغيرها.
(٥) قال الفراء : وحدثني أبو بكر قال : كان عاصم يقرأ (زبورا) بالفتح في كل القرآن. وقرأ حمزة بالضم (معاني القرآن : ٢ ١٢٥).
الزّبور كلّ ما يضعف (١) الوقوف عليه من الكتب الإلهية. وغلب على الزّبور أيضا على ما أوتيه داود.
وزبرت الكتاب ، وأزبرته ، أي أحكمته. والزّبر : العقل ، ومنه الحديث : «أنه عدّ أهل النار فقال : الضعيف الذي لا زبر له» (٢). والمزبر : القلم لأنه يزبر به ، أي يكتب ، وفي الحديث : «أتي بدواة ومزبر» (٣).
وقوله تعالى : (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)(٤). الزّبر : جمع زبرة ، وهي القطعة العظيمة ، ورجل أزبر أي عظيم الزّبرة ، وهي ما بين كتفي الأسد. وفي حديث عبد الملك «إنّه أتي بأسير أزبر» (٥) أي عظيم الصدر والكاهل ، والمؤنث زبراء. وكان للأحنف خادم يقال لها زبراء ، إذا غضبت قال : هاجت زبراء. فأرسلها مثلا.
وقوله تعالى : (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً)(٦) أي فرقا وأحزابا تشبيها بقطع الحديد في تفرّقها.
وزئبر الثّوب معروف ، وقد يقال : الزّبرة من الشّعر.
ز ب ن :
قوله تعالى : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ)(٧) هم الملائكة الذين يدفعون الكفار إلى نار جهنّم اشتقاقا من الزّبن وهو الدّفع ، ومنه ناقة تزبن الحالب (٨). والزّبون (٩) لأنه يدفع من بائع إلى مثله. وزبنته الحرب : دفعته ، قال (١٠) : [من الطويل]
__________________
(١) ولعلها : يصعب.
(٢) النهاية : ٢ ٢٩٣.
(٣) النهاية : ٢ ٢٩٣.
(٤) ٩٦ الكهف : ١٨.
(٥) وتمامه : «إنه أتي بأسير مصدّر أزبر» كما في النهاية : ٢ ٢٩٤.
(٦) ٥٣ المؤمنون : ٢٣.
(٧) ١٨ العلق : ٩٦.
(٨) أي تضرب الحالب وتدفعه.
(٩) الزبون : المشتري ، في لغة أهل البصرة.
(١٠) البيت لأوس بن حجر ، في اللسان ـ مادة رمم.
ومستعجب ممّا يرى من أناتنا |
|
ولو زبنته الحرب لم يترمرم |
والمزابنة : المدافعة ، وفي الحديث : «نهى عن المزابنة» (١) نهى عن بيع الثمر في رؤوس النخل بالثمرة ، لأن كلا من المتبايعين يزبن صاحبه عن حقّه ، أي يدفع. وفي الحديث : «لا يقبل الله صلاة الزّبّين» (٢) أي المدافع للأخبثين. وواحد الزّبانية زبنيت ، مثل عفريت (٣). وقيل : زبنيّ. وقال قتادة : هم الشّرط سمّوا بذلك لقوّتهم ، ومنه ، زبنه : دفعه بقوة وعنف.
فصل الزاي والجيم
ز ج ج :
قوله تعالى : (فِي زُجاجَةٍ)(٤). الزجاجة واحدة الزجاج ، وهو حجر شفاف يصنع من رمل وحصى وغير ذلك. والزّجّ : حديدة أسفل الرمح جمعها زجاج ، قال زهير (٥) : [من الطويل]
ومن يعص أطراف الزّجاج فإنّه |
|
يطيع العوالي ركّبت كلّ لهذم |
وزجّجت الرمح : جعلت له زجّا. وأزججته : نزعت زجّه ؛ همزته للسّلب. وزجّه : أدخله. مأخوذ من زجّ الرمح : أدخله فيه ، قال (٦) : [من مجزوء الكامل]
فزججتها بمزجّة |
|
زجّ القلوص أبي مزاده |
__________________
(١) النهاية : ٢ ٢٩٤.
(٢) النهاية : ٢ ٢٩٤.
(٣) وفي الأصل : عفيرة.
(٤) ٣٥ النور : ٢٤.
