عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

ج ن ف :

الجنف : الميل في الحكم. ومنه : (فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً)(١) أي ميلا. وقوله : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ)(٢) أي غير مائل / إليه بفاعل منه. يقال : جنف عليّ يجنف جنفا فهو جنف. وفي الحديث : «إنّا نردّ من جنف الظالم مثلما نردّ من جنف الموصي» (٣).

وعن عمر رضي الله عنه : «ما تجانفنا» (٤).

وقيل : الجنف : الجور ، وهو في معنى الميل أيضا.

ج ن ن :

قوله تعالى : (جَنَّاتٍ)(٥) و (الْجَنَّةَ)(٦). الجنّة : قيل : هي في الأصل البستان ذو الشجر الساتر بأشجاره الأرض. وقد يطلق على الأشجار نفسها جنّة. وأنشد لزهير : [من البسيط]

كأنّ عينيّ في غربي مقتّله

من النّواضح تسقي جنّة سحقا (٧)

سمي بذلك لستره الأرض ومن يدخل فيه. وكيفما دارت هذه المادّة دلّت على السّتر. ومنه الجنّ : لاستتارهم عن العيون ، ولذلك سمي مقابلهم بالإنس لأنّهم يؤنسون أي يبصرون.

وقوله : (وَخَلَقَ الْجَانَ)(٨) ، قيل : هو أبو الجنّ كما آدم عليه‌السلام أبو الإنس.

__________________

(١) ١٨٢ / البقرة : ٢.

(٢) ٣ / المائدة : ٥.

(٣) النهاية : ١ / ٣٠٧ أي الميل والجور.

(٤) من حديث عمر (رضي) (النهاية : ١ / ٣٠٧).

(٥) ٢٥ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٦) ٣٥ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٧) شعر زهير : ٦٦ ، من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان.

(٨) ١٥ / الرحمن : ٥٥.

٤٠١

وقوله : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ)(١) أي جنون لأنه يستر العقل. وقوله : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)(٢) هم الجنّ. وكذلك (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً)(٣).

والمجنّة (٤) والمجنّ : الترس لستر حامله. وقوله : (أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ)(٥) جمع جنين (٦) وهو ما في البطن لاستتاره في الرّحم. وكذلك قال تعالى : (فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ)(٧) قيل : ظلمة الرحم ، وظلمة البطن ، وظلمة المشيمة.

والجنان : القلب لاستتاره بالصدر. وقوله : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً)(٨) أي جعلوها وقاية لهم كما يتّقى بالتّرس ، ومنه : أجنّه الليل. وجنّه أي ستره بظملته ، قال تعالى : (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ)(٩). يقال : جنّة وأجنّة وجنّ عليه ، فجنّه : ستره ، وأجنّه : جعل له ما يجنّه ، كقولك : سقيته وأسقيته ، وقبرته وأقبرته. وجنّ عليه : ستر عليه.

وقوله : (جَنَّاتٍ) قال ابن عباس : إنّما خصّها لأنّها سبع : جنة الفردوس ، وجنّة عدن ، وجنة النّعيم ، ودار السّلام ، ودار الخلد ، وجنة المأوى ، وعلّيّون. وسمّيت الجنة في الآخرة (١٠) جنة إمّا تشبيها بجنة الأرض ـ وإن كان بينهما بون ـ وإما لسترها عنا بالعمه المشار إليها (١١) بقوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ)(١٢).

والجنين : الولد ما دام في البطن ؛ فعيل بمعنى مفعول. والجنين [: القبر](١٣) فعيل

__________________

(١) ٧٠ / المؤمنون : ٢٣.

(٢) ٦ / الناس : ١١٤.

(٣) ١٥٨ / الصافات : ٣٧.

(٤) في الأصل : والجنة ، والتصويب من المفردات واللسان.

(٥) ٣٢ / النجم : ٥٣.

(٦) فعيل هنا بمعنى مفعول.

(٧) ٦ / الزمر : ٣٩.

(٨) ١٦ / المجادلة : ٥٨.

(٩) ٧٦ / الأنعام : ٦.

(١٠) وفي ح : الأخرى.

(١١) وفي ح : إليه.

(١٢) ١٧ / السجدة : ٣٢.

(١٣) الإضافة من المفردات لضرورة السياق : ٩٨.

٤٠٢

بمعنى فاعل. والجنّ يقال على وجهين ؛ أحدهما للروحانيّين المستترة عن الحواسّ كلّها بإزاء الإنس ، فعلى هذا يشمل الملائكة والشياطين ؛ فكلّ ملك جنّ ، وليس كلّ جنّ ملكا. قيل : الجنّ بعض الروحانيين ، وذلك أنّ الروحانيين ثلاثة أجناس : أخيار محض (١) وهم الملائكة ، وأشرار محض وهم الشياطين ، وأوساط وهم الأخيار والأشرار (٢). ويدلّ عليه قوله تعالى (٣)(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ) إلى قوله : (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) ، وعلى هذا فقوله : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ)(٤) فإبليس استثناء منقطع لأنّه من الجنّ ، وقيل : متصل. وله موضع غير هذا.

ويقال : جنّ فلان ، على صيغة ما لم يسمّ فاعله (٥). ومعنى جنّ أصابه جنّ ، أو أصيب جنانه وهو عقله ، تعبيرا عنه بالقلب. وقوله : (مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ)(٦) أي عن تعلّمه. والجانّ : أبو الجنّ كما تقدّم. وقيل : نوع من الجنّ.

