عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

شعر حول رأسه دون أعلاه. وفي الحديث : «لم يشبع من طعام إلا على حفف» (١) أي ضيق وفقر. وفي رواية أخرى «خفف» ؛ فالحفف أن يكون أكثر منه ، فالخفف أشدّ.

ح ف ي :

قوله تعالى : (كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها)(٢) من قولهم : فلان حفيّ بخبر فلان ، أي معنيّ بالسؤال عنه. وعن مجاهد : كأنّك استحفيت بالسؤال عنها حتى علمتها ، أي أكثرت المسألة عنها. يقال : أحفى في سؤاله وألحف وألحّ ، كلّه بمعنى. قال تعالى : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا)(٣) أي يبالغ في مسألتكم. ولمّا اعتبر معنى المبالغة قيل : فلان حفيّ بفلان ، أي مبالغ في برّه. قال تعالى : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا)(٤) أي مبالغا في إيصال الخير إلى. وفي الحديث : «أنّ عجوزا دخلت على عائشة فسألها (٥) ، فأحفى» أي بالغ في برّها. وعلى هذا فما حكي أنّ كيسان سأل ثعلبا عن قوله : (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا)(٦) فقال : بارا وصولا ـ فقال : قوله : «كأنّك حفيّ عنها» فقال : معنى هذا غير معنى ذلك. والعرب تقول : فلان حفيّ بخبر فلان ، أي معنيّ بالسؤال عنه ـ يبعد صحته عنهما لظهور ذلك كما تقدّم من أمر المبالغة ، ذاك مبالغة في البرّ ، وهذا مبالغة في السؤال.

وقيل : الإحفاء في السؤال : التبرّح في الإلحاح في المطالبة ، أي في البحث عن تعرّف الحال. وعلى الوجه الأول يقال : حفيت السؤال ، وأحفيت فلانا في السؤال ، ومنه (فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا)(٧). وأصل ذلك من أحفيت الدابّة ، أي جعلتها حافية ، أي منسجحة الحافر ، والبعير : جعلته منسجح الفرسن (٨) من المشي حتى يرقّ. وقد حفي حفا وحفوة ،

__________________

(١) النهاية : ١ / ٤٠٨.

(٢) ١٨٧ / الأعراف : ٧.

(٣) ٣٧ / محمد : ٤٧.

(٤) ٤٧ / مريم : ١٩.

(٥) كذا في النهاية (١ / ٤٠٩) ، وفي الأصل : فسأل بها.

(٦) انظر مجالي ثعلب : ٣٥٠.

(٧) ٣٧ / محمد : ٤٧.

(٨) فرسن البعير : بمنزلة الحافر للبعير ، وفيه السّلامى. والمنسجح : اللين.

٥٠١

ومنه : أحفيت الشارب : أخذته أخذا متناهيا. وأحفيت (١) به وتحفّيت : أي بالغت في إكرامه. والحفيّ ـ أيضا ـ العالم بالشيء. والحافي ـ أيضا ـ الحاكم ، يقال : تحافينا ، أي تحاكمنا.

فصل الحاء والقاف

ح ق ب :

قوله تعالى : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً)(٢) جمع حقب ، وحقب جمع حقبة ، والحقبة ثمانون سنة ؛ فالأحقاب جمع الجمع. قال الراغب : والصحيح أنّ الحقبة مدة من الزمان مبهمة (٣). وقال الأزهريّ : الأحقاب جمع حقب وهو ثمانون سنة. وهذا صحيح نحو فعل وأفعال. وقوله : (أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً)(٤) أي زمانا طويلا ، قاله ابن عرفة. وفي الحديث : «لا رأي لحاقب ولا حاقن» (٥) ؛ الحاقب : الذي يحتاج إلى الخلاء فلم يتبرّز (٦) ، مأخوذ من حقب البعير ، حقبا ، إذا دنا الحقب من ثيلة (٧) حيفة البول.

والحقب (٨) : حبل يشدّ على حقو البعير. والإحقاب : شدّ الحقيبة من خلف (٩) الراكب. واستحقبته وأحقبته بمعنى. وحمار أحقب : أي الدّقيق (١٠) الحقوين ، وقيل : الأبيض الحقوين ، والأنثى حقباء ، وذلك في الحمر الوحشية.

__________________

(١) في الأصل : حفت ، والتصويب من المفردات : ١٢٥.

(٢) ٢٣ / النبأ : ٧٨.

(٣) المفردات : ١٢٦.

(٤) ٦٠ / الكهف : ١٨.

(٥) النهاية : ١ / ٤١١.

(٦) في الأصل : يبرز ، والتصويب من النهاية مع الحديث : ١ / ٤١١ ، ومن اللسان ـ حقب.

(٧) الثيل : وعاء قضيب البعير والتيس والثور. الحيفة : الناحية.

(٨) وفي المفردات (ص ١٢٦) : والاحتقاب.

(٩) وفي الأصل : الحقب من خلاف.

(١٠) في الأصل : دقيق.

٥٠٢

ح ق ف :

قوله : (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ)(١) هي جمع حقف ، وهو الكثيب من الرّمل المائل ؛ قال امرؤ القيس (٢) : [من الطويل]

فلمّا أجزنا ساحة الحيّ وانتحى

بنا بطن خبت ذي حقاف (٣) عقنقل

وقال الأزهريّ : الحقف : الرمل المستطيل. وقال الهرويّ : ما عظم واستدار. وكانت ديار عاد بالشّحر في كثبان رمل. واحقوقف : أي انحنى ومال. واحقوقف الهلال (٤). وفي الحديث : «أنّه مرّ بظبي حاقف» (٥). قيل : معناه أنه نائم في حقف ، وقال ابن الأنباريّ : أي نائم قد انحنى في نومه (٦). وأنشد للعجّاج (٧) : [من الرجز]

طيّ الليالي زلفا فزلفا

سماوة الهلال حتّى احقوقفا

أي كما تطوي الليالي سماوة الليالي وهي تحصّه. والزّلف : الساعات من الليل ، جمع زلفة.