(٥) من ديوانه : ٢٧. العوالي : جمع عالية.
(٦) البيت من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل : ٣ ١٨ ، وشواهد الفراء في معاني القرآن : ١ ٣٥٨ ، وفيه «فزججتها متمكنا». أبو مزادة : رجل.
والزّجج : دقّة في الحاجب ، تشبيها بالزّجّ ؛ قال الشاعر (١) : [من الوافر]
إذا ما الغانيات برزن يوما |
|
وزجّجن الحواجب والعيونا |
وفي صفته ، عليه الصلاة والسّلام «أنه أزجّ الحواجب» (٢) قال الهرويّ : هو تقوّس مع امتداد أطرافها وسبوغ شعرها.
ز ج ر :
قوله تعالى : (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً)(٣) قيل : هم الملائكة لإنها تزجر بأمر الله ونواهيه ، وقيل : هم القراء والعلماء لأنّهم يزجرون بوعظهم ، وقيل : هم الملائكة السائقون السّحب تزجرها كالرعد عند جماعة. وأصل الزّجر النّهي ؛ يقال زجره فانزجر ، وازدجر ، والأصل ازتجر فأبدلت تاء الافتعال دالا ، وازدجر يكون لازما إذا كان مطاوعا ، كما تقدّم ، ومتعدّيا إذا كان غير ذلك. ومنه قوله تعالى : (وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ)(٤) ومن ثمّ بني للمفعول. وقيل : أصل الزّجر الطرد بصوت ، وقد يستعمل في الطرد المجرّد أو الصوت المجرّد.
قوله : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ)(٥) أي منع وطرد. وقوله : (وَازْدُجِرَ) استعمل فيه الزّجر لصياحهم بالمطرود نحو : تنحّ واغرب.
ز ج ي :
قوله تعالى : (يُزْجِي سَحاباً)(٦) أي يسوقه ويسيّره ، وكذلك (يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ)(٧).
يقال : أزجيت المتاع فزجّي ، وزجّيته أيضا ، وقيل : هو دفع الشيء لينساق. وقوله :
__________________
(١) البيت من شواهد ابن منظور ـ مادة زجج.
(٢) النهاية : ٢ ٢٩٦.
(٣) ٢ الصافات : ٣٧.
(٤) ٩ القمر : ٥٤.
(٥) ٤ القمر : ٥٤.
(٦) ٤٣ النور : ٢٤.
(٧) ٦٦ الإسراء : ١٧.
(بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ)(١) أي قليلة ، كأنّ بعض الناس يسوقها ويدفعها عنه لغيره لقلّتها ونزارتها. وكلّ شيء تافه فهو مزجى ، وحاجة مزجاة أي يسيرة ، ومنه قول الشاعر : [من البسيط]
وحاجة غير مزجاة من الحاج (٢)
أي غير يسيرة يمكن صرفها ودفعها لقلّة الاعتداد بها. قال الراغب : ومنه استعير : زجا الخراج يزجو زجاء (٣). وخراج زاج ، وفيه نظر لاختلاف المادّتين (٤).
فصل الزاي والحاء
ز ح ز ح :
قوله تعالى : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ)(٥) أي أزيل عن مقرّه ونحّي ، وقوله : (وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ)(٦) أي بمبعده ومنحّيه. يقال : ما تزحزح ، وما تحزحز ، فيجوز أن يكون مقلوبا منه ، وهو الظاهر ، لقلته. وقيل : هو من حزّه يحزّه ، أي دفعه. وقيل : من زاح يزيح (٧) ، أو من الزّوح وهو السّوق الشديد. يقال : زحزحته فتزحزح وانزاح أي تباعد ومنه ، لأنه يبعد عن الحقّ.
ز ح ف :
قوله تعالى ؛ (إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً)(٨) ، زحفا مصدر واقع موقع الحال ، إمّا
__________________
(١) ٨٨ يوسف : ١٢.
(٢) من شواهد ابن منظور ـ مادة زجا ، وشواهد الراغب ـ مادة زجا.
(٣) زجا الخراج زجاء : تيسّر جبايته (اللسان ـ مادة زجا).
(٤) أورد ابن منظور المادتين معا ، فلا اختلاف.
(٥) ١٨٥ آل عمران : ٣.
(٦) ٩٦ البقرة : ٢.
(٧) أي : إذا تأخّر.
