عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

عَشَرَ)(١) تكلم أبو جهل بكلام (٢) ، فقال له الصحابة : «تقيس الملائكة بالحدّادين» (٣) أي السجّانين لما تقدّم من أنّ السجّان مانع وهو البوّاب.

وفي الحديث : «لا يحلّ لأحد (٤) أن يحدّ على ميّت أكثر من ثلاثة أيّام» أي يمتنع من المآكل والتزيّن ؛ يقال : أحدّت المرأة على زوجها تحدّ إحدادا فهي محدّ. وحدّت تحدّ حدّا فهي حادّ إذا امتنعت من الزينة. والحدّ : نشاط النفس.

وفي الحديث : «خيار أمّتي أحدّاؤها» (٥) ، قيل : جمع حديد من الحدّة. وفي الحديث : «عشر من السّنّة ؛ وذكر الاستحداد» (٦) من الحديد ، وهو حلق العانة بالحديد ، وغلب على ذلك.

ح د ق :

قال تعالى : (حَدائِقَ وَأَعْناباً)(٧)(حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ)(٨) ، هي جمع حديقة ، وهي القطعة من الأرض المستديرة ذات النخل والماء تشبيها بحدقة (٩) الإنسان في الهيئة وجمعها الماء. وقيل : الحديقة ما أحاط بها البناء من البساتين مطلقا ، وتصوّر من الحدقة الإحاطة ، فقيل : أحدق به.

وحدّق فيه النّظر : إذا نظر إليه متأمّلا له ، وتحدّق أبلغ. وجمع الحدقة أحداق وحداق. قال الشاعر ، هو أبو [ذؤيب](١٠) الهذليّ (١١) : [من الكامل]

__________________

(١) ٣٠ / المدثر : ٧٤.

(٢) وفي ح : بجهل ، وهي مقبولة. وكان قد تكلم على خزنة النار وهم تسعة عشر.

(٣) النهاية : ١ / ٣٥٣.

(٤) النهاية : ١ / ٣٥٢. وفيه : لامرأة.

(٥) النهاية : ١ / ٣٥٣.

(٦) النهاية : ١ / ٣٥٣ ، وفيه : «... وعدّ فيها الاستحداد».

(٧) ٣٢ / النبأ : ٧٨.

(٨) ٦٠ / النمل : ٢٧.

(٩) في الأصل : بحديقة.

(١٠) إضافة المحقق.

(١١) من قصيدة عينية طويلة لأبي ذؤيب في رثاء أبنائه الذين ماتوا بالطاعون (ديوان الهذليين : ١ / ٢).

٤٤١

فالعين بعدهم كأنّ حداقها

سملت بشوك فهي عور تدمع

فصل الحاء والذال

ح ذ ر :

قال تعالى : (حَذَرَ الْمَوْتِ)(١) أي خوفه. وأصله التحذّر من الشيء المخيف المهلك. فهو أخصّ من الخوف. يقال : حذره يحذره حذارا وحذرا وحذرا (٢). وقيل : الحذر بالكسر : الاسم. وقرىء (حذار الموت) (٣).

قال تعالى : (يَحْذَرُ الْآخِرَةَ)(٤). وحذّرته كذا : خوّفته منه ونبّهته عليه ؛ قال تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ)(٥) أي يخوّفكم ويذكّركم عقابه وما يوعدكم به. وأتى بلفظ النّفس مبالغة وتنبيها أنّ حقّ مثله أن يحذر. وقال الفراء : أكثر كلام العرب الحذر ، والحذر مسموع أيضا. قلت : لم يقرأه أحد إلا حذر الموت بالفتح لكونه مصدرا ، ولم يقرأه أحد إلّا (خُذُوا حِذْرَكُمْ)(٦) بالكسر لظهور الإسمية دون المصدرية ، أي خذوا ما فيه الحذر من السلاح وغيره. وحذار : اسم فعل كنزال ؛ قال (٧) : [من الطويل]

حذار فقد نبّئت إنّك للّذي

ستجزى بما تسعى فتسعد أو تشقى

وقرىء : (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ)(٨) أي متيقّظون متحرّزون ، وحاذرون أي مبعدون ، حسبما بيّناه في «الدرّ» و «العقد» وغيرهما.

__________________

(١) ١٩ / البقرة : ٢.

(٢) ساقطة من ح.

(٣) هي قراءة اللؤلؤي عن أبيه (مختصر الشواذ : ٣).

(٤) ٩ / الزمر : ٣٩.

(٥) ٢٨ / آل عمران : ٣.

(٦) ٧١ / النساء : ٤.

(٧) البيت مجهول القائل ، وهو من شواهد أوضح المسالك : ١ / ٣٣٤.

(٨) ٥٦ / الشعراء : ٢٦ ، وهي القراءة بالألف والدال المهملة لابن عمار ومحمد بن السميفع. قال ابن خالويه : الجاذر السمين القوي الشديد! والمعنى فوق الصحيح.

٤٤٢

فصل الحاء والراء

ح ر ب :

الحرب : مصدر حرب أي قاتل ، إلا أنّ العرب أنّثتها ؛ قال تعالى : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها)(١) ، وقال الشاعر (٢) : [من المتقارب]

وأعددت للحرب أوزارها

رماحا طوالا وخيلا ذكورا

فأخرجتها عن موضوعها من المصدريّة ، وكان من حقّهم أن لا يؤنّثوها كغيرها من المصادر. وقد شذّوا فيها من وجه آخر ، وذلك أنّهم لما صغّروها لم يدخلوها تاء التأنيث ، بل قالوا حريب ، كأنّهم راجعوا الأصل. ولها في شذوذ التّصغير أخوات استوفينا ذكرها في كتب النحو (٣).

والحرب : السلب في الحرب. وقد سمي كلّ سلب حربا. قال الشاعر : [من البسيط]

والحرب مشتقة المعنى من الحرب

وحرب فهو حريب أي ـ سليب. والحربة : آلة الحرب معروفة ، وأصلها الفعلة ، إمّا من الحرب [أو من الحراب](٤). والتحريب : إثارة الحرب. ورجل محرب جعل كأنه آلة ، نحو قوله : «ويلمّه! مسعر حرب» (٥).

