عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

الاسم تارة والربّ أخرى ، وبالاعتبارين قرىء «ذو» بالواو و «ذي» بالياء ، ولم يقرأ في قوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ)(١) إلا بالواوّ كما بينّاه في غير هذا الكتاب.

والجليل : العظيم القدر ، ووصف الله تعالى بذلك إمّا لأنه خلق الأشياء الجليلة المستدلّ بها على عظمه ، وإمّا لأنّه يجلّ أن يدرك بالحواسّ ، وإمّا لأنّه يجلّ [عن](٢) أن يحاط به.

وموضوعه لغة : الجسم الغليظ العظيم ، ولذلك قوبل به الدقيق ، وجعل الجليل عبارة عن البعير لعظمه ، والدقيق عبارة عن الشاة بالنسبة إليه في قولهم : ماله دقيق ولا جليل. وما أجلّني ولا أدقّني : أي ما أعطاني بعيرا ولا شاة. وكما قوبل الجليل بالدّقيق قوبل العظيم بالصّغير ، ثمّ أطلق الجليل والدقيق على كلّ كبير وصغير.

والجلل : الشيء العظيم ، وقد يستعمل في الحقير من باب العكس ، ومنه : كلّ مصيبة (٣) دونك جلل.

وجللت الشيء : أخذت جلّه أي معظمه. وتجلّلت البعير : تناولته (٤). والجلّ : ما يعطى به معظم الشيء. ومنه جلّ الدابّة (٥).

والمجلّة : ما يغطّى به المصحف ، ثم سمي المصحف نفسه مجلة (٦).

والجلّالة (٧) : التي تأكل جلّ ما تلقاه من العذرة وغيرها ؛ سميت بذلك لأنها تأكل جلّ ما تلقاه. وسحاب مجلّل (٨) أي يجلّل الأرض بالماء والنبات. والجلجلة : حكاية الصوت ، وليس من هذا في شيء.

__________________

(١) ٢٧ / الرحمن : ٥٥.

(٢) إضافة المحقق.

(٣) في الأصل : مصيب.

(٤) وفي المفردات (ص ٩٥) : تناولت جلاله. وهو أصوب.

(٥) وبفتح الجيم : ما تلبسه لتصان به.

(٦) وهي في الأصل : صحيفة يكتب بها. ويقول ابن سيده : والمجلة : الصحيفة فيها الحكمة.

(٧) يعني : الإبل الجلّالة.

(٨) في الأصل : جلل ، ولعل الصواب ما ذكرنا.

٣٨١

ج ل ب :

قوله تعالى : (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ)(١) أي اجمع عليهم ما قدرت عليه من جندك ومكايدك. وأجلب عليه : توعّده بالشرّ ، وجمع عليه الجيش (٢). وأصل الجلب : سوق الشيء. يقال : جلبت المتاع جلبا. قال الشاعر : [من الطويل]

وقد يجلب الشيء البعيد الجوالب (٣)

وأجلب عليه : صاح عليه بقهر. ومنه (وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ). والجلب : المنهيّ عنه في قوله : «ولا جلب ولا جنب» (٤).

قال أبو عبيد : الجلب يكون في شيئين أحدهما : أن يجلّب الرجل على فرسه في السباق أي يصيح عليه ليزجره ، فيزيد جريه ويسبق غيره ، فنهي عنه لما في ذلك من [الخديعة](٥). الثاني (٦) : أن يأتي المصدّق إلى القوم فيجد مواشيهم على المياه والمرعى فيرسل في إثرها فتجيء ويجلبها أهلها ليعدّها. فنهى عن ذلك ، وأمر بأن يعدّها في مياهها ومراعيها.

والجلبة (٧) : جلدة تعلو الجرح ، وتلبس القتب (٨). ويقال : جلب الجرح أي أجلبه (٩) وأجلبت القتب : ألبسته الجلد. قال النابغة الجعديّ : [من الرجز]

[عافاك ربّي من قروح جلّب

بعد نتوض الجلد والتّقوّب](١٠)

__________________

(١) ٦٤ / الإسراء : ١٧.

(٢) والكلام لابن الأعرابي كما في الغريبين : ١ / ٣٧٣.

(٣) من شواهد الراغب في المفردات : ٩٥ ، وفيه : الجواب ، وبها ينكسر البيت.

(٤) النهاية : ١ / ٢٨١.

(٥) فراغ في الأصل ، والإضافة من اللسان ـ مادة جلب.

(٦) وهذا يخصّ الزكاة.

(٧) في الأصل : والجلب ، والتصويب من اللسان والمفردات. وهي تعلوه عند البرء.

(٨) وفي س : العيب. أي وهي الجلدة التي تعلو القتب.

(٩) في ح : أي جلبه. وفي س : أي ما جلبه. والتصويب من اللسان.

(١٠) فراغ في ح مكان البيت ، ولا فراغ في س. فنقلناه من اللسان ، ولم يعزه ابن منظور. نتض الجلد : تقشّر من داء كالقوباء.

٣٨٢

والجلبة : سحابة رقيقة ، تشبيها بالجلبة.

وقوله تعالى : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ)(١) ؛ الجلابيب : جمع جلباب وهو القميص والإزار والبرد أو الخمار ونحوها.

والجلبة : الصياح. والجلبان بضمتين مع تخفيف الباء وتشديدها هو شبه الجراب يجعل فيه السيف بقرابه. وربّما جعل الرجل فيها سوطه أيضا. ولجفائه وغلظه سميت المرأة الغليظة جلبّابة (٢).

وفي الحديث : «كان إذا اغتسل دعا بشيء مثل الجلّاب» (٣). قال الأزهريّ : هو فارسيّ معرّب (٤). وجعله الهرويّ تصحيفا ؛ وإنّما هو الحلاب بالحاء المهملة ، وهو المحلب الذي يحلب فيه (٥) ، واستدلّ بأنّ في رواية أخرى : «دعا بإناء مثل الحلاب» (٦) أي المحلب.

