عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

فالثّرى بالقصر التّراب ، وبالمدّ : المال.

فصل الثاء والعين

ث ع ب :

قوله : (ثُعْبانٌ مُبِينٌ)(١).

الثعبان : ما عظم من الحيّات ، والجانّ : ما دقّ منها. وعلى هذا فكيف يجمع بين قوله ثعبان وبين قوله جان (٢)؟ وأجيب بجوابين أحدهما أنها جامعة حين تشكّلها بين وصفي هذين الجنسين ، أي في عظم الثعبان وخفّة الجانّ. والثاني أنها في ابتداء تشكّلها كالجانّ ، ثم تتعاظم كالثّعبان.

وقال أبو عبيدة : هي الحية ، وأطلق. وقال غيره : الحية الذّكر. وقال الراغب : يجوز أن يكون سمّي بذلك من قولهم : ثعبته (٣) فانثعب ، أي فجّرته فانفجر ، وأسلته فسال. ومنه مثاعب المطر. قلت : قوله صحيح لأنّهم شبّهوا هذا الجنس لقوّة سعيه وخفّة حركته بالماء الجاري. وفي الحديث (٤) : «يجيء (٥) يوم القيامة وجرحه يثعب دما».

والثّعبة (٦) : ضرب من الوزغ جمعه ثعب. ولما كانت هيئته مختصرة من هيئة الثعبان اختصروا له لفظا من لفظه.

__________________

(١) ١٠٧ / الأعراف : ٧ ، وغيرها.

(٢) من قوله تعالى : (تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ) (الآية ١٠ / النمل : ٢٧).

(٣) في المفردات (ص ٧٩) : ثعبث الماء.

(٤) حديث الشهيد (النهاية : ١ / ٢١٢).

(٥) في الأصل : جاء ، والتصويب من النهاية.

(٦) في الأصل : والثعب ، وهو خطأ.

٣٢١

فصل الثاء والقاف

ث ق ب :

الثّقب : النّفوذ ، ومنه ثقب اللؤلؤ ، وثقبت ثقبا ، مثل نقبت نقبا وزنا ومعنى. قوله تعالى : (النَّجْمُ الثَّاقِبُ)(١) أي المضيء. ومثله : (شِهابٌ ثاقِبٌ)(٢) كأنّه يثقب بضوئه وإنارته ما يقع [عليه].

والمثقب : الطريق في الجبل ، كأنّه ثقب وهو المنفذ للحيوان. قال أبو عمرو : والصحيح أنه مثقب. وثقبت الناقة أثقبها إثقابا أي أدركتها حين ثقبت الأبصار. ويقال : ثقّبها أيضا فثقّبت تثقب ثقوبا. وقال الحجاج في ابن عباس : «إن كان لمثقبا» (٣). أي ثاقب العلم.

ث ق ف :

الثّقف (٤) : الحذق في إدراك الشيء وفعله. ومنه : رجل ثقف لقف ، وثقف لقف. يقال : ثقفته أثقفه ثقفا ، وأثقفته وأثقفه إثقافا أي أدركته إدراكا بحذق. وثقفته أي أدركته ببصري بحذق ، ثم تجوّز به ، فيستعمل في مجرّد الإدراك ، ومنه : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ)(٥) وقوله : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ)(٦) من ذلك.

وثقفت الرمح : قوّمته ، فهو مثقّف. والثّقاف ما يثقف به. وفي حديث الغار : «غلام

__________________

(١) ٣ / الطارق : ٨٦.

(٢) ١٠ / الصافات : ٣٧.

(٣) النهاية : ١ / ٢١٦. وفي الأصل : لثقبا. و «إن» بمعنى «ما».

(٤) ساقطة من س.

(٥) ١٩١ / البقرة : ٢.

(٦) ٥٧ / الأنفال : ٨.

٣٢٢

ثقف لقف» (١) أي فطن. وامرأة ثقاف. وعن بنت عبد المطلب أمّ حكيم : «إني حصان فما أكلّم وثقاف فما أعلّم» (٢) أي حاذقة. ويروى صناع (٣).

ث ق ل :

الثّقل : يقابل الخفّة ، فكلّ ما رجح غيره بوزن أو مقدار فهو أثقل منه ، وأصله في الأجسام ، ويستعمل في المعاني ، نحو قوله : (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ)(٤) ، وأثقله الدّين. والثقيل : غلّب في الذّمّ ؛ يقولون : ثقيل الرّوح ، وقد يمدح به بقرينة. [نحو](٥) قول الشاعر (٦) : [من الوافر]

تخفّ الأرض (إذ ما زلت عنها) (٧)

وتبقى ما بقيت بها ثقيلا

حللت بمستقرّ العزّ منها

فتمنع جانبيها أن تميلا /

والخفيف والثّقيل يقالان باعتبارين ؛ أحدهما بالنظائر ؛ فيقال (٨) : هذا ثقيل بالنسبة إلى أقلّ منه ، وخفيف بالنسبة إلى أكثر منه. والثاني باعتبار طبع الشيء ؛ فما كان بطبعه مائلا إلى الهبوط كالتراب والحجر والمدر فثقيل ، وما كان بطبعه مائلا إلى الصعود كالنار والدّخان فخفيف.

قوله : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً)(٩) أي اصحّاء ومرضى. وقيل : موسرين ومعسرين. وقيل : شبابا وشيوخا. وقيل : نشاطا وكسالى. وقيل : خفّت بكم (١٠).

__________________

(١) وفي النهاية (١ / ٢١٦) واللسان ـ ثقف : «غلام لقن ثقف» وهو الصواب. وأجاز الهروي سكون القافين (الغريبين : ١ / ٢٨٨).

(٢) النهاية : ١ / ٢١٦. وفي الأصل : ابن بدلا من إني ، وهو وهم.

(٣) رسم الكلمة غير واضح في الأصل ، ولم تقوّم.

(٤) ٤٠ / الطور : ٥٢ ، وغيرها.

(٥) إضافة المحقق.

(٦) البيت من شواهد المفردات : ٧٩.

(٧) في الأصل : إذا بنت عنها ، ولا يستقيم به فصوبناه من المفردات. ومذكور في التاج ـ مادة ـ ثقل.

(٨) وفي س : فقال.

(٩) ٤١ / التوبة : ٩.

(١٠) وفي س : عليكم.

٣٢٣

قوله : (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها)(١) قيل : ما فيها (٢) من الموتى أخرجهم الحشر. وقيل : ما فيها من الكنوز ، وفيه حديث.

وقوله : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٣) قال القتيبيّ : أي خفيت (٤) ، لأنّ ما خفي عليك يثقل. وقال ابن عرفة : ثقلت علما وموقعا. قال الراغب (٥) : وقد يقال : ثقل القول إذا لم يطب سماعه ، ولذلك قال في وصف القيامة : (ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).

قوله : (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها)(٦) أي نفس مثقلة بأوزارها ومآثمها. قوله : (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ)(٧) أي ذنوبهم التي ثبّطتهم عن اكتساب الثواب فهذه أثقالهم وأثقالا معها وهي إغواؤهم غيرهم حين أضلّوهم عن الحقّ ، كما يقول (٨) تابعوهم : (رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ)(٩).

قوله : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)(١٠) أي له قدر وخطر. يقال : ثقلت الشيء : إذا وازنته. وقيل : إنّ (١١) معناه أنّ أوامر الله ونواهيه وفرائضه لا يؤدّيها أحد إلا بتكلّف ما يثقل.

قوله : (فَلَمَّا أَثْقَلَتْ)(١٢) كناية عن ظهور حملها ، لأنها تثقل عن الحركة. وقيل :

__________________

(١) ٢ / الزلزلة : ٩٩.

(٢) كذا في س : ما فيها ، وفي ح : فيهم.

(٣) ١٨٧ / الأعراف : ٧.

(٤) وفي س : خفيف.

(٥) المفردات : ٨٠.

(٦) ١٨ / فاطر : ٣٥.

(٧) ١٣ / العنكبوت : ٢٩.

(٨) وفي س : يقال.

(٩) ٦٨ / الأحزاب : ٣٣.

(١٠) ٥ / المزمل : ٧٣.

(١١) ساقطة من ح.

(١٢) ١٨٩ / الأعراف : ٧.

٣٢٤

معناه صارت ذات ثقل نحو : أثقلت الأرض. قوله : (مِثْقالَ حَبَّةٍ)(١) ، (مِثْقالَ ذَرَّةٍ)(٢) أي زنة ذلك. والمثقال ما يوزن به. قال الشاعر (٣) : [من الطويل]

وكلّا يوفّيه الجزاء بمثقال

وغلب في التعارف على قدر مخصوص من الذّهب لم يتغيّر جاهلية ولا إسلاما.

قوله : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ)(٤) أي أخلدتم إليها. وقال البصريون : يقال : ثقلت إلى الأرض : اضطجعت عليها واطمأننت. فاثّاقلتم : تفاعلتم من ذلك. وإنما أدغمت التاء في الثاء فسكّنت ، واجتلبت همزة وصل ، ومثله (فَادَّارَأْتُمْ)(٥) الأصل تدارأتم كما حقّقناه في غير هذا. وقيل : لأنّ ميلانهم إلى أسفل كالحجر.

وقوله : (أَيُّهَ الثَّقَلانِ)(٦) هما الإنس والجنّ. قيل : سمّيا بذلك لتثقّلهما (٧) الأرض. وقيل : لأنّ لهما قدرا وخطرا ، وذلك لما فضّلا به عن سائر الحيوان من العقل والتّمييز والتناول بالأيدي ، ولا سيّما بني آدم ، لقوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) الآية (٨). وقوله عليه الصلاة والسّلام : «إني تارك فيكم الثّقلين ؛ كتاب الله وعترتي» (٩) فيه وجهان أحدهما أنّ لهما قدرا عظيما ووزنا خطيرا (١٠). ولذلك سميت بيضة النّعام ثقلان (١١) ... وقال ثعلب (١٢) : لأنّ أخذهما ثقيل والعمل بهما ثقيل.

__________________

(١) ٤٧ / الأنبياء : ٢١.

(٢) ٤٠ / النساء : ٤ ، وغيرها.

(٣) الغريبين : ١ / ٢٩٠.

(٤) ٢٨ / التوبة : ٩. ويعلق ابن منظور فيقول : «عدّاه بإلى لأن فيه معنى ملتم».

(٥) ٧٢ البقرة : ٢.

(٦) ٣١ / الرحمن : ٥٥.

(٧) وفي س : لثقلهما.

(٨) ٧٠ / الإسراء : ١٧.

(٩) النهاية : ١ / ٢١٦.

(١٠) لم يذكر الثاني ، أو أنه ذكر الصفتين ونسي (ثانيهما). ويعلق ابن الأثير على الحديث فيقول : «سمّاهما ثقلين ؛ لأن الأخذ بهما والعمل بهما ثقيل» ، وعزاه المصنف إلى ثعلب.

(١١) فراغ في الأصل ، ولعل السياق يقضي بأن يقول : لأنها مصونة ، أو الرأي الثاني المفقود.

(١٢) أول كلام ثعلب كما في اللسان (ثقل) : سميا ثقلين. وفي الغريبين : ١ / ٢٩١ : «سمّاهما ...».

٣٢٥

قوله : (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ)(١)(وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ)(٢) إشارة إلى كثرة الخير والحسنات ، وإلى قلّتهما. والصحيح أنّ الأعمال توزن حقيقة بأن يجعلها القادر على كلّ شيء جزاء (٣) ما توزن فتثقل وتطيش. وقيل : هو عبارة عن عدل الله وإنصافه ، كما يعدل بالميزان من غير حيف. وقد حقّقناه في «التفسير الكبير».

فصل الثاء واللام

ث ل ث :

الثلاثة والثلاثون : عددان معلومان ، والثّلث والثّلثان (٤) جزءان معلومان. قال تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٥) أي اثنتين اثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا. على أنّ الواو بمعنى أو كما وقعت أو موقع الواو كما هو مقرّر في موضعه. وقوله : (أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ)(٦) كذلك الواو على بابها أو بمعنى أو. والظاهر أنّها في الآيتين على بابها ، وأنّ المعنى : لينكح بعضكم مثنى ، وبعضكم ثلاث. وكذلك الملائكة بعضهم ذو مثنى وبعضهم ذو ثلاث. ومثنى وثلاث معدولون عن عدد مكرّر. فمن ثمّ منع من الصّرف. وزعم الظاهريون أنه يزوّج بتسع لقوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ، وذلك لجهلهم باللغة إذ كان يقتضي الظاهر أنه يجوز التزوّج على زعمهم بثمان عشرة امرأة لما ذكرنا من أنّ أصله عدد مكرّر وقد تكلمنا معهم في «القول الوجيز» وغيره.

وقوله : (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ)(٧) أي ثلاث أوقات عورات ، وهي مفسّرة في قوله :

__________________

(١) ٨ / الأعراف : ٧ ، وغيرها.

(٢) الآية بعدها.

(٣) وفي ح : أجزاء.

(٤) ولعلها الثلثات.

(٥) ٣ / النساء : ٤.

(٦) ١ / فاطر : ٣٥.

(٧) ٥٨ / النور : ٢٤.

٣٢٦

(مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ)(١) لأنّ الإنسان يلقي ثيابه من عليه هذه الأوقات ، فيبدو منه ما يكره اطلاع غيره عليه.

قوله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ)(٢) أي أحد ثلاثة آلهة. قال أبو منصور : وذلك أنّه متى أضيف فاعل من العدد إلى مماثله كان معناه أنه أحدها ، فإن أضيف إلى ما تحته نحو : رباع ثلاثة معناه جعل الثلاثة أربعة. ويجوز تنوينه ونصب ما بعده.

قوله في الحديث : «شرّ الناس الثالث» (٣) يعني الساعي بأخيه (٤) لأنه يهلك ثلاثة : نفسه وأخاه وإمامه. وثلّث القوم : أخذ ثلث مالهم. وثلّثهم (٥) : صار ثالثهم. إلا أنّهم فرّقوا بينهما في المخارج ، فقالوا في الأول : يثلثهم بالضمّ ، وفي الثاني يثلثهم بالكسر. وثلّثت الشيء : جعلته أثلاثا. وأثلث القوم : صاروا ثلاثة. وأثلثت الدراهم : جعلتها ثلاثة ، فأثلثت هي. ورجل مثلوث : أخذ ثلث ماله. وحبل مثلوث : مفتول على ثلاث قوى. وأثلث الفرس وأربع : إذا جاء في الحلبة ثالثا ورابعا. وناقة ثلوث : تحلب من ثلاثة أخلاف. وثلّث (٦) العنب : أدرك ثلثاه. وأثلث [البسر إذا بلغ](٧) الإرطاب ثلثيه. وثوب ثلاثيّ : أي ثلاثة أذرع. والثلاثاء والأربعاء قيل : ألف التأنيث بدل من تائه نحو حسنة وحسناء ، وخصّا بهذين اليومين.

ث ل ل :

قوله تعالى : (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ)(٨).

الثّلّة : الجماعة من الناس ، وأصله من ثلّة الغنم وهي جماعتها. ويقال لصوفها

__________________

(١) تتمة الآية السابقة.

(٢) ٧٣ / المائدة : ٥.

(٣) الحديث لكعب قاله لعمر. وفيه : المثلّث (النهاية : ١ / ٢١٩).

(٤) وفي النهاية : الساعي بأخيه إلى السلطان ، ويدلّ على هذا ما ذكره بعد.

(٥) وفي المفردات (ص ٨٠) : أثلثهم ، وكلاهما صواب.

(٦) في الأصل : أدرك ، وهم وهم من الناسخ ، ولعل الصواب ما ذكرنا.

(٧) فراغ في الأصل ، وأضفناه من المفردات : ٨١.

(٨) ١٣ / الواقعة : ٥٦.

٣٢٧

أيضا : ثلّة ، وذلك بفتح الثاء بخلاف ثلة الناس ، فإنها بالضمّ فقط. فباعتبار الاجتماع قيل للجماعة من الناس : ثلّة ، وكأنهم غايروا بين الجماعتين ليقع الفرق. قال : [من الرجز]

لو أن نوقا لك أو جمالا

أو ثلة من غنم أو مالا (١)

وأثللت عرشه وثللته فهو مثلّ ومثلول أي أسقطت منه ثلّة. ورئي عمر رضي الله عنه في المنام فسئل عن حاله فقال : «كاد يثلّ عرشي» (٢) ، كنّى بذلك عن هول المطلع. وإذا كان الحال كذا مع الفاروق فما ظنّك بنا؟ قال القتيبيّ : العرش هنا إمّا كناية عن سرير الملك ، وإمّا عن عرش الملك ، وهو بيت ينصب من عيدان ويظلّل ، وأيّهما كان فهدمه هلكة لصاحبه. فكنّى بذلك رضي الله عنه عن شدة الأمر وتفاقمه. وقيل : ثللت عرشه : هدمته. وأثللته : أمرت بإصلاحه. فالهمزة فيه للقلب ، أي أزلت ثلّه. وثللت كذا : تناولت ثلّة منه.

والثّلل : قصر الأسنان لسقوط ثلّة منها. وأثلّ فوه (٣). سقطت أسنانه. وتثلّلت الركيّة : تهدّمت ، وفي الحديث : «لا حمى (٤) إلّا في ثلاث : ثلّة البئر» (٥) ؛ قال أبو عبيد : هو أن يحفر في أرض غير ملك لأحد ، فله من حواليها (٦) ما تلقى فيه ثلّة البئر ، أي ما يخرج من ترابها. /

فصل الثاء والميم

ث م د :

قوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ)(٧) ، فثمود مشتقّ من الثّمد ، وهو الماء القليل

__________________

(١) في الأصل : أمّالا.

(٢) النهاية : ١ / ٢٢٠.

(٣) وفي س : قوّته.

(٤) كذا في س والنهاية ، وفي ح : لا حديث ، وهو وهم.

(٥) الحديث هنا مختصر ، وتمامه : «لا حمى إلا في ثلاث : ثلة البئر ، وطول الفرس ، وحلقة القوم» (النهاية : ١ / ٢٢٠).

(٦) أي من حوالي البئر.

(٧) ١٧ / فصلت : ٤١.

٣٢٨

الذي لا مادّة له. وكان لهم ثمد قسمه صالح بينهم وبين الناقة كما هو مشهور في القصة (١). وقيل : لا اشتقاق له لأنّه أعجميّ ؛ فعلى الأول يمتنع من الصّرف اعتبارا بتأنيث القبيلة ، وعلى الثاني باعتبار العجمة. وقرىء بالصرف وعدمه متواترا حسبما بينّاه في مواضعه من «العقد النّضيد» وغيره.

وفي الحديث : «فافجر لهم الثّمد» (٢) أي اجعله يتفجّر كثرة بعد قلة. ورجل مثمود أي ثمدته النساء فقطعن مادة مائه لكثرة غشيانه لهنّ. ورجل مثمود أيضا : إذا كثر عطاؤه حتى هدّ مادة ماله (٣).

ث م ر :

الثّمر : حمل الأشجار ، واحده ثمرة ، ثم يجمع على ثمار ، ثم يجمع ثمار على ثمر بضمتين ، ثم يخفّف جوازا بتسكين ثانيه ، ومن ثمّ قرىء : (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ)(٤) و (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ)(٥) بذلك ، وكذا : (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ)(٦) فيه الخلاف حسبما بينّا في مواضعه.

وقيل : الثّمر بضمتين هو المال ، وبفتحتين هو حمل الشجر ؛ يقال : ثمّر الله مالك أي كثّره. قال النابغة الذبيانيّ (٧) : [من البسيط]

مهلا فداء لك الأقوام كلّهم

وما أثمّر (٨) من مال ومن ولد

فكان ذلك من الثّمر لأنّ صاحب المال يتعهّده ويصلحه كما يفعل صاحب الثمرة.

__________________

(١) انظر تفصيلها في معجم أعلام القرآن ـ مادة صالح.

(٢) وهو حديث طهفة (النهاية : ١ / ٢٢١).

(٣) وفي ح : مائه ، وهو وهم.

(٤) ٣٥ / يس : ٣٦.

(٥) ٩٩ / الأنعام : ٦. بضمتين قراءة حمزة والكسائي وخلف ، وبفتحتين باقي القراء (الإتحاف : ٢١٤).

(٦) ٤٢ / الكهف : ١٨.

(٧) الديوان : ٢١.

(٨) كذا في الديوان وشرح المعلقات ، وفي ح : أثمرن. أثمّر : أجمّع وأصلح.

٣٢٩

ويقال لحفظ الشيء أيضا : تثمير. قال (١) : [من البسيط]

لها أشارير (٢) من لحم تثمّره

من الثّعالي ووخز من أرانيها

يريد من الثعالب وأرانبها ، فأبدل الباء ياء في اللفظتين. وقيل : الثّمار والثّمر بمعنى واحد ليس أحدهما جمعا للآخر. وكلّ ما يقع صادرا عن شيء يقال له : ثمرته ؛ فثمرة العلم العمل ، وثمرة العمل النجاة من النار والفوز بالحسنى.

والثّميرة (٣) من اللبن ما [تحلّب](٤) من زبده تشبيها بالثّمرة في هيئتها كتسميتهم عقدة طرف السّوط ثمرة لذلك. وفي حديث ابن عباس : «فأخذ بثمرة لسانه» (٥) أي بطرفه ، كما قيل في طرف السّوط.

ث م م :

قال تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ)(٦) ثمّ : ظرف مكان وهو اسم إشارة للمكان البعيد حسّا أو حكما كما إذا قصد به التّعظيم ، أي وإذا رأيت في ذلك المكان العالي ، ولا ينصرف بل يلزم النصب على الظرفية وبمعناه هنا وهناك (٧). وقوله : (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ)(٨) إشارة إلى رتبة جبريل وما هي عليه من علوّها وارتفاعها وأنه لها مطاع فيما يأمر غيره من الملائكة ، أمين على ما يتحمّل من الوحي إلى أنبياء الله تعالى.

وقال الراغب : وثمّ إشارة إلى المبتعد عن المكان ، وهناك إلى المقترب ، وهما ظرفان

__________________

(١) البيت من شواهد اللسان ـ مادة ثعل.

(٢) في الأصل : سرائر ، والتصويب من اللسان.

(٣) في الأصل : والثمير.

(٤) فراغ في الأصل ، والإضافة من المفردات : ٨١.

(٥) النهاية : ١ / ٢٢١.

(٦) ٢٠ / الإنسان : ٧٦. قال الزجاج (كما في اللسان) : ثم : يعني به الجنة.

(٧) في الأصل : هنا وهنا وهنت.

(٨) ٢١ / التكوير : ٨١.

٣٣٠

في الأصل. وقوله : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) فهو في موضع المفعول. قلت (١) : قوله : إشارة إلى المبتعد ليس كما قال ؛ إذ نصّوا على أنه لا يشار به إلا للمكان. وهو (٢) قد جعل للمبتعد عن المكان. وقوله : إنه مفعول ليس كذلك ، لما قدّمناه من أنه لا ينصرف. فأمّا إعراب الآية ففي الكتب المشار إليها غير ما مرة.

ثمّ : حرف عطف يقتضي التّراخي. وزعم قوم أنها لا ترتّب مستدلّين بقوله : (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا)(٣). ومعلوم أنّ خلقنا وتصويرنا بعد قوله للملائكة : اسجدوا. والجواب أنّه على حذف مضاف ؛ أي خلقنا أباكم آدم. والتّراخي قد يكون في الزمان ، وهو الأصل. وقد يكون في الترتيب كقوله تعالى : (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)(٤) حسبما هو مبيّن في غير هذا.

والثّمام : شجر يرعى. قال (٥) :

عليّ اطرفا باليات الجسام

إلا الغضا وإلا الثمام

الواحدة ثمامة ، وبها سمي (٦) الرجل. وثمّت الشاة رعت الثّمام ، نحو شجّرت : رعت [الشجر](٧). والثّمّ بالفتح إصلاح البئر ، ثممته أثمّه ثمّا. وفي الحديث : «كنا أهل ثمّه ورمّه» (٨) ، قال أبو عبيد : المحدّثون يروونه بالضمّ ، والصواب عندي الفتح. والثّمّ : إصلاح الشيء وإحكامه (٩)

__________________

(١) ساقطة من س.

(٢) ساقطة من س

(٣) ١١ / الأعراف : ٧.

(٤) ١ / الأنعام : ٦.

(٥) كذا في الأصل.

(٦) في الأصل : ثم ، وهو وهم.

(٧) إضافة المحقق للضرورة.

(٨) الحديث لعروة حين ذكر أحيحة بن الجلاح (النهاية : ١ / ٢٢٣).

(٩) والرمّ للمعنى ذاته.

٣٣١

ث م ن :

الثّمن : ما تشترى به السلعة ، وغلب في النّقدين. ويتجوّز به عن الشيء المبتاع ، كقوله : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً)(١) سمّى ما بذلوه (٢) من الآيات الهادية شراء ، وما تعوّضوه من أعراض الدنيا ثمنا. قال الهرويّ : جعل الثمن مشترى كسائر السّلع ، لأنّ الثّمن والمثمن كلاهما مبيع ، ولذلك أجيز شريت بمعنى بعت. واختلفت عادات الناس في الثّمن ؛ فقيل : هو ما كان قيمة الأشياء ، وقيل : ما يأخذه البائع في مقابلة سلعته عينا أو سلعة. وقيل : ما كان نقدا ، فهو ثمن ليس إلا ، وقيل : ما دخلت عليه الباء. وأثمنت الرجل متاعه ، وأثمنت له : أكثرت الثمن.

والثمانية والثمانون عددان معلومان (٣). والثّمن جزء من ثمانية أجزاء كالثلث من ثلاثة. والثمين أيضا من (٤) الثّمن. قال الشاعر : [من الطويل]

فما صار لي في القسم إلا ثمينها (٥)

أي ثمنها.

__________________

(١) ٤٤ / المائدة : ٥.

(٢) وفي س : ما نزوله.

(٣) جاء في هامش ح : «وفي ثمان ثلاث لغات : ثماني بالياء ، وثمان بالكسر ، وثمان بالإعراب على المنون» نقلا عن حاشية الكشاف للتفتازاني.

(٤) ساقطة من ح.

(٥) عجز بيت ليزيد بن الطثرية ، وصدره كما في اللسان :

وألقيت سهمي وسطهم حين أوخشوا

٣٣٢

فصل الثاء والنون

ث ن ي :

قوله تعالى : (ثانِيَ اثْنَيْنِ)(١) أي أحد الاثنين ـ ك (ثالِثُ ثَلاثَةٍ)(٢) ـ وهما سيدنا محمّد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصاحبه الصدّيق ، إذ قال عليه الصلاة والسّلام له في الغار : «ما ظنّك باثنين الله ثالثهما» (٣) ، وقال تعالى : (ثانِيَ عِطْفِهِ)(٤) كناية عن التكبر نحو : صاعر خدّه ، (وَنَأى بِجانِبِهِ)(٥) ، ولوى جيده وشدقه ، كلّ ذلك كناية عن التكبّر ، فثاني اسم فاعل من ثنى يثني كرام.

والثّنى : العطف والتكرير ، ومنه التّثنية الصّناعية ، لأنّ فيها تكرير الإسم مرتين. وقوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ)(٦) أي يطوونها على سرّهم ، وكنى بذلك عن إعراضهم عن الحقّ وتكبّرهم نحو (ثانِيَ عِطْفِهِ).

ويقال : ثنيت الشيء ثنيا أي كنت له ثانيا ، أو أخذت نصف ماله ، أو ضممت إليه ما صار به اثنين. والثّنى : ما يعاد مرّتين. وامرأة ثني : تلد اثنين ، وذلك الولد ثني أيضا.

وفي الحديث : «لا ثنى في الصّدقة» (٧) أي لا تؤخذ في السنة مرتين. والثّنيّ من الضّأن : ما دخل في السنة الثانية ، ومن البقر ما سقطت ثنيّته. وحلف يمينا فيها (٨) ثني وثنو ، وهي ثنيّة. وفي حديث كعب : «الشهداء ثنيّة الله في الأرض» (٩) يريد أنّ الشهداء مستثنون

__________________

(١) ٤٠ / التوبة : ٩.

(٢) ٧٣ / المائدة ٥.

(٣) صحيح البخاري ، فضائل الصحابة ، رقم ٢.

(٤) ٩ / الحج : ٢٢. وهو منصوب على الحال.

(٥) ٨٣ / الإسراء : ١٧.

(٦) ٥ / هود : ١١.

(٧) النهاية : ١ / ٢٢٤. وقوله في الصدقة أي في أخذ الصدقة.

(٨) في الأصل : فإن فيها. ولا نرى لذلك سببا. وقوله : وهي ثنية ، أي استثناء.

(٩) النهاية : ١ / ٢٢٥ ، وفيه : في الخلق.

٣٣٣

من الصّعقة ، وذلك قوله : (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ)(١). فالله تعالى قد استنثاهم بقوله : (أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(٢)

ومثنويّة وثنيا أي استثناء ؛ قال النابغة (٣) : [من الطويل]

حلفت يمينا غير ذي مثنوية

ولا علم إلا حسن ظنّ مصاحب (٤)

والمثناة : ما ثني من طرف الزّمام ، قال (٥) : والثّنيان : الذي يثنّى به (٦) إذا عدّ السادات.

والثّنيّة من الجبل : ما يحتاج في سلوكه إلى صعود وهبوط ، فكأنّه ثنى سيرها. وفلان ثنيّة أهله للمهاب عندهم استثقالا له كاستثقال سير الثّنيّة. والثّنية : السّير تشبيها بثنيّة الجبل في الهيئة. وفي في (٧) الإنسان أربع ثنايا : ثنيّتان من أسفل وثنيتان من فوق ، وهي مقدم الفم. ويليهنّ الرّباعيات بالتخفيف.

والثّنيا والثّنوى : ما يثنيه الجازر لنفسه من الصّلب والرأس ، وفي الحديث : «ناقة مريضة / فباعها واشترط (٨) ثنياها» قيل : قوائمها ورأسها. والثّنيا أيضا : المنهيّ عنها في الحديث ، قال القتيبيّ : هو أن يبيع جزافا ، فلا يجوز أن يستثنى منه شيء قلّ أو كثر. وقيل : إن يستثن شيء يفسد البيع.

والثّنيا أيضا في المزارعة هو أن يستثنى بعد النصف أو الثّلث كيل معلوم. والثّنيا : الاستثناء في اليمين.

والثّناء : ما يذكر من المحامد فيثنى ذكره حالا فحالا ، ووقتا فوقتا. يقال : أثنى عليه

__________________

(١) ٦٨ / الزمر : ٣٩.

(٢) ١٦٩ / آل عمران : ٣.

(٣) الديوان : ٥٥.

(٤) وفي الديوان : بغائب.

(٥) يعني الراغب في المفردات : ٨٢.

(٦) وفي ح : عليه. وفي اللسان : الثنيان : الذي يكون دون السيد في المرتبة.

(٧) ساقطة من س وهم من الناسخ ، وهي الفم.

(٨) في الأصل : وأسقط ، والتصويب من النهاية : ١ / ٢٢٤.

٣٣٤

فهو مثنى إثناء. قال الشاعر (١) : [من الكامل]

يثني عليك وأنت أهل ثنائه

وقال آخر (٢) : [من الطويل]

إذا متّ كان الناس صنفان : شامت

بموتي ومثن بالذي كنت أصنع

والنّثا بتقديم النون : ذكر المساوىء. قال تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ)(٣) أي (٤) أنه يثنى ، أي يكرّر على مرور الأوقات وكرّ الأعصار ، واختلاف الأحوال ، فلا يملّ ولا تخلق ديباجة حسنة ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا تفنى فوائده ، ولا تضمحلّ (٥) اضمحلال غيره من الكلام. وفي صفته : «لا يعوجّ فيقوّم ، ولا يزيغ فيستعتب ، ولا يخلق (٦) على كثرة الردّ». وقيل : قيل له : مثنى لما ثنّي فيه من القصص والأمثال. وقيل ذلك : من الثناء تنبيها أنه يظهر منه أبدا ما يقتضي الثناء عليه من فوائده وإعجازه على من يتلوه ويعلمه ويعمل به. وعلى هذا الوجه وصفه الله بالكرم (٧) في قوله : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ)(٨) ، وبالمجد في قوله : (هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ)(٩). وقوله : (سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي)(١٠) ، قيل : أراد الفاتحة لأنّها تثنى بالصلوات (١١) أو لأنها يثنى فيها تمجيده وتنزيهه. وقيل : لأنها أسّست لهذه الأمة. وقيل : المثاني في التي تزيد على (١٢) المفصّل وتقصر عن المئين. قيل لها مثاني كأنّ المئين جعلت

__________________

(١) الكلمة ساقطة من ح.

(٢) وفي الأصل : بموتي وآخر مثن. وكلمة آخر وهم من الناسخ.

(٣) ٢٣ / الزمر : ٣٩.

(٤) ساقطة من س.

(٥) وفي س : وتضمحل. الترمذي : ثواب القرآن : ١٤ ، مع اختلاف في الرواية.

(٦) وفي س : يخل. والحديث رواه الترمذي برقم ٢٩٠٦ في ثواب القرآن. رواه أحمد في المسند رقم ٧٠٤ (فضائل القرآن : ٥).

(٧) وفي س : بالكريم.

(٨) ٧٧ / الواقعة : ٥٦.

(٩) ٢١ / البروج : ٨٥.

(١٠) ٨٧ / الحجر : ١٥.

(١١) أي تكرّر.

(١٢) ساقطة من س. ويعني بها السور.

٣٣٥

مبادىء والتي تليها مثاني ، قاله الهرويّ ، وفيه نظر لأنّ ما هذه صفته أكثر من سبع سور.

والمثانان : حبل يربط بطرفه رجلا الدابة ، وبطرفه الآخر يداها. قال طرفة (١) : [من الطويل]

لكالطّول المرخى وثنياه باليد

والمفرد ثناية ، قال الهرويّ : ولم يقولوا ثناءتين لأنه حبل واحد يربط بطرفيه. قلت : وكان من حقّه أن يقال : ثناوين بالواو (٢) أو ثناءين (٣) بالواو والهمز ك : كساوين وكساءين ، لكن لمّا لزمته علامة التثنية أشبه سقاية فصحّت ياؤه. وفي حديث عمر : «كان ينحر بدنته وهي باركة مثنيّة بثنايين» (٤) أي معقولة بالحبل في يديها ورجليها. وفي حديث ابن عمر : «من أشراط الساعة أن يقرأ بينهم بالمثناة فلا أحد يغيّرها. قيل : وما المثناة؟ قال : ما استكتب من غير كتاب الله تعالى». قال أبو عبيد : سألت رجلا ـ يعني من أهل العلم بالكتب الأولى قد قرأها وعرّفها ـ عن المثناة فقال : إنّ الأحبار من بعد موسى وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله فهو المثناة. قال : فكأنّ عبد الله كره الأخذ عن أهل الكتاب.

ثناء الشيء : ثانيه. وفي حديث عوف بن مالك ، وقد سأل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الإمارة ، فقال : «أولها ملامة وثناؤها ندامة وثلاثها عذاب يوم القيامة ، إلا من عدل» (٥). فأما ثناء وثلاث بالضمّ فمعدولان كما تقدّم. والاثنان والاثنتان (٦) والثّنتان (٧) عدد معروف يجري مجرى المثنّى في الإعراب ، وليس له واحد من لفظه ، فلا يقال : اثن ولا اثنة (٨). وقد يعرب

__________________

(١) في الأصل : زهير ، وهو وهم. وهو من معلقة طرفة ، وصدره (الديوان : ٤٦) :

لعمرك إنّ الموت ما أخطأ الفتى

(٢) ساقطة من س.

(٣) ساقطتان من ح.

(٤) النهاية : ١ / ٢٢٥.

(٥) النهاية : ١ / ٢٢٥ ، والاستثناء غير مذكور فيه ، وورد في اللسان ـ مادة ثني.

(٦) في الأصل : والاثنتا.

(٧) ساقطة من س ، والكلمات الثلاث من الملحقات بالمثنى.

(٨) يقول ابن منظور : «لأن الاثنين قد ثني أحدهما إلى صاحبه ، وأصله ثني ، يدلك على هذا جمعهم إياه على أثناء ...» ولم يذكر مفردا لها (اللسان ـ مادة ثني).

٣٣٦

كالمقصور في بعض اللغات فلا يضافان لما بعدهما بخلاف ثلاثة فما فوقها إلى عشرة ، فلا يقال : اثنا رجل ولا ثنتا امرأة ، استغناء برجلين وامرأتين ، فأمّا قوله (١) : [من الرجز]

كأنّ خصييه من التّدلدل

ظرف عجوز فيه ثنتا حنظل

فضرورة. قوله : (أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)(٢) اختلفوا فيه ؛ فقال ابن عباس وغيره : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم ثم أماتهم الموتة التي في الدّنيا ، ثمّ أحياهم للبعث. فهاتان إماتتان وإحياءان ، وهذا موافق لقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ ...) الآية (٣). وقال ابن زيد : كانوا في صلب آدم عليه‌السلام ، فاستخرجهم فأحياهم وأخذ عليهم الميثاق (أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى)(٤) ثم أماتهم في الدنيا الموتة التي لا بدّ منها. ثم أحياهم للبعث وهو قريب من الأول. وقيل : أماتهم في الدنيا الموتة المتعارفة ، ثم أحياهم في القبور للمسألة ، ثم أماتهم فيها ثم أحياهم للحشر. وإليه ذهب السّدّيّ ، وهو حسن لقربه من الحقيقة لأنّ الموت مستعقب حياة. قوله : (لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ)(٥) ؛ فاثنين للتأكيد كقوله : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ)(٦). وقيل : ليس للتأكيد ، وتحقيقه في غير هذا الكتاب.

فصل الثاء والواو

ث وب :

الثواب والمثوبة : الجزاء على الفعل من خير أو شرّ ، وأصله من ثاب يثوب أي يرجع ،

__________________

(١) البيت مذكور في اللسان ـ مادة ثني. ويعلق عليه ابن منظور فيقول : «أراد أن يقول : فيه حنظلتان ، فأخرج الاثنين مخرج سائر الأعداد للضرورة وأضافه إلى ما بعده ، وأراد ثنتان من حنظل كما يقال : ثلاثة دراهم.

(٢) ١١ / غافر : ٤٠.

(٣) ٢٨ / البقرة : ٢.

(٤) ١٧٢ / الأعراف : ٧.

(٥) ٥١ / النحل : ١٦.

(٦) ١٣ / الحاقة : ٦٩.

٣٣٧

فالثواب ما يرجع من الجزاء إلى العامل من حسن وسيء (١). وقيل : أصل الثواب رجوع الشيء إلى حالته الأولى التي كان عليها أو إلى حالة المقدّر (٢) المقصودة بالفكرة ، وهي الحالة المشار إليها بقولهم : آخر الفكرة أول العمل (٣). فمن الأول : ثابت إليه نفسه ، وثاب إلى داره. ومن الثاني : الثّوب سمّي بذلك لأنّ الغزل رجع إلى الحالة التي قدّر لها بالفكرة ، والثواب من ذلك.

وإنّما سمّي الجزاء ثوابا تصوّرا أنه هو [هو](٤). ألا ترى كيف جعله نفس الفعل في قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ)(٥) ، ولم يقل : يجزاه. والثّواب وإن استعمل في الخير والشرّ كما تقدّم إلا أنّه غلّب في الخير ، وكذلك المثوبة والإثابة ، فإن وقعت المثوبة والإثابة في المكروه نحو : (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِكَ مَثُوبَةً)(٦)(فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ)(٧). فمن باب الاستعارة كاستعارة البشارة بالعذاب على التهكّم ، قيل : ولم يجىء الثّتويب في القرآن إلا في المكروه نحو : (هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ)(٨) ، معناه : جوزي ، وهو تهكّم أيضا.

وقوله : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ)(٩) حمل على ظاهره وقيل : أراد النفس كقول الشاعر (١٠) : [من الطويل]

ثياب بني عوف طهارى نقيّة

وأوجههم عند المشاهد (١١) غرّان

__________________

(١) وفي س : أو سيء.

(٢) لعل الصواب : الحالة المقدّرة.

(٣) الجملة منقولة من المفردات : ٨٣ ، وفيها : أول الفكرة آخر العمل.

(٤) إضافة المحقق للضرورة.

(٥) ٧ / الزلزلة : ٩٩.

(٦) ٦٠ / المائدة : ٥.

(٧) ١٥٣ / آل عمران : ٣.

(٨) ٣٦ / المطففين : ٨٣.

(٩) ٤ / المدثر : ٧٤.

(١٠) البيت لامرىء القيس ، الديوان : ٧٦ ، وفي اللسان مادة ثوب.

(١١) وفي رواية اللسان : بيض المسافر.

٣٣٨

وقيل : كنى بها عن القلب كقول عنترة (١) : [من الكامل]

فشككت بالرّمح الطويل (٢) ثيابه

ليس الكريم على القنا بمحرّم

وهذا وإن كان أمرا له عليه الصلاة والسّلام في الصورة فهو أمر لنا في الحيقة ؛ فإنّ كلّ ما فسّر به الثياب هو طاهر منه عليه الصلاة والسّلام. ويرشّح كون ذلك كناية عن النفس أو القلب ، قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٣) ، فالتطهير هنا من سائر الأدناس التي تتّصف بها عندهم. وقيل : تقصيرها لأنّ تقصيرها يبعدها ممّا ينجّسها. وعن ابن عباس : «لا تلبس ثيابك على فخر وكبر» (٤). وأنشد / (٥) : [من الطويل]

فإني بحمد الله لا ثوب غادر

لبست ، ولا من خزية أتقنّع

قوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ)(٦) ، قيل : مكانا يثوبون إليه كلّ وقت على ممرّ الأيام وتكرّر الأعوام ، لا يملّون منه. وقيل : مكانا يكسبون فيه الثواب. ولا شكّ أنّه موجود فيه الأمران. ومنه إنّ فلانا لمثابة ولمثابا ، أي تأتيه الناس لمعروفه ، ويرجعون إليه مرّة أخرى. فالمثابة والمثاب كالمقامة والمقام.

قوله : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً)(٧) ؛ الثيّبات جمع ثيّب ؛ قيل : سميت بذلك لأنّها توطأ وطأ بعد وطء ، أي يراجع وطؤها. وقيل : لأنّها ثابت عن الزوج أي رجعت عنه (٨). وفي الحديث : «الثّيّب أحقّ بنفسها» (٩). وأصل الثّيّب ثيوب (١٠) بزنة فيعل ، فاجتمعت الياء والواو

__________________

(١) البيت من معلقة عنترة (شرح القصائد التسع : ٢ / ٥٠٩) ، والديوان : ١٥٠.

(٢) ورواية الديوان : الأصمّ.

(٣) ٣٣ / الأحزاب : ٣٣.

(٤) ورواية اللسان : «لا تلبس ثيابك على معصية ولا على فجور كفر» (مادة ثوب).

(٥) البيت من شواهد اللسان ـ مادة ثوب. والغريبين : ١ / ٣٠٤. والبيت لغيلان بن سلمة الثقفي.

(٦) ١٢٥ / البقرة : ٢.

(٧) ٥ / التحريم : ٦٦.

(٨) فالثيب من ليس ببكر ، ويقع على الذكر والأنثى. وقد يطلق على المرأة البالغة وإن كانت بكرا مجازا واتساعا (النهاية : ١ / ٢٣١).

(٩) صحيح مسلم ، النكاح : ٦٧ ، وتتمته فيه : «... من وليّها».

(١٠) يعني أن أصلها واوي.

٣٣٩

وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء نحو ميّت في ميوت. وأصل مثابة ومثاب مثوبة ومثوب ، فنقلت حركة الواو إلي الياء ، فتحرّك حرف العلة في الأصل ، فانفتح ما قبله ، فقلب ألفا ، ففي كلّ من اللفظتين ثقل وقلب. وأمّا مثوبة فأصلها مثوبة ، فنقلت الضمّة إلى الثاء ؛ ففيها ثقل فقط.

والتّثويب : النّداء (١) ، ومنه تثويب الأذان ، لأنّ فيه ترجيعا ، قيل : وأصله أن المستصرخ بلّغ بثوبه (٢) عند ندائه.

قال الراغب : والثّبة : الجماعة الثائب بعضهم إلى بعض في الظاهر. قال الشاعر : [من الوافر]

وقد أغدو على ثبة كرام (٣)

وثبة الحوض : ما يثوب إليه الماء. قلت : قد تقدّم أنّ ثبة ممّا حذفت لامه ، وهذا يعطي أن المحذوف عينه. وقد نصّ هو على أنّ الثّبة بمعنى الجماعة ممّا حذفت لامه. قال : وأمّا ثبة الحوض فوسطه ، وليست من هذا الباب كما ذكره في تلك المادة (٤).

والثّوباء : ما يعتري الإنسان فسمّي بذلك لتكرّره.

ث ور :

قوله تعالى : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ)(٥) أي قلبوها بالحرث والزراعة والغرس وشقّ الأنهار. ومنه : (تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ)(٦) معناه أنها لا تثيرها بالحرث فيقلب أعلاها.

__________________

(١) وفي المفردات (ص ٨٤) : تكرار النداء ، وهو أصوب لما ترى بعد.

(٢) أي : لوّح بثوبه ليرى ويشتهر (القاموس).

(٣) صدر لزهير ، وعجزه (الديوان : ١٣٥) :

نشاوى ، واجدين ، لما نشاء

(٤) يعني الراغب ، وقد ذكرها في «ثبات» (المفردات : ٨٣).

(٥) ٩ / الروم : ٣٠.

(٦) ٧١ / البقرة : ٢.

٣٤٠