عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ)(١) ، وقوله : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(٢) إشارة إلى اجتماعهم على الحقّ وتشاركهم في الصّفة المقتضية لذلك.

وقولهم : تأخّيت كذا ، أي تحرّيت في الأمر تحرّي الأخ لأخيه. وتصوّروا معنى الملازمة فقالوا : أخيّة الدابّة (٣) ، لما تربط به من عود وحبل. وفي الحديث : «مثل المؤمن والإيمان كمثل الفرس في آخيّته» (٤) ؛ قال الليث : هو وتد يعرّض في الجدار يربط إليه. وقال الأزهريّ : هو الحبل يدفن مثنيّا ويخرج طرفاه شبه الحلقة ، والجمع الأواخيّ والأخايا (٥) ، وهي فاعولة.

قلت : ومثلها وزنا ومعنى الآريّة (٦) ، وجمعها الأواريّ في قول النابغة : [من البسيط]

إلا الأواريّ لأيا ما أبيّنها

ومثلها : الإدرون والجمع أدارين.

والإخوان : لغة في الخوان ، وفي الحديث : «حتى إنّ أهل الإخوان ليجتمعون» (٧). وقال العريان (٨) : [من الطويل]

ومنحر مئناث تجرّ حوارها

وموضع إخوان إلى جنب إخوان

__________________

(١) ٢٥٧ / البقرة : ٢.

(٢) ١٠ / الحجرات : ٤٩.

(٣) ويجوز المدّ.

(٤) النهاية : ١ / ٢٩.

(٥) جمع الأخايا على غير قياس.

(٦) في الأصل : الأورية ، وهو وهم. والشاهد مرّ قبل.

(٧) النهاية : ١ / ٣٠.

(٨) ورد في اللسان من غير عزو في مادة (خون) ، وأنشده الهروي كما في حاشية النهاية : ١ / ٣٠ ، والغريبين : ٢٧. والخوان والإخوان : ما يوضع عليه الطعام ليؤكل ، والخوان فارسية.

٨١

فصل الألف والدال

أ د د :

قال تعالى : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا)(١) أي : منكم شيئا فظيعا. يقال : جاء بأمر إدّ يقع فيه جلبة وصياح. وأصله : من أدّت الناقة تئدّ رجّعت أنينها ترجيعا شديدا (والأديد : الجلبة. وقيل :) (٢) وهو من الودّ.

والإدّة واحد الإدّ كتمرة وتمر ، ويجمع على الإدد. وفي حديث عليّ رضي الله عنه : «رأيت رسول الله (٣) صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : ماذا لقيت بعدك من الإدد والأود؟» ، فالإدد : الدّواهي العظام. وقال ابن خالويه : الإدّ والأدّ بالكسر والفتح : العجب (٤). والإدّة : الشدّة. وأدّني وآدني : أثقلني. وبالفتح قرأ السلميّ (٥) وقال الراجز :

لقد لقي الأقران مني نكرا

داهية دهياء إدّا مرّا

وقيل : الإدّ : القوة. قال الراجز :

نضون عني شدّة وأدّا

من بعد ما كنت صملّا جلدا (٦)

أ د م :

هو أبو البشر صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قالوا : مشتقّ من أديم الأرض. وقيل : لسمرة لونه : رجل آدم / وامرأة أدماء ، من الأدمة وهي السّمرة. قال الهرويّ : إذا كان اسما جمع

__________________

(١) ٨٩ / مريم : ١٩.

(٢) إضافة من س.

(٣) يعني في المنام. والحديث في النهاية : ١ / ٣١.

(٤) ورد كلام ابن خالويه في مختصر الشواذ : ٨٦ ، وفيه بالكسر والضم.

(٥) يعني «أدّا» الآية ، وهي في شواذ ابن خالويه ص ٨٦ قراءة علي بن أبي طالب وليست للسلمي.

(٦) البيت مضطرب وناقص الأصل ، وصوّبناه من اللسان مادة (أدد).

٨٢

على الآدميين ، وإن كان نعتا جمع على الأدم. يعني (١) إذا كان علما جمع جمع تصحيح ، وإن كان وصفا غير علم كسر على فعل كحمر. وقيل : سمّي بذلك لكونه من عناصر مختلفة وقوى متفرقة ، كما قال تعالى : (مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ)(٢) : أخلاط ، وهذا من قولهم : جعلت فلانا أدمة أهلي أي خلطته بهم. وقيل : لما (٣) طيّب به من الرّوح المنفوخ فيه المشار إليه بقوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي)(٤) الذي جعل له به العقل والفهم والرّويّة المفضّل بها على غيره من الحيوان كقوله : (وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً)(٥) ، وذلك من قولهم : الإدام وهو ما يطيّب به الطعام.

ويقال : إدام وأدم نحو إهاب وأهب. ومن هذا : أدام الله بينهما أي أصلح وطيّب. يأدم أدما ، والأدم مثل الإدام. وفي الحديث : «لو نظرت إليها فإنّه أحرى أن يؤدم بينكما» (٦) ، أي : يؤلّف ويطيب (٧) ، قال لمن يخطب امرأة (٨) أي إذا أبصرتها احتطت لنفسك.

أ د ي :

قال تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها)(٩) (الأداء : ما يجب دفعه ، وإعطاؤه لمستحقّه كأداء الأمانة. قال تعالى : (أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ)) (١٠).

__________________

(١) يقصد : يعني أنه إذا.

(٢) ٢ / الانسان : ٧٦. صيغة أفعال هاهنا دالة على المفرد لأن أمشاجا صفة ل «نطفة» ، ولا يوصف المفرد بالجمع. انظر كتاب سيبويه : ٢ / ١٧ بولاق.

(٣) يقصد : سمي بذلك لما ..

(٤) ٢٩ / الحجر : ١٥.

(٥) ٧٠ / الإسراء : ١٧.

(٦) هو حديث النكاح موجه للمغيرة بن شعبة وقد خطب امرأة. انظر النهاية : ١ / ٣٢.