(٨) ١٥ الأنفال : ٨.
من الفاعل ، أو من المفعول ، أي زاحفين. وأصل الزحف انبعاث مع جرّ الرّجل. قال امرؤ القيس (١) : [من المتقارب]
فزحفا أتيت على الرّكبتين |
|
فثوب نسيت وثوب أجر |
يقال : زحف الصبيّ ، وزحف البعير إذا أعيا فجرّ برسنه. يقال : زحف البعير إذا أعيا وأزحفه السير. وزحف العسكر إذا كثر فعسر (٢) انبعاثه. والزاحف : هو السهم يقع دون الغرض.
فصل الزاي والخاء (٣)
ز خ ر ف :
قوله تعالى : (وَزُخْرُفاً)(٤) ، الزخرف : الزينة ، وأصله الذهب ، ثم أطلق على كلّ ما يتزيّن به لأنه الأصل في الزينة. وقيل : الزخرف كمال حسن الشيء ، يقال : زخرفته زخرفة.
وقوله تعالى : (زُخْرُفَ الْقَوْلِ)(٥) أي ما زين به ورقش بالباطل ، وإليه نحا ابن الرومي بقوله : [من البسيط]
في زخرف القول تزيين لباطله |
|
والحقّ قد يعتريه سوء تعبير |
تقول : هذا أجاج النحل تمدحه |
|
وإن ذممت تقل : قيء الزّنابير |
__________________
(١) ورد البيت في الديوان (ص ١١٢) كذا :
فلما دنوت تسدّيتها |
|
فثوبا نسيت وثوبا أجر |
ولم يرد الصدر في القصيدة كما جاء في الأصل.
(٢) الجملة من المفردات : ٢١٢ ، وفيه : فيعثر انبعاثه.
(٣) إضافة المحقق.
(٤) ٣٥ الزخرف : ٤٣.
(٥) ١١٢ الأنعام : ٦.
وفي الحديث أنه عليه الصلاة والسّلام : «لم يدخل الكعبة حتى أمر بالزّخرف فأخرج» (١) قيل : كانت فيه نقوش وتصاوير من ذهب. وقيل : هو الذهب المزوّق.
فصل الزاي والراء
ز ر ب :
قوله تعالى : (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(٢). هي جمع زربية ، وهو نوع من الثياب محبّر منسوب إلى موضع. وقال المؤرّج : زرابيّ البيت : ألوانه. وقد أزرب البيت : أي صار ذا زرابيّ ، وهي البسط ، فلما رأوا الألوان في البسط شبّهوها بها. وقيل : هي البسط العراض. وقيل : ما بها خملة. ويقال : زريبة وزريبة ـ بفتح الزاي وكسرها ـ ووزنها فعيلة ، ووزن زرابيّ فعاليّ. والزّريبة : موضع الغنم وفترة الرّامي.
ز ر ع :
قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)(٣). الزرع : الإنبات ، وحقيقة ذلك يكون بالأمور الإلهية دون البشريّة ، فلذلك أثبت لهم الحرث ونفى عنهم الزراعة ، فإذا نسب إلى العبيد فإنما ذلك من باب الإسناد إلى السّبب ، نحو : أنبت زيد زرعه ، أي كان سببا في إنباته. والزرع في الأصل مصدر أطلق على المزروع ، كقوله : (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ)(٤). ومنه : (هذا خَلْقُ اللهِ)(٥) ويقال : زرع الله ولدك ، على التشبيه. وعليه : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً)(٦).
وأزرع النبات : أي صار ذا زرع. والمزدرع : مكان الزرع وزمانه ومصدره ، والمفعول ، وبكسر الراء اسم الفاعل ، والأصل التاء ، وإنما أبدلت دالا لأجل الزاي.
__________________
(١) النهاية : ٢ ٢٩٨ ، وفيه : فنحي.
(٢) ١٦ الغاشية : ٨٨.
(٣) ٦٤ الواقعة : ٥٦.
(٤) ٢٩ الفتح : ٤٨. وأخرج شطأه : أخرج فراخه المتفرعة من جوانبه.
(٥) ١١ لقمان : ٣١.
(٦) ١٧ نوح : ٧١.
