عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٢

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

في حسنها ووفور لبنها. والرّسل ـ أيضا ـ التّؤدة والمهل ، وقد تقدّم ، نحو : على رسلك. وهو أيضا الكلام الليّن الخفيض ، ومنه قول الأعشى (١) : [من البسيط]

فقال للملك : أطلق لهم مئة

رسلا من القول مخفوضا وما رفعا (٢)

__________________

(١) الديوان : ١١١ ، وفيه : سرّح لهم.

(٢) جاء في هامش ح : ١٣٢ تعقيبا على لفظة «رسول» من خط الشيخ علي موسى وغيره ما يلي : «الرسول إنسان حر ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه سواء كان له كتاب أنزل عليه ليبلغه ناسخا لشرع ما قبله أو غير ناسخ له أو على من قبله ، وأمر بدعوة الناس إليه أم لم يكن له ذلك ، بأن أمر بتبليغ الموصى إليه من غير كتاب. ولذلك كثرت الرسل وقلّت الكتب ؛ إذ هي التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وصحف آدم وشيث وإدريس وإبراهيم. وهو أخصّ من النبي ؛ فإنه إنسان حرّ ذكر من بني آدم أوحي إليه بشرع وإن لم يؤمر بتبليغه. وقيل : النبي من أوحي إليه في كمال نفسه فيصدق على مثل زيد بن عمر وابن نفيل! والرسول من الأنبياء من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه. والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب ، وإنما أمر أن يدعو إلى شرع من قبله (الزمخشري). اعترض الشريف بأنه لا يوافق المنقول في عدد الرسل والكتب إذ الكتب نحو مئة والرسل أكثر من ثلاث مئة ، أجيب بأن مراده بمن معه كتاب أن يكون مأمورا بالدعوة إلى شريعة كتاب سواء نزل على نفسه أو على نبي غيره. لا معنى للنبوة والرسالة إلا أن يشهد على الله أنه شرع هذا الحكم. فخر الرازي في تفسيره. النبي من قال له الله : أرسلتك إلى قوم كذا أو إلى الناس جميعا ، أو بلّغهم عني. والنبي غير الرسول ، من لا كتاب معه ، بل أمر بمتابعة شرع من قبله .. النبي إنسان بعثه الله لتبليغ ما أوحي إليه وكذا الرسول. سعد الدين في المقاصد ردّ عليه : إنه لا يشمل المبعوث لتبليغ ما أوحي لغيره ، ويدفع بأنه مأمور لتبليغ ذلك ، وهو مما أوحي إليه أو ... الأقرب أن الرسول من أنزل عليه كتاب أو أمر بحكم لم يكن قبله وإن لم ينزل عليه كتاب. والنبيّ أعمّ (خسرو). الرسول من بعث بشرع محدد. والنبي .. ومن بعث بتقرير شرع سابق كأنبياء بني إسرائيل بين موسى وعيسى. ردّ عليه : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) ، يدفع بأن «الكشاف» بيّنه بالأنبياء. ولعل المراد «بالرسل» المعنى اللغوي واختار بعض المحققين أن الرسول نبي أتاه الملك ، وقيل : جبرئيل ، بوحي لا نوم ولا إلهام ، والنبي أعمّ. يردّ عليه عدم الشمول لما لم يكن بواسطة كما هو ظاهر المنقول في موسى قبل نزول الملك عليه ، ويدفع بأنه يصدق أنه أتاه في وقت إذ لا يلزم أن يكون النبي قبل البعثة رسولا. مسألة : ثبت في الحديث المشهور عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا أخذت مضجعك فقل : آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبّيك الذي أرسلت». فقال الرجل ـ لما أعاد الكلمات : وبرسولك الذي أرسلت. فقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وبنبيّك الذي أرسلت». فاحتج القائلون بأن الرواية بالمعنى لا تجوز. وأجاب الخطيب في «الكفاية» عن الجوابين : أحدهما أن النبي أمدح من الرسول ؛ فإن الرسول يقع على كل أحد في الأصل ، والنبي خاص بالأنبياء ، وإنما فضل المرسلون من الأنبياء لأنهم جمعوا النبوة والرسالة معا ، فجاء ـ

١٠١

ر س ي :

قوله تعالى : (وَالْجِبالَ أَرْساها)(١). الرّسو : الثبوت ، والإرساء : الإثبات ، وأشار بهذا إلى معنى قوله : (وَالْجِبالَ أَوْتاداً)(٢). وقال الأفوه الأوديّ : [من البسيط]

والبيت لا ينبني إلا على عمد

ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

أي إذا لم يثبت. وقوله : (رَواسِيَ شامِخاتٍ)(٣) أي جبال ثوابت عوال. رسا يرسو رسوّا فهو راس. قوله : (وَقُدُورٍ راسِياتٍ)(٤) أي ثوابت لكبرها لا تنتقل عن أماكنها تنبيها على أنها مخالفة لما عليه عادة الناس. قوله : (أَيَّانَ مُرْساها)(٥) أي وقت ثبوتها واستقرارها. وقوله : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها)(٦) أي مكان جريها وإرسائها. وقرئ بفتح ميم «مجراها» وضمّها (٧) من جرت وأجراها الله ، ولم يقرأ إلا بضمّ ميم «مرساها» تنبيها أنّ إرساءها الذي هو النّعمة العظمى لأنّه سبب النجاة ليس إلا لله تعالى ، وهو معنى بديع. ورست السفينة : استقّرت وأرساها : ثبّتها (٨) ، قال الشاعر : [من البسيط]

وقال قائلهم أرسوا نوازلها

أي اثبتوا. وألقى مراسيه كناية عن الإقامة ، كقوله (٩) : [من الطويل]

فألقت عصاها واستقرّ بها النوّى

كما قرّ عينا بالإياب المسافر

__________________

ـ بأمدح النعت وهو النبوة ، ثم قيّده بالرسالة حين قال : «الذي أرسلت». الثاني أن قوله «برسولك» تغني عن قوله : «الذي أرسلت» (فتاوى النووي).

(١) ٣٢ النازعات : ٧٩.

(٢) ٧ النبأ : ٧٨.

(٣) ٢٧ المرسلات : ٧٧.

(٤) ١٣ سبأ : ٣٤.