(٧) في الأصل : وليطيب.

(٨) الضمير عائد على المغيرة.

(٩) ٥٨ / النساء : ٤.

(١٠) ساقط من س.

٨٣

قالوا : وأصله من الأداة. قالوا : أدوت تفعل كذا أي ختلت (١). وأصله تناولت الأداة التي يتوصّل بها إليه. واستأدى على فلان نحو استعدى. قولهم : أدوت ، يدلّ على أنّ في المادة لغة من الياء والواو. والراغب يترجم بمادّة أدي. مع ذكره لقولهم : أدوت. وفي الحديث : «يجري من قبل المشرق جيش (آدى شيء) (٢) وأعدّه». قالوا : معناه أقوى شيء. يقال : آدني وأعدني عليه ، أي قوّني ، وفلان مؤد (٣) أي ذو قوّة. فوزن آدى في الحديث أفعل ، والأصل أأدى بهمزتين ففعل ماض ... (٤) ومؤد مثل مؤمن (٥).

فصل الألف والذال

إ ذ :

ظرف زمان ماض ، وتصرّفه قليل ، وهو مبنيّ لشبهه بالحرف ، ويلزم الإضافة إلى الجملة الاسمية أو الفعلية. وقد تحذف وينوب عنها تنوين كقوله : (وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ)(٦) ، (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ)(٧).

__________________

(١) كذا في اللسان ، وفي الأصل : احتلت.

(٢) ساقط من ح ، فأكملنا الحديث من النهاية : ١ / ٣٢.

(٣) وفي س : مؤاد.

(٤) اضطربت الجملة في س فقال الناسخ : «ففعل عليه ما فعل». كما وقع بعض الاضطراب في ح فقال : «ففعل ماض بأمن».

(٥) جاء في الهامش تعليقا على الأداء : «الأداء تسليم عين الثابت في الذمة بالسبب الموجب كالوقت للصلاة والشهر للصوم إلى من يستحق ذلك الواجب. صح» وهو من غير خط المؤلف وأتبعه كذلك : «الأداء الكامل : ما يؤديه الإنسان على الوجه الذي أمر به كأداء المدرك للإمام. الأداء الناقص بخلافه كأداء المنفرد ، والمسبوق الأداء الذي يشبه القضاء ، وهو أداء اللاحق بعد فراغ الإمام لأنه باعتبار الوقت مؤد ، وباعتبار أنه التزم أداء الصلاة مع الإمام حين تحرم معه قاض لما فاته مع الإمام». انتهى النقل من الهامش ، وهو منقول من (التعريفات للجرجاني : ٢٩. تحقيق الأبياري ، ط ١).

(٦) ٨٤ / الواقعة : ٥٦.

(٧) ٦٦ / هود : ١١.

٨٤

وزعم الأخفش أنها معربة حال تنوينها. ويورده في غير هذا. ويزاد عليها (١) ما فتجزم فعلين ك «إن» ، ومثلها حيثما.

إ ذ ن :

الإذن : الإعلام. يقال : آذنت لك في كذا أي أعلمتك برفع الحرج في فعله ، فيكون بمعنى الأمر. قال الله تعالى : (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ)(٢) ، (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(٣) ، (إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ)(٤) لمن يشاكله بمعنى الأمر. والإذن : العلم. قال تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ)(٥) أي بعلمه أو بأمره. ويوافقه : (وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ)(٦) وقوله : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(٧)(وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(٨) ، كلّه بمعنى علمه.

وقال الهرويّ في : (أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(٩) أي بتوقيته ، وفيه نظر. وقوله : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ)(١٠) أي فاعلموا. يقال : أذن يأذن إذنا أي علم. وقرىء : فآذنوا بمعنى أعلموا من وراءكم. وقوله : (آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ)(١١) أي بشدّة الدّهش ، وإلا فهم يعلمون أنه عالم بذلك. وقوله : (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ)(١٢) أي

__________________

(١) وفي ح : عليه.

(٢) ٣٦ / النور : ٢٤.

(٣) ٢٥٥ / البقرة : ٢.

(٤) ٢٦ / النجم : ٥٣.

(٥) ٤ / القدر : ٩٧.

(٦) ٦٤ / مريم : ١٩.

(٧) ١٠٠ / يونس : ١٠.

(٨) ١٠٢ / البقرة : ٢.

(٩) ١٤٥ / آل عمران : ٣.

(١٠) ٢٧٩ / البقرة : ٢.

(١١) ٤٧ / فصلت : ٤١.

(١٢) ١٠٩ / الأنبياء : ٢١.

٨٥

أعلمتكم (١) بما ينزل عليّ من الوحي لتستووا في الإيمان به. وقيل : لتستووا في العلم بذلك ، فلم [أعلم](٢) لأحد بنبأ أخفيته على غيره. وقيل : المعنى على بيان : أنا وإياكم حرب لا سلم ، كقوله : (إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ)(٣). وقيل : هو جار هنا مجرى الإنذار ، أي : أنذركم مستوين في ذلك لم أطوه عن أحد منكم. وأنشد قول ابن حلّزة : [من الخفيف]

آذنتنا ببينها أسماء

ربّ ثاو يملّ منه الثّواء (٤)

وعليه قوله (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ)(٥) وقوله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ)(٦) أي إعلام وإنذار. يقال : آذن يؤذن إيذانا وأذانا وأذينا. قال جرير (٧) : [من البسيط]

هل تملكون من المشاعر مشعرا

أو تشهدون من (٨) الأذان أذينا

ويروى : لدى الأذان.

وقيل : الأذين : المؤذّن المعلم بأوقات الصّلاة ؛ فعيل بمعنى مفعّل. وأنشد (٩) : [من الرجز]

شدّ على أمر الورود مئزره

ليلا (١٠) ، وما نادى أذين المدره

أي مؤذّن البلد. وقوله : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ)(١١) تفعّل بمعنى أعلم. وقوله : (فَأَذَّنَ

__________________

(١) في الأصل : لمتكم.

