الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]
المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩
تقدّم منه : ثاب ، وتاب كلاهما بمعنى الرجوع. وكذا الجذّ والحذّ. وكذلك عتا وعثا ، كما سيأتي في مادة (ك ت ب) و (ك ث ب). وقد يقع بعض فروق (١).
والجذّ أيضا : التّفتيت والتكسير ، ومنه قوله تعالى : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً)(٢) أي قطعا مكسّرة وفتاتا. وفعال قد يجيء في معنى المفعول نحو الحطام والفتات والرّفات بمعنى محطوم ومفتوت ومرفوت.
والجذيذ : السّويق ، لأنّه يطحن ويفتّ. وفي حديث عليّ أنّه أمر نوفا البكاليّ (٣) أن «يأخذ من مزوده جذيذا» (٤). والجذيذة : الشّربة منه (٥). وفي حديث أنس : «أنّه كان يأكل جذيذة قبل أن يغدو في حاجته» (٦) أي شربة من سويق.
ج ذ ع :
الجذع : ما تقادم من خشب النخل وغلب فيما بينها (٧) ، ولذلك جعل آية لمريم عليهاالسلام في قوله : (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا)(٨) حيث كان جاريا للعادة في مثله. وقوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ)(٩) ، يريد : في أخسّ ما يكون من النخل لهوانكم علينا ، فلا نشغل بكم ما فيه منفعة من النخل المثمر. وبالغ بأن جعل الجذوع ظروفا لهم ، وقيل : «في» بمعنى «على» (١٠) كقوله (١١) : [من الكامل]
__________________
(١) وفي س : فروق منه.
(٢) ٥٨ / الأنبياء : ٢١.
(٣) هذه النسبة إلى بني بكال ، وهو بطن من حمير ينسب إليه أبو زيد نوف بن فضالة البكالي ، وهو ابن امرأة كعب الأحبار ، وهو تابعي (اللباب : ١ / ١٦٨).
(٤) النهاية : ١ / ٢٥٠.
(٥) يريد شربة من السويق.
(٦) النهاية : ١ / ٢٥٠.
(٧) الكلمة ساقطة من ح ، وموضعها بياض.
(٨) ٢٥ / مريم : ١٩.
(٩) ٧١ / طه : ٢٠.
(١٠) أي بمعنى الاستعلاء ، وهو الذي استشهد به ابن هشام في الآية السابقة (المغني : ١٦٨).
(١١) صدر بيت لعنترة (الديوان : ١٥٢) وهو من شواهد اللسان (مادة سرح) ومن شواهد المغني : ١٦٩.
وعجزه :
يحذى نعال السّبت ليس بتوأم
بطل كأنّ ثيابه في جذعة (١)
والجذع من الحيوانات ما لم يثنّ سنة ؛ فمن الإبل ما له خمس ، ومن الشاء ما له سنة ، ولأهل اللغة فيه خلاف ليس هذا موضعه. وفي حديث ورقة (٢) : [من مجزوء الرجز]
با ليتني فيها جذع (٣)
أي في نبوة محمّد. وفي حديث عليّ رضي الله عنه : «أسلمت وأنا جذعمة» (٤) يريد جذعا (٥) ، فزاد ميما مبالغة نحو : زرقم (٦) ، ودلامص. ويقال للدهر : جذع ، تشبيها بالأحداث توهّموا فيه عدم الهرم ، ولذلك يقولون : الدهر يبلي ولا يبلى. وجمع الجذع في القلّة أجذاع ، وفي الكثرة جذوع. ولذلك أوثر في القرآن ليهوّل عليهم ما توعّدهم.
ج ذ و :
قوله تعالى : (أَوْ جَذْوَةٍ)(٧).
الجذوة ـ مثلثة في السّبع ـ هي القطعة من الحطب بعد التهاب النار فيها ، جمعها جذى نحو غرفة وغرف ، وجذى نحو كسرة وكسر ، وجذا نحو جفنة وجفان. قال الخليل : جذا يجذو مثل : جثا يجثو إلّا (٨) أنّ جذا أدلّ على اللزوق به. يقال : جذا القراد في جنب البعير إذا اشتدّ التزاقه به.
__________________
(١) رواية السمين : جذعة ، وفي الديوان وسائر الروايات : سرحة.
(٢) من حديث المبعث (النهاية : ١ / ٢٥٠) و (الغريبين : ١ / ٣٣٣). وهو رجز لدريد بن الصمة (الأغاني : ١٠ / ٣١) وبعده : أخبّ فيها وأضع.
(٣) وفي رواية النهاية : جذعا على الحال من الضمير في «فيها» ، أو منصوب بإضمار كان. أي ليتني كنت شابا عند ظهور الدعوة حتى أبالغ في نصرتها وحمايتها.
(٤) روى ابن الأثير (النهاية : ١ / ٢٥١) وابن منظور (مادة جذعم) هذه الرواية ورواية أخرى أكثر شهرة : «أسلم أبو بكر وأنا جذعمة».
(٥) أي حديث السن.
(٦) أي الأزرق.
(٧) ٢٩ / القصص : ٢٨.
(٨) ساقطة من س.
وأجذت الشجرة : صارت ذات جذوة. ورجل جاذ ، وامرأة جاذية (وهما المجموع الباع تشبيها لديهما بالجذوة. وفي الحديث : «مثل المنافق مثل الأرزة المجذية» (١) الأرزة : شجرة الصنوبر ، والمجذية : الثابتة لما تقدّم من الدّلالة على اللزوق بالشيء. يقال : جذت تجذو) (٢).
وأجذت تجذي وعليه المجذية. فأجذى هنا ـ كجذا ـ لازم. وقد جاء متعديا في حديث ابن عباس : «أنّه مرّ بقوم يجذون حجرا» (٣) أي يسألونهم امتحانا لقواهم (٤). ويقال : اجذوذت تجذوذي بمعنى جذت ، قاله الهرويّ ، وفيه نظر لأنّ إفعلّى أبلغ من فعل نحو : جلا واجلولى.
فصل الجيم والراء
ج ر ح :
قوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)(٥).
الجرح : تأثير الجسد بإدمائه ثم يستعار في تأثير الكلام ، ومنه قول امرىء القيس : [من المتقارب]
وجرح اللسان كجرح اليد (٦)
__________________
(١) النهاية : ١ / ٢٥٣.
(٢) الكلام ساقط من ح.
(٣) النهاية : ١ / ٢٥٣.
(٤) أي يشيلونه ويرفعونه.
(٥) ٤٥ / المائدة : ٥.
(٦) البيت في الأصل معزو إلى طرفة ، وهو مذكور في ديوان امرىء القيس : ١٢٦. وذكر محقق الخصائص أنه اختلف في نسبه هل لامرىء القيس بن حجر ، أو لامرىء القيس بن عابس (الخصائص : ١ / ١٤ و ٢١). وصدره.
ولو عن نثا غيره جاءني
وقوله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ)(١) يريد الكلاب والطيور المكلّبة أي المعلّمة (٢). سميت جارحة لأنها تجرح ما تصيده أو لأنّها تكسبه. والجرح : الكسب. ومنه قوله تعالى : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ)(٣) / أي كسبتم. وفلانّ جارحة أهله أي كاسبهم. وجوارح الإنسان : ما يكتسب بها والاجتراح : اكتساب الإثم ، وأصله من الجراحة (٤). كما أنّ الاقتراف من القرف الذي للقرفة.
والجرح : مقابل التّعديل ، مستعار من الجلد كما قال :
وجرح اللسان كجرح اليد
وفي الحديث : «قد استجرحت هذه الأحاديث» (٥) أي كثرت وقلّ صحاحها.
ج ر د :
قوله تعالى : (وَالْجَرادَ)(٦).
الجراد : معروف ، واحدته جرادة ، وقد يسمّى بها. وضرب بها المثل في القلّة نحو : «ثمرة خير من جرادة» (٧). ويجوز أن يكون الفعل الملفوظ به مشتقا من لفظه نحو : الجراد جرد الأرض. وبالأرض المجرّدة شبه الفرس المنحسر الشّعر ، والثوب الخلق لذهاب زهوته ؛ فيقال : فرس أجرد وثوب أجرد. «وجرد القطيفة» (٨) على إضافة الصفة لموصوفها من غير تأويل أو بتأويل بحسب المذهبين المعروفين. وبه شبه أيضا التجرّد من الثياب ، فيقال : تجرّد فلان من ثيابه. والمتجرّد : الجسد لأنه يتجرّد عن الثياب. وفي صفته عليه الصلاة
__________________
(١) ٤ / المائدة : ٥.
(٢) الطيور المكلبة : المعلمة فنون الصيد.
(٣) ٦٠ / الأنعام : ٦.
(٤) في الأصل : الجارحة ، ولعلها كما ذكرنا.
(٥) الحديث كما في النهاية (١ / ٢٥٥): «كثرت هذه الأحاديث واستجرحت».
(٦) من الآية : ١٣٣ / الأعراف : ٧.
(٧) لم نجد هذا المثل في المظانّ.
(٨) من حديث أبي بكر : «ليس عندنا من مال المسلمين إلا جرد هذه القطيفة» (النهاية : ١ / ٢٥٧) أي التي انجرد خملها وخلقت.
والسّلام : «كان أنور المتجرّد» (١) أي مشرق الجسد. وقال طرفة (٢) : [من الطويل]
رحيب قطاب (٣) الجيب منها ، رقيقة |
|
بجسّ النّدامى بضّة المتجرّد |
وفي الحديث : «جرّدوا القرآن» (٤) قيل : معناه جرّدوه من الأحاديث. قال أبو عبيد : أي التي يرويها أهل الكتاب لكونهم غير مأمونين. وعندي أنّه لا يحتاج إلى هذا التأويل لأنّهم أمروا بتجريد القرآن من الأحاديث ، لئلا يختلط القرآن بغيره ، فيشتبه على من لا علم عنده القرآن بغيره ، ولذلك أوجبت الصحابة أن لا يخلط شيء من تفسيره به ، بل يميّز عنه بخط آخر. ولذلك قيل : إنّ مصحف ابن مسعود لمّا خلطه بغيره من التفسير رغبوا عنه. وقال إبراهيم (٥) : أي من النّقط والتّعجيم. قلت : ولذلك كتبه الصحابة مجرّدا من النّقط والإعجام زمن عثمان. والنقط والضّبط محدث أحدثه يحيى بن معمر زمن عبد الملك.
والجريدة : السّعفة ، جمعها جريد ، سميت بذلك لتجرّدها عن خوصها (٦). وقال الراغب : في معنى «جرّدوا القرآن» أي : لا تلبسوه شيئا آخر ينافيه. والمنجرد : الفرس الأجرد. ومنه قول امرىء القيس (٧) : [من الطويل]
وقد أغتدي والطير في وكناتها |
|
بمنجرد قيد الأوابد هيكل |
وإنجرد بنا السير : على التّشبيه بسير الجراد.
ج ر ر :
قوله : (وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ)(٨). الجرّ : الجذب بعنف. يقال : جررت
__________________
(١) النهاية : ١ / ٢٥٦.
(٢) وهم المؤلف حيث نسب البيت إلى النابغة ظنا منه أنه في المتجردة ، والصواب هو لطرفة كما ذكرنا من معلقته (الديوان : ٤٠).
(٣) في الأصل : مظان ، والتصويب من الديوان.
(٤) النهاية : ١ / ٢٥٦. وفيه آراء أخرى في معنى الحديث.
(٥) يعني إبراهيم النخعي.
(٦) الخوص : ورق النخل ، مفردها خوصة.
(٧) البيت من معلقته (الديوان : ٣٦).
(٨) ١٥٠ / الأعراف : ٧.
الشيء أجرّه جرّا : إذا جذبته جذبا شديدا. والجريرة : الجناية ؛ يقال : لا تؤاخذنا بالجريرة أي بجرائمها. وفي حديث لقيط : «ثم بايعه على أن لا يجرّ عليه إلا نفسه» (١) أي لا يؤاخذ بجريرة غيره ، كقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(٢). وفي الحديث : «أنّ امرأة دخلت النار من جرّاء هرّة» (٣). يروى بالمدّ والقصر ، أي : من أجلها ، كأنّه بمعنى : هو الذي جرّ إليه ذلك. وفي الحديث أيضا : «....» (٤) أي من أجلي. وفيه : «لا صدقة في الإبل الجارّة» أي التي تجرّ بأزمّتها ، يريد العوامل ؛ جعل فاعلا بمعنى المفعول نحو : سرّ كاتم ، وليل نائم ، وماء دافق.
والجريرة : الزمام ؛ ومنه سمّي جرير الشاعر المشهور (٥). والجرّ أيضا : السحب. ومنه قول امرىء القيس : [من الطويل]
وقفت بها أمشي (٦) تجرّ وراءنا |
|
على أثرينا (٧) ذيل مرط مرحّل |
والجرر : جمع جرّة. وفي الحديث : «الذي يأكل في إناء من فضة إنّما يجرجر في جوفه نار جهنم» (٨) أي ينحدر فيه ، وأصله من جريرة الماء في الحلق ، وهو صوت وقعه في الحلق. وقال الزجّاج : يجرجره أي يردّده (٩).
__________________
(١) النهاية : ١ / ٢٥٨.
(٢) ١٦٤ / الأنعام : ٦.
(٣) النهاية : ١ / ٢٦٠.
(٤) بياض في الأصل. والحديث بعده في النهاية : ١ / ٢٥٨. والعوامل هي الإبل العوامل.
(٥) الجرير : حبل الزمام أو حبل من أدم يخطم به البعير (اللسان ـ جرر).
(٦) الديوان : ٣٣ ، وفيه : خرجت بها نمشي. وفي شرح القصائد العشر : ٥٣ : فقمت بها أمشي.
(٧) في الأصل : إثرنا ، والتصويب من الديوان. وفي شرح القصائد العشر : على إثرنا أذيال. وبهما يستقيم الوزن.
(٨) النهاية : ١ / ٢٥٥. يرى الزمخشري أن النار بالرفع ، والأكثر النصب. والجرجرة : صوت البعير عند الفجر.
(٩) في الأصل : يردّه ، وكذا في الغريبين : ١ / ٣٤٥. والتصويب من اللسان مادة ـ جرر.
ج ر ز :
قال : (صَعِيداً جُرُزاً)(١). والجرز : الأرض التي لا نبات بها ، وأصله من الجرز وهو القطع ؛ يقال : جرزت الجراد الأرض أي أكلت نباتها. وجرزت الأرض (٢) أجرزها جرزا : استأصله. ومنه : السيف الجراز أي القاطع. وجرزت الأرض فهي جروزة (٣) ، والجروز : الذي يأكل ما قدّم إليه (٤) ؛ يستوي فيه الذكر والأنثى ؛ يقال : رجل جروز ، وامرأة جروز. قال الشاعر : [من الرجز]
إنّ العجوز حية جروزا |
|
تأكل كلّ أكلة قفيزا |
ج ر ع :
الجرع : سرب الماء. وجرعه : شربه بتكلّف ، وعليه (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ)(٥) يقال : جرعت (٦) الماء أجرعه جرعا. وتجرّعته تجرّعا ، وجرع يجرع. والجرعة : قدر ما يجرع ، كالأكلة والغرفة قدر ما يغرف ويؤكل.
وفي المثل : «أفلتّ بجريعة الذّقن» (٧). وأفلت يكون لازما كما تقدّم ومتعدّيا ، ومنه : أفلتني بجريعة الذّقن (٨) ، ويروى : جريعة دورنا.
والجرعاء : أرض لا تنبت شيئا كأنّها تتجرّع البذر. أرض جرعاء ، ومكان أجرع. قال الشاعر : [من الطويل]
__________________
(١) ٨ / الكهف : ١٨.
(٢) لعل الجملة هنا مقحمة! أو أن استأصله تقرأ : استأصلتها.
(٣) وفي اللسان : مجروزة.
(٤) أي الأكول.
(٥) ١٧ / إبراهيم : ١٤.
(٦) وبفتح الراء كما في اللسان (مادة جرع).
(٧) المستقصى : ١ / ١٧٤. والجريعة : تصغير الجرعة ، وهي آخر ما يخرج من النفس عند الموت يعني : أفلتّ بعدما أشرفت على الهلاك ، أي كان قريبا كقرب الجرعة من الذقن.
(٨) وبدون الباء. قال أبو زيد حول هذا المثل : إذا كان قريبا منه كقرب الجرعة من الذقن ثم أفلته (اللسان).
حمامة جرعا حومة الجندل اسجعي |
|
فأنت [بمرأى] من سعاد ومسمع (١) |
ونوق مجاريع أي لم يبق من لبنها إلا قدر الجرع.
ج ر ف :
قوله : (شَفا جُرُفٍ)(٢).
الجرف : المكان الذي يأكله الماء من سيل وغيره ، فيجرفه أي يذهب به. ومنه : اجترف الدهر ماله ، وطاعون جارف من ذلك. وجرفت الشيء : قشرته ، وكذلك جلفته.
وفي الحديث : «ليس لابن آدم إلا بيت يكنّه وثوب يواريه (٣) وجرف (٤) الخبز» جمع جرفة ، وهي الكسرة. ومنه جلف وجلفة. ورجل جراف : نكحة ، كأنّه يجرف في ذلك العمل.
ج ر م :
قوله : (لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ)(٥) ونحوه. قيل : لا نفي لكلام قبلها ، وجرم : فعل ماض معناه كسب ، وقيل : حقّ ، وقيل : وجب ، وقيل : حقّا. (ويتلقّى بما يتلقّى به القسم (٦). وقال الفراء : معناه تبرئة بمعنى : لا بدّ ، ثم استعملته العرب في معنى حقّا (٧)) (٨).
قلت : فإذا قيل : إنّ ردّ الكلام متقدّم فيكون جرم فعلا ماضيا وأنّ وما في خبرها في
__________________
(١) قاله ابن بابل من قصيدة في معاهد التنصيص : ١ / ٥٩ ، والإضافة منه.
(٢) ١٠٩ / التوبة : ٩.
(٣) في الأصل : ويدب جوارفه ، وهو خلط. والتصويب من النهاية : ١ / ٢٦٢.
(٤) كذا في النهاية : وفي الأصل : جرفة.
(٥) ٢٣ / النحل : ١٦.
(٦) كقولهم : لا أقسم.
(٧) كلام الفراء هنا مختصر ، وتفصيله في اللسان ، مادة جرم.
(٨) ما بيبن قوسين ساقط من س.
موضع رفع بالفاعلية له كأنه حقّ. وحيث علم الله سرّهم وعلنهم ، وإن فسّرناه بمعنى كسب ، كان أنّ وما في خبرها في موضع المفعول ، والفاعل مضمر أي كسب الحقّ علم الله سرّهم وعلنهم. وقد حقّقنا هذا بكلام طويل في «الدرّ المصون» وغيره.
وقوله تعالى : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ)(١) أي لا يكسبنّكم بغض قوم على الاعتداء ، وكذلك (لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي)(٢) أي لا يحملنّكم خلافي وبغضي.
ويقال : جرم وأجرم ، ومن الثاني : (فَعَلَيَّ إِجْرامِي)(٣). وفلان جريمة أهله أي كاسبهم. واجترم بمعنى اكتسب. والجريمة : ما يكتسبه الإنسان. وفي الحديث : «لا والذي أخرج العذق من الجريمة والنار من الوثيمة» (٤) ، قيل : الجريمة : النواة. والوثيمة : الحجارة المكسورة.
وأصل الجرم : قطع الثمر عن الشجر ، والثمر : جريم ، والجرام : الرديء منه ، أتي به على بناء النّفاية. وأجرم : صار ذا جرم ، واستعير لكلّ اكتساب ، إلا أنه غلّب في المكروه ، ومصدره الجرم. وجرمت صوف الشاة : استعارة من جرم الثمر. والجرم في الأصل : اسم للشيء المجروم أي المقطوع ، / وجعل اسما للجسم المجروم ، ثم أطلق على كلّ جسم. ويطلق الجرم على الصوت في قولهم : فلان حسن الجرم. قيل : الجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت ، ولكن لمّا كان المقصود بوصفه بالحسن فسّر به ، كقولك : فلان طيب الحلق إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه ، قاله الراغب (٥) : وهو حسن. وقد تحصّل (٦) أنّ الجرم مثلث باختلاف معان كما تقدّم بيانه. قال : وجرم وجرم بمعنى ، ولكنّ خصّ بهذا (٧) الموضع (٨) كما خصّ «عمرو» بالقسم وإن
__________________
(١) ٢ / المائدة : ٥.
(٢) ٨٩ / هود : ١١.
(٣) ٣٥ / هود : ١١.
(٤) النهاية : ١ / ٢٦٣.
(٥) المفردات : ٩٢.
(٦) وفي س : يحصل.
(٧) وفي ح : هذا.
(٨) يعني : خص جرم.
كان عمرو وعمر بمعنى. ومعناه : ليس بجرم لنا أنّ لهم النار تنبيها أنّهم اكتسبوها بما ارتكبوه إشارة إلى نحو : (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها)(١) وقول الشاعر يصف عقابا (٢) : [من الوافر]
جريمة ناهض في رأس نيق
فسمّى ما تكتسبه جرما ؛ إما لأنها تقتل ما تصيده وإما لأنها ترتكب جرائم ، إشارة إلى قول من قال : ما كان ذو ولد وإن كان بهيمة إلا ويذنب لأجل أولاده.
ج ر ي :
الجري : المرّ السريع ، وأصله في الماء أو ما يجري مجراه ، ومنه قوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ)(٣) ؛ فيه (٤) مجازان : أحدهما : من تحت أشجارها وقصورها وفرشها كما نقلناه مجرّدا في «التّفسير». والثاني : إسناد الجريان للأنهار ، والأنهار (٥) لا تجري لأنها الأخاديد ، ولنا فيه كلام حقّقنا وجه المجاز فيه.
وقوله : (حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ)(٦) يعني السفينة وجمعها جوار ، كقوله : (وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ)(٧) ، (وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ)(٨).
يقال : جرى يجري جريا وجريانا. والجريّ : الرسول أو الوكيل الجاري ، فهو أخصّ من الوكيل والرسول. وقوله : (أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ)(٩) يجوز أن يحمل على مجرّد الجري
__________________
(١) ٤٦ / فصلت : ٤١ ، وغيرها.
(٢) البيت لأبي خراش الهذلي يصف عقابا ترزق فرخها وتكسب له ؛ فمعنى جريمة ناهض : كاسبة فرخ وهو الناهض. نيق : شمراخ من شماريخ الجبل. وعجزه (ديوان الهذليين : ٢ / ١٣٣) :
ترى لعظام ما جمعت صليبا
(٣) ٢٥ / البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٤) وفي س : فيها.
(٥) الكلة ساقطة من ح.
(٦) ١١ / الحاقة : ٦٩.
(٧) ٢٤ / الرحمن : ٥٥.
(٨) ٣٢ / الشورى : ٤٢.
(٩) ٧٦ / النساء : ٤.
أي لا يحملنّكم على الجري في طاعته وانتمائه. وأن يحمل على معنى الجريّ أي الرسول أو الوكيل ومعناه : لا تتلو وكالته ولا رسالته. يقال : جريت جريا.
وقوله : (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها)(١) يقرأ بضمّ الميم أي إجراؤه (٢) ، وبفتحها أي جريها. وقوله : (فَالْحامِلاتِ وِقْراً)(٣) قيل : هي الملائكة الجارية في أوامر الباري ونواهيه ، وقيل : هي السفن يسّر جريها بما سخّر من البحر والريح.
والأجر : العادة التي يجري عليها الإنسان. والجرّيّة : الحوصلة لإمالتها الطعام في الجري إليها ، أو لأنها مجرى الطعام (٤).
فصل الجيم والزاي
ج ز أ :
الجزء : بعض الكلّ ، وجمعه أجزاء. وقيل : جزء الشيء ما تتقوّم به جملته كأجزاء البيت ، وأجزاء الحساب مثل الآحاد لجملة العشرة وأجزاء السفينة. والجزء : يعبّر به عن النّصيب كقوله تعالى : (لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ)(٥) وهو داخل فيما تقدّم.
وقوله : (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً)(٦) إشارة إلى قولهم : الملائكة بنات الله ، فجعلوهم بعضه لأنّ الولد جزء من والده ، تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا. وقال قتادة :
__________________
(١) ٤١ / هود : ١١.
(٢) قراءة الضم لمجاهد والجحدري وعامة أهل المدينة والبصرة. وقراءة الفتح لحفص وحمزة والكسائي وخلف مع الإمالة (وانظر الإتحاف : ٢٥٦ ، للتفصيل).
(٣) ٢ / الذاريات : ٥١.
(٤) جاء في هامش ح : «الجري في كلامهم يستعمل في أشياء ؛ يقال : هذا المصدر جار على هذا الفعل أي أصل له ومأخذ. ويقال : اسم الفاعل جار على المضارع أي يوازنه في الحركات والسكنات. ويقال : الصفة جارية على شيء هو مبتدأ لها أو ذو الحال أو موصوف أو موصول. حفيد».
(٥) ٤٤ / الحجر : ١٥.
(٦) ١٥ / الزخرف : ٤٣.
عدلا. وقيل : إناثا. والجزء اسم للأنثى. واجزأت (١) المرأة : ولدت أنثى. قال الأزهريّ : ما أدري ما وجه صحّته. قال الهرويّ : قد جاء هذا الحرف في الشعر ، وأنشد للنابغة (٢) : [من البسيط]
إن أجزأت حرّة يوما فلا عجب |
|
قد تجزىء الحرّة المذكار أحيانا |
قلت : قد أنكر الناس إثبات هذا لغة أشدّ نكير وجعلوه مصنوعا. وأنشدوا (٣) أيضا قول الآخر ، وقالوا إنه موضوع : [من البسيط]
زوّجتها (٤) من بنات الأوس مجزئة
حتى قال الزمخشريّ : ومن بدع التفاسير تفسيرهم الجزء بالأنثى ، وما هو إلا كذب على العرب ، ووضع مستحدث منحول. ويقال : جزأ الإبل مجزأ. وجزءا : اكتفى بالعلف عن شرب الماء. ومنه الإجزاء عن الشيء وهو الاستغناء عنه. يقال : أجزأ يجزىء إجزاء. واجتزأت بكذا : اكتفيت به.
والإجزاء عند المتكلمين : موافقة الأمر للاكتفاء به. وقيل : سقوط القضاء للاكتفاء به ايضا. وبين العبارات فرق ظاهر ليس هذا موضع بيانه.
وجزأة السكين نصابها : تصوّرا أنّه (٥) جزء منها.
ج ز ع :
الجزع : هو الحزن. وقيل : هو أخصّ منه ؛ فإنّه حزن يمنع الإنسان ، ويصرفه عمّا
__________________
(١) وفي س : أجزاء.
(٢) البيت ليس للنابغة فليس في ديوانه. أنشده أبو إسحاق في اللسان (وفي التاج) ـ مادة جزأ شاهدا على أن معنى جزءا معنى الإناث ، وقال : «ولا أدري البيت هو قديم أم مصنوع».
(٣) وفي س : أنشأت.
(٤) وفي س : أنشأت.
(٥) وفي الأصل : زوجته. صدر أنشده أبو حنيفة ، وعجزه كما في اللسان ـ مادة جزأ :
للعوسج اللدن في أبياتها زجل
هو بصدده ، ويقطعه عنه. وأصله (١) القطع. يقال : جزّعت الحبل قطعته لنصفه فما تجزّع (٢) ، وتصوّر منه قطع الوادي ، فقيل : جزعنا الوادي : قطعناه عرضا. وقيل : بل هو قطعه مطلقا.
وفي الحديث : «وقف على محسّر فقرع راحلته فخبّت به حتى جزعه» (٣). فالجزع بالفتح المصدر ، والجزع بالكسر : منقطع الوادي. ولانقطاع (٤) اللون بتغيّره قيل للخرز المتلوّن : جزع. ومنه استعير : لحم مجزّع أي ذو لونين. وقيل : مبضّع.
وفي الحديث : «فتفرّق الناس إلى غنيمة فتجزّعوها» (٥) أي اقتسموها قطعا. والبسر المجزّع : ما بلغ الإرطاب نصفه. والجازعة : الخشبة المجعولة وسط البيت ، جعل عليها رؤوس خشبه ، تصوّروا أنه قطع لثقل ما يحمله ، أو أنّه قطع وسط البيت.
يقال : جزعته أي جزمت جزما : قطعني عن شغلي. وقيل : هو الفزع ، ومنه قوله : (أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا)(٦). قال : [من الطويل]
جزعت ولم أجزع من البين مجزعا |
|
وعزّيت قلبا بالكواعب مولعا |
وقال كعب بن زهير يمدح المهاجرين رضي الله عنهم أجمعين (٧) : [من البسيط]
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم |
|
قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا |
مفاريح ومجازيع جمع مفراح ومجزاع : وهو الكثير الفرح والجزع مبالغة : جعل نفس ما يفرح له ويجزع ، نحو مقراض ومنقاش لما يقرض به وينقش.
__________________
(١) يعني أصل الجزع.
(٢) لعل الصواب أن يقول : فانجزع.
(٣) النهاية : ١ / ٢٦٩. ويقول ابن الأثير : أي قطعه ، ولا يكون إلا عرضا.
(٤) وفي ح : والانقطاع.
(٥) نسخ الحديث في الأصل مضطرب ، فصوبناه من النهاية : ١ / ٢٦٩.
(٦) ٢١ / إبراهيم : ١٤.
(٧) العجز من الديوان : ٢٥ ، والصدر لم نعثر عليه.
ج ز ي :
قوله تعالى : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً)(١) أي لا تغني ولا تقضي ولا تنوب ، كلّه بمعنى. وفي الحديث : «يجزيك ولا يجزي أحدا» (٢) «ويجزيك من هذا الأمر الأقلّ أن تقضي وتنوب».
ومعنى قولهم : جزاك الله خيرا أي قضاه ما أسلف. قال الهرويّ : فإذا كان (٣) بمعنى الكفاية قلت : جزأ الله عني ، مهموزا وأجزاه. قال الراغب : الجزاء : ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ. (٤)
يقال : جزيته كذا وبكذا. قال تعالى : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا)(٥). وقال : (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً)(٦).
والجزية : ما يعطيه (٧) أهل الذمّة ، سميت بذلك لأنّها تجزي في حقن دمائهم. قال : ويقال : جزيته بكذا أو جازيته ، ولم يجيء في القرآن إلا جزى دون جازى ، وذلك أنّ المجازاة هي المكافأة ، والمكافأة مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها. ونعمة الله تتعالى عن ذلك ، ولهذا لا (٨) يستعمل لفظ المكافأة في الله تعالى. قلت : كأنّه سهي عن قوله تعالى : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ)(٩) لم يقرأ إلا بلفظ المفاعلة وإن اختلفوا في بنائه للفاعل أو للمفعول كما بينّاه في غير هذا. /
__________________
(١) ٤٨ / البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٢) الحديث ساقط من س. ومذكور في صحيح البخاري ، كتاب العيدين : ٥ ، ٨ ، ١٠.
(٣) في الأصل : الكفاية.
(٤) يقصد : الجزاء.
(٥) ١٧ / سبأ : ٣٤.
(٦) ١٢ / الإنسان : ٧٦.
(٧) وفي س : يعطونه. وضمير الفعل «قال» بعد سطر للراغب.
(٨) في الأصل : ذلك لما ، والتصويب من المفردات.
(٩) ١٧ / سبأ : ٣٤.
فصل الجيم والسين
ج س د :
الجسد : هو الجسم إلا أنّه أخصّ منه من وجهين أحدهما قال الخليل : لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض ونحوه ، وفيه نظر لقوله تعالى : (عِجْلاً جَسَداً)(١). ويمكن الجواب بأن يقال قوله ونحوه أي نحو الإنسان من حيث كونه حيوانا ، فكأنّه يحترز من الجمادات كالجبال ونحوها. والثاني قال الراغب «١*» : وأيضا فإنّ الجسد يقال لما ليس له لون كالماء والهواء. وقوله تعالى : (وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ)(٢) يشهد لما قاله الخليل.
قلت : وقول الراغب ينافي مقالة الخليل في كونه مختصا بالإنسان ونحوه ، وباعتبار اللون سمي الزّعفران جسادا. وثوب مجسّد : مصبوغ به. والمجسد (٣) ما يلي الجسد ، والجسد أيضا والجاسد (٤) : الدم اليابس ومنه قول النابغة (٥) : [من البسيط]
فلا لعمرو الذي قد زرته حججا |
|
وما هريق على الأنصاب (٦) من جسد |
وقوله تعالى : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً)(٧) قيل : شقّ (٨) ولد. وقيل : هو شيطان ، في قصة طويلة لا يجوز اعتقاد صحتها كما بيّنّاه.
وقوله : (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) قيل : صورة لا روح فيها.
__________________
(١) ١٤٨ / الأعراف : ٧.
(١) المفردات : ٩٣.
(٢) ٨ / الأنبياء : ٢١.
(٣) وهو الثوب الذي يلي جسد المرأة فتعرق فيه.
(٤) والجسد والجسيد مثله.
(٥) البيت من معلقة النابغة (الديوان : ١٩). الجسد : الدم اللاصق.
(٦) وفي الأصل : الأنصاف.
(٧) ٣٤ / ص : ٣٨. جسد : شق إنسان ولد له.
(٨) وفي س : شيء.
ج س س :
قوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا)(١) أي لا تتّبعوا عورات الناس ولا تطّلعوا على سرائرهم. والتجسّس : التّنقير عن بواطن الأمور ، وأكثر ما يقال في السرّ ، ولذلك يقال : الجاسوس : صاحب سرّ الشرّ ، والناموس : صاحب سرّ الخير. وبالمعنى فسّر مجاهد فقال : خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله. وقال ثعلب : التجسّس بالجيم : ما طلبته لغيرك من معرفة أمور الناس ، والتّحسس بالحاء : ما تطلبه لنفسك. وقيل : التّجسس بالجيم في العورات ، والتحسّس في الخير ؛ ولذلك قال : (فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ)(٢). وقيل : التّجسس بالجيم : تتبّع العورات ، والتحسس : الاستماع. وفي الحديث : «لا تجسّسوا ولا تحسّسوا» (٣) ، وفي بعض القراءات : «فتجسّسوا» بالجيم والحاء (٤).
وقيل : أصل التجسّس من الجسّ ، وهو مسّ العرق ، وتعرّف نبضه ليحكم به على الصحّة والسّقم. وعلى هذا فهو أخصّ من التحسّس بالحاء ؛ فإنّ الجسّ بالجيم تعرّف ما لا يدركه بالحاء. والحسّ تعرّف حال مّا من ذلك. واشتقّ من الجسّ بالجيم : الجاسوس ، ولم يشتقّ من الحسّ.
ج س م :
الجسم : ما له طول وعرض وعمق. والجسمان : الشّخص. والفرق بين الجسم والشخص أنّ الجسم وإن فرّقت أجزاؤه فكلّ منها يقل له جسم. والشّخص متى فرّقت أجزاؤه زال عنها اسم الشخص.
وقوله تعالى : (تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ)(٥) أي صورهم الظاهرة ، تنبيها أنها أشباح ليس
__________________
(١) ١٢ / الحجرات : ٤٩.
(٢) ٨٧ / يوسف : ١٢.
(٣) الغريبين : ١ / ٣٦١.
(٤) النهاية : ١ / ٢٧٢ ، والقراء مجمعون على الجيم في قوله تعالى : (وَلا تَجَسَّسُوا) (معاني القرآن : ٣ / ٧٣).
(٥) ٤ / المنافقون : ٦٣.
فيها معنى يعتدّ به ، ولذلك شبّههم بالخشب (١). ولم يكفه ذلك حتى جعلها مسندة أي ليست منتفعا بها انتفاع مثلها حسبما بينّاه في موضعه.
والجمع جسوم وأجسام. ويستعمل الجسم في ذي الجثّة. قال (٢) : [من البسيط]
جسم البغال وأحلام العصافير
والمجسّمة : قوم ينسبون الباري إلى الجسم ، تبارك وتعالى عن ذلك. يقال : جسّمته : نسبته لذلك.
فصل الجيم والعين
ج ع ل :
الجعل : يأتي لمعان أحدها : الخلق والإحداث ، كقوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ)(٣) فيتعدّى لواحد. والثاني : الإلقاء نحو : جعلنا متاعك بعضه فوق بعض (٤). والثالث التّصيير ، وهو على ضربين ؛ [الأول](٥) تصيير بالفعل نحو : جعلت الطين خزفا ، والثاني : القول ، نحو : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً)(٦). الرابع : الإنشاء ، نحو : جعل زيد يفعل كذلك كقوله : وقد جعلت نفسي تطيب. فيكون من أخوات
__________________
(١) يريد الآية : (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ).
(٢) عجز لحسان بن ثابت ، وصدره (الديوان : ١ / ٢١٩) :
لا عيب بالقوم من طول ولا عظم
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم
(٣) ١ / الأنعام : ٦.
(٤) مثال قاله سيبويه. اللسان ـ مادة جعل.
(٥) إضافة المحقق.
(٦) ١٩ / الزخرف : ٤٣. قال الزجاج في هذه الآية : الجعل ها هنا بمعنى القول والحكم بمعنى الشيء. وقيل : سمّوهم.
عسى ، والخامس : التشريع ، كقوله : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ)(١) أي ما شرع. والسادس : الاعتقاد ، كقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ) وقيل : لفظ عامّ في الأفعال كلّها ، وهو أعمّ من فعل وصنع وأخواتهما. السابع : الحكم على الشيء بالشيء حقّا كان أو باطلا ؛ فالحقّ نحو قوله تعالى : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)(٢). والباطل نحو قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً)(٣).
والجعل والجعالة : ما يجعل للإنسان على فعل يفعله. والجعال (٤) : خرقة ينزل بها القدر. والجعل : دويبّة معروفة. والجعائل : جمع الجعيلة (٥) ، وهو ما يعطيه واحد لآخر ليخرج مكانه في الغزو.
فصل الجيم والفاء
ج ف أ :
قوله تعالى : (فَيَذْهَبُ جُفاءً)(٦).
الجفاء : الغثاء الذي يرميه السّيل على ضفّتي الوادي لا ينتفع به. وأجفأت القدر وجفأت : ألقت بزبدها. وكذلك جفأ الوادي وأجفأ إجفاء. وأجفأت الأرض : ذهب خيرها ، تشبيها بذلك. وفي الحديث : «خلق الله [الأرض السّفلى](٧) من الزّبد الجفاء» أي من زبد اجتمع للماء. وقد تشبه المسرع.
__________________
(١) ١٠٣ / المائدة : ٥. البحيرة من الإبل التي بحرت أذنها أي شقّت طولا ، ويقال : هي التي خليت بلا راع.
(٢) ٧ / القصص : ٢٨.
(٣) ١٣٦ / الأنعام : ٦.
(٤) يقول ابن منظور فيها : والجعال والجعالة والجعالة.
(٥) يدعوها ابن منظور : الجعالة. ويراها ابن الأثير : جعيلة أو جعالة (اللسان ـ مادة جعل).
(٦) ١٧ / الرعد : ١٣.
(٧) من حديث جرير البجلي كما في الغريبين : ١ / ٣٦٨ ، والإضافة منه عدا «الأرض» المذكورة في : د.
وفي الحديث : «انطلق جفاء من الناس» (١) يريد سرعانهم (٢). ويقال : جفأ القدر وأجفأها : قلبها. وفي الحديث : «فجفؤوا القدور» (٣) ويروى فأجفؤوها. وبعضهم جعل المادة من ذوات الواو من جفا يجفو جفوة إذا هجر ونأى. ومنه : جفا السّرج عن ظهر الدابة (٤). يقال : جفت القدر تجفو أي ألقت زبدها بخوانها جفاء.
والأصل : جفاو فقلبت الواو همزة على حدّ قلبها في كساء وبابه ، والأول أشهر.
ج ف ن :
قال تعالى : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ)(٥).
الجفان : جمع جفنة. والجفنة : الوعاء المعروف ، خصّت بوعاء الطعام. ولتعارف العرب بمدحها ومدح من يطعم فيها خصّها تعالى بالذّكر في قوله تعالى : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) جريا على ما يألفونه ويتمدّحون به. ومنه قول حسان (٦) : [من الطويل]
لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضّحى |
|
وأسيافنا من نجدة تقطر الدّما |
ويقولون للسيد : جفنة ؛ يمدحونه بذلك لأنه يطعم الناس فيها. وفي الحديث : «وأنت الجفنة الغرّاء» (٧) الغراء : البيضاء من الشحم (٨). وقال الشاعر (٩) : [من البسيط]
__________________
(١) من حديث البراء (النهاية : ١ / ٢٧٧).
(٢) يقول ابن الأثير : هكذا جاء في كتاب الهروي. والذي قرأناه في كتاب البخاري ومسلم «انطلق أخفّاء من الناس» جمع خفيف. وفي كتاب الترمذي «سرعان الناس».
(٣) حديث خيبر (النهاية : ١ / ٢٧٧) ، أي فرّغوها وقلبوها.
(٤) رفعه عنه.
(٥) ١٣ / سبأ : ٣٤. والمعنى : قصاع كبار كالحياض العظام.
(٦) ديوان حسان : ١ / ٣٥. والعجز فيه :
وأسيافنا يقطران من نجدة دما
(٧) النهاية : ١ / ٢٨٠. كانت العرب تدعو السيد المطعام جفنة لأنه يضعها ويطعم الناس فيها فسمي باسمها.
(٨) كناية عن امتلائها بالشحم والدهن.
(٩) أنشده الهروي لشاعر يرثي ، وهو مذكور في حاشية النهاية : ١ / ٢٨٠. وسماه المرزباني (معجم الشعراء : ٥٩) عمرو بن عمار المعروف بأبي قردودة الطائي.
يا جفنة بإزاء (١) الحوض قد كفؤوا |
|
ومنطقا مثل وشي اليمنة الحبره |
«وانكسرت ناقة من إبل الصّدقة زمن عمر فجفنها» (٢) أي جعلها طعاما ، فجعل المنجفين كناية عن ذلك لغلبة الأكل من الجفان.
ج ف و (٣) :
الجفو : الإرتفاع والتّباعد ، ومنه قوله : جفاء الحبيب ، وهو تباعده. يقال : جفاه يجفوه جفاء وجفوة فهو جاف. وفي الحديث : «ليس بالجافي ولا المهين» (٤) [أي](٥) لا يجفو أصحابه ولا يهينهم (٦). وفي الحديث : «كان يجافي ضبعيه (٧) عن جنبيه في السجود» أي يباعدهما. /
فصل الجيم واللام
ج ل :
الجلالة : عظم القدر. والجلال ـ دون هاء ـ التّناهي في ذلك ، وخصّ بوصف الله تعالى فقيل : ذو الجلال والإكرام ، ولم يستعمل في غيره. وفي الحديث : «ألظّوا (٨) بيا ذا الجلال والإكرام». وقوله : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)(٩) ، وصف به
__________________
(١) وفي المصدرين السابقين : كإزاء. وفي معجم الشعراء : قد هدموا.
(٢) النهاية : ١ / ٢٨٠ ، وفيه : «انكسر قلوص من ...».
(٣) النهاية : ١ / ٢٨١. وتروى الميم بضمها على الفاعل والفتح على المفعول.
(٤) سها المصنف عن ذكر الآية المتضمنة أساس المادة وهي : «تتجافى جنوبهم عن المضاجع» ١٦ / السجدة : ٣٢.
(٥) إضافة المحقق.
(٦) وأورد ابن الأثير معنى آخر ولعله أقرب : «أي ليس بالغليظ الخلقة والطبع» على المعنى الأول.
(٧) الضبع : وسط العضد ، أو العضد كلها. والحديث في النهاية : ١ / ٢٨٠. ورواية الهروي : «عضديه» (الغريبين : ١ / ٣٧٢).
(٨) قيل : أراد عظّموه. وقيل : أسلموا (اللسان ـ مادة جلل). والحديث في النهاية : ١ / ٢٨٧.
(٩) ٧٨ / الرحمن : ٥٥.