عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

تقدّم منه : ثاب ، وتاب كلاهما بمعنى الرجوع. وكذا الجذّ والحذّ. وكذلك عتا وعثا ، كما سيأتي في مادة (ك ت ب) و (ك ث ب). وقد يقع بعض فروق (١).

والجذّ أيضا : التّفتيت والتكسير ، ومنه قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً)(٢) أي قطعا مكسّرة وفتاتا. وفعال قد يجيء في معنى المفعول نحو الحطام والفتات والرّفات بمعنى محطوم ومفتوت ومرفوت.

والجذيذ : السّويق ، لأنّه يطحن ويفتّ. وفي حديث عليّ أنّه أمر نوفا البكاليّ (٣) أن «يأخذ من مزوده جذيذا» (٤). والجذيذة : الشّربة منه (٥). وفي حديث أنس : «أنّه كان يأكل جذيذة قبل أن يغدو في حاجته» (٦) أي شربة من سويق.

ج ذ ع :

الجذع : ما تقادم من خشب النخل وغلب فيما بينها (٧) ، ولذلك جعل آية لمريم عليها‌السلام في قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا)(٨) حيث كان جاريا للعادة في مثله. وقوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(٩) ، يريد : في أخسّ ما يكون من النخل لهوانكم علينا ، فلا نشغل بكم ما فيه منفعة من النخل المثمر. وبالغ بأن جعل الجذوع ظروفا لهم ، وقيل : «في» بمعنى «على» (١٠) كقوله (١١) : [من الكامل]

__________________

(١) وفي س : فروق منه.

(٢) ٥٨ / الأنبياء : ٢١.

(٣) هذه النسبة إلى بني بكال ، وهو بطن من حمير ينسب إليه أبو زيد نوف بن فضالة البكالي ، وهو ابن امرأة كعب الأحبار ، وهو تابعي (اللباب : ١ / ١٦٨).

(٤) النهاية : ١ / ٢٥٠.

(٥) يريد شربة من السويق.

(٦) النهاية : ١ / ٢٥٠.

(٧) الكلمة ساقطة من ح ، وموضعها بياض.

(٨) ٢٥ / مريم : ١٩.

(٩) ٧١ / طه : ٢٠.

(١٠) أي بمعنى الاستعلاء ، وهو الذي استشهد به ابن هشام في الآية السابقة (المغني : ١٦٨).

(١١) صدر بيت لعنترة (الديوان : ١٥٢) وهو من شواهد اللسان (مادة سرح) ومن شواهد المغني : ١٦٩.

وعجزه :

يحذى نعال السّبت ليس بتوأم

٣٦١

بطل كأنّ ثيابه في جذعة (١)

والجذع من الحيوانات ما لم يثنّ سنة ؛ فمن الإبل ما له خمس ، ومن الشاء ما له سنة ، ولأهل اللغة فيه خلاف ليس هذا موضعه. وفي حديث ورقة (٢) : [من مجزوء الرجز]

با ليتني فيها جذع (٣)

أي في نبوة محمّد. وفي حديث عليّ رضي الله عنه : «أسلمت وأنا جذعمة» (٤) يريد جذعا (٥) ، فزاد ميما مبالغة نحو : زرقم (٦) ، ودلامص. ويقال للدهر : جذع ، تشبيها بالأحداث توهّموا فيه عدم الهرم ، ولذلك يقولون : الدهر يبلي ولا يبلى. وجمع الجذع في القلّة أجذاع ، وفي الكثرة جذوع. ولذلك أوثر في القرآن ليهوّل عليهم ما توعّدهم.

ج ذ و :

قوله تعالى : (أَوْ جَذْوَةٍ)(٧).

الجذوة ـ مثلثة في السّبع ـ هي القطعة من الحطب بعد التهاب النار فيها ، جمعها جذى نحو غرفة وغرف ، وجذى نحو كسرة وكسر ، وجذا نحو جفنة وجفان. قال الخليل : جذا يجذو مثل : جثا يجثو إلّا (٨) أنّ جذا أدلّ على اللزوق به. يقال : جذا القراد في جنب البعير إذا اشتدّ التزاقه به.

__________________

(١) رواية السمين : جذعة ، وفي الديوان وسائر الروايات : سرحة.

(٢) من حديث المبعث (النهاية : ١ / ٢٥٠) و (الغريبين : ١ / ٣٣٣). وهو رجز لدريد بن الصمة (الأغاني : ١٠ / ٣١) وبعده : أخبّ فيها وأضع.

(٣) وفي رواية النهاية : جذعا على الحال من الضمير في «فيها» ، أو منصوب بإضمار كان. أي ليتني كنت شابا عند ظهور الدعوة حتى أبالغ في نصرتها وحمايتها.

(٤) روى ابن الأثير (النهاية : ١ / ٢٥١) وابن منظور (مادة جذعم) هذه الرواية ورواية أخرى أكثر شهرة : «أسلم أبو بكر وأنا جذعمة».

(٥) أي حديث السن.

(٦) أي الأزرق.

(٧) ٢٩ / القصص : ٢٨.

(٨) ساقطة من س.

٣٦٢

وأجذت الشجرة : صارت ذات جذوة. ورجل جاذ ، وامرأة جاذية (وهما المجموع الباع تشبيها لديهما بالجذوة. وفي الحديث : «مثل المنافق مثل الأرزة المجذية» (١) الأرزة : شجرة الصنوبر ، والمجذية : الثابتة لما تقدّم من الدّلالة على اللزوق بالشيء. يقال : جذت تجذو) (٢).

