عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

وقيل : التّرك ضربان : ضرب بالاختيار كقوله : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً)(١). وضرب بالقهر والاضطرار (٢) كقوله : (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)(٣). ومنه تركة الميت ، ويتضمّن معنى التّصيير ، فيتعدّى تعديته. قال (٤) : [من البسيط]

أمرتك الخير فافعل ما ائتمرت به (٥)

فقد تركتك ذا مال وذا نشب

فصل التاء والسين

ت س ع :

التّسع : عدد معلوم ، وكذلك التّسعون ، وهي تسعة عقود ؛ كلّ عقد عشرة ، كما أنّ واحد التّسع غير عقد. والتّسع أيضا من [أظماء الإبل](٦). والتّسع جزء من تسع كالعشر والسّدس جزء من عشرة وستّة. والتّسع لثلاث بقين من آخر الشّهر آخرها الليلة التاسعة. وتسعت القوم كنت تاسعهم ، أو أخذت تسع أموالهم كربعتهم وخمستهم.

وقوله : (آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ)(٧) ، (فِي تِسْعِ آياتٍ)(٨) ونحوه. فالتّسع هي أحوال أربعة (٩) ؛ (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ)(١٠) أي القحط ، وإخراج يده بيضاء من غير سوء ، وعصاه ، وانغلاق البحر ؛ فهذه أربع. والخمس المذكورة في قوله : (فَأَرْسَلْنا

__________________

(١) ٢٤ / الدخان : ٤٤. رهوا : ساكنا أو منفرجا مفتوحا.

(٢) في الأصل : والاضطراب ، ولعلها كما ذكرنا.

(٣) ٢٥ / الدخان : ٤٤.

(٤) البيت لعمرو بن معديكرب (الديوان : ٢٥) ومذكور في الخزانة : ١ / ١٦٤ ، ومعاني القرآن للأخفش : ٢ / ٥٣٥.

(٥) ورواية الأخفش : ما أمرت به.

(٦) فراغ في الأصل ، والإضافة من المفردات : ٧٤.

(٧) ١٠١ / الإسراء : ١٧.

(٨) ١٢ / النمل : ٢٧.

(٩) الكلمة ساقطة من ح ومكانها فراغ ، والنقل من س.

(١٠) ١٣٠ / الأعراف : ٧.

٣٠١

عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ)(١).

وقوله : (تِسْعَةُ رَهْطٍ)(٢) هم الذين تمالؤوا على عقر الناقة ، وكانوا عظماء أهل المدينة ، فيفسدون فيها ، فيتبعهم غيرهم. ولذلك قيل فيهم «رهط» لأنّهم ذوو (٣) أتباع. وقد اختلفوا في أسمائهم ؛ فقال الغزنويّ (٤) : هم قدار بن سالف ، وهو أكثرهم فسادا ، وهو المذكور في قوله تعالى : (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها)(٥) ، ومصداع (٦) ، وأسلم ، ودهمى ، ودهيم ، ودعمى ، ودعيم ، وفتاك ، وصداق ، وقيل غير ذلك (٧). وقال عطاء بن أبي رباح : وهو تمثيل ببعض فسادهم.

وفي حديث ابن عباس : «لئن عشت إلى قابل لأصومنّ التاسع» (٨). قال أبو منصور : يعني عاشوراء كأنه تأوّل فيه عشر الورد (٩) أنّها تسعة أيام. والعرب تقول : وردت الإبل عشرا أي وردت (١٠) يوم التاسع (١١).

قال الهرويّ : ولهذا قالوا : عشرين ولم يقولوا عشرين ، لأنّهم جعلوا ثمانية عشر عشرين ، واليوم التاسع عشر والمكمل عشرين من الدّور الثالث فجمعوه لذلك. قال : قيل : وكره موافقة اليهود لأنهم يصومون العاشر ، فأراد أن يخالفه بصوم التاسع. قلت : هذا هو الذي عليه أهل العلم.

__________________

(١) ١٣٣ / الأعراف : ٧.

(٢) ٤٨ / النمل : ٢٧.

(٣) في الأصل : ذو.

(٤) وفي س : السريوني.

(٥) ١٢ / الشمس : ٩١.

(٦) وفي المحبّر (٣٥٧) : مصداع بن دهر.

(٧) انظر معجم أعلام القرآن ـ مادة ناقة صالح.

(٨) ورواية الحديث في (النهاية : ١ / ١٨٩ والغريبين : ١ / ٢٥٤): «لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ تاسوعاء».

(٩) أي : ورد الإبل.

(١٠) أي : وردت الإبل الماء.

(١١) ويرى ابن الأثير أنه أراد اليوم التاسع من المحرم كراهة لموافقة اليهود الذين كانوا يصومون العاشوراء أي العاشر. وهو ما أورده الهروي بعد.

٣٠٢

فصل التاء والعين

ت ع س :

قال تعالى : (فَتَعْساً لَهُمْ)(١).

التّعس : السّقوط والعثار. يقال : أتعسه الله أي كبّه (٢). وتعس هو يتعس تعسا ، وإذا عثر واحد فدعي له قيل : لعا له أي انتعاشا. وإذا دعي عليه قيل : تعسا لك. قال : فالتّعس أولى لها من أن أقول : لعا. فمعنى تعسا لهم أي انكبابا وعثارا وسقوطا ونحو ذلك. وقال الفراء : تعست بفتح العين إذا خاطبت ، فإذا صرت إلى فعل قلت : تعس بكسر العين (٣). وأتعسه الله.

قلت : وهذا غريب إذ لا يختلف الفعل بالنسبة إلى إسناده إلى فاعل دون آخر إلا في عسى فقط كما بينّاه. وفي حديث عائشة : «تعس مسطح» (٤). وهذه اللام (٥) متعلقة بمحذوف على سبيل البيان لا بالنّفس كما بيّناه في غير هذا.

فصل التّاء والفاء

ت ف ث :

قوله تعالى : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)(٦) أي ليزيلوا وسخهم ودرنهم الذي يجتمع عليهم

__________________

(١) ٨ / محمد : ٤٧ ، أي عثارا وسقوطا.

(٢) وفي س : أكبه.

(٣) يقول النووي : «قال الزجاج : يقال : تعسه الله تعالى وأتعسه لغتان» (تهذيب الأسماء واللغات : ٤١).

(٤) من حديث الأفك (النهاية : ١ / ١٩٠). ومسطح : من القائلين بالإفك ، وقريب لأبي بكر.

(٥) اللام في الآية السابقة.

(٦) ٢٩ / الحج : ٢٢.

٣٠٣

حين أحرموا. وأصل التّفث من وسخ الظّفر وغيره عن الأبدان. وقال أعرابيّ لآخر : ما أتفثك وأدرنك! ولذلك فسّره ابن عرفة : ليزيلوا أدرانهم.

قال النضر بن شميل : التّفث في كلام العرب : إذهاب الشّعر (١). وفسّره الأزهريّ بقصّ الشارب ، ونتف الإبط ، وحلق العانة ، وقلم الأظفار ، ممّا كان ممنوعا منه محرما. وعن الأزهريّ أيضا : التّفث في كلام العرب لا يعرف إلا من قول ابن عباس وأهل التفسير (رحمهم‌الله) (٢).

فصل التاء والقاف

ت ق ن :

قوله تعالى : (صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ)(٣) أي أحكمه. والإتقان : الإحكام للشيء والإتيان به على أتمّ صورة. وفي الحديث : «رحم الله من عمل شيئا فأتقنه» (٤). يقال : أتقن يتقن فهو متقن. وأما التّقوى فأصل تائها واو (٥).

فصل التاء والكاف

ت ك أ (٦) :

قال تعالى : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً)(٧).

المتّكأ : ما يتّكأ عليه من وسادة ونحوها ، وقيل : هو مكان الإتّكاء. والاتكاء :

__________________

(١) ورواية اللسان والنهاية : الشعث.

(٢) جملة الدعاء ساقطة من ح.

(٣) ٨٨ / النمل : ٢٧.

(٤) كشف الخفاء : ١ / ٥١٣ ، الحديث رقمه ١٣٦٩. قال النجم : لا يعرف بهذا اللفظ ، لكن عند أبي نعيم عن عائشة أن الله يحبّ إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.

(٥) في الأصل : واوا.

(٦) صواب موضع هذه المادة في (وكأ) ، وكذا فعل اللسان.

(٧) ٣١ / يوسف : ١٢.

٣٠٤

الاعتماد. وقيل : هو طعام يتناول (١) /. يقال : اتّكأنا على كذا. قال القتيبيّ : اتّكأنا عند فلان أي أكلنا. وجعله بعضهم من باب الكناية لأنّ من يدعو الناس ليطعمهم هيّأ لهم متّكأ غالبا. وأنشد لجميل (٢) : [من الخفيف]

فظللنا بنعمة واتّكأنا

وشربنا الحلال من قلله

قال الراغب : أي أترجّا. قلت : من جعله الأترجّ إنّما قال ذلك في قراءة من قرأ متكأ ومتكأ بسكون التاء قراءتان شاذّتان (٣). (وأنشدوا (٤) : [من الوافر]

فمهّد متكة لبني أبيها

تخبّ بها المعتثمة الوقاح

وقيل : هو اسم لما يقطع بسكين كأترجّ وغيره) (٥). وأنشدوا (٦) : [من الخفيف]

نشرب الإثم بالصّواع جهارا

ونرى المتك بيننا مستعارا

وفي الحرف قراءات لست بصدد بيانها هنا لذكرها في غير هذا. فمتّكأ في قراءة العامّة وزن مفتعل.

فصل التاء واللام

ت ل ل :

قوله تعالى : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ)(٧) أي صرعه على جنبه. يقال : تللته (٨)

__________________

(١) قيل : هو الأترجّ من قصة يوسف وامرأة العزيز.

(٢) الديوان : ٥٣ ، من قصيدة.

(٣) قراءة الأعرج بفتح الميم ، ومجاهد بضمها (وسكون التاء فيهما) ، وقراءة الحسن : متّكأ (مختصر الشواذ : ٦٣).

(٤) كان الصدر مكسورا فصوبناه ، بقي المعنى.

(٥) ما بين قوسين ساقط من س.

(٦) البيت في التاج ـ مادة متك.

(٧) ١٠٣ / الصافات : ٣٧.

(٨) في الأصل : تلله.

٣٠٥

أتلّه تلّا : صرعته (١) ، وأصله من التّلّ وهو المكان المرتفع ؛ فمعنى تللته : أسقطته على التلّ. وقيل : بل هو من التّليل ، والتليل : المعتّق. فمعنى تللته : أسقطته على تليلة ، ثم عبّر به عن السقوط مطلقا ، وإن لم يكن على تلّ ولا تليل. والمتلّ : الرمح من ذلك ، لأنه يتلّ به أي يطعن ، فهو سبب السقوط. (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) مثلها في قوله : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ)(٢). وقوله : [من الطويل]

فخرّ صريعا لليدين وللفم (٣)

والمتلّ بفتح الميم : اسم المصدر أو المكان أو الزمان ، ومنه حديث أبي الدّرداء : «وتركوك لمتلّك» (٤) أي لمصرعك. وفي حديث آخر : «فجاء بناقة كوماء فتلّها» (٥) أي أناخها.

والتّلّ أيضا : الصّبّ. وفرّقوا بين فعلهما فقالوا : تلّ يتلّ بالكسر : سقط. وتلّ يتلّ : صبّ ، وفي الحديث : «بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلّت في يدي» (٦). قال ابن الأعرابيّ : معناه صبّت (٧) ، قال ابن الأنباريّ : ألقيت. وعندي أن هذه كلّها معان متقاربة : السقوط والإلقاء والصبّ للقدر المشترك. قال الهرويّ : تأويل الحديث : ما فتحه الله لأمته بعد وفاته. وعندي أنه على غير ذلك ، وهو سعة الدّنيا ، كما جاء مصرّحا بذلك في «الصّحاح» (٨) وهو اللائق بصفة سيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وإن كان ما قاله الهرويّ حسنا (٩) فهذا أحسن.

__________________

(١) ساقط من ح.

(٢) ١٠٧ / الإسراء : ١٧.

(٣) وفي س : والغم. والشاهد مذكور بعد.

(٤) النهاية : ١ / ١٩٥.

(٥) النهاية : ١ / ١٩٥.

(٦) في الأصل : يداي ، والتصويب من النهاية : ١ / ١٩٥.

(٧) في الأصل : صب.

(٨) يريد الأحاديث الصحاح.

(٩) وهو رأي ابن الأثير في النهاية.

٣٠٦

ت ل و :

التّلاوة : المتابعة. يقال : تلوت زيدا أي تبعته. وغلب في العرف التلاوة على قراءة القرآن ؛ فمنه قوله تعالى : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ)(١) لأنّ القارىء يتبع كلّ كلمة أختها.

وقيل : (فَالتَّالِياتِ ذِكْراً)(٢) قيل : هم الملائكة ؛ يتلون وحي الله على أنبيائه أو يتلون ذكر الله بتسبيحهم وتقديسهم ، أو هم كلّ (٣) من تلا ذكر الله من ملك وغيره. وقوله : (تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ)(٤) أي تتبع عملها إن خيرا فللجنّة ، وإن شرّا فللنار. وفي معناه : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ) الآية (٥).

وقيل : تلاه : تبعه متابعة ليس بينهما ما ليس منهما ؛ فتارة يكون بالجسم نحو : تلوت زيدا ، وتارة بالاقتداء في الحكم ومصدره التّلوّ والتّلو ، وتارة بالقراءة وبفهم المعنى ومصدره التّلاوة. فالتّلاوة أخصّ من القراءة ؛ وذلك أن التّلاوة تختصّ باتّباع كتبه المنزلة ؛ تارة بالقراءة وتارة بالامتثال لما فيه من أمر ونهي وترغيب وترهيب ، أو ما يتوهّم فيه ذلك ، وعلى هذا (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ).

وقوله : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ)(٦) أي يتبع أحكامه ويقتدي بها ويعمل بموجبها. وقوله : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ)(٧) سمّاه تلاوة تنزيلا على اعتقاد الشيطان ، فإنه كان يزعم أنّ ما يتلوه من كتب الله تعالى.

وقوله : (وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها)(٨) إنما قال تلاها لأنّ معناه هنا الاقتداء ، وذلك لما قيل إنّ القمر مقتبس من نور الشمس ؛ فهو لما بمنزلة الخليفة. وعلى هذا نبّه بقوله : (وَجَعَلَ

__________________

(١) ١٢١ / البقرة : ٢.

(٢) ٣ / الصافات : ٣٧.

(٣) الكلمة ساقطة من ح.

(٤) ٣٠ / يونس : ١٠. قال الفراء : أي تقرأ (الغريبين : ١ / ٢٦١).

(٥) ٣٠ / سورة آل عمران : ٣ ، وتتمته : (... لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً ....).

(٦) ١٧ / هود : ١١.

(٧) ١٠٢ / البقرة : ٢.

(٨) ٢ / الشمس : ٩١.

٣٠٧

فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً)(١). فأخبر أنّ الشمس بمنزلة السراج ، والقمر بمنزلة النور المقتبس منه. وعليه : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)(٢) ، لأنّ الضياء أقوى من النور ، فهو أخصّ منه. وقد ذكرنا هذه النكتة عند قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ)(٣) ولم يقل بضيائهم.

وقوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) يحتمل القراءة بأن يقيموا ألفاظه من غير تحريف ولا لحن ، ويتدبّروا معانيه ، ويحتمل الاتّباع بالعلم والعمل ، والأولى حمله على جميع ذلك. إلّا أنّ من قوّم لفظه ولم يتّبعه في العلم والعمل ليس بتال وإن قرع دماغه. ومن تبعه في العلم والعمل تال وإن لم يتلفّظ به (٤) ، وفيه حديث ذكرناه في موضعه.

وفي الحديث : «لا وريت ولا تليت» (٥) أصله تلوت فقلبت الواو ياء لازدواج الكلام (٦) كقوله : «ارجعن مأزورات غير مأجورات» (٧) ، وقوله : «أيّتكنّ صاحبة الجمل الأزبّ تنبحها كلاب (٨) الحوءب» (٩).

يريد مأزورات ، والأزبّ [الكثير الشعر](١٠) وفلان يتلو على فلان ويقول عليه ، أي يكذب. والتّلاوة بالضمّ والتّليّة : البقيّة ممّا يتلى أي (يتتبّع. وأتليته) (١١) : أبقيت منه تلاوة.

__________________

(١) ٦١ / الفرقان : ٢٥.

(٢) ٥ / يونس : ١٠.

(٣) ١٧ / البقرة : ٢.

(٤) قراءة «تتلو» بالتاءين لابن مسعود وحمزة والكسائي. وقرئت بالباء «تبلو» (الغريبين : ١ / ٢٦١) ، وحاشية الكتاب رقم ١.

(٥) من حديث عذاب القبر. يقول ابن الأثير : هكذا يرويه المحدّثون ، والصواب «ولا ائتليت» ومعناه : لا قرأت (النهاية : ١ / ١٩٥). ويروى «ولا أتليت» (الغريبين : ١ / ٢٦١).

(٦) أي : ليزدوج الكلام مع دريت. وقال الأزهريّ : ويروى أتليت ، يدعو عليه أن لا تتلى إبله ، أي لا يكون لها أولاد تتلوها.

(٧) في الأصل : موزورات ، والتصحيح من المصباح واللسان والنهاية : ٥ / ١٧٩ ، أي آثمات. والحديث رواه ابن ماجة وأبو يعلى.

(٨) كذا في ح ، وفي س : الكلاب. الحوءب : منزل بين البصرة ومكة نزلته عائشة في وقعة الجمل. وفي التهذيب : موضع بئر نبحت كلابه مقبلها من البصرة.

(٩) قاله لنسائه. النهاية : ١ / ٤٥٦.

(١٠) إضافة المحقق للسياق.

(١١) في الأصل : يتبع ، وتليته لا يستقيم.

٣٠٨

فصل التاء والميم

ت م م :

والتّمام : ضدّ النّقصان ، وهو عبارة عن انتهاء الشيء إلى حدّ لا يحتاج إلى شيء خارج عنه ، والناقص : مالم ينته إلى ذلك. ويقال : عدد تمام وناقص ، وثوب تمام وناقص ، وليل تامّ ، والليل التّمام. ويقال : هو الطويل ، وعليه قول النابغة الذّبيانيّ : [من الطويل]

يسهّد من ليل التّمام (١) سليمها

لحلي النّساء في يديه قعاقع

ويقال : لكلّ حاملة تمام من ذلك ؛ قال (٢) : [من الوافر]

أنى ولكلّ حاملة تمام

وقوله تعالى : (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)(٣) إشارة إلى أنه لم يتجوّز فيها ، فأطلق الكلّ وإن نقص بعض جزء ، لأنّ العرب قد تفعل مثل ذلك ، يقولون : سرنا ثلاثة أيام ، يريدون يومين وبعض الثالث ، وعليه (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ)(٤) ، ومثل قوله : (فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ) ، قوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ)(٥).

وقوله : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ)(٦) ، قال الفراء : فعمل بهنّ (٧). وقال غيره : تمّ إلى كذا : بلغه ومضى عليه ، وأنشد للعجاج : [من الرجز]

__________________

(١) ليل التمام بكسر التاء : أطول ما يكون من ليالي الشتاء. ورواية الديوان (ص ٤٦) : نوم العشاء. ومن هنا بمعنى في.

(٢) عجز لعمرو بن حسان كما في مقاييس اللغة : ٢ / ١٠٦ ، واللسان ـ مادة حمل. وصدره :

تمخّضت المنون له بيوم

(٣) ١٤٢ / الأعراف : ٧.

(٤) ١٩٧ / البقرة : ٢.

(٥) ١٩٦ / البقرة : ٢.

(٦) ١٢٤ / البقرة : ٢.

(٧) أي أن إبراهيم نفّذ أمر ربه بخلال عشر ؛ خمس في الرأس وخمس في الجسد ، فأما اللاتي في الرأس : ففرق الشعر ، وقص الشارب ، والاستنشاق ، والمضمضة ، والسّواك. وأما اللاتي في الجسد : ـ

٣٠٩

لما دعوا : يال تميم تمّوا

إلى المعالي وبهنّ سمّوا (١)

وقوله : (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)(٢) أي على موسى بما أحسنه من طاعة ربّه ، أو تماما من الله على المحسنين. واختاره الزجاج.

والتّمّ والتّمّ والتّام بمعنى واحد. وفي الحديث : «الجذع التّامّ» ويروى «التّمّ» (٣). وقوله : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ)(٤) أي حقّت ووجبت لم ينقص منها شيء.

والتّمائم : خرزات تعلّق على الصبيّ لدفع (٥) العين في زعمهم ، فأبطل بها (٦) الرّقى عليه الصلاة والسّلام ، قال الشاعر (٧) : [من الطويل]

بلاد بها نيطت عليّ تمائمي

وأوّل أرض مسّ جسمي (٨) ترابها /

وقال أبو ذؤيب الهذليّ في مرثيته (٩) : [من الكامل]

وإذا المنيّة أنشبت أظفارها

ألفيت كلّ تميمة لا تنفع

