عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

إنّما خصّ بذلك تنبيها أنّه أحمد منه ومن الذين قبله.

وقوله : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ)(١) لمحمّد ، وإن كان من وجه إعلاء له ففيه تنبيه على وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه كما [مضى](٢) ذلك قوله : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى)(٣) على معنى الحياة. وقوله : (نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ)(٤) أي متلبّسين بحمدك. وقوله : «سبحانك اللهمّ وبحمدك» (٥) أي وبحمدك أبتدىء كما في «بسم الله». وقوله : «أحمد إليك الله» (٦) قيل : أنهي حمده إليك. فمن ثمّ تعدّى بإلى. وقيل : بمعنى معك الله ، والأول أولى ، وقد أتقنت هذه المسألة وكلام الناس فيها بما يغني عن التطويل هنا.

ح م ر :

قوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ)(٧). الحمر : جمع حمار ، ويجمع أيضا على حمير ، قال تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها)(٨). وفي القلّة على أحمرة. والمراد بالحمر هنا حمر الوحش ؛ وصفهم بعظم القوّة.

وقوله تعالى : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً)(٩) شبّه أحبار اليهود في جهلهم وعدم انتفاعهم بعلمهم ، بالحمار الحامل لأسفار الكتب الذي لا ينتفع بشيء منها. وهو من أبلغ تشبيه ؛ حيث شبّههم بأبلد حيوان مع مطابقة صورة التشبيه.

وحمار قبّان : دويبّة معروفة. وحمارّة القيظ : شدّته. وفي الحديث : «كنّا إذا احمرّ

__________________

(١) ٢٩ / الفتح : ٤٨.

(٢) بياض في الأصل ، والإضافة من المفردات : ١٣١.

(٣) ٧ / مريم : ١٩.

(٤) ٣٠ / البقرة : ٢.

(٥) النهاية : ١ / ٤٣٧.

(٦) من كتابه صلى‌الله‌عليه‌وسلم (النهاية : ١ / ٤٣٧).

(٧) ٥٠ / المدثر : ٧٤.

(٨) ٨ / النحل : ١٦.

(٩) ٥ / الجمعة : ٦٢.

٥٢١

البأس اتّقينا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (١) يعبّر بالحمرة عن الشدّة ، ومنه موت أحمر» (٢) و «سنة حمراء» (٣) وفيه «بعثت إلى الأسود والأحمر» (٤) ، قيل : العرب والعجم لأنّ ألوان العرب يغلب عليها الأدمة ، وعلى ألوان العجم البياض والحمرة ، وقيل : الجنّ والإنس. «وكان شريح يردّ الحمّارة من الخيل» (٥) أي يعزل أصحاب الحمير من أصحاب الخيل.

والأحمران : اللحم والخمر ، وذلك باعتبار لونيهما ، والأحامرة هما مع الزعفران. ومن ذلك قول الشاعر (٦) : [من الكامل]

إنّ الأحامرة الثلاثة أتلفت

مالي ، وكنت بهن قدما مولعا

الخمر واللحم السّمين ، وأطّلي

بالزعفران ، فلا أزال مولّعا

وقولهم : سنة حمراء : اعتبارا بما يحدث في الجوّ من الحمرة ، يقال : إنّ آفاق السماء تحمرّ أعوام الجدب. قال الشاعر (٧) : [من البسيط]

لا يبرمون إذا ما الأفق جلّله

صرّ الشّتاء من الأمحال كالأدم

ووطاءة حمراء : أي جديدة ، ودهماء (٨) : دارسة.

ح م ل :

قوله : (وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها)(٩) يعني لشدّة الهول تضع الحوامل. والحمل ما كان في بطن حيوان من الأجنّة أو على رأس شجرة. وبالكسر ما كان على ظهر

__________________

(١) الحديث للإمام علي كما في النهاية : ١ / ٤٣٨.

(٢) من الحديث : «لو تعلمون ما في هذه الأمة من الموت الأحمر» يعني القتل (النهاية : ١ / ٤٣٨).

(٣) من حديث طهفة : «أصابتنا سنة حمراء» أي شديدة الجدب (النهاية : ١ / ٤٣٨).

(٤) النهاية : ١ / ٤٣٧ ، وفيه : الأحمر والأسود.

(٥) النهاية : ١ / ٤٣٩.

(٦) نسبهما ابن منظور إلى الأعشى ، ولم نجدهما في ديوانه. وانظر خلاف الرواية في اللسان ـ مادة حمر. والنصب في البيت الثاني على بدل البيان.

(٧) من شواهد اللسان ـ مادة محل.

(٨) أي : ووطاءة دهماء.

(٩) ٢ / الحج : ٢٢.

٥٢٢

لقوله : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ)(١) وقوله : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً)(٢) هي السّحاب لحملها ماء المطر. وقال الراغب : الحمل معنى واحد واعتبر في أشياء كثيرة فسوّي بين لفظه في الفعل ، وفرّق بين كثير من مصادرها ؛ يقال في الأثقال المحمولة في الظاهر كالشيء المحمول على الظهر : حمل ، وفي الأثقال المحمولة في البطنّ حمل كالولد في البطن والماء في السحاب والثمر في الشجر تشبيها بحمل المرأة. يقال : حملت الثّقل والرسالة والوزر حملا ، ومنه : (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً)(٣) بدليل قوله : (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ)(٤) وقوله : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ)(٥) أي كلّفوا حملها ، أي القيام بحقّها فلم يحملوها. ويقال : حمّلته كذا فتحمّله ، وحملته على كذا فتحمّله واحتمله وحمله.

قوله : (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ)(٦) أي البلاغ ، (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ)(٧) من الإيمان به وبما جاء به. وقوله : (حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً)(٨) إشارة إلى الحبل ، والأصل في ذلك الحمل على الظهر ، فاستعير للحبل / بدليل قولهم : وسقت الناقة إذا حملت. وأصل الوسق الحمل المحمول على ظهر البعير. وقوله : (وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً)(٩) ؛ فالحمولة ما استحقّ أن تحمل عليه الأحمال ، صغار الإبل. فالحمولة لما يحمل عليه كالرّكوبة لما يركب عليه.

