عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

والخبازة : صنعته. وقد استعير الخبز للسّوق الشديد تشبيها بهيئة السائق بالخبز (١).

خ ب ط :

قوله تعالى : (إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ)(٢) أي يصرعه ويضربه ، من خبط البعير بيده الأرض. والخبط باليدين ، والرّمح بالرّجلين ، والزّبن بالرّكبتين ، والخبط : الضرب على غير استواء كخبط البعير. وخبط عشواء : عبارة عن الإقدام على الأمور من غير تفكّر في عواقبها. قال زهير بن أبي سلمى (٣) : [من الطويل]

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب

تمته ، ومن تخطىء يعمّر فيهرم

ومرّ مكحول برجل نائم بعد العصر فركضه برجله وقال : لقد دفع عنك ، إنها ساعة مخرجهم ـ يعني الجنّ ـ وفيها ينتشرون ، وفيها تكون الخبتة. قال شمر : كان في لسانه (٤) لكنة ، وإنّما أراد الخبطة (٥).

وخبط السّمر أي ضربه بعصا ليقع ورقه. وعبّر بالخبط عن عسف السّلطان فقيل : سلطان خبوط. واختباط المعروف : تعسّف [بطلبه](٦) تشبيها بخبط الورق. قال علقمة (٧) : [من الطويل]

وفي كلّ حيّ قد خبطت بنعمة

فحقّ لشأس من نداك ذنوب

وكان شأس أخوه مأسورا ، فلما سمعه (٨) قال : نعم وأذنبة. فقوله : (الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ

__________________

(١) والبسّ : السير الرفيق.

(٢) ٢٧٥ / البقرة : ٢.

(٣) من معلقته (شعر زهير : ٢٥). وهي الناقة التي لا تبصر فهي تخبط الكلّ لا تبقي على أحد. ثم تطور المعنى المجازي.

(٤) يعني مكحولا. وانظر النهاية : ٢ / ٤.

(٥) وفي الأصل : الخبط.

(٦) إضافة المحقق.

(٧) من قصيدته «طحا بك قلب» : ٣٦. الذنوب : النصيب. وشأس : أخو علقمة ، وقيل : ابن أخيه.

(٨) والضمير عائد على الملك آسر شأس.

٥٦١

الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِ) قال الراغب (١) : يصحّ أن يكون من خبط الشجر ، وأن يكون من الاختباط الذي هو طلب المعروف ، انتهى. وليس للثاني معنى لائق بذلك. وقال عليه الصلاة والسّلام : «اللهمّ أعوذ بك أن يتخبّطني الشيطان من المسّ» (٢).

خ ب ل :

قوله تعالى : (لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً)(٣). الخبال : الفساد الذي يلحق الإنسان فيورثه اضطرابا يشبه الجنون ، وهو أيضا المرض المؤثّر في الفكر والعقل. يقال : خبل وخبل وخبال. وخبله فهو خابل ومخبول ، وخبّله فهو مخبّل ومخبل. ومنه قول زهير (٤) : [من الطويل]

هنالك ، إن يستخبلوا المال يخبلوا

وإن يسألوا يعطوا ، وإن ييسروا يغلوا

أي إن يسألوا إفساد إبلهم في نحرها وأموالهم في المغارم أجابوا لذلك. وفي الحديث : «من أصيب بدم أو خبل» (٥) أي بجرح يفسد العضو. والخبل : فساد الأعضاء ، و «من شرب الخمر سقاه الله من طينة الخبال» (٦) قيل : هي عصارة أهل النار. قال : أوس بن حجر (٧) : [من الطويل]

تبدّل حالا بعد حال عهدته

تناوح جنّان بهنّ وخبّل

وأخبل في عقله أي أصيب بخبل.

__________________

(١) المفردات : ١٤٢.

(٢) النهاية : ٢ / ٨.

(٣) ١١٨ / آل عمران : ٣.

(٤) الديوان : ٤٢.

(٥) النهاية : ٢ / ٨.

(٦) النهاية : ٢ / ٨.

(٧) الديوان : ٩٤.

٥٦٢

خ ب و :

قوله تعالى : (كُلَّما خَبَتْ)(١) سكن لهيبها. يقال : خبت النار أي انطفأ لهيبها وسكن حرّها كأنّما تصوّر عليها خباء يسترها من [رماد](٢) ويغشّيها. ومراد الآية أنّ عذابهم لا ينقطع ولا يخفّف ، وإن تصوّر في نارهم خبو زيدت سعيرا وإيقادا لقوله في موضع آخر (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ)(٣) : لا يخفّف عنهم. وإذا سكن لهب النار وهي حية قيل : خبت وباخت وخمدت ، فإذا بطلت قيل : همدت ، من همد الإنسان أي سكنت حركاته. وخبا المصباح يخبو : قلّ ضوؤه. قال (٤) : [من الخفيف]

وسطه كاليراع أو سرج المج

دل يخبو طورا وطورا ينير

فصل الخاء والتاء

خ ت ر :

قوله تعالى : (كُلُّ خَتَّارٍ)(٥). الختّار : الغدّار ، والختر في الأصل : الفساد في الغدر وغيره ، قاله ابن عرفة. ختّره الشراب : أفسد نفسه. وقال الراغب (٦) : الختر : الغدر يختر فيه الإنسان أي يضعف ويسكر (٧) لاجتهاده فيه. وقال الأزهريّ : الختر : أقبح الغدر ؛ فهو أخصّ منه. فكلّ ختر غدر من غير عكس.

__________________

(١) ٩٧ / الإسراء : ١٧.