(٥) ١٨٧ الأعراف : ٧.

(٦) ٤١ هود : ١١.

(٧) قرأ برفع الميمين إبراهيم النخعي والحسن وأهل المدينة. وقرأ مسروق وابن مسعود بفتح الميم. وانظر تفصيلا مطولا في معاني القرآن للفراء : ٢ ١٤ و ١٥.

(٨) وفي الأصل : ثباتها.

(٩) البيت لمعقّر بن حمار ـ اللسان ـ مادة نوي.

١٠٢

فصل الراء والشين

ر ش د :

قوله تعالى : (وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً)(١). الرّشد ضدّ الغيّ ؛ فالرّشد : الهداية ، والغيّ : الضلال ؛ قال الشاعر (٢) : [من الطويل].

وهل أنا إلا من غزيّة ، إن غوت

غويت وإن ترشد غزيّة أرشد

يقال : رشد ، يرشد ، بفتح العين ماضيا ، وبضمها مضارعا. ورشد يرشد ، بكسرها ماضيا ، وفتحها مضارعا ، رشدا ورشدا ، بفتح الفاء وضمها ، وقد قرئ بهما قوله تعالى : (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً)(٣) ، وقوله تعالى : (سَبِيلَ الرُّشْدِ)(٤) ، وهل بينهما فرق أم لا؟ قيل : نعم ، ثم اختلفوا ؛ فقال أبو عمرو : بالضم الصلاح ، وبالفتح الدّين. ومن ثمّ أجمعوا على ضمّ : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)(٥) وفتحوا : (فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً)(٦). وقيل : المضموم يقال في الأمور الدّنيويّة والأخرويّة ، والمفتوح في الأخرويّة فقط ؛ فبينهما عموم وخصوص. وقيل : المفتوح مصدر رشد بالكسر ، والمضموم مصدر رشد بالفتح. وقيل : الرّشد والرّشد والرّشاد : الهداية والاستقامة.

قوله : (لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(٧) أي يهتدون ، وبين الرّشدين في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ)(٨) ، وفي (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)(٩) بون بعيد في المعنى ، وإن اتّفقا

__________________

(١) ١٠ الكهف : ١٨.

(٢) البيت لدريد بن الصمّة من داليته في رثاء أخيه (الديوان ٤٧).

(٣) ٦٦ الكهف : ١٨.

(٤) ١٤٦ الأعراف : ٧.

(٥) ٦ النساء : ٤.

(٦) ١٤ الجن : ٧٢.

(٧) ١٨٦ البقرة : ٢.

(٨) ٥١ الأنبياء : ٢١.

(٩) ٦ النساء : ٤.

١٠٣

لفظا ، وأمّا الراشد والرّشيد فقال الراغب (١) : يقال فيهما جميعا ، أي في الرّشد والرّشد ، وكان قدّم أنّ المفتوح في الأخرويّ فقط ، والمضموم فيه وفي الدنيويّ ، والصواب أنّ الرشيد مثال مبالغة ، فيجوز أن يكون لهما. وأمّا راشد فقياسه ألّا يجيء من رشد بالكسر لأنه قاصر ، بل قياسه فعل ، كفرح.

فصل الراء والصاد

ر ص د :

قوله تعالى : (وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ)(٢) أصل الرّصد : الاستعداد لترقّب الشيء. يقال : رصد له ، وترصّد ، وأرصدت له. قوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ)(٣) أي بمكان الرصد تنبيها أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه. والمرصاد : الطريق عند بعضهم مطلقا ، وعند آخرين لموضع الرّصد ، كالمضمار لموضع تضمر فيه الخيل. وقيل : المرصد والمرصاد واحد ، ومنه قوله تعالى : (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)(٤) أي بكلّ طريق. وقيل : المرصد لموضع الرّصد ، والمرصاد لموضع التّرصّد ، ولذلك أوثر في قوله : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً)(٥) تنبيها أنّ مجاز الناس عليها لقوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)(٦) ، والرّصد يكون للراصد وللمرصود ، وعلى كلا التّقديرين يستوي فيه الواحد والمثنّى والمجموع ، وذلك أنّه مصدر في الأصل. وقوله : (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً)(٧) يحتمل كلّ ذلك.

__________________

(١) المفردات : ١٩٦.

(٢) ١٠٧ التوبة : ٩.

(٣) ١٤ الفجر : ٨٩.

(٤) ٥ التوبة : ٩.

(٥) ٢١ النبأ : ٧٨.

(٦) ٧١ مريم : ١٩.

(٧) ٢٧ الجن : ٧٢.

١٠٤

ر ص ص :

قوله تعالى : (بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ)(١) أي لاصق بعضه ببعض. وفي الحديث : «تراصّوا في صفوفكم» (٢) أي تلاصقوا ولا تدعوا فرجا ، وفي حديث ابن صيّاد : «فرصّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٣) أي ضمّ بعضه لبعض. وقيل : معناه كأنّما بني من الرّصاص ، يعني محكما ، وهو قريب من الأول ، يقال : رصصته ورصّصته مخفّفا ومثقلا ، وعلى الأول جاء التنزيل. وترصيص المرأة : أن تشدّد التّنقّب ، وهو أبلغ من التّرصّص.

فصل الراء والضاد

ر ض ع :

قوله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ)(٤) ، إنّما عدل عن لفظ مرضع إلى مرضعة لمعنى بديع ؛ وذلك أنّه وصف يوم القيامة بشّدة الهول حتى بلغ من شدّته أن تذهل المرأة التي قد ألقمت ثديها لولدها عن ولدها ، فإنّه [يقال] : المرضعة لمن تلبّست بفعل الرّضاعة ، والمرضع لمن شأنها أن ترضع وإن لم ترضع ؛ يقال : رضع يرضع ، ورضع يرضع رضاعا ورضاعة ورضاعة. وقولهم : رضع فلان يرضع ، أي لؤم يلؤم ، وأصله أنّ رجلا رضع شاته ولم يحلبها لئلا يسمع صوت شخب اللبن ، وهذا في غاية اللّؤم ، فاستقرّ لفعل اللئيم أن يقال له رضع ، ولكنّهم فرّقوا بين الفعل ، فقالوا : رضع بالضمّ ، أي لؤم ، رضاعة بالكسر فقط ؛ ورضع الصبيّ ورضع ـ بالكسر والفتح ـ رضاعة ، ورضاعة ـ بالفتح والكسر ـ كما تقدم. وفي الحديث :

واليوم يوم الرّضّع (٥)

__________________

(١) ٤ الصف : ٦١.