والجانّ أيضا : الحيّات الخفاف ، هو عندي إنّما سمّيت بذلك تشبيها بالجانّ لخفّتها وسرعة انقلابها ، وجمعها جنّان ، وفي حديث كشح (٧) زمزم قال العباس : «يا رسول الله إنّ فيها جنّانا كثيرة» (٨). وفي آخر : «نهى عن قتل الجنّان» التي تكون في البيت (٩) ، وجمع فاعل على فعلان غريب. وقال ابن عرفة : الجانّ : الحيّة الصغيرة. وقد تقدّم الجواب عن عصا موسى كيف وصفت تارة بالثعبان ؛ وهو العظيم من الحيّات ، وتارة بالجانّ وهو الصغير ، وفي مادة «ث. ع. ب» وقد ذكره الهرويّ هنا.

__________________

(١) في الأصل : محضة ، ولعل ما ذكرنا أكثر صوابا.

(٢) ويدعوهم الراغب : الجنّ.

(٣) من الآية ١ ـ ١٤ / الجن : ٧٢.

(٤) ٣٠ و ٣١ / الحجر : ١٥.

(٥) أي بني فعله على «فعل» كبناء الأدواء نحو : زكم ولقي وحمّ.

(٦) ١٤ / الدخان : ٤٤.

(٧) كشح : كنس.

(٨) النهاية : ١ / ٣٠٨ ، الجنّان : الحيّات.

(٩) النهاية : ١ / ٣٠٨ ، أي الحيات التي تكون في البيت.

٤٠٣

ج ن ي :

قوله تعالى : (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ)(١) ؛ المجتنى من ثمرهما قريب. فالجنى مصدر واقع موقع المفعول. وقيل : هو فعل بمعنى مفعول كالقبض والنّقض. والجنى والجنيّ : المجتنى ، هو التمر أو العسل ، وأكثر ما يقال ذلك في الثمر إذا كان غضّا ، كقوله : (رُطَباً جَنِيًّا)(٢). يقال : جنيت الثمرة واجتنيتها وأجنت الشجرة : أدرك ثمارها. وحقيقته : صارت ذات جنى. واستعير من ذلك : جنى فلان على فلان : إذا أصابه بشرّ. وعن عليّ رضي الله عنه : [من الرجز]

هذا جناي وخياره فيه

إذ كلّ جان يده إلى فيه (٣)

بمعنى أنه رضي الله عنه لم يلتمس شيئا من فيء المسلمين. وأصل المثل لعمرو ابن أخت جذيمة ، وذلك أنه خرج يجتني الكمأة مع رفقته ، فجعل كلّ منهم إذا وجد طيّبا أكله ، وإذا وجد هو الطيّب جناه في كمّه لخاله جذيمة. فلما قالها أرسلها مثلا لكلّ من آثر صاحبه بخير ما عنده.

وفي بعض الأحاديث : «أهدي إليه أجن زغب» (٤) ؛ أجن : جمع جنى ، والأصل أجنى على أفعل ، كما يجمع عصا على أعص ، والأصل : أعصو ، فقلبوا الضمّة في أجنى كسرة لتصحّ الياء ، ثم اعتلّ إعلال قاض. والإشارة بذلك إلى القثّاء ؛ سمّاه (٥) جنى لكونه غضّا ، والمشهور في رواية هذا (٦) «أجر» بالراء جمع جرو وهو القثّاء.

__________________

(١) ٥٤ / الرحمن : ٥٥.

(٢) ٢٥ / مريم : ١٩.

(٣) البيت لعمرو بن عدي كما في معجم الشعراء : ١٠ ، وذكر ذلك ديوان علي : ١٦١ ، فقد تمثّل به عند قسمته لما كان في بيت المال. كما ذكر الكلبي أن المثل لعمرو اللخمي ابن أخت جذيمة وهو أول من قاله.

(٤) وفي س : زغب أجن ، وهو وهم. ويريد بالحديث : القثاء الغض (النهاية : ١ / ٣١٠) ، ويقول ابن الأثير : «هكذا جاء في بعض الروايات ، والمشهور «أجر» بالراء. كما سيأتي.

(٥) الضمير عائد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(٦) يريد : رواية هذا الحديث.

٤٠٤

فصل الجيم والهاء

ج ه د :

قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ)(١).

الجهاد : استفراغ الوسع والطاقة في مدافعة العدوّ. وهو ثلاثة أنواع : جهاد العدوّ ظاهرا ، وهو الغزو لقتال الكفار لتكون كلمة الله هي العليا. وجهاد الملحدين بالحجج الواضحة. وجهاد العدوّ باطنا ، وهو جهاد النفس وجهاد الشيطان وهو أصعب الجهاد.

وفي الحديث : «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر» ؛ يعني مجاهدة النفس والشياطين ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن كان آمنا من ذلك لأنه معصوم لكن علّمنا ذلك ، وصدّق (٢) عليه الصلاة والسّلام ؛ فإنّ مراجعة النفس ومقابلتها أصعب من قتال أفتك الرجال. وهذا أمر محسوس نجده من أنفسنا ، فإنّ الأعمال البدنيّة أهون من الأعمال القلبية ، ولذلك نجد الناس يعالجون الصنائع الشاقّة ، ولا يعالج العلم منهم إلا القليل لأنه أمر قلبيّ.