وقوله : (إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ)(١٠) أي يطرده كما يطرد المقاتل مقاتله. والحمولة بضمّتين ـ لما يحمل. والحمل ـ بفتحتين ـ يعني المحمول ، كالقبض بمعنى المقبوض ،

__________________

(١) ١٨ / فاطر : ٣٥.

(٢) ٢ / الذاريات : ٥١.

(٣) ١٠١ / طه : ٢٠.

(٤) ٣١ / الأنعام : ٦.

(٥) ٥ / الجمعة : ٦٢.

(٦) ٥٤ / النور : ٢٤.

(٧) تابع الآية السابقة.

(٨) ١٨٩ / الأعراف : ٧.

(٩) ١٤٢ / الأنعام : ٦.

(١٠) ١٧٦ / الأعراف : ٧.

٥٢٣

وخصّ بصغير الضّأن لحمل أمّه إيّاه ، أو لعجزه فيحمل. والحميل : ما يحمله السّيل والغريق تشبيها بالسّيل والولد في البطن. والحميل : الكفيل ، لتحمّله الحقّ. وميراث الحميل لمن لا يتحقّق نسبه والحميل للسحاب الكثير الماء لحمله إيّاه.

و (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)(١) أي تمشي بالنّميمة ، وقد تقدّم ذلك في مادّة «ح ط ب».

قوله : (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها)(٢) أي أداء الأمانة ، فعبّر عن ذلك بعدم الحمل ، وكلّ من خان الأمانة فقد حملها ، ومن ثمّ فقد حمل الإثم ، بدليل قوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ)(٣). وقوله : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ)(٤) أي الكافر والمنافق ؛ حملا الأمانة ، أي خانا ولم يطيعا ، قاله الحسن ، وتبعه الزجاج.

وقوله : «كما تنبت الحبّة في حميل السّيل» (٥) قال الأصمعيّ : هو ما حمله السّيل من حمأ وطين ؛ فإذا وقعت فيه الحبة نبتت في يوم وليلة ، وهي أسرع نابتة نباتا. فأخبر عن سرعة نباتهم.

والحمالة : ما يتحمّله الإنسان لإصلاح ذات البين من دية وغيرها. وقوله في ضغطة القبر : «تزول منها حمائله» (٦). قال الأصمعيّ : هي عروة أنثييه.

ح م م :

قوله : (وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(٧). هو القريب المشفق ، وذلك لأنّه يحتدّ حماية (٨)

__________________

(١) ٤ / المسد : ١١١.

(٢) ٧٢ / الأحزاب : ٣٣.

(٣) ١٣ / العنكبوت : ٢٩.

(٤) ٧٢ / الأحزاب : ٣٣.

(٥) هو حديث أهل النار (النهاية : ١ / ٣٢٦). الحبة : بالكسر ، بزور البقول وحب الرياحين. وقيل : هو نبت صغير ينبت في الحشيش.

(٦) حديث عذاب القبر (النهاية : ١ / ٤٤٢) وفيه : «يضغط المؤمن فيه ضغطة ...»

(٧) ١٠١ / الشعراء : ٢٦.

(٨) في الأصل : حمائلة لما قاربه ، وهو وهم.

٥٢٤

لأقاربه ، وأصل ذلك من الماء الحميم. ويقال للماء الخارج من منبعه : حمّة (١). وفي الحديث : «العالم كالحمّة يأتيها البعداء ويزهد فيها القرباء» (٢). ويقال للعرق : حميم على التّشبيه. واستحمّ الفرس : عرق. والحمّام : إمّا لأنّه يعرّق داخله ، وإمّا لما فيه من الماء الحارّ.

نسمّي المشفق حميما ، تصوّرا لحرارة مزاجه عند احتداده على أدنى شيء يصيب ذويه.

وحامّة الرجل : خاصّته ، ولذلك قوبلت بالعامّة في قولهم : العامّة والحامّة. ويقال لحامّة الرجل حزانته ، أي الذين يحزنون له. واحتمّ لفلان : احتدّ له ، وهو أبلغ من اهتمّ.

وأحمّ الشّحم (٣) : أذابه ، أي جعله كالحميم. وأحمّت الحاجة : أي أهمّت ولزمت ، فهي محمّة. ومنه الحديث (٤) : «إنّا جئناك في غير محمّة» ، وفي الحديث أيضا : «عند حمّة النّهضات» (٥) أي شدّتها.

وحمّ كلّ شيء : معظمه ، وفي خطبة مسلمة «أنّ أقلّ الناس في الدنيا همّا أقلّهم فيها حمّا» (٦). قال سفيان : أي متعة ، ومنه تحميم المتعة. يقال : حمّم (٧) المرأة : أي متّعها.

قوله : (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ)(٨) هو يفعول (٩) ، من معنى الحميم ، وهو الحارّ. وقيل : هو دخان جهنّم لشدّة سواده. وتسميته بذلك إمّا لما فيه من فرط الحرارة كما فسّره في قوله : (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ)(١٠) أو لما تصوّر فيه من الحممة ، وهي الشديدة السواد ممّا حرق

__________________

(١) في الأصل : سعة حمية ، وهو وهم.

(٢) النهاية : ١ / ٤٤٥ ، وفيه : «مثل العالم مثل الحمة».

(٣) وفي الأصل : بشحم ، ولعلها كما ذكرنا.

(٤) هو حديث أبي بكر قاله له أبو الأعور السّلميّ (النهاية : ١ / ٤٤٥). المحمة : الحاضرة.

(٥) هو حديث عمر (النهاية : ١ / ٤٤٥).

(٦) النهاية : ١ / ٤٤٥ ، الحم : المال والمتاع.

(٧) ساقطة من س. وتحميم المرأة : هو إلباس المرأة المطلقة إذا متّعها زوجها.

(٨) ٤٣ / الواقعة : ٥٦.

(٩) وفي الأصل : مفعول.