وأجذت تجذي وعليه المجذية. فأجذى هنا ـ كجذا ـ لازم. وقد جاء متعديا في حديث ابن عباس : «أنّه مرّ بقوم يجذون حجرا» (٣) أي يسألونهم امتحانا لقواهم (٤). ويقال : اجذوذت تجذوذي بمعنى جذت ، قاله الهرويّ ، وفيه نظر لأنّ إفعلّى أبلغ من فعل نحو : جلا واجلولى.

فصل الجيم والراء

ج ر ح :

قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)(٥).

الجرح : تأثير الجسد بإدمائه ثم يستعار في تأثير الكلام ، ومنه قول امرىء القيس : [من المتقارب]

وجرح اللسان كجرح اليد (٦)

__________________

(١) النهاية : ١ / ٢٥٣.

(٢) الكلام ساقط من ح.

(٣) النهاية : ١ / ٢٥٣.

(٤) أي يشيلونه ويرفعونه.

(٥) ٤٥ / المائدة : ٥.

(٦) البيت في الأصل معزو إلى طرفة ، وهو مذكور في ديوان امرىء القيس : ١٢٦. وذكر محقق الخصائص أنه اختلف في نسبه هل لامرىء القيس بن حجر ، أو لامرىء القيس بن عابس (الخصائص : ١ / ١٤ و ٢١). وصدره.

ولو عن نثا غيره جاءني

٣٦٣

وقوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ)(١) يريد الكلاب والطيور المكلّبة أي المعلّمة (٢). سميت جارحة لأنها تجرح ما تصيده أو لأنّها تكسبه. والجرح : الكسب. ومنه قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ)(٣) / أي كسبتم. وفلانّ جارحة أهله أي كاسبهم. وجوارح الإنسان : ما يكتسب بها والاجتراح : اكتساب الإثم ، وأصله من الجراحة (٤). كما أنّ الاقتراف من القرف الذي للقرفة.

والجرح : مقابل التّعديل ، مستعار من الجلد كما قال :

وجرح اللسان كجرح اليد

وفي الحديث : «قد استجرحت هذه الأحاديث» (٥) أي كثرت وقلّ صحاحها.

ج ر د :

قوله تعالى : (وَالْجَرادَ)(٦).

الجراد : معروف ، واحدته جرادة ، وقد يسمّى بها. وضرب بها المثل في القلّة نحو : «ثمرة خير من جرادة» (٧). ويجوز أن يكون الفعل الملفوظ به مشتقا من لفظه نحو : الجراد جرد الأرض. وبالأرض المجرّدة شبه الفرس المنحسر الشّعر ، والثوب الخلق لذهاب زهوته ؛ فيقال : فرس أجرد وثوب أجرد. «وجرد القطيفة» (٨) على إضافة الصفة لموصوفها من غير تأويل أو بتأويل بحسب المذهبين المعروفين. وبه شبه أيضا التجرّد من الثياب ، فيقال : تجرّد فلان من ثيابه. والمتجرّد : الجسد لأنه يتجرّد عن الثياب. وفي صفته عليه الصلاة

__________________

(١) ٤ / المائدة : ٥.

(٢) الطيور المكلبة : المعلمة فنون الصيد.

(٣) ٦٠ / الأنعام : ٦.

(٤) في الأصل : الجارحة ، ولعلها كما ذكرنا.

(٥) الحديث كما في النهاية (١ / ٢٥٥): «كثرت هذه الأحاديث واستجرحت».

(٦) من الآية : ١٣٣ / الأعراف : ٧.

(٧) لم نجد هذا المثل في المظانّ.

(٨) من حديث أبي بكر : «ليس عندنا من مال المسلمين إلا جرد هذه القطيفة» (النهاية : ١ / ٢٥٧) أي التي انجرد خملها وخلقت.

٣٦٤

والسّلام : «كان أنور المتجرّد» (١) أي مشرق الجسد. وقال طرفة (٢) : [من الطويل]

رحيب قطاب (٣) الجيب منها ، رقيقة

بجسّ النّدامى بضّة المتجرّد

وفي الحديث : «جرّدوا القرآن» (٤) قيل : معناه جرّدوه من الأحاديث. قال أبو عبيد : أي التي يرويها أهل الكتاب لكونهم غير مأمونين. وعندي أنّه لا يحتاج إلى هذا التأويل لأنّهم أمروا بتجريد القرآن من الأحاديث ، لئلا يختلط القرآن بغيره ، فيشتبه على من لا علم عنده القرآن بغيره ، ولذلك أوجبت الصحابة أن لا يخلط شيء من تفسيره به ، بل يميّز عنه بخط آخر. ولذلك قيل : إنّ مصحف ابن مسعود لمّا خلطه بغيره من التفسير رغبوا عنه. وقال إبراهيم (٥) : أي من النّقط والتّعجيم. قلت : ولذلك كتبه الصحابة مجرّدا من النّقط والإعجام زمن عثمان. والنقط والضّبط محدث أحدثه يحيى بن معمر زمن عبد الملك.

والجريدة : السّعفة ، جمعها جريد ، سميت بذلك لتجرّدها عن خوصها (٦). وقال الراغب : في معنى «جرّدوا القرآن» أي : لا تلبسوه شيئا آخر ينافيه. والمنجرد : الفرس الأجرد. ومنه قول امرىء القيس (٧) : [من الطويل]

وقد أغتدي والطير في وكناتها

بمنجرد قيد الأوابد هيكل

وإنجرد بنا السير : على التّشبيه بسير الجراد.

ج ر ر :

قوله : (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ)(٨). الجرّ : الجذب بعنف. يقال : جررت

__________________

(١) النهاية : ١ / ٢٥٦.