ح ق ق :

قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ)(٨) ؛ الحقّ في الأصل : الثبوت ، والشيء الثابت. يقال : حقّ الأمر يحقّ حقّا ، فهو حقّ : أي ثبت واستقرّ. والحقيقة : فعيلة ، من

__________________

(١) ٢١ / الأحقاف : ٤٦.

(٢) من معلقته (الديوان : ٣٣).

(٣) العجز في الأصل مضطرب. وحقاف كما في الديوان جاءت في شرح القصائد العشر (ص ٥٤) : قفاف.

(٤) أي اعوجّ.

(٥) النهاية : ١ / ٤١٣.

(٦) الشرح في النهاية.

(٧) ديوان العجاج : ٢ / ٢٢٢ ، وهو من شواهد سيبويه (الكتاب : ١ / ١٨٠) لنصبه «طيّ» على المصدر. وزلفا زلفا : درجة فدرجة. والزلف : الدرج ، مفردها زلفة.

(٨) ٣٠ / لقمان : ٣١.

٥٠٣

ذلك. وقيل : أصله المطابقة والموافقة ، كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه فيه على استقامة ، ويقال (١) على أوجه :

أحدها : لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة ، ومنه قيل في الباري تعالى : الله حقّ ، نحو قولنا : الموت / حقّ ، والبعث حقّ ، وفي معناه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) إلى قوله : (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ)(٢).

وللاعتقاد (٣) في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه ، كقولنا : اعتقاد فلان في الموت والبعث والنار حقّ. قال تعالى : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ)(٤). وللفعل والقول الواقعين بحسب ما يجب على قدر ما يجب في الوقت الذي يجب.

قوله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ)(٥) ؛ يجوز أن يراد بالحقّ الباري تعالى ، وأن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة.

وأحققت الشيء ، إمّا بمعنى أثبتّه ، وإمّا بمعنى حكمت بكونه حقّا ، ومنه قوله تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَ)(٦) فهذا يحتمل الأمرين ، وإحقاقه تعالى على ضربين ؛ أحدهما بإظهار الأدلّة والآيات وفي معناه : (وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً)(٧). والثاني بإكمال الشريعة وبثّها ، وفي معناه : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٨).

قوله : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ)(٩) فالحاقّة : اسم فاعل من حقّ يحقّ حقّا : أي ثبت ، وعبّر بها عن القيامة لثبوتها واستقرارها بالأدلّة الواضحة ، وقيل : لأنّها يحقّ فيها الجزاء. وقال

__________________

(١) يعني الحق.

(٢) ٥ / يونس : ١٠.

(٣) هنا ثانيا ؛ فقد ذكر المؤلف «أحدها» فوق ونسي الأرقام الأخرى.

(٤) ٢١٢ / البقرة : ٢.

(٥) ٧١ / المؤمنون : ٢٣.

(٦) ٨ / الأنفال : ٨.

(٧) ٩١ / النساء : ٤.

(٨) ٨ / الصف : ٦١.

(٩) الآيتين ١ و ٢ / الحاقة : ٦٩ ، إشارة إلى القيامة.

٥٠٤

الفراء : لأنّ فيها حقائق الأمور. وقال غيره : لأنها تحقّ الكفار الذين حاقوا الأنبياء إنكارا ؛ يقال : حاققته فحققته : أي خاصمته فخصمته. وقيل : لأنها تحقّ كلّ إنسان بعمله من خير أو شرّ.

قوله : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ)(١) قرىء عليّ بتشديد الياء (٢) بمعنى : واجب عليّ ، وكذلك : (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ)(٣) أي وجب. ومن قرأ «عليّ أن» فبمعنى أنا حقيق بالصّدق ، وفي ذلك كلام كثير أتقنته. والحقّ يجيء : الإلزام ، كقوله : (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ)(٤) أي لزمهم حقّ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة ، وقال : وإذا اشترى رجل من رجل دارا ، فادّعاها آخر وأقام البيّنة استحقّها على المشتري ، قال : والاستحقاق والاستيجاب قريبان من السواء.

قوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٥) أي واجب بطريق الوعد على سبيل التفضّل. وقد يراد بالحقّ أشياء فسّر بها بحسب السياق كما نبّهنا عليه أول هذا الموضوع ، من ذلك (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ)(٦) قيل : هو مراد محمّد عليه الصلاة والسّلام ، وذلك ما عزوه من نعته. وقوله : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ)(٧) قيل : الحقّ القرآن ، والباطل الكفر. وقوله : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ)(٨) ؛ بالأمر المقتضى. ويوضّح ذلك : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ)(٩).

وقوله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ)(١٠) وقال الهرويّ : الحقّ ، الموت ؛ فعلى هذا يصير تقديره : وجاءت سكرة الموت بالموت. قلت : وفي قراءة أبي بكر : (وَجاءَتْ

__________________

(١) ١٠٥ / الأعراف : ٧.

(٢) هي قراءة نافع (معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٨٦ ، مع الحاشية رقم ٤).

(٣) ١٦ / الإسراء : ١٧.

(٤) ١٠٧ / المائدة : ٥. الأوليان : الأقربان إلى الميت الوارثان له.

(٥) ٤٧ / الروم : ٣٠.

(٦) ٧١ / آل عمران : ٣.

(٧) ١٨ / الأنبياء : ٢١.

(٨) ٨ / الحجر : ١٥.

(٩) ٨ / الأنعام : ٦.

(١٠) ١٩ / ق : ٥٠.

