عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

من القاصرات الطرف لو دبّ محول

يقال إذا أتى عليه [حول] ممّا كان قبله.

والحول : ما للإنسان من القوّة في حاله بالنسبة إلى تغيّره في نفسه وقنيانه ـ كما تقدم ـ ومنه : «لا حول ولا قوّة إلّا بالله». وقيل : الحول : الحركة ، وحال الشخص : أي تحرّك ، قاله أبو الهيثم ؛ فالمعنى : لا حركة ولا استطاعة إلا بمشيئة الله. وعن الشافعيّ : «لا حول عن معصية الله إلا بتوفيق الله ، ولا قوة على طاعة الله إلا بإعانة الله». ويقال : حول وحيل ، قال اللحيانيّ : «يقال : إنه لشديد الحيل» أي القوة ، ومنه في دعائه عليه الصلاة والسّلام : «يا ذا الحيل الشديد» (١). قال الهرويّ : هكذا أقرأنيه الأزهريّ ، والمحدثون يروونه : الحبل ، بالموحّدة ، قال : ولا معنى له. وقيل : الحول : الحيلة ، والمعنى : لا حيلة في أمر الله ولا قوة تنجي منه إلا بمشيئة الله. قال أبو بكر : الحول : الحيلة ؛ يقال : ما له حول وحيلة واحتيال ومحالة ومحتال ومحلة ومحال بمعنى واحد (٢). وفي الحديث : «اللهمّ ، بك أحاول وبك أصاول» (٣) ، وروي : «أحول وأصول» ، أي أحمل على العدوّ.

والحول ـ أيضا ـ ظرف مكان ، وبمعناه الحوال ، قال (٤) : [من الرجز]

وأنا أمشي الدّألى حوالكا

ويثنّيان ، فيقال فيهما : حوليه وحواليه ، قال عليه الصلاة والسّلام : «حوالينا ولا علينا» (٥) ، ويجمع على أحوال ، قال امرؤ القيس (٦) : [من الطويل]

فقالت : سباك الله إنك فاضحي

ألست ترى السّمّار والناس أحوالي؟

__________________

(١) ذكره ابن الأثير في «حيل» (النهاية : ١ / ٤٧٠).

(٢) وأنظر اللسان ـ مادة حيل.

(٣) النهاية : ١ / ٤٦٣ ، وفيه تبديل الجملتين.

(٤) عجز لراجز ، وصدره (اللسان ـ مادة حول) :

أهدموا بيتك؟ لا أبا لكا

(٥) من حديث الإستقساء (النهاية : ١ / ٤٦٤).

(٦) الديوان ٤٨.

٥٤١

وأصله أنّ حول الشيء جانبه الذي يمكنه أن يحوّل إليه.

والحيلة والحويلة : ما يتوصّل به إلى حالة ما في خفية ، وأكثر استعماله فيما [في](١) تعاطيه خبث ، وقد يستعمل فيما فيه حكمة ، قال الراغب (٢) : ولهذا قيل في وصفه تعالى : (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ)(٣) أي الوصول في خفية من الناس إلى ما فيه حكمة. وعلى هذا النحو وصف بالمكر والكيد (٤) ، لا على الوجه المذموم ، تعالى الله عن القبيح.

قلت : ليس المحال من هذه المادة في شيء ، إنما هو من مادة م ح ل ، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.

والمحال : ما جمع فيه بين المتناقضين ، وذلك يوجد في المقال ، نحو أن يقال : جسم واحد في حيّزين في حالة واحدة محال ، وهو في الأصل اسم مفعول من أحلت الشيء أحيله : أي غيرته. واستحال يستحيل فهو مستحيل : أي صار محالا.

والحولاء (٥) : لما يخرج مع (٦) الولد. «ولا أفعل ذلك ما أرزمت أمّ حائل» (٧) وهي الأنثى من ولد الناقة إذا تحوّلت عن حالة الاشتباه فبان أنّها أنثى ، ويقال للذكر / بإزائها سقب. والحال : لغة الصّفة التي عليها الموصوف ، فهي أخصّ من الصّفة وفي عبارة المتكلّمين : «الحال : كيفية سريعة الزّوال نحو الحرارة والرطوبة ، والبرودة واليبوسة المتعارضات» (٨). ويقال : حال وحالة ، وتذكّر وتؤنث مع التاء وعدمها. وفي عرف

__________________

(١) إضافة المحقق لضرورة السياق.

(٢) المفردات : ١٣٨.

(٣) ١٣ / الرعد : ١٣.

(٤) رأيه سديد.

(٥) والحولاء.

(٦) في الأصل : من ، والتصويب من المفردات : ١٣٨ ، واللسان ـ مادة حول. ويقول ابن منظور : «والحولاء من الناقة كالمشيمة للمرأة وهي جلدة ماؤها أخضر تخرج مع الولد».

(٧) مثل ذكره الزمخشري (المستقصى : ٢ / ٢٤٥) : الحائل الأنثى من أولاد الإبل وإنما خصت لأن حنين الناقة إليها أشد منه إلى السّقب.

(٨) لعله يريد : العارضات.

٥٤٢

النحاة : ما انتصب من الأوصاف ، أو ما جرى مجرى ذلك على تقدير : في حال كذا أو جواب كيف. ولها شروط مذكورة.