ج ل ت :

قوله تعالى : (وَقَتَلَ داوُدُ جالُوتَ)(٧). في جالوت قولان أظهرهما أنه أعجميّ لا اشتقاق له ، فلذلك منع من الصرف للعلمية والعجمة. وهو اسم ملك جبار ، وقصته مشهورة مع داود عليه‌السلام (٨). والثاني أنه مشتقّ من : جال ووزنه فعلوت كرهبوت ، والأصل جولوت ؛ فقلبت الواو ألفا ، وهذا ليس بشيء كما بينّاه في غير هذا الكتاب.

__________________

(١) ٥٩ / الأحزاب : ٣٣.

(٢) وفي ح كلمة «قال» ، قأسقطناها.

(٣) النهاية : ١ / ٢٨٢. يقول ابن الأثير : «وفي هذا الحديث خلاف وكلام فيه طول ، وسنذكره في حلب من حرف الحاء».

(٤) كلمة فارسية مركبة من «كل : زهر+ آب : ماء» ومعناها ماء الزهر.

(٥) قال الأزهري : «قال أصحاب المعاني : إنه الحلاب وهو ما تحلب فيه الغنم.

(٦) النهاية : ١ / ٤٢٢.

(٧) ٢٥١ / سورة البقرة : ٢.

(٨) انظرها في كتابنا «معجم إعلام القرآن» مادة ـ جالوت.

٣٨٣

ج ل د :

الجلد : قشر بدن الحيوان ، وجمعه جلود. قال تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ)(١) هذه عبارة عن ظواهر الأبدان. وقد يكنى بها عن الأيدي والألسن والأرجل في قوله : (تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ)(٢). وقيل : هي (٣) كناية عن الفروج. وقوله : (فَاجْلِدُوهُمْ)(٤) يجوز أن يكون أصيبوا جلدهم بالضرب. يقال : جلدته أي أصبت جلده ، نحو : ظهرته وبطنته : أصبت ظهره وبطنه. وقيل : اضربوهم بالجلد ، نحو عصاه أي ضربه بالعصا.

والجلادة : القوّة. يقال : جلد يجلد فهو جلد وجليد ، وأصله اكتساب الجلد قوة. وأرض جلدة وجلد : صلبة ، تشبيها بذلك ، ومنه قول النابغة (٥) : [من البسيط]

والنّؤي (٦) كالحوض بالمظلومة الجلد

وناقة جلدة كذلك. وجلدت البعير : أزلت جلده. والجلد : الجلد المنزوع عن البعير. والمجلود مصدر. ومنه : ماله معقول ولا مجلود ، أي لا عقل ولا جلد. وفرس مجلود : لا يفزع من الضرب. وفي الحديث : «على أجالدهم» (٧) والأجالد جمع أجلاد ، وأجلاد جمع جلد وهو الجسم ، والتّجاليد مثله. يقال : هو عظيم الأجلاد والأجالد والتّجاليد. وما أشبه أجلاده بأجلاد أبيه! أي شخصه بشخص أبيه. قال الأعشى (٨) : [من الوافر]

__________________

(١) ٥٦ / النساء : ٤.

(٢) ٢٤ / النور : ٢٤.

(٣) هي : ضمير عائد على الجلود في قوله تعالى : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) (٢١ / فصلت ٤١).

(٤) ٤ / النور : ٢٤.

(٥) عجز من معلقة النابغة (الديوان : ٣) وصدره :

إلا الأواريّ لأيا ما أبيّنها

(٦) في الأصل : والقوي ، وهو وهم.

(٧) من حديث القسامة (النهاية : ١ / ٢٨٤) أي على أنفسهم.

(٨) ديوان الأعشى : ٧١ ، والآرام : حجارة تنصب في المفازة يهتدى بها ، مفردها إرم.

٣٨٤

وبيداء تحسب آرامها

رجال إياد بأجلادها

والجليد : السقيط ، تشبيها بالجلد في الصّلابة. وروى الربيع عن الشافعيّ : كان مجالد يجلد أي يكذّب ؛ وقال أبو زيد : [فلان](١) يجلد بكلّ خير ، أي يظنّ [به](٢).

ج ل س :

قوله تعالى : (إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ)(٣).

المجلس : موضع الجلوس. والجلوس : القعود. وقيل : القعود ما كان عن نوم ، والجلوس ما كان عن قيام. قيل : وأصل الجلس : الغليظ من الأرض ، وقيل : المرتفع. وسمي النخل جلسا لذلك.

وفي الحديث : «غوريّها وجلسيّها» (٤). وجلس أصله أن يقصد بمقعده جلسا من الأرض. ثم جعل الجلوس لكلّ قعود. والمجلس لكل موضع يقعد فيه الإنسان. قال مهلهل يرثي كليبا أخاه : [من الكامل]

نبّئت أنّ النار بعدك أو قدت

واستبّ بعدك يا كليب المجلس (٥)

ويقال : جلس يجلس جلسا أي أتى نجدا. وجلس يجلس جلوسا أي قعد فهو جالس. فوقع الفرق بينهما في المصدر.

ج ل و :

الجلاء : الصّقال. جلوت السيف أجلوه : أزلت صدأه. وأصله الكشف والإظهار والجلاء ، بالفتح ، الإبراز والإخراج عن المنازل. يقال : جلوت القوم / أجلوهم جلاء

__________________

(١ و ٢) إضافة المحقق.

(٣) ١١ / المجادلة : ٥٨.

(٤) الحديث : «أقطع بلال بن الحارث معادن الجبليّة (القبلية) ؛ غوريّها وجلسيّها» (النهاية : ١ / ٢٨٦).

(٥) مطلع لبيتين مذكورين في الحماسة : ١ / ٩٢٨. وانظر الأغاني : ٤ / ١٣٩ ، والخزانة : ١ / ٣٠٠.

٣٨٥

فجلوا أي أخرجتهم فخرجوا. ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ)(١) أي الطرد والإخراج. ويقال : أجليتهم إجلاء. ومن الأول قوله (٢) : [من الطويل]

فلمّا جلاها (٣) بالإيام تحيّزت (٤)

ثباب عليها ذلّها واكتئابها

وجلالي الخبر أي ظهر فهذا لازم ، وخبر جليّ ، وقياس جليّ ، ولم يسمع جال (٥).