(١٠) ٤٤ / الواقعة : ٥٦.

٥٢٥

من الحطب وهو الفحم ، الواحدة حممة ، كما أنّ واحد الفحم فحمة ، وإلى هذا المعنى أشار بقوله عنهم : (مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)(١).

والموت : الحمام لأنّه من حمّ الأمر : أي قدّر. والحمّى سميت بذلك لما فيها من الحرارة المفرطة ، وعلى ذلك قوله عليه الصلاة والسّلام : «الحمّى من فيح جهنّم» (٢) ، وإمّا لما يعرض فيها من الحميم : أي العرق ، وإما لكونها من أمارات الحمام لقولهم : «الحمّى بريد الموت» (٣). وحمّم الفرخ : اسودّ جلده من الرّيش. وحمّم وجهه : اسودّ شعره (٤). وأمّا حمحمة الفرس فحكاية صوت ، وليس من الأوّل في شيء.

ح م ي :

قوله تعالى : (يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها)(٥) أي يوقد عليها حتى تحمى أي تصير حارة ؛ يقال : أحميت الحديدة أحميها إحماء. وحمي الشيء يحمى حميا (٦). فالحمي : الحرارة المتولدة من الجواهر المحميّة كالنار والشمس والقوة الحارّة في البدن. وقوله تعالى : (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ)(٧) أي حارّة ، وقرىء «حمئة» (٨) وقد تقدّم.

وحميّا الكأس : سورتها (٩) وشدّتها. وعبّر عن القوة الغضبيّة ، إذا ثارت وكثرت ، بالحميّة ؛ قال تعالى : (فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ)(١٠). وحميت على فلان : غضبت عليه. وعبّر به عن المنع فقيل : حمى المكان يحميه ، ومنه : «لا حمى إلا لله ورسوله» (١١). وحميت أنفي محمية ، وحميت القوس حمية.

__________________

(١) ١٦ / الزمر : ٣٩.

(٢) النهاية : ٣ / ٤٨٤. الفيح ، سطوع الحر وفورانه.

(٣) ذكره ابن حجر المكي في فتاويه ، وعند أبي نعيم وابن السني بلفظ : رائد الموت ... (كشف الخفاء : ١ / ٣٦٦).

(٤) وفي المفردات : ١٣٠. بالشعر ، ولعله أصوب.

(٥) ٣٥ / التوبة : ٩.

(٦) وأضاف في اللسان : وحميّ وحموّا (مادة ـ حما).

(٧) ٨٦ / الكهف : ١٨.

(٨) هي قراءة ابن عباس ، و «حامية» قرأها ابن الزبير (معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٥٨).

(٩) وفي الأصل : لتسودها ، وهو وهم.

(١٠) ٢٦ / الفتح : ٤٨.

(١١) النهاية : ١ / ٤٤٧.

٥٢٦

وقوله تعالى : (وَلا حامٍ)(١) قيل : هو الفحل يضرب عشرة أبطن ؛ يقولون : قد حمى ظهره ، فلا يركب ولا يحمّل.

وأحماء المرأة : أقارب زوجها لأنّهم حماة لها ، الواحد حمي وحمو وحم وحما. والأشهر إعرابه بالحروف كأب (٢).

وقال الشافعيّ في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا حمى إلا لله ورسوله» كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضا أو بلدا استعوى كلبا فحمى لصاحبه مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره وهو يشارك غيره في المرعى ، فقال عليه الصلاة والسّلام : «لا حمى إلا لله» أي لخيل الجهاد وإبله التي تحمل عليها أثقال المجاهدين.

فصل الحاء والنون

ح ن ث :

قوله تعالى : (يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ)(٣) فالحنث : اسم للذنب ، وهو هنا الكفر لأنّه أعظم الآثام والذنوب. واليمين الغموس : هي الحنث. وحنث في يمينه : أي لم يف بها. وبلغ الحنث عبارة عن البلوغ ، لأنه يؤاخذ الإنسان بالحنث عند بلوغه. وعبّر عن التعبّد بالتحنّث ، ومنه : «كان يتحنّث بغار حراء» (٤) وأصله أن يتباعد من الإثم والذنب ، نحو تحرّج : أي جانب الحرج ، فقيل : الحنث العظيم : اليمين الفاجرة.

وقوله : «من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث» (٥) أي لم يصلوا إلى حدّ يؤاخذون

__________________

(١) ١٠٣ / المائدة : ٥.

(٢) على أنه من الأسماء الستّة ، حيث تعرب بالحروف إذا كانت مفردة مضافة إلى غير ياء المتكلم. ويقول الراغب فيها (ص ١٣٣): «وقد همز في بعض اللغات فقيل : حمء نحو كمء». وانظر اللسان ـ مادة حما.

(٣) ٤٦ / الواقعة : ٥٦.

(٤) النهاية : ١ / ٤٤٩ ، مع تقديم وتأخير.

(٥) النهاية : ١ / ٤٤٩.

٥٢٧

فيه بالحنث ، وقد تقدّم. وقال بعض أهل [اللغة](١) : الحنث في الأصل : العدل الثقيل ، فعبّر به عن الحنث تصويرا لثقل الذنب.

ح ن ج :

قال تعالى : (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ)(٢) جمع حنجرة ، وهي رأس الغلصمة من خارج. وذلك كناية عن شدة الخوف ؛ فإنّ الخائف إذا تزايد خوفه تصاعدت أمعاؤه وقلبه إلى أن تكاد تبلغ حلقومه. ويقال : انتفخ منخره أيضا بهذا المعنى.

ح ن ذ :

قوله تعالى : (بِعِجْلٍ حَنِيذٍ)(٣) أي محنوذ ، بمعنى مشويّ بالرّضف ، وهي الحجارة المحمّاة يشوى عليها اللحم. وقيل : هو الشيّ بين حجرين وذلك لتسيل (٤) عنه اللزوجة. وهو من حنذت الفرس أحنذه ، إذا استحضرته شوطا أو شوطين ثم ظاهرت عليه الجلال ليعرق. وحنذته الشمس ، ولمّا كان متصوّرا منه قلة الماء قيل : إذا سقيت الخمر فأحنذ ، / أي قلّل فيها الماء. والحنيذ بمعنى محنوذ كجريح ، وفي الحديث : «أتي بضبّ محنوذ» (٥).