٥٠٥

سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ)(١). وقال الشافعيّ في قوله عليه الصلاة والسّلام : «ما حقّ امرىء مسلم أن يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» (٢) أي ما الأحزم (٣). وفي الحديث : «جاء رجلان يحتقّان» (٤) أي يختصمان. وفي حديث عليّ : «إذا بلغ النساء نصّ الحقاق فالعصبة أولى» (٥) قيل : ما دامت الجارية صغيرة فأمّها أولى بها ، فإذا بلغت فالعصبة أولى بتحصينها وتزويجها. ونصّ الشيء : غايته ، أي غاية البلوغ. والحقاق : المخاصمة ؛ وهو أن يقول كلّ [واحد من الخصمين](٦) : أنا أحقّ به منك. وروي «نصّ الحقائق» جمع حقيقة ، والحقيقة فعيلة ، من الحقّ بمعنى فاعل ، والتاء فيها قياس ، قال الليث : الحقيقة ما يصير إليه. حقّ الأمر وحقّقه. «هو حامي الحقيقة» (٧) إذا حمى ما يجب عليه أن يحميه ، قال : [من الطويل]

أنا الفارس الحامي حقيقة والدي

وآلي فما تحمي حقيقة آلكا

وقال الراغب : الحقيقة تستعمل تارة في الشيء الذي له ثبوت ووجود ، كقوله عليه الصلاة والسّلام لحارثة : «يا حارثة إنّ لكلّ حقّ حقيقة ، فما حقيقة إيمانك» (٨) أي ما الذي ينشأ عن كون ما تدّعيه حقا؟ قال : وتارة تستعمل في الإعتقاد ، كما تقدّم ، وتارة في العمل وفي القول ؛ فيقال : فلان لفعله حقيقة ، إذا لم يكن مرائيا فيه ، ولقوله حقيقة ، إذا لم يكن موجبا ومتزيّدا. وتستعمل في ضدّه المتجوّز والمتوسّع والمتفسّح. وقيل : الدنيا باطل والأخرة حقيقة ، تنبيها على زوال هذه وبقاء تلك. وأمّا في عرف الفقهاء والمتكلّمين فهي اللفظ المستعمل فيما يوضع له في أصل اللغة.

والحقّ من الإبل : ما استحقّ أن يحمل عليه ، والأنثى حقّة والجمع حقاق (٩)

__________________

(١) هي قراءة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأبيّ (مختصر الشواذ : ١٤٤).

(٢) النهاية : ١ / ٤١٤.

(٣) في الأصل : ما الحزم ، ولعل التفضيل أصوب.

(٤) في الأصل : يستحقان ، والتصويب من النهاية : ١ / ٤١٤.

(٥) النهاية : ١ / ٤١٤.

(٦) ساقط من الأصل ، والإضافة من النهاية : ١ / ٤١٤.

(٧) النهاية : ١ / ٤١٥.

(٨) المفردات : ١٢٦. وأخرجه ابن عساكر عن أنس ، كما أخرجه عنه العسكري في الأمثال وابن النجار وغيرهم كثير. (حياة الصحابة للكاندهولي : ٣ / ٢٥ ـ ٢٦.

(٩) إلى هنا ينتهي كلام الراغب ، ص ١٢٦.

٥٠٦

وحقائق ، نقله الهرويّ وهو غريب. وقيل : سمي حقا لأنّ أمّه استحقّت الحمل من العام المقبل. والحقّ ما دخل في أربعة. وأتت الناقة على حقّها أي على الوقت الذي (١) فيه من العام الماضي ، وفي حديث عمرو أنه قال لمعاوية : «أتيتك من العراق ، وإنّ أمرك كحقّ الكهول» (٢) أي كبيت العنكبوت ، والحقّ جمع حقّة ؛ يعني أمرك واه بعد.

فصل الحاء والكاف

ح ك م :

قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ)(٣) الحكيم ذو الحكمة والحكم ، وأصل المادة على منع لا بعلاج ، ومنه حكمة الدابّة تجعل عند فكّها لتمنعها من الجماح. يقال : حكمت الدابة. منعتها بالحكمة (٤) ، وأحكمتها : جعلت لها حكمة ، وكذا حكمت السفينة وأحكمتها. وأنشد لجرير (٥) : [من الكامل]

أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم

إني أخاف عليكم أن أغضبا

[وفي الحديث] : «في رأس كلّ عبد حكمة فإن شاء أن يقدعه بها قدعه» (٦).

والحكمة من ذلك لأنّها تمنع من الجهل ؛ قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(٧). وأحكمته : أي منعته من [الفساد](٨). وعليه قوله تعالى : (كِتابٌ

__________________

(١) حقّه أن يقول هنا : الذي ضربت فيه.

(٢) انظر النهاية (١ / ٤١٥) لاختلاف الرواية.

(٣) ٨٣ / الأنعام : ٦ ، وغيرها.

(٤) وفي الأصل : الحكمة.

(٥) من الديوان : ٥٠.

(٦) النهاية : ١ / ٤٢٠ ، وفيه رواية أخرى.

(٧) ٢٦٩ / البقرة : ٢.

(٨) بياض في الأصل ، والإضافة من اللسان.

٥٠٧

أُحْكِمَتْ آياتُهُ)(١) وقال الأزهري : أحكمت آياته بالأمر (٢) والنّهي والحلال والحرام ، ثم فصلت بالوعد والوعيد ، والحاكم من ذلك لأنّه يمنع الظالم من ظلمه. قوله تعالى : (سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ)(٣) و (آياتٌ مُحْكَماتٌ)(٤) يعني غير منسوخة ؛ منعت من النسخ لمصلحة علمها تعالى للمكلّفين. وقيل : المحكمات : ما لا تعرض فيه شبهة (٥) من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى ، قاله الراغب ، وفيه نظر لأن هذا الوصف بعينه موجود في المتشابه الذي هو مقابل المحكم ؛ فالقرآن إمّا محكم وإما متشابه ، كما أخبر الربّ تبارك وتعالى ، وكلا القسمين لا تعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى ، وقيل غير ذلك.

قوله : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ)(٦). فالحكمة : إصابة الحقّ بالعلم والعقل. والحكمة من الله : معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام ، ومن الناس : معرفة الموجودات (٧) وفعل الخيرات ، وهذا هو الذي / وصف به لقمان في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ)(٨) ونبّه على جملتها. بما وصف بها ؛ فإذا قيل في الله : حكيم فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به [غيره](٩). ومن هذا الوجه قال : (أَ لَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ)(١٠). فإذا وصف به القرآن فلتضمّنه (١١) معنى الحكمة نحو : (الر ، تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ)(١٢). وقيل : الحكيم : المحكم نحو : (أُحْكِمَتْ آياتُهُ). قال الراغب : وكلاهما صحيح لأنّه محكم ومفيد للحكم ، ففيه المعنيان جميعا.