وقوله تعالى : (لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ)(٣). الجهد : الطاقة والمشقّة ، وقرىء بالفتح (٤) ، فقيل : هما لغتان كالقرء والقرء. وقيل : بالضمّ الوسع وبالفتح المشقّة. وقال الشعبيّ : الجهد بالضمّ بمعنى القوت. والجهد [بالفتح] في العمل. وقال ابن عرفة : هو بالضمّ الوسع والطاقة ، وبالفتح : المبالغة والغاية /. ومنه : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ)(٥) أي بالغوا في اليمين وأجهدوا فيها بمعنى أنهم أجهدوا فيها أن يأتوا بها على أبلغ ما في وسعهم وطاقتهم. والاجتهاد افتعال من ذلك وهو أخذ النفس ببذل الطاقة وتحمّل

__________________

(١) ٧٨ / الحج : ٢٢.

(٢) وفي س : وصدقنا.

(٣) ٧٩ / التوبة : ٩.

(٤) قرأها بالفتح الأعرج وعطاء ومجاهد (مختصر الشواذ : ٥٤). ويقول الفراء : «والجهد لغة أهل الحجاز» (معاني الفراء : ١ / ٤٤٧).

(٥) ٥٣ / النور : ٢٤.

٤٠٥

المشقّة. يقال : جهدت رأيي واجتهدت فيه : أتعبته بالفكر والتأمّل.

والجهد : الهزال. وفي حديث أمّ معبد : «شاة خلّفها الجهد» (١) أي هزالها. ومنه جهد الرجل فهو مجهود. وعن الحسن : «لا يجهد الرجل ماله» (٢) أي لا يبذّره حتى يسأل غيره. وفي الحديث : «نزل بأرض جهاد» (٣) أي لا نبات بها وهي الجرز (٤).

ج ه ر :

الجهر : الظاهر المكشوف ضدّ السّر. يقال : جهرت الشيء : كشفته. وهو من قولهم : وجه جهير أي ظاهر الوضاءة. وجهرته وأجهرته بمعنى. وقوله : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٥) أي عيانا غير محتجب ، قالوه لجهلهم بصفاته العلى أو تعنّتا في الكفر.

وجهرت البئر واجتهرتها : أظهرت ماءها. والجهر : يقال لظهور الشيء بإفراط حاسّة البصر أو حاسّة السمع ؛ من الأول (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً)(٦) ، ورأيته جهارا. ومن الثاني : (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً)(٧) ، وقوله : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ)(٨)(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ)(٩)(وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها)(١٠)(وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ)(١١). ورجل جهوريّ الصوت وجهيره أي رفيع الصوت عاليه.

والجوهر : فوعل ، من الجهر المحسوس بالبصر لظهوره بإشراقه وتلألىء ضوئه.

__________________

(١) النهاية : ١ / ٣٢٠.

(٢) وتمام الحديث : «... ثم يقعد يسأل الناس» (النهاية : ١ / ٣٢٠).

(٣) النهاية : ١ / ٣٢٠.

(٤) الأرض الجرز : التي لا تنبت أو أكل نباتها. وقيل : هي الصلبة.

(٥) ١٥٣ / النساء : ٤.

(٦) ٥٥ / البقرة : ٢.

(٧) ٨ / نوح : ٧١.

(٨) ١٠ / الرعد : ١٣.

(٩) ١٣ / الملك : ٦٧.

(١٠) ١١٠ / الإسراء : ١٧.

(١١) ٢ / الحجرات : ٤٩.

٤٠٦

والجوهر في عرف المتكلمين : المقابل للعرض من ذلك لظهوره للحاسّة. وقيل : الجوهر : ما إذا بطل بطل محموله (١).

وجهرت الجيش واجتهرتهم : إذا نظرتهم ، فكثروا في عينك. ومنه وصف عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من رآه جهره» (٢) أي عظم عنده. ومنه الجهرة وهي حسن المنظر. قال القطاميّ (٣) : [من الطويل]

شنئتك إذ أبصرت جهرك سيّئا

وما غيّب الأقوام تابعة الجهر

وقوله : (بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً)(٤) أي يأتيهم العذاب مفاجأة من حيث لا يرونه ولا يشاهدونه.

ج ه ز :

الجهاز : ما يعدّ من متاع ونحوه. والتّجهيز : بعث ذلك ، أو حمله. وعليه قوله تعالى : (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ)(٥) ، وقرىء بالكسر (٦). وجهيزة : امرأة محمقة (٧) ، ثم قيل لكلّ من ترضع ولد غيرها جهيزة لذلك. وضرب البعير بجهازه : إذا ألقى متاعه في رحله فنفر. وجهاز العروس : أثاث البيت ومتاعه.

ج ه ل :

الجهل : ضدّ العلم ، والعلم : تصوّر الشيء بما هو عليه ، أو تصديق لذلك ، والجهل يقابله. وقيل : العلم ضروريّ فلا يحدّ ، وقيل : كسبيّ. والجهل ضربان : بسيط ومركب ،

__________________

(١) انظر تعريف الجوهر في التعريفات : ٤٣.

(٢) النهاية : ١ / ٣٢٠.

(٣) في ح : الطائي ، وفي س : طائي ، وصوبناه من اللسان (مادة جهر). و (ما) في البيت بمعنى الذي. يقول : ما غاب عنك من خبر الرجل فإنه تابع لمنظره ، وأنّث (تابعه) للمبالغة ، وهي كذلك في ديوانه. ورواية الهروي بضم الراء (الغريبين : ١ / ٤٢٨).

(٤) ٤٧ / الأنعام : ٦.

(٥) ٥٩ / يوسف : ١٢.

(٦) يحيى بن يعمر قرأ بكسر الجيم (مختصر الشواذ : ٦٤).

(٧) وقد قيل فيها : قطعت جهيزة قول كل خطيب ، وانظر قصة المثل في مجمع الأمثال : ٢ / ٩١.