(٢) النهاية : ٢ ٢٢٧.

(٣) النهاية : ٢ ٢٢٧.

(٤) ٢ الحج : ٢٢.

(٥) من حديث سلمة ، وصدره :

خذها وأنا ابن الأكوع

١٠٥

قوله : (يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ)(١) جمهور الناس على أنّه خبر في معنى الأمر ، وقيل : هو خبر على بابه ، ولنا في هذين القولين بحث حسن أتقنّاه في «الدرّ» وفي «الأحكام» ولله الحمد. قوله : (أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ)(٢) أي تطلبون رضاعتهم. وقوله : (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى)(٣) أي غير أمه. وقوله : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ)(٤) أي منعناه أن يقبل ثدي إحداهنّ من قبل إتيان أمّه. جمع مرضعة أو مرضع ، والظاهر الثاني. وقوله : سقطت رواضعه ، يعني ثناياه ، سمّين بذلك لأنهنّ يعنّ الطفل على الرّضاع والرّاضعتان : الثّنيّتان. وفلان رضيع فلان ، أي رضيع معه : قال الأعشى (٥) : [من الطويل]

رضيعي لبان ثدي أمّ تحالفا

بأسحم داج عوض لا نتفرّق

ر ض و :

قوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(٦) معنى رضى الله عن عبيده أن تراهم ممتثلين لأوامره ، منتهين عن زواجره ، ورضى العبيد عن الله أن يمتثلوا أوامره ، ويرضون بقضائه وقدره. هذا ما يليق بتفسير القرآن ، لا ما يخطر ببال من لم يعرف ما يجوز على الله وما يمتنع ، وكذلك محبة الله لهم ومحبتّهم له تعالى : (٧). والراضون أبلغ من الرّضيّ ، ولذلك اختصّ في التّنزيل بما يكون منه تبارك وتعالى. يقال : رضي يرضى رضوانا ، فهو راض ومرضيّ ومرضوّ. ومنه قوله : [من الرجز]

قالت له : ما أنت بالمرضيّ

__________________

ـ ورضّع : جمع راضع ، أي : خذ الرّمية مني واليوم يوم هلاك اللئام (النهاية : ٢ ٢٣٠). وهو ليس حديثا.

(١) ٢٣٣ البقرة : ٢.

(٢) تتمة الآية السابقة.

(٣) ٦ الطلاق : ٦٥.

(٤) ١٢ القصص : ٢٨.

(٥) وهم الناسخ فذكر البيت للنابغة ، والصواب ما ذكرنا (الديوان : ٢٢٥).

(٦) ١١٩ المائدة : ٥.

(٧) من الآية : «فسوف يأتي الله بقوم يحبّهم ويحبّونه» (٥٤ المائدة : ٥).

١٠٦

فهو من ذوات الواو ، وإنما قلب الواو ياء ، والقياس تصحيح هذا ، نحو : معدوّ. قوله : (فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ)(١) قيل : بمعنى مرضيّة ، بمعنى (ماءٍ دافِقٍ)(٢) أي مدفوق. وقيل : على النّسب ، أي ذات رضى كلابن ورامح.

فصل الراء والطاء

ر ط ب :

قوله تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ)(٣). الرطب : قد فسّر بذكر ضدّه معه. وخصّ الرّطب بما كان رطبا من التّمر. وأرطبت النخلة : أي صارت ذات رطب. ورطب جمع تكسير لرطبة وليس اسم جنس لها (٤) ، فيقع الفرق بينه وبينها بالتاء وعدمها وحينئذ فيقال :

أيّ فرق بينه وبين النّجم حيث قالوا : إنه اسم جنس لنجمة؟ وقد ذكرنا في غير هذا الفرق ؛ مختصره هنا اسم ، قالوا : هو الرّطب ، بالتذكير ، وهي النجم ، بالتأنيث. ورطبت الفرس ، ورطّبته : علفته الرّطب. فرطب الفرس [أكله](٥) ، ورطب الرجل : تكلّم بكلام ليّن بما عنّ له من خطأ وصواب ، تشبيها برطب الفرس. والرّطيب (٦) : الناعم.

__________________

(١) ٢١ الحاقة : ٦٩.

(٢) ٦ الطارق : ٨٦.

(٣) ٥٩ الأنعام : ٦.

(٤) قال سيبويه : ليس رطب بتكسير رطبة ، وإنما الرّطب كالتّمر ، واحد اللفظ مذكّر ، ولو كان تكسيرا لأنّثوا. في حين أن صاحب «الصحاح» يقول : الرّطب : الواحدة رطبة.

(٥) إضافة مناسبة من المفردات : ١٩٧.

(٦) وفي الأصل : الرطب ، والصواب ما ذكرنا.

١٠٧

فصل الراء والعين

ر ع ب :

الرّعب : الخوف ، وأصله الانقطاع من امتلاء الجوف ، يقال : رعبته رعبا ورعبا ، فهو رعب ، ولتصوّر الامتلاء قيل : رعبت الحوض : ملأته. وسيل راعب ، ورجل ترعابة : شديد الفرق ، وباعتبار الانقطاع قيل : رعبت السّنام : قطعته. وجارية رعبوبة : شطبة تارّة (١) ، وجمعها رعابيب. قال بعضهم : البزّازة السّمن والبضاضة (٢).

ر ع د :

قوله تعالى : (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ)(٣) قيل : هو صوت ملك. وقيل : صوت سحاب. وقيل : صوت اصطكاك أجرامها. وقيل : ريح تخنق بين السحاب. وقيل : هو ملك بعينه يسوق السّحاب. ورعدت السماء (٤) وبرقت وأرعدت وأبرقت ، ويكنّى بهما عن التّهدّد ؛ فيقال : أبرق وأرعد ، وأرعدت فرائصه خوفا (٥) : قال كعب بن زهير (٦) : [من البسيط]

لظلّ يرعد إلا أن يكون له

من الرسول بإذن الله تنويل

والرّعديد : المضطرب جبنا. قال أبو محجن الثّقفيّ (٧) : [من البسيط]

__________________

(١) الرعبوبة : البيضاء الحسنة. وقيل : الطويلة.