ويقال : جلا عن وطنه وأجلى وتجلّى بمعنى. وقوله : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ)(٦) أي ظهر أمره. وقوله : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ)(٧) أي لا يكشف أمر القيامة إلا الله. وقوله : (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى)(٨) أي انكشف ، وقوله : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها)(٩) أي جلّى الشمس لأنّها تبين إذا انبسط النهار.

وقيل : جلا الظلمة : أظهرها لدلالة الفحوى كقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ)(١٠) ، (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ)(١١). وابن جلا : كناية عن النهار ، ومنه قول سحيم (١٢) : [من الوافر]

أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

فجلا عند سيبويه فعل ماض (١٣) ، والأصل : أنا ابن رجل جلا أي كشف الأمور. وقال

__________________

(١) ٣ / الحشر ٥٩.

(٢) البيت لأبي ذؤيب يصف النحل ـ وانظره سابقا ـ (ديوان الهذليين : ١ / ٧٩) ،

(٣) في الديوان : اجتلاها.

(٤) وفي رواية : تحيرت (النحل).

(٥) أو بصيغة الفعل (جال).

(٦) ١٤٣ / الأعراف : ٧.

(٧) ١٨٧ / الأعراف : ٧.

(٨) ٢ / الليل : ٩٢.

(٩) ٣ / الشمس : ٩١.

(١٠) ٢٦ / الرحمن : ٥٥.

(١١) ٣٢ / ص : ٣٨.

(١٢) البيت من قصيدة لسحيم بن وثيل الرياحي (البيان والتبيّن : ٢ / ٣٠٨ ، الأصمعيات : ١٧).

(١٣) يرى سيبويه أنه جملة محكية ، كأنه قال : أنا ابن الذي يقال له : جلا. بينما يرى الزمخشري أنه فعل ماض مع ضميره صفة لموصوف محذوف (الكتاب : ٣ / ٢٠٧ ، مع حواشيها).

٣٨٦

غيره : تقديره : أنا ابن الذي جلا. وقيل : جلا لا ضمير فيه ، ومن حقّه على هذا أن ينوّن. وفي البيت بحث حقّقناه في باب ما لا ينصرف في موضع غير هذا.

ورجل أجلى أي حسر الشّعر عن بعض رأسه. والتّجلّي قد يكون بالذات نحو (وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) ، وقد يكون بالأمر ، ومنه : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ). وقال القلاخ (١) : [من الرجز]

أنا القّلاخ بن جناب بن جلا

أخو (٢) خناثير أقود الجملا

فصل الجيم والميم

ج م ح :

قوله تعالى : (لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)(٣) أي يسرعون ، ومنه فرس جموح. وعليه قول امرىء القيس (٤) : [من المتقارب]

جموحا مروحا (٥) وإحضارها

كمعمعة السّعف الموقد

وقيل : يميلون. قال ابن عرفة : ومنه دابّة جموح وهي التي تميل في أحد شقّيها. والدابّة الجموح : التي لا يردّها لجام. يقال : جمحت الدابة تجمح جماحا وجموحا فهي جامح وجموح. والجماح والجموح أبلغ من النشاط والمرح.

والجماح : سهم على رأسه مثل البندقة يرمي بها الصّبيان.

__________________

(١) الشعر والشعراء : ٥٩٦ ، واللسان مادة : جلا. وهو القلاخ بن حزن بن جناب السعدي.

(٢) ورواية اللسان : أبو. الخناثير : الدواهي. وتلفظ : الخناسير.

(٣) ٥٧ / التوبة : ٩.

(٤) الديوان : ١٢٨.

(٥) وفي الديوان : سموحا جموحا. الإحضار : نوع من الجري فوق التقريب. المعمعة : صوت النار. السعف : الموقد.

٣٨٧

ج م د :

الجمود : الثبوت والاستقرار ضدّ التحرّك. ومنه قوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً)(١) أي واقفة لا تتحرّك. قال ابن عرفة : إذا ضمّ الجبال بعضها إلى بعض وسارت لم يتبيّن مرورها. والعرب تحكي أن الأشياء الكثيفة إذا تحرّكت لا تظهر حركتها. وأنشد للجعديّ يصف جيشا (٢) : [من الطويل]

بأرعن مثل الطّود تحسب أنهم

وقوف لحاج والرّكاب تهملج

وفي الحديث : «إذا وقعت الجوامد فلا شفعة» (٣) ، الجوامد : الأرف وهي الحدود ، الواحدة جامدة (٤) ، ويفسره الحديث الآخر (٥) ؛ وجمد الرّجل يجمد : بخل بالحقّ. وأجمد فهو مجمد إذا صار أمينا.

والجمود يقابل الإيماع ، يقال : دهن جامد ومائع. والجماد يقابل الحيوان ، فيقال : الموجودات قسمان : جماد وحيوان. والجمد : ما جمد من الماء. قال (٦) : [من البسيط]

سبحانه ثم سبحانا يعود (٧) له

وقبلنا سبّح الجوديّ والجمد

ج م ع :

الجمع : ضدّ التفريق ، وهو ضمّ الأشياء بتقريب بعضها من بعض. وأجمع أكثر ما يقال في المعاني ، وجمع في المعاني والأعيان ؛ فيقال : جمعت أمري ، وجمعت قومي.

__________________

(١) ٨٨ / النمل : ٢٧.

(٢) ديوانه : ١٨٧. وبعضهم نسبه إلى الذبياني وهو وهم.

(٣) النهاية : ١ / ٢٩٢.

(٤) وفي اللسان : جامد. ويؤيد الهروي التذكير (الغريبين : ١ / ٣٩١).

(٥) يعني قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّا ما نجمد عند الحق» (النهاية : ١ / ٢٩٢). ورواه الهرويّ : «إنا نجمد عند الحق» (الغريبين : ١ / ٣٩١).

(٦) البيت لأمية بن أبي الصلت كما في اللسان مادة (جمد). بينما يعزو ابن الأثير (النهاية : ١ / ٢٩٢) العجز إلى ورقة بن نوفل ، وجعله ياقوت الحموي (معجم البلدان ـ مادة جمد) إلى ورقة من قصيدة.