٤٠٧

وأقبحهما الثاني لأنّ صاحبه يجهل ويجهل أنّه يجهل. وقد قسمه بعضهم إلى ثلاثة أقسام : الأول خلوّ النفس من العلم وهذا هو الأصل. ولذلك جعله بعض المتكلمين معنى مقتضيا للأفعال الخارجة على النظام ، كما جعل العلم معنى مقتضيا للأفعال الخارجة من النظام (١). والثاني اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه. والثالث فعل الشيء خلاف ما حقّه أن يفعل سواء أعتقده صحيحا أم فاسدا ، كمن ترك الصلاة (٢). وإذا أطلق الجهل فأكثر ما يراد به الذمّ ، وقد لا يرد (٣) بهذا المعنى كقوله : (يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ)(٤) يريد الجاهل بأحوالهم.

واستجهلت الريح الغضا أي استخفّته فحرّكته ، فكأنّ الجهل حقّه العلم كالسّفه. والمجهل : الأرض التي لا مثار بها (٥). قال (٦) : [من الطويل]

غدت [من](٧) عليه بعد ما تمّ ظمؤها

تصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل

والمجهل : أيضا (٨) الأمر والخصلة الحاملة للإنسان على اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه. وقد يطلق الجهل على مجازاته للمقابلة ، كقوله (٩) : [من الوافر]

ألا لا يجهلن أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

وفي الحديث : «أنّه عليه الصلاة والسّلام أخذ (١٠) أحد ابنيه (١١) وقال : إنكم

__________________

(١) الجملة مكررة في الأصل ، فأسقطناها.

(٢) يتركها جاحدا.

(٣) وفي الأصل : يرد لا. أي بمعنى الذم.

(٤) ٢٧٣ / البقرة : ٢.

(٥) وفي اللسان : لا يهتدي فيها.

(٦) البيت لمزاحم بن الحارث العقيلي يصف قطاة. استشهد به ابن هشام في المغني : ١٤٦ شاهدا على أن تكون (على) اسما بمعنى فوق إذا دخلت عليه من. كما استشهد ابن هشام بصدره في أوضح المسالك : ٢ / ١٥١.

(٧) ساقطة من الأصل ، والإضافة من المصدرين السابقين.

(٨) في الأصل : الإيضاء.

(٩) البيت لعمرو بن كلثوم ، وهو آخر معلقته (شرح المعلقات التسع : ٢ / ٦٧٩).

(١٠) وفي ح : أنه أخذ.

(١١) وفي ح : أحد بنيه.

٤٠٨

لتجهّلون وتجبّنون (١) وتبخّلون» (٢) يعني عليه الصلاة والسّلام مثل قول العرب : الولد مجهلة مجبنة مبخلة ؛ يعنون أنه يجبّن عن حضور الحرب ، ويجعل الرجل بخيلا بماله ، ويجهّلون ما كان يعلمه خاطره بمعيشتهم.

وفي الحديث : «إنّ من العلم جهلا» (٣) معناه أنّ العالم يكلّف ما لا يعلمه فيجهّله ذلك. وقال الجوهريّ : هو أن يتعلّم ما لا يحتاج إليه كالكلام والنجوم (٤) وكتب الأوائل. وجهلته أي لم أعرفه. وجهّلته بالتشديد : نسبته إليه. واستجهلته : وجدته جاهلا. وأجهلته : جعلته جاهلا. واستجهلته : حملته على الجهل أيضا. ومثله استعجل أي حمله على العجلة. كقول القطاميّ (٥) : [من البسيط]

فاستعجلونا وكانوا من حجابتنا (٦)

كما تعجّل (٧) فرّاط لورّاد

ومنه : استجهلت الريح القصبة ، كأنها حملتها على الجهل ، وهو الحركة كما تقدّم (٨)

ج ه ن :

جهنّم أعاذنا الله منها : اسم لنار الله الموقدة. قال بعضهم : هي فارسية معرّبة ، وأصلها جهنام (٩) ، وأكثر النحويين على ذلك ، كما نقله الراغب (١٠). فعلى هذا منع صرفها

__________________

(١) وفي الأصل : تجتنبون.

(٢) النهاية : ١ / ٣٢٢.

(٣) النهاية : ١ / ٣٢٢.

(٤) في الأصل : والنحو ، وهو وهم.

(٥) البيت من شواهد اللسان (مادة فرط).

(٦) وفي اللسان : صحابتنا ، ولعلها أصوب.

(٧) وفي اللسان : تقدّم.

(٨) جاء في هامش ح تعليقا على الجهل : «وليس كل من لا يعلم جاهلا بالإطلاق ، ولكن الجاهل في الحقيقة التارك طلب حد الشيء وحقه المعتمد على غير ما هو به ، ولو لا ذاك لما استحق اللائمة والمذمة على جهله» وهو من غير خط الناسخ.

(٩) المشهور أنها عبرية الأصل ولفظها «جهنّام» ؛ اسم لشخص أو لواد له في فلسطين ، وعليه ضبط اللسان والنهاية : ١ / ٣٢٣.

(١٠) ص ١٠٢ في المفردات.