(٢) المفردات غير مترابطة في الأصل.

(٣) ١٣ الرعد : ١٣.

(٤) في الأصل : السحاب ، ولعل الصواب ما ذكرنا.

(٥) ساقطة من ح.

(٦) الديوان : ٢٠ ، وهو من بانت سعاد.

(٧) هو مطلع قصيدة يذكر به زوجته. وفي الديوان (١٦٢) : وسائلي القوم عن ديني ...

١٠٨

لا تسألي الناس عن مالي وكثرته

وسائلي الناس عن حزمي وعن خلقي

القوم أعلم أني من سراتهم

إذا تطيش يد الرعديدة الفرق

ر ع ن :

قوله تعالى : (لا تَقُولُوا راعِنا)(١) أي تعهّدنا ، يقال : راعاه يراعيه : إذا تعهّده ؛ يقال : راعني ، أي أفهم عنّي وأفهمني. وقيل : هي كلمة من الرّعونة ، فكانوا ـ لعنهم الله ـ يخاطبونه بها ويقصدون ما يقصدون موهمين أنهم يريدون بها المراعاة. يقال : رعن الرجل يرعن رعنا ، فهو أرعن ، وامرأة رعناء ، وتسميته بذلك لميل فيه تشبيها بالرّعن ؛ وهو أنف الجبل لما فيه من الميل. قال (٢) : [من البسيط]

لو لا ابن عتبة عمرو والرجاء له

ما كانت البصرة الرّعناء لي وطنا

وصفها بذلك إمّا لما فيها من الخفض بالإضافة إلى البدو تشبيها بالمرأة الرّعناء ، وإمّا لما فيها من تكسّر وتغيّر في هواها. قال الأزهريّ : كانت هذه الكلمة تجري من اليهود على حدّ السبّ والهزء (٣) ، قال : والظاهر من راعنا أرعنا سمعك. وكانوا يذهبون بها إلى الرّعونة. والأرعن : الأحمق.

ر ع ي :

قوله تعالى : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى)(٤). المرعى : النبات المرعيّ ، وأصله اسم مصدر للرعي ، وهو اسم مكانه وزمانه أيضا ، وأصل الرّعي حفظ الحيوان ، إمّا بغذائه

__________________

(١) ١٠٤ البقرة : ٢. كلمة «راعنا» كلمة سبّ وتنقيص عند اليهود.

(٢) البيت في اللسان ـ مادة رعن ، وفي الجمهرة : ٢ ٣٨٨ معزوّ للفرزدق ، غير أن الصدر فيهما :

لو لا أبو مالك المرجوّ نائله

والبيت غير مذكور في ديوان الفرزدق بروايتيه.

(٣) أضاف ناسخ س قوله : لعنهم الله.

(٤) ٤ الأعلى : ٨٧.

١٠٩

الحافظ لحياته. وإما [بذبّ العدوّ](١) عنه. يقال : رعيته أرعاه أي حفظته. وأرعيته : جعلت له ما يرعى. والرّعي والرّعاء : السياسة والمحافظة قال تعالى : (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها)(٢) أي حافظوا عليها حقّ المحافظة ، فسمّى كلّ سائس لنفسه راعيا (٣). ومنه : «كلّكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيّته» (٤). ويجمع الرّاعي على رعاء ؛ قال تعالى : (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ)(٥) ، وعلى رعاة ، وهو قياسه ، كقضاة. ورعيته فهو مرعيّ ، وأصله مرعوي ، قال الشاعر (٦) : [من السريع]

ولا المرعيّ كالرّاعي

ومراعاتك (٧) الشيء : مراقبتك إيّاه ، وما يكون منه ، ومنه : راعيت النجوم قال النابغة (٨) : [من الطويل]

تطاول حتى قلت : ليس بمنقض

وليس الذي يرعى النجوم بآيب

وأرعيته سمعي : جعلته راعيا ، وقوله تعالى : (لا تَقُولُوا راعِنا)(٩) نهي عن التلفّظ بهذه الكلمة ؛ لأنّ اليهود كانوا يقولونها عن وجه آخر من الرعونة ، ويوهمون أنّهم يريدون بها الأمر من المراعاة والنظر لمّا سمعوا المؤمنين يقولونها ، فاستعرضوا ذلك ، فنهى المؤمنين عن التلفّظ بها ، وقد تقدّم ذلك (١٠) ، وأوضحنا القصة في التفسير. وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ

__________________

(١) ساقط في الأصل ، فأضفناه من المفردات : ١٩٨.

(٢) ٢٧ الحديد : ٥٧.

(٣) الصواب : لنفسه ولغيره.

(٤) : النهاية : ٢ ٢٣٦.

(٥) ٢٣ القصص : ٢٨.

(٦) القول من بيت لأبي قيس بن الأسلت كما في اللسان ـ رعي. وتمامه :

ليس قطا مثل قطيّ ، ولا ال

مرعيّ ، في الأقوام ، كالراعي

(٧) في الأصل : ومرعاتك.

(٨) الديوان : ٥٥. والبيت هنا على رواية أبي عبيدة ، وفي الديوان : تقاعس. والذي يرعى النجوم هو كوكب الصبح لأنه يطلع آخرها.

(٩) ١٠٤ البقرة : ٢.

(١٠) في المادة السابقة.

١١٠

وَعَهْدِهِمْ راعُونَ)(١) أي حافظون وقائمون عليها. وأمّا الارعواء ، وهو النّدم على الشيء والانصراف عنه ـ وفعله : ارعوى يرعوي (٢) ، ولا يعرف في المعتلّ مثله ، كأنهم بنوه على الرّعوى ـ فليس من مادة الرّعي في شيء.

فصل الراء والغين

ر غ ب :

قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ)(٣) أي يكرهها. والرغبة : الكراهة والإرادة ، ويتميّز المعنيان بحرف الجرّ ، فيقال في الكراهة : رغبت عنه ، وفي الإرادة : رغبت فيه. ولذلك يطّرد حرف الجارّ مع إنّ وأنّ إلا إذا كانتا معمولتين لرغب لأجل اللّبس.