(٢) بياض في الأصل ، والإضافة من المفردات : ١٤٢.

(٣) ٧٥ / الزخرف : ٤٣.

(٤) البيت لعدي بن زيد كما في التاج ـ مادة وسط.

(٥) ٣٢ / لقمان : ٣١.

(٦) المفردات : ١٤٢.

(٧) وفي الأصل : يكبر ، وفي المفردات يكسر. والتصويب من اللسان ـ مادة ختر.

٥٦٣

خ ت م :

قوله تعالى : (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ)(١) قرىء بفتح التاء وكسرها في السبع (٢). فمعنى الكسر أنه ختم من تقدّمه من الأنبياء والمرسلين. وقد شرح هذا بقوله عليه الصلاة والسّلام : «لا نبيّ بعدي» (٣). ولما استقرّ له هذا الوصف قال فيه الشاعر (٤) : [من الكامل]

يا خاتم النّبآء إنك مرسل

ومعنى المفتوح أنه جعل كالشيء الذي يختم به كالطابع والقالب ، أي لما يطبع به ويقلب فيه. والمعنى أن الله تعالى ختم به الأنبياء والمرسلين كما يختم بالخاتم الذي هو آلة الختم. فالمكسور اسم فاعل ، والمفتوح اسم الآلة.

قوله : (خِتامُهُ / مِسْكٌ)(٥) أي يوجد في آخره طعم المسك ورائحته. وعن مجاهد : مزاجه مسك. وقال علقمة : خلطه. وقال ابن مسعود : عاقبته مسك. وقرىء «خاتمه» في السبع أي سؤره مطيب بالمسك. قال الراغب (٦) : وقول من قال : يختم بالمسك أي يطبع فليس بشيء لأنّ الشراب يجب أن يطيب في نفسه. فأمّا ختمه بالطيب فليس ممّا يفيده ولا ينفعه طيب خاتمه ما لم يطب في نفسه ، وفيه نظر لأنه يجوز أن يجمع بين الوصفين.

وفي الخاتم أربع لغات : خاتم ، خاتم ، خاتام ، خيتام.

قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٧) أي طبع. ومعنى الختم : التّغطية على الشيء والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء. والمعنى أنها لا تعقل ولا تعي خبرا. والختم والطّبع

__________________

(١) ٤٠ / الأحزاب : ٣٣.

(٢) قرأها بالكسر عيسى (مختصر الشواذ : ١١٩).

(٣) الترمذي ، باب المناقب رقم ٢٠.

(٤) شطر للعباس بن مرداس ، وعجزه (اللسان ـ مادة نبأ) :

بالخير كلّ هدى السبيل هداكا

ولم يرد ذكره في الأغاني من جملة كافيته.

(٥) ٢٦ / المطففين : ٨٣.

(٦) المفردات : ١٤٣.

(٧) ٧ / البقرة : ٢.

٥٦٤

يقالان على وجهين : أحدهما أنهما مصدران لختم وطبع ، وهو تأثير الشيء كنقش الخاتم والطابع. والثاني الأثر الحاصل على الشيء ، ثم إنّه يتجوّز بذلك تارة عن الاستيثاق من الشيء والمنع منه اعتبارا بما يحصل من المنع بالختم على الكتب والأبواب ، نحو قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ). وتارة عن تحصيل أثر شيء اعتبارا بالنقش الحاصل. وتارة يعتبر منه بلوغ الأمر ، ومنه : ختمت القرآن ، أي بلغت آخره.

وقيل في قوله : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) إشارة إلى ما جرت به العادة من أنّ الإنسان إذا تناهى في اعتقاد باطل أو (١) ارتكاب محظور ولا (٢) يكون منه تلفّت بوجه إلى الحقّ يورثه ذلك هيئة تمرّنه على استحسان المعاصي ، فكأنما ختم بذلك على قلبه ، وعليه : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ)(٣). ومثله استعارة الإغفال في قوله : (أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا)(٤) ، واستعارة الكنّ في قوله : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً)(٥) ، واستعارة القساوة في قوله : (قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً)(٦). وقرىء : «قسيّة» (٧).

وهل الختم مستول على الأسماع ؛ فيكون الوقف على سمعهم ، أوليس مستوليا عليها. وفي قراءة نصبها يجوز أن يستولي عليها حسبما بينّا ذلك في «الدرّ» و «التفسير الكبير». وبينّا هناك وجه جمع القلوب والأبصار وإفراد السمع. وهذه الآية من أعظم آي القرآن وأدلّها على أنّ الله تعالى خالق كلّ شيء من خير أو شرّ ، نفع أو خيّر ، إيمان أو كفر.

ولمّا ضاق خناق المعتزلة بها تأوّلوها تأويلات ضعيفة حسبما بينّاه في موضعه ، حتى قال الجبّائيّ (٨) : «يجعل الله ختما على قلوب الكفّار ليكون دلالة للملائكة على كفرهم فلا

__________________

(١) وفي الأصل : و.

(٢) وفي الأصل : فلا.

(٣) ١٠٨ / النحل : ١٦.

(٤) ٢٨ / الكهف : ١٨.

(٥) ٢٥ / الأنعام : ٦. الأكنة : الأغطية الكثيرة.

(٦) ١٣ / المائدة : ٥.

(٧) قرأ يحيى ورواه الضبي بضمّ القاف. وقرأ بعضهم بكسر القاف مع السين (مختصر الشواذ : ٣١).

(٨) هو أبو على محمد بن عبد الوهاب الجبائي صاحب مقالات المعتزلة. ولد سنة ٢٣٥ وتوفي سنة ٣٠٣. وهو منسوب إلى «جباء» قرية من قرى البصرة. وخلفه ابنه أبو هاشم (اللباب في معرفة الأنساب : ١ / ٢٥٥).