٤٠٩

للعلمية ، وما قاله غير مشهور في النّقل ، بل المشهور عندهم أنّها عربية ، وأنّ منعها للعلمية والتأنيث. وحكى قطرب عن رؤبة (١) : ركيّة جهنّام أي بعيدة القعر ، واشتقاق جهنّم من ذلك لبعد قعرها. وفيها لغتان : بفتح الفاء والعين وهو المشهور وبكسرهما جميعا. وقيل : هل هي اسم لجميع نار الطبقات السبع ، أو هي أحد الطبقات السبع؟ للناس في ذلك كلام. والظاهر الأول لقوله تعالى : (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) الآية (٢). وقيل : هي نار غير العصاة.

فصل الجيم والواو

ج وب :

الجوب : قطع الجوب ، وهو كالغائط من الأرض. ثم استعمل في قطع كلّ أرض. قال تعالى : (جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ)(٣) أي قطعوه وجعلوه بيوتا يسكنونها. وقوله : «جوّاب ليل سرمد» (٤) أي قطّاع ليل بالسّرى. وجبت الفلاة : قطعتها سيرا. وقال أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه (٥) : «جيبت العرب عنا كما / جيبت الرّحى عن قطبها» ، وهذا من أبلغ الاستعارات ، يريد أنّه خرقت العرب عنا ، فكنّا وسطا وهي حوالينا ، وخيار الشيء وسطه ، كما خرقت الرّحى في وسطها لأجل قطبها الذي تدور عليه.

والجواب : السؤال من هذه المادة ، لأنه يقطع الجوب من في المتكلم إلى أذن السامع ، إلا أنه خصّ بما يعود من الكلام دون المبتدأ من الخطاب. والسؤال على ضربين : مقال وجوابه المقال ، وطلب نوال وجوابه النّوال ؛ فمن الأول : (أَجِيبُوا داعِيَ

__________________

(١) وفي س : رواية!

(٢) الآيتين ٤٣ و ٤٤ / الحجر ١٥.

(٣) ٩ / الفجر : ٨٩.

(٤) القول للقمان بن عاد (النهاية : ١ / ٣١١) ، وهو جزء من رجز.

(٥) قاله للأنصار يوم السقيفة (النهاية : ١ / ٣١٠).

٤١٠

اللهِ)(١). ومن الثاني : (قالَ : قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما)(٢) أي أعطيتما ما سألتما. ومثله : (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ)(٣). وفي الحديث (٤) : «أنّ رجلا قال : يا رسول الله أيّ الليل أجوب دعوة؟ قال : جوف الليل الغابر» ، قال شمر : أسرع إجابة نحو : أطوع من الطاعة. واستجاب بمعنى أجاب (٥). وأنشدوا (٦) : [من الطويل]

وداع دعا : يا (٧) من يجيب إلى النّدى

فلم يستجبه ، عند ذاك ، مجيب

وتحقيقه ما قاله الراغب (٨) : هو تحرّي الجواب وتهيّؤه له ، لكن عبّر به عن الإحاطة لقلّة انفكاكها منها.

ج ود :

قوله تعالى : (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ)(٩)

الجوديّ : جبل بين الموصل والجزيرة ، وقيل : بآمد ، وقيل : بالجزيرة. والأصل أنه منسوب إلى الجود. والجود : بذل المقتنيات مالا كان أو علما. يقال : رجل جواد ، وفرس جواد أي يجود بمدّ عدوه.

ويقال للمطر الغزير : جود بالفتح. وفي الفرس جودة (١٠) ، وفي المال جود بالضم فيهما. والله تعالى يوصف بالجواد لكثرة جوده على خلقه. وفيه إشارة إلى قوله تعالى :

__________________

(١) ٣١ / الأحقاف : ٤٦.

(٢) ٨٩ / يونس : ١٠.

(٣) ١٨٦ / البقرة : ٢.

(٤) النهاية : ١ / ٣١١.

(٥) وقياسه أن يكون من جاب لا من أجاب ؛ لأن ما زاد على الفعل الثلاثي لا يبني منه أفعل من كذا إلا في أحرف جاءت شاذة (النهاية : ١ / ٣١١).

(٦) البيت لكعب الغنوي يرثي أخاه أبا المغوار من قصيدة (الأصمعيات : ٩٦. اللسان ـ مادة جوب).

(٧) في الأصل : دعانا ، والتصويب من الحاشية السابقة. فلم يستجبه : فلم يجبه.

(٨) المفردات : ١٠٢.

(٩) ٤٤ / هود : ١١.

(١٠) في الأصل : جود.

٤١١

(أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى)(١). والجواد مخفف ، والتشديد غير محفوظ. فإن قصدت المبالغة فلا مانع منها ، فيؤتى به مشدّدا.

وفي الحديث : «للمضمّر المجيد» (٢) أي صاحب الجواد ، نحو مقو (٣) ومضعف (٤) لمن كانت دابّته قويّة أو ضعيفة ، والأصل المجود فأعلّ بنقل كسرة العين إلى الفاء ، وقلب العين ياء. وفي الحديث : «تركتهم وقد جيدوا» (٥) أي مطروا مطرا جودا (٦) ، والأصل جوادا فأعلّ : كما نقل قيلوا.

ج ور :

الجار في الأصل معرب ، وهو من الأسماء المتضايفة ؛ فإنّه (٧) لا يكون جارا لغيره إلا وغيره جار له كالأخ والصديق. ولما استعظم من حقّ الجار عقلا وشرعا عدّ كلّ من يعظم حقّه أو يعظّم حقّ غيره بالجار ، كقوله تعالى : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى)(٨)(وَالْجارِ الْجُنُبِ)(٩). وتصوّر منه (١٠) معنى القرب ، فقيل لمن يقرب من غيره : جاره وجاوره [وتجاور](١١) نحو جازه وتجاوزه. وتجاوروا بمعنى اجتوروا (١٢). قال تعالى : (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ)(١٣) على التّشبيه بالجيران. من جاورك فقد جاورته ، وإنّهما

__________________

(١) ٥٠ / طه : ٢٠.