ح وو :

قوله تعالى : (أَوِ الْحَوايا)(١) اختلف اللغويون في مدلولها ، والتصريفيون في مفردها وكيفية تصريفها ؛ فقال اللغويون : الحوايا : المصارين وكلّ ما يحويه البطن فاجتمع واستدار. وقيل : هي الدودات في بطن الشاة. وقيل : هي المباعر. وأمّا مفردها فقيل : حويّة ، وأصله كساء يحوى أي يدار ، ويجعل على سنام البعير ليمكن ركوبه ، فيجوز أن يسمّى المعي بذلك تشبيها به. وقيل : حوايا. جمع حاوية. وقيل : جمع حاوياء. وذكر ابن السكّيت الثلاثة ، وأنشد قول جرير (٢) : [من الطويل]

[كأنّ نقيق الحبّ في حاويائه

نقيق الأفاعي أو نقيق العقارب]

فإن كانت جمع حويّة فوزنها فعائل ، (نحو : ظريفة وظرائف ، والأصل حواي. وإن كانت جمع حاوية أو حاويا فوزنها فواعل ، نحو : زاوية وزوايا) (٣) وقاصعاء وقواصع. والأصل : حواو (٤) في الصّورتين ، وإنما قلبت الهمزة في حواي ياء. وكذا الواو في حواو ، وتلك الياء مفتوحة فقلبت الياء الأخيرة ألفا فصار اللفظ كما ترى. وتقرير ذلك مستوفى في «الدرّ المصون» وغيره.

__________________

(١) ١٤٦ / الأنعام : ٦.

(٢) بياض موضع البيت ، وقد نقلناه من الديوان : ٨٣.

(٣) ما بين قوسين ساقط من س.

(٤) قال ابن بري : «حواو لا يجوز عند سيبويه لأنه يجب قلب الواو التي بعد ألف الجمع همزة لكون الألف قد اكتنفها واوان» والصحيح أن يقال في جمع حاوية وحاوياء حوايا ويكون وزنها فواعل (اللسان ـ مادة حوا).

٥٤٣

ح وي :

قوله : (غُثاءً أَحْوى)(١) أي أسود. والحوّة : السواد ؛ قال ذو الرّمة (٢) : [من البسيط]

لمياء في شفتيها حوّة لعس

وفي اللّثات وفي أنيابها شنب

وقيل : الأصل «فجعله أحوى غثاء» (٣) أي شديد الخضرة. والغثاء : ما يحمله السّيل ، وهو الدّرين أيضا ، قال (٤) : [من الرمل]

طال حبسي (٥) بالدّرين الأسود

يقال : احووى الزرع يحووي احوواء (٦) نحو : ارعوى يرعوي ارعواء ، ولا ثالث لهما. وحوى حوّة. ورجل أحوى ، وامرأة حوّاء. وأمّنا حواء يجوز أن يكون سمّيت بذلك لحوّة في لونها ، كما سمّي أبونا آدم لأدمة في لونه ، كما قيل.

فصل الحاء والياء

ح ي ث :

حيث : ظرف مكان (٧) لا يتصرّف غالبا ، وقد أعرب مفعولا في قوله : (اللهُ أَعْلَمُ

__________________

(١) ٥ / الأعلى : ٨٧.

(٢) الديوان : ١ / ٣٢. اللمى والحوّة : سمرة في الشفتين. والشنب : برد وعذوبة في الأسنان.

(٣) يقول الفراء (معاني القرآن : ٣ / ٢٥٦) : ويكون أيضا : أخرج المرعى أحوى فجعله غثاء. فيكون مؤخرا معناه التقديم.

(٤) وهو من شواهد الراغب في المفردات : ١٤٠. والدرين والدّرانة : الحشيش وكل حطام.

(٥) وفي الأصل : حسبي. كما أضاف الناسخ في مطلع العجز كلمة (وقد).

(٦) كما يقال : احواوى يحواوي احويواء (اللسان ـ مادة حوا).

(٧) وقد ترد للزمان كما يقول الأخفش (مغني اللبيب : ١٣١). وبعض العرب يفتحه.

٥٤٤

حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ)(١) ويجرّ بمن كقوله : (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ)(٢) وفيها لغات ؛ تثليث الثاء مع الياء والواو ، ويقال : والألف (٣). وهو لازم الإضافة إلى الجملة الإسمية والفعلية ، وإضافته للمفرد نادر في قولهم (٤) : [من الطويل]

أما ترى حيث سهيل طالعا (٥)

أو في ضرورة ، كقوله :

 .............

 ... حيث ليّ العمائم (٦)

ولوجوب إضافتها للجملة كان فتح أن بعدها خطأ. وزعم بعضهم أنّها تكون للتعليل كما يكون له من ظروف الزمان إذ. وزعم الأخفش أنها تكون زمانا ، وأنشد (٧) : [من الرمل]

للفتى عقل يعيش به

حيث تهدي ساقه قدمه

وقد أشبعنا الكلام عليها في غير هذا.

__________________

(١) ١٢٤ / الأنعام : ٦. وناصبها الفعل يعلم المحذوف المدلول عليه بأعلم لا بأعلم نفسه لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به ، فإن أوّلته بعالم جاز أن ينصبه في رأي بعضهم. وهذا رأي ابن هشام.

(٢) ٢٢٢ / البقرة : ٢.

(٣) أي أن الثاء تقبل الحركات الثلاث ، وأنها ترد : حوث وحاث. ويزعمون أن أصلها واو فقلبت الواو ياء لكثرة دخول الياء على الواو فقيل : حيث ثم بنيت على الضم.

(٤) وهو من شواهد الفراء على جواز الخفض.