__________________

(١) ١ / هود : ١١.

(٢) في الأصل : الأمر.

(٣) ٢٠ / محمد : ٤٧.

(٤) ٧ / آل عمران : ٣.

(٥) في الأصل : بشبهة ، والتصويب من المفردات ص ١٢٨.

(٦) ٢٦٩ / البقرة : ٢.

(٧) وفي ح : الموجدات.

(٨) ١٢ / لقمان : ٣١.

(٩) ساقط من الأصل ، والإضافة من المفردات : ١٢٧.

(١٠) ٨ / التين : ٩٥.

(١١) وفي الأصل : فلتضمينه ، ولعلها كما ذكرنا.

(١٢) ١ / يونس : ١٠.

٥٠٨

والحكم مصدر حكم يحكم ، ومعناه القضاء بالشيء أن يكون كذا أو (١) ليس كذا سواء ألزمت ذلك غيره أو (٢) لم تلزمه. قال النابغة (٣) : [من البسيط]

واحكم لحكم فتاة الحيّ إذ نظرت

إلى حمام سراع وارد الثّمد

وقيل معناه كن حكيما (٤). ويقال : حاكم وحكام لمن يحكم بين الناس ، والحكم : المتخصّص بذلك. وقوله تعالى : (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها)(٥) ولم يقل : حاكما بينهما ، إذ من شرط الحكمين أن يتولّيا الحكم لهم وعليهم حسبما يستصوبانه من غير رجوع إليهم في ذلك. والحكم يقال للواحد والجمع ، والفرق بين الحكم والحكمة أنّ الحكم أعمّ من الحكمة ، فكلّ حكمة حكم ، وليس كلّ حكم حكمة ؛ فإنّ الحكم أن يقضى بشيء على شيء ، فيقول : هو كذا ، وليس بكذا. قال عليه الصلاة والسّلام : «إنّ من الشعر لحكمة» (٦) أي قضية صادقة ، وذلك نحو قول لبيد (٧) : [من الطويل]

ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل

وكلّ نعيم لا محالة زائل

وقال عليه الصلاة والسّلام : «الصمت حكم وقليل فاعله» (٨) فهذا بمعنى الحكمة.

وقوله : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ)(٩) قيل : جعله حكمة ، وذلك إشارة [إلى](١٠) أبعاضها التي تختصّ بأولي العزم من الرّسل ، ويكون سائر

__________________

(١) وفي الأصل : وليس.

(٢) وفي الأصل : أم.

(٣) من معلقته ، الديوان : ١٤. والثمد : الماء يكون في المشاشة لا في أرض رخوة ولا حجر ، وهو القليل.

(٤) أي كن حكيما كحكمة فتاة الحي.

(٥) ٣٥ / النساء : ٤.

(٦) النهاية : ١ / ٤١٩ ، وفي الأصل «لحكما» وهي رواية أخرى ، فيكون المعنى : كلاما نافعا.

(٧) الديوان : ١ / ٢٥٦.

(٨) النهاية : ١ / ٤١٩.

(٩) ٣٤ / الأحزاب : ٣٣.

(١٠) ١ / المائدة : ٥.

٥٠٩

الأنبياء تبعا لهم في ذلك. وقوله : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ)(١) يجوز أن يكون من الحكم أو من الحكمة المختّصة بالأنبياء. وقوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّ الجنة للمحكّمين» (٢) قيل : هم المختصّون بالحكمة ، وقيل : هم قوم خيّروا بين ن يقتلوا مسلمين وبين أن يرتدّوا ، فاختاروا أن يقتلوا. وفي حديث آخر : «إنّ في الجنة كذا وكذا قصرا لا يسكنه إلا نبيّ أو صدّيق أو محكّم» (٣) يروى بكسر الكاف ، وهو المنصف من نفسه ، وبفتحها ، وهو من خيّر أن يقتل أو يرتدّ ، فاختار القتل كما تقدم.

وقوله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(٤) ، (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً)(٥). بمعنى حكمة ، نحو : نعم ونعمة. وقوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(٦) فالحكمة : النبوّة ، والموعظة : القرآن. وفي حديث النّخعيّ : «حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك» (٧) قال أبو عبيد : أي امنعه من الفساد كما تمنع ولدك. وقال أبو سعيد الضرير : حكّمه في ماله إذا صلح ، قال : ولا يكون حكم ، أحكم لأنّهما ضدّان ؛ قال الأزهريّ : القول ما قال أبو عبيد ، والعرب تقول : حكمت وأحكمت (٨) ، بمعنى رددت ومنعت بمعنى ، فليس أحكم وحكم ضدّين (٩).

__________________

(١) ٤٤ / المائدة : ٥.

(٢) النهاية : ١ / ٤١٩. ويروى بكسر الكاف أي هم المنصفون من أنفسهم ، والأول أوجه.

(٣) النهاية : ١ / ٤٢٠. وفي الأصل : قصر.

(٤) ١٢ / مريم : ١٩.

(٥) ٢١ / الشعراء : ٢٦.

(٦) ١٢٥ / النحل : ١٦.

(٧) النهاية : ١ / ٤٢٠.

(٨) ذكر الجواليقي حكم وأحكم في الدابة وحسب (ما جاء على فعلت وأفعلت : ٣٥).

(٩) بمعنى أن الأزهري لم يوافق على كلام الضرير ، وانظر تفصيله في اللسان ـ مادة حكم.

٥١٠

فصل الحاء واللام

ح ل ف :

الحلف (١) : القسم ، يقال : حلف على كذا يحلف حلفا (٢). أي أقسم عليه. قال تعالى : (وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ)(٣) وقال تعالى : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)(٤). وقيل : الحلف في الأصل : العهد بين (٥) القوم ، والمحالفة : المعاهدة. وقيل : الملازمة التي تكون بمعاهدة (٦) ؛ ومن ذلك : فلان حلف كرم ، وحليف كرم لما تصوّر فيه من الملازمة. والأحلاف : جمع حلف. والحلف أصله اليمين الذي [يأخذ بعضهم من بعض بها العهد](٧) ثم عبّر به عن كلّ يمين. وقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ)(٨) أي مكثار للحلف ، ومنه عند بعضهم : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ)(٩). والمحالفة أن يحلف كلّ منهما للآخر ، ثم جعلت عبارة عن مجرد الملازمة ، فقيل : فلان حليف فلان وحلفه ، وقال عليه الصلاة والسّلام : «لا حلف في الإسلام» (١٠).