(٢) وهم المؤلف حيث نسب البيت إلى النابغة ظنا منه أنه في المتجردة ، والصواب هو لطرفة كما ذكرنا من معلقته (الديوان : ٤٠).

(٣) في الأصل : مظان ، والتصويب من الديوان.

(٤) النهاية : ١ / ٢٥٦. وفيه آراء أخرى في معنى الحديث.

(٥) يعني إبراهيم النخعي.

(٦) الخوص : ورق النخل ، مفردها خوصة.

(٧) البيت من معلقته (الديوان : ٣٦).

(٨) ١٥٠ / الأعراف : ٧.

٣٦٥

الشيء أجرّه جرّا : إذا جذبته جذبا شديدا. والجريرة : الجناية ؛ يقال : لا تؤاخذنا بالجريرة أي بجرائمها. وفي حديث لقيط : «ثم بايعه على أن لا يجرّ عليه إلا نفسه» (١) أي لا يؤاخذ بجريرة غيره ، كقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(٢). وفي الحديث : «أنّ امرأة دخلت النار من جرّاء هرّة» (٣). يروى بالمدّ والقصر ، أي : من أجلها ، كأنّه بمعنى : هو الذي جرّ إليه ذلك. وفي الحديث أيضا : «....» (٤) أي من أجلي. وفيه : «لا صدقة في الإبل الجارّة» أي التي تجرّ بأزمّتها ، يريد العوامل ؛ جعل فاعلا بمعنى المفعول نحو : سرّ كاتم ، وليل نائم ، وماء دافق.

والجريرة : الزمام ؛ ومنه سمّي جرير الشاعر المشهور (٥). والجرّ أيضا : السحب. ومنه قول امرىء القيس : [من الطويل]

وقفت بها أمشي (٦) تجرّ وراءنا

على أثرينا (٧) ذيل مرط مرحّل

والجرر : جمع جرّة. وفي الحديث : «الذي يأكل في إناء من فضة إنّما يجرجر في جوفه نار جهنم» (٨) أي ينحدر فيه ، وأصله من جريرة الماء في الحلق ، وهو صوت وقعه في الحلق. وقال الزجّاج : يجرجره أي يردّده (٩).

__________________

(١) النهاية : ١ / ٢٥٨.

(٢) ١٦٤ / الأنعام : ٦.

(٣) النهاية : ١ / ٢٦٠.

(٤) بياض في الأصل. والحديث بعده في النهاية : ١ / ٢٥٨. والعوامل هي الإبل العوامل.

(٥) الجرير : حبل الزمام أو حبل من أدم يخطم به البعير (اللسان ـ جرر).

(٦) الديوان : ٣٣ ، وفيه : خرجت بها نمشي. وفي شرح القصائد العشر : ٥٣ : فقمت بها أمشي.

(٧) في الأصل : إثرنا ، والتصويب من الديوان. وفي شرح القصائد العشر : على إثرنا أذيال. وبهما يستقيم الوزن.

(٨) النهاية : ١ / ٢٥٥. يرى الزمخشري أن النار بالرفع ، والأكثر النصب. والجرجرة : صوت البعير عند الفجر.

(٩) في الأصل : يردّه ، وكذا في الغريبين : ١ / ٣٤٥. والتصويب من اللسان مادة ـ جرر.

٣٦٦

ج ر ز :

قال : (صَعِيداً جُرُزاً)(١). والجرز : الأرض التي لا نبات بها ، وأصله من الجرز وهو القطع ؛ يقال : جرزت الجراد الأرض أي أكلت نباتها. وجرزت الأرض (٢) أجرزها جرزا : استأصله. ومنه : السيف الجراز أي القاطع. وجرزت الأرض فهي جروزة (٣) ، والجروز : الذي يأكل ما قدّم إليه (٤) ؛ يستوي فيه الذكر والأنثى ؛ يقال : رجل جروز ، وامرأة جروز. قال الشاعر : [من الرجز]

إنّ العجوز حية جروزا

تأكل كلّ أكلة قفيزا

ج ر ع :

الجرع : سرب الماء. وجرعه : شربه بتكلّف ، وعليه (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ)(٥) يقال : جرعت (٦) الماء أجرعه جرعا. وتجرّعته تجرّعا ، وجرع يجرع. والجرعة : قدر ما يجرع ، كالأكلة والغرفة قدر ما يغرف ويؤكل.

وفي المثل : «أفلتّ بجريعة الذّقن» (٧). وأفلت يكون لازما كما تقدّم ومتعدّيا ، ومنه : أفلتني بجريعة الذّقن (٨) ، ويروى : جريعة دورنا.

والجرعاء : أرض لا تنبت شيئا كأنّها تتجرّع البذر. أرض جرعاء ، ومكان أجرع. قال الشاعر : [من الطويل]

__________________

(١) ٨ / الكهف : ١٨.

(٢) لعل الجملة هنا مقحمة! أو أن استأصله تقرأ : استأصلتها.

(٣) وفي اللسان : مجروزة.

(٤) أي الأكول.

(٥) ١٧ / إبراهيم : ١٤.

(٦) وبفتح الراء كما في اللسان (مادة جرع).

(٧) المستقصى : ١ / ١٧٤. والجريعة : تصغير الجرعة ، وهي آخر ما يخرج من النفس عند الموت يعني : أفلتّ بعدما أشرفت على الهلاك ، أي كان قريبا كقرب الجرعة من الذقن.

(٨) وبدون الباء. قال أبو زيد حول هذا المثل : إذا كان قريبا منه كقرب الجرعة من الذقن ثم أفلته (اللسان).

٣٦٧

حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي

فأنت [بمرأى] من سعاد ومسمع (١)

ونوق مجاريع أي لم يبق من لبنها إلا قدر الجرع.