(٥) وهو صدر ذكره ابن هشام في المغني : ١٣٣ ، وعجزه :

نجما يضيء كالشّهاب لامعا

وعلق ابن هشام : بفتح الثاء وخفض سهيل ، وحيث بالضم وسهيل بالرفع ، أي موجود فحذف الخبر.

وانظر الشاهد في شرح المفصل : ٤ / ٩٠.

(٦) من عجز بيت أنشده ابن الأعرابي ، وتمامه :

ونطعنهم حيث الحبى بعد ضربهم

ببيض المواضي حيث ليّ العمائم

كما في شرح المفصل : ٤ / ٩٢ ومغني اللبيب : ١٣٢ وانظر فيه رواية الصدر.

(٧) البيت ختام قصيدة لطرفة (الديوان : ١٢٢). وهو من شواهد ابن يعيش (٤ / ٩٣) على مجيء حيث للزمان.

٥٤٥

ح ي د :

قوله تعالى : (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)(١) أي تميل : حاد عنه يحيد حيدا وحيدا. قال (٢) :

قلت وفيها حيدة وذعر :

عوذ بربّي منكم وحجر!

فالحيد : العدول عن الشيء والنّفرة منه.

ح ي ر :

قوله تعالى : (حَيْرانَ)(٣) : الحائر. والحيران : الذي لا يهتدي لأمره ، وهو المتردّد الفكر ، المتشعّب الرأي ، يقال منه : حار يحار فهو حائر وحيران.

والحائر : الموضع الذي يتحيّر فيه الماء ، وهو أن يمتلىء حتى يرى في ذاته حيرة. قال الهرويّ : وبه سمّي الماء الذي لا منفذ له حائرا ، والجمع حوران. قلت : وفاعل وفعلان غريب جدا ، والظاهر أن الحائر مكان الماء لا نفس الماء كقوله (٤) : [من الرمل]

صعدة نابتة في حائر

أينما الرّيح تميّلها تمل

وقال في حديث ابن عمر : «الرجل يطرق الفحل فيذهب حيريّ الدهر. فقال له رجل : ما حيريّ الدّهر؟ فقال : لا يحسب» (٥). وحيريّ بتشديد الياء وتخفيفها ، وحير بحذفها. وحاري الدهر : أبد الدهر. وأراد بقوله : «لا يحسب» لا يعرف حسابه لكثرته ودوامه على وجه الدهر.

__________________

(١) ١٩ / ق : ٥٠.

(٢) رجز مذكور في التاج واللسان ـ مادة حجر ، وفي الأصل مضطرب والتصويب منهما.

(٣) ٧١ / الأنعام : ٦.

(٤) البيت لكعب بن جعيل كما في معاني القرآن للفراء : ١ / ٢٩٧. كما أن من شواهد ابن منظور ـ مادة حير.

(٥) النهاية : ١ / ٤٦٦. ويروى حيري دهر وحيري دهر. معناه مدة الدهر ودوامه.

٥٤٦

ح ي ص :

قوله تعالى : (ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ)(١) المحيص : المهرب والمعدل. يقال : حاص عن الحقّ أي مال عنه إلى شدة ومكروه ، وأصله من قولهم : وقع في حيص بيص (٢). وحيص بيص أي شدة شديدة. وتركت (٣) البلاد حيص بيص : أي منقلبة ظهرا لبطن ، كناية عن اختلاف أهلها. وفي حديث أبي جبير : «وجعلتم الأرض عليه حيص بيص» (٤) أي ضيقة.

«وحاص المسلمون حيصة» (٥) ، ومنه في حديث قيصر : «فحاصوا حيصة الحمر» أي جالوا جولة. يقال : حاص يحيص حيصا وحيصة ومحيصا أي عدل عن ذلك وحاد عنه. وجاض ـ بالجيم والضاد المعجمة ـ بمعناه. وينشد للحماسيّ (٦) : [من الطويل]

ولم ندر كم (٧) جضنا من الموت جيضة

كم العمر باق والمدى متطاول

يروى بالوجهين (٨).

وأما الحوص : فهو خياطة الجلد ، ومنه حصيت عين الصّقر. والأحوص شاعر معروف (٩) ، وليس هذا من هذه المادة ، ولا المعنى في شيء ، وإن كان الراغب ذكره هنا (١٠).

__________________

(١) ٢١ / إبراهيم : ١٤.

(٢) أي وقع في فتنة واختلاط في أمره. وقالوا : إن الأصل : حيص وبيص ، ثم حذفت الواو إيجازا وتخفيفا والمعنى على العطف فتضمن معنى حرف العطف فبني لذلك كما فعلوا في خمسة عشر وبابه (شرح المفصل : ٤ / ١١٤).

(٣) وفي س : نزلت.

(٤) النهاية : ١ / ٤٦٨. ويقول ابن الأثير : ولا تنفرد إحدى اللفظتين عن الأخرى.

(٥) من حديث ابن عمر (النهاية : ١ / ٤٦٨) أي جالوا جولة يريدون الفرار.

(٦) البيت لجعفر بن علبة الحارثي (شرح الحماسة : ١ / ٤٧).

(٧) وفي الشرح : أن. وفيه : جاض عن قرنه وحاص بمعنى ، أي عدل وانحرف.

(٨) أي حصنا ... حيصة ، وجضنا ... جيضة.

(٩) هو عبد الله بن محمد ، من شعراء العصر الأموي ، توفي سنة ١٠٥ ه‍.

(١٠) لم يذكر الشاعر الأحوص ، وإنما ذكر الحوص (المفردات : ١٣٦).