وأما قوله تعالى : (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ)(٤) فإنّما حذف لتعيّنه وعدم التباسه. ولنافيه بحث حسن أتقنّاه في غير هذا. وأصل الرغبة : السّعة في الشيء ؛ رغب الشيء : اتّسع ، ومنه : رغيب الجوف ، وفرس رغيب العدو (٥). والرّغب والرّغبة والرّغبى : السّعة في الإرادة ؛ فإذا قيل : رغب فيه ، وإليه ، اقتضى ذلك الحرص ؛ قال تعالى : (إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ)(٦) ، فإذا قيل : رغب عنه اقتضى صرف الرغبة عنه ، والرغبة : العطاء الكثير ، إمّا لكونه مرغوبا فيه ، فتكون مشتقة من الرغبة ، وإما لسعته ، فتكون مشتقة من الأصل. وفي تلبية ابن عمر : «منك النّعمى وإليك الرّغبى» (٧). ويقال : رغبى ورغباء (٨). وفي الحديث : «الرّغب شؤم» (٩) ، أي الحرص والشّره. وأرض رغاب : لا تسيل إلا من مطر كثير. وفي

__________________

(١) ٨ المؤمنون : ٢٣ ، وغيرها.

(٢) أي كفّ عن الأمور.

(٣) ١٣٠ البقرة : ٢.

(٤) ١٢٧ النساء : ٤.

(٥) وفي الأصل : رغب الجوف .. رغب العدو ، والتصويب للسياق.

(٦) ٥٩ التوبة : ٩.

(٧) النهاية : ٢ ٢٣٧ ، إضافة على الدعاء.

(٨) مثل : نعمى ونعماء.

(٩) النهاية : ٢ ٢٣٨.

١١١

حديث ابن عمر : «لا تدع ركعتي الفجر. فإنّ فيهما الرّغائب» (١). والرّغائب : جمع رغيبة ، وهي الثواب الكثير. والرغائب : الذخائر والأموال النّفيسة. قوله : (رَغَباً وَرَهَباً)(٢) أي : رجاء وخوفا. وقرئ : (رَغَباً وَرَهَباً) وفيهما لغة ثالثة : «رغب ورهب» (٣).

ر غ د :

قوله تعالى : (رَغَداً)(٤) أي واسعا ؛ يقال : رغد ورغد ، وأرغد فلان : أصاب الرّغد ، أي الواسع من العيش ، يقال : عيش رغد ورغد ورغيد أي طيب واسع. والمرغاد : اللبن المختلط الدالّ بكثرته على رغد.

ر غ م :

قوله تعالى : (مُراغَماً كَثِيراً)(٥) أي مذهبا ومضطربا ، وأصله من الرّغام ، وهو التراب الرّقيق ، ومنه : رغم أنف فلان ، أي وقع في الرّغام ، يكنّى بذلك عن الإذعان والذّلّة. وفي الحديث : «وإن رغم أنف أبي الدّرداء» (٦) أي ذلّ. وقال معقل بن يسار : «رغم أنفي لأمر الله» (٧) أي ذلّ وانقاد. وقيل : وإن رغم أنفه أي كره. ما أرغم من ذلك شيئا ، أي ما أكرهه (٨) ، وفي الحديث : «إذا صلّى أحدكم فليلزم جبهته وأنفه الأرض حتى يخرج منه الرّغم» (٩) أي حتى يذلّ.

وقد رغم ، يرغم ، رغما ، أي لم يقدر على الانتصاف. والرّغم : الذّلّة. وفي حديث

__________________

(١) النهاية : ٢ ٢٣٨ ، أي ما يرغب فيه من الثواب العظيم ، وبه سميت صلاة الرغائب ، واحدتها رغيبة.

(٢) ٩٠ الأنبياء : ٢١.

(٣) قرأهما بالسكون الأعمش. قال ابن خالويه : سمعت أبا بشر النحوي يقول : قال الأصمعي : قلت لأبي عمرو : لم لا تقرأ رغبا ورهبا مع ميلك إلى التخفيف؟ فقال : ويلك أحمل أخفّ أم حمل؟ يعني أن المفتوح لا يخفف. وقرأ بالتخفيف هارون عن أبي عمرو (مختصر الشواذ : ٩٢).

(٤) ٣٥ البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٥) ١٠٠ النساء : ٤.

(٦) النهاية : ٢ ٢٣٩ ، أي وإن ذل ، أو وإن كره.

(٧) النهاية : ٢ ٢٣٩.

(٨) وفي الأصل : ما أكره.

(٩) النهاية : ٢ ٢٣٩.

١١٢

عائشة : [في الخضاب] ... (١) «وأرغميه» يعني الخضاب أي ارمي به في التراب. وقالت أسماء : «قدمت أمي راغمة» (٢) أي كارهة إسلامي ، وقيل : هاربة. ويعبّر بالرّغم عن السّخط ، يقال : أرغمته أي أسخطته ، قال الشاعر (٣) : [من الطويل]

إذا رغمت تلك الأنوف لم ارضها

ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها

فمقابلته بالإرضاء يدلّ على أنّ المراد به الإسخاط. وراغمه : ساخطه. وتجاهدا (٤) على أن يرغم أحدهما الآخر. ثم تستعار المراغمة للمنازعة ، فقوله : (مُراغَماً كَثِيراً) أي مذهبا يذهب إليه إذا رأى منكرا يلزمه الغضب منه ، كقولك : رغمت إليه من كذا (٥). وقيل بحذفها جرا. قال : راغمته ، أي هاجرته ، ولم أبال رغم أنفه : أي لصوقه بالتراب. وفي الحديث : «إنّ السّقط ليراغم ربّه» (٦) أي يغاضبه ، على المجاز. وأمّا الرّغم بالرأي فالغضب مع الكلام.

فصل الراء والفاء

ر ف ر ف :

قوله تعالى : (رَفْرَفٍ خُضْرٍ)(٧) قيل : هي الثياب التي يتّكأ عليها وتفترش وعن الحسن : المخادّ. وقيل. هي أطراف الفسطاط والخباء الواقعة على الأرض دون الأطناب والأوتاد ؛ شبهت بالرياض من النبات. وأصل ذلك من رقيق الشجر ، وهو انتشاب أغصانه.

__________________

(١) بياض في الأصل ، والاضافة من النهاية : ٢ ٢٣٩.