(٢) تمام الحديث : «باعده الله من النار سبعين خريفا للمضمّر المجيد» (النهاية : ١ / ٣١٢).

(٣) وفي ح : مستو ، وفي س : مستور ، ولعلها كما ذكرنا.

(٤) الكلمة ساقطة من ح.

(٥) يريد أهل مكة (النهاية : ١ / ٣١٢).

(٦) في الأصل : جوادا ، ولعلها كما ذكرنا. والثانية في س : جودا.

(٧) يعني : فإن الجار.

(٨) ٣٦ / النساء : ٤.

(٩) من الآية السابقة.

(١٠) يعني من الجار.

(١١) إضافة من المفردات.

(١٢) وفي س : اجتروا.

(١٣) ٤ / الرعد : ١٣.

٤١٢

متجاوران. وباعتبار القرب قيل : جار عن الطريق. ثم جعل ذلك عبارة عن كلّ ميل عن الحقّ والعدل ، فقيل : جار في حكمه إذا عدل عن الحقّ.

وقوله تعالى : (وَمِنْها جائِرٌ)(١) أي عن السبيل ؛ قيل : هو عادل عن المحجّة (٢) ، وذلك عبارة عن الطريق الموصلة إلى الخير وإلى الشرّ. فقال تعالى : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ)(٣) أي مستوى الطريق. ثم أخبر أنّ من الطرق ما هو خارج عن هذا القصد ، ناكب عنه (٤). وما أحسن ما نسب القصد لنفسه دون الجور ، وإن كان الباري تعالى هو خالق كلّ شيء من خير وشرّ ، ولكنه من باب : (بِيَدِكَ الْخَيْرُ)(٥)(وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)(٦)

وقوله : (وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ)(٧) أي يؤمّن من يخاف من غيره ، ولا يؤمّن من يخيفه هو. يقال (٨) : أجرت فلانا أي حميته ومنعته. واستجار بي أي استغاث بي واحتمى وامتنع.

ج وز :

قوله تعالى : (فَلَمَّا جاوَزَهُ)(٩) أي تعدّاه.

يقال : جزت البلد أي تعدّيته ، فجاوز بمعنى تجاوز. ومنه قيل للفعل المتعدّي : متجاوز ، وأصله من لفظ الجوز. والجوز : الوسط. تقول : رأيت (١٠) جوز السماء أي

__________________

(١) ٩ / النحل : ١٦.

(٢) في الأصل : الحجة. أي مائل عنها.

(٣) ٩ / النحل : ١٦.

(٤) نكب عنه : عدل.

(٥) ٢٦ / آل عمران : ٣ ، أي من باب نسبة ما هو خير إلى الله دون ما هو شر ، وإن كان كلاهما من الله كما تقدم فوق.

(٦) ٨٠ / الشعراء : ٢٦.

(٧) ٨٨ / المؤمنون : ٢٣.

(٨) وفي ح : يقول.

(٩) ٢٤٩ / البقرة : ٢.

(١٠) ساطة من ح.

٤١٣

وسطها. ومن ذلك الجوزاء (١) لأنّها (٢) تتوسّط جوز السماء ، قال امرؤ القيس (٣) :

فقلت له لما تمطّى بجوزه (٤)

وأردف أعجازا وناء بكلكل

أي تمطّى بوسطه ، ولذلك يروى بصلبه. فمعنى جاوزه أي تجاوز جوزه. وجزت المكان : ذهبت فيه ودخلته. وأجزته : خلّفته.

وشاة جوزاء : ابيضّ وسطها. والمجاز : مفعل من جاز يجوز ، لأنّه يجاوز موضعه الذي وضع له ، عكس الحقيقة فإنّها ثابتة لما وضعت له. والجائزة : العطيّة ، لأنها تجاوز معطيها. والجيزة : الناحية ، والجمع الجيز. والجيزة أيضا : قدر ماء يجوز به المسافر من منهل إلى منهل.

وجائز البيت : الخشبة المعروضة في وسطه ؛ يوضع عليها أطراف الخشب. والجمع أجوزة وجوزان. واستجزته فأجازك أي استسقيته فسقاك ، وهو استعارة. والمجيز : البائع ، ووليّ النّكاح ، والعبد المأذون له.

ج وس :

قوله تعالى : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ)(٥) أي دخلوا وتوسّطوا ووطئوا. ومثله حاس يحوس بالمهملة. وقيل : الجوس : طلب الشيء باستقصاء. وقال أبو عبيد : كلّ موضع خالطته ووطئته فقد جسته وحسته (٦). وأنشد للحطيئة (٧) : [من الكامل]

يا لعمرو من طول الثّقاف وجارهم

يعطي الظّلامة في الخطوب الحوّس

__________________

(١) وفي ح : جواز.

(٢) في ح : إلا أنها.

(٣) البيت من معلقة امرؤ القيس (الديوان : ٣٦ ، شرح المعلقات التسع : ١ / ١٦٠).

(٤) كذا في الأصل ، وفي المصادر : بصلبه.

(٥) ٥ / الإسراء : ١٧.

(٦) في الأصل : حسيته ، والتصويب من اللسان.

(٧) ديوانه : ٢٧٣ ، من قصيدة يهجو أمه وأباه. وصدره فيه :

بالهمز من طول النقاف وجارهم

٤١٤

يعني الأمور التي تغشاهم وتتخلّل ديارهم.