(٢) نقص في المعنى ، وما أضفناه يناسب السياق.

(٣) ٥٨ / الأنفال : ٨.

(٤) البيت مطلع معلقة الحارث بن حلزة (شرح القصائد التسع : ٢ / ٥٤١).

(٥) ٢٧٩ / البقرة : ٢.

(٦) ٣ / التوبة : ٩.

(٧) البيت من قصيدة يهجو بها الأخطل (الديوان : ٥٧٩).

(٨) رواية الديوان : مع ، ولعلها أصوب. ورواية الغريبين (ص ٣١) : لدى.

(٩) البيت للحصين بن بكير الرّبعيّ يصف حمار الوحش (اللسان ـ أذن) والغريبين : ١ / ٣٢.

(١٠) ورواية اللسان : سحقا.

(١١) ١٦٧ / الأعراف : ٧.

٨٦

مُؤَذِّنٌ)(١) أي نادى مناد أعلم بندائه. ولما ذكر الراغب الأذن التي هي الجارحة قال : وأذن : استمع (٢) نحو : (وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ)(٣). ويستعمل ذلك في العلم الذي يتوصّل إليه بالسّماع نحو : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ)(٤).

والإذن والأذان لما يسمع ، ويعبّر بذلك عن العلم ، إذ هو مبدأ كثير من العلم. وأذنته وآذنته بمعنى. والأذين : المكان الذي يأتيه الأذان. والإذن في الشيء : إعلام بإجازته والرّخصة فيه ، نحو : (إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ)(٥) أي بإرادته وأمره. قال (٦) : لكن بين العلم والإذن فرق ؛ فإنّ الإذن أخصّ ، إذ لا يكاد يستعمل إلا فيما فيه مشيئة (ضامّة للأمر أو لم تضامّه) (٧) ؛ فإنّ قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(٨) معلوم ؛ فإن فيه مشيئته وأمره (٩). قال : وقوله : (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ)(١٠) فيه مشيئته من وجه ، وهو أنّه لا خلاف في أنّ الله أوجد في الإنسان قوة فيها إمكان الضّرب (١١) من جهة من يظلمه فيضرّه ، ولم يجعله كالحجر الذي لا يوجعه الضرب. ولا خلاف أنّ إيجاد هذا الإمكان من فعل الله تعالى ، فمن هذا الوجه يصحّ أن يقال : إنه بإذن (١٢) الله ومشيئته يلحق الضرر من جهة الظالم. قلت : وهذا الاعتذار منه لأنه ينحو إلى مذهب الاعتزال.

وإذن : حرف جواب وجزاء ، والجواب معنى لا يفارقها ، وقد يفارقها الجزاء.

__________________

(١) ٤٤ / الأعراف : ٧.

(٢) في الأصل : السمع ، وصوّبناه عن مفردات الراغب : ١٤.

(٣) ٢ / الانشقاق : ٨٤.

(٤) ٢٧٩ / البقرة : ٢.

(٥) ٦٤ / النساء : ٤.

(٦) يعني الراغب ص ١٥.

(٧) أخطأ الناسخ ، وصواب كلام الراغب : «به راضيا منه الفعل أم لم يرض به» ص ١٥.

(٨) ١٠٠ / يونس : ١٠.

(٩) في الأصل : مشيئة وأمدا ، والتصويب من المفردات.

(١٠) ١٠٢ / البقرة : ٢.

(١١) في الأصل : الضرر ، وهو وهم.

(١٢) في الأصل : إن يأذن.

٨٧

وينصب المضارع بشروط ثلاثة :

١ ـ أن يتصدّر.

٢ ـ وأن يكون الفعل حالا.

٣ ـ وألّا يفصل بينه وبينها ؛ فإن وقعت بعد عاطف جاز الأمران ؛ وقرىء : وإذن (وإذا) لا يلبثون خلافك (١) بالرفع والنصب (٢). فإن وقعت بين متلازمين ، أو كان الفعل حالا ، أو فصل بينهما رفع وشبّه بالتّنوين ، فيكتب بالألف ، ويوقف بها عليها.

والأذن الجارحة يعبّر بها عمّن كثر استماعه وقبوله لما يقال له. فيقال : فلان أذن خير لكم ، أي يقبل معاذيركم ، ويصفح عن مسيئكم ، كأنّهم يقولون : إذا بلغه عنّا ما يكرهه حلفنا له فيقبلنا ، فإنّما هو أذن.

وأذن لكذا : استمع له. وفي الحديث : «ما أذن الله لشيء كإذنه لنبيّ يتغنّى بالقرآن» (٣) ، يريد : ما استمع الله لشيء ، والله لا يشغله سمع عن سمع.

أ ذ ي :

الأذى في الأصل : الضّرر الحاصل. وقوله : (قُلْ هُوَ أَذىً)(٤) كناية عن الاستقذار ، وما يلحق متعاطي الوطء في وقته من الضّرر (٥) ، وكونه يخرج من مخرج البول. وقوله : (فَآذُوهُما)(٦) / إشارة إلى الضرب. وقيل : سيئوهما واشتموهما ، ثم

__________________

(١) ٧٦ / الإسراء : ١٧.

(٢) قراءة الرفع سبعية متواترة ، وقراءة النصب «وإذن لا يلبثوا» لأبيّ بن كعب (مختصر الشواذ : ٧٧).

(٣) جاء في كشف الخفاء للعجلوني (٢ / ٢٩٩): «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به» رواه الشيخان. أما ابن الأثير فرواه كما رواه السمين في المتن ، انظر النهاية : ١ / ٣٣.

(٤) ٢٢٢ / البقرة : ٢.

(٥) لأن الموضوع عن المحيض ، وأول الآية : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً).

(٦) ١٦ / النساء : ٤.