ح ن ف :

قوله تعالى : (حَنِيفاً)(٦) قال ابن عرفة : قد قيل : إنّ الحنف الاستقامة (٧) ، وإنّما

__________________

(١) بياض في الأصل ، ولعلها كما ذكرنا.

(٢) ١٠ / الأحزاب : ٣٣. والغلصمة : رأس الحلقوم.

(٣) ٦٩ / هود : ١١.

(٤) وفي الأصل : تسيل.

(٥) النهاية : ١ / ٤٥٠ ، وفي الأصل اضطراب في الرسم.

(٦) ١٣٥ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٧) الحنف (في الأصل) : الميل من خير إلى شر أو من شر إلى خير (اللسان ـ حنف) وميل عن الاستقامة (المفردات : ١٣٣).

٥٢٨

قيل لمتمايل الرّجل : أحنف تفاؤلا بالاستقامة. قال الأزهريّ : معنى الحنيفة في الإسلام : الميل إليه والثّبات على عقيدة.

والحنف : إقبال إحدى القدمين على الأخرى ؛ فالحنيف : الصّحيح الميل إلى الإسلام ، الثابت عليه. وقال أبو عبيد : الحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم.

وقال الراغب (١) : الحنف : الميل عن الضّلال إلى الاستقامة ، وعن الاستقامة إلى الضّلال. والحنيف : المائل إلى ذلك. قال تعالى : (أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً)(٢) ، وجمعه حنفاء. وتحنّف فلان : تحرّى طريقة الاستقامة. وكلّ من اختتن أو حجّ سمّته العرب حنيفا تنبيها أنه على ملّة إبراهيم. فالحنف عنده مجرّد الميل ، إلا أنه غلب في الميل إلى الإسلام وإلى طريق الخير ، وإلا فسد ما قاله.

ح ن ك :

قوله تعالى : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ)(٣) عبارة عن تمكّنه منهم بالوسوسة تمكّن قائد الدابّة الواضع اللجام في حنكها لتطيعه حيث يقودها. يقال : حنكت الدابّة باللجام والرّسن ، نحو لألجمنّه ، ولأرسننّه ، أي لأضعنّ في حنكه اللجام والرّسن. وقيل : هو من قولهم : احتنك الجراد الأرض : إذا استولى عليها بحنكه فاستأصلها أكلا. فالمعنى : لأستولينّ عليهم استيلاء الجراد على الأرض.

وحنّكه الدّهر : ابتلاه ببلايا جرّب فيها غيره ، كأنّه أخذه بحنكه ... (٤) ، كلّه بمعنى : هو ذو تجارب ، ومجازه ما تقدّم.

وقال الأزهريّ : احتنك البعير الصّليّانة (٥) أي اقتلعها من أصلها. وحنّكت الصبيّ

__________________

(١) المفردات : ١٣٣.

(٢) ١٢٠ / النحل : ١٦.

(٣) ٦٢ / الإسراء : ١٧.

(٤) استعارة ، ومثل ذلك عند العرب كثير مثل : فرع سنّه ، نجره ... وكلها في التجربة ولعل البياض المذكور في الأصل هو ما عناه المؤلف ولم يسجله الناسخ!

(٥) نبت ، والعرب نسمية خبزة الإبل (اللسان ـ صلا).

٥٢٩

وحنكته ـ مخففا ومثقلا ـ إذا مضغت تمرا ونحوه ودلكت [به](١) حنكه. ويقال : هو أسود من حنك الغراب ، وهو منقاره (٢) ، وحلك أيضا (٣) ، وهو ريشه.

ح ن ن :

قوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا)(٤) أي تحنّنا ورحمة ، وفي حديث ورقة (٥) : «أنّه كان يمرّ ببلال وهو يعذّب فيقول : لئن قتلتموه لأتّخذنّه حنانا» أي لأترحّمنّ عليه ، وقيل : لأتمسّحنّ به لبركته (٦). والحنان : البركة والرّزق. وحنانيك : أي تحنّنا بعد تحنّن ، نحو : لبّيك وسعديك ، لا يرد بهذه شفع الواحد (٧).

والحنّان : بالتشديد ، من صفات الباري تعالى ، بمعنى الرّحيم. وحننت إليه : أي ملت ميلا شديدا ، قال (٨) : [من الطويل]

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت

مزارك من ريّا وشعباكما معا

وأصل الحنين النزاع المتضمّن للإشفاق. ومنه حنين الناقة والمرأة لولدها. وقد يكون مع ذلك صوت ، ولذلك يعبّر بالحنين عن الصوت الدالّ على النزاع والشّفقة ، أو متصوّرا بصورته. قال الراغب (٩) : وعلى ذلك : حنين الجذع. قلت : حنين الجذع الذي كان

__________________

(١) إضافة يقتضيها السياق.

(٢) وقيل : سوادة. وقالوا : أبدلت نونه من اللام : حانك وحالك. وقيل : حلك الغراب : لحييه وما حولهما ومنقاره (اللسان ـ حنك).

(٣) أي : ... حلك الغراب.

(٤) ١٣ / مريم : ١٩.

(٥) النهاية : ١ / ٤٥٢. ويقول ابن الأثير : «... وفي هذا نظر ؛ فإن بلالا ما عذّب إلا بعد أن أسلم» وورقة كما في الأخبار مات قبيل مبعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٦) وبهذا سبة للعرب وعار عليهم.

(٧) يقول ابن يعيش : «هذه المصادر وردت بلفظ التثنية لغرض التكثير ... ولا يكون مثنى إلا في حال الإضافة. وهي منصوبة بفعل مضمر ...» (شرح المفصل : ١ / ١١٨).

(٨) البيت للصمة القشيري كما في الأغاني : ٦ / ٥.