٥٤٧

ح ي ض :

قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ)(١) اختلف الناس في المحيض ؛ هل هو اسم للدم أو لمكانه أو لزمانه أو لحدوثه ، وهل هو مقيس أو شاذّ؟ ومن جعله قياسا استشهد بقول الآخر (٢) : [من الرجز]

إليك أشكو شدّة المعيش

ومرّ أعوام نتفن ريشي

ولا بدّ من حذف مضاف أو أكثر على حسب المعنى أي عن حكم المحيض أو عن قربان موضع المحيض.

ويقال : حاضت تحيض حيضا ومحيضا ومحاضة (٣) ، وقد أتقنّا هذه المادة وتصريفها ومعناها وحكمها ـ بحمد الله ـ في كتبنا المشار إليها. وبعضهم يخلط مادة الحوض بهذه لتقاربهما لفظا ومعنى لما فيهما من معنى الاجتماع.

ح ي ف :

قوله تعالى : (أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ)(٤) الحيف : الميل في الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين ، ويقال : تحيّفت الشيء : أخذته من جميع جوانبه ، والمعنى : أم يخافون أن يحوف الله عليهم في الحكم.

ح ي ق :

قوله : (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٥) أي حلّ ونزل ، وأصابهم ما كانوا

__________________

(١) ٢٢٢ / البقرة : ٢.

(٢) الرجز لرؤبة بن العجاج (الديوان : ٧٨) وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن : ٢ / ١٤٩. وفي الأصل : أشكو إليك وفي اختلاف في الأشطر والرواية.

(٣) وأضاف ابن منظور (مادة ـ حيض): «ومحاضا».

(٤) ٥٠ / النور : ٢٤.

(٥) ٨ / هود : ١١.

٥٤٨

يستهزئون به ممّا جاءتهم به رسلهم. (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(١) والأصل : يحقق ، فأبدل أحد المضعّفين حرف علّة. قاله الراغب (٢) وجعله نظير (فَأَزَلَّهُمَا)(٣) وأزالهما (٤) ، وهذا ليس بجيد لما سيأتي في (فَأَزَلَّهُمَا) /. وقال ابن عرفة : حاق به الأمر أي لزمه ووجب عليه. وقال الأزهريّ : الحيق في اللغة : ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله.

ح ي ن :

قوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ)(٥) الحين في أصل اللغة لمطلق الزّمان قليلا كان أو كثيرا ، والمراد به هنا على مدلوله الأصليّ. قال : هو كالوقت يصلح لجميع الزمان طالت أم قصرت ، والمعنى أنه ينتفع بها كلّ وقت لا ينقطع نفعها البتّة. وقيل : الحين : يوم القيامة. وقيل : انقضاء الأجل. وقوله تعالى : (وَمَتاعاً إِلى حِينٍ)(٦) قيل : إلى يوم القيامة ، وقيل : إلى انقضاء آجالهم.

وقوله : (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ)(٧) أي نبأ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : نبأ القرآن ، وقيل : نبأ ما وعدتم به.

والحين : إمّا يوم القيامة ، وإمّا مطلق الزمان. وقوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ)(٨) قيل : معناه ساعة ، وقيل : أربعون سنة ؛ والحاصل أنّ كلّ من فسّر الحين بما ذكرته فإنّما هو بحسب خاصّة المكان لا أنّه موضوع له بخصوصه.

وأحين بمكان كذا : أقام حينا. وحانيته : أي عاملته حينا حينا. وحان حينه : قرب

__________________

(١) ٤٣ / فاطر : ٣٥.

(٢) لم يذكر الراغب ذلك ، ولكنه ذكر الآية التالية.

(٣) ٣٦ / البقرة : ٢.

(٤) هي قراءة الإمالة لحمزة (مختصر في شواذ القرآن : ٤).

(٥) ٢٥ / إبراهيم : ١٤.

(٦) ٨٠ / النحل : ١٦.

(٧) ٨٨ / ص : ٣٨.

(٨) ١ / الإنسان : ٧٦.

٥٤٩

أوانه. وحينت الشيء : جعلت له حينا ، وفي الحديث : «حيّنوا نوقكم» (١) أي احلبوها في وقت معلوم.

ح ي و :

قوله تعالى : (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ)(٢) الحيوان في الأصل : مقرّ الحياة ، ثم يقال باعتبارين : أحدهما ما له حاسّة كالحيوانات الحسّاسة ، والثاني ما له بقاء سرمديّ ، وهو ما وصفت به الآخرة في قوله : (لَهِيَ الْحَيَوانُ) ، ونبّه بحرفيّ التأكيد بأنّ الحيوان الحقيقيّ السّرمديّ الذي لا يفنى ، لا ما يبقى مدة ثمّ يفنى.

وقيل : الحيوان ما فيه حياة ، والموتان ما ليس فيه حياة. وقيل : الحيوان والحياة بمعنى واحد ، وهذا التفات إلى أن أصله حييان ـ بيائين ـ من حيي يحيا ، فأبدلت الأخيرة واوا ، وقد أتقنّا هذا في غير هذا الموضع. وقيل : الحيوان : يقع على كلّ شيء حيّ ، ومعناه من صار إلى الآخرة أفلح ببقاء الأبد.

وحيوان : عين في الجنّة.

ح ي ي :

قوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ)(٣) سمّاها دنيا باعتبار الحياة في الدار الآخرة ؛ فإنّها عليا لأنّ هذه تنقطع وتيك لا تنقطع.