٨٨

نسخ ذلك بالحدّ. وقوله : (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)(١) هو ما يسمعه السائل من المكروه ، وهو كقوله : (وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ)(٢). وقوله : (وَدَعْ أَذاهُمْ)(٣) أي اترك ما تسمعه من المنافقين حتى تؤمر فيهم. وقوله في الإيمان : «أدناه (٤) إماطة الأذى عن الطريق» ، يعني به : كلّ ما يتأذّى به المارّ في طريقه من شوك وحجر ونحوهما. وفي الحديث (٥) : «أميطوا الأذى عنه» ؛ يعني بالأذى الشّعر الذي يكون على رأسه عند ولادته يوم السابع وهو العقيقة. وكانت العرب تذمّ من لا يحلق رأسه يوم السابع. قال امرؤ القيس (٦) : [من المتقارب]

أيا هند لا تنكحي بوهة

عليه عقيقته أحسبا

يقال : آذى يؤذي إيذاء وأذى وأذيّة. والآذيّ : الموج ، لأنّه يؤذي راكب البحر.

وإذا : ظرف زمان مستقبل يتضمّن معنى الشرط غالبا ، ولا يجزم إلا في الشعر (٧) كقوله :

إذا خمدت نيرانهم تقد

ولا يقع إلا في المحقّق. وتلزمها الإضافة إلى الجمل الفعلية فقط على المشهور ، وتصرّفها قليل. وتكون فجائية ، وهل هي حينئذ ظرف زمان أو مكان أو حرف خلاف كقوله : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٨) ، وقوله : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ)(٩) على

__________________

(١) ٢٦٤ / البقرة : ٢.

(٢) ١٠ / الضحى : ٩٣.

(٣) ٤٨ / الأحزاب : ٣٣.

(٤) وفي النهاية : ١ / ٣٤ والغريبين : ٣٤ : وأدناها.

(٥) هو حديث العقيقة. النهاية : ١ / ٣٤.

(٦) الديوان : ٩٩. البوهة : الأحمق. الأحسب : الذي ابيضّ جلده من داء كالبرص ونحوه.

(٧) انظر مجالس ثعلب : ١ / ٧٤ والمغني : ١ / ٩٣ في جواز مجيء إذا جازمة في الضرورة الشعرية وهو جزء من عجز للفرزدق يأتي تفصيله (الديوان : ٢١٦).

(٨) ٩٧ / الأنبياء : ٢١.

(٩) ١ / الإنشقاق : ٨٤.

٨٩

إضمار الفعل.

وقد تقع إذ موقع إذا كقوله : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ)(١) ، وإذا موقع إذ ، كقوله : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها)(٢). والمختار أنّ كلّ واحدة على بابها ، ولتحقيقه موضع غير هذا.

فصل الألف والراء

أ ر ب :

قال الله تعالى : (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ)(٣) أي غير أولي الحاجة إلى النّكاح ، وقيل : غير أولي العضل الذين لا يعقلهنّ النساء. يقال : أرب الرجل يأرب أربا وإربة ومأربة (٤).

والأرب : العقل. وقيل : الأرب فرط الحاجة المقتضي للاحتيال في دفعه ، فهو أخصّ. وكلّ أرب حاجة من غير عكس. وأرب إلى كذا : احتاج حاجة شديدة. وقد يستعمل في الحاجة بانفرادها. قال ... (٥) أي احتجت وطلبت ، وفي الاحتيال بانفراده كقولهم : فلان ذو أرب وأريب ، أي ذو احتيال. وفي الحديث «أنه ذكر الحيّات فقال : من خشي إربهنّ فليس منّا» (٦) أي نكدهنّ ودهاءهنّ وغائلتهنّ ، لأنهم كانوا يقولون : من قتل حية خبل في عقله ، فزجرهم بذلك.

ولا أرب لي بكذا ، ولا أربى (٧) : الداهية المحوجة في دفعها إلى الاحتيال.

__________________

(١) ٣٩ / الزخرف : ٤٣.

(٢) ١١ / الجمعة : ٦٢.

(٣) ٣١ / النور : ٢٤.

(٤) ويقال كذلك : إربا ومأربة (وانظر اللسان ـ أرب). المعنى : إذا احتاج.

(٥) فراغ قدر سطر في ح ، والكلمات متصلة من غير فراغ في س.

(٦) الكلمة ساقطة من الأصل فاستكملناها من النهاية : ١ / ٣٧.

(٧) يقصد : والأربى هي ..

٩٠

والمآرب ؛ الحاجات والمنافع ، جمع مأربة أو مأربة بالضم أو الفتح. قال تعالى (وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى)(١).

ومن ذلك : الآراب وهي الأعضاء السبعة المشار إليها بقوله عليه الصلاة والسّلام : «أمرت أن أسجد على سبعة آراب» (٢) ، وفي آخر : «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب : وجهه ، وكفّاه ، وركبتاه ، وقد ماه» (٣). وسميت هذه آرابا لأنها تشتدّ الحاجة إليها. فإنّ ما في الإنسان إمّا لمجرد زينة كاللحية والحاجب ، وإما للحاجة. ثم هذا قسمان : تشتدّ الحاجة إليه كاليدين والرّجلين (٤) فمن ثمّ سميت هذه آرابا. وفي الحديث «أنّ رجلا اعترض النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليسأله فصاح به الناس ، فقال لهم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أرب ماله؟» (٥) ؛ قال ابن الأعرابيّ : معناه احتاج فسأل ، ما له (٦)؟ وفي حديث آخر : «فدعوه ، فأرب ماله» ؛ قال الأزهريّ : معناه : فحاجة جاءت (٧) به فدعوه. وقال الضبيّ (٨) في قوله : أرب ماله : سقطت آرابه وأصيبت. وهذه كلمة لا يراد بها حقيقة الدّعاء كقوله : عقرى حلقى (٩) ، وتربت يداك ، يعني أنّ قوله : سقطت آرابه أي أعضاؤه كما تقدّم.