ج ر ف :

قوله : (شَفا جُرُفٍ)(٢).

الجرف : المكان الذي يأكله الماء من سيل وغيره ، فيجرفه أي يذهب به. ومنه : اجترف الدهر ماله ، وطاعون جارف من ذلك. وجرفت الشيء : قشرته ، وكذلك جلفته.

وفي الحديث : «ليس لابن آدم إلا بيت يكنّه وثوب يواريه (٣) وجرف (٤) الخبز» جمع جرفة ، وهي الكسرة. ومنه جلف وجلفة. ورجل جراف : نكحة ، كأنّه يجرف في ذلك العمل.

ج ر م :

قوله : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ)(٥) ونحوه. قيل : لا نفي لكلام قبلها ، وجرم : فعل ماض معناه كسب ، وقيل : حقّ ، وقيل : وجب ، وقيل : حقّا. (ويتلقّى بما يتلقّى به القسم (٦). وقال الفراء : معناه تبرئة بمعنى : لا بدّ ، ثم استعملته العرب في معنى حقّا (٧)) (٨).

قلت : فإذا قيل : إنّ ردّ الكلام متقدّم فيكون جرم فعلا ماضيا وأنّ وما في خبرها في

__________________

(١) قاله ابن بابل من قصيدة في معاهد التنصيص : ١ / ٥٩ ، والإضافة منه.

(٢) ١٠٩ / التوبة : ٩.

(٣) في الأصل : ويدب جوارفه ، وهو خلط. والتصويب من النهاية : ١ / ٢٦٢.

(٤) كذا في النهاية : وفي الأصل : جرفة.

(٥) ٢٣ / النحل : ١٦.

(٦) كقولهم : لا أقسم.

(٧) كلام الفراء هنا مختصر ، وتفصيله في اللسان ، مادة جرم.

(٨) ما بيبن قوسين ساقط من س.

٣٦٨

موضع رفع بالفاعلية له كأنه حقّ. وحيث علم الله سرّهم وعلنهم ، وإن فسّرناه بمعنى كسب ، كان أنّ وما في خبرها في موضع المفعول ، والفاعل مضمر أي كسب الحقّ علم الله سرّهم وعلنهم. وقد حقّقنا هذا بكلام طويل في «الدرّ المصون» وغيره.

وقوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ)(١) أي لا يكسبنّكم بغض قوم على الاعتداء ، وكذلك (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي)(٢) أي لا يحملنّكم خلافي وبغضي.

ويقال : جرم وأجرم ، ومن الثاني : (فَعَلَيَّ إِجْرامِي)(٣). وفلان جريمة أهله أي كاسبهم. واجترم بمعنى اكتسب. والجريمة : ما يكتسبه الإنسان. وفي الحديث : «لا والذي أخرج العذق من الجريمة والنار من الوثيمة» (٤) ، قيل : الجريمة : النواة. والوثيمة : الحجارة المكسورة.

وأصل الجرم : قطع الثمر عن الشجر ، والثمر : جريم ، والجرام : الرديء منه ، أتي به على بناء النّفاية. وأجرم : صار ذا جرم ، واستعير لكلّ اكتساب ، إلا أنه غلّب في المكروه ، ومصدره الجرم. وجرمت صوف الشاة : استعارة من جرم الثمر. والجرم في الأصل : اسم للشيء المجروم أي المقطوع ، / وجعل اسما للجسم المجروم ، ثم أطلق على كلّ جسم. ويطلق الجرم على الصوت في قولهم : فلان حسن الجرم. قيل : الجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت ، ولكن لمّا كان المقصود بوصفه بالحسن فسّر به ، كقولك : فلان طيب الحلق إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه ، قاله الراغب (٥) : وهو حسن. وقد تحصّل (٦) أنّ الجرم مثلث باختلاف معان كما تقدّم بيانه. قال : وجرم وجرم بمعنى ، ولكنّ خصّ بهذا (٧) الموضع (٨) كما خصّ «عمرو» بالقسم وإن

__________________

(١) ٢ / المائدة : ٥.

(٢) ٨٩ / هود : ١١.

(٣) ٣٥ / هود : ١١.

(٤) النهاية : ١ / ٢٦٣.

(٥) المفردات : ٩٢.

(٦) وفي س : يحصل.

(٧) وفي ح : هذا.

(٨) يعني : خص جرم.

٣٦٩

كان عمرو وعمر بمعنى. ومعناه : ليس بجرم لنا أنّ لهم النار تنبيها أنّهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى نحو : (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها)(١) وقول الشاعر يصف عقابا (٢) : [من الوافر]

جريمة ناهض في رأس نيق

فسمّى ما تكتسبه جرما ؛ إما لأنها تقتل ما تصيده وإما لأنها ترتكب جرائم ، إشارة إلى قول من قال : ما كان ذو ولد وإن كان بهيمة إلا ويذنب لأجل أولاده.

ج ر ي :

الجري : المرّ السريع ، وأصله في الماء أو ما يجري مجراه ، ومنه قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(٣) ؛ فيه (٤) مجازان : أحدهما : من تحت أشجارها وقصورها وفرشها كما نقلناه مجرّدا في «التّفسير». والثاني : إسناد الجريان للأنهار ، والأنهار (٥) لا تجري لأنها الأخاديد ، ولنا فيه كلام حقّقنا وجه المجاز فيه.

وقوله : (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ)(٦) يعني السفينة وجمعها جوار ، كقوله : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ)(٧) ، (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ)(٨).

يقال : جرى يجري جريا وجريانا. والجريّ : الرسول أو الوكيل الجاري ، فهو أخصّ من الوكيل والرسول. وقوله : (أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ)(٩) يجوز أن يحمل على مجرّد الجري

__________________

(١) ٤٦ / فصلت : ٤١ ، وغيرها.