والحياة : ضدّ الموت ، فكما يستعمل حقيقة ومجازا نحو : مات الإنسان وماتت الأرض. كذلك الحياة ، نحو : أحيا الله فلانا ، وأحيا الأرض بعد موتها. ثم الحياة تستعمل على أضرب ؛ الأول : للقوة النامية الموجودة في النّبات والحيوان ، قال تعالى : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)(٤) ، الثاني : القوة الحسّاسة ، وبه سمي الحيوان حيوانا ، قال

__________________

(١) النهاية : ١ / ٤٧٠ ، وفيه «تحيّنوا».

(٢) ٦٤ / العنكبوت : ٢٩.

(٣) ١٨٥ / آل عمران : ٣.

(٤) ٣٠ / الأنبياء : ٢١.

٥٥٠

تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ)(١) ، (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى)(٢) إشارة إلى القوّة الحسّاسة. الثالث : للقوة الفاعلة العاقلة ، قال تعالى : (أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ)(٣) ، وقال الشاعر (٤) : [من الوافر]

لقد أسمعت لو ناديت حيّا

ولكن لا حياة لمن تنادي

والرابع : عبارة عن ارتفاع الغمّ ، وإليه أشار من قال (٥) : [من الخفيف]

ليس من مات فاستراح بميت

إنّما الميت ميّت الأحياء

إنّما الميت من يعيش كئيبا

كاسفا باله قليل الرجاء

وقال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه (٦) : [من الوافر]

فلو أنّا إذا متنا تركنا

لكان الموت راحة كلّ حيّ

ولكنّا إذا متنا بعثنا

ونسأل بعده عن كلّ شيّ

ومنه قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(٧) أي يتلذّذون لما روي في الأخبار الكثيرة في أرواح الشهداء ، والخامس : الأخرويّة الأبديّة ، وذلك يتوصّل إليها بالحياة التي هي العقل والعلم.

وقوله : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي)(٨) يعني به الحياة الأخرويّة الدّائمة.

السادس : الحياة الموصوف بها الله عزوجل ، فإذا قيل : «الله حيّ» معناه أنّه الذي لا يصحّ عليه الموت ، ولا يتّصف بذلك أحد سواه.

__________________

(١) ٢٢ / فاطر : ٣٥.

(٢) ٢٩ / فصلت : ٤١.

(٣) ١٢٢ / الأنعام : ٦.

(٤) البيت في التاج ـ مادة حيي ، والمفردات : ١٣٩ من غير عزو.

(٥) البيتان لعدي بن الرّعلاء ، أورد ابن منظور بيتا ثالثا لهما في مادة ـ موت.

(٦) ديوان الإمام علي : ١٦٥ ، وفيه : فلو كنّا.

(٧) ١٦٩ / آل عمران : ٣.

(٨) ٢٤ / الفجر : ٨٩.

٥٥١

قوله : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(١) يريد الحياة الفانية (٢) ، ونكّرها إيذانا بقلّتها ، أي على أدنى ما تصدق عليه حياة ، لقوله : (وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً)(٣). يحكى أنّ بعض الأعراب مرّ بجدار مائل فتلي عليه : (قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ ، وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً) فقال : ذلك القليل بطلب. قوله : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)(٤) أي الأعراض الدنيوية.

وقوله : (أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى)(٥) كان يطلب منه أن يريه الحياة الأخرويّة المعراة عن الشوائب والآفات الدّنيويّة.

قوله : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً)(٦) أي من أنقذها من الهلكة ونجّاها منها ، فكأنّه أحيا الناس : الأنفس ، لأنّه يفعل مع جميعها كذلك ، وعليه : (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)(٧) أي أعفو عن هذا [وأقتل هذا].

قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً)(٨) أي لا يترك ، واستحياء الله تعالى كراهته للشيء وتركه إيّاه ، فقال تعالى ردا على اليهود حين قالوا لما سمعوا ذكر الذّباب والعنكبوت : ما يشبه هذا كلام الله! إنّ الله لا يترك ضرب الأمثال بالأشياء الحقيرة كالبعوضة ، فأقلّ منها لما في ذلك من المصالح. وما أنكروه إلا عنادا ، وإلا فالتوراة محشوّة من مثله. والاستحياء : تغيّر وانكسار يعتري المستحيي ، والله تعالى منزّه عن ذلك ، فكان مجازه كما ذكرنا ، والأكثر استحيا. وفيه أحييه استحيا (٩) ، وأنشد : [من الهزج]

إذا ما استحين الماء

__________________

(١) ٩٦ / البقرة : ٢.

(٢) وفي المفردات : ١٣٩ : «حياة الدنيا».

(٣) ١٦ / الأحزاب : ٣٣.

(٤) ٣٨ / التوبة : ٩.

(٥) ٢٦٠ / البقرة : ٢.

(٦) ٣٢ / المائدة : ٥.

(٧) ٢٥٨ / البقرة : ٢.

(٨) ٢٦ / البقرة : ٢.

(٩) في الأصل استحين ، وبذلك تكون من مادة (حين). ومثلها في ذلك الشاهد. ولعل كلمة الشاهد «استحيي».

٥٥٢

قوله : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ)(١) يعني أنه إذا علم من يريد القتل أنّه يقتصّ منه ارتدع عن القتل ، فحصلت له حياة نفسه وحياة من كان يريد قتله. وكانوا يقتلون بالواحد العدد الكثير. وقصّة جسّاس بأخذه ثأر أخيه كليب مشهورة في العرب (٢). فلمّا شرع القصاص أن يقتل الواحد بالواحد كان في ذلك حياة لمن لم يجن. وكانت العرب تقول : حومنا حول هذا المعنى ؛ القتل أنفى للقتل. وبين هذا وبين (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) بون ظاهر قد بيّنّاه في غير هذا الموضوع.