(٢) النهاية : ٢ ٢٣٩ ، وتمامه فيه : «إنّ أمي قدمت عليّ راغمة (ورويت راغبة) مشركة أفأصلها؟ قال : نعم».

(٣) البيت من شواهد الراغب في المفردات : ١٩٩.

(٤) وفي الأصل : وتهاجرا.

(٥) أي غضبت إلى فلان من كذا.

(٦) النهاية : ٢ ٢٣٩.

(٧) ٧٦ الرحمن : ٥٥.

١١٣

ورفّ الطير : نشر جناحيه. ومضارعه يرفّ بالكسر ، ورفّ فرخه : إذا نشر جناحيه له متفقدا له ، ومضارعه يرف ، بالضمّ ، واستعير الرفّ للتفقّد فقيل : «ماله حافّ ولا رافّ» أي من يتفقّده ، ومنه : «من حفّنا أو رفّنا فليقتصد» (١).

والرّفرف : ما انتشر من الأوراق ، فكأنّ الرفرف تكرير الرفّ ، وقيل : الرّفرف : المجالس (٢). وقيل : فضولهما ، والرّفرف : الرّفّ تجعل عليه طرائف البيت. ورفرف الدرع : ما فضل من ذيلها. وكلّ ما فضل فثنّي : رفرف. وقيل : الفرش ، وهو الرفّ أيضا عن أبي عبيد ، وهو جمع رفرفة ويؤيّده «خضر» وقيل : مفرد ، وجمع على رفارف ، وقرئ به شاذّا (٣). وفي حديث عبد الله : (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)(٤) قال : «رفرفا أخضر سدّ الأفق» (٥) أي بساطا (٦).

ر ف ت :

قوله تعالى : (وَرُفاتاً)(٧) الرّفات : ما تكسّر وتحطّم ، كالفتات وزنا ومعنى. رفتّه أرفته رفتا ، فأنا رافته وهو مرفوت ، أي فتّتّه. واستعير الرّفات للحبل المتقطّع قطعا.

ر ف ث :

قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ)(٨) : الرفث : كلّ ما يستحيا من ذكره كالجماع ونحوه. وقيل : ما كان بحضرة النساء (٩) وعن ابن عباس أنه أنشد وهو محرم (١٠) : [من الرجز]

__________________

(١) النهاية : ٢ ٢٤٤.

(٢) وقال ابن منظور : الرفرف : ثياب خضر يتخذ منها للمجالس.

(٣) قرأ زهير القرقبي : «رفارف خضر» ، وقال الأعرج «خضر» ، وقرأ أبو محمد المروزي النحوي «رفارف» بالصرف (معاني القرآن للفراء : ٣ ١٢٠ ومختصر الشواذ : ١٥٠).

(٤) ١٨ النجم : ٥٣.

(٥) النهاية : ٢ ٢٤٣ ، والحديث لعبد الله بن مسعود.

(٦) وفي الأصل : بساط.

(٧) ٤٩ الإسراء : ١٧ ، وغيرها.

(٨) ١٩٧ البقرة : ٢.

(٩) الرفث : كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.

(١٠) ذكر ابن منظور أن ابن عباس كان محرما فأخذ بذنب ناقة من الرّكاب وهو يقول ... البيت (مادة ـ رفث).

١١٤

وهنّ يمشين بنا هميسا

إن تصدق الطّير ننك لميسا

فقيل : أترفث (١)؟ فقال : الرفث ما كان بحضرة النساء. وقوله : (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ)(٢) كناية عن الجماع ، وعدّي بإلى لتضمّنه معنى الإفضاء. يقال : رفث وأرفث. فقيل : هما بمعنى. وقيل : رفث فعل وأرفث صار ذا رفث. قال الراغب : وهما كالمتلازمين فلذا يقع كل منهما موقع الآخر (٣).

ر ف د :

قوله تعالى : (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ)(٤) الرّفد : العطاء والمعونة ، والرّفد بالفتح المصدر. يقال : رفدته : أنلته الرّفد ، وأرفدته : جعلت له ما يتناوله شيئا فشيئا ، نحو سقيته وأسقيته.

والمرفد : وعاء الرّفد من الطعام. وناقة رفود : تملأ المرفد لبنا ، وجمعها مرافيد على المعنى. وقيل : هي التي لم ينقطع لبنها صيفا ولا شتاء من الإبل والشّياه.

وترافدوا : تعاونوا. ورفادة قريش : ما كانوا يعينون به الحاجّ. ورافدا العراق : دجلة والفرات لأنهما يرفدانه. قال الشاعر (٥) : [من الوافر]

أأطعمت العراق ورافديه

ورفد فلان : استعير لمن أعطي الرئاسة. والرّفد والمرفد : قدح يحلب فيه ، ومنه الحديث : «برفد وتروح برفد» (٦). وكل شيء عمدته بشيء وأسندته به فقد رفدته رفدا.

__________________

(١) يعنون : أترفث وأنت محرم؟.

(٢) ١٨٧ البقرة : ٢.

(٣) المفردات : ١٩٩ ، مع تغيير طفيف.

(٤) ٩٩ هود : ١١.

(٥) صدر بيت للفرزدق يعاتب فيه يزيد بن عبد الملك في تقديم أبي المثنى عمر بن هبيرة الفزاري على العراق ، ويهجوه به. وعجزه (الديوان : ٤٨٧) :

فزاريا أحذّ يد القميص

(٦) النهاية : ٢ ٢٤٢. وتمامه هناك : «نعم المنحة اللقحة تغدو برفد ...».

١١٥

ورفادة السّرج والعسّ من ذلك. وفي الحديث لمّا عدّ أشراط الساعة : «و [أن] يكون الفيء رفدا» (١) أي صلة فلا يعطاه مستحقّوه.