وفي نحو ما يرد من ذلك منه عليه‌السلام قولان أحدهما أنه دعاء على بابه. ولكنّ النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم لرأفته بنا قال : «اللهمّ إنما أنا بشر فمن دعوت عليه فاجعل دعائي رحمة

__________________

(١) ١٨ / طه : ٢٠.

(٢) انظر النهاية : ١ / ٣٦ لاختلاف الرواية.

(٣) المفردات : ١٦.

(٤) في المتن سقط أخلّ به الأصل ، وتمامه نقلا عن مفردات الراغب : «وضرب للزينة كالحاجب واللحية. ثم التي للحاجة ضربان : ضرب لا تشتدّ إليه الحاجة ، وضرب تشتد إليه الحاجة حتى لو توهّم مرتفعا لاختلّ البدن به اختلالا عظيما ، وهي التي تسمى آرابا ..» ص ١٦.

(٥) وانظر الآراء في تفسير قوله في النهاية : ١ / ٣٥ ، وفي تهذيب اللغة.

(٦) وفي الأصل : فماله؟.

(٧) كذا في س ، وفي ح : فجأه حاجة. و «ما» صلة أي زائدة أي له حاجة يسيرة.

(٨) وفي الغريبين (٣٥) : القتيبي ، ولعله أصوب.

(٩) كذا التصويب من اللسان والغريبين. وفي الأصل : عمري وحلفي.

٩١

له» (١). والثاني أنه على التعجب كقولهم : قاتله الله ما أشعره! ، ولله درّه ، وتربت يداه ، و (قُتِلَ الْإِنْسانُ)(٢). وفي آخر (٣) : أرب ، ما له؟ أي هو حاذق فطن. قال أبو العيال (٤) : [من مجزوء الوافر]

يلفّ طوائف الفرسا

ن ، وهو بلفّهم أرب

وأرب الرجل : صار ذا فطنة. وفي حديث : «أتي بكتف مؤرّبة» (٥) أي موفّرة غير ناقصة. وهو من قولهم : أرّب نصيبه أي عظّمه بأن جعل ذا قدر يكون فيه أرب.

وأرّب ماله : كثر ، وأرّبت العقدة : أحكمتها وشددتها ، ومنه قول سعيد بن العاص لابنه عمرو : لا تتأرّب على بناتي (٦) أي تتشدّد. وعن عائشة رضي الله عنها في حقّه عليه الصلاة والسّلام : «كان أملككم لأربه» (٧) أي لحاجته. وفي الحديث : «مؤاربة (٨) الأريب جهل وعناء» ، أي مغالبة العاقل جهل لأنه لا يختل عن عقله.

أ ر ض (٩) :

الأرض : الجرم الكثيف السفليّ المقابل للسّماء ، ولم تجىء في القرآن إلا مفردة ،

__________________

(١) الغريبين : ٣٥. النهاية : ١ / ٣٥.

(٢) ١٧ عبس : ٨٠.

(٣) أي : وفي قول آخر ، ثم قال : ما له؟

(٤) البيت مضطرب في الأصل ، صوّبناه من ديوان الهذليين : ص ٢٥٠ / القسم الثاني. والبيت من قصيدة يرثي فيها أبو العيال الهذلي ابن عم له قتل في زمن معاوية. ومعنى أرب هنا : هو حاذق بقتالهم.

(٥) النهاية : ١ / ٣٦.

(٦) وفي الأصل : بابي.

(٧) النهاية : ١ / ٣٦. والمعنى أنه كان غالبا لهواه. وضبطها الهروي بالكسرة «لإربه» (الغريبين : ٣٤)

(٨) وفي الأصل : مواريب ، وهو وهم.

(٩) جاء في الهامش تعليقا من غير خط المؤلف : «ذكر أئمة التفسير أن للأرض طبقات وفي كل منها مخلوقات وبين أرض وأرض مسيرة خمس مئة عام. ووردت على ذلك الأحاديث والآثار منها ما في البخاري من قوله عليه‌السلام : من أخذ شيئا من الأرض بغير حق خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين. ومنها ما في الصحيحين واللفظ لمسلم : «من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوّقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين». ومعنى تطويقه جعله في عنقه كالطوق. وهذا المعنى يوافق رواية البخاري. وقيل معنى تطويقه إياه تكليفه حمله ، وقد تأول طبقات الأرض بالأقاليم السبعة ، وبطبقات العناصر بتأويل الأرض بالعالم ـ

٩٢

وقد جمعت تصحيحا في قوله عليه الصلاة والسّلام (١) : «طوّقه من سبع أرضين». وفي قول الآخر : [من الوافر]

وأيّة بلدة إلا أتينا

من الأرضين تعلمه نزار

فقيل : إنها سبع متطابقة كالسّماوات ، ويشهد له ظاهر قوله : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ)(٢). وقوله (٣) : «من سبع أرضين» لا دلالة فيه لاحتمال سبع أقاليم ، وسبع أرضين متجاورة لا متطابقة. ويعبّر بها عن أسفل الشيء ، كما يعبّر بالسماء عن أعلاه ، قال (٤) : [من الرجز]