٥٦٥

يدعون لهم» يعني أنّ الملائكة تستغفر للمؤمنين ، وهذا تأويل سخيف قال الناس في ردّه ، لأنّ هذا الختم إمّا أن يكون معقولا ؛ فالملائكة يستغنون عن ذلك باطّلاعهم على خبث عقائدهم ، أو محسوسا فينبغي أن يدركه أهل الشرع.

وقوله : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ)(١) عبارة عن منعهم الكلام ، وهذا في وقت غير وقت آخر يتكلمون فيه وهو قوله : (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً)(٢) لأن يوم القيامة متطاول مختلف الأمكنة والأزمنة.

فصل الخاء والدال

خ د د :

قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ)(٣) ؛ شقّ مستطيل في الأرض غائض (٤). يجمع على أخاديد. وأصل ذلك من خدّي الإنسان ، وهما العضوان النّائتان المكتنفا أنفه يمينا وشمالا. فالخدّ يستعار للأرض وغيرها كاستعارة الوجه.

وتخدّد اللحم : زواله عن وجه الجسم. يقال : خددته فتخدّد. ثم عبّر بالمتخدّد عن المنزل. والخداد : ميسم في الخدّ. وهؤلاء (٥) قوم حفروا حفائر ، وأضرموها نارا ، فمن أظهر الإيمان ألقوه في تلك الأخاديد في قصة استوفيناها في غير هذا (٦).

__________________

(١) ٦٥ / يس : ٣٦.

(٢) ٤٢ / النساء : ٤.

(٣) ٤ / البروج : ٨٥.

(٤) يقال خدّ ويقال أخدود.

(٥) يعني أصحاب الأخدود.

(٦) وانظر قصتهم في كتابنا (معجم أعلام القرآن ـ مادة أصحاب الأخدود).

٥٦٦

خ د ع :

قوله تعالى : (يُخادِعُونَ اللهَ)(١). الخدع : من الخداع (٢) وهو الفساد. وأنشدوا (٣) : [من الرمل]

طيّب الرّيق إذا الريق خدع

ثم عبّر به عن المكر والكيد لما فيهما من الفساد.

وقيل : الخدع : إنزال الغير عما هو بصدده بأمر يبديه على خلاف يبطنه (٤) ومنه المخدع لموضع خفيّ في البيت. والأخدعان : عرقان مستبطنان ، سمّيا بذلك لخفائهما. قال (٥) :

بلغت نحو الحيّ حيّ وجدتني

وجفت من الأمعاء لسا وأخدعا

فالخداع : إظهار خلاف ما يبطنه ، ومنه : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ)(٦) أي يخادعون رسوله والمؤمنين بإظهار الإيمان وإبطان الكفر. وقوله : (يُخادِعُونَ اللهَ) يريد يخادعون رسوله. وقد جعل مخادعة رسوله كمخادعته ، وهو ممّن لا يجوز عليه الخداع تنبيها على عظم من خادعوه. كما جعل مبايعته في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ)(٧) وفي هذا تنبيه على أمرين : أحدهما الدّلالة على فظاعة فعلهم ، والثاني عظم قدر رسوله والمؤمنين. وقول أهل العربية إنه على حذف مضاف بالنسبة ظاهر في صرف الخداع عن الله ، ولكن لو صرح بالمضاف لأتت الدلالة على الأمرين المذكورين. وقد قيل إنه لا حذف البتّة. وإن القوم لجهلهم يزعمون أنّ الله ممن يصحّ خداعه تعالى الله عن ذلك.

__________________

(١) ٩ / البقرة : ٢.

(٢) وفي الأصل : الخدع.

(٣) صدر بيت لسويد بن أبي كاهل يصف ثغر امرأة ، وعجزه كما في اللسان ـ مادة خدع :

أبيض اللون لذيذ طعمه

والمعنى أنه يغلظ وقت السحر فييبس وينتن. وخدع الريق : فسد.

(٤) وفي الأصل : يظهر ، وهو وهم. والسياق يؤيد ما رجحنا.

(٥) كذا رسم العجز في الأصل ، ولم يستقم.

(٦) ١٤٢ / النساء : ٤.

(٧) ١٠ / الفتح : ٤٨.

٥٦٧

وقوله : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)(١) أي ما يرجع وبال خداعهم إلا عليهم لا يتعدّاهم ، (إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ)(٢) ، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(٣).

وقرىء : «وما يخدعون» ولم يقرأ الأول في السبع (٤) إلا «يخدعون» كما بينّا وجه ذلك في غير هذا. وقيل : إنّ هذا من باب المقابلة ، أي وهو يعاملهم بعقابه معاملة الخادع.

وقولهم : «أخدع من ضبّ» (٥) أي أمكر ، وذلك أنّ الضبّ يتّخذ عقربا على باب حجره تلدغ من يدخل يده فيه حتى قالوا : إنّ العقرب بوّاب الضبّ وحاجبه ، فقالوا ذلك لاعتقاد الخديعة فيه. وخدع الضّبّ أي استتر في حجره. وطريق خادع وخيدع كأنهم تصوّروا خداعه لسالكه لمّا تاه فيه.