__________________

(١) ٤ / محمد : ٤٧.

(٢) البيت للأعشى يخاطب به من قصيدة هوذة بن علي الحنفي (الديوان : ٩٩).

(٣) هي ستة أسماء ، ثلاثة منها ذكرها سيبويه وهي الناب للمسنّة من الإبل والحرب والفرس فإذا صغّرتها قلت : نييب وحريب وفريس ؛ فأما الناب من الإبل فإنما قالوا نييب لأن الناب من الأسنان مذكر ، وإنما قيل للمسنة من الإبل ناب لطول نابها ، فكأنهم جعلوها الناب من الأسنان. وأما الحرب فمصدر وصف به ثم حذف الموصوف ... وأما الفرس فاسم مذكر يقع على المذكر والمؤنث. وأما الثلاثة الأخر فهي : درع الحديد ووقت والعرب. كلها صغرت من غير علامة التأنيث (شرح المفصل : ٥ / ١٢٦ ـ ١٢٧).

(٤) الكلام ناقص تتبعناه من المفردات : ١١٢.

(٥) مسعر حرب : موقدها. وهو حديث أبي بصير ، وتتمته «... لو كان له أصحاب» يصفه بالمبالغة في النجدة والحرب (اللسان ـ مادة سعر ، والنهاية : ٢ / ٣٦٧).

٤٤٣

والمحراب مفعال من ذلك. قيل : سمّي بذلك لأنّ الإنسان يحارب فيه شيطانه وهواه. وقيل : لأنه من حقّ الإنسان فيه أن [يكون](١) حريبا (٢) من أشغال الدّنيا ومن توزّع الخاطر فيه. وقيل : الأصل فيه أنّ محراب البيت صدر المجلس. ثمّ لمّا اتّخذ المسجد (٣) سمي صدره به. وقيل : بل المحراب أصله في المسجد ، وهو اسم خصّ به صدر المجلس. وسمي صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد. قال الراغب : وكأنّ هذا أصحّ (٤). قلت : المحراب لفظ قديم قبل حدوث المساجد ؛ فإنّ المساجد ومحاريبها عرف شرعيّ. وقال أبو عبيد : هو أشرف المساجد. قال الأصمعيّ : هو الغرفة والموضع (٥) العالي ، ويدلّ عليه : (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ)(٦) فتسوّروا يدلّ على علوّه.

وقوله : (وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ)(٧) يدلّ على أنه كان لهم محاريب. وفي الحديث عن أنس «أنّه كان يكره المحاريب» (٨) أي يكره أن يرفع على الناس. وفيه : «أنه بعث عروة بن مسعود إلى قومه بالطائف ، فدخل محرابا لهم فأشرف عليهم (٩) ، ثمّ أذّن للصلاة» (١٠) ، فهذا يدلّ على أنّه غرفة يرتقى إليها.

وقوله تعالى : (مِنْ مَحارِيبَ)(١١) قيل : هو القصور لارتفاعها. قال الأصمعيّ : العرب تسمي القصر محرابا لشرفه. وأنشد للأعشى (١٢) : [من السريع]

__________________

(١) إضافة المحقق.

(٢) في الأصل : حرمنا ، والسياق يؤكد ما أثبتناه.

(٣) في الأصل : المجلس ، وهو وهم من الناسخ.

(٤) المفردات : ١١٢.

(٥) في الأصل : وموضع.

(٦) ٢١ / ص : ٣٨.

(٧) ٣٩ / آل عمران : ٣.

(٨) النهاية : ١ / ٣٥٩ ، أي لم يكن يحب أن يجلس في صدر المجلس.

(٩) أشرف عليهم عند الفجر ، ولهذا أذّن للصلاة.

(١٠) النهاية : ١ / ٣٥٩.

(١١) ١٣ / سبأ : ٣٤.

(١٢) من قصيدة له يهجو بها علقمة بن علاثة. غير أن المؤلف ذكر الصدر وهو لعجز آخر ، وعجزه في الديوان (ص ١٣٩) :

بمذهب في مرمر مائر

٤٤٤

أو دمية صوّر محرابها

أو درّة شيفت إلى تاجر

وعن ابن الأنباريّ : سمّي بذلك لانفراد الإمام فيه وبعده من القوم ، من قولهم : هو حرب لفلان ، إذا كان بينهما تباعد وبغضاء. وأنشد (١) : [من المتقارب]

وحارب مرفقها دفّها (٢)

وسامى به عنق مسعر

ودخل الأسد محرابه أي غيله ، فسمّي محراب المسجد بذلك ؛ لأنّ الإمام لخوفه من اللحن والخطأ بمنزلة من يدخل محراب الأسد.

وقوله : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها)(٣) قيل : هي المعركة ، وأسند إليها الوضع مجازا. وقيل : هم القوم المحاربون (٤). يقال : قوم حرب وقوم سلم ، وهو نحو : قوم عدل.

وحرب يحرب أي غضب. وحربته أي أغضبته. والحرباء : دويبّة ترقب الشمس وتدور معها كيف دارت ، فإذا صارت في قبّة السماء شخصت إليها وقلعت وضربت بلسانها حنكها الأعلى ، فإذا جاء الليل ذهبت ترعى. سميت بذلك لأنّها كالمحاربة للشمس. والحرباء أيضا : مسمار شبيه بالدّويبّة نحو تسميتهم الضّبّة (٥) والكلب للصورة والهيئة.

ح ر ث :

الحرث : الإثارة والتّفتيش. ومنه / حرث الأرض ، وهو إثارتها وتطييبها (٦) إرادة الزرع ، وفي الحديث : «احرثوا هذا القرآن» (٧) ، قال ابن الأعرابيّ : الحرث :

__________________

 ـ وهو البيت السابق للعجز المذكور.

(١) العجز مذكور في اللسان ـ مادة سعر.

(٢) كذا رواية اللسان ، وفي الأصل : رقّها. المسعر : الشديد أو الطويل.

(٣) ٤ / محمد : ٤٧.

(٤) وقيل : أثقالها من آلة وسلاح ، وقيل : أثقال الشهداء لأنه عزوجل يمحّصهم من الذنوب ، وقال الفراء : أوزارها : آثامها وشركها.