(٩) المفردات : ١٣٣.

٥٣٠

يخطب عليه الصلاة والسّلام حنينه حقيقة حتّى كان للمسجد ضجّة (١).

وقوس حنّانة (٢). [وقيل : ما له حانّة](٣) ولا آنّة أي لا ناقة ولا شاة سمينة ؛ وصفتا بذلك اعتبارا لصوتيهما. قيل : ولمّا كان الحنين متضمّنا للإشفاق ، والإشفاق لا ينفكّ عن الرحمة ، عبّر به عن الرحمة ، كقوله : (وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا).

وحنين : مكان معروف.

فصل الحاء والواو

ح وب :

قوله تعالى : (إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً)(٤) الحوب والحوب : الإثم. والحوبة كذلك ، ومنه : «تقبّل توبتي واغسل حوبتي» (٥). وفي الحديث لمن استأذن في الجهاد : «ألك حوبة؟» (٦) قيل : هي الأمّ ، والصحيح : ألك من تأثم إن ضيّعته من حرمة؟ وهي الحاجة أيضا. ومنه الحديث : «إليك أرفع حوبتي» (٧). وقولهم : ألحق الله بهم الحوبة ، أي المسكنة والحاجة. وحقيقتها : الحاجة الحاملة صاحبها على ارتكاب الإثم. وبات فلان بحوبه سوء.

والحوباء : هي النفس ، وحقيقتها النفس المرتكبة للحوب ، وهي الموصوفة بقوله : (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)(٨). وقال الفراء : الحوب بالضمّ للحجاز ، وبالفتح لتميم.

__________________

(١) جاء في النهاية : ١ / ٤٥٢ : «أنه كان يصلي إلى جذع في مسجده ، فلما عمل له المنبر صعد عليه ، فحنّ الجذع إليه» ، وتتمة الحديث كما في اللسان (مادة حنن): «... حتى رجع إليها فاحتضنها فسكنت».

(٢) إذا رنّت عند الإنباض.

(٣) سقط في الأصل من غير بياض ، والإضافة من اللسان ـ حنن ، والمفردات : ١٣٣.

(٤) ٢ / النساء : ٤.

(٥) النهاية : ١ / ٤٥٥.

(٦) النهاية : ١ / ٤٥٥.

(٧) النهاية : ١ / ٤٥٥ ، أي حاجتي.

(٨) ٥٣ / يوسف : ١٢.

٥٣١

والحوب : الوحشة أيضا. ومنه : «إنّ طلاق أمّ أيوب لحوب» (١). وقيل : الحوب : الإثم ، والحوب : المصدر منه ، وأصله من قولهم : حوب ، لزجر الإبل. وفي الحديث : «كان إذا قدم من سفر قال : آيبون تائبون لربّنا حامدون حوبا حوبا» (٢) كأنّه لمّا فرغ من كلامه زجر بعيره. فتسمية الإثم بالحوب لكونه مزجورا عنه من قولهم : حاب حوبا وحوبا وحيابة. وأصله ـ كما تقدم ـ مأخوذ من زجر الإبل.

ح وت :

قوله تعالى : (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ)(٣) الحوت : السمك العظيم ، وهو النون. والجمع حيتان ، قال تعالى : (تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ)(٤). قال الفراء : العرب تجمع الحوت : أحوتة (٥) وأحواتا في القليل ، فإذا كثرت فهي الحيتان. قوله : إنّ أفعلة من جموع القلّة لا يعرفه البصريون. واشتقّ من لفظ الحوت فقيل : حاوتني فلان محاوتة ، أي راوغني مراوغة الحوت.

ح وج :

قوله تعالى : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً)(٦) الحاجة : الفقر إلى الشيء مع محبته ، وجمعها حاج وحاجات وحوائج (٧). وحاج يحوج : أي احتاج. والحوجاء : الحاجة. والحاج (٨) أيضا ضرب من الشّوك ، الواحدة حاجة. وفي الحديث : «انطلق إلى

__________________

(١) النهاية : ١ / ٤٥٥ ، قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين أراد أبو أيوب طلاق أم أيوب.

(٢) النهاية : ١ / ٤٥٦.

(٣) ١٤٢ / الصافات : ٣٧.

(٤) ١٦٣ / الأعراف : ٧.

(٥) وفي الأصل : حوتة ، ولعلها كما ذكرنا.

(٦) ٩ / الحشر : ٥٩.

(٧) يجمعها ابن منظور كذلك على حوج.

(٨) يذكر اللغويون هذه المادة في (حيج) انظر تاج العروس ولسان العرب.

٥٣٢

هذا الوادي فلا تدع حاجا ولا حطبا» (١). وفيه : «ما تركت من حاجة ولا داجة» (٢) أي لم أترك شيئا من المعاصي إلا ارتكبته. وداجة : إتباع. والحوائج جمع لحاجة على غير قياس ، وأصلها حائجة.

ح وذ :

قوله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ)(٣) أي استولى عليهم وغلبهم ، وكذا : (أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ)(٤) وأصله من حاذ الإبل يحوذها ، وحاذها يحوذها أي يسوقها سوقا عنيفا ؛ وذلك أن يتبع السائق حاذي البعير ، أي أدبار فخذيه ليسوقها ، فقوله : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) يجوز أن يكون من ذلك كما تقدّم ، وأن يكون من استحوذ العير على الأتان أي استولى على حاذيها أي جانبي ظهرها.

واستحوذ جاء على أصله ، وهو شاذّ قياسا ، فصح استعمالا ، والقياس استحاذ. وظاهر كلام الراغب أنه يسمع (٥) ، ونحو قوله : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ) اقتعده الشّيطان وارتكبه. والأحوذيّ : الحادّ المنكمش في أموره (٦). وعن عائشة تصف عمر رضي الله عنهما : «ما كان والله أحوذيا نسيج وحده» (٧) /. وقيل : الأحوذيّ الخفيف الحاذق بالشيء ، من الحوذ ، وهو السّوق. وفي الحديث : «ليأتينّ على الناس زمان يغبط فيه الرجل بخفّة الحاذ كما يغبط اليوم أبو العشرة» (٨) ، والحاذ : خفّة اللحم وقلّة المال والعيال. والحاذ والحاد واحد ، وهو ما تقع عليه اليد من متن الفرس.