(٧) في الأصل : ما يعود ، وهو وهم. الجمد : اسم جبل معروف (ياقوت).

٣٨٨

وقد يقال بالعكس.

وقوله : (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ)(١) بقطع الهمزة ووصلها ، وقوله : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ)(٢) أجمع السبعة على أنّه من أجمع ؛ فمن قال إنه يكون للمعاني وللأعيان لم يحتج إلى اعتذار ، ومن التزم التّفرقة نصب «شركاءكم» بفعل مضمر (٣) أو على المتعدي ولا يصحّ لما بينّاه في غير هذا.

وقوله : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ)(٤) قيل : جمعوا آراءهم بالفكر والتدبّر والمكر ، وقيل : جمعوا جنودهم ليقاتلوكم (٥) بهم ، وكلا الأمرين قد كان. وقوله : (وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ)(٦) ، يجوز أن يكون مثل تامر ورامح أي ذي جمع ، وأن يكون بمعنى ذي خطر وشأن يجتمع له الناس. فنسب الجمع إليه كأنه هو الذي جمعهم.

وقوله : (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ)(٧) أي جمع لأجله الناس لفصل القضاء فيه ، ولذلك سماه مشهودا (٨) لأنه يحضره الخلائق أجمعون.

وقوله : (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ)(٩) يجوز أن يكون الجمع بمعنى الاجتماع ، وأن يكون على أصله. يقال : جمعتهم فاجتمعوا. وقوله : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ)(١٠) قدّروا أنهم يغلبونه عليه الصلاة والسّلام باجتماعهم وتضامّهم ، فأعلمه الله أنهم مهلكون من الجهة

__________________

(١) ٦٤ / طه : ٢٠.

(٢) ٧١ / يونس : ١٠.

(٣) وفي الأصل : بفعل المضمر. يقول الفراء : «نصبت الشركاء بفعل مضمر كأنك قلت : فأجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم ، وكذلك هي قراءة عبد الله. والضمير (يريد الفعل المحذوف العامل للنصب وهو هنا «ادعوا») ها هنا يصلح إلقاؤه لأن معناه يشاكل ما أظهرت. وقد قرأها الحسن «وشركاؤكم» بالرفع ، وإنما الشركاء ها هنا آلهتهم كأنه أراد : أجمعوا أمركم أنتم وشركاؤكم. ولست أشتهيه لخلافه للكتاب ولأن المعنى فيه ضعيف لأن الآلهة لا تعمل ولا تجمع» (معاني القرآن : ١ / ٤٧٣).

(٤) ١٧٣ / آل عمران : ٣.

(٥) في الأصل : ليقاتلونكم.

(٦) ٦٢ / النور : ٢٤.

(٧) ١٠٣ / هود : ١١.

(٨) في سورة البروج : «وشاهد ومشهود».

(٩) ٧ / الشورى : ٤٢ ، يعني يوم القيامة.

(١٠) ٤٤ / القمر : ٥٤.

٣٨٩

التي قدّروا منها غلبتهم وانتصارهم. فقال : سيهزم الجمع وما أبلغ ما جاء : (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ)(١) دون أن يقول : الجميع. كما قالوا : (نَحْنُ جَمِيعٌ) لمعنى بديع حقّقناه في موضعه.

وقوله عليه الصلاة والسّلام : «أوتيت جوامع الكلم» (٢) فسّره الهرويّ (٣) بأنه القرآن العظيم ؛ قال : يعني القرآن ؛ جمع الله بلطفه في ألفاظ يسيرة منه معاني كثيرة. والظاهر أنّه يريد ما أوتيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من البلاغة والإيجاز ، ويشهد له «واختصر لي الكلام اختصارا» (٤) وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «كان يتكلم بجوامع الكلم» (٥) يريد : ما قلّ لفظه وكثر معناه.

والجمّاع : جماعات من قبائل شتّى متفرقة ، فإذا كانوا مجتمعين قيل : جمع. قال أبو قيس (٦) : [من السريع]

ثمّ تجلّت (٧) ولنا غاية

من بين جمع غير جمّاع

وفي الحديث : «كان في جبل تهامة جمّاع غصبوا المارّة» (٨) والجماع كناية عن الوطء. والجماع أيضا ما جمع عددا ، ومثله الجميع ، وعن الحسن : «اتّقوا هذه الأهواء فإنّ جماعها الضّلالة» (٩).

وأجمع وأجمعون وجمعاء وجمع يولّد بهنّ ما يطابقها. ولا يثنّى أجمع ولا جمعاء استغناء عنهما بكلا وكلتا. ولهذه أخوات مذكورة في كتب النحو. وجمع معدولة ، وفي ما عدلت عنه خلاف ، وأكثر ما يقع أجمع وما ذكر معه بعد كلّ وجميع أيضا من ألفاظ

__________________

(١) ٤٥ / القمر : ٥٤.

(٢) النهاية : ١ / ٢٩٥.

(٣) والرأي مذكور في النهاية.

(٤) رواه العسكري والنسائي وله شواهد في الصحيح (كشف الخفاء : ١ / ٢٦٣).

(٥) النهاية : ١ / ٢٩٥.

(٦) هو أبو قيس بن الأسلت السّلميّ يصف الحرب ، كما في اللسان ـ مادة جمع. والمفضليات : ٢٨٥. والصدر مضطرب في الأصل.

(٧) وفي اللسان : حتى انتهينا. وفي المفضليات : حتى تجلت.

(٨) النهاية : ١ / ٢٩٥.

(٩) النهاية : ١ / ٢٩٥.

٣٩٠

التأكيد (١). وينصب حالا نحو : (اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً)(٢) ، وقوله : (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)(٣) لاجتماع الناس فيه للصلاة. واسمه في اللغة القديمة عروبة (٤).

ومسجد الجامع استدلّ به من يضيف الموصوف لصفته ، ومن منعه تأوّله على حذف موصوف أي مسجد المكان الجامع ، أو الأمر الجامع ، أو الزمان الجامع. وجمّع الناس : شهدوا الجماعة أو الجامع أو الجمعة.