ولم يقلّب أرضها البيطار

وزهراء كالديباج ، أما سماؤها

فريّا (٥) ، وأما أرضها فمحول

__________________

 ـ السفلي. وقد يظن أن كثرة وقوع توحيد الأرض مع السماء يؤيد التأويل. وفيه أنه يجوز أن يكون التوحيد والجمع لإيجاد حقيقة الأرضين واختلاف حقائق السماوات أو ثقل جمع الأرض لفظا ، ورب مفرد لم يقع في القرآن جمعه لثقله وخفة المفرد. ورب جمع لم يقع في القرآن مفرده لثقله وخفة الجمع. والتطويق الذي في الحديث لا يلائم التأويل إذ المناسب للأحكام الشرعية المعنى الظاهر ، وأنه من ملك أرضا ملك ما تحته فيناسب تطويق الغاصب سبع طبقات بخلاف تطويق الأقاليم ، فإنه لا يناسب أن يطوق لغصب شبر من إقليم بواقي الأقاليم. وقد روى أحمد والترمذي مرفوعا ما يفيد أن ما بين سماء وسماء وكذا أرض وأرض خمس مئة عام. وروى الترمذي أيضا من حديث ابن عباس مرفوعا بين كل سماء وسماء إحدى أو إثنان وسبعون سنة. والجمع بأن الاختلاف باعتبار بطء السير وسرعته. وما ذكر أهل الهيئة من عدم مسافة بين فلك وفلك فهو أمر لم يثبتوه ببرهان ، بل تقدم دليل لهم على وجود المسافة. على أن الشيخ ابن حجر ذكر في شرحه على البخاري أن السماوات السبع عند أهل الشرع غير الأفلاك. وأعلم أن المؤنث الغير الحقيقي (كذا) المجرد عن العلاقة لا يجمع بالألف والتاء إلا سماعا ، وسماوات مسموعة دون أرضات».

(١) تمام الحديث : «من ظلم شبرا من أرض طوّقه الله من سبع أرضين» النهاية : ٣ / ١٤٣.

(٢) ١٢ / الطلاق : ٦٥.

(٣) أي : صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٤) صدر بيت لحميد يصف فرسا كما في اللسان مادة أرض ، وعجزه :

ولا لحبليه بها حبار

(٥) وفي المفردات (ص ١٦) : وأحمر ، وفيه أنه لشاعر في صفة فرس.

٩٣

والأرض : الرّعدة أيضا ، وعن ابن عباس : «أزلزلت بي الأرض أم بي أرض» (١)؟ أي رعدة.

والأرض : الزّكام. تأرّض (٢) : قام على الأرض. وفي حديث أمّ معبد : «فشربوا حتى أراضوا» أي ناموا على الأرض (٣). والتأريض : التّهيئة والتسوية ، وفي الحديث (٤) : «لا صيام لمن لم يؤرّضه من الليل» أي يهيئه. وآرضت الكلام (٥) ، من مكان أريض ، خليق بالخير. وأرض أريضة : حسنة النّبت. والأرضة : دودة تأكل الخشب من الأرض. وأرضت الدودة الخشبة فهي مأروضة ، وأرضت الخشبة.

وقوله : (يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها)(٦) من أحسن المجازات ، وفيه دليل على البعث. وقيل : هو كناية عن إلانة القلوب بعد قسوتها وثبوتها على الحقّ.

أ ر ك :

قال تعالى : (عَلَى الْأَرائِكِ)(٧) هو جمع أريكة. والأريكة : كل ما يتّكأ عليه ، عن الزهريّ. وقال ثعلب : السرير في الحجلة فإن كان منفردا فليس بأريكة. قال الراغب : حجلة على سرير (٨). وتسميتها بذلك إمّا لكونها (٩) على الأرض متّخذة من الأراك (١٠) وإمّا لكونها مكانا للإقامة من أرك بالمكان أروكا : أقام. وأصل الأروك الإقامة لرعي الأراك. ثم عبّر به عن كلّ إقامة.

__________________

(١) النهاية : ١ / ٣٩.

(٢) وفي الأصل : فاراض ، ولعلها كما ذكرنا.

(٣) اختلف تأويل كلام أم معبد عند ابن الأثير (النهاية : ١ / ٢٩) فقال : أي شربوا عللا بعد نهل حتى رووا. وفي اللسان : آرضوا. وفي الغريبين (٣٩) : الإراض ، وهو البساط ، وهو الصواب.

(٤) النهاية : ١ / ٣٩.

(٥) وفي الأصل : أرضيت الكلام. وفي الغريبين (٣٩) : أرّضت الكلام.

(٦) ١٩ / الروم : ٣٠.

(٧) ٣١ / الكهف : ١٨ ، وغيرها.

(٨) المفردات : ١٦.

(٩) في الأصل : لأنها ، ولعلها كما ذكرنا.

(١٠) في الأصل : الأرائك ، ولعلها كما ذكرنا.

٩٤

أ ر م :

قال تعالى : (بِعادٍ. إِرَمَ)(١). قيل : هو سام بن نوح. وقيل : هو أبو عاد. وقيل : قبيلة من عاد. وقيل : / هو اسم قرية. وقيل : أمة من الأمم. وقيل : هي عاد الأولى. والإرم أيضا : علم يبنى من الحجارة ، جمعه آرام. والحجارة : أرّم ، ومنه قيل للمتغيّظ : يحرق الأرّم (٢). وإرم : بلدة عاد. ومعنى قوله : (أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ) أي أعلامها المرفوعة العتيدة المزخرفة (٣). وما بها أرم وأريم : أي أحد. وأصله : المقيم في الدار.

فصل الألف والزاي

أ ز ر :

الأزر : القوة الشديدة ، قال تعالى : (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي)(٤). أي أتقوّى به. وآزرته : قوّيته ، قال : (فَآزَرَهُ)(٥) قوّاه. وتأزّر النّبت : طال وقوي ، وعليه قوله (٦) : [من الطويل]

فلا أب وابنا مثل مروان وابنه

إذا هو بالمجد ارتدى وتأزّرا

وأزرت البناء وآزرته : قوّيت أسّه ، وأصل ذلك من شدّ (٧) الإزار وتقويته. يقال : إزار

__________________

(١) من الآيتين : ٦ و ٧ / الفجر : ٨٩.

(٢) الأرّم : الأضراس.

(٣) يعني «ذات العماد».

(٤) ٣١ / طه : ٢٠.

(٥) ٢٩ / الفتح : ٤٠.

(٦) ينسب البيت إلى الفرزدق ، ولم نجد في الديوان إلا عجزا قريبا منه قوله :

إذا الموت بالموت ارتدى وتأزّرا

ص ٢٨٠ ، وتكرر العجز ص ٢٩٥. وينسب كذلك إلى رجل من بني عبد مناة. وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ١ / ١٢٠.