(٥) جاء رسمها في الأصل : المصيبة ، وبها لا يستقيم.

(٦) وفي ح : إثاراتها وتطيبها.

(٧) النهاية : ١ / ٣٦٠.

٤٤٥

التفتيش. قال الهرويّ : أي فتّشوه. قلت : ويؤيد هذا المعنى ما قدمته من الحديث الآخر. وقيل : الحرث : إلقاء البذر في الأرض وتهيئتها للزراعة. ويطلق على نفس المحروث ، كقوله : (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ)(١).

وتصوّر منه العمارة التي تحصل عنه في قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها)(٢) ، فسمّى ما يكدح له الإنسان من الأعمال الموصلة إلى الثواب أو العقاب حرثا ، لأنّ نتيجته عمارة ما قصده الحارث. ويعبّر به عن الكسب.

وفي الحديث : «أصدق الأسماء الحارث وهمّام» (٣) لأنّ كلّ أحد لا بدّ أن يحرث ، أي يكتسب لأمر دنياه أو لأمر آخرته وكلّ واحد لا بدّ أن يهمّ إما بخير أو بشرّ. وفي حديث بدر : «قال المشركون : اخرجوا إلى معايشكم وحراثتكم» (٤) أي مكاسبكم ، الواحدة حريثة. وقيل : الحرائث : الإبل. ويروى حرائبكم بالموحّدة (٥) ، وهو المال الذي به قوام صاحبه.

وقوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ)(٦) سماهنّ حرثا على الاستعارة البليغة ، فإنهنّ بمنزلة الأرض المبغى منها طلوع البذر ونموّه ، وجعل النّطف الملقاة من أصلاب الرجال في أرحامهنّ بمنزلة البذر ، وهذا في غاية الفصاحة والبلاغة.

وفي الحديث : «احرث لدنياك [كأنك] تعيش أبدا» (٧) أي اجهد في تحصيل ما ينفعك. يقال ؛ حرثت وأحرثت ثلاثيا ورباعيا. وتصوّر من الحرث معنى التّهيّج فقيل : حرثت النار ، ولما تهيّج به محرث كمنجل. وحرث ناقته أي استعملها. وقال معاوية

__________________

(١) ٢٢ / القلم : ٦٨.

(٢) ٢٠ / الشورى : ٤٢.

(٣) النهاية : ١ / ٣٦٠ وليس فيه «همام». الحارث : الكاسب.

(٤) النهاية : ١ / ٣٦٠.

(٥) أي بالباء الموحّدة.

(٦) ٢٢٣ / البقرة : ٢.

(٧) النهاية : ١ / ٣٥٩ ، والإضافة منه وفي المفردات (ص ١١٢): «احرث في دنياك لآخرتك».

٤٤٦

للأنصار : «ما فعلت نواضحكم؟ قالوا : حرثناها يوم بدر» (١).

وقوله : (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ)(٢) قيل : أراد الزرع ، وقيل : النساء ، سمّاهنّ حرثا في قوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) ، ويرشّحه قوله : (وَالنَّسْلَ) نزلت في الأخنس بن شريق (٣) مرّ بزرع فأحرقه وعقر دوابّه.

ح ر ج :

الحرج : الضيق ، ومنه قوله تعالى : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ)(٤) أي ضيق من القرآن. وأصله من الحرج ، والحرج والحراج وهو مجتمع ما بين الشيئين ، فتصوّر منه الضّيق. وقيل : هو الشجر الملتفّ ، وفيه أيضا معنى الضّيق. وقول مجاهد : أي شكّ تفسير باللازم ، ولأنّ الشاكّ يضيق صدره بخلاف المتيقّن فإنّه ينفسح.

وقوله : (يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً)(٥) قرىء بفتح الراء وكسرها (٦) ، أي مبالغا في الضيق. قال ابن عباس : الحرج : موضع الشجر الملتفّ (٧) ، فكان قلب الكافر لا تصل إليه الحكمة كما لا تصل الراعية إلى المكان الملتفّ شجره. وما أنور هذا التفسير وأنعمه! قيل حرجا بكفره لأنّ الكفر لا يكاد تسكن إليه النّفس ، لكونه اعتقادا عن ظنّ. وقيل حرجا أي ضيّقا بالإسلام ، قاله الراغب : يعني أنّه لمّا لم يسلم إسلاما جازما بل بترديد كإسلام المنافق ضاق به صدره. وقيل في معنى قوله : (فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ)(٨) هو نهي على

__________________

(١) النهاية : ١ / ٣٦٠ ، أي أهزلناها.

(٢) ٢٠٥ / البقرة : ٢.

(٣) اسمه أبيّ بن شريق ، ويعرف بالأخنس بن شريق الثقفي. وإنما دعي الأخنس لأنه كان حليفا لبني زهرة ولما أشار عليهم بالرجوع في وقعة بدر وقبلوا منه فرجعوا قيل : خنس بهم. توفي في أول خلافة عمر.

(٤) ٢ / الأعراف : ٧.

(٥) ١٢٥ / الأنعام : ٦.

(٦) قراءة ابن عباس وعمر بالكسر ، وقراءة الناس بالفتح (معاني القرآن : ١ / ٣٥٣).

(٧) وتتمة كلام ابن عباس كما في المصدر السابق : «... الذي لا تصل إليه الراعية» وسقناه لضرورة ما يأتي.

(٨) ٢ / الأعراف : ٧.

٤٤٧

بابه. وقيل : هو حكم له بذلك نحو : : «ألم نشرح لك صدرك» (١) ، وقيل : هو دعاء وهو حسن أيضا.

وتحرّج : أي تجنّب الحرج ، نحو تحنّث وتحوّب أي جانب الحنث والحوب. ويقع الحرج بمعنى الإثم كقوله : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ)(٢) أي إثم. ويجوز أن يكون على بابه أي ليس على هؤلاء تضييق في تكليفهم بما كلّف به غيرهم لأعذار خصّوا بها ، حسبما بينّاه في «التفسير الكبير».