وهو حليف اللسان : أي حديده ، تصوّر أنّه حالف الكلام والفصاحة [فلا يتباطآن عنه](١١). وشيء محلف : أي يحمل على الحلف لإعجابه في حسنه ، وهو الغالب ، أو في قبحه. وكميت محلف : إذا شكّ فيه الرأي ، فيحلف بعضهم أنه كميت ، وبعضهم أنه

__________________

(١) والحلف : لغتان (اللسان ـ حلف).

(٢) وحلفا وحلفا ومحلوفا (اللسان).

(٣) ١٤ / المجادلة : ٥٨.

(٤) ٥٦ / التوبة : ٩.

(٥) وفي الأصل : من.

(٦) وفي الأصل : معاهدة.

(٧) بياض في النسختين ، والإضافة من المفردات : ١٢٩.

(٨) ١٠ / القلم : ٦٨.

(٩) ٢٢٤ / البقرة : ٢.

(١٠) النهاية : ١ / ٤٢٤.

(١١) فراغ في الأصل ، والإضافة من المفردات : ١٢٩ ، وذكر الفعل مفردا.

٥١١

أشقر. وفي الحديث : «أنه عليه الصلاة والسّلام حالف بين قريش والأنصار» (١) إن قيل : كيف يجمع بينه وبين قوله : «لا حلف في الإسلام» قيل : معناه هنا أنّه آخى بينهم ، وليس المراد ما كان متعارفا من حلف الجاهلية. قال ابن الأعرابيّ : الأحلاف من القبائل ستّ : عبد الدار وجمح وسهم ومخزوم وكعب وعديّ ؛ فأخرجت بنو عبد الدار جفنة مملوءة طيبا ، فغمسوا أيديهم فيها ، وحلفوا. وأخرج الآخرون جفنة دم ، وغمسوا أيديهم فيها ، وحلفوا ؛ فسمّوا أولئك المطيّبين (٢) ، وسمّوا هؤلاء لعقة الدّم (٣). وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المطيّبين.

ح ل ق :

قوله : (مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ)(٤). الحلق : إزالة الشّعر من أصله بالموسى ونحوها. قيل : وأصله من : حلقه يحلقه إذا قطع حلقه ، وهو هذا العضو المعروف ، ثمّ عبّر الحلق عن قطع الشّعر وجزّه. ورأس حليق ، ولحية حليق.

وقولهم في الدعاء : عقرى حلقى أي أصابته مصيبة تحلق النساء لها شعورهنّ. وقيل : بمعنى قطع الله حلقه ، وقال الأصمعيّ : يقال للأمر تعجب منه : عقرى حلقى (٥) ، وأنشد : [من الوافر]

ألا قومي أولو عقرى وحلقى

لما لاقى (٦) سلامان بن غنم

__________________

(١) النهاية : ١ / ٤٢٤.

(٢) قبائل المطيبين من قريش : بنو عبد مناف وبنو أسد وبنو زهرة وبنو تيم وبنو الحارث وكانوا يدا واحدة في التناصر (المحبّر : ١٦٦).

(٣) لعقة الدم من قريش : عبد الدار وسهم وجمح ومخزوم وعدي. حيث إنهم نحروا جزورا وغمسوا أيديهم في دمه. ولعق رجل من عدي من ذلك الدم لعقة فلعقوا واحتلفوا فسموا الأحلاف (المحبر : ١٦٦ ـ ١٦٧).

(٤) ٢٧ / الفتح : ٤٨.

(٥) أضاف ابن منظور واحدة فقال : «خمشى وعقرى وحلقى» وهو كلام الأصمعي ، يقول : كأنه من العقر والحلق والخمش (مادة حلق). ويروى : عقرا حلقا (النهاية : ١ / ٤٢٨).

(٦) البيت من شواهد اللسان (مادة حلق). وفيه : لاقت. ورواه ابن السكيت :

ألا قومي إلى عقرى وحلقى

٥١٢

معناه : قومي أولو نساء قد عقرن وجوههنّ بخدشها ، وحلقن شعورهنّ متسلّيات على أزواجهنّ (١). وقال الليث : مشؤومة مؤذية. وقال عليه الصلاة والسّلام لعقبة : «عقرى حلقى هذا» (٢) من باب (٣) تربت يداه ، وقاتله الله ما أشعره! لا يقصد به الدعاء ، وإنما جرى على ألسنتهم من غير قصد لمدلوله ، وهذا يشبه لغو اليمين في قولهم : لا والله ، وبلى والله.

والمحالق : أكسية خشنة سميت بذلك لحلقها الشّعر بخشونتها (٤) ، واحدها محلق. والحلقة ـ بسكون اللام ـ تشبيها بالحلق في الهيئة. وجوّز بعضهم فتح لامها ، وأنكره الجمهور حتى قال بعضهم : لا أعرف الحلقة إلا الذين يحلقون (٥) ، يعني أنها جمع لحالق ، نحو كافر وكفرة. واعتبر فيها معنى الدوران ، فقيل : حلقة القوم. ومنه قيل : حلّق الطائر أي ارتفع ودار / في طيرانه ، وكذا حلّق ببصره أي رفعه ، وفي الحديث : «كان يصلي العصر والشمس بيضاء محلّقة» (٦) وقال شمر : لا أعرف التحليق إلا الارتفاع (٧).

والحلقة : السّلاح ، وقيل : الدروع فقط لأنّ فيها حلقات كثيرة ، ثم غلّب على مطلق السلاح. والحالق : الجبل المرتفع. وفي الحديث : «فهممت أن أطرح نفسي من حالق» (٨).

والحلقان ، والمحلقن : البسر يبلغ الإرطاب ثلثيه ، وله في الحديث ذكر ، وفيه (٩).