(٧) وفي الأصل : مثل ، ولعله كما ذكرنا.

٩٥

وإزارة ومئزر ، ومنه تسمية المرأة إزارا كقوله : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ)(١). وفي الحديث : «لنمنعنّك ممّا نمنع منه [أزرنا]» (٢). وفلان طاهر الإزار يكنّى به عن ذلك أو عن عقبه. وقال آخر (٣) : [من الوافر]

ألا أبلغ أبا حفص رسولا

فدى لك من أخي ثقة إزاري

وقوله : (لِأَبِيهِ آزَرَ)(٤) قيل : اسمه تارخ فعرّب فصار آزر. وقيل : هو بلغتهم الضالّ.

وأما آزرته ووازرته : صرت وزيره فسيأتي في مادة الواو إن شاء الله. وقوله (٥) : «إذا دخل العشر الأواخر أيقظ أهله وشدّ مئزره» ، قيل : كنّى (٦) بذلك عن عزلته عن نسائه ، وقيل : كنّى به عن التّشمير والاجتهاد وإن (٧) لم يرج ذلك (٨). وقوله : [من البسيط]

قوم إذا حاربوا شدّوا مآزرهم

دون النساء ولو باتت بأطمار

يريد الاعتزال عنهنّ.

أ ز ز :

قال تعالى : (تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)(٩) أي تزعجهم إزعاجا شديدا. والأزّ والهزّ أخوان ،

__________________

(١) ١٨٧ / البقرة : ٢.

(٢) هو من حديث بيعة العقبة ، والإضافة من النهاية : ١ / ٤٥. ونسخ الحديث في الأصل مضطرب.

(٣) هو نفيلة الأكبر ، من قطعة رفعها إلى عمر يشكو من أحد الولاة ، والبيت مذكور في النهاية ، والخبر مبسوط في اللسان مادة أزر.

(٤) ٧٤ / الأنعام : ٦.

(٥) من حديث الاعتكاف (النهاية : ١ / ٤٤).

(٦) الضمير عائد عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٧) وفي س : وكان.

(٨) كذا في س ، وفي ح : لذلك.

(٩) ٨٣ / مريم : ١٩.

٩٦

وقيل : الأزّ أبلغ من الهزّ. والأزّ مأخوذ من : أزّت القدر تئزّ أزيزا إذا سمع غليانها. وفي الحديث «أنه عليه‌السلام كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل» (١). فالمعنى تزعجهم إزعاج القدر إذا أزّت واشتدّ غليانها. وفي حديث سمرة : «كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأتيت المسجد فإذا هو بأزز» (٢) أي امتلاء ، وذلك شبيه بما في المرجل. ومجلس أزز (٣) : كثير الزّحام. وفي آخر : «فإذا المجلس يتأزّز» أي يموج (٤).

أ ز ف :

قوله تعالى : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ)(٥) أي قربت القيامة ودنت. والآزفة علم بالغلبة للقيامة. ولذلك اتّحد الفعل والفاعل لفظا ، وإلا قيام القائم عندهم ممتنع لعدم الفائدة. وقيل لها : آزفة باعتبار تحقّق وقوعها كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ)(٦)(وَنادى أَصْحابُ النَّارِ)(٧). وقيل : لأنّ ما مضى من الدنيا أضعاف ما بقي ، فلذلك سميت بالآزفة. وسميت بالساعة لشدّة قربها ، وكلّ ما هو آت قريب وإن بعد ، فكيف بما قرب؟

وأزف وأفد متقاربان إلا أنّ أزف يعبّر به في ما ضاق وقته ، ولذلك أتى به هنا. قوله : (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ)(٨) أي خوّفهم أهواله ، فوصفه لهم بما ينبّههم على الاستعداد لأنه كالحاضر.

__________________

(١) النهاية : ١ / ٤٥. والمعنى : خنين من المرجل (الغريبين : ١ / ٤٣).

(٢) في الأصل : أزيز ، وصوّبناه من اللسان.

(٣) النهاية : ١ / ٤٥.

(٤) أي يموج فيه الناس. النهاية : ١ / ٤٥.

(٥) ٥٧ / النجم : ٥٣.

(٦) ١ / النحل : ١٦.

(٧) ٥٠ / الأعراف : ٧.

(٨) ١٨ / غافر : ٤٠.

٩٧

فصل الألف والسين

أ س ر :

الأسر : الشّدّ ، وأصله من الشدّ بالإسار وهو القدّ (١) ، ومنه : أسرت القتب : شددته بذلك. ويسمّى الأخيذ أسيرا ومأسورا لشدّه بذلك. ثم أطلق على كلّ من أخذ بقوة ، وإن لم يشدّ به. وقوله : (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ)(٢) أي قوّينا خلقهم ، وسمّي الخلق أسرا لشدّ بعضه بعضا. وفي الحديث (٣) : «كان داود إذا ذكر عقاب الله تخلّعت أوصاله لا يشدّها إلا الأسر» أي العصب والشّدّ. قيل (٤) : إشارة إلى كلمته في تركيب الأمور بتدبّرها وتأمّلها في قوله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَ فَلا تُبْصِرُونَ)(٥)؟. وقيل : معناه أراد من شدّ المصرّتين (٦) لا تسترخيان.

وأسرة الرجل : من يتقوّى به. والأسر : احتباس البول ، كالحصر في احتباس الغائط لما في ذلك من الشدّة القوية. ويجمع الأسير على أسارى وأسارى ؛ ضما وفتحا ، وأسرى ، والمشهور أنه لا فرق. وعن أبي عمرو : الأسرى ؛ فهو جمع الجمع. وقد حقّقنا هذا في «الدرّ المصون». وقال الكسائيّ : ما كان من علل الأبدان والعقول جمع على فعلى ، فجعله من باب هلكى ومرضى ، وقيل في قوله.