ح ر د (٣) :

ح ر ر :

قوله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً)(٤) أي معتقا ، من قولك : حرّرت العبد أي جعلته حرّا. فقيل : معناه معتقا من مهنة أبويه مخلصا لخدمة بيتك بيت المقدس. وقيل : معتقا من عمل الدّنيا لعمل الآخرة. والمعنى أنّها جعلته بحيث لا ينتفع به الإنتفاع الدّنيويّ المشار إليه بقوله تعالى : (بَنِينَ وَحَفَدَةً)(٥)(الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا)(٦) ، وهذا معنى قول الشّعبيّ : مخلصا للعبادة ، وقول مجاهد : خادما للبيعة ، وقول جعفر : معتقا من أمر الدّنيا (٧).

والحرّيّة ضربان : ضرب لم يجر على صاحبها حكم الشّي كقوله : (الْحُرُّ

__________________

(١) ١ / الشرح : ٩٤.

(٢) ٦١ / النور : ٢٤.

(٣) جاء في هامش ح من غير خط الناسخ : «حرد : الحرد المنع عن حدّة وغضب ، قال الله تعالى : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) (الآية ٢٥ / القلم : ٦٨) أي على امتناع من أن يتناولوه قادرين على ذلك. ونزل فلان حريدا ، أي ممتنعا عن مخالطة القوم. وهو حريد المحل ، وحاردت السنة : قل قطرها ، والناقة منعت درها. وحرد : غضب. وحرّده كذا. وبعير حرد : في إحدى يديه حرد (داء). والحرديّة : حظيرة من قصب». و (حرد) مذكور في المفردات : ١١٣.

(٤) ٣٥ / آل عمران : ٣.

(٥) ٧٢ / النحل : ١٦.

(٦) ٤٦ / الكهف : ١٨.

(٧) الأقوال الثلاثة مذكورة في المفردات : ١١١.

٤٤٨

بِالْحُرِّ)(١) وضرب لم تتملّكه قواه الذّميمة من الحرص والشّره على المقتنيات الدّنيوية ، وإلى [العبوديّة](٢) التي تضادّ ذلك أشار بقوله عليه الصلاة والسّلام : «تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم» (٣) ، وقال الشاعر (٤) : [من الطويل]

ورقّ ذوي الأطماع رقّ مخلّد

وقالوا : عبد الشهوة أذلّ من عبد الرّقّ ، وعلى هذا قوله تعالى : (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) أي لم تسترقّه شهوات الدّنيا ، وقوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(٥) أي جعلها حرة بأن تعتق.

وحرّ الوجه : وسطه ما لم تسترقّه الحاجة.

وقوله : (وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ)(٦) هو شدّة الحرّ واستيقاده ووهجه ليلا كان أو نهارا. والسّموم لا يكون إلا نهارا ، واشتقاقها من الحرارة وهي ضدّ البرودة.

والحرارة نوعان : نوع عارض في الهواء من الأجسام المحميّة بحرارة النار والشمس ، ونوع عارض في البدن من الطبيعة كحرارة المحموم. يقال : حرّ يومنا يحرّ حرّا (٧) وحرارة ، فهو حارّ وحرّ فهو محرور ، وكذا حرّ الرجل. والحرور : الريح الحارّة أيضا. واستحرّ القيظ : اشتدّ حرّه. وقد استعير منه : استحرّ القتل. قال عمر رضي الله عنه : «قد استحرّ القتل يا أهل اليمامة» (٨). وقال الشاعر (٩) : [من الرمل]

و (١٠) استحرّ القتل في عبد الأشل

__________________

(١) ١٧٨ / البقرة : ٢.

(٢) بياض في الأصل أكملناه من مفردات الراغب : ١١١.

(٣) النهاية : ١ / ١٩٠.

(٤) العجز مذكور في المفردات : ١١١.

(٥) ٩٢ / النساء : ٤.

(٦) ٢١ / فاطر : ٣٥.

(٧) في الأصل : حرارا ، ولعلها كما ذكرنا.

(٨) النهاية : ١ / ٣٦٤ ، وفيه خلاف وتتمة.

(٩) البيت من شواهد اللسان ـ مادة شهل ، وصدره :

حين ألقت بقباء بركها

(١٠) في الأصل : قد ، والتصويب من اللسان.

٤٤٩

يريد في بني عبد الأشهل (١)

والحرّة : واحدة الحرّ. والحرّة أيضا : حجارة سود من حرارة تتعرّض فيها. والحرر : يبس يعرض في الكبد من العطش. وتجمع الأرض الحرّة على حرّ وحرّات وحرار ، وإحرّون رفعا وإحرّين نصبا وجرّا كالزّيدين. وقال أصحاب عليّ يوم صفّين (٢) ، وقد زاد معاوية أصحابه خمس مئة : [من الرجز]

لا خمس إلا جندل الإحرّين (٣)

وفي المثل : «حرّة تحت قرّة» (٤). وقال عليّ أو ابنه الحسن : «ولّ (٥) حارّها من يتولّى قارّها». والحرير معروف ، سمي بذلك لخلوصه. والحرّ : الخالص.

ح ر س :

قال تعالى : (مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً)(٦) أي حفظا. والحرس يكون جمعا كالحرّاس. يقال : حارس وحرس نحو خادم وخدم ، وحارس وحرّاس نحو ضارب وضراب.

والاحتراس : التحفّظ والمبالغة فيه. والحرس كالحرز يتقاربان معنى كتقاربهما لفظا ، إلا أنّ الحرس في الأمكنة أكثر ، والحرز في الأمتعة أكثر. وحريسة الجبل (٧) : ما يحرس

__________________

(١) قال ابن منظور : إنما أراد عبد الأشهل هذا الأنصاري.

(٢) في اللسان : يوم الجمل ، وهو وهم لأن معاوية لم يكن فيه ، وذكر أن معاوية زاد : خمس مئة خمس مئة ، مكررة. وأكّد ابن سيده وابن الأثير الأصل.

(٣) وصدره كما في النهاية (١ / ٣٦٥) :

قلت لنفسي السوء لا تفرّين

من رجز طويل لزيد بن عتاهية التميمي ، والقطعة مذكورة في اللسان ـ مادة حرر.

(٤) هو مثل الغريب الذي يظهر خلاف ما يضمر ، كما في اللسان ـ مادة حرر.