وقدر جماع : عظيمة ، وأتان جامع : حامل ، واستجمع الفرس جريا (٥) ، فمعنى الجمع في هذه ظاهر. وقولهم : ماتت المرأة بجمع أي وهي حامل لاجتماعها وحملها ، وهي منه بجمع أي لم يفتضّها لاجتماع ذلك المحلّ. /

وضربه بجمع كفّه ، أي جمع أصابعه فضربه بها. والجوامع : الأغلال ؛ الواحد جامعة لجمعها اليد إلى العنق. وأعطاه جمع الكفّ أي ما جمعته كفّه. وفي الحديث : «بع الجمع بالدّراهم» (٦) ، وقال (٧) الأصمعيّ : كلّ لون من النخل لا يعرف اسمه فهو جمع.

وبهيمة جمعاء أي سليمة لاجتماع سلامة أعضائها. وفي حديث ابن عباس : «بعثني النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الثّقل من جمع» (٨) يعني المزدلفة (٩).

__________________

(١) لا تقبل صيغة «جمع» التنوين لأنها معرفة معدولة بنيّة الإضافة إلى ضمير المؤكد ، وجمع مثل جمعاء. وهي : جمع ، كتع ، بصع ، بتع ، ومفرداتها : جمعاء ، كتعاء ، بصعاء ، بتعاء (أوضح المسالك : ٣ / ١٥٠).

(٢) ٣٨ / البقرة : ٢.

(٣) ٩ / الجمعة : ٦٢.

(٤) عروبة والعروبة : كلتاهما الجمعة ، ويوم العروبة ـ بالإضافة ـ وهو من أسمائهم القديمة. قال السّهيلي في الروض الأنف : كعب بن لؤي جد سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أول من جمّع يوم العروبة. ولم تسمّ العروبة إلا مذ جاء الإسلام ، وهو أول من سمّاها الجمعة ؛ فكانت قريش تجتمع إليه في هذا اليوم ، فيخطبهم ويذكّرهم بمبعث النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (اللسان ـ الصحاح ـ مادة عرب).

(٥) أي بالغ.

(٦) النهاية : ١ / ٢٩٦.

(٧) ساقطة من ح.

(٨) النهاية : ١ / ٢٩٦.

(٩) جمع : علم للمزدلفة ، سميت به لأن آدم عليه‌السلام وحواء لما أهبطا اجتمعا بها.

٣٩١

ج م ل :

الجمل : الذكر من الإبل ، وجمعه جمال وأجمال ، ولا يقال له جمل إلا بعد البزول (١) ، قاله الراغب. وجمالة اسم جمع له ، وجمالات يجوز أن يكون جمعا لجمال أو جمالة. وجمالات وهي (٢) قلس السفن أي حبالها. وقرىء كأنه جمالات (٣) «وجمالة» والجامل : القطعة من الإبل معها راعيها كالباقر. قال الشاعر (٤) :

رحما الجامل الموئل فيهم

وعناجيج بينهنّ الهادي

وهو أكبر حيوان عند العرب ، ولذلك يضربون به المثل في العظم ، ومن ثمّ قال تعالى : (وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ)(٥) ، فعلّق ذلك على ما هو مستحيل ، وذلك لأنه علّقه على ولوج أعظم الأشياء في أضيق الأشياء. والجمل في الآية هو هذا الحيوان المعروف. وروي عن ابن عباس أنّه كان يقرأ «الجمّل» (٦). والجمّل : القلس وهو الحبل الغليظ الذي تجرّ به السفن. وكان يقول : الله أحسن تشبيها ؛ بمعنى أنّ في ذلك مناسبة وهو : الجمّل في خرم الإبرة. وقد حقّقنا هذا في «التفسير الكبير». ومثل التعليق بولوج الجمل قول النابغة (٧) : [من الوافر]

فإنّك سوف تعقل (٨) أو تناهى

إذا ما شبت أو شاب الغراب

قيل : وسمي الجمل جملا لأنّ فيه جمالا عند العرب ، ولذلك أشار إليه بقوله :

__________________

(١) في الأصل : البروك. والتصويب من المفردات واللسان.

(٢) يعني الأخيرة «جمالات».

(٣) ٣٣ / المرسلات : ٧٧. اختلف القراء في «جمالات» فقرأ عبد الله بن مسعود وأصحابه «جمالة» (معاني القراء للفراء : ٣ / ٢٢٥). وقرأ حفص وحمزة والكسائي «جمالة» بينما قرأ بقية السبعة «جمالات» (تفسير القرطبي : ١٩ / ١٦٥).

(٤) كذا في الأصل.

(٥) ٤٠ / الأعراف : ٧.

(٦) وفي النهاية : ١ / ٢٩٩ الحديث لمجاهد وهو : «أنه قرأ : حتى يلج الجمّل ـ بضم فشدّ ـ في سم الخياط».

(٧) الديوان : ١٥٥.

(٨) وفي الديوان : تحلم.

٣٩٢

(وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ)(١). والجمال : كثرة الحسن وهو نوعان ؛ نوع يختصّ بالإنسان في نفسه أو فعله ، ونوع يوصل (٢) منه إلى غيره ، وعلى ذلك قوله : «إنّ الله جميل يحبّ الجمال» (٣) بيّن أنّ منه نقيض الخيرات ، فيحبّ ما يختصّ بها.

ورجل جميل وجمال وجمّال على التكثير. وجاملته (٤) : فعلت معه جميلا. وأجملت في كذا : أحسنت فيه. واعتبر فيه معنى الكثرة فقيل (٥) لكلّ جماعة غير منفصلة جملة. ومنه قيل للحساب الذي لم يفصّل ، والكلام الذي لم يبيّن تفصيله مجمل.

والمجمل عند المتكلمين ما لم تتّضح دلالته. وقول بعض الفقهاء : المجمل ما يحتاج إلى بيان ليس [بحدّ له](٦) ولا تفسير. قال الراغب : وإنما هو ذكر [أحد](٧) أحوال بعض الناس معه. والشيء يجب أن تبيّن صفته في نفسه التي بها يتميّز (٨).

وحقيقة المجمل : هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخّصة. والجميل (٩) عند العرب : ما أذيب من الشحم ، والحمّ : ما أذيب من الألية ، والجمل : الإذابة ؛ في الحديث : «لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشحوم فجملوها» أي أذابوها. قيل : ومنه الجمال وهو الحسن لأنه يكون من أكل الجميل.