__________________

(١) النهاية : ١ / ٤٥٧.

(٢) النهاية : ١ / ٤٥٦ ، قاله رجل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٣) ١٩ / المجادلة : ٥٨.

(٤) ١٤١ / النساء : ٤.

(٥) المفردات : ١٣٤.

(٦) أورد ابن منظور هذا الشرح والذي يليه (مادة ـ حوذ) ، بينما اكتفى الراغب (المفردات : ١٣٤) بالشرح الثاني.

(٧) النهاية : ١ / ٤٥٧.

(٨) النهاية : ١ / ٤٥٧ ، وفي الأصل : أبو العشيرة. وقد ضربه مثلا لقلة المال والعيال.

٥٣٣

والحوذان : نبت طيب الريح ؛ قال النابغة الذّبياني (١) : [من الطويل]

وتنبت حوذانا ، وعوفا منوّرا

سأتبعه من خير ما قال قائل

ح ور :

قوله تعالى : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ)(٢) أي يرجع ويبعث. يقال : حار يحور حورا : أي رجع. وفي الحديث : «نعوذ بك من الحور بعد الكور» (٣) أي نعوذ بالله من الرجوع عن الجماعة بعد أن كنّا فيها. والكور : الجماعة ، من : كار عمامته إذا جمعها ولفّها ، وحارها إذا نقضها. وقيل : معناه : نعوذ بك من النّقص بعد الزيادة. وقيل : من نقض أمورنا بعد صلاحها ، كانتقاض العمامة بعد استقامتها. وروي «بعد الكون» بالنون ، من قولهم : حار بعد ما كان.

وقيل : الحور أصله التردّد إمّا بالذات وإمّا بالفكر ، ومنه : (إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ) أي لن يردّ ولن يبعث ، إشارة إلى قوله : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا)(٤). وحار الماء في الغدير : تردّد. وحار في أمره (٥). ومنه المحور (٦) للعود الذي تجري عليه البكرة لتردّده ، وبهذا النّظر قيل : سير السّواني أبدا لا ينقطع.

ومحارة الأذن لظاهرها المنقعر (٧) تشبيها بمحارة الماء لتردّد الهواء بالصوت فيه كتردّد (٨) الماء في المحارة. والقوم في حوار : في تردّد. «ونعوذ بالله من الحور بعد الكور» أي من التّردّد في الأمر بعد المضيّ فيه ، أو من نقصان وتردّد في الحال بعد الزيادة فيها. وقيل : حار

__________________

(١) لم نجده في ديوانه ، وهو مذكور في الأغاني بترجمته : ١١ / ١.

(٢) ١٤ / الانشقاق : ٨٤.

(٣) النهاية : ١ / ٤٥٨ ، وفيه : أي من النقصان بعد الزيادة.

(٤) ٧ / التغابن : ٦٤.

(٥) أي تحيّر.

(٦) وفي الأصل : الحور.

(٧) وفي الأصل : المنتقر ، ولعل السياق يقتضي ما ذكرنا.

(٨) وفي الأصل : كترداد.

٥٣٤

بعد ما كان ، قاله الراغب (١) ، وهو حسن إلا قوله : وحار في الأمر وتحيّر ؛ فإنّ هذا من مادّة الياء لا الواو كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

والحوار والمحاورة : المراجعة والمرادّة في الكلام ، ومنه قوله تعالى : (وَهُوَ يُحاوِرُهُ)(٢) : أي يخاصمه لأنّ كلامه مما يرجع على مخاصمه كلامه ويردّه إليه. وقوله : (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما)(٣) : أي ترادّكما في الكلام. وكلّمته فما رجع إليّ حوار ولا حوير أي جوابا. وما [يعيش بأحور أي بعقل](٤). وعن عليّ رضي الله عنه : «والله لا أرمم حتى يرجع إليكما ابناكما بحور ما بعثتما به» (٥) أي بجواب. وقيل : أراد بالخيبة. وأصل الحور : الرجوع إلى النّقص.

قوله تعالى : (قالَ الْحَوارِيُّونَ)(٦) الحواريون : الأنصار ، وغلب على أنصار الأنبياء. والحواريّون الواردون في القرآن أخصّ من ذلك ، وهم أنصار عيسى ؛ قيل : سمّوا بذلك لأنّهم كانوا قصّارين يبيّضون الثياب ، والمادة تدلّ على التّبييض ؛ يقال : حوّرت الثوب : أي بيّضت. وقيل لنساء الحاضرة : الحواريّات ، لبياض ألوانهنّ وثيابهنّ ، قال أبو جلدة اليشكريّ (٧) : [من الطويل]

فقل للحواريّات يبكين غيرنا

ولا تبكنا إلا الكلاب النّوابح

والحور العين من ذلك ، وهنّ من في أعينهنّ حوار ؛ قيل : بياض ، وهو زيّ مستحسن. وأحورت عينه : أي صارت كذلك. والحور : جمع حوراء وأحور. والذي في

__________________

(١) في المفردات : ١٣٥.

(٢) ٣٤ / الكهف : ١٨.

(٣) ١ / المجادلة : ٥٨.

(٤) بياض في الأصل ، والتصويب من المفردات : ١٣٥. وفي اللسان الكلام منسوب إلى أبي عمرو (مادة ـ حور).

(٥) النهاية : ١ / ٤٥٨ ، اللسان ـ مادة حور ، وليس فيهما القسم.

(٦) ٥٢ / آل عمران : ٣ ، وغيرها.

(٧) البيت ـ وبيت آخر ـ من شواهد ابن منظور ـ مادة حور. وانظر ترجمة الشاعر في الشعر والشعراء : ٦١٩ ، الأغاني : ١١ / ٣١٠.