(٥) في الأصل : يتولى. عزاه ابن الأثير إلى الحسن حين قال لأبيه لمّا أمره بجلد الوليد بن عقبة (النهاية : ١ / ٣٦٤). والمعنى : ولّ الجلد من يلزم الوليد أمره ويعينه شأنه. والقارّ : ضدّ الحار.

(٦) ٨ / الجن : ٧٢.

(٧) في الأصل : حراسة الخيل ، والتصويب من المفردات : ١١٣ ، والنهاية : ١ / ٣٦٧.

٤٥٠

في الجبل بالليل. قال أبو عبيدة : الحريسة : المحروسة ، والحريسة : المسروقة يقال : حرس / يحرس (١).

وفي الحديث : «أن غلمة لحاطب (٢) احترسوا ناقة فانتحروها» (٣). وقال شمر : الاحتراس أخذ الشيء من المرعى. والشاة المسروقة من المرعى : حريسة. وفي الحديث : «لا قطع في حريسة الجبل» (٤). وهو يأكل الحرسات (٥). وهو محترس أي سارق. وأنشد (٦) : [من الطويل]

لنا حلماء لا يشيب غلامنا

غريبا ولا تودي إليه الحرائس

قال الراغب : وأقدّر أن ذلك [لفظ](٧) قد تصوّر من لفظ الحريسة لأنه جاء عن العرب في معنى السرقة.

ح ر ص :

قال الله تعالى : (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ)(٨) أي أشره الناس. والحرص : فرط الشهوة وفرط الإرادة للشيء. يقال : حرص على كذا يحرص عليه إذا فرّط في محبّته وإمساكه. وقال تعالى : (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ)(٩) أي أن تبالغ في طلبك لذلك تنبيها على وفور شفقته صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وفي الحديث : «يشيب المرء وتشبّ فيه خصلتان ؛ الحرص وطول الأمل» (١٠) مثل ، وأصله من حرص القصّار الثوب أي قشره بدقة يعني : بالغ فيه.

__________________

(١) ويقول الراغب : «وقدّر أن ذلك لفظ قد تصوّر من لفظ الحريسة لأنه جاء عن العرب في معنى السرقة» (المفردات : ١١٣). والحريسة فعيلة بمعنى مفعولة.

(٢) هو حاطب بن أبي بلتعة.

(٣) النهاية : ١ / ٣٦٧.

(٤) النهاية : ١ / ٣٦٧ ، وانظر شرحه فيه.

(٥) إذا سرق أغنام الناس وأكلها.

(٦) البيت في التاج ـ مادة حرس ، وفيه : خلصاء.

(٧) ساقط من كلام الراغب (المفردات : ١١٣).

(٨) ٩٦ / البقرة : ٢.

(٩) ٣٧ / النحل : ١٦.

(١٠) كشف الخفاء : ٢ / ٥٥٥ ، رقم ٣٢٥٤ ، صحيح مسلم ، كتاب الزكاة : ١١٥.

٤٥١

والحارصة : إحدى الشّجاج العشر ، وهي ما تحرص الجلد أي تقشره ، وقيل : تشقّه. وهذا منقول من : حرص القصّار الثوب أي شقّه. والحارصة والحريصة أيضا : سحابة تقشر الأرض أو تشقّها بمطرها.

ح ر ض :

قوله تعالى : (حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً)(١).

الحرض : المشفي على الهلاك. وقد أحرضه كذا إذا قرّبه للهلكة. قال الشاعر (٢) : [من البسيط]

إنّي امرؤ لجّ بي همّ (٣) فأحرضني

حتى بليت ، وحتى شفّني السّقم

وأصله من الحرض وهو الفساد ؛ قال ابن عرفة : الحرض : الفساد يكون في البدن والمذهب والعقل. وقيل : هو في الأصل غير المعتدّ به وما لا خير فيه. ومن ذلك قيل للمضنى حرض. ومنه الحرضة : وهو من لا يأكل إلا لحم النّسر لنذالته (٤). وقال قتادة : حتى تكون حرضا أي يهرم أو يموت ، وفيه تفسير للفظ يلازمه. وقال الأزهريّ : مضنى مدنفا ، وهو حسن.

وفي الحديث : «غفر لنا ربّنا غير الأحراض» (٥) جمع حرض : قوم فسدت مذاهبهم ، وقوم استوجبوا العقوبة لكبائر فعلوها (٦).

وقوله تعالى : (وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ)(٧) أي حثّهم وحضّهم. يقال : حرّض على

__________________

(١) ٨٥ / يوسف : ١٢.

(٢) البيت للعرجي من قصيدة طويلة (الأغاني : ١ / ٣٨٩) ، ومذكور في اللسان ـ مادة حرض.

(٣) رواية اللسان والأغاني : حب. وأوله في الأغاني : أنا. وفي المفردات : ١١٣. نابني هم.

(٤) جاء في اللسان : «الحرضة : الذي يضرب للأيسار بالقداح لا يكون إلا ساقطا ، يدعونه بذلك لرذالته. ورسم الكلمة في ح «لبدالة».

(٥) وانظر تتمته مطوّلا في النهاية : ١ / ٣٦٨ ـ ٣٦٩.

(٦) وهم قوم اشتهروا بالشر.

(٧) ٨٤ / النساء : ٤.

٤٥٢

الأمر وحارض وواكب وأكبّ وواظب وواصب بمعنى واحد. قال بعضهم : التحريض : الحثّ على الشيء بكثرة التزيين وتسهيل الخطب فيه كأنّه من حرضه أي أزال عنه الحرض نحو قذيته أي أزلت عنه القذى. وأحرضته أي أفسدته نحو أقذيته أي جعلت فيه القذى.

والإحريض : العصفر ، مذكور في حديث الصّدقة (١).

ح ر ف :

قال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ) هذا قد فسّره بما بعده من قوله : (فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ)(٢) الآية. ونظيره في تفسيره بما بعده : (هَلُوعاً إِذا مَسَّهُ) الآية (٣) ، فكأنّه قيل : يعبده على تزلزل لا على ثبوت واستقرار ، وذلك أنّ حرف الشيء طرفه. ومنه حرف الجبل والسيف والسّفينة ، لأطرافها.