وفي حديث عاصم المنقريّ : «لقد أدركت أقواما يتّخذون الليل جملا ؛ يشربون هذا النبيذ ، ويلبسون المعصفر» (١٠) ، يعني بالنّبيذ ما ينبذ من التّمر ونحوه في الماء ولم يسكر ،

__________________

(١) ٦ / النحل : ١٦.

(٢) في الأصل : يصل ، والسياق يقتضي ما ذكرنا.

(٣) النهاية : ١ / ٢٩٩.

(٤) في الأصل : جملت.

(٥) أضفنا الفاء للتركيب.

(٦) في الكلام سقط ، أضفناه من المفردات : ٩٨. والكلام نفسه مذكور في س ومشطوب.

(٧) إضافة من المفردات : ٩٨.

(٨) وفي س : تمييز.

(٩) وفي الأصل : والجمل.

(١٠) النهاية : ١ / ٢٩٩.

٣٩٣

وكنّى بذلك عن ضلالهم وإحيائهم الليل كلّه. فاستعار (١) اسم الجمل لليل نحو : اقتعد غارب اللهو ، وركب سنام الغواية. وفي حديث الملاعنة : «إن جاءت به أورق جعدا جماليّا» الجماليّ (٢) : العظيم الخلق ، التامّ الأوصال. وناقة جماليّة كذلك تشبيها بالجمل لعظم خلقه وقوته.

ج م م :

قوله تعالى : (وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا)(٣).

والجمّ : الكثير ، من جمّة الماء أي معظمه ومجتمعه ، الذي جمّ فيه الماء عن السّيلان. ومنه جمّة البئر لمكانها الذي يجتمع فيه الماء كأنه أجمّ أياما.

وجمّة الشّعر لاجتماعه ، قال الراغب : ما اجتمع من شعر الناصية. وقال شمر : الجمّة أكثر من الوفرة ؛ وهي ما سقط من شعر الرأس على المنكبين ، والوفرة ما بلغت منه شحمة الأذنين. واللّمّة : ما ألمّت بالمنكبين ؛ فأكبرها الجمّة ، ثم اللمّة ، ثم الوفرة. وفي صفته عليه الصلاة والسّلام : «كان له جمّة جعدة» (٤).

وجمّة الماء لمعظمه لاجتماعه في البئر. وقد جمّ يجمّ ويجمّ جمّا وجموما ، قال : [من الطويل]

وإنسان عيني يحسر الماء تارة

فيبدو ، وتارات يجمّ فيغرق

قال الراغب : وأصل الكلمة من الجمام وهو الراحة للإقامة وترك تحمّل التّعب. ويقال : جمام المكّوك دقيقا بالكسر ، وجمام القدح ماء بالضم (٥) ، إذا امتلأ وعجز عن الزيادة لاجتماع ذلك وكثرته.

__________________

(١) الاستعارة في قوله «يتخذون الليل جملا».

(٢) النهاية : ١ / ٢٩٨.

(٣) ٢٠ / الفجر : ٨٩.

(٤) النهاية : ١ / ٣٠٠. ويقول ابن الأثير : الجمة من شعر الرأس : ما سقط على المنكبين.

(٥) وابن منظور يضم الأولى ويقول : «ولا يقال جمام بالضم إلا في الدقيق» ، والفراء يكسر الثانية.

٣٩٤

والجمّة أيضا : القوم يجتمعون لتحمّل مكروه (١). والجموم : الفرس الكثير الشدّ. وشاة جمّاء : لا قرن لها ، قال الراغب : اعتبارا بجمّة الناصية. وفي الحديث : «يقتصّ للجمّاء من القرناء» (٢).

والجمّ الغفير أي الجمع الكثير. والغفير من الغفر وهو السّتر كأنه ستر الأرض بكثرته. وقولهم : جاؤوا الجمّاء الغفير ، من ذلك. وشذّ مجيء الحال هنا معرفة (٣). وقيل : «ال» زائدة ، وهو المختار. وفي الحديث (٤) : «سئل : كم المرسلون؟ فقال : ثلاث مئة وخمسة عشر (٥) جمّ الغفير» ، قال أبو بكر : الرواية كذلك ، والصواب : جمّاء غفيرا. وعن ابن الأعرابيّ والكسائيّ : أصل الجمّاء الغفير : بيضة الحديد يعني أنها تجمع الشّعر ؛ فالجمّاء من الجمّ ، والغفير من غفرت المتاع : سترته. فقولك : مررت بهم الجمّاء الغفير أي مجتمعين كاجتماع البيضة وما تحتها من الشعر. وفي الحديث : «لعن الله المجمّمات من النساء» (٦) ، قال الأزهريّ : أراد المترجّلات يتّخذن (٧) شعورهنّ جمّة لا يرسلنها (٨). قال الهرويّ : ويحتمل أن يكون مأخوذا من الأجمّ وهو الذي لا رمح معه ، وهو جمّ يجمّ ، وفيه نظر إذ لا معنى لذلك.

وفيه : «أمرنا أن نبني المدائن شرفا والمساجد جمّا» (٩) ؛ جمّ جمع أجمّ وهي التي لا

__________________

(١) وفي اللسان : الجمة : القوم يسألون في الحمالة والديات.

(٢) ورواية الحديث (في النهاية : ١ / ٣٠٠): «إن الله تعالى ليدينّ الجمّاء من ذات القرن». يدي : يجزي.

(٣) يقول الزمخشري : وحق الحال أن تكون نكرة وذو الحال معرفة ، وأما : أرسلها العراك وجاؤوا قضّهم بقضيضهم ... فمصادر قد تكلم بها على نية وضعها في موضع ما لا تعريف فيه. ومن الأسماء المحذوّ بها حذو هذه المصادر قولهم : مررت بهم الجمّاء الغفير (شرح المفصل : ٢ / ٦٢).

(٤) الحديث لأبي ذر (النهاية : ١ / ٢٩٩). ويقول ابن الأثير : هكذا جاءت الرواية ، قالوا : والصواب. جمّاء غفيرا.