__________________

(١) الذين قتلوا. وقول الليث يخص هذه المرأة.

(٢) النهاية : ١ / ٤٢٨.

(٣) من باب الدعاء له أو عليه.

(٤) وفي الأصل : كخشونتها.

(٥) يعني : يحلقون الشعر.

(٦) النهاية : ١ / ٤٢٦.

(٧) وقال أيضا : «تحليق الشمس من أول النهار ارتفاعها ، ومن آخره انحدارها» انظر : النهاية : ١ / ٤٢٦ ، واللسان ـ مادة حلق.

(٨) النهاية : ١ / ٤٢٦ ، أي من جبل عال.

(٩) لعل «فيه» غير لازمة. ومنه حديث أبي هريرة : «لما نزل تحريم الخمر كنا نعمد إلى الحلقانة فنقطع ما ذنّب منها» (النهاية : ١ / ٤٢٨).

٥١٣

ونهى عن الحلق قبل الصلاة (١) ؛ والحلق : جمع حلقة ، نحو قصعة وقصع ، وبدرة وبدر ، وأراد بالصلاة صلاة الجمعة.

ح ل ل :

قوله تعالى : (حَلالاً طَيِّباً)(٢) الحلال : المباح ، وأصله من حلّ العقدة أحلّها أي أزلت ما كانت ممنوعة به ؛ فالحلال ما ارتفع عن تعاطيه الحظر ، وعليه قوله تعالى : (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي)(٣) ، ولذلك قوبل بالحرام لأنّ الحرام : الممنوع منه. ويعبّر عن النزول بالحلول ؛ فيقال : حلّ بمكان كذا ، وأصله أنّ النازل يحلّ إحلالا (٤) ، ثم جعل كلّ نزول حلولا وإن لم يكن فيه حلّ توسّعا. قال تعالى : (أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ)(٥). وأحلّه غيره : أنزله ؛ قال تعالى : (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ)(٦). والحلّة : النازلون (٧) والمحلّة : المنزل.

ورجل حلال وحلّ ومحلّ : إذا خرج من إحرامه ، أو من الحرم ، نحو : حرام وحرم ومحرم ، في ضدّه.

وقوله : (وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ)(٨) أي حلال ، لأنها أحلّت له ساعة من نهار كما ثبت في الصّحيح (٩).

__________________

(١) الحديث : «أنه نهى عن الحلق قبل الصلاة ـ وفي رواية ـ عن التحلّق» (النهاية : ١ / ٤٢٦). الحلقة : الجماعة من الناس مستديرون كحلقة الباب وغيره.

(٢) ٨٨ / المائدة : ٥ ، وغيرها.

(٣) ٢٧ / طه : ٢٠.

(٤) وفي الأصل : إحلال.

(٥) ٣١ / الرعد : ١٣.

(٦) ٢٨ / إبراهيم : ١٤. ،

(٧) ويضيف ابن منظور : الحلة. مجلس القوم ... مجتمع القوم (مادة حلل).

(٨) ٢ / البلد : ٩٠.

(٩) كما في الحديث : «وإنما أحلّت لي ساعة من نهار» (النهاية : ١ / ٤٢٩).

٥١٤

وقوله : (تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ)(١) أي بيّن لكم ما تنحلّ به عقد أيمانكم من الكفّارة. وفي الحديث : «لا يموت لأحدكم ثلاثة من الأولاد فتمسّه النار إلا تحلّة القسم» (٢) أي ما يحلّ به القسم ؛ يريد قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها)(٣) ، هذا تفسير أبي عبيد (٤) ، واعترض عليه بأنّ قوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ليس قسما ، وأجيب بأنّ القسم قوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ)(٥) يعني : وهذا متصل به ، وقيل : بل القسم مقدرا أي : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) ونظروه بقوله : (وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ)(٦). وفي التنظير نظر ليس هذا موضع تحقيقه. وفسره الراغب (٧) وغيره بأنّ معناه أي : قدر ما يقول الإنسان : إن شاء الله ، وهو حسن ، وحينئذ يكون على حذف مضاف أي لم تمسّه النار إلا مقدار (٨) وقت تحلّه. وفي حديث زمزم : «هي لشاربها حلّ وبلّ» (٩) ؛ فالحلّ : الحلال ، والبلّ : المباح بلغة حّمير ، وقيل : إتباع كحسّ بسّ.

والحليل والحليلة : الزّوج والزوجة ، إمّا بحلّ كلّ منهما إزاره لصاحبه ، وإمّا بكونه حلالا له غير حرام عليه ، وإمّا لنزوله معه. قال تعالى : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ)(١٠).

والإحليل : مخرج البول لكونه محلول العقدة ، ثم عبر به عن مجموع الذكر.

ويعبر بالحلول عن الوجوب ، قال تعالى : (فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى)(١١) أي من وجب فقد وجب ، لأنّ الوجوب : السقوط ؛ ففيه نزول ،

__________________

(١) ٢ / التحريم : ٦٦.

(٢) النهاية : ١ / ٤٢٩.

(٣) ٧١ / مريم : ١٩.

(٤) وابن الأثير في تفسير الحديث السابق.

(٥) ٦٨ / مريم : ١٩.

(٦) ٧٢ / النساء : ٤.

(٧) المفردات : ١٢٨.

(٨) كذا في س ، وفي ح : مقدر.

(٩) النهاية : ١ / ٤٢٩ ، أي هل لك طلق. وهو حديث عبد المطلب.

(١٠) ٢٣ / النساء : ٤.

(١١) ٨١ / طه : ٢٠.

٥١٥

وفيه : «أفضل الأعمال الحالّ المرتحل» (١) قيل : هو أنه يعني إذا فرغ من ختم القرآن شرع في ابتدائه (٢) ، وفي الحديث كلام أتقنّاه في «العقد النّضيد من شرح القصيد».

والحلة : الرّداء والإزار ، لأنهما يحلّان ويشدان. قال أبو عبيد : لا تكون الحلة إلا بهما ؛ وفي الحديث : «رأى رجلا وعليه حلة وقد ائتزر بأحدهما وارتدى الأخرى» (٣). وفي الحديث : «خير الكفن الحلة» قيل : هي من برود اليمن (٤).