ج وع :

قوله تعالى : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ)(١) من أبلغ الاستعارات حيث جعل للجوع لباسا ، ثم رجع إلى أصله في قوله ، والإذاقة في المطعوم دون الملبوس ، وله موضع حقّقناه فيه. والجوع ألم يحصل للحيوان من خلوّ المعدة ، يقال : جائع وجوعان ، وجيعان خطأ.

وقوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّما الرّضاعة من المجاعة» (٢) معناه الذي تثبت له حرمة الرّضاع هو الذي خوّف الجوع ، فإذا استغنى عنه فلا تثبت له حرمة. وقدّره الفقهاء بمدة الرّضاع الكاملة حولين. وما زاد لا عبرة به.

ج وو :

قوله تعالى : (فِي جَوِّ السَّماءِ)(٣).

الجوّ : الهواء البعيد من الأرض ، وهو اللوح والسّكاك (٤) أيضا. وجوّ كلّ شيء داخله وباطنه. وفي حديث سلمان : «إنّ لكلّ شيء جوّانيّا وبرّانيّا» (٥) أي ظاهر وباطن ، قال شمر : قال بعضهم : يعني سرّه وعلنه. وقال الشاعر : [من الطويل]

فلست لأنسيّ ولكن لملأك

تنزّل ، من جوّ السماء يصوب / (٦)

__________________

(١) ١١٢ / النحل : ١٦.

(٢) النهاية : ١ / ٣١٦.

(٣) ٧٩ / النحل : ١٦.

(٤) السكاك : الهواء في أعالي الجو.

(٥) النهاية : ١ / ٣١٩.

(٦) البيت مضطرب وناقص ، والتصويب من اللسان (مادة ـ ملك) وهو لأبي وجزة يمدح به عبد الله بن الزبير. وقيل لغيره.

٤١٥

فصل الجيم والياء

ج يء :

المجيء : الإتيان ، ويعبّر به عن القصد بالأمر والتّدبير ، ومنه (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ)(١) وفرّق بعضهم بين المجيء والإتيان فقال : المجيء أعمّ لأنّ الإتيان مجيء بسهولة. والإتيان قد يكون باعتبار القصد وإن لم يكن حصول. والمجيء يقال باعتبار الحصول. وجاء في الأعيان والمعاني ، ولما يكون بذاته وبأمره ، ولمن قصد مكانا أو زمانا أو عملا ، ومنه : (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً)(٢) أي قصدوهما. وجاء بكذا : استحضره ، ومنه : (لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ)(٣).

وأجأت زيدا : جعلته جائيا ، ومنه قوله تعالى : (فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ)(٤) ومن قال : معناه ألجأها فمراده ذلك لأنّه لازمه. وقوله : (فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ)(٥) بمعنى حضر وهو مجاز ، لأن الأصل المجيء في الأعيان ودون المعاني.

ج ي ب :

قوله تعالى : (عَلى جُيُوبِهِنَ)(٦).

جمع جيب. والجيب من القميص : طوقه ؛ أمرن أن يسدلن الخمر على الجيوب ، لأنه ربّما تبدو نحورهنّ من ذلك وبعض صدورهن. ويجوز جيوب بضمّ الجيم وكسرها ، وقرىء بهما في السبع كالبيوت والعيون والشيوخ.

__________________

(١) ٢٢ / الفجر : ٨٩.

(٢) ٤ / الفرقان : ٢٥.

(٣) ١٣ / النور : ٢٤.

(٤) ٢٣ / مريم : ١٩.

(٥) ١٩ / الأحزاب : ٣٣.

(٦) ٣١ / النور : ٢٤.

٤١٦

ج ي د :

قال الله تعالى (فِي جِيدِها حَبْلٌ)(١).

الجيد : العنق ، ويجمع على أجياد. وقال الشاعر (٢) : [من الطويل]

فعيناك عيناها وجيدك جيدها

خلا أنّ عظم الساق منك دقيق

وقال امرؤ القيس (٣) : [من الطويل]

وجيد كجيد الرئم ليس بفاحش

إذا هي نضّته ولا بمعطّل

__________________

(١) ٥ / المسد : ١١١.

(٢) البيت لقيس بن الملوح. وفي الديوان المطبوع : سوى أن. وفي ديوان المخطوط (تحت الطبع) ولكن أن.

(٣) من معلقته (الديوان : ٣٤. شرح المعلقات التسع : ١ / ١٤٤). نضته : رفعته ونصبته.

٤١٧

باب الحاء

فصل الحاء والباء

ح ب ب (١) :

قوله تعالى : (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)(٢).

محبة الله للعباد : إرادة الخير بهم وغفران ذنوبهم ، ولذلك قال الأزهريّ : إنعامه عليهم بالغفران ، ومحبة العباد لربّهم ولرسوله : طاعتهم لهما وامتثال أوامرهما واجتناب نواهيهما. وعليه قوله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)(٣) ، وقال تعالى : (فَإِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ)(٤) أي لا يغفر لهم. وقال ابن عرفة : المحبة عند العرب إرادة الشيء على قصد له.

قلت : وفرّق بعضهم (٥) بين الإرادة والمحبّة فقال : والمحبة إرادة ما يراه ويظنّه خيرا. وهي على ثلاثة أوجه : محبة للّذة كمحبة الرجل للمرأة ، ومنه : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ)(٦) ، ومحبة للنّفع كمحبة ما ينتفع به ومنه : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها)(٧). ومحبة للفضل

__________________

(١) جاء في هامش ح : «ح أب : كلاب الحوأب مهموز لا غير. وأنشد الفراء في الإعراب :

ما هي إلا شربة بالحوأب

فصعّدي من بعدها أو صوّبي

(٢) ٥٤ / المائدة : ٥.