(٥) وفي رواية أوردها ابن الأثير : ثلاثة عشر.

(٦) النهاية : ١ / ٣٠٠.

(٧) في الأصل : يتخذون.

(٨) تصرف المؤلف في لفظ الأزهري ، ولكنه لم يخرج عن المعنى. انظر اللسان ـ مادة جمم. ويقصد أنهنّ يتشبّهن بالرجال.

(٩) النهاية : ١ / ٣٠٠. أراد بالشرف : التي طولت أبنيتها بالشّرف ، الواحدة شرفة.

٣٩٥

شرف لها. قلت : كأنّه من التّيس الأجمّ والشاة الجمّاء ، وهي التي لا قرن لها. وفي الحديث (١) : «رمى إليه (٢) بسفرجلة ، وقال (٣) : دونكها فإنها تجمّ الفؤاد» ، قيل : تجمعه وتكمّل صلاحه ، وهو معنى قول عائشة : «تريحه» (٤). وفي الحديث : «أتي بجمجمة» (٥) هي قدح من خشب ، وبه سمي دير الجماجم (٦) كان تعمل فيه تلك الأقداح. وتطلق على الرأس أيضا.

وقالت عائشة (٧) : «لقد استفرغ حلم الأحنف هجاؤه إيّاي ، ألي كان يستجمّ؟» أي ألي كان يجتمع هجاؤه؟

فصل الجيم والنون

ج ن ب :

قوله : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)(٨).

الجنب : الجارحة المعروفة / ، وعبّر بذلك عن ملازمته له وقربه منه ، لأن الصاحب غالبا يلصق جنبه إلى جنب الآخر في المماشاة والمحادثة والمصاحبة وغير ذلك. وقيل : هو كناية عن رفيق السّفر ، وقيل : عن المرأة. وأصل ذلك أنهم يستعيرون لجهة الجارحة اسمها كقولك : اليمين والشّمال لجهتما وناحيتهما.

__________________

(١) حديث طلحة (النهاية : ١ / ٣٠٠).

(٢) أي رمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى طلحة.

(٣) وفي الأصل : سفرجلة. فقيل.

(٤) من حديثها في التلبينة : «فإنها تجمّ فؤاد المريض» (النهاية : ١ / ٣٠١).

(٥) الحديث : «أتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بجمجمة فيها ماء» (النهاية : ١ / ٢٩٩).

(٦) دير الجماجم : بظاهر الكوفة على سبعة فراسخ منها على طرف البر للسالك إلى البصرة ، كان يعمل فيها الأقداح من خشب (معجم البلدان).

(٧) وقد بلغها أنه قال شعرا يلومها فيه (النهاية : ١ / ٣٠١).

(٨) ٣٦ / النساء : ٤ ، أي القريب.

٣٩٦

قوله : (فِي جَنْبِ اللهِ)(١) أي في أمره وحدّه الذي حدّه (٢) لنا ، فاستعير ذلك لأوامره ونواهيه ، أي على ما في أوامره ونواهيه. يقال : ما فعلت في جنب حاجتي أي في أمرها ، قاله ابن عرفة وأنشد قول كثيّر عزّة (٣) : [من الطويل]

ألا تتّقين الله في جنب عاشق

له كبد حرّى عليك تقطّع؟

وعن الفراء : (فِي جَنْبِ اللهِ) أي في قربه وجواره.

وجانب الشيء : جنبه. ومنه قوله تعالى : (أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ)(٤) كناية عن تكبّره نحو : (ثانِيَ عِطْفِهِ)(٥) ، (يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ)(٦) ، (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ)(٧) كلّه بمعنى التّكبّر ، لأنّ المتكبّر يفعل ذلك غالبا.

وقوله : (دَعانا لِجَنْبِهِ)(٨) يعني مضطجعا لجنبه ، ولهذا عطف عليه (قاعِداً أَوْ قائِماً) والمعنى : دعا في سائر أحواله لأنّ الإنسان لا يخلو حاله عن إحدى هذه الهيئات.

وقوله : (وَالْجارِ الْجُنُبِ)(٩) يعني القريب (١٠) ، قيل له ذلك لمجانبته من يجاوره نسبا ومنزلا.

يقال : رجل جنب ، ورجال جنب ، وامرأة جنب ، وهما جنبان ، والمطابقة قليلة.

وكذلك الجنب من الجنابة الموجبة للغسل يستوي فيها الواحد وغيره. قال تعالى : (وَإِنْ

__________________

(١) ٥٦ / الزمر : ٣٩.

(٢) في الأصل : حدّ ، بلا ضمير.

(٣) الديوان : ٤٠٩ ، وفيه : تصدّع. وهو مذكور في التاج من غير عزو ، مادة ـ جنب ، على رواية الأصل.

(٤) ٨٣ / الإسراء : ١٧.

(٥) ٩ / الحج : ٢٢.

(٦) ٥ / هود : ١١.

(٧) ١٨ / لقمان : ٣١.

(٨) ١٢ / يونس : ١٠ ، وما بعده تابع لها.

(٩) ٣٦ / النساء : ٤ ، سكنا أو نسبا.

(١٠) وفي المفردات : البعيد ، وعليه الآية السابقة.

٣٩٧

كُنْتُمْ جُنُباً)(١) سمي بذلك لبعده من مكان الصلاة. يقال : جنب وأجنب ، ويقال : رجل جنب أي غريب ، وجانب أيضا ، وجمعه جنّاب كراكب وركّاب.

والجنب : البعد في الأصل ، فأطلق على الأناسيّ إطلاق المصادر عليها نحو : رجل عدل ، وفيه مذاهب للناس بينّاه غير مرة. قوله : (فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ)(٢) أي عن بعد. والجنابة : البعد أيضا. ومنه قول علقمة بن عبدة (٣) : [من الطويل]

فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة

فإني امرؤ وسط القباب غريب

وجنب الرجل جنابة : إذا احتلم. وسار جنيبه وجنيبته وجنابيه وجنابيته. وجنبته : أصبت جنبه ، نحو كبدته. وجنب : اشتكى جنبه ، نحو : فئد وكبد. قيل : وبني الفعل من الجنب على وجهين : أحدهما : الذهاب عن ناحيته ، والثاني : الذهاب إليه. فمن الأول : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ)(٤)(فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٥) أي اتركوه ، وهو أبلغ منه ، لأنّ معنى «اجتنبوه» اتركوا ناحيته وابتعدوا عنها. وهذا أبلغ من قولك : اتركوه. ومثله في المعنى : لا أرينّك (٦) هاهنا ؛ نهاه عن قربان مكان الرّؤيا فهو أبلغ من قوله : لا تجئني.