والمخدع : بيت في بيت ؛ تصوّروا أنّ بانيه جعله لمن رام تناول ما فيه. وخدع الريق : قلّ ، تصوّروا منه الخديعة ، والأخدعان : تصوّر منهما الخداع لظهورهما تارة وخفائهما أخرى. وخدعته : قطعت أخدعه. وفي الحديث : «بين يدي الساعة سنون خدّاعة» (٦) أي محتالة لتلوّنها بالجدب مرة والخصب أخرى. وفيه (٧) : «الحرب خدعة» أي / حيلة ، أي ينقضي أمرها بخدعة واحدة. ونقل الهرويّ : أنه يقال : خدعة بضم. وعن الأصمعيّ في قوله : «سنون خدّاعة» أي قليلة المطر ، من خدعه ريقه أي قلّ. وقال غيره : أي يكثر مطرها ويقلّ ريعها.

__________________

(١) ٩ / البقرة : ٢. وانظر القراءات بعد أسطر ، وانظر الحاشية بعد.

(٢) ٢٣ / يونس : ١٠.

(٣) ٤٣ / فاطر : ٣٥.

(٤) قراءة الجارود بن أبي سبرة «وما يخدعون إلا أنفسهم» ما لم يسمّ فاعله. وقرأها مورق العجلي بالتشديد «يخدّعون». وأبو طالوت عن أبيه «وما يخادعون» بفتح الدال (مختصر الشواذ : ٢).

(٥) المستقصى : ١ / ٩٥.

(٦) النهاية : ٢ / ١٤ ، وفيه : «تكون قبل الساعة سنون خداعة».

(٧) أي في الحديث. النهاية : ٢ / ١٤. ويروى بضم الخاء مع سكون الدال ، وبضمها مع فتح الدال.

٥٦٨

خ د ن :

قوله تعالى : (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ)(١). الخدن والخدين : المصاحب. وأكثر ما يقال فيمن صاحبته بشهوة. وقوله (٢) :

خدين العلى

استعارة كقولهم : ينتسب للمكارم. ولكنه بمعنى المصاحب لم يتعرّف بالإضافة ، نحو : مررت برجل خدنك وخدينك. ومراد الآية أنهم غير متّخذات غير أزواجهن.

فصل الخاء والذال

خ ذ ل :

قوله تعالى : (وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولاً)(٣) أي كثير الخذلان ، لأنه مثال مبالغة. والخذلان : ترك النصر ممّن يتوقع منه ذلك. وقوله : (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ)(٤) أي يترك نصرتكم. وخذلت الوحشيّة ولدها : تركته وحده. وتخاذلت رجلاه : إذا لم تعيناه على المشي. قال الأعشى (٥) : [من الرمل]

بين مغلوب تليل خدّه

وخذول الرّجل من غير كسح

والمخذّل في الجيش : من تحيّن المقابلة. ولهذا يخرج من الصفّ. ويقال : خذله فهو خاذل وخذول ، والجمع خذل. قال الشاعر : [من الطويل]

وما خذّل قومي فأخضع للعدى

ولكن إذا أدعوهم فهم هم

__________________

(١) ٢٥ / النساء : ٤.

(٢) من بيت لشاعر. وورد الشاهد نفسه في المفردات : ١٤٤.

(٣) ٢٩ / الفرقان : ٢٥.

(٤) ١٦٠ / آل عمران : ٣.

(٥) الديوان : ٢٤٣. تليل : فعيل بمعنى مفعول ، من تلّه أي صرعه.

٥٦٩

فصل الخاء والراء

خ ر ب :

قوله تعالى : (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ)(١). التخريب : نقض البناء وهدمه. يقال : خرّبه وأخربه. وقرىء «يخرّبون» و «يخربون» (٢). فتخريبهم بأيديهم لئلا ينتفع بها من بعدهم. وقيل : بل بإجلائهم عنها لما تسبّبوا في ذلك.

وخرب المكان يخرب خرابا فهو خرب. والخارب : سارق الإبل. والخربة : أيضا سرقة الإبل. قال الشاعر : [من الرجز]

والخارب اللص يحبّ الخاربا (٣)

وقيل : الخربة : التّهمة. وفي الحديث : «ولا فارّا بخربة» (٤). والخرب : ذكر الحبارى. قال (٥) : [من الرجز]

[أبصر] خربان فضاء فانكدر

والخربان جمع خرب. وقال الآخر : [من البسيط]

ولّى ليطليه بالأسفر الخرب

والخربة : عروة المزادة وهي أذنها ، وأصلها كلّ نقبة مستديرة ، والجمع خرب. ومنه : تقليد الهدايا بخرب العرب ، ونحوها. وقيل : الخربة : شقّ واسع في الآذان تصوّرا أنه خرب أذنه. ومنه : رجل أخرب ، وامرأة خرباء. ثم شبّه به الخربة في أذن المزادة.

__________________

(١) ٢ / الحشر : ٥٩.

(٢) اجتمع القراء على «يخربون» إلا عبد الرحمن السلمي فإنه قرأ «يخرّبون». وقرأ بالتشديد أيضا قتادة والجحدري ومجاهد وأبو حيوة وعيسى وأبو عمرو (معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٤٣ ، وحاشيته رقم ١) وانظر فيه تفصيلا آخر.

(٣) جعل الخارب مختصا بسارق الإبل ، ثم نقل إلى غيرها اتساعا.

(٤) النهاية : ٢ / ١٧.

(٥) من شواهد الراغب ، وإضافة الكلمة منه (المفردات : ١٤٥).

٥٧٠

خ ر ج :

قوله تعالى : (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(١) يريد يوم القيامة ، وسمّي بذلك لخروج العالم فيه لقوله : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ)(٢). قال أبو عبيدة : هو من أسماء يوم القيامة ، وأنشد للعجاج (٣) : [من الرجز]

أليس يوم [سمّي] الخروجا

أعظم يوم دجّة دجوجا (٤)

وأصل الخروج : البروز من المقرّ سواء أكان دارا أم بلدا أم ثوبا ، وسواء كان بنفسه أو بأسبابه الخارجة عنه. وأكثر ما يكون الإخراج في الأعيان ، ويقال في التكوين الذي هو من فعل الباري تعالى نحو : (فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى)(٥).