٥٣٥

القرآن جمع حوراء فقط لقوله : (مَقْصُوراتٌ)(١). ومنه الحواريّ وذلك لبياضه وتصفيته ، قال بعضهم : سمّوا قصّارين. ولم يكونوا قصّارين ؛ شبّهوا بهم من حيث إنهم كانوا يطهّرون نفوس الناس بإفادتهم الدّين والعلم المشار إليه بقوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٢) ، فقيل لهم قصارين على التّمثيل. وقيل : بل كانوا صيادين. وقيل : ليسوا صيادين حقيقة ، وإنّما ذلك على التّمثيل لأنّهم كانوا يصيدون نفوس الناس إلى الحقّ من الحيرة. وقال الأزهريّ : هم خلصان الأنبياء (٣) وتأويله : الذين أخلصوا ونقّوا من كلّ عيب ، من الدقيق الحوّارى ، وهو المنقّى الخالص.

وحواريّ الرجل : خاصّته ، وفي الحديث : «الزبير ابن عمّتي وحواريّ من أمّتي» (٤) أي ناصري ومختصّ فيّ من بين أصحابي. وفي آخر : «لكلّ نبيّ حواريّ وحواريّ الزّبير» (٥) تشبيها بهم في النّصرة حيث قال عيسى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ)(٦). والرواية حوري بالفتح وذلك أنّه خففت ياؤه ثم إضافة لياء المتكلم ولو روي بكسرها على أنّه إضافة من غير حذف ، وحذفت ياء المتكلم لالتقاء الساكنين نحو كرسيّ الخشب. ولما بلغه عليه الصلاة والسّلام قتل أبي جهل لعنه الله قال : «إنّ عهدي به في ركبتيه حوراء» (٧) ؛ هي كيّة سميت حوراء لأنها يبيضّ موضعها. ومنه حوّر عين دابّته : أي كواها (٨). وفيه : «حوّر عليه‌السلام أسعد بن زرارة بحديدة» (٩). والمحور : ما يكوى به ، كالمنجل.

__________________

(١) ٧٢ / الرحمن : ٥٥.

(٢) ٣٣ / الأحزاب : ٣٣.

(٣) وعزاه ابن منظور إلى الزجاج (مادة ـ حور).

(٤) النهاية : ١ / ٤٥٧.

(٥) البخاري ، باب الجهاد ، رقم ٤٠.

(٦) ٥٢ / آل عمران : ٣.

(٧) النهاية : ١ / ٤٥٩ ، وفي الأصل : حوار.

(٨) كواها من داء يصيبها.

(٩) وفي النهاية : «أنه كوى أسعد بن زرارة على عاتقه حوراء» (١ / ٤٥٨). وانظر مرضه وسبب كيّه في (أسد الغابة : ١ / ٧١).

٥٣٦

ح وز :

قال تعالى : (أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ)(١) أي منضمّا إلى جماعة أخرى ، من حازه يحوزه حوزا ، أي ضمّه واستولى عليه. وقيل : معناه صار إلى حيّز فئة. والحيّز : الناحية. وحمى حوزة الإسلام : أي ناحيته. وقيل : الحيّز : كلّ جمع منضمّ بعضه إلى بعض. وأصل متحيّز متحيوز ؛ فوزنه متفيعل لا متفعّل ؛ إذ لو كان كذلك لقيل : متحوّز ، كتجوّز.

وتحوّزت الحيّة وتحيّزت : أي اجتمعت وتلوّت. والأحوزيّ : الذي حمى حوزته مشمّرا ، وعبّر به عن الخفيف السّريع. ووصفت عائشة رضي الله عنها (٢) فقالت : «إن كان والله لأحوزيّا». قال أبو عمرو : هو الخفيف. وقال الأصمعيّ : الحسن السّياق ، وفيه بعض النّفار. ويروى : «أحوذيّا» بالذال. وقد تقدم (٣).

«وما تحوّز له عن فراشه» (٤) أي ما تنحّى. والماحوز : المكان (٥). وفي الحديث : «فلم نزل مفطرين حتى بلغنا ما حوزنا» (٦). ذكره الهرويّ في هذه المادة وليس منها ، قال : وقال بعضهم : هي من حزت الشيء إذا أحرزته. وقال الأزهريّ : لو كان منه لقيل محازنا أو محوزنا. وأحسبه بلغة غير عربية. وقد أصاب الأزهريّ مقالته.

ح وط :

قوله تعالى : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)(٧) ونحوه عبارة عن قدرته ، وأنّهم لا ينزلونه بمنزلة من أحاطت به الدار. وأصله في الأجرام ، ويستعار في المعنى كقوله تعالى : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)(٨). والإحاطة : المنع أيضا ، ومنه : (إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ)(٩)

__________________

(١) ١٦ / الأنفال : ٨.

(٢) حديث عائشة في وصف عمر ، ويبدو أن الناسخ أسقط اسمه من الحديث (النهاية : ١ / ٤٥٩).

(٣) في مادة «ح وذ».

(٤) من الحديث : «أنه أتى عبد الله بن رواحة يعوده فما ...» (النهاية : ١ / ٤٦١).

(٥) أهل الشام يسمون المكان الذي بينهم وبين العدو الماحوز ، وهي لغة غير عربية (اللسان ـ مادة حوز).

(٦) قاله عبيد بن حر لأبي نضرة وكانا في سفينة من الفسطاط إلى الاسكندرية.

(٧) ١٩ / البقرة : ٢.

(٨) ٨١ / البقرة : ٢.

(٩) ٦٦ / يوسف : ١٢.

٥٣٧

أي إلا أن تمنعوا ، ويعبّر به عن الهلاك. ومنه قوله تعالى : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ)(١) وأصله من إحاطة العدوّ.

وعن مجاهد في قوله (٢) : (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ)(٣) أي جامعهم. ويقال : حاطه يحوطه / حوطا وحياطة وحيطة (٤) وحيطة. وقد تكلمنا على كونه يتعدّى بنفسه ثلاثيا وبجرّ الحروف رباعيا في غير هذا الموضوع.