ر ف ع :

(وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)(٢) أي يرفع الكلم الطيّب ، وذلك أنه لا يرفع قول إلا بعمل ، كذا قال قتادة. والرفع تارة يقال في الأجسام الموضوعة إذا أعليتها عن مقرّها ، وتارة في البناء إذا طوّلته ، وتارة في الذّكر إذا توهمته ، وتارة في المنزلة إذا شرّفتها ، كقوله تعالى : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ)(٣) ، (إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ)(٤) ، (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ)(٥) ، وفي الحديث : «لا أذكر إلا ذكرت» (٦) ولذلك لا تصحّ الصلاة ولا يعتبر الأذان إلا بذكره صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله تعالى : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ)(٧) وقوله : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ)(٨) ، أي إلى سمائه ومنازل أصفيائه ، كقوله عليه الصلاة والسّلام : «اللهمّ الرفيق الأعلى» (٩) تعالى الله عن الجهة. قوله : (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ)(١٠) إشارة إلى اعتلائها وما خصّت به من الفضيلة. وقوله : (وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ)(١١) يصحّ أن يريد علوّها وتشريفها ، والرفع في السّير : شدّته ، ومنه رفع البعير (١٢). والرّفاعة (١٣) كالرّفادة ، والرفع : الإزالة. قال (١٤) : [من مجزوء الرمل]

__________________

(١) النهاية : ٢ ٢٤٢.

(٢) ١٠ فاطر : ٣٥.

(٣) ٦٣ البقرة : ٢.

(٤) ١٢٧ البقرة : ٢.

(٥) ٤ الشرح : ٩٤.

(٦) رواه ابن جرير ، انظر تفسير ابن كثير.

(٧) ١٦٥ الأنعام : ٦.

(٨) ١٥٨ النساء : ٤.

(٩) النهاية : ٢ ٢٤٦.

(١٠) ١٨ الغاشية : ٨٨.

(١١) ٣٤ الواقعة : ٥٦.

(١٢) شدّ في سيره.

(١٣) الرفاعة : ما ترفع به المرأة عجيزتها.

(١٤) البيت لجذيمة الأبرش كما في اللسان ـ مادة شمل. ومن شواهد شرح المفصل : ٩ ٤٠ من غير عزو. ـ

١١٦

ربّما أوفيت في علم

ترفعن ثوبي شمالات

وقوله : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ)(١) أي تشرّف وتنزّه ، على معنى أنه لا يذكر فيها إله غير الله ، ولا تقرب بصنم ولا نجاسة كما كانت الجاهلية تفعله في البيت الحرام. وقيل : تعلن. ورفع فلان كذا : أذاع خبرا ما احتجبه ؛ ومنه الحديث : «كلّ رافعة رفعت علينا» (٢) مبلغة ومذيعة عنّا ما نقوله. وقوله : (خافِضَةٌ رافِعَةٌ)(٣) أي تخفض قوما إلى النار وترفع آخرين إلى الجنة. والرفع : التقديم ، ومنه : رفعته إلى الحاكم : قدّمته إليه ... (٤) قد تقدّم ذكر ذلك مستوفى.

ر ف ق :

قوله تعالى : (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً)(٥) أي ما يرفقون به ، وفيه وفي العضو المعروف لغتان «مرفق» ؛ بفتح الميم وكسر الفاء ، والعكس ، وقد قرئ بهما فصيحا (٦). قوله : (وَساءَتْ مُرْتَفَقاً)(٧) قال ابن عرفة : مجتمعا ، وقال غيره : وساءت النار منزلا يرتفق به. وقيل : المرتفق : ما يتّكأ عليه.

وقوله تعالى : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً)(٨) قيل هو جمع رفيق ، فاستوى فيه الواحد والجمع ، وقيل : هو من أسماء الله تعالى. ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «ألحقني بالرّفيق

__________________

ـ واستخدم البيت شاهدا لدخول النون الخفيفة في الواجب ضرورة «ترفعن» ، وحولها يقول ابن يعيش : «وهذه النون لا تدخل إلا على مستقبل فيه معنى الطلب».

(١) ٣٦ النور : ٢٤.

(٢) النهاية : ٢ ٢٤٣.

(٣) ٣ الواقعة : ٥٦.

(٤) بياض في الأصل قدر كلمة.

(٥) ١٦ الكهف : ١٨ ، أي ما تنتفعون به في عيشكم.

(٦) كسر الأعمش والحسن الميم ، ونصبها أهل المدينة وعاصم. ويقول الفراء : فكأن الذين فتحوا الميم وكسروا الفاء أرادوا أن يفرقوا بين المرفق من الأمر والمرفق من الإنسان. وأكثر العرب على كسر الميم من الأمر ومن الإنسان (معاني القرآن) : ٢ ١٣٦.

(٧) ٢٩ الكهف : ١٨.

(٨) ٦٩ النساء : ٤.

١١٧

الأعلى» (١) ، وغلّط الأزهريّ قائله ، وقال : هم الأنبياء أسكنهم الله في علّيّين. والرّفق : التّؤدة والمهلة ، ومنه : «اللهمّ ارفق به». والمرتفق من ذلك. ومرفق اليد لانتفاع صاحبه به ، وفي حديث أبي أيوب : «وجدنا مرافقهم قد استقبل بها القبلة» (٢) أي مراحيضهم لارتفاقهم بها.

فصل الراء مع القاف

ر ق ب :

قوله تعالى : (وَفِي الرِّقابِ)(٣) يعني المكاتبين ، والرّقبة : العضو المعروف ، وعبّر بها عن الجملة ، وغلبت في المملوك من الآدميين ، كما غلب الرأس والظهر المراكب ، فقيل : هو يملك كذا رأسا وكذا ظهرا. وقوله : (فَكُّ رَقَبَةٍ)(٤) أي عتقها. والرّقيب : الحافظ للشيء ؛ وذلك إمّا لأنه يحفظ رقبته ، ومنه في أسماء الله تعالى «الرّقيب» ، وإمّا لأنه يرفع رقبته ناظرا إليه يراقبه. والمرقب : المكان العالي الذي يشرف عليه الرقيب. والارتقاب : الانتظار ، ومنه الرّقبى والعمرى ، وهو قوله : أرقبتك هذه الدار ، أي ملّكتكها مدة حياتك ، فإذا متّ عادت إليّ ؛ فهو ينتظر موته. وقوله : (خائِفاً يَتَرَقَّبُ)(٥) أي ينتظر ويتوقّع ما ذا يكون. وقوله : (فَارْتَقِبْ)(٦) أي انتظر. والرّقيب : الحافظ لقداح الميسر. والرّقيب : القدح الثالث منها. والرّقوب : المرأة التي تنتظر موت ولدها لكثرة ما مات من الأولاد. وفي الحديث : «ما تعدّون الرّقوب فيكم؟ قالوا : الذي لا يبقى من ولده شيء. قال : بل هو الذي لا يعدم من ولده شيئا» (٧). والرّقوب : الناقة تنتظر صواحبها تشرب فتشرب بعدها. ومراقبة الله تعالى : مراعاة حدوده وأوامره ونواهيه. وقوله : (لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً)(٨) أي لا يحفظون. ورقبته : أصبت رقبته. نحو رأسته.