ح ل م :

قوله تعالى : (لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)(٥) الحلم أصله ضبط النفس عن هيجان الغضب ، وإذا ورد في صفات الله تعالى فمعناه الذي لا يستفزّه عصيان العصاة ، ولا يستخفّه الغضب عليهم. وقوله : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا)(٦) قيل : عقولهم ؛ والحلم : العقل ، وجمعه أحلام. قال بعضهم : ليس الحلم العقل ، وإنّما فسّروه به لكونه من مسبّبات (٧) العقل ، (وفيه نظر ، إذ قد سمع إطلاقه مرادا به العقل) (٨) ، والأصل في الإطلاق الحقيقة ، ومن ذلك قوله (٩) : [من البسيط]

[لا عيب بالقوم من طول ولا عظم]

جسم الجمال (١٠) وأحلام العصافير

أي عقولها. يقال : حلم يحلم حلما ، وحلّمه العقل. وتحلّم : إذا تكلّف ذلك وتحلّمت المرأة : ولدت أولادا حلماء.

__________________

(١) النهاية : ١ / ٤٣٠ ، وانظر تفصيله.

(٢) يعني يفتتح التلاوة من أوله ، من جديد.

(٣) النهاية : ١ / ٤٣٣.

(٤) النهاية : ١ / ٤٣٢.

(٥) ١١٤ / التوبة : ٩.

(٦) ٣٢ / الطور : ٥٢.

(٧) في الأصل : سيات ، ولعلها كما ذكرنا.

(٨) ساقط من ح.

(٩) من قصيدة لحسان بن ثابت : ٢ / ٢١٩ ، والإضافة منه. وهو من شواهد سيبويه (٢ / ٧٤).

(١٠) وفي المصدرين السابقين : البغال.

٥١٦

قوله : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ)(١) أي زمن البلوغ. وسمّي الحلم لكون صاحبه جديرا (٢) بالحلم. وقوله : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)(٣) أي وجدت منه قوة الحلم.

وحلم في نومه يحلم ، بضمتين ، وحلما بضمة وسكون ، وحلما بضمة وفتحة ، حكاه الراغب (٤). وتحلّم (٥) واحتلم ، وحلمت به في نومي : أي رأيته في المنام.

والحلمة : القراد الكبير ، سميت بذلك لتصوّرها بصورة ذي الحلم لكثرة [هدوّها] «٥*» وأمّا حلمة الثّدي فتشبيها بالحلمة من [القراد] في الهيئة [بدلالة](٦) تسميتها بالقراد في قول الشاعر : [من الطويل]

[كأنّ قرادى زوره طبعتهما

بطين من الحولان كتّاب أعجمي](٧)

وحلم الجلد : وقعت (٨) فيه الحلمة. وحلم البعير : نزعت (٩) عنه الحلمة. ثم يقال : حلمت فلانا : إذا داريته ليسكن وتتمكّن منه عليك ، من ذلك البقر إذا سكّنته بإزالة القراد عنه.

قوله : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)(١٠) من باب قولهم في المخاصمة : أنت الحليم الكامل ، يعنون السفيه ؛ فهي من التهكّم كقوله : (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)(١١). وفي الحديث : «قضى في الأرنب بحلّام» (١٢) الحلّام : الجدي ، وقيل : الحمل. ويقال

__________________

(١) ٥٩ / النور : ٢٤.

(٢) وفي الأصل : لكونه جديرا لصاحبه بالحلم ، فتكون الجملة مضطربة. ولعلها كما ذكرنا.

(٣) ١٠١ / الصافات : ٣٧.

(٤) مع تغيير طفيف في الحركات ، المفردات : ١٢٩.

(٥) وفي الأصل : وحلم ، ولعلها كما ذكرنا.

(٥) (٥*) الإضافة من المفردات ، وفي الأصل : الكثيرة ، ولا يستقيم بها.

(٦) بياض في الأصل ، والإضافة من المفردات : ١٣٠.

(٧) بياض موضع البيت ، ونقلناه من المفردات : ١٣٠.

(٨) وفي الأصل : وقع.

(٩) وفي الأصل : نزع.

(١٠) ٨٧ / هود : ١١.

(١١) ٤٩ / الدخان : ٤٤.

(١٢) النهاية : ١ / ٤٣٤ ، والحديث لعمر رضي الله عنه.

٥١٧

فيه : حلّان أيضا بالميم والنون. وفيه «من كلّ حالم دينار» (١) : أي المحتلم. والمراد من بلغ في سنّ الاحتلام أو احتلم.

ح ل ي :

قوله تعالى : (حِلْيَةً تَلْبَسُونَها)(٢) الحلية : الزينة ، وعيّن بذلك اللؤلؤ والمرجان ، فإنّهما يتزيّن بهما. وجمعها حليّ بالضم والكسر ؛ فالكسر قياس ، والضمّ شاذّ. ومثله : لحية ولحيّ. قوله في آية أخرى : (يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ)(٣) وقوله : (يُحَلَّوْنَ فِيها)(٤) أي يزيّنون بالحليّ. وقوله : (مِنْ حُلِيِّهِمْ)(٥) ؛ الحليّ جمع الحلي ، وهو ما يزيّن به من الذهب. والأصل حلوي ، بزنة فعول ، وأدغمت الواو في الياء بعد قلبها ياء ، ويجوز «حلي» بكسر الحاء إتباعا ، وقد قرىء بالوجهين.

فصل الحاء والميم

ح م أ :

قوله تعالى : (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)(٦). الحمأ والحمأة : الطين الأسود المنتن. وقوله : (فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ)(٧) أي ذات حمأة. يقال : حمأت البئر (٨) ، وأحمأتها : ألقيت فيها الحمأة. وقرىء «حامية» بالياء (٩) من حميت حمى بمعنى الحرارة ، وليست من هذه

__________________

(١) النهاية : ١ / ٤٣٤ ، والحديث لمعاذ رضي الله عنه. ويعني الجزية.

(٢) ١٤ / النحل : ١٦ ، وغيرها.