ز ر ق :
الزّرقة لون معروف ، وهي أبغض الألوان لهم. لأنّ الآدميّ متى كان وجهه متلوّنا بذلك كان أشوه الناس ، وكذلك زرقة العين فيها تشّوه ما. وقيل : لأنّ الروم ، وهم أعداء العرب ، كانوا زرق العيون ، فمن ثمّ أبغضوه ، ومن ثمّ نفّر الله منه وحذّر فقال : (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً)(١). وقيل : الزّرقة لون بين البياض والسواد. وقيل : زرقا ، أي. عميا ، وهم يعبّرون عن عمى العين بزرقتها. وقيل : عطاشا ؛ لأن العطشان تزرقّ عينه من شدة ظمئه.
وزرقت عينه تزرقّ زرقة وزرقانا. ويقال للماء الصّافي : أزرق ، وللنّقطة منه : زرقاء. وزرقاء اليمامة امرأة كانت تنظر ، فيما يقال ، من مسافة ثلاثة أيام.
والنصال يقال لها : زرق أيضا تشبيها للونها بالشيء الأزرق ، قال امرؤ القيس (٢) : [من الطويل]
أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي |
|
ومسنونة زرق كأنياب أغوال |
وزرق الطائر ، وزرق ، بمعنى. وزرقه بالمزراق : حربة قصيرة (٣) ، تشبيها بذلك.
ز ر ي (٤) :
قوله تعالى : (تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ)(٥) أي تعيب. يقال : زريت عليه : أي عبته ، وأزريت به : قصّرت به ، وكذا ازدريت به. وقيل في قوله : (تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ) أي تقديره : تزدريهم أعينكم ، أي تهينهم وتستقلّهم ، وقيل : تحتقرهم وتستخسّهم ، والمعاني مقاربة. قال الشاعر هو النابغة الذبياني (٦) : [من البسيط]
__________________
(١) ١٠٢ طه : ٢٠.
(٢) الديوان : ٤٩. المشرفي : منسوب إلى المشارف ، وهي من قرى العرب تدنو من الشام. ويعني بالزرق هنا السيوف. الأغوال : الشياطين.
(٣) أي رماه به.
(٤) وهم الناسخ فقال هنا : «فصل الزاي والدال ـ ز د ر». والصواب ما ذكرنا فوق.
(٥) ٣١ هود : ١١.
(٦) الديوان : ٢٣٤ ، وفيه : أنبئت.
نبئت نعمى على الهجران عاتبة |
|
سقيا ورعيا لذاك العاتب الزّاري |
والمصدر منهما الزّراية ، والقياس من أزرى الإزراء. وأصل يزدري يزتري ، فأبدلت التاء دالا كما تقدّم.
فصل الزاي والعين
ز ع م :
قوله تعالى : (وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ)(١) أي كفيل ؛ يقال : زعمته أي كفلته وضمنته. قال الشاعر ، وهو عمرو بن شأس (٢) : [من الطويل]
تقول : هلكنا إن (٣) هلكت وإنّما |
|
على الله أرزاق العباد كما زعم |
ومنه الحديث : «الزّعيم غارم» (٤) أي الضامن. زعمت به أزعم زعما (٥) وزعما وزعامة. والزّعم والزّعم والزّعامة أيضا : الرئاسة. والزّعم : القول قد يكون حقا وقد يكون باطلا ، ولكن الأكثر في الثاني لقوله : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا)(٦) وقوله : (هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ)(٧) قرئ بضمّ فائه وفتحها (٨). ومنه قيل : «زعم» (٩) مطية الكذب. وقيل : الزّعم حكاية قول يكون مظنّة الكذب ، ولهذا جاء في القرآن في كلّ موضع ذمّ القائلون به. وقوله تعالى : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ)(١٠) يجوز أن يكون من الزعامة ، بمعنى الكفالة ، وأن يكون من الزّعم بالقول ، والأول أظهر.
__________________
(١) ٧٢ يوسف : ١٢.
(٢) شعر عمرو بن شأس : ١٠٥.
(٣) كذا في المصدر المذكور ، وفي الأصل : كما.
(٤) النهاية : ٢ ٣٠٣. الزعيم : الكفيل ، والغارم : الضامن.
(٥) وفي اللسان : مثلثة الزاي.
(٦) ٧ التغابن : ٦٤.
(٧) ١٣٦ الأنعام : ٦.