والتّخريج : أكثر ما يقال في العلوم والصناعات. وقيل : لما يؤخذ من كراء الأرض والحيوان خرج وخراج (٦). قال تعالى : (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ)(٧).

وقوله : (فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً)(٨) وقرىء «خرجا» مكان «خراج» (٩) ، فزعم قوم أنهما بمعنى ، وآخرون فرّقوا ، فقيل : الخراج : ما كان من كراء الأرض ونحوها. والخرج : ما كان مضروبا على العبد. يقال : العبد يؤدّي خرجه ، والعامة تؤدّي للأمرين الخراج ، وقيل : الخرج أعمّ من الخراج ، والخرج بإزاء الدّخل. وقيل : إنّما قال :

__________________

(١) ٤٢ / ق : ٥٠.

(٢) ٧ / القمر : ٥٤.

(٣) رجز العجاج غير مذكور في ديوانه ، والإضافة من اللسان والتاج ـ مادة خرج.

(٤) وفي اللسان : رجة رجوجا.

(٥) ٥٣ / طه : ٢٠.

(٦) وردت الجملة في المفردات (١٤٥): «وقيل لما يخرج من الأرض ومن وكر الحيوان ونحو ذلك خرج وخراج».

(٧) ٧٢ / المؤمنون : ٢٣.

(٨) ٩٤ / الكهف : ١٨.

(٩) قراءة الخراج بالألف لحمزة والكسائي وخلف ووافقهم الحسن والأعمش. وقراءة «الخرج» للباقين. والخراج الاسم الأول ، والخرج كالمصدر كأنه الجعل (معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٥٩ ، والحاشية رقم ٩).

٥٧١

(فَخَراجُ رَبِّكَ)(١) فأضاف الخراج إلى نفسه المقدّسة تنبيها أنه هو الذي ألزمه وأوجبه. وقال الأزهريّ : الخراج يقع على الضريبة ومال الفيء ومال الجزية والغلّة وما نقص من الفرائض والأموال.

والخرج : المصدر ، والخرج أيضا من الحساب ، وجمعه خروج. وفي الحديث : «الخراج بالضمان» (٢) أي أن المشتري إذا اشترى عبدا مثلا واستعمله ثم وجد به عيبا فله ردّه ، وغلّته تامّة له ، لأنه لو هلك هلك في ضمانه ، فغلّته مقابلة بضمانه وهي الخراج. قال معناه أبو عبيدة ، وقال الراغب : أي ما يخرج من مال البائع بإزاء ما يسقط عنه من الضمان ، والأول أحسن.

والخارجيّ : ما خرج بذاته عن أحوال أقرانه. ويقال ذلك على سبيل المدح إذا خرج إلى منزلة من هو أعلى (٣) ، ولهذا يقال : فلان ليس بإنسان على طريق المدح كقوله (٤) : [من الطويل]

فلست [بإنسيّ] ولكن لملأك

تنزّل من جوّ السماء يصوب

وتارة على سبيل الذمّ كقوله : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ)(٥). والخرج لونان من بياض وسواد. ومنه : ظليم أخرج ، ونعامة خرجاء ، وأرض مخترجة ، أي قطعة منها نابتة وأخرى غير نابتة ؛ فهي ذات لونين. والخوارج : غلب على من خرج عن طاعة الإمام.

خ ر د ل :

قوله تعالى : (مِنْ خَرْدَلٍ)(٦). الخردل معروف واحدته خردلة ، ويضرب بها المثل في القلة والتّلاشي. قال تعالى : (وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها). وهذا من باب

__________________

(١) ٧٢ / المؤمنون : ٢٣.

(٢) النهاية : ٢ / ١٩.

(٣) الكلام من الراغب (المفردات : ١٤٥) وفي الأصل : أدنى.

(٤) البيت من شواهد الراغب : ١٤٥ ، وابن منظور ـ مادة لأك ، والإضافة من المصدرين.

(٥) ٤٤ / الفرقان : ٢٥.

(٦) ٤٧ / الأنبياء : ٢١.

٥٧٢

التنبيه بالأدنى على الأعلى ، وتنبيه على عدله تبارك وتعالى ، وما أحسن ما جاء بذكر المثقال من حبة الخردل بعد ذكر الموازين. وفي الحديث : «ومنهم المخردل» (١) قيل : هو المرميّ المصروع. وقيل : المقطّع بكلاليب الصراط ، من قولهم : لحم مخردل أي مقطّع. قال كعب (٢) : [من البسيط]

يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما

ويقال : خردلته وخرذلته بالمهملة والمعجمة. والخردلة القطعة منه. فأمّا الخردل الحبّ فبالمهملة ليس إلا.

خ ر ر :

قوله : (فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ)(٣). الخرور : السّقوط من علوّ يكون معه صوت غالبا. والخرير للماء والهواء. قوله تعالى : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ)(٤) ، (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا)(٥) ، (خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا)(٦). إتيانه تعالى بذكر البكاء والتسبيح تنبيه على أن ذلك الصوت المصاحب للخرور إمّا بكاء من خشيته وإما تسبيح لربوبيّته. وقوله : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً)(٧) ، (وَخَرَّ راكِعاً)(٨) تنبيها على أنهما عليهما‌السلام كانا في حالة تقرب من الموت لهيبة الربوبية ، فإن الخرير غلّب في الهلكة. قال : [من الطويل]

فخرّ صريعا لليدين وللفم

__________________

(١) النهاية : ٢ / ٢٠.

(٢) يعني كعب بن زهير ، وهو صدر ، وعجزه وفيه الشاهد (الديوان : ٢٢) :

لحم من القوم معفور خراذيل

أي مقطع قطعا. وهو مذكور في النهاية : ٢ / ٢١.

(٣) ٣١ / الحج : ٢٢.

(٤) ١٠٧ / الإسراء : ١٧ ، وغيرها.

(٥) ٥٨ / مريم : ١٩.

(٦) ١٥ / السجدة : ٣٢.

(٧) ١٤٣ / الأعراف : ٧.

(٨) ٢٤ / ص : ٣٨.

٥٧٣

وقد وقع الفرق في المادة فقيل : خرّ الحجر / يخرّ بضمّ الخاء خرورا ، وخرّ الماء أو الميت يخرّ بكسر الخاء خريرا.

خ ر ص :

قوله : (يَخْرُصُونَ)(١) أي يكذبون. (قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ)(٢) ، أي الكذابون. وأصله الحرز. ومنه «خرص النخل» (٣) وهو أن تحزر أنّ على رؤوس النخل كذا وسقا من الرّطب (٤) ، وأنه يجيء منه كذا وسقا من التمر. وكان عبد الله بن رواحة خارص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وذلك يختصّ بالنخل والكرم ـ فأطلق على الكذب لأنه من غير تحقيق ولا غلبة ظنّ ، إلا أن الكذب قبيح ، وهذا ليس بقبيح.

يقال : خرص وتخرّص واخترص أي افترى الكذب. وفي الحديث : «لمّا حثّهنّ على الصّدقة جعلت إحداهنّ تلقي الخاتم والخرص» (٥) وهو الحلقة الصغيرة من الحلي (٦) وخرصت الدابة : جمعت بين شفريها (٧) بخرص أي حلقة.

خ ر ط :

قوله : (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)(٨) ؛ الأنف : وإنّما خصّه بالذّكر لأنّه أظهر شيء في الوجه ، والوجه أظهر شيء في الإنسان ، أي يجعل له علامة قبيحة يعرف بها. والخرطوم في الأصل أنف الفيل ، فذكر هنا تقبيحا لصاحبه. وقيل : بل أصله في السّباع كلّها. وقال

__________________

(١) ١١٦ / الأنعام : ٦.

(٢) ١٠ / الذاريات : ٥١ ، أي لعن الكذابون.

(٣) من الحديث : «أنه أمر بخرص النخل والكرم» (النهاية : ٢ / ٢٢).

(٤) الوسق : ستون صاعا ، أو حمل بعير.

(٥) النهاية : ٢ / ٢٢.

(٦) الخرص : حلق تعلق بالأذن كهيئة القرط.

(٧) شفرا المرأة : حرفا رحمها ، وهو شفرها.

(٨) ١٦ / القلم : ٦٨.

٥٧٤

الفرزدق (١) : [من البسيط]

يا ظمي ويحك إني ذو محافظة

أنمي إلى معشر شمّ الخراطيم

أي مرتفعي الآناف ، يشير إلى عزمهم. والعرب تقول : بأنفه شمم أي تكبّر ، ولا يفعل ذلك إلا من له عزّ ومنعة. فلما كان هذا العضو يستعمل في معنى التعزّز والتعظّم كما وصفنا ، جعل الله سمة ذلّ هذا الشخص على محلّ العزّ من غيره. والسّمة : العلامة ، والمعنى : متسلزمة عارا لا ينمحي عنه أبدا ، نحو : جدعت (٢) أنفه ؛ فإنّه أشهر له ، إذ لا يمكن إخفاؤه عادة.

خ ر ق :

قوله تعالى : (وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ)(٣) أي اخترقوا في ذلك وكذبوا. وأصل الخرق قطع الشيء على سبيل الفساد من غير تدبّر ولا تفكّر ، وهو عكس الخلق. ويعبّر بذلك عن الحمق وقلة الحلم وعدم القناعة. يقال : رجل أخرق ، وامرأة خرقاء وهي ضدّ صناع. قال ذو الرمّة (٤) : [من الوافر]

تمام الحجّ أن تقف المطايا

على الخرقاء واضعة اللّثام

وذلك أنّه لما رأى ميّة أراد أن يتعلّل بشيء ليكلمها فخرق دلوه ثم جاءها فقال : [املئي](٥) لي دلوي. فقالت : أنا خرقاء لا صناع. فولّى وعلى كتفه دلوه وقطعة حبل. فقالت : يا ذا الرّمّة. والرّمّة : قطعة الحبل ، فسمي بذلك ، وأنشد قصيدته التي فيها هذا البيت. وبها شبّهت الريح فقيل : ريح خرقاء.

والخرق : الحمق. وفي الحديث : «ما كان الخرق في شيء إلا شانه وما كان الرفق

__________________

(١) البيت مطلع يهجو به الفرزدق مرة بن محكان ، والبيت مضطرب الصدر في الأصل ، والتصويب من الديوان : ٧٤٥.

(٢) وفي الأصل : جزعت ، ولعل السياق يؤيد ما ذكرنا.

(٣) ١٠٠ / الأنعام : ٦.

(٤) البيت غير مذكور في الديوان بطبعتيه ، ومذكور في الأغاني : ١٨ / ٤٠ ، في خبر طويل.

(٥) إضافة المحقق.

٥٧٥

في شيء إلا زانه» (١). واستعير منه المخرقة ، وهو إظهار الخرق توصّلا إلى حيلة. والمخراق : شيء يلعب به كأنّه يخرج لإظهار الشيء بخلافه. ومنه خرق الغزال يخرق : إذا لم يحسن العدو.

وباعتبار القطع قيل : خرقت الثوب وخرّقته. وخرقت المفازة ، وهي خرقاء ، وخرق وخريق وذلك مختصّ بالفلوات الواسعة ؛ إمّا لاختراق الريح فيها ، وإمّا لتخرّقها في سعتها. وخصّ الخرق بمن يتخرّق في السخاء.

والخرق : ثقب الأذن. ومنه صبيّ أخرق وامرأة خرقاء أي مثقوبي الأذن. ومنه الحديث : «نهى أن بضحّى بالشّرقاء والخرقاء» (٢) ؛ فالخرقاء : ما في أذنها ثقب مستدير.

قوله : (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ)(٣) أي لن تثقبها بشدّة وطئك. وقيل : لن تقطعها عرضا وطولا. وقوله : (فِي السَّفِينَةِ خَرَقَها)(٤) فالمراد نقبها. ويقال : خرق وخرّق وتخرّق واخترق ، وخلق واختلق ، وبشك وابتشك ، وخرص وتخرّص ، كلّها بمعنى افترى وكذب. وفي حديث فاطمة : «حين زوّجها ، فلما أصبحت دعاها فجاءت خرقة من الحياء» (٥) أي خجلة ، من قولهم : خرق الغزال خرقا إذا تحيّر من الفرق.

فصل الخاء والزاي

خ ز ن :

قوله تعالى : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٦). الخزائن جمع خزانة ، وهي موضع الخزن. والخزن : ستر الشيء وحفظه ، ومنه : خازن المال. قال امرؤ القيس (٧) : [من الطويل]

__________________

(١) ابن ماجة ، الزهد ، رقم ١٧. وفيه : «ما كان الفحش ...».

(٢) النهاية : ٢ / ٢٦ ، والشرقاء : المشقوقة الأذن باثنين في الغنم.

(٣) ٣٧ / الإسراء : ١٧.

(٤) ٧١ / الكهف : ١٨.

(٥) النهاية : ٢ / ٢٦.

(٦) ٧ / المنافقون : ٦٣.

(٧) الديوان : ٨٠.

٥٧٦

إذا المرء لم يخزن عليه لسانه

فليس على شيء سواه بخزّان

يقال : خزنت المال أي سترته وغيّبته. والخزانة في الأصل مصدر ، وهي عمل الخازن ، كالإمارة والولاية ، ثم أطلقت على موضع الشيء المخزون فيه. وقيل في قوله : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ) إشارة إلى قدرته على ما يريد إيجاده. وقيل : إلى الحالة التي أشار إليها عليه‌السلام بقوله : «فرغ ربّك من أربع : الخلق ، والخلق ، والرزق ، والأجل» (١).

وقوله : (لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ)(٢) ، قيل : أراد مقدوراته التي تنفع الناس ، لأنّ الخزن ضرب من النفع. وقيل : هو قوله للشيء : «كن». وقيل : جوده الواسع وقدرته. وقال ابن عرفة : ما خزنه فأسرّه. يقال للسرّ من الحديث : مختزن. وأنشد لابن مقبل (٣) : [من البسيط]

نازعت ألبابها لبّي بمختزن

من الأحاديث ، حتى زدتني لينا

وقال أبو بكر : معناه علم غيوب الله. وقيل للغيوب خزائن لاستتارها وخفائها. قوله : (وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ)(٤) قيل : بحافظين له بالشكر. وقيل : إشارة إلى قوله : (أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ) إلى (الْمُنْزِلُونَ)(٥) قيل : إشارة إلى قوله : (فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ)(٦) أي نحن الخازنون له لا أنتم.

قوله : (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها)(٧) ؛ جمع خازن نحو : خادم وخدم. سمّوا بذلك لأنهم يحفظون جهنم ومن يدخلها كقوله : (كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها)(٨). كالحفظة معنى وجمعا.

__________________

(١) روى الراغب الحديث : «فرغ ربكم من خلق الخلق والرزق والأجل» (المفردات : ١٤٧).

(٢) ٥٠ / الأنعام : ٦.

(٣) الصدر مضطرب ، فصوّبناه من اللسان (مادة ـ نزع) ، وفيه : بمقتصر.

(٤) ٢٢ / الحجر : ١٥.

(٥) ٦٨ / الواقعة : ٥٦.

(٦) ١٨ / المؤمنون : ٢٣.

(٧) ٨ / الملك : ٦٧.

(٨) ٢٢ / الحج : ٢٢.

٥٧٧

وخزن اللحم : إذا أنتن ، وذلك أنه إذا ادّخر وخزن حصل له نتن ، فكني بذلك عن نتنه كراهية لذكر النتن.

خ ز ي :

قوله : (وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ)(١) أي لا تهنّي ولا تذلّني. وقيل : لا تفضحني. وأصله من قولهم : خزي الرجل : لحقه انكسار إمّا من نفسه أو من غيره. فالأول هو الحياء المفرط ومصدره الخزاية ، يقال منه : رجل خزيان ، وامرأة خزياء ، والجمع خزايا. وفي الحديث : «غير خزايا ولا نادمين» (٢). والثاني هو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزي ، ونظيره ذلّ وهوان ، فإن ذلك من نفس الإنسان. وقيل في المصدر الهون أيضا. والهون بالفتح / محمود وبالضم مذموم.

ورجل خزي وأخزى ، يجوز أن يكون من الخزي والخزاية. قوله تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَ)(٣) يحتمل أن يكون من الخزاية والخزي ، والأول أقرب وقيل بالعكس. وقوله : (مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ)(٤). قيل : الأولى أن يكون من الخزاية ، وليس بشيء بل من الخزي ؛ فقد أذللته وأهنته. قوله : (وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي)(٥) أي لا تفضحوني. فهو من الخزاية. وقيل : خزي أي لهم ذلّ وهوان. وقيل : فضيحة. وقوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى)(٦) قيل : نهون ، والأولى أن يكون من الخزاية ، لأن الذلّ يضمّ الهوان ، وأمّا خزوته أخزوه بمعنى سسته فمادة أخرى ومعنى آخر.

__________________

(١) ٨٧ / الشعراء : ٢٦.

(٢) من الدعاء المأثور (النهاية : ٢ / ٣٠).

(٣) ٨ / التحريم : ٦٦.

(٤) ١٩٢ / آل عمران : ٣.

(٥) ٧٨ / هود : ١١.

(٦) ١٣٤ / طه : ٢٠.

٥٧٨

فصل الخاء والسين

خ س أ :

قوله تعالى : (قِرَدَةً خاسِئِينَ)(١) أي أذلّاء ، والخاسىء : هو الصاغر القميء. وقيل : مبعدين. يقال : أخسأته فخسىء أي أبعدته فابتعد. وخسأت الكلب أي زجرته. وقيل في قوله تعالى : (اخْسَؤُا فِيها)(٢) إنه يجوز أن يكون بمعنى ابعدوا ، وأن يكون بمعنى انزجروا كما يزجر الكلب.

وقوله : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً)(٣) أي منكصا عن مكانه. وقيل : مزدجرا ، وذلك بالمجاز ولذلك قال بعده (وَهُوَ حَسِيرٌ) أي كليل تعبان. وأمّا الخسا بمعنى الفرد (٤) فقيل : ألفه مجهول ، وقيل : بل أصلها الخسأ (٥) فيكون من هذه المادة لأنّ الفرد فيه بعد عن غيره.

خ س ر :

الخسر والخسران : نقص رأس المال ، وغالب استعماله في المجازات والمعاملات والقيمات ؛ قال تعالى : (وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ)(٦) أي لا تنقصوه ، وتحرّوا طريق العدل كقوله : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ)(٧). وقيل : هو إشارة إلى تعاطي ما لا يكون ميزانه به يوم القيامة خاسرا ، فيكون ممّن قيل فيهم : (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا

__________________

(١) ٦٥ / البقرة : ٢.

(٢) ١٠٨ / المؤمنون : ٢٣.

(٣) ٤ / الملك : ٦٧.

(٤) في الأصل : القرد. والخسا : يقول ابن دريد : الفرد والزكا : الزوج (الجمهرة).

(٥) وفي الأصل : أكثر وهو وهم. ويقصد أن الخسا مجهول الهمزة أو أنه مهموزها.

(٦) ٨٥ / الأعراف : ٧.

(٧) ٩ / الأعراف : ٧.

٥٧٩

أَنْفُسَهُمْ)(١). وقوله : (خَسِرُوا) شبّههم بمن جعل نفسه سلعة تباع فخسرها ، ولا خسران أكثر ممّن عدم جميع رأس ماله.

يقال : خسرته وأخسرته إذا نقصته ، قال تعالى : (وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ)(٢) أي ينقصون.

خ س ف :

قوله تعالى : (فَخَسَفْنا بِهِ)(٣). الخسف : الخرق ، أي فخرقنا الأرض (به وجعلناها به مخروقة كما يخرق بالوتد. يقال : خسفه الله وخسف به. وقيل : الخسف : سؤوخ الأرض بما) (٤) عليها. ومنه الخسيف : البئر المحفورة في حجارة يخرج منها ماء كثير. «وسأل العباس عمر رضي الله عنه : ما عين الشعراء؟ فقال : امرؤ القيس سابقهم ؛ خسف لهم عين الشعراء» (٥) فاستعار [العين](٦) لذلك.

وعن الحجاج وقد أمر رجلا أن يحتفر بئرا : «أأخسفت؟» (٧) مكان الذّلّ (٨). قال القتيبيّ : أصله أن تربط الدابة على غير علف فاستعير للتذليل. وقيل : الخسف : النّقصان ، قاله الأصمعيّ في قول من ترك الجهاد : سيم الخسف (٩). وقيل : أصل ذلك من خسف القمر ، كأنهم تصوّروا فيه حينئذ مهانة وذلّا. قال الشاعر (١٠) : [من البسيط]

__________________

(١) ٣ / المطففين : ٨٣.

(٢) ٨١ / القصص : ٢٨.

(٣) ٨١ / القصص : ٢٨.

(٤) ما بين قوسين ساقط من س. والسؤوخ : انخساف الأرض.

(٥) النهاية : ٢ / ٣١. والمعنى : أنبطها وأغزرها لهم.

(٦) إضافة المحقق للسياق. وفي ح : فاستعار ذلك.

(٧) قاله الحجاج لرجل : «أأخسفت أم أوشلت؟» أي أطلعت ماء غزيرا أم قليلا (النهاية : ٢ / ٣٢).

(٨) في الأصل : الدال.

(٩) وهي من خطبة الإمام علي المشهورة في الجهاد.

(١٠) البيتان للمتلمّس من قصيدة (معاهد التنصيص : ٢ / ٣٠٦. شعراء النصرانية : ٣٤٣). أما رواية التاج :

ولا يقيم بدار الذل يعرفها

٥٨٠