والحرف في الكلام : طرف لأنّه فضلة ، أي لم يتوغّل في عبادة ربّه (٤) ، وفي معناه (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ)(٥) الآية. والحروف في العربية عاملة ومهملة ، مختصة ومشتركة ، متّبعة وغير متبعة ، مشتركة في المعنى وغير مشتركة ، مؤكّدة وغير مؤكدة ، حسبما بينّاه في كتب العربية.

وحروف الهجاء أطراف الكلم. والتّحريف : إمالة الشيء عن جهته وصرفه ، ومنه تحريف الكلم ، كقوله تعالى : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ)(٦) ، وقوله : (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ)(٧) ، فقيل : تحريفهم له تبديل لفظ بلفظ آخر يغيّر معناه. وقيل : بل هو تحريف المعنى دون اللفظ ؛ ويعزى لابن عباس حسبما بينّاه في كتب التفسير.

__________________

(١) هو حديث عطاء في ذكر الصدقة : «كذا وكذا والإحريض» (النهاية : ١ / ٣٦٩).

(٢) ١١ / الحج : ٢٢.

(٣) ١٩ و ٢٠ / المعارج : ٧٠ ، وتتمتها : ... (إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً).

(٤) مشيرا إلى قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ).

(٥) ١٤٣ / النساء : ٤.

(٦) ٤٦ / النساء : ٤.

(٧) ٧٥ / البقرة : ٢.

٤٥٣

يقال : انحرف وتحرّف. والاحتراف : طلب حرفة للمكسب (١). والحرفة : الهيئة التي يلزمها في ذلك كالذّبحة والجلسة. وقوله : (إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ)(٢) أي مائلا إليه. وقيل : مستطردا يريد الكرّة.

وفي حديث أبي هريرة : «آمنت بمحرّف القلوب» (٣) أي المزيغ لها والمزيل. وقيل : معنى تحريف الكلام أي يجعل على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين ، وهذا هو الذي يسمى الكلام الموجّه ؛ ومنه ما يحتمل المدح والذمّ ، ومنه قول بعضهم لأعور (٤) : [من مجزوء الرمل]

خاط لي زيد قباء

ليت عينيه سواء

والمحارف : المحروم ، أي حارفه الخير ومال عنه (٥). والمحارفة أيضا : المجازاة. وفي المثل : «لا تحارف أخاك بالسوء» ، أي لا تجازه. وفي الحديث أيضا : «إنّ العبد ليحارف على عمله بالخير (٦) والشرّ». قال ابن الأعرابيّ : أحرف الرجل (٧). والمحارفة أيضا المقايسة. وفي حديث ابن مسعود : «موت المؤمن بعرق الجبين يبقي عليه بقية من الذنوب فيحارف عند الموت» أي يقايس بها «فتكون كفّارة لذنوبه» (٨).

والمحارفة : المقايسة بالمحراف ، وهو الميل الذي تسبر به الجراحات. قال الهرويّ : والظاهر أنه بمعنى المجازاة والمعنى عليه. والحرّيف : ما فيه حرارة ولدغ كأنه منحرف عن الحلاوة والمرارة أو عن الاعتدال. ومنه طعام حرّيف.

__________________

(١) في الأصل : والإحراف طلب حرف المكسب. والسياق اقتضى التصويب.

(٢) ١٦ / الأنفال : ٨.

(٣) النهاية : ١ / ٣٧٠ ، وهو الله تعالى. وفيه رواية أخرى للحديث : «بمحرك».

(٤) معاهد التنصيص : ٣ / ١٣٨ ، وفيه : عمرو. قيل إن قائله بشار. ويروى أنه فصّل ثوبا عند خياط أعور اسمه زيد أو عمرو ، كما في تحرير التحبير.

(٥) والمحارف (في اللسان) : منقوص الحظ لا ينمو له مال.

(٦) الحديث في النهاية : ١ / ٣٧٠ ، بلا باء.

(٧) أحرف الرجل : نما ماله وصلح (اللسان ـ مادة حرف).

(٨) النهاية : ١ / ٣٧٠.

٤٥٤

وقوله عليه الصلاة والسّلام : «أنزل القرآن على سبعة أحرف» (١) فيه كلام طويل أتقنّاه وضبطناه ولله الحمد في مقدمة «التفسير الكبير» ، والأشهر عند اللغويين فيه أنّها لغات. قال أبو عبيد : يعني لغات من لغات العرب ، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه ، ولكن يقول : هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن ؛ فبعضها بلغة قريش ، وبعضها بلغة هوازن ، وبعضها بلغة هذيل ، وبعضها بلغة اليمن ، وبعضها بلغة تميم (٢). ويؤيده قول ابن مسعود : سمعت القراء فوجدتهم متقابلين ، فاقرؤوا كما علّمتم ، إنما هو كقول أحدكم : هلمّ وتعال وأقبل. وهذا قول أبي عبيد وثعلب. قلت : وهذا منسوخ إجماعا كما حقّقناه. وإنّما ذكرته هنا بخصوص لئلّا يغترّ به من يطّلع عليه ، فإنّه مشهور بين اللغويين.

والناقة يقال لها حرف ، فقيل : لعظمها تشبيها بحرف الجبل ، وقيل لدقّتها تشبيها بحرف الهجاء. قال كعب بن زهير في أحسن القصائد لكونها مدحة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : [من البسيط]

حرف أبوها أخوها من مهجّنة

وعمّها خالها قوداء شمليل (٣)

وقال آخر ملغزا في ناقة وراكبها / : [من الطويل]

وحرف كنون تحت راء ولم يكن

بدال يؤمّ الرسم غيّره النّقط

شبّه الناقة بالنون لدقّتها وطولها. وراء : اسم فاعل من رأى [أي](٤) ضرب رئتها. ودال : اسم فاعل من دلا يدلو (٥). قال (٦) : [من الرجز]

لا تضرباها (٧) وادلواها دلوا

__________________

(١) النهاية : ١ / ٣٦٩. أراد بالحرف اللغة ؛ على سبع لغات.

(٢) كلام أبي عبيد ـ ومعه أبو العباس ـ مذكور في اللسان ـ مادة حرف ، وفي النهاية : ١ / ٣٦٩.