(٣) ٢٢ / الرحمن : ٥٥.

(٤) ٣١ / الكهف : ١٨.

(٥) ١٤٨ / الأعراف : ٧.

(٦) ٢٦ / الحجر : ١٥.

(٧) ٨٦ / الكهف : ١٨.

(٨) أي : أخرجت حمأتها ، ولم يذكره.

(٩) وهي قراءة ابن الزبير وابن مسعود (معاني القرآن للفراء : ٢ / ١٥٨ ، اللسان ـ مادة حمأ). ومن قرأها بالياء أراد : حارّة وحامية (وانظر تفسير غريب القرآن : ٢٧٠).

٥١٨

المادة. ولا منافاة بين القراءتين ؛ فإنّها جاز أن تكون جامعة بين الوصفين ؛ حارة ذات طين أسود. ويحكى أنّ معاوية قرأ «حامية» فقال ابن عباس : «حمئة» ، فقال معاوية لابن عمر : كيف / تقرؤها؟ قال : كقراءة أمير المؤمنين. فبعث معاوية إلى كعب فقال : أجدها تغرب في ماء وطين. وكان هناك رجل حاضر فأنشد قول تبّع (١) : [من الطويل]

فرأى مغيب الشمس عند مآبها

في عين ذي خلب وثأط حرمد

ح م د :

الحمد : الثّناء بجميل الأوصاف ، ولا يكون إلا باللسان ، سواء على نعمة مسداة ، أو (٢) على صفة في المحمود قاصرة عليه بخلاف الشكر ؛ فإنّه لا يكون إلا على نعمة مسداة ، ويكون باللسان والجوارح والجنان ، وأنشدوا : [من الطويل]

أفادتكم النّعماء مني ثلاثة

يدي ولساني والضمير المحجّبا

فبينهما عموم وخصوص من وجه. وقيل : الحمد : الرّضى. حمدته : أي رضيته ، قاله ابن عرفة. ومنه قوله : «إني أحمد إليكم (٣) غسل الأحليل» قال ابن شميل : معناه أرضى لكم ، فأقام إلى مقام اللام. وقيل : الحمد هو الشكر لقولهم : الحمد لله شكرا. وفي الحديث (٤) : «الحمد رأس الشكر ، ما شكر الله عبد لا يحمده» ، قال الهرويّ : قال المشيخة من الصّدر الأول : الشكر ثلاث منازل ؛ شكر القلب ، وهو الاعتقاد بأنّ الله تعالى وليّ النّعم على الحقيقة. قال الله تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ)(٥). وشكر اللسان ، وهو إظهار النعمة باللسان مع الذكر الدائم لله عزوجل ، قال الله تعالى : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)(٦). وشكر العمل ، وهو آداب النفس بالطاعة ، قال تعالى :

__________________

(١) من شواهد اللسان ـ مادة أدب ، وتفسير غريب القرآن : ٢٧٠. وتبع في هذا البيت يذكر بذي القرنين. كما أن البيت ينسب إلى أمية بن أبي الصلت (انظر الديوان : ٢٦ ، اللسان ـ مادة ثأط).

(٢) وفي الأصل : أم.

(٣) حديث ابن عباس (النهاية : ١ / ٤٣٧). وفي الأصل : لكم.

(٤) النهاية : ١ / ٤٣٧.

(٥) ٥٣ / النحل : ١٦.

(٦) ١١ / الضحى : ٩٣.

٥١٩

(اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً)(١).

و (الْحَمْدُ لِلَّهِ)(٢) وهو الحمد أي رأس الشكر ، كما أن كلمة الإخلاص وهي (٣) : «لا إله إلّا الله» رأس الإيمان. وقيل : الحمد : الثناء بالفضل ، وهو أخصّ من المدح وأعمّ من الشكر ، يقال فيما يكون من الإنسان باختياره ، وممّا يكون منه وفيه بالتسخير ؛ فقد مدح (٤) بطول القامة ، كما مدح ببذل المال. والحمد يكون في الثاني دون الأول ، والشكر لا يقال إلا في مقابلة نعمة ؛ فكلّ شكر حمد ، وليس كلّ حمد شكرا. وكلّ حمد مدح ، وليس كلّ مدح حمدا.

قوله : (إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)(٥) يجوز أن يكون بمعنى فاعل ، وأن يكون بمعنى مفعول ، كما أنه يكون شاكرا ومشكورا ، وذلك باعتبار رضاه عن خلقه. ومحمد اسم لنبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكثرة خصاله المحمودة ، قال (٦) : [من الطويل]

إلى [الماجد] القرم الجواد المحمّد

وأحمد : أفعل تفضيل ، وهو اسم له أيضا ، وقد سمي غيره بمحمد ، ولكنّهم أشخاص قليلة. لمّا سمع بعض الجاهلية في أسفارهم إلى بلاد الروم أنّه خرج نبيّ اسمه محمّد سمّى جماعة منهم بنيهم بذلك (٧). وأما أحمد فلم ينقل أنه تسمّى به أحد غيره. ولذلك قال عيسى عليه‌السلام : «اسمه أحمد» (٨) فبشّر بالاسم الخاصّ. وقيل : إنّما خصّ لفظ أحمد دون محمّد تنبيها أنه كما وجد أحمد يوجد وهو محمود في أقواله وأفعاله ، وقيل :

__________________

(١) ١٣ / سبأ : ٣٤.

(٢) ١ / الفاتحة : ١.

(٣) وفي الأصل : وهو.

(٤) الإنسان : نائب الفاعل.

(٥) ٧٣ / هود : ١١.

(٦) عجز للأعشى في مدح النعمان بن المنذر ، والإضافة من الديوان. وفيه : الماجد الفرع. وهو من شواهد اللسان ـ مادة حمد. وصدره (الديوان : ١٨٩) :

إليك أبيت اللعن كان كلالها

والمحمّد : الذي كثرت خصاله المحمودة.

(٧) انظر أسماءهم في المحبّر : ١٣٠ ، واللسان ـ مادة حمد ، وعددهم سبعة. ولعله يريد : أنه سيخرج.

(٨) ٦ / الصف : ٦١.

٥٢٠