(٢) البيت لأبي خراش الهذلي يصف عقابا ترزق فرخها وتكسب له ؛ فمعنى جريمة ناهض : كاسبة فرخ وهو الناهض. نيق : شمراخ من شماريخ الجبل. وعجزه (ديوان الهذليين : ٢ / ١٣٣) :

ترى لعظام ما جمعت صليبا

(٣) ٢٥ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٤) وفي س : فيها.

(٥) الكلة ساقطة من ح.

(٦) ١١ / الحاقة : ٦٩.

(٧) ٢٤ / الرحمن : ٥٥.

(٨) ٣٢ / الشورى : ٤٢.

(٩) ٧٦ / النساء : ٤.

٣٧٠

أي لا يحملنّكم على الجري في طاعته وانتمائه. وأن يحمل على معنى الجريّ أي الرسول أو الوكيل ومعناه : لا تتلو وكالته ولا رسالته. يقال : جريت جريا.

وقوله : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها)(١) يقرأ بضمّ الميم أي إجراؤه (٢) ، وبفتحها أي جريها. وقوله : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً)(٣) قيل : هي الملائكة الجارية في أوامر الباري ونواهيه ، وقيل : هي السفن يسّر جريها بما سخّر من البحر والريح.

والأجر : العادة التي يجري عليها الإنسان. والجرّيّة : الحوصلة لإمالتها الطعام في الجري إليها ، أو لأنها مجرى الطعام (٤).

فصل الجيم والزاي

ج ز أ :

الجزء : بعض الكلّ ، وجمعه أجزاء. وقيل : جزء الشيء ما تتقوّم به جملته كأجزاء البيت ، وأجزاء الحساب مثل الآحاد لجملة العشرة وأجزاء السفينة. والجزء : يعبّر به عن النّصيب كقوله تعالى : (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)(٥) وهو داخل فيما تقدّم.

وقوله : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً)(٦) إشارة إلى قولهم : الملائكة بنات الله ، فجعلوهم بعضه لأنّ الولد جزء من والده ، تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا. وقال قتادة :

__________________

(١) ٤١ / هود : ١١.

(٢) قراءة الضم لمجاهد والجحدري وعامة أهل المدينة والبصرة. وقراءة الفتح لحفص وحمزة والكسائي وخلف مع الإمالة (وانظر الإتحاف : ٢٥٦ ، للتفصيل).

(٣) ٢ / الذاريات : ٥١.

(٤) جاء في هامش ح : «الجري في كلامهم يستعمل في أشياء ؛ يقال : هذا المصدر جار على هذا الفعل أي أصل له ومأخذ. ويقال : اسم الفاعل جار على المضارع أي يوازنه في الحركات والسكنات. ويقال : الصفة جارية على شيء هو مبتدأ لها أو ذو الحال أو موصوف أو موصول. حفيد».

(٥) ٤٤ / الحجر : ١٥.

(٦) ١٥ / الزخرف : ٤٣.

٣٧١

عدلا. وقيل : إناثا. والجزء اسم للأنثى. واجزأت (١) المرأة : ولدت أنثى. قال الأزهريّ : ما أدري ما وجه صحّته. قال الهرويّ : قد جاء هذا الحرف في الشعر ، وأنشد للنابغة (٢) : [من البسيط]

إن أجزأت حرّة يوما فلا عجب

قد تجزىء الحرّة المذكار أحيانا

قلت : قد أنكر الناس إثبات هذا لغة أشدّ نكير وجعلوه مصنوعا. وأنشدوا (٣) أيضا قول الآخر ، وقالوا إنه موضوع : [من البسيط]

زوّجتها (٤) من بنات الأوس مجزئة

حتى قال الزمخشريّ : ومن بدع التفاسير تفسيرهم الجزء بالأنثى ، وما هو إلا كذب على العرب ، ووضع مستحدث منحول. ويقال : جزأ الإبل مجزأ. وجزءا : اكتفى بالعلف عن شرب الماء. ومنه الإجزاء عن الشيء وهو الاستغناء عنه. يقال : أجزأ يجزىء إجزاء. واجتزأت بكذا : اكتفيت به.

والإجزاء عند المتكلمين : موافقة الأمر للاكتفاء به. وقيل : سقوط القضاء للاكتفاء به ايضا. وبين العبارات فرق ظاهر ليس هذا موضع بيانه.

وجزأة السكين نصابها : تصوّرا أنّه (٥) جزء منها.

ج ز ع :

الجزع : هو الحزن. وقيل : هو أخصّ منه ؛ فإنّه حزن يمنع الإنسان ، ويصرفه عمّا

__________________

(١) وفي س : أجزاء.

(٢) البيت ليس للنابغة فليس في ديوانه. أنشده أبو إسحاق في اللسان (وفي التاج) ـ مادة جزأ شاهدا على أن معنى جزءا معنى الإناث ، وقال : «ولا أدري البيت هو قديم أم مصنوع».

(٣) وفي س : أنشأت.

(٤) وفي س : أنشأت.

(٥) وفي الأصل : زوجته. صدر أنشده أبو حنيفة ، وعجزه كما في اللسان ـ مادة جزأ :

للعوسج اللدن في أبياتها زجل

٣٧٢

هو بصدده ، ويقطعه عنه. وأصله (١) القطع. يقال : جزّعت الحبل قطعته لنصفه فما تجزّع (٢) ، وتصوّر منه قطع الوادي ، فقيل : جزعنا الوادي : قطعناه عرضا. وقيل : بل هو قطعه مطلقا.

وفي الحديث : «وقف على محسّر فقرع راحلته فخبّت به حتى جزعه» (٣). فالجزع بالفتح المصدر ، والجزع بالكسر : منقطع الوادي. ولانقطاع (٤) اللون بتغيّره قيل للخرز المتلوّن : جزع. ومنه استعير : لحم مجزّع أي ذو لونين. وقيل : مبضّع.

وفي الحديث : «فتفرّق الناس إلى غنيمة فتجزّعوها» (٥) أي اقتسموها قطعا. والبسر المجزّع : ما بلغ الإرطاب نصفه. والجازعة : الخشبة المجعولة وسط البيت ، جعل عليها رؤوس خشبه ، تصوّروا أنه قطع لثقل ما يحمله ، أو أنّه قطع وسط البيت.

يقال : جزعته أي جزمت جزما : قطعني عن شغلي. وقيل : هو الفزع ، ومنه قوله : (أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا)(٦). قال : [من الطويل]

جزعت ولم أجزع من البين مجزعا

وعزّيت قلبا بالكواعب مولعا

وقال كعب بن زهير يمدح المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين (٧) : [من البسيط]

ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم

قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا

مفاريح ومجازيع جمع مفراح ومجزاع : وهو الكثير الفرح والجزع مبالغة : جعل نفس ما يفرح له ويجزع ، نحو مقراض ومنقاش لما يقرض به وينقش.

__________________

(١) يعني أصل الجزع.

(٢) لعل الصواب أن يقول : فانجزع.

(٣) النهاية : ١ / ٢٦٩. ويقول ابن الأثير : أي قطعه ، ولا يكون إلا عرضا.

(٤) وفي ح : والانقطاع.

(٥) نسخ الحديث في الأصل مضطرب ، فصوبناه من النهاية : ١ / ٢٦٩.

(٦) ٢١ / إبراهيم : ١٤.

(٧) العجز من الديوان : ٢٥ ، والصدر لم نعثر عليه.

٣٧٣

ج ز ي :

قوله تعالى : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(١) أي لا تغني ولا تقضي ولا تنوب ، كلّه بمعنى. وفي الحديث : «يجزيك ولا يجزي أحدا» (٢) «ويجزيك من هذا الأمر الأقلّ أن تقضي وتنوب».

ومعنى قولهم : جزاك الله خيرا أي قضاه ما أسلف. قال الهرويّ : فإذا كان (٣) بمعنى الكفاية قلت : جزأ الله عني ، مهموزا وأجزاه. قال الراغب : الجزاء : ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ. (٤)

يقال : جزيته كذا وبكذا. قال تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا)(٥). وقال : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)(٦).

والجزية : ما يعطيه (٧) أهل الذمّة ، سميت بذلك لأنّها تجزي في حقن دمائهم. قال : ويقال : جزيته بكذا أو جازيته ، ولم يجيء في القرآن إلا جزى دون جازى ، وذلك أنّ المجازاة هي المكافأة ، والمكافأة مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها. ونعمة الله تتعالى عن ذلك ، ولهذا لا (٨) يستعمل لفظ المكافأة في الله تعالى. قلت : كأنّه سهي عن قوله تعالى : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(٩) لم يقرأ إلا بلفظ المفاعلة وإن اختلفوا في بنائه للفاعل أو للمفعول كما بينّاه في غير هذا. /

__________________

(١) ٤٨ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٢) الحديث ساقط من س. ومذكور في صحيح البخاري ، كتاب العيدين : ٥ ، ٨ ، ١٠.

(٣) في الأصل : الكفاية.

(٤) يقصد : الجزاء.

(٥) ١٧ / سبأ : ٣٤.

(٦) ١٢ / الإنسان : ٧٦.

(٧) وفي س : يعطونه. وضمير الفعل «قال» بعد سطر للراغب.

(٨) في الأصل : ذلك لما ، والتصويب من المفردات.

(٩) ١٧ / سبأ : ٣٤.

٣٧٤

فصل الجيم والسين

ج س د :

الجسد : هو الجسم إلا أنّه أخصّ منه من وجهين أحدهما قال الخليل : لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه ، وفيه نظر لقوله تعالى : (عِجْلاً جَسَداً)(١). ويمكن الجواب بأن يقال قوله ونحوه أي نحو الإنسان من حيث كونه حيوانا ، فكأنّه يحترز من الجمادات كالجبال ونحوها. والثاني قال الراغب «١*» : وأيضا فإنّ الجسد يقال لما ليس له لون كالماء والهواء. وقوله تعالى : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(٢) يشهد لما قاله الخليل.

قلت : وقول الراغب ينافي مقالة الخليل في كونه مختصا بالإنسان ونحوه ، وباعتبار اللون سمي الزّعفران جسادا. وثوب مجسّد : مصبوغ به. والمجسد (٣) ما يلي الجسد ، والجسد أيضا والجاسد (٤) : الدم اليابس ومنه قول النابغة (٥) : [من البسيط]

فلا لعمرو الذي قد زرته حججا

وما هريق على الأنصاب (٦) من جسد

وقوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً)(٧) قيل : شقّ (٨) ولد. وقيل : هو شيطان ، في قصة طويلة لا يجوز اعتقاد صحتها كما بيّنّاه.

وقوله : (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) قيل : صورة لا روح فيها.

__________________

(١) ١٤٨ / الأعراف : ٧.

(١) المفردات : ٩٣.

(٢) ٨ / الأنبياء : ٢١.

(٣) وهو الثوب الذي يلي جسد المرأة فتعرق فيه.

(٤) والجسد والجسيد مثله.

(٥) البيت من معلقة النابغة (الديوان : ١٩). الجسد : الدم اللاصق.

(٦) وفي الأصل : الأنصاف.

(٧) ٣٤ / ص : ٣٨. جسد : شق إنسان ولد له.

(٨) وفي س : شيء.

٣٧٥

ج س س :

قوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا)(١) أي لا تتّبعوا عورات الناس ولا تطّلعوا على سرائرهم. والتجسّس : التّنقير عن بواطن الأمور ، وأكثر ما يقال في السرّ ، ولذلك يقال : الجاسوس : صاحب سرّ الشرّ ، والناموس : صاحب سرّ الخير. وبالمعنى فسّر مجاهد فقال : خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله. وقال ثعلب : التجسّس بالجيم : ما طلبته لغيرك من معرفة أمور الناس ، والتّحسس بالحاء : ما تطلبه لنفسك. وقيل : التّجسس بالجيم في العورات ، والتحسّس في الخير ؛ ولذلك قال : (فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ)(٢). وقيل : التّجسس بالجيم : تتبّع العورات ، والتحسس : الاستماع. وفي الحديث : «لا تجسّسوا ولا تحسّسوا» (٣) ، وفي بعض القراءات : «فتجسّسوا» بالجيم والحاء (٤).

وقيل : أصل التجسّس من الجسّ ، وهو مسّ العرق ، وتعرّف نبضه ليحكم به على الصحّة والسّقم. وعلى هذا فهو أخصّ من التحسّس بالحاء ؛ فإنّ الجسّ بالجيم تعرّف ما لا يدركه بالحاء. والحسّ تعرّف حال مّا من ذلك. واشتقّ من الجسّ بالجيم : الجاسوس ، ولم يشتقّ من الحسّ.

ج س م :

الجسم : ما له طول وعرض وعمق. والجسمان : الشّخص. والفرق بين الجسم والشخص أنّ الجسم وإن فرّقت أجزاؤه فكلّ منها يقل له جسم. والشّخص متى فرّقت أجزاؤه زال عنها اسم الشخص.

وقوله تعالى : (تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ)(٥) أي صورهم الظاهرة ، تنبيها أنها أشباح ليس

__________________

(١) ١٢ / الحجرات : ٤٩.

(٢) ٨٧ / يوسف : ١٢.

(٣) الغريبين : ١ / ٣٦١.

(٤) النهاية : ١ / ٢٧٢ ، والقراء مجمعون على الجيم في قوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا) (معاني القرآن : ٣ / ٧٣).

(٥) ٤ / المنافقون : ٦٣.

٣٧٦

فيها معنى يعتدّ به ، ولذلك شبّههم بالخشب (١). ولم يكفه ذلك حتى جعلها مسندة أي ليست منتفعا بها انتفاع مثلها حسبما بينّاه في موضعه.

والجمع جسوم وأجسام. ويستعمل الجسم في ذي الجثّة. قال (٢) : [من البسيط]

جسم البغال وأحلام العصافير

والمجسّمة : قوم ينسبون الباري إلى الجسم ، تبارك وتعالى عن ذلك. يقال : جسّمته : نسبته لذلك.

فصل الجيم والعين

ج ع ل :

الجعل : يأتي لمعان أحدها : الخلق والإحداث ، كقوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)(٣) فيتعدّى لواحد. والثاني : الإلقاء نحو : جعلنا متاعك بعضه فوق بعض (٤). والثالث التّصيير ، وهو على ضربين ؛ [الأول](٥) تصيير بالفعل نحو : جعلت الطين خزفا ، والثاني : القول ، نحو : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً)(٦). الرابع : الإنشاء ، نحو : جعل زيد يفعل كذلك كقوله : وقد جعلت نفسي تطيب. فيكون من أخوات

__________________

(١) يريد الآية : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).

(٢) عجز لحسان بن ثابت ، وصدره (الديوان : ١ / ٢١٩) :

لا عيب بالقوم من طول ولا عظم

لا بأس بالقوم من طول ومن عظم

(٣) ١ / الأنعام : ٦.

(٤) مثال قاله سيبويه. اللسان ـ مادة جعل.

(٥) إضافة المحقق.

(٦) ١٩ / الزخرف : ٤٣. قال الزجاج في هذه الآية : الجعل ها هنا بمعنى القول والحكم بمعنى الشيء. وقيل : سمّوهم.

٣٧٧

عسى ، والخامس : التشريع ، كقوله : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ)(١) أي ما شرع. والسادس : الاعتقاد ، كقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ) وقيل : لفظ عامّ في الأفعال كلّها ، وهو أعمّ من فعل وصنع وأخواتهما. السابع : الحكم على الشيء بالشيء حقّا كان أو باطلا ؛ فالحقّ نحو قوله تعالى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(٢). والباطل نحو قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً)(٣).

والجعل والجعالة : ما يجعل للإنسان على فعل يفعله. والجعال (٤) : خرقة ينزل بها القدر. والجعل : دويبّة معروفة. والجعائل : جمع الجعيلة (٥) ، وهو ما يعطيه واحد لآخر ليخرج مكانه في الغزو.

فصل الجيم والفاء

ج ف أ :

قوله تعالى : (فَيَذْهَبُ جُفاءً)(٦).

الجفاء : الغثاء الذي يرميه السّيل على ضفّتي الوادي لا ينتفع به. وأجفأت القدر وجفأت : ألقت بزبدها. وكذلك جفأ الوادي وأجفأ إجفاء. وأجفأت الأرض : ذهب خيرها ، تشبيها بذلك. وفي الحديث : «خلق الله [الأرض السّفلى](٧) من الزّبد الجفاء» أي من زبد اجتمع للماء. وقد تشبه المسرع.

__________________

(١) ١٠٣ / المائدة : ٥. البحيرة من الإبل التي بحرت أذنها أي شقّت طولا ، ويقال : هي التي خليت بلا راع.

(٢) ٧ / القصص : ٢٨.

(٣) ١٣٦ / الأنعام : ٦.

(٤) يقول ابن منظور فيها : والجعال والجعالة والجعالة.

(٥) يدعوها ابن منظور : الجعالة. ويراها ابن الأثير : جعيلة أو جعالة (اللسان ـ مادة جعل).

(٦) ١٧ / الرعد : ١٣.

(٧) من حديث جرير البجلي كما في الغريبين : ١ / ٣٦٨ ، والإضافة منه عدا «الأرض» المذكورة في : د.

٣٧٨

وفي الحديث : «انطلق جفاء من الناس» (١) يريد سرعانهم (٢). ويقال : جفأ القدر وأجفأها : قلبها. وفي الحديث : «فجفؤوا القدور» (٣) ويروى فأجفؤوها. وبعضهم جعل المادة من ذوات الواو من جفا يجفو جفوة إذا هجر ونأى. ومنه : جفا السّرج عن ظهر الدابة (٤). يقال : جفت القدر تجفو أي ألقت زبدها بخوانها جفاء.

والأصل : جفاو فقلبت الواو همزة على حدّ قلبها في كساء وبابه ، والأول أشهر.

ج ف ن :

قال تعالى : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ)(٥).

الجفان : جمع جفنة. والجفنة : الوعاء المعروف ، خصّت بوعاء الطعام. ولتعارف العرب بمدحها ومدح من يطعم فيها خصّها تعالى بالذّكر في قوله تعالى : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) جريا على ما يألفونه ويتمدّحون به. ومنه قول حسان (٦) : [من الطويل]

لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضّحى

وأسيافنا من نجدة تقطر الدّما

ويقولون للسيد : جفنة ؛ يمدحونه بذلك لأنه يطعم الناس فيها. وفي الحديث : «وأنت الجفنة الغرّاء» (٧) الغراء : البيضاء من الشحم (٨). وقال الشاعر (٩) : [من البسيط]

__________________

(١) من حديث البراء (النهاية : ١ / ٢٧٧).

(٢) يقول ابن الأثير : هكذا جاء في كتاب الهروي. والذي قرأناه في كتاب البخاري ومسلم «انطلق أخفّاء من الناس» جمع خفيف. وفي كتاب الترمذي «سرعان الناس».

(٣) حديث خيبر (النهاية : ١ / ٢٧٧) ، أي فرّغوها وقلبوها.

(٤) رفعه عنه.

(٥) ١٣ / سبأ : ٣٤. والمعنى : قصاع كبار كالحياض العظام.

(٦) ديوان حسان : ١ / ٣٥. والعجز فيه :

وأسيافنا يقطران من نجدة دما

(٧) النهاية : ١ / ٢٨٠. كانت العرب تدعو السيد المطعام جفنة لأنه يضعها ويطعم الناس فيها فسمي باسمها.

(٨) كناية عن امتلائها بالشحم والدهن.

(٩) أنشده الهروي لشاعر يرثي ، وهو مذكور في حاشية النهاية : ١ / ٢٨٠. وسماه المرزباني (معجم الشعراء : ٥٩) عمرو بن عمار المعروف بأبي قردودة الطائي.

٣٧٩

يا جفنة بإزاء (١) الحوض قد كفؤوا

ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره

«وانكسرت ناقة من إبل الصّدقة زمن عمر فجفنها» (٢) أي جعلها طعاما ، فجعل المنجفين كناية عن ذلك لغلبة الأكل من الجفان.

ج ف و (٣) :

الجفو : الإرتفاع والتّباعد ، ومنه قوله : جفاء الحبيب ، وهو تباعده. يقال : جفاه يجفوه جفاء وجفوة فهو جاف. وفي الحديث : «ليس بالجافي ولا المهين» (٤) [أي](٥) لا يجفو أصحابه ولا يهينهم (٦). وفي الحديث : «كان يجافي ضبعيه (٧) عن جنبيه في السجود» أي يباعدهما. /

فصل الجيم واللام

ج ل :

الجلالة : عظم القدر. والجلال ـ دون هاء ـ التّناهي في ذلك ، وخصّ بوصف الله تعالى فقيل : ذو الجلال والإكرام ، ولم يستعمل في غيره. وفي الحديث : «ألظّوا (٨) بيا ذا الجلال والإكرام». وقوله : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)(٩) ، وصف به

__________________

(١) وفي المصدرين السابقين : كإزاء. وفي معجم الشعراء : قد هدموا.

(٢) النهاية : ١ / ٢٨٠ ، وفيه : «انكسر قلوص من ...».

(٣) النهاية : ١ / ٢٨١. وتروى الميم بضمها على الفاعل والفتح على المفعول.

(٤) سها المصنف عن ذكر الآية المتضمنة أساس المادة وهي : «تتجافى جنوبهم عن المضاجع» ١٦ / السجدة : ٣٢.

(٥) إضافة المحقق.

(٦) وأورد ابن الأثير معنى آخر ولعله أقرب : «أي ليس بالغليظ الخلقة والطبع» على المعنى الأول.

(٧) الضبع : وسط العضد ، أو العضد كلها. والحديث في النهاية : ١ / ٢٨٠. ورواية الهروي : «عضديه» (الغريبين : ١ / ٣٧٢).

(٨) قيل : أراد عظّموه. وقيل : أسلموا (اللسان ـ مادة جلل). والحديث في النهاية : ١ / ٢٨٧.

(٩) ٧٨ / الرحمن : ٥٥.

٣٨٠