(٣) ٣١ / آل عمران : ٣.

(٤) ٣٢ / آل عمران : ٣.

(٥) هو الراغب في المفردات.

(٦) ٨ / الإنسان : ٧٦.

(٧) ١٣ / الصف : ٦١.

٤١٨

كمحبة العلماء بعضهم لبعض لأجل العلم. وربّما فسّرت (١) المحبة بالإرادة في قوله : (يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا)(٢) ، وقال : ليس كذلك ؛ فإنّ المحبّة أبلغ من الإرادة كما تقدّم. فكلّ محبة إرادة وليس كلّ إرادة محبة. (٣)

وقوله : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(٤) أي يثيبهم. وفي عكسه : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ)(٥). وفيه تنبيه على أنّه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه في ذلك. وإذا لم يتب لم يحبّه الله تعالى المحبة التي وعد الله التوّابين والمتطهّرين. والاستحباب حقيقته طلب المحبة إلا أنّه ضمّن معنى الإيثار ، ولذلك عدّي بعلى ؛ قال تعالى : (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى)(٦) أي آثروه عليه. وقوله : (اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ)(٧). وقال بعضهم : الاستحباب : تحرّي الإنسان في الشيء وأن يحبّه. وحقيقة المحبة في الأناسي : إصابة حبة القلب. يقال : حببت زيدا أي أصبت حبة قلبه ، نحو : كبدته ورأسته. وأحببته : جعلت قلبي مغرما بأن يحبّه. واستعمل أيضا حببت في موضع أحببت ، إلا أنّ الأكثر الاستغناء باسم مفعول الثلاثيّ عن اسم مفعول الرباعيّ ، نحو : أحببته فهو محبوب ، والقياس محبّ وقد جاء. قال عنترة (٨) : [من الكامل]

ولقد نزلت فلا تظنّي غيره

منّي بمنزلة المحبّ المكرم

وقوله تعالى : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي)(٩) الأصل أحببت الخيل (١٠) حبّي للخير ، قاله الراغب ، وقال غيره : المعنى : آثرت حبّ الخير على ذكر ربّي ؛ فعن بمعنى على ، وهذا لا أحبّه. وقد أوضحنا هذا في غير هذا الموضوع.

__________________

(١) في الأصل : فسر.

(٢) ١٠٨ / التوبة : ٩.

(٣) ساقطة من ح.

(٤) ٢٢٢ / البقرة : ٢.

(٥) ٢٧٦ / البقرة : ٢.

(٦) ١٧ / فصلت : ٤١.

(٧) ٢٣ / التوبة : ٩.

(٨) من معلقته (شرح المعلقات التسع : ٢ / ٤٦٥).

(٩) ٣٢ / ص : ٣٨.

(١٠) في الأصل : الخير ، ولعل الصواب ما ذكرنا.

٤١٩

والحبّ والحبّة : الحنطة والشّعير والذّرة ، ومما جرى مجراها. وعليه قوله : (جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ)(١) أي المعدّ للحصد من الحنطة وشبهها. وكقوله : (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ) الآية (٢) قيل : المراد به الدّخن (٣) وفيه نظر ، لأنّ السنبل غلب واختصّ بالحنطة والشعير.

وأمّا الحبة بكسر الحاء من قوله عليه الصلاة والسّلام : «ينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل» (٤) فقال أبو عمرو : هي نبت ينبت في الحشيش صغار (٥). وقال الفراء : هي بزور البقول. وقال الكسائيّ : هي حبّ الرياحين ، الواحدة حبّة. وقال ابن شميل : الحبة بضم الحاء وتخفيف الباء : القضيب من الكرم يغرس فيصير حبة. والحبة بالكسر والتشديد اسم جامع لحبوب البقول التي تنثر ، ثم إذا أمطرت من قابل نبتت ، واتّفقوا على ذلك. فحبّ وحبّة بالفتح والتشديد ، نحو حبة القمح وحبة العنب وحبة القلب على التشبيه بحبّة الحنطة في الهيئة.

والحباب : النّفّاخات التي تعلو الماء والخمر تشبيها بذلك في الهيئة. والحبب : تنضيد الأسنان وانتظامها كما ينظم حبّ اللؤلؤ. ومنه قول أبي عباد (٦) : [من السريع]

كأنما يبسم عن لؤلؤ

منضّد أو برد أو أقاح

وقوله : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ)(٧) أي أوصل محبّته إليكم فجعلكم تحبونه وتريدونه على غيره. وقوله : (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ)(٨) أي يعظّمونهم تعظيمهم ، ويرجونها رجاءه (٩).

__________________

(١) ٩ / ق : ٥٠.

(٢) ٢٦١ / البقرة : ٢.

(٣) الدخن : نبات حبه صغير يقدّم طعاما للطيور والدجاج.

(٤) النهاية : ١ / ٣٢٦.

(٥) وفي النهاية : هي بزور البقول وحبّ الرياحين.

(٦) البيت للبحتري مع اختلاف في الرواية (الديوان : ٢ / ١٦٥).

(٧) ٧ / الحجرات : ٤٩.

(٨) ١٦٥ / البقرة : ٢.

(٩) جاء في هامش ح : «الفرق ين العشق والمحبة : إذا وصل إلى المعشوق يزول عشقه بخلاف المحبة ؛ ـ

٤٢٠