(٨) قال الفراء : «بزعمهم» ثلاث لغات ، ولم يقرأ بكسر الزاي أحد نعلمه (معاني القرآن : ١ ٣٥٦).
(٩) في النهاية : ٢ ٣٠٣ : «بئس مطيّة الرجل زعموا».
(١٠) ٤٠ القلم : ٦٨.
واعلم أنّ زعم لها معان كثيرة : تكون قولا ، وكفالة ، ورئاسة ، وكذبا ، وظنا فتنصب مفعولين. قال (١) : [من الوافر]
زعمتم أنّ إخوتكم قريش |
|
لهم إلف وليس لكم إلاف |
وقد حققنا هذا في «شرحي التسهيل» وغيرها.
فصل الزاي والفاء
ز ف ر :
قوله تعالى : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ)(٢) قيل : الزّفير : أول صوت الحمير ، والشهيق آخره. وقيل : هو ترديد النفس حتى تنتفخ الضلوع. وازدفر فلان كذا ، أي تحمّله بمشقّة ، فتردّدت فيه نفسه. ورجل زفير ، ومنه قيل للإماء الحوامل : زوافر. وقال ابن عرفة : الزّفير من الصدر ، والشهيق من الحلق. وفي الحديث «أنّ امرأة كانت تزفر القرب» (٣) أي تحملها تسقي المقاتلة.
يقال : زفر الشيء ، يزفره ، وازدفره ، يزدفره : والزفرة : القربة. وفي الحديث : «عليّ كان إذا خلا مع صاغيته وزافرته انبسط» الزافرة : خاصة الرجل ، والصاغية : المائلون إليه.
ز ف ف :
قوله تعالى : (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ)(٤) أي يسرعون ، يقال : زفّ الظّليم يزفّ زفيفا : إذا ابتدأ في عدوه. وزفّ الإبل يزفّها زفيفا وزفّا ، وأزفّها : تابعها : أي حملها على الزفيف. وقد
__________________
(١) البيت لحبيب بن أوس في هجاء مساور بن هند. ومساور هذا ولد في حرب داحس والغبراء قبل الإسلام بنحو ٥٠ سنة. وهو شاعر معمر ، توفي نحو سنة ٧٥ ه.
(٢) ١٠٦ هود : ١١.
(٣) وفي النهاية : ٢ ٣٠٤ «وكان النساء يزفرن القرب».
(٤) ٩٤ الصافات : ٣٧.
قرئ «يزفون» و «يزفون» بفتح الياء وضمّها (١). وقرئ «تزفون» بفتح التاء وتخفيف الفاء من وزف يزف : أي أسرع أيضا ، وبه فسّر مجاهد ، كأنه لم تبلغه إلا هذه القراءة ، وهي شاذّة.
وأصل الزّفيف في هبوب الريح وسرعة النّعام الذي يخلط طيرانه بمشيه. يقال : زفّ ، وزفزف ، ومنه استعير : زفّ العروس ، استعارة ما يقتضي السرعة لا لأجل مشيها ، ولكن للذهاب بها على خفّة من السرور. ولما زوّج عليه الصلاة والسّلام فاطمة قال في وليمة صنعها لبلال : «أدخل الناس عليّ زفّة زفّة» (٢) أي فوجا فوجا. سمّوا بذلك لزفيفهم في مشيهم ، أي لسرعتهم.
فصل الزاي والقاف
ز ق م :
(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ)(٣) هو طعام كريه أعدّه الله لأهل النار. ومنه قيل : تزقّم فلان : أي بلع (٤) شيئا كريها. ويحكى أنه لما نزلت قال بعض الكفار : زقّمينا ، فقامت خادمة ، فخلطت تمرا بزبد ، وأتت به ، وقالت : لا نعرف الزّقوم إلا هذا (٥).
__________________
(١) وقرأها الأعمش «يزفّون» أي يجيئون على هيئة الزفيف (اللسان ـ زفف).
(٢) النهاية : ٢ ٣٠٥.
(٣) ٤٣ و ٤٤ الدخان : ٤٤.
(٤) وفي الأصل : تبلغ.
(٥) في النهاية : ٢ ٣٠٧ : «إن أبا جهل قال : إنّ محمدا يخوّفنا شجرة الزّقّوم : هاتوا الزبد والتمر وتزقّموا» أي كلوا. وقيل : أكل الزبد والتمر بلغة إفريقية : الزّقّوم.