__________________

(١) النهاية : ٢ ٢٤٦.

(٢) النهاية : ٢ ٢٤٧.

(٣) ١٧٧ البقرة : ٢.

(٤) ١٣ البلد : ٩٠.

(٥) ١٨ القصص : ٢٨.

(٦) ١٠ الدخان : ٤٤ ، وغيرها.

(٧) النهاية : ٢ ٢٤٩.

(٨) ١٠ التوبة : ٩.

١١٨

ر ق د :

قوله تعالى : (وَهُمْ رُقُودٌ)(١) جمع راقد ، نحو قاعد وقعود ، والرّقاد : النّوم المستطاب من النوم القليل ، وإنمّا قيل في أهل الكهف مع طول منامهم اعتبارا بحالة الموت ، وذلك أنهم اعتقدوا موتهم ، فنومهم قليل في جنب ما توهّموه من موتهم وأرقد الظّليم : أسرع ؛ الهمزة للسّلب ، كأنّه رفض رقاده.

ر ق ق :

قوله تعالى : (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ)(٢). الرّقّ ، بالفتح ، ما يكتب فيه من كاغد ونحوه وقيل : ما كان من الجلد. والرّقّ ، أيضا ، ذكر السّلاحف ، وقيل : دويبّة مائية ، وجمعها : رقوق. وبالكسر : الملك للعبد ، والعبد : رقيق ، وجمعه : أرقّاء ، والرّقّة كالدّقّة ، لكنّ الرقة تقال اعتبارا بمراعاة جوانبه ، والدقّة اعتبارا بعمقه ، ثم الرقّة إن كانت في جسم تضادّها الصّفاقة ، وإن كانت في نفس ضادتها القسوة. واسترقّ فلان فلانا : جعله رقيقا. والرّقّة : كلّ أرض إلى جنبها ماء لما فيها من الرقّة ، وفي المثل : «أعن صبوح ترقّق؟» (٣) ؛ تلين القول. والرّقراق : ترقرق الشّراب. والرّقراقة : الصّافية اللون. وفي الحديث : «تطلع الشمس ترقرق» (٤) أي تدور وتجيء وتذهب. وفي الحديث : «ثم غسل مراقّه» (٥) أي ما سفل من بطنه ولان. وترقرق الماء من ذلك لدورانه. قال (٦) : [من الطويل]

أدارا بحزوى هجت للعين عبرة؟

فماء الهوى يرفضّ أو يترقرق

والرّقاق : الأرض اللينة المتّسعة ، وفي الحديث : «ويخفضها بطنان الرّقاق» (٧) وقال

__________________

(١) ١٨ الكهف : ١٨.

(٢) ٣ الطور : ٥٢.

(٣) من حديث الشعبي ، أنظر تفصيله في النهاية : ٢ ٢٥٣.

(٤) النهاية : ٢ ٢٥٢.

(٥) النهاية : ٢ ٢٥٢.

(٦) البيت مطلع قصيدة لذي الرمة (الديوان : ١ ٤٥٦).

(٧) النهاية : ٢ ٢٥٢ ، والحديث لظبيان. والرقاق : ما اتّسع من الأرض ولان.

١١٩

امرؤ القيس (١) : [من البسيط]

رقاقها ضرم وجريها خذم

ولجمها زيم والبطن مقبوب

ر ق م :

قوله تعالى : (وَالرَّقِيمِ)(٢). الرقيم : الكتاب ؛ فعيل بمعنى مفعول. وقيل : الرقيم اسم قريتهم. وقيل : هو حجر رقمت فيه أسماؤهم والرّقم : الكتب ، ومنه رقمت الكتاب ، وفي المثل : «كالراقم على الماء» (٣). وقوله : (كِتابٌ مَرْقُومٌ)(٤). والرّقمتان من الحمار (٥) : الأثر الذي على عجزيه. وأرض مرقومة : بها أثر نبات تشبيها بما عليه من أثر الكتابة. والرّقميّات (٦) : سهام منسوبة إلى موضع بالمدينة. والرّقم : الوشي ، ومنه رقمت الثوب.

ر ق و :

قوله : (أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ)(٧) أي تصعد ، يقال : رقي في الدّرج يرقى رقيّا ، والأصل : رقوي فأدغم. وفي المثل : «إرق على ظلعك وإن كنت ظالعا» (٨). قوله : (مَنْ راقٍ)(٩). يقال : رقاه يرقيه رقية ، إذا عوّذه وحماه. وفي الحديث : «وما يدريك أنها رقية» (١٠). فمعنى «من راق» : لا حامي له منه ، كقول أبي ذؤيب (١١) : [من الطويل]

__________________

(١) البيت غير مذكور في ديوان امرئ القيس ، ولعل ذكره وهم من الناسخ ، لوجود «مقبوب» في الجمهرة منسوبا إلى امرئ القيس. وفي اللسان ـ مادة رقق ، البيت منسوب لإبراهيم بن عمران الأنصاري.

(٢) ٩ الكهف : ١٨.

(٣) مثل يضرب للحذق في الأمور.

(٤) ٩ المطففين : ٨٣ ، وغيرها.

(٥) وفي الأصل : والرقمتين من الأحجار ، والتصويب من اللسان ـ رقم ، ومن المفردات : ٢٠١.

(٦) وفي الأصل : والرقمات. والتصويب من اللسان ـ رقم ، والمفردات : ٢٠١.

(٧) ٩٣ الإسراء : ١٧.

(٨) المستقصى : ١ ١٤٢. ومعناه : توصّل إلى بغيتك وإن كنت مقصّرا ، وعلى بمعنى مع. وفيه رواية أخرى.

(٩) ٢٧ القيامة : ٧٥.

(١٠) صحيح البخاري ، الإجارة ، ١٦.

(١١) ديوان الهذليين : ق ١ ٣.

١٢٠