وقوله : «فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة» ، أي بعد ، وقوله تعالى : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَ)(٧) أي أبعدني ، من جنبته عن كذا أي أبعدته. قال الراغب : وقيل : هو [من](٨) جنبت الفرس ، كأنّما سأله أن يقوده عن جانب الشّرك بألطاف منه وأسباب خفيّة.

والجنب (٩) : الرّوح في الرّجلين عن الأخرى خلقة. والرّيح الجنوب : يحتمل أن

__________________

(١) ٦ / المائدة : ٥.

(٢) ١١ / القصص : ٢٨.

(٣) من قصيدته المشهورة «طحابك قلب» (المفضليات : ٣٩٤) ويقول الشارح : الجنابة : البعد والغربة.

(٤) ١٧ / الزمر : ٣٩. ولم يذكر المصنف شواهده على الثاني.

(٥) ٩٠ / المائدة : ٥.

(٦) ساقطة من ح.

(٧) ٣٥ / إبراهيم : ١٤.

(٨) إضافة من المفردات : ١٠٠.

(٩) في الأصل : التجنب.

٣٩٨

تكون سميت بذلك لمجيئها من جنب الكعبة ، أو لذهابها عنه لوجود المعنيين فيها. وجنبت الريح : هبّت جنوبا. وجنبت زيدا : أصابته الجنوب. وأجنب : دخل فيها. وسحابة مجنوبة : هبّت عليها. وجنب فلان خيرا أو شرّا إلا أنّه متى أطلق لا يكون إلا عن الخير. ويقال ذلك في الخير والدّعاء. وجنب الحائط وجانبه : ناحيته.

ج ن ح :

قوله تعالى : (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ)(١) أي مالوا (فَاجْنَحْ لَها) أي مل. وأصله من : جنحت السفينة أي مالت بأحد (٢) جانبيها ، وجانباها : جناحاها. وأصل هذا من جناح الطائر ؛ قال تعالى : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ)(٣). وجنحت الطائر : أصبت جناحه ، ثمّ عبّر عن جانبي الشيء بجناحيه ؛ فقيل : جناحا الإنسان ليديه ، كما قيل لجناحي الطائر يداه على الاستعارة فيهما. وجناحا السفينة ، وجناحا الوادي ، وجناحا العسكر.

وقوله : (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ)(٤) أي ما بين إبطك وعضدك. وقوله : (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِ)(٥) ، استعارة بديعة ، وذلك أنه لما كان الذلّ ضربين ؛ ضرب يرفع الإنسان وضرب يضعه ، وكان المقصود في هذا المكان جهة الرفع قيل جناح الذلّ ، كأنه قيل : استعمل الذّلّ الذي يرفعك عند الله من أجل الرحمة أو من أجل رحمتك لهما (٦). وجنح البعير في سيره : أسرع ، كأنهم تصوّروا له جناحين.

وجنح الليل : أقبل بظلامه ، والجنح قطعة من اللّيل مظلمة. والجناح : الإثم ، وأصله ما يميل بك عن الحقّ. ومنه الجوانح : وهي عظام الصدر المتّصلة رؤوسها في وسط الزّور ، والواحدة جانحة سميت بذلك لميلانها. وعصا الرّجل تسمى بالجناح لاستعانته بها ؛

__________________

(١) ٦١ / الأنفال : ٨.

(٢) في الأصل : بإحدى.

(٣) ٣٨ / الأنعام : ٦.

(٤) ٢٢ / طه : ٢٠.

(٥) ٢٤ / الإسراء : ١٧.

(٦) في الأصل : لهم.

٣٩٩

وبها فسّر الفراء (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ)(١) ، قال : عصاك (٢) ؛ ولذلك كنّت العرب عن القوة والثروة بالجناح ؛ قالوا : طال جناح فلان ، لمن أثرى. وقصّ جناحه لمن افتقر ؛ استعارة من الطائر المقصوص.

ج ن د :

الجند : العسكر المعدّ للقتال اعتبارا بالجند ؛ وهي الأرض الغليظة الكثيرة الأحجار. ثم قيل لكلّ مجتمع : جند. ويجمع على أجناد وجنود. قال : (ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)(٣) أي خلائقه التي إن أراد أن يهلك بها من شاء أهلكته.

وقوله : (وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ)(٤) أي أنّ صيحة الملك قد أهلكتهم ، فلم يحتج معها إلى إنزال جند.

وقوله : (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها)(٥) ؛ الجنود الأولى هم الكفار ، والثانية هم الملائكة. وهذا يدلّ على عظيم قدر نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ (٦) كان ربّنا يهلك أهل القرى بصيحة ملك واحد ، وينصر رسوله بآلاف من الملائكة ، فيهم ذلك الملك الذي كان يهلك بصيحته القرى ، وهو جبريل ، اعتناء بشأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الأرواح جنود مجنّدة» (٧) أي مجتمعة ، نحو قناطير مقنطرة ، وألوف مؤلّفة يقصد به التكثير.

__________________

(١) ٣٢ / القصص : ٢٨.

(٢) يقول الفراء : «يريد عصاه في هذا الموضع. والجناح في الموضع الآخر (يعني : يدك إلى جناحك) : ما بين أسفل العضد إلى الرّفع وهو الإبط» (معاني القرآن : ٢ / ٣٠٦).

(٣) ٣١ / المدثر : ٧٤.

(٤) ٢٨ / يس : ٣٦.

(٥) ٩ / الأحزاب : ٣٣.

(٦) في الأصل إذا.

(٧) النهاية : ١ / ٣٠٥. وفي الغريبين (١ / ٤١٠) : جورا.

٤٠٠