(٣) في الأصل خلاف ، والتصويب من اللسان ـ مادة حرف ، النهاية : ١ / ٣٦٩ ، الديوان : ١١ وقد شبه الناقة بالحرف لأنها ضامر. وفي الديوان : أخوها أبوها. قوداء : طويلة العنق. شمليل : خفيفة.

(٤) إضافة يقتضيها السياق. وفي الأصل رأى اضرب ، وهو خلط.

(٥) دلوت الناقة دلوا : سقتها سوقا رويدا رفيقا (اللسان ـ دلا).

(٦) صدر لشاهد في اللسان ، وعجزه (مادة ـ دلا) :

إنّ مع اليوم أخاه عدوا

(٧) وفي اللسان : لا تقلواها

٤٥٥

ويؤمّ : يقصد. والرسم : أثر المزار. والنقط : المطر.

ح ر ق :

قوله تعالى : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ)(١). قيل : الحريق : النار. يقال : أحرق كذا واحترق. والحرق : ارتفاع حرارة في الشيء من غير لهب كحرق الثوب بالدقّ ، وحرق الشيء إذا برد بالمبرد. وقوله تعالى : (لَنُحَرِّقَنَّهُ)(٢) قيل : هو من التّحريق بالنار ، وقيل : من التّحريق بالمبرد ، لأنه كان ذهبا ، ويؤيّده قراءة «لنحرقنّه» (٣) ؛ يقال : حرقه بالمحراق والمحرق أي برده. وعنه استعير : حرق نابه ، وحرق عليهم الأرّم (٤). وحرق الشّعر : انتشر (٥) ، وماء حراق : يحرق بملوحته. والإحراق : ارتفاع نار ذات لهب في الشيء ، وعنه استعير : أحرقني بلومه : بالغ فيه. وفي الحديث : «شرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الماء المحرق من وجع (٦) الخاصرة» ، والمحرق : هو المغلى بالحرق ؛ والحرق : النار بعينها. وأنشد لرؤبة (٧) : [من الرجز]

تكاد أيديها تهاوى بالزّلق

شدّا شديدا (٨) مثل إضرام الحرق

وحرق النار : لهبها (٩) أيضا. وعن عليّ : «كذبتكم الحارقة» (١٠) ؛ هذه لفظة يغرى بها ، نحو : عليكم الحارقة ؛ والحارقة : التي تغلبها شهوتها حتى تحرق على أنيابها ،

__________________

(١) ٥٠ / الأنفال : ٨ ، وغيرها.

(٢) ٩٧ / طه : ٢٠.

(٣) قراءة أبي جعفر وعلي بن أبي طالب ، وقراءة التضعيف للكلبي والحسن ، وقراءة ضم الراء لأبي نهيك (مختصر الشواذ : ٨٩).

(٤) كناية عن الغيظ. والأرّم : الأضراس ، ويقصد : أنه يحكّها بعضها ببعض من غيظ.

(٥) وفي اللسان : «حرق الشعر» : قصر فلم يطل أو انقطع!.

(٦) لم يذكر ابن الأثير (وجع) في الحديث (النهاية : ١ / ٣٧١).

(٧) الديوان : ١٠٦. ورواية البيت فيه :

تكاد أيديهن تهوي في الزهق

من كفتها شدّا كإضرام الحرق

(٨) والبيت مذكور في اللسان ـ مادة حرق. وفيه : سريعا.

(٩) وفي س : لهيبها.

(١٠) النهاية : ١ / ٣٧١ ، وفيه الحارقة : الضيقة الفرج. وفي القاموس : النكاح على جنب.

٤٥٦

وقيل : هي الصعبة الملاقي. وقيل : هي تثبت للرجل على حارقها أي على شقّها وجنبها. وقيل : هي النّكاح نفسه ، وهذا أقرب : فإن النكاح سنّة وهو اللائق بكلام الإمام.

وقوله : (فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ)(١) قيل : عذاب جهنم لكفرهم ، وعذاب الحريق لإحراقهم المؤمنين.

ح ر ك :

قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ)(٢).

حركة اللسان عبارة عن النطق ، كان يعاجل جبريل عليه‌السلام ، فأمر بأن يسمع منه ثمّ يقرأ ، كقوله : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(٣). والحركة ضدّ السكون ، وهي انتقال الجسم من حيّز إلى حيز. وقد يعبّر بها عن الاستحالة وعن الزيادة وعن النقصان ؛ فيقال : تحرّك كذا أي استحال أو زاد أو نقص ؛ تصور الانتقال من (٤) حالة إلى حالة.

ح ر م :

الحرم : المنع ، وكذا الحرم. وقرىء : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ وَحَرامٌ)(٥) أي ممنوع رجوعهم. والأشهر الحرم لكونها ممنوعا فيها القتال جاهلية وإسلاما ، وهي : ذو القعدة ، وذو الحجّة ، والمحرّم ، ورجب مضر بين جمادى وشعبان. وكذا في الحديث وأمّا إضافته لمضر (٦) فلأنها اختصّت بتحريمه. وقيّده (٧) بما اكتنفه تحرّزا من الشرّ. وقد حقّقنا هذا في «القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز». ويقابله الحلّ والحلال لأنه إطلاق. كما أنّ ذلك

__________________

(١) ١٠ / البروج : ٨٥.

(٢) ١٦ / القيامة : ٧٥.

(٣) ١١٤ / طه : ٢٠.

(٤) وفي ح : عن.

(٥) ٩٥ / الأنبياء : ٢١ ، وحرم : قراءة ابن عباس ، وحرم : قراءة عكرمة (مختصر الشواذ : ٩٣).

(٦) أضافوا رجب إليهم لأنهم كانوا أشدّ تعظيما له من غيرهم ، فكأنهم اختصوا به.

(٧) الضمير عائد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي قيّده وحدّده بذكره بين شهرين تحرزا من أي لبس وسدا للذرائع.

٤٥٧

منع ، ثم المنع إمّا بتسخير إلهيّ كقوله : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ)(١) ، وإما بمنع من جهة العقل ، وإمّا بمنع من جهة الشرع ، أو من جهة من يرتسم أمره ، وإما بمنع بشريّ.