أ س س :

والأساس : أصل الشيء الذي يبنى عليه ذلك الشيء. ومنه أسّ البناء أي قاعدته ، نحو قفل وأقفال. ويستعار ذلك في المعاني فيقال : أسّس أمره على خير أو شرّ. قال تعالى :

__________________

(١) القدّ : الذي يؤسر به القتب ، ويسمى الإسار. وضبطه الهروي بفتحة فسكون (الغريبين : ٤٦).

(٢) ٢٨ / الإنسان : ٧٦.

(٣) الحديث لثابت البناني. النهاية : ١ / ٤٨.

(٤) تعليقا على الآية (وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ).

(٥) ٢١ / الذاريات : ٥١.

(٦) مصرّتا البول والغائط إذا خرج الأذى منهما تقبّضتا ، أو معناه : لا تسترخيان قبل الإرادة.

٩٨

(أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللهِ وَرِضْوانٍ)(١) قرىء بالبناء للفاعل والمفعول (٢). وقيل : المراد بالبنيان مسجد قباء ومسجد بني ضرار (٣) الذي بناه [أبو] عامر الراهب (٤) لعنه الله ، وهو مسجد الضرار.

أ س ف :

الأسف : الغضب والحزن معا ، وقد يطلق على كلّ منهما بانفراده. وحقيقته ثوران دم القلب شهوة الانتقام. فمتى كان على من تحته انتشر (٥) فصار غضبا ، وعلى من فوقه انقبض فصار حزنا. وسئل ابن عباس عن الحزن والغضب فقال : غرضهما واحد واللفظ مختلف ، فمن نازع من يقوى عليه أظهره غيظا وغضبا ، ومن نازع من لا يقوى عليه أظهره حزنا وجزعا ، وعليه قوله : [من البسيط]

وحزن كلّ أخي حزن أخو الغضب

وقوله تعالى : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ)(٦) أي أغضبونا ، وذلك على حدّ قوله : (غَضِبَ اللهُ)(٧) بالتأويل المشهور ، وهو إرادة الانتقام. وقيل : أغضبوا عبادنا. قال أبو عبد الله الرّضا : إنّ الله لا يأسف كأسفنا ، ولكن له أولياء يأسفون ويرضون. فجعل رضاهم رضاه ، وغضبهم غضبه ، كما قال : «من عادى (٨) لي وليا فقد بارزني بالمحاربة».

وخصّوا الأسيف بالحزين ، والأسف بالغضبان ، ولذلك جمع بينهما في قوله :

__________________

(١) ١٠٩ / التوبة : ٩.

(٢) ورويت «أسس» بالتخفيف و «بنيانه» بالخفض على الإضافة ، وهي قراءة نصر بن عاصم (مختصر الشواذ : ٥٥).

(٣) ساقطة من ح.

(٤) في المتن أن الذي أمر ببنائه أبو عمرو الراهب المنافق. وفي روح المعاني (١١ / ٢٨) أن الذي أمر ببنائه أبو عامر الذي كناه النبي (ص) بالفاسق ، والدغسيل الملائكة. وقد أسقط الناسخ (أبو) سهوا.

(٥) في الأصل : أشر ، ولا تناسب المعنى.

(٦) ٥٥ / الزخرف : ٤٣.

(٧) ١٤ / المجادلة : ٥٨.

(٨) وفي المفردات : أهان. والحديث عند ابن ماجة ، الفتن : ١٦.

٩٩

(غَضْبانَ أَسِفاً)(١). ولم يؤت بأسيف لئلا تتكرّر المادة. وقال الهرويّ في قولهم (٢) : «إن أبا بكر رجل أسيف» أي سريع الحزن والبكاء ، وهو الأسوف أيضا ، وأما الآسف فهو الغضبان. وما قدّمته أولى لئلا يلزم التكرار معنى ، والأصل عدمه. قال : والأسيف في غير هذا العبد ، وقد جعله بعضهم من هذا الباب فقال (٣) : ويستعار للمسخّر والمستخدم ولمن لا يسمّى ، فيقال : هو أسف ؛ وذلك أن العبد يحزن غالبا ، والهمّ يذيب الشحم (٤).

ويقال : أسف يأسف أسفا ، وآسفته : أغضبته. وسئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن موت الفجاءة فقال : «راحة للمؤمن وأخذة أسف للكافر» (٥). وكذا في حديث إبراهيم (٦) : «إن كانوا ليكرهون أخذة كأخذة الأسف» أي موت الفجاءة (٧).

أ س ن :

قال تعالى : (مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ)(٨) أي غير متغيّر الرائحة. يقال : أسن الماء يأسن

__________________

(١) ٨٦ / طه : ٢٠.

(٢) الحديث لعائشة في النهاية : ١ / ٤٨ أي : شديد الغضب.

(٣) يعني الراغب.

(٤) وفي س : اللحم.

(٥) النهاية : ١ / ٤٨.

(٦) هو إبراهيم النخعي ، انظر النهاية : ١ / ٤٩.

(٧) ذكر المعلق في الهامش : «أن إسرائيل فيه لغات : قالوا : إسرال كما قالوا ميكال ، وإسرائين بالنون. قال أمية .... :

لا أرى من حبيبي في حياتي

غير نفسي إلا بني إسرال

وقال أعرابي صاد ضبا فجاء به إلى أهله وقال ، أنشد الحربي :

يقول أهل السوق لما جئنا

هذا وربّ البيت إسرائينا

وقال : أراد أي مما مسخ من بني إسرائيل. قال : وكذلك نجد العرب إذا وقع إليهم ما لم يكن من كلامهم تكلموا فيه بألفاظ مختلفة. معرب». وقال : «إسماعيل فيه لغتان : إسماعيل وإسماعين بالنون. قال الراجز :

قال جواري الحي لما جئنا

هذا وربّ البيت إسماعينا. معرب».

والبيت الثاني من شواهد الفراء (معاني القرآن : ٢ / ٣٩١).

(٨) ١٥ / محمد : ٤٧.

١٠٠