وقوله : (إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ)(٥) أي : حافظهم وجامعهم لا يفوتونه. وقوله : (أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً)(٦) أي : أحاط علمه به فلا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء. وفي قوله (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)(٧) (وخطيئاته) فيه أبلغ استعارة ؛ وذلك أنّ العبد إذا ارتكب ذنبا واستمرّ عليه استجرّه ذلك الذنب إلى ما هو أكبر منه ، فلا يزال يرتقي حتى يطبع على قلبه فلا يمكنه [أن](٨) يخرج عن تعاطيه.

والاحتياط : افتعال من الحوط ، وهو استعمال (٩) الحياطة أي الحفظ. وإحاطة علمه تعالى بالأشياء هو أن يعلم وجودها وقدرها وجنسها وصفتها ، وكيفيتها وغرضها المقصود بها وبإيجادها وما يكون منها ، وهذا ليس إلا لله تعالى ، ولذلك قال : (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ)(١٠) و (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً)(١١). وحكايته تعالى عن الخضر (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى

__________________

(١) ٤٢ / الكهف : ١٨.

(٢) في قوله تعالى.

(٣) ١٩ / البقرة : ٢.

(٤) لم يذكر ابن منظور فتح الحاء.

(٥) ٦٠ / الإسراء : ١٧.

(٦) ١٢ / الطلاق : ٦٥.

(٧) ٨١ / البقرة : ٢. وانظر قراءة أخرى في مختصر الشواذ : ٦.

(٨) إضافة المحقق.

(٩) وفي الأصل : اشتغال ، ولعلها كما ذكرنا.

(١٠) ٣٩ / يونس : ١٠.

(١١) ١١٠ / طه : ٢٠.

٥٣٨

ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً)(١) تنبيه على أنّ الصبر التامّ إنّما يقع بعد إحاطة العلم بالشيء بفيض إلهيّ.

وقوله : (وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ)(٢) أي هلكوا ، وهو من إحاطة القدرة.

والحائط : الجدار ، وأصله اسم فاعل من : حاط يحوط ، فنسب إلى الجدار مجازا. وقوله : (عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ)(٣) قيل : هو يوم القيامة لأنه يجمع العالم كلّه لقوله تعالى : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ)(٤). وأصل محيط محوط ؛ فأعلّ إعلال مقيم.

ح ول :

قوله تعالى : (يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)(٥) قيل : معناه أنّه يملك عليه قلبه فيصرفه كيف شاء ، إشارة إلى وصفه تعالى بقوله عليه‌السلام : «يا مقلّب القلوب» (٦) ، وهو أن يلقى في قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضي ذلك. وعن بعضهم : عرفت الله بنقض العزائم ، وقيل : معناه أن يهلكه ويردّه إلى أرذل العمر.

وأصل الحول : تغيّر الشيء وانفصاله عن غيره ، وباعتبار التغيّر قيل : حال يحول حولا واستحال : تهيّأ لأن يحول. ويجيء استحال بمعنى صار. وفي الحديث : «فاستحالت غربا» (٧) ، وباعتبار الانفصال قيل : حال بيننا كذا ، قال تعالى : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ)(٨).

وحوّلت الشيء فتحوّل : أي غيّرته ؛ إمّا بالذات ، وإمّا بالحكم والقول ، ومنه : أحلته

__________________

(١) ٦٨ / الكهف : ١٨.

(٢) ٢٢ / يونس : ١٠.

(٣) ٨٤ / هود : ١١.

(٤) ١٠٣ / هود : ١١.

(٥) ٢٤ / الأنفال : ٨.

(٦) البخاري ، باب مقلب القلوب ، التوحيد ، رقم ١١.

(٧) حديث عمر (رضي) ، أي تحوّلت دلوا عظيمة (النهاية : ١ / ٤٦٣).

(٨) ٥٤ / سبأ : ٣٤.

٥٣٩

عليك بدين. ومنه : حوّلت الكتاب ، أي نقلت مثله من غير تغيير لصورة الأصل ، كأحد معاني النّسخ.

قوله : (لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلاً)(١) قيل : تحوّلا وتحويلا ، أي لا يطلبون عنها زوالا. يقال : حال عن مكانه حولا : عاد عودا. وقيل : الحول : الحيلة : قال الهرويّ : فهو على هذا الوجه ، أي لا يحتالون منزلا عنها.

«ونهى أن يستنجى بعظم حائل» (٢) أي متغير. وإذا أتى عليه حول قيل : محيل.

والحال : الطين الأسود المتغيّر ، ومنه حديث جبريل : «أخذ من حال البحر». والحال لما يختصّ به الإنسان وغيره من أموره المتغيّرة في نفسه وجسمه وقنيانه.

وحالت الناقة تحول حيالا : إذا لم تحمل لتغيّر عادتها ، وفي الحديث : «والشاء عازب حيال» (٣).

والحول : السنة ، اعتبارا بانقلابها ودورانها ودوران الشمس في مطالعها ومغاربها. وحالت السّنة تحول حولا ؛ فالحول في الأصل مصدر. وحالت الدار : تغيّرت ، وأحالت (٤) أي مضى عليها حول ، نحو أعامت وأشهرت. وأحال بمكان كذا : أقام به حولا. والمحول : من أتى عليه الحول من الأطفال وغيرهم (٥) ، فمن الأول قول امرؤ القيس (٦) : [من الطويل]

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي تمائم محول

ومن الثاني قوله أيضا (٧) : [من الطويل]

__________________

(١) ١٠٨ / الكهف : ١٨.

(٢) النهاية : ١ / ٤٦٣.

(٣) وهو حديث أم معبد ، معناه : غير حوامل (النهاية : ١ / ٤٦٣).

(٤) وأحولت.

(٥) وفي الأصل : وغيرها.

(٦) من معلقته (الديوان : ٣١).

(٧) هو لامرىء القيس. المحول : الصغير من الذر. وعجزه كما (في الديوان : ٦٨) :

من الذرّ فوق الإتب منها لأثرا

٥٤٠