قوله تعالى : (فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ)(٢) هذا من جهة القهر بالتّسخير الإلهي. وقوله : (فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)(٣) هذا بالقهر. وقوله : (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ)(٤) أي في شرعكم. وقوله : (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ)(٥) كان قد آلى من نسائه (٦) ، وفيه تعليم لأمته أنه لا يجوز لأحد أن يحرّم ولا يحلّل من قبل نفسه بل بحكم الشرع.

والبيت الحرام والمسجد الحرام لكونه حرّم على الجبابرة ومنع منهم ، أو لأنه حرّم فيه أشياء وهي حلال في غيره كالاصطياد وقطع الأشجار ونحو ذلك. والشهر الحرام لمنع القتال فيه. وكانوا يسمّون رجبا منصل الأسنّة والأصم (٧) لأنه لم يسمع فيه قعقعة سلاح.

وقوله : (لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)(٨) أي الممنوع من رزق وسّع به على غيره. وفسّره بعضهم بالكلب لا على أنه اسم له بل لحرمانه كثيرا.

والحرم : جمع حرمة وهنّ النساء لامتناعهنّ. والمحرم من المرأة الممنوع من نكاحها (٩). قوله : (وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)(١٠) جمع حرام ؛ يقال : رجل حرام ومحرم. ومعنى «حرم» أحرمتم بالحجّ أو دخلتم الحرم ؛ يقال : أحرم : أهلّ بحجّ أو عمرة أو دخل الحرم.

__________________

(١) ١٢ / القصص : ٢٨.

(٢) ٢٦ / المائدة : ٥.

(٣) ٧٢ / المائدة : ٥.

(٤) ٨٥ / البقرة : ٢.

(٥) ٢ / التحريم : ٦٦ ، أي لم تحكم بتحريم ذلك؟ وكل تحريم ليس من قبل الله تعالى فليس بشيء (المفردات : ١١٥).

(٦) أي ما كان حرّمه على نفسه من نسائه بالإيلاء.

(٧) كما يسمونه منصل الإلال ومنصل الألّ.

(٨) ١٩ / الذاريات : ٥١ ، وغيرها.

(٩) كالأب والابن والأخ والعم وما يجري مجراهم.

(١٠) ١ / المائدة : ٥ ، وغيرها.

٤٥٨

قوله : (وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ)(١) أي شعائره ونسائكه الممنوعة من الإحلال بها والتفريط فيها. ورجل يحرم : يمنع أن يقع به شيء ؛ قال زهير (٢) : [من الطويل]

جعلن القنان عن يمين وحوله (٣)

وكم (٤) بالقنان من محلّ ومحرم

ويقال للصائم محرما لامتناعه ممّا يجرح صومه ، قال الراعي (٥) : [من الكامل]

قتلوا ابن عفّان الخليفة محرما

ودعا فلم أر مثله مخذولا (٦)

قال أبو عمرو : وصائما ، وقال غيره : لم يحلّ من نفسه شيئا. والحرم والحرم : بمعنى الإحرام ؛ وعن عائشة رضي الله عنها : «كنت أطيبه لحلّه وحرمه» (٧).

وسوط محرّم : لم ينعّم دباغه ؛ ففيه منع ما. والحرمة : الغلمة ، ومنه : استحرمت الشاة (٨) غيره : اشتهت الفحل ، فهو حرميّ من غير تغيير ، وفي الحديث : «إنّ فلانا كان حرميّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٩) ينبغي على هذا أن تقرأ بكسر الحاء وسكون الراء.

ح ر و :

قوله : (فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً)(١٠). التّحرّي : الاجتهاد وبذل الطاقة في طلب الصواب. ومنه التّحري في القبلة والأواني ، وأصله من حرى الشيء يحريه أي قصد حراه أي جانبه ، وتحّراه كذلك. وحرى (١١) الشيء يحري أي نقص كأنّه لزم حراه ولم يمتدّ. قال

__________________

(١) ٣٠ / الحج : ٢٢.

(٢) شعر زهير : ١٢.

(٣) وفي الديوان : وحزنه.

(٤) وفي الديوان : ومن.

(٥) من شواهد اللسان ـ مادة حرم والنهاية.

(٦) ورواية اللسان : مقتولا ، ولعلها أصوب. على أن رواية النهاية (١ / ٣٧٢) مؤيدة للنص.

(٧) النهاية : ١ / ٣٧٣.

(٨) في الأصل : الماء ، والتصويب من اللسان.

(٩) النهاية : ١ / ٣٧٥ ، والحديث طويل.

(١٠) ١٤ / الجن : ٧٢.

(١١) كذا في المفردات : ١١٥ ، وفي الأصل : تحرّى.

٤٥٩

الشاعر (١) : [من الكامل]

والمرء بعد تمامه يحري

وفي الحديث : «ما زال جسمه قبل وفاته عليه الصلاة والسّلام يحري» (٢) وكذلك : «ما زال جسم أبي بكر يحري حتى لحق به» (٣). قال أبو بجيلة العمانيّ : [من الرجز]

ما زال مجنونا على است الدّهر

في بدن (٤) ينمي وعقل يحري

ورماه الله بأفعى حارية أي ناقصة الجسم وهي أخبث ، قال النابغة (٥) : [من الطويل]

فبتّ كأنّي ساورتني ضئيلة

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع

والضئيلة : الناقصة الجسم.

فصل الحاء والزاي

ح ز ب :

قال تعالى : (كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(٦) الحزب : الجماعة فيها غلظ. وقيل للجند : حزب والجمع أحزاب. قال تعالى : (وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ)(٧) أي الجماعات الكثيفة. وتحزّبوا : تجمّعوا. والحزب : ما يوظّفه الرجل على نفسه من قراءة /

__________________

(١) من شواهد الراغب في المفردات : ١١٥.

(٢) النهاية : ١ / ٣٧٥.

(٣) النهاية : ١ / ٣٧٥ ، مع تفصيل.

(٤) كذا رواية اللسان (مادة حري) ، وفي الأصل : جبت. ولم يذكر ابن منظور اسم الشاعر.

(٥) الديوان : ٤٦.

(٦) ٥٣ / المؤمنون : ٢٣.

(٧) ٢٢ / الأحزاب : ٣٣.

٤٦٠