والحيا ـ بالقصر ـ المطر لحياة الأرض بعد موتها / به ، وعليه : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ)(٣).

قوله : (بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى)(٤) نبّه بذلك أنّه سمّاه به ، أي لم تمته الذنوب كما أماتت غيره كثيرا من بني آدم ، لا أنّه كان يعرف بذلك فقط فإنّ هذا قليل الفائدة ، قاله الراغب (٥).

قوله : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِ)(٦) قيل : يخرج الإنسان من النّطفة والنّطفة من الإنسان ، والبيضة من الدجاجة [والدجاجة](٧) من البيضة. وقيل : يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن.

قوله : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ)(٨) الآية ، التحية في الأصل مصدر حيّا يحيّي أي دعا له بالحياة ، وأصله الخير ، فصار دعاء ، فمعنى حيّاه الله : أي حصل له حياة ، ثمّ جعلت

__________________

(١) ١٧٩ / البقرة : ٢.

(٢) جساس هو قاتل كليب وليس كما ورد في النص قتله عام ٤٩٤ م. وكليب لقبه واسمه وائل بن ربيعة وكان كليب رئيس جيش بكر وتغلب ، وجساس أخو زوجة كليب. وجرى قتله في حرب البسوس المشهورة في الجاهلية والتي دامت أربعين سنة (أيام العرب في الجاهلية : ١٤٣ ـ ١٤٥).

(٣) ٣٠ / الأنبياء : ٢١.

(٤) ٧ / مريم : ١٩.

(٥) المفردات : ١٤٠.

(٦) ١٩ / الروم : ٣٠.

(٧) إضافة المحقق للسياق.

(٨) ٨٦ / النساء : ٤.

٥٥٣

التحية عبارة عن مطلق الدعاء وإن لم يكن بلفظ الحياة. وغلبت التحية على سلام الناس بعضهم على بعض. والتحيات في الصلاة من ذلك عن بعضهم كأنّه قيل : التحيات الحقيقة لله تعالى وحده. وقيل : التحيات : الملك ، ومنه حيّاه الله ، أي ملّكه. وقيل : معناه أبقاه (١) الله. وإذا قيل : حيّاك الله ، فمعناه أبقاك الله. وقيل : حيّاه بمعنى أحياه ، وفعل وأفعل يتواردان (٢) ؛ وقد قرىء (وَوَصَّى)(٣) ، «وأوصى» ، و (أَنْزَلَ)(٤) و «نزّل». وقال تعالى : (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ)(٥). وقيل : التحيات هي التحيّة بمعنى السّلام ، والمعنى : السّلام على الله ، إلا أنّه خصّ بهذا اللفظ دون قوله : السّلام علينا وعلى عباد الله.

قوله : (وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ)(٦) أي يستبقوهنّ في قيد الحياة ، أي يطلبون بقاءهنّ لمقابلته بقوله : (يُذَبِّحُونَ)(٧) ، وكانوا يذبحون ذكران الإسرائيليين ويبقون آباءهم خدما لشيء رآه فرعون (٨) وقالت به الكهنة والمنجمون. والليث فسّر «يستحيون» : يطؤون ، وجعله من يركبون حياهنّ ـ وهو الفرج ـ [ليس] بشيء وفي الحديث : «إنّ الله يستحيي أن يعذّب شيبة شابت في (٩) الإسلام» أي يترك ، كما تقدّم تقريره ، وإلا ، فالحياء الحقيقيّ غير لائق بهذا المقام.

وحيّ هلا حيّهلا وحيّهل وحيّهل (١٠) بمعنى أقبل وعجّل وهات. وحيّ وحدها ، وهلا

__________________

(١) وفي الأصل : التقاه.

(٢) وقد صنع أبو منصور الجواليقي كتابا بهذا المعنى وعنوانه «ما جاء على فعلت وأفعلت بمعنى واحد مؤلف على حروف المعجم».

(٣) ١٣٢ / البقرة : ٢. يقول الفراء : «في مصاحف أهل المدينة (وأوصى) وكلاهما صواب كثير في الكلام» (معاني القرآن : ١ / ٨٠).

(٤) ٢٢ / البقرة : ٢.

(٥) ١٧ / الطارق : ٨٦.

(٦) ٤٩ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٧) تابع الآية السابقة.

(٨) رآه في منامه.

(٩) وفي س : «في دين الإسلام».

(١٠) وفي الأصل الكلمات الأربع رسمت بشكل واحد «حيهلا». وتصويبنا من اللسان ـ مادة حيا. وفيه : ـ

٥٥٤

وهل وحدها (١) ، ثم ركّبا وجعلا بمنزلة كلمة واحدة. وقد تفرد «حيّ» ، ومنه : «حيّ على الصلاة» (٢) أي أقبلوا إليها. وفي الحديث (٣) : «إذا ذكر الصالحون فحيّ هلا بعمر» ، أي فعجّل بعمر ، لأنه سيد الصالحين وفيه : «يسأل الرجل عن كلّ شيء حتى حيّة [أهله]» (٤) أي عن كلّ حيّ في منزله حتى الهرّة ، وإنّما أنّثه ذهابا به إلى النفس ، والله تعالى أعلم.

__________________

 ـ «ويقول بعض النحويين : إذا قلت حيّهلا فنوّنت قلت : حثّا ، وإذا قلت حيّهلا فلم تنوّن فكأنك قلت : الحثّ».

(١) ف «حيّ» وحدها بمعنى هلمّ وأقبل ، وفتحت الياء لسكونها وسكون ما قبلها ، وهي يدعى بها ويندب بها. و «هلا» حثّ واستعجال.

(٢) النهاية : ١ / ٤٧٢.

(٣) الحديث لابن مسعود كما في النهاية : ١ / ٤٧٢. وكلمة «حديث» ساقطة من الأصل.

(٤) أي في الحديث ، وهو حديث ابن عمير كما في النهاية : ١ / ٤٧٢. وكلمة (أهله) ساقطة من الأصل.

٥٥٥

باب الخاء

فصل الخاء والباء

خ ب أ :

قوله تعالى : (يُخْرِجُ الْخَبْءَ)(١) الخبء : كلّ غائب ، وقيل : كلّ مدّخر مستور ، وقيل : المراد السرّ ، وقيل : خبء السماء المطر ، وخبء الأرض النبات. وفي الحديث : «ابتغوا الرّزق من خبء الأرض» (٢) أي بإثارتها للحرث والزراعة. وعن الزهريّ : قال لي عروة بن الزّبير (٣) رضي الله عنه : ازرع ، فإن العرب كانت تتمثّل بهذا البيت : [من الطويل]

تتبّع خبايا الأرض وادع مليكها

لعلّك يوما أن تجاب وترزقا

وجارية مخبأة : أي مخدّرة ، وخبأة : أي تخبأ مرة وتظهر أخرى. والخباء : البيت لأنّه تخبأ فيه الحرم. والخباء : سمة موضع خفيّ.

__________________

(١) ٢٥ / النمل : ٢٧.

(٢) النهاية : ٢ / ٣ ، وفيه : «خبايا الأرض».

(٣) هو تابعي جليل وابن الزبير بن العوام ، فقيه المدينة وأحد الفقهاء السبعة فيها. سمع أباه وأخاه عبد الله وأمه أسماء بنت أبي بكر وخالته السيدة عائشة وغيرهم (تهذيب الأسماء : ١ / ٣٣١).

٥٥٦

خ ب ت :

قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)(١) الإخبات : الاطمئنان ، وأصله من الخبت وهو المكان المنخفض من الأرض كالغائط ، ومنه قوله : [من الوافر]

أفاطم لو شهدت ببطن خبت

وقد قيل الهزبر أخاك بشرا

وقوله : (وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ)(٢) أي اطمأنّوا وسكنت نفوسهم إليه ، ومنه : (فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ)(٣) ويعبّر بذلك عن اللّين والتواضع ، ومنه : (وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ)(٤) أي المتواضعين ، وأصله من أخبت الرجل : إذا أتى الخبت أو قصده ، وهو المكان المنخفض كما تقدّم.

خ ب ث :

الخبث والخبيث : ما يكره رداءة وخساسة ، وأصله الرديء الدّخلة ، الجاري مجرى خبث الحديد ، وعليه قول الشاعر (٥) : [من الوافر]

سبكناه ونحسبه لجينا

فأبدى الكير عن خبث الحديد

والخبث يكون في المعقولات كما يكون في المحسوسات ، وبذلك يتناول الباطل في الاعتقاد ، والكذب في المقال ، والقبيح في الفعال. ثمّ فسّره المفسرون بحسب خصوص الأماكن مع صدقه عليها ـ كما تقدّم ـ في نظائره.

قوله تعالى : (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ)(٦). فالكلمة الخبيثة كلمة الكفر ، كما أنّ الكلمة

__________________

(١) ٣٤ / الحج : ٢٢. والمخبتون : المطمئنون إلى الله أو المتواضعون له.

(٢) ٢٣ / هود : ١١.

(٣) ٥٤ / الحج : ٢٢.

(٤) ٣٤ / الحج : ٢٢.

(٥) البيت مذكور في المفردات : ١٤١ ، وفيه إشارة إلى الحديث : «كما ينفي الكير الخبث» (النهاية : ٢ / ٥).

(٦) ٢٦ / إبراهيم : ١٤.

٥٥٧

الطيبة كلمة التوحيد. والشجرة الخبيثة قال ابن عباس : هي الحنظلة. وقيل : هي الخبوث (١). والأحسن أنها كلّ نبات مكروه مستردإ من جميع الشجر.

قوله : (الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ)(٢) قيل : الكلمات الخبيثات للرجال الخبيثين المحبين شياع الفاحشة في الذين آمنوا. وقيل : النساء الخبيثات للرجال الخبيثين ، كالزّانيات للزّوانيّ. وقيل : الأفعال الخبيثات للفاعلين الخبيثين.

قوله : (كانَتْ تَعْمَلُ الْخَبائِثَ)(٣) أي إتيان الرجال ، كما صرّح به في غير موضع.

قوله : (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ)(٤) أي الأشياء النّجسة المستقذرة ، كالدم والميتة ولحم الخنزير.

قوله : (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(٥) أي العمل الفاسد من الصالح ، وقيل : الكافر من المؤمن بدليل قوله : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)(٦). قوله : (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ)(٧) أي الحرام بالحلال ، وكانوا يأخذون الأجود من مال اليتيم ، ويجعلون مكانه الأردأ كالسّمين والهزيل.

قوله : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ)(٨) أي رديء الثمر ، وكانوا يأتون بالعثاكيل الحشف (٩) فيعلّقونها في سواري المسجد يأكل منها الفقراء ، فنهوا عن ذلك. وقريب منه : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ)(١٠).

__________________

(١) وفي اللسان : هي الكشوث ، وليس فيه خبوث.

(٢) ٢٦ / النور : ٢٤.

(٣) ٧٤ / الأنبياء : ٢١.

(٤) ١٥٧ / الأعراف : ٧.

(٥) ٣٧ / الأنفال : ٨.

(٦) ١٧٩ / آل عمران : ٣.

(٧) ٢ / النساء : ٤.

(٨) ٢٦٧ / البقرة : ٢.

(٩) العثاكيل : عناقيد النخل ، والحشف : اليابس.

(١٠) ٦٢ / النحل : ١٦.

٥٥٨

والخبث والخبثة (١) : الزّنا. وقوله عليه الصلاة والسّلام : «أعوذ بك من الخبث والخبائث» (٢) رواه أبو بكر بسكون الباء وفسّره بالكفر. وأبو الهيثم بضمّها وفسّره بأنه جمع خبيث وهم ذكران الشياطين. والخبائث : جمع خبيثة وهي إناثها. و «من أكل هاتين الخبيثتين» (٣) سمّاهما بذلك لكونهما مكروهي الطعم والريح. وفيه : «أعوذ بك من الخبيث المخبث» (٤). فالخبيث : ذو الخبث في نفسه ، والمخبث : من له أعوان خبثاء يتقوّى بهم ، نحو قويّ ومقو ، فالقويّ في نفسه ، والمقوي : من كانت دابته قوية. وقيل : المخبث : من يعلّم الناس الخبث ، وقيل : من ينسب الناس إلى الخبث ، وأنشد للكميت :/ (٥) : [من الطويل]

وطائفة قد أكفروني بحبّكم

وطائفة قالوا : مسيء ومذنب

أي نسبوني للكفر. وفيه (٦) : «لا يصلّين وهو يدافع الأخبثين» أي الغائط والبول.

خ ب ر :

قوله تعالى : (وَاللهُ خَبِيرٌ)(٧). الخبير في صفاته تعالى بمعنى العالم ببواطن الأمور وظواهرها وبما كان منها وما يكون ، والعالم بأخبار مخلوقاته لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض. وقيل : هي بمعنى مخبر كقوله : (قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ)(٨) ، وقوله : (فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٩) ، وقوله : (قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)(١٠) ،

__________________

(١) في الأصل : والخبيثة.

(٢) النهاية : ٢ / ٦.

(٣) يعني بهما الثوم والبصل (قبل ما يشويان). وفي النهاية : «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة ...» (النهاية : ٢ / ٥).

(٤) النهاية : ٢ / ٦.

(٥) مذكور في اللسان.

(٦) النهاية : ٢ / ٥ ، وفي الأصل : «لا يصلي».

(٧) ١٣ / المجادلة : ٥٨ ، وغيرها.

(٨) ٩٤ / التوبة : ٩.

(٩) ١٠٥ / المائدة : ٥.

(١٠) ٣ / التحريم : ٦٦.

٥٥٩

وأصله من الخبر وهو العلم بالمعلومات من جهة الخبر. ويقال : من أين خبرت هذا؟ وخبرته : بلوته خبرا وخبرة. قال : (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(١) قال : الخبرة : العلم ببواطن الأمور. والخبار (٢) : الأرض اللينة ، والمخابرة من ذلك ، وهي مزارعة الخبار أي الأرض بشيء معلوم. والخبير : الأكّار ؛ فكان ابن الأعرابيّ يقول : أصل المخابرة من خيبر لأنه عليه الصلاة والسّلام كان أقرّها في يد أهلها على النّصف ، فقيل : خابرهم أي عاملهم في خيبر. والظاهر الأول. والمخابرة المنهيّ عنها أن يكون البذر من العامل. والمزارعة أن يكون البذر من المالك ، وكلاهما منهيّ عنه ، إلا المزارعة حين بياض النخل بشرطها.

والخبر : المزادة الصغيرة. وشبّهت بها الناقة فسميت خبرا. والخبرة : النّصيب. قال عروة بن الورد (٣) : [من الطويل]

إذا ما جعلت الشّاة للناس خبرة

فشأنك إني ذاهب لشؤوني

قوله : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً)(٤) أي سل عنه عالما. والخبير : النبات ، وهو أيضا الوبر. وفي الحديث : «نستخلب الخبير» (٥) أي نجزّ النبات بالمخلب ، وهو المنجل من غير أسنان تشبيها بمخلب الطائر صورة.

خ ب ز :

قوله تعالى : (خُبْزاً)(٦). الخبز معروف ، وهو ما يخبز من العجين. والخبزة : ما يجعل في الملّة. يقال : أطعمنا خبز الملّة (٧) ، والخبز اتخاذه. واختبزت : أمرت.

__________________

(١) ٦٨ / الكهف : ١٨.

(٢) وفي الأصل : الخبر ، وتصويبه من اللسان ـ مادة خبر.

(٣) لم نجده في الديوان ولا الأغاني ، وذكره الهروي.

(٤) ٥٩ / الفرقان : ٢٥.

(٥) هو حديث طهفة (النهاية : ٢ / ٧).

(٦) ٣٦ / يوسف : ١٢.

(٧) قال ابن منظور : «ويقال : أخذنا خبز ملة ولا يقال : أكلنا ملّة» (اللسان ـ مادة خبز).

٥٦٠