عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

الْأَرْضِ)(١) من ذلك.

والخليط : المجاور والشّريك والصّديق ، ومنه : الخليط في الزكوات ، والجمع خلطاء ، قال تعالى : (وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ)(٢). ويقع الخليط للواحد فأكثر ، قال الشاعر (٣) : [من البسيط]

إنّ الخليط أجدّوا البين فانجردوا

وأخلفوك عدى الأمر الذي وعدوا

وقال جرير (٤) : [من البسيط]

إنّ الخليط أجدّوا البين يوم غدوا

من دارة الجأب إذ أحداجهم زمر

قوله تعالى : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ)(٥) أي وإن تجامعوهم في النّفقة والمأكل وغير ذلك ، (فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ)(٦). وكانوا قد تحرّجوا من ذلك حين نزل : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ)(٧) ، (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً)(٨).

وأخلط فلان وخلط في كلامه إذا خلط صحيحه بفساده. وأخلط الفرس في جريه : قصّر فيه ، وفي حديث الإخلاط : «نهى أن يخلط الشريكان تنقيصا للزكاة» (٩).

خ ل ع :

قوله تعالى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ)(١٠) أي نحّهما ، وذلك أنّهما كانا من جلد حمار ميت

__________________

(١) ٢٤ / يونس : ١٠.

(٢) ٢٤ / ص : ٣٨.

(٣) عزا المؤلف البيت إلى زهير وليس بصحيح ؛ فهو غير وارد في ديوان زهير للشنتمري. وذكره ابن منظور في مادة خلط من غير عزو. كما أن الفراء (معاني القرآن : ٢ / ٢٥٤) يستشهد به من غير عزو. والبيت للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب.

(٤) الديوان : ٢٥٧ ، وفيه : أجدّ البين.

(٥) ٢٢٠ / البقرة : ٢.

(٦) ٢٣٣ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٧) ٣٤ / الإسراء : ١٧.

(٨) ١٠ / النساء : ٤.

(٩) انظر شرحا وافيا بشأنه في النهاية : ٢ / ٦٢.

(١٠) ١٢ / طه : ٢٠.

٦٠١

لم / يدبغ. وعن بعض المتصوفة أنه كناية عن التمكين (١) كقولك : انزع ثوبك وخفّك وشمّر ذيلك. وأصل الخلع الإزالة والتّنحية. وقولهم : خلع عليه ، أي أعطاه ثوبا. واستفيد [معنى](٢) الإعطاء من هذه اللفظة لمّا وصلت بعلى لا عن بمجرّدها. والخليع : الثوب المخلوع. والخليع أيضا من فيه مجانة ؛ كأنه خلع ثوب حيائه. ومنه قولهم : خلع رسنه على الاستعارة ، فهو بمعنى فاعل. وتخلّع أي شرب مسكرا لأنه يصير به خليعا.

خ ل ف :

قوله تعالى : (وَما خَلْفَهُمْ)(٣) خلف : ظرف مكان مثل وراء ، وهما ضدّا : أمام وقدّام ، وتصرّفه قليل. وتخلّف (٤) ضدّ تقدّم وسلف. فالمتأخر لقصور منزلته يقال له خلف. قال تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ)(٥). وفرقوا بين الصالح والطّالح بفتحة فقالوا : خلف سوء وخلف خير. ومنه قول العلماء : أجمع عليه السلف والخلف. وقالوا : سكت ألفا ونطق خلفا أي رديئا من الكلام. وفي الحديث : «يحمل هذا العلم من كلّ خلف عدوله» (٦). قال الفراء : الخلف : من يجيء بعد ، وأمّا الخلف فما أخذ لك بدلا لا ممّا أخذ منك.

وتخلّف فلان فلانا : إذا تأخّر عنه أو جاء بعد آخر أو قام مقامه. قال الراغب (٧) : ومصدره الخلافة. قلت : حقّ مصدر تخلّف وخلف خلافة وهو خالف أي رديء أحمق. ويقال لمن يخلف آخر فيسدّ مسدّه : خلف. والخلف : أن يجيء كلّ واحد موضع الآخر. قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً)(٨). وأمرهم خلفة أي يأتي بعضهم

__________________

(١) لعلها : التمكّن.

(٢) إضافة المحقق.

(٣) ٢٥٥ / البقرة : ٢.

(٤) في الأصل : خلف ، ولعلها كما ذكرنا.

(٥) ١٦٩ / الأعراف : ٧.

(٦) النهاية : ٢ / ٦٥ ، وهو حديث مرفوع.

(٧) المفردات : ١٥٥.

(٨) ٦٢ / الفرقان : ٢٥.

٦٠٢

خلف بعض. وأصابته خلفة كناية عن مشي البطن (١). وخلف فلان فلانا : إذا قام بالأمر بعده أو معه.

والخلافة : النيابة عن الغير لغيبته أو عجزه أو موته أو تشريف المستخلف ، وعلى هذا [الوجه](٢) الأخير استخلاف الله أولياءه في الأرض كما قال : (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ)(٣) ، وقوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)(٤) قيل : هو بمعنى فاعل لأنه خليفة الله تعالى تشريفا له بذلك أو لأنّه خلف من كان قبله من جنّ إن صحّ ؛ فالتاء فيه قياس. وقيل : بمعنى مفعول لأنّ الله تعالى استخلفه في أرضه ؛ فالتاء فيه ليست بقياس. وقيل : كالنّطيحة والذّبيحة.

وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ)(٥) جمع خليفة نحو ظرائف وظريفة. وخلفاء الأرض هو جمع خليفة على [معنى] التذكير لا على اللفظ. والظاهر أنه جمع خليف نحو ظريف وظرفاء. والمخالفة : أن يأخذ كلّ واحد طريقا غير طريق الآخر في حاله أو فعله. قال تعالى : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ)(٦). قال الأزهريّ : سألت أعرابيا عن صاحب لنا على الماء فقال : خالفني ـ أي ورد ـ وأنا صادر. فالمعنى : لست أنهاكم عن شيء وأدخل فيه.

وقوله : (وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلَّا قَلِيلاً)(٧) أي بعدك فتجوز بالمكان عن الزمان. وقرىء : «خلافك» (٨). وقوله : (بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ)(٩) قيل : بمعنى خلّفهم كما تقدّم. وقيل : إنّه بمعنى مخالفته ، قاله الأزهريّ وجوّزه الراغب (١٠) أيضا في قوله : (لا

__________________

(١) وفي المفردات (ص ١٥٥) : كناية عن البطنة وكثرة المشي. ولعله أصوب.

(٢) إضافة المحقق للسياق.

(٣) ٥٥ / النور : ٢٤.

(٤) ٣٠ / البقرة : ٢.

(٥) ١٦٥ / الأنعام : ٦.

(٦) ٨٨ / هود : ١١.

(٧) ٧٦ / الإسراء : ١٧.

(٨) أي مخالفة لك.

(٩) ٨١ / التوبة : ٩.

(١٠) المفردات : ١٥٦.

٦٠٣

يَلْبَثُونَ خِلافَكَ) وهو بعيد.

قوله : (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ)(١) أي تقطّع اليد من شقّ اليمين ، والرّجل من شقّ اليسار. وقوله : (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ)(٢) أي المتروكون خلفه. قوله : (مَعَ الْخَوالِفِ)(٣) يعني النساء والصبيان والشيوخ العاجزين ، ووصفهم بذلك توبيخا حيث اتّصفوا بصفة المعجز. والخالف : المتخلّف لنقصان أو قصور كالمتخلّف. قال تعالى : (فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ)(٤).

والخالفة : عمود الخيمة المتأخّر ، ويكنّى بها عن المرأة المتأخرة عن المرتحلين. وجمعها خوالف. ومنه كما تقدّم (مَعَ الْخَوالِفِ). ولا يجوز أن تكون الخوالف جمعا لخالف وهو الرجل غير النجيب لأنّ فاعل الوصف لا يجمع على فواعل في العقلاء إلا ما شذّ ، من قولهم : فارس وفوارس وناكس ونواكس. ووجدت الحيّ خلوفا أي تخلّفت نساؤهم عن رجالهم. ونقل أبو عبيد أنه يقال : حيّ خلوف بمعنى أنهم غيّب ظاعنون ، ذكره في باب الأضداد (٥). والخلف أيضا حدّ الفأس (٦) الذي يكون إلى جهة الخلف (٧). وهو ما تخلّف من الأضلاع إلى ما يلي البطن. وشجر الخلاف كأنه سمّي بذلك لأنه يخلف فيما يظنّ أو لأنه يخالف مخبره منظره (٨).

وقوله عليه الصلاة والسّلام : «لخلوف فم الصائم» (٩) يريد تغيّره ، يروى بضمّ الخاء ـ وهو أشهر ـ وبفتحها وهو مصدر. يقال : خلف فوه يخلف خلوفا إذا تغيّر. وسئل أمير

__________________

(١) ٣٣ / المائدة : ٥.

(٢) ٨١ / التوبة : ٩.

(٣) ٨٧ / التوبة : ٩.

(٤) ٨٣ / التوبة : ٩.

(٥) لأن الخلوف : الحي إذا خرج الرجال ، وإذا كان الرجال والنساء مجتمعين (اللسان ـ مادة خلف).

(٦) وفي الأصل : ضد العامي ، وهو تصحيف ، والتصويب من المفردات : ١٥٧.

(٧) أي والخلف (بكسر الخاء).

(٨) وفي اللسان : أخلف الشجر يخلف إخلافا ، إذا أخرج ورقا بعد ورق قد تناثر.

(٩) النهاية : ٢ / ٦٧.

٦٠٤

المؤمنين عن قبلة الصائم فقال : «وما أربك إلى خلوف فيها» (١) ومنه «نومة الصبح مخلفة للفم».

قوله : (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ)(٢) ، قال ابن عباس : خلقهم فريقين : فريقا يرحم فلا يختلف ، وفريقا لا يرحم فيختلف. وقوله : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)(٣) أي كن خليفتي فيهم. ولما كان الاختلاف بين الناس في القول يقتضي التنازع والجدال عبّر به عن المنازعة والمجادلة. قال تعالى : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ)(٤). قوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ)(٥) يجوز أن يكون من الخلاف نحو : كفيت بمعنى اكتفيت. وقيل : لأنهم أتوا فيه بخلاف ما أنزل الله.

وقوله : (لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ)(٦) يجوز أن يكون من الخلاف أو من الخلف ، والخلف : المخالفة في الوعد. يقال : أوعدني فأخلفني. وفي صفة المنافق : «إذا وعد أخلف» (٧). قال تعالى : (ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ)(٨). وأخلفت (٩) فلانا : وجدته مخلفا (١٠) نحو : أحمدته.

والإخلاف : أن يسقى واحد (١١) بعد آخر. وأخلف الشجر : اخضرّ بعد سقوط ورقه. وأخلف الله عليك أي أعطاك خلف ما ذهب منك. وأخلفه عليك أي كان لك منه خليفة.

وأخلف الجمل : إذا زاد على سنّ البزول (١٢) ؛ يقال له : مخلف عام أو عامين ،

__________________

(١) النهاية : ٢ / ٦٧ ، أي خلوف فمها.

(٢) ١١٨ و ١١٩ / هود : ١١.

(٣) ١٤٢ / الأعراف : ٧.

(٤) ٣٧ / مريم : ١٩.

(٥) ١٧٦ / البقرة : ٢.

(٦) ٤٢ / الأنفال : ٨.

(٧) النهاية : ٢ / ٦٧.

(٨) ٨٧ / طه : ٢٠.

(٩) كذا في س ، وفي ح : واختلفت.

(١٠) وفي الأصل : مخالفا ، ولعلها كما ذكرنا.

(١١) وفي الأصل : يبقي واحدا ، وهو تحريف.

(١٢) بزل البعير : انشق نابه. وفي الأصل : البروك ، وهو وهم.

٦٠٥

وبازل عام أو عامين ، وليس له بعد البزول والإخلاف سنّ إلا بما ذكر. والخلّيفى : الخلافة ؛ قال عمر رضي الله عنه : «لولا الخلّيفى لأذّنت» (١) أي لو لا شغلي بها ، لا أنّ الأذان ينقصه كما يظنّ بعض الجهلة.

والخلافة بالفتح : الجهل ؛ يقال : ما أبين الخلافة في وجهه! وقوله : (مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ)(٢) قرىء بفتح اللام أي لا بدّ أن تجده لأنه حقّ ، وبكسرها أي لن تجده مخلفا نحو : لن أحمده ، أي لن أجده محمودا. وقال عليه الصلاة والسّلام في الكعبة : «ولجعلت لها خلفين» (٣) أي بابين. قال ابن الأعرابيّ : الخلف : المربد (٤) والخلف : الظّهر.

خ ل ق :

قوله تعالى : (خَلَقَكُمْ)(٥) أي اخترعكم وأوجدكم. وأصل الخلق التقدير المستقيم. ويستعمل في إبداع الشيء من غير أصل ولا احتذاء كقوله : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)(٦) ومثله : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٧). وإذا كان بمعنى الإبداع فهو يختصّ بالباري تعالى ، ولذلك فرّق بينه وبين غيره في قوله تعالى : (أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ)(٨). ويستعمل في إيجاد شيء من شيء. قال تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ)(٩). وهذا النوع قد يقدر بعض خلقه عليه ، كما أقدر عيسى عليه‌السلام على خلق الخفّاش من مادّة الطين في قوله : (وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ)(١٠). والخلق لا يطلق

__________________

(١) النهاية : ٢ / ٦٩ ، مع خلاف.

(٢) ٩٧ / طه : ٢٠.

(٣) النهاية : ٢ / ٦٨ ، من حديث السيدة عائشة في بناء الكعبة.

(٤) ويكون خلف البيت.

(٥) ٢١ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٦) ٣ / التغابن : ٦٤ ، وغيرها.

(٧) ١١٧ / البقرة : وغيرها.

(٨) ١٧ / النحل : ١٦.

(٩) ١ / النساء : ٤.

(١٠) ١١٠ / المائدة : ٥.

٦٠٦

في الإنسان إلا بأحد معنيين : أحدهما التقدير كقوله (١) : [من الكامل]

ولأنت تفري ما خلقت ، وبع

ض القوم يخلق ، ثمّ لا يفري

يقال : خلقت الأديم أي قدّرته ، ولا يطلق ذلك عليه إلا بقيد نحو : فلان يخلق الأديم (٢). ولا يقال : يخلق إلا وهو خالق. والثاني بمعنى الاختلاق وهو الكذب ، قال تعالى : (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً)(٣). يقال : خلق (٤) عليّ واختلق. وقوله : (فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)(٥) استدلّ به على جواز إطلاقه على غير الله أي أحسن المقدّرين. وقال الراغب (٦) : أو يكون على تقدير ما يعتقدون من أنّ غيره يبدع ، كأنه قيل : إن ثمّ مبدعين. فالله تعالى أحسنهم إبداعا وإيجادا كقوله : (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ)(٧). قلت : وقد أجيب بهذا في قوله : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا)(٨) أي أنكم معتقدون أنّ الكفار لا يعذّبون ، فعلى سبيل التنزيل يكون : هؤلاء خير من هؤلاء.

قوله : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ)(٩) أي ما يفعلونه من تشويهه بنتف اللّحى والخصى وما يجري مجراهما. وقيل : حكم الله. وعن الحسن ومجاهد : دين الله. وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ)(١٠) أي لما قضاه وقلّده. وقيل : هو بمعنى النّهي كقوله (١١) لا تبدّلوا خلقه أي لا تغيّروه ، وقد تقدّم.

__________________

(١) البيت لزهير في مدح هرم بن سنان (شعر زهير : ١١٩). الفري : القطع.

(٢) أي يقدّره ليقطعه.

(٣) ١٧ / العنكبوت : ٢٩.

(٤) ساقطة من ح.

(٥) ١٤ / المؤمنون : ٢٣.

(٦) المفردات : ١٥٧ ، مع تصرّف.

(٧) ١٦ / الرعد : ١٣.

(٨) ٢٤ / الفرقان : ٢٥.

(٩) ١١٩ / النساء : ٤.

(١٠) ٣٠ / الروم : ٣٠.

(١١) لعله يريد : أي.

٦٠٧

وقوله : (إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ)(١) أي اختلاقهم وكذبهم. وقرىء بضمتين (٢) أي كعادة الأولين. قال الراغب (٣) : وكلّ موضع استعمل فيه الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب. ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن. قلت : هذا يشعر بأن لا مانع من إطلاق الخلق على القرآن إلا ذلك ، وليس الأمر كذلك بل القرآن كلامه غير مخلوق لأدلّة دللنا لها في غير هذا الموضوع ك «القول الوجيز» و «التفسير الكبير».

وزعم أبو الحسن البصريّ أنه لا يطلق الخالق على الله تعالى ، وهو سهو فاحش لأنّ القرآن يكذّبه ، وقد ذكرنا له بعض اعتذار في الكتب المشار إليها. والخلق مصدر يراد به المخلوق كقوله : (هذا خَلْقُ اللهِ)(٤) مثل : درهم ضرب الأمير.

والخلق والخلق بمعنى كالشّرب والشّرب والصّرم والصّرم ، إلا أن الخلق اختصّ بالهيئات والصور والأشكال المدركة بالبصر. والخلق (٥) بالسّجايا والقوى المدركة بالبصيرة. وقيّده بعضهم بالنصيب الوافر من الخير ، كقوله تعالى : (وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ)(٦). ومنه : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ)(٧) أي انتفعوا به.

وقولهم : هو خليق بكذا أي حقيق به ، كأنه مخلوق فيه. ونحوه : هو مجبول على كذا ، ومدعوّ إليه من جهة خلقه. ويقال : خلق الثوب وأخلق إذا بلي فهو خلق ومخلق وأخلاق كرمّة. قال الراغب (٨) : وتصوّر من خلوقة الثوب الملامسة فقيل : جبل أخلق ، وصخرة خلقاء ، وخلقت الشيء : ملّسته. واخلولقت السحابة منه أو من قولهم : هو خليق

__________________

(١) ١٣٧ / الشعراء : ٢٦.

(٢) هي القراءة المشهورة وقراءة الفراء ومعناها عادتهم. وقراءة الكسائي (خلق) أي اختلاقهم وكذبهم. وقراءة أبي قلابة (خلق).

(٣) المفردات : ١٥٨.

(٤) ١١ / لقمان : ٣١.

(٥) أي خصّ الخلق.

(٦) ٢٠٠ / البقرة : ٢.

(٧) ٦٩ / التوبة : ٩.

(٨) المفردات : ١٥٨.

٦٠٨

بكذا. قلت : ومنه قوله تعالى : (مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ)(١) فالمخلّقة : الملساء التي لم يبدأ فيها خلق ولا تخطيط ، وغير مخلقة : هي التي بدأ فيها ذلك. وهذا موافق لما قاله الراغب وصرّح به الزّمخشريّ إلا أن غيرهما لم يوافقهما. قال الفراء : مخلّقة : تامّ الخلق ، وغير مخلّقة : السّقط. وقال ابن الأعرابيّ : مخلّقة : قد بدأ خلقه ، وغير مخلّقة : لم يصوّر بعد. والخليقة : الخلق. ومنه : هم شرّ الخليقة. والخليقة أيضا بمعنى الخلق. قال زهير (٢) : [من الطويل]

ومهما يكن عند امرىء من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تعلم

وتخلّق بكذا أي أظهر خلاف خلقه نحو تحلّم أي تكلّف الحلم. ومنه الحديث : «من تخلّق للناس بما يعلم [الله] أنه ليس من نفسه شانه الله» (٣). ومنه قول الشاعر هو سالم بن وابصة (٤) : [من البسيط]

يا أيّها المتحلّي غير شيمته

إنّ التخلّق يأتي دونه الخلق

والخلوق (٥) : ضرب من الطّيب ، قيل : هو زعفران يخلط به طيب غيره.

خ ل ل :

قوله تعالى : (خِلالَ الدِّيارِ)(٦) خلال الديار أي وسطها. والخلال : جمع واحده خلل نحو جبل جبال ، وجمل جمال. والخلل : الفرجة بين الشيئين. قال الشاعر : [من الوافر]

__________________

(١) ٥ / الحج : ٢٢.

(٢) شعر زهير : ٢٨.

(٣) من حديث عمر (رضي). النهاية : ٢ / ٧٠ ، والإضافة منه.

(٤) البيت من شواهد اللسان ـ مادة خلق. وهو مطلع لثلاثة أبيات في الحماسة (ص ٧١٠) ، وصدره فيه :

عليك بالقصد فيما أنت فاعله

(٥) وفي ح : والخلق.

(٦) ٥ / الإسراء : ١٧.

٦٠٩

أرى خلل الرّماد وميض جمر (١)

قوله : (وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ)(٢) أي : وسعوا بينكم ووسطكم بالنّميمة والإفساد. وقال الزّجاج : لأسرعوا فيما يخلّ بكم. وقوله : (فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ)(٣) أي من وسطه وقدحه. والخلال أيضا : مفرد ، وهو ما تخلّل به الأسنان وغيرها. يقال : خلّ سنّه [وخلّ ثوبه بالخلال يخلّه](٤) ، ولسان (٥) الفصيل بالخلال ليمنعه من الرّضاع. وفي الحديث : «خلّلوا أصابعكم» (٦).

والخلل في الأمر : الوهن فيه تشبيها بالفرجة الواقعة بين شيئين. وخلّ لحمه يخلّ خلّا وخلالا : إذا صار فيه خلل بالهزال. قال الشاعر (٧) : [من الرمل]

إنّ جسمي بعد خالي لخلّ

والخلّ : سمّي بذلك لتخلّل الحموضة إياه. والخلّة : ما يغطّى به جفن السيف لكونه (٨) في خلالها. والخلّة : الحاجة ، وقيل : الفقر. وفي الحديث : «لا همّ لا همّ سادّ الخلّة» (٩) أي اللهمّ جابر الحاجة. وأصلها من الاختلال العارض للنفس ؛ إمّا لشهوتها

__________________

(١) الشطر من شواهد الراغب : ١٥٣. قاله نصر بن سيار من ثلاثة أبيات أرسلها إلى مروان حين اشتدت حركة العباسيين في خراسان (تجارب السلف : ٨٩) وروايته فيه :

أرى تحت الرماد وميض نار

وعجزه :

ويوشك أن يكون لها ضرام

(٢) ٤٧ / التوبة : ٩.

(٣) ٤٣ / النور : ٢٤.

(٤) فراغ قدر كلمة في ح ، ومن غير بياض في س ، والإضافة من المفردات : ١٥٣.

(٥) وفي الأصل : ولبيان ، وهو وهم.

(٦) النهاية : ٢ / ٧٣ ، وفيه : «خللوا بين الأصابع» ، بينما الراغب على رواية السمين.

(٧) وعجزه :

فاسقنيها يا سواد بن عمرو

والبيت ينسب إلى تأبط شرا أو ابن أخته الشنفرى أو خلف الأحمر (مقاييس اللغة : ٢ / ١٥٦ وحماسة أبي تمام : ١ / ٣٤٢).

(٨) في الأصل : لكونها.

(٩) النهاية : ٢ / ٧٢ ، وفي رواية : اللهمّ (مرة واحدة).

٦١٠

بشيء أو لحاجتها إليه. والخلّة : المودّة ؛ قال تعالى : (وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ)(١) ، وذلك إمّا لأنّها تتخلّل النفس أي تتوسّطها ، وإمّا لأنّها تخلّ النفس فتؤثّر فيه (٢) تأثير السهم في الرميّة حين يخلّها أي يشكّ فيها كخلال الثوب ، وإمّا لفرط الحاجة إليها. والخلال بمعناها ؛ قال تعالى : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ)(٣). يقال : خاللته خلالا ومخالة وخلّة. وقال كعب رضي الله عنه (٤) : [من البسيط]

ويلمّها (٥) خلّة! لو أنّها صدقت

موعودها ، أو لو انّ النّصح مقبول /

فأطلق الخلّة على المرأة تجوّزا نحو : عدل. قوله : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً)(٦) أي مخصّصا بمحبته. يقال : دعا فخلّل وعمّم ، أي فخصّص. والخليل في غير هذا قيل : لأنّ كلّا من المتخالّين يدخل في خلل الآخر ظاهرا وباطنا على التوسّع ، تصوّرا أنّ كلّا منهما امتزج بالآخر لصدق تخالّهما ؛ فهو فعيل بمعنى الفاعل أو المفعول. وقيل : سمي خليله لافتقاره وحاجته إليه ؛ الافتقار المشار إليه بقوله : (رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(٧). وعلى هذا قيل : اللهمّ أغنني بالافتقار إليك ، ولا تفقرني بالاستغناء عنك. وقيل : سمي خليلا من الخلّة وهو المودّة. قال الراغب (٨) : واستعمالها فيه كاستعمال المحبة فيه ، يعني أنه كما جاز أن تسند المحبة إلى الباري تعالى ، فيوصف تارة بأنه محبّ لعبيده ، وتارة بأنه محبوب لهم كقوله تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(٩) على معنى يليق به فكذلك الخلّة. وقال أبو القاسم البلخيّ : هو من الخلّة لا من الخلّة. ومن قاسه بالحبيب فقد أخطأ ، لأنّ الله يجوز أن يحبّ عبده ، لأنّ المحبة منه الثناء. ولا يجوز أن

__________________

(١) ٢٥٤ / البقرة : ٢.

(٢) وفي الأصل : فيؤثر فيها ، ولعلها كما ذكرنا.

(٣) ٣١ / إبراهيم : ١٤.

(٤) ديوانه : ٧ ، واللسان ـ مادة خلل ، والنهاية : ٢ / ٧٢.

(٥) وفي اللسان والنهاية : يا ويحها. ورواية الديوان : ما وعدت.

(٦) ١٢٥ / النساء : ٤.

(٧) ٢٤ / القصص : ٢٨.

(٨) المفردات : ١٥٣.

(٩) ٥٤ / المائدة : ٥.

٦١١

يخالّه. قال الراغب (١) : وهذا منه تشبيه (٢) فإنّ الخلّة من تخلّل الودّ نفسه ومخالطته كما قال الشاعر (٣) : [من الخفيف]

قد تخلّلت مسلك الروح مني

وبذا سمي الخليل خليلا

ولهذا يقال : تمازج روحانا. والمحبة : [البلوغ](٤) بالودّ إلى حبّة القلب من قولهم : حببته إذا أصبت حبّة قلبه. ولكن إذا استعملت المحبة في الله فالمراد مجرد الاختيار. وكذا الخلّة ؛ فإن جاز في أحد اللفظين جاز في الآخر ؛ فأمّا أن يراد بالحبّ حبّة القلب ، وبالخلّة التّخلّل فحاشا لله أن يراد فيه ذلك.

وقوله : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ)(٥) أي لا يمكن في القيامة ابتياع حسنة ولا اجتلابها بمودّة ، وذلك إشارة إلى قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)(٦). وقوله : (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) فقد قيل : هو مصدر من خاللت. وقيل : هو جمع. يقال : خليل وأخلّة وخلال ، والمعنى كالأول. وفي الحديث : «أتي بفصيل مخلول» (٧) قيل : مهزول. وقال شمر : [جعل على](٨) أنفه [خلال] لئلا يرضع. والمخلول : السمين. والهزيل يقال فيه : خلّ ومختلّ ، وهذا موافق لما قدّمناه.

خ ل و :

قوله تعالى : (وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ)(٩) أي انفردوا معهم. وإنّما عدّي بإلى لأنه ضمّن بمعنى انتهى ، كأنه قيل : انتهوا إليهم في خلاء. وقال بعضهم : إلى بمعنى مع (١٠)

__________________

(١) المفردات : ١٥٣.

(٢) في الأصل : تشبه.

(٣) من شواهد المفردات : ١٥٣.

(٤) ساقطة ، أضفناها منن المفردات : ١٥٣.

(٥) ٢٥٤ / البقرة : ٢.

(٦) ٣٩ / النجم : ٥٣.

(٧) النهاية : ٢ / ٧٣.

(٨) في الأصل : خل أنفه ، والإضافة من النهاية للسياق ، وفي الصفحة السابقة ، المادة ذاتها : على لسانه.

(٩) ١٤ / البقرة : ٢.

(١٠) وهذا رأي الكوفيين وبعض البصريين في قوله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ).

٦١٢

كقوله تعالى : (إِلى أَمْوالِكُمْ)(١). وقيل : يقال : خلوت به أي انفردت أو استهزأت. فلما كان في اليابس أتي بإلى. وقال الهرويّ (٢) : خلوت به وإليه ومعه بمعنى.

والتّخلية : التّرك في خلاء. ثم قيل : لكلّ ترك تخلية. وخلا فلان : صار خاليا. والخلاء : المكان لا ساتر فيه ، ويقابله الملاء. قوله : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ)(٣) أي مضت. وذلك أنّ الخلوّ يستعمل في الزمان والمكان ، لكن لمّا تصوّر في الزمان المضيّ فسّر أهل اللغة قولهم : خلا الزمان ، بقولهم : مضى وذهب.

قوله : (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ)(٤) أي يتفرّغ لمحبّتكم ، وتختصّون بمودته ، وهو استعارة من تفريغ الإناء ونحوه. وقوله تعالى : (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)(٥) أي اتركوهم. وناقة خليّة : مخلاة عن الحلب. وامرأة خليّة : مخلاة عن الزوج. وهي من كنايات الطلاق. والخليّة : السفينة لا ربّان لها ، والجمع خلايا. قال طرفة بن العبد (٦) : [من الطويل]

كأنّ حدوج المالكيّة غدوة

خلايا سفين بالنّواصف من دد

والخلية أيضا : الموضع الذي تعسّل فيه النحل. ورجل خليّ أي مخليّ من الهمّ كالمطلّق في قول الشاعر ، هو النابغة (٧) : [من الطويل]

 تناذرها الرّاقون من سوء سمّها

تطلّقه طورا وطورا تراجع

والخلى بالقصر : الحشيش اليابس لأنه ترك وخلّي حتى يبس. وخليت الخلى جززته ، وخليت الدابة : جززت لها. واستعير ذلك للسيف فقيل : سيف يختلي الضريبة أي يقطعها قطعه للخلى. قلت : وقياس التصريف أن يقال : خلوت الخلى ، لأنه من ذوات

__________________

(١) ٢ / النساء : ٤.

(٢) المفردات : ١٥٨.

(٣) ١٣٤ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٤) ٩ / يوسف : ١٢.

(٥) ٥ / التوبة : ٩.

(٦) من معلقته ، الديوان : ٢٣. الحدج : من مراكب النساء. المالكية : منسوبة إلى بني مالك من كلب.

النواصف : ج الناصفة وهي أماكن تتسع من نواحي الأودية. دد : قيل : هو اسم واد هنا.

(٧) الديوان : ٤٧. ورواية العجز المذكورة فوق هي رواية أبي عبيدة. أما رواية الديوان فهي :

تراسلهم عصرا وعصرا تراجع

٦١٣

الواو ، إلا أنّ الراغب لم [يذكر](١) إلا خليت ، فيجوز أن يكون شاذا ، وأن يكون فيه لغتان ، والله أعلم.

فصل الخاء والميم

خ م د :

الخمود : السكون ، وأصله في سكون النار وانطفائها. يقال : خمدت ناره ، ويكنى بذلك عن الغيظ والعزّ والجاه. قال الشاعر (٢) : [من البسيط]

ترفع لي خندف والله يرفع لي

نارا إذا خمدت نارهم تقد

ويستعار ذلك للموت. قال تعالى : (حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ)(٣). وقال تعالى : (فَإِذا هُمْ خامِدُونَ)(٤) أي ميتون قد سكنت حركاتهم. يقال : خمد يخمد خمودا ، وأخمدت النار وخمّدتها أي أطفأتها. واستعير منه : خمدت الحمّى.

خ م ر :

قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ)(٥). الخمر : ما خامر العقل أي خالطه. وقيل : من خمره أي ستره. ومنه قيل للشّجر الساتر : خمر. قال الشاعر (٦) : [من الوافر]

ألا يا زيد والضّحّاك سيرا

فقد جاوزتما خمر الطريق

__________________

(١) ساقط من الأصل ، والإضافة على ما يناسب السياق.

(٢) البيت للفرزدق ، الديوان : ٢١٦ ، وقد مرّ له تفصيل آخر.

(٣) ١٥ / الأنبياء : ٢١.

(٤) ٢٩ / يس : ٣٦.

(٥) ٢١٩ / البقرة : ٢.

(٦) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن : ٢ / ٣٥٥. وفيه : ألا يا عمرو. ويجوز نصب الضحاك ورفعه.

٦١٤

ومنه الخمار لما يغطى به الشيء ، ثم غلب على ما تستر به المرأة وجهها (١). يقال : أخمرت المرأة وخمّرت ، والجمع خمر. قال تعالى : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَ)(٢). وفي الحديث : «خمّروا آنيتكم» (٣) أي غطوها. ودخل في خمار الناس وغمارهم أي في جماعتهم الساترة. فهذه المادة كيفما دارت دلّت على السّتر والمخالطة.

وقيل : هو من العنب خاصّة ، أو من العنب والتمر خاصة ، أو هو أعمّ من ذلك ، خلاف طويل أتقنّاه بدلائله ولله الحمد في «القول الوجيز» وغيره. وفي الحديث : «الخمر من هاتين الشجرتين : النخلة والعنبة» (٤). ومنهم من جعلها اسما لغير المطبوخ ، ثم اختلفوا في كمية الطبخ المسقطة لاسم الخمريّة عنه. وقيل : سمي خمرا لملازمته الدنّ. والمخامرة : الملازمة. ومنه : خمرة الطيب (٥). وخمرته : رائحته ، لأنها تلازمه. وعنه استعير : «خامري أمّ عامر» (٦).

وخمرت العجين : جعلت فيه الخمير. وسميت الخميرة بذلك لكونها مخمورة من قبل. والخمر ـ بفتح الميم ـ : كل ما سترك من شجر وبناء وغيرهما. ومنه قوله : [من الوافر]

فقد جاوزتما خمر الطريق

ويروى بالفتح والسكون.

قوله : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً)(٧) أي عنبا ، تسمية للشيء بما يؤول إليه. كما يسمى الخمر عنبا تسمية له بما كان عليه وما كان منه. كقول الراعي (٨) : [من الوافر]

__________________

(١) الصواب : رأسها ، كذا في اللسان والمفردات.

(٢) ٣١ / النور : ٢٤.

(٣) النهاية : ٢ / ٧٧ ، وفيه : «خمّروا الإناء».

(٤) صحيح مسلم ؛ الأشربة : ١٣ ـ ١٥.

(٥) الخمرة والخمرة : الرائحة الطيبة.

(٦) المستقصى : ١ / ٧٥. إذا دخل الصياد وجار الضبع فيقول : خامري أم عامر ، وأم عامر هي الضبع. خامري : الجئي إلى أقصى وجارك واستتري.

(٧) ٣٦ / يوسف : ١٢.

(٨) البيت من شواهد اللسان ـ مادة خمر. يريد الخمر.

٦١٥

ينازعني بها ندمان صدق

شواء الطير ، والعنب الحقيبا /

وعن الأصمعيّ : قال المعتمر بن سليمان : لقيت أعرابيا معه عنب ، قلت : ما معك؟ قال : خمر ، فكأنه قال : أعصر عنبا. ومجازه ما ذكرته لك. وفي الحديث : «دخلت عليه المسجد والناس أخمر ما كانوا» (١) أي أوفر. ومنه تخمّر القوم وخمروا أي تجمعوا. ويروى «أجمر ما كانوا» وتجمّروا بالجيم بالمعنى المذكور أيضا. وفي حديث معاذ : «من استخمر قوما أوّلهم أحرار وجيران مستضعفون فإنّ له ما قصر في بيته» (٢) قال ابن المبارك : أي استعبدهم. قال محمّد بن كثير : هذا كلام عندنا معروف باليمن لا نتكلم بغيره ؛ نقول للرجل : أخمرني كذا أي ملّكنيه. يريد : من استعبد قوما في الجاهلية ثم جاء الإسلام فهم ملكه. ومعنى قصر : حبس. وفيه : «أنه كان يسجد على الخمرة» (٣) أي قدر ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده من حصير وغيره ، وهي هذه السّجّادة.

خ م س :

قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ)(٤). الخمسة : عدد معروف. والخميس : خامس الأسبوع ، واسمه في قديم اللغة مؤنس. والخميس : الجيش. قالت أهل خيبر : «محمد والخميس» (٥) ، سمي بذلك لأنه يخمّس الغنائم. وقال الأزهريّ : سمي بذلك لأنه مقسوم على خمسة : المقدّمة ، والساقة ، والميمنة ، والميسرة ، والقلب. وفي حديث معاذ : «أمرني بخميس أو لبيس آخذه منكم» (٦). الخميس : ثوب طوله خمس أذرع. وثوب مخموس قال أبو عمرو : وقيل له ذلك لأن أول من أمر بعمل هذه الثياب

__________________

(١) النهاية : ٢ / ٧٧ ، وهو حديث أبي إدريس.

(٢) النهاية : ٢ / ٧٨.

(٣) وفي صحيح مسلم (المساجد : ٢٧٠): «كان يصلي على خمرة».

(٤) ٢٢ / الكهف : ١٨.

(٥) النهاية : ٢ / ٧٩.

(٦) النهاية : ٢ / ٧٩ ، وفي الأصل : منك ، والتصويب من النهاية. والأمر بشأن الصدقة.

٦١٦

ملك باليمن يقال له الخمس (١) ، فنسبت إليه.

ورمح مخموس : طوله خمسة (٢). والخمس : من أظماء الإبل. وخمّست القوم أي أخذت خمسهم أو كنت خامسهم. إلا أن العرب فرّقت في المضارع فقالوا من الأول : أخمسهم بالضم ، وفي الثاني أخمسهم بالكسر.

خ م ص :

قال تعالى : (فِي مَخْمَصَةٍ)(٣). المخمصة : مفعلة من الخمص وهو ضمور البطن. ومنه : رجل خامص وخمصان البطن ، وامرأة خمصانة. ولما كان الجوع يؤدي إلى ضمور البطن عبّر به عنه. أي فمن اضطرّ في مجاعة. وفي الحديث : «تغدو خماصا وتروح بطانا» (٤). وفي الحديث أيضا : «خماص البطون خفاف الظهور» (٥) يصفهم بالعفة. وفيه في صفته عليه الصلاة والسّلام : «خمصان الأخمصين» (٦) أي متجافي الأخمص عن الأرض. والأخمص من الرّجل هو ما يلاقي الأرض عند الوطء من باطن الرّجل. وهو ضدّ الأزجّ. وهو من تسوّى باطن رجله.

وسمي الأخمص أخمص لضموره ودخوله في الرّجل. وفيه : «كنت نائما في المسجد وعليه (٧) خميصة» وهي ثوب أسود معلم من خزّ أو صوف. قال الأصمعيّ : كان من لباس الناس.

__________________

(١) وفي الأصل : الخميس. ولعل الصواب ما ذكرنا.

(٢) يريد : خمسة أشبار.

(٣) ٣ / المائدة : ٥.

(٤) النهاية : ٢ / ٨٠ ، أي تغدو الطير بكرة وهي جياع وتروح عشاء وهي ممتلئة الأجواف.

(٥) النهاية : ٢ / ٨٠ ، أي أنهم أعفّة عن أموال الناس.

(٦) النهاية : ٢ / ٨٠.

(٧) النهاية : ٢ / ٨٠. وفي الأصل : على. والتصويب من النهاية.

٦١٧

خ م ط :

قوله تعالى : (أُكُلٍ خَمْطٍ)(١). الخمط : أكل شجر له ثمر ذو مرارة. وكل ما أخذ طعما من ذلك فهو خمط. وقيل : هو شجر لا شوك له قيل : الأراك ، وقيل : غيره. وقرىء : «أكل خمط» (٢) بإضافة الأكل إليه وعدمها ، وبضمّ الكاف وسكونها. وقد بيّنا جميع ذلك في غير هذا.

والخمطة أيضا : الخمر إذا حمضت استعارة من ذلك. وتصوّر منه مجرّد التغيّر فقيل : تخمّط فلان أي غضب ، وتخمّط الفحل : إذا هدر ؛ تصوّروا أنه غضبان.

فصل الخاء والنون

خ ن ز ر :

قوله تعالى : (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ)(٣). الخنزير : حيوان معروف ، وإنما ذكر لحمه دون شحمه وعظامه وشعره ، وإن كان الجميع حراما ، لأنّ اللحم أعظم مقصوداته. ولذلك اختلف العلماء ؛ فمنهم من قال : يحلّ ما عدا اللحم كالظاهر الأغبياء (٤). وقد أتقنّاه في «الأحكام».

وقوله : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ)(٥) أي مسخناهم على صورها. قيل : مسخ الشيخة خنازير والشبان قردة ، ولم يعقبوا ولم يعيشوا غير ثلاث ، كذا قال ابن عباس.

__________________

(١) ١٦ / سبأ : ٣٤.

(٢) قال الفراء : «وقد يقرأ بالإضافة (وهي قراءة أبي عمرو ويعقوب) وغير الإضافة. فأما الأعمش وعاصم (وكذا ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر) فثقّلا ولم يضيفا فنوّنا (معاني القرآن : ١ / ٣٥٨). وقال ابن بري : من جعل الخمط الأراك فحقّ القراءة بالإضافة ... ومن جعل الخمط ثمر الأراك فحق القراءة أن تكون بالتنوين ويكون الخمط بدلا من الأكل. وبكلّ قرأته القراء (اللسان ـ خمط)».

(٣) ١٤٥ / الأنعام : ٦.

(٤) يريد أهل الظاهر.

(٥) ٦٠ / المائدة : ٥.

٦١٨

وقال آخرون : هذا إشارة إلى طباعهم الرديئة وأخلاقهم القبيحة. أي أنّ أخلاقهم أخلاق هذين الجنسين القبيحين لا يرى في الحيوان أخبث منهما. قال الراغب (١) : والأمران مرادان بالآية. وقد روي أن قوما ما مسخوا خلقة ، وكذا أيضا في الناس قوم إذا اعتبرت أخلاقهم وجدتها أخلاق القردة والخنازير ، وإن كانت صورهم صور الناس. فقلت : ولقد صدق عليّ : «إنه كان في عصر أمثل من عصرنا». ومما يشبه ذلك ما روي عن عائشة أنها لما أنشدت قول لبيد بن ربيعة (٢) : [من الكامل]

ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في قوم (٣) كجلد الأجرب

قالت : «يرحم الله لبيدا فكيف لو عاش إلى زماننا هذا؟» فكلّ من روى هذا الحديث يقول عقبه : يرحم الله فلانا فكيف؟.

خ ن س :

قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ)(٤) جمع خانس وخانسة ، والمراد بها الكواكب لأنها تخنس بالنهار ، أي تغيب فلا ترى. وقال الفراء : هي الكواكب الخمسة : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، وعطارد ، والزّهرة ، وكلّ كوكب درّيّ لأنها تخنس في مجراها أي ترجع.

والخنوس : التأخر ، ومنه : «فتخنس بهم النار» (٥) أي تجذبهم وتتأخر عنهم. يقال : خنسه وأخنسه فخنس أي أخّره فتأخّر. وأخنست عنه حقّه (٦) أي أخّرته عنه. وأنشد العلاء بن الحضرميّ (٧) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٨) : [من الطويل]

__________________

(١) المفردات : ١٥٩.

(٢) الديوان : ١٥٣.

(٣) ورواية الديوان : خلف.

(٤) ١٥ / التكوير : ٨١.

(٥) النهاية : ٢ / ٨٣ ، وهو حديث كعب.

(٦) وفي الأصل : بحقه.

(٧) العلاء بن عبد الله الحضرمي (ت ٢١ ه‍) صحابي من رجال الفتوح. ولاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم البحرين وجعل له جباية الصدقة وهو أول مسلم ركب البحر مجاهدا.

(٨) البيت من شواهد الهروي.

٦١٩

فإن دحسوا بالشرّ فاعف تكرّما

وإن خنسوا عنك الحديث فلا تسل

وفي الحديث : «فخنس إبهامه» (١) أي قبضها. وقد صرّح عليه الصلاة والسّلام بذلك فقال : «الشيطان يوسوس إلى العبد فإذا ذكر الله خنس» (٢) أي انقبض.

خ ن ق :

قوله تعالى : (وَالْمُنْخَنِقَةُ)(٣) هي الدابة تخنق بحبل في عنقها فتموت ، فلا تحلّ. وقيل : كانوا يخنقون الدابة بدل زكاتها. والمنخنقة : القلادة ، تصوّروا فيها.

فصل الخاء والواو

خ ور :

قوله تعالى : (لَهُ خُوارٌ)(٤) أي صوت. واختصّ ذلك بالبقر ، ويستعار للبعير. وقال مجاهد : خواره خفيف إذا دخلت الريح جوفه. والخور : اللّين. ومنه : رجل خوّار أي جبان. وخار يخور ، وكأنهم تصوّروا أن الصوت لا يكون إلّا عند خوف ، ولذلك يقال : الشجاع صموت.

وأرض خوّارة : ليّنة. ويقال للنوق الغزار اللبن : خور ، سمّين بذلك لرقة لبنها. ولذلك يقولون في التي لا يغزر لبنها : الجلاد ، فقابلوا بين الصّلابة واللّين في ذلك. وفي حديث عمرو (٥) : «ليس أخو الحرب من يضع خور الحشايا عن يمينه [وعن] شماله» يعني الموطأ منها ؛ ذلك أنها تحشى حشوا رخوا. وهذا يناسب قوله : «اخشوشنوا» (٦). ورمح خوّار أي ليّن. والخوران : يقال لمجرى الروث ، وصوت البهائم.

__________________

(١) النهاية : ٢ / ٨٤ ، وهو من حديث صوم رمضان.

(٢) النهاية : ٢ / ٨٣.

(٣) ٣ / المائدة : ٥.

(٤) ١٤٨ / الأعراف : ٧.

(٥) في الأصل : عمر ، والحديث لعمرو بن العاص كما في النهاية : ٢ / ٨٧. والإضافة منه.

(٦) من حديث عمر في إحدى رواياته كما في النهاية : ٢ / ٣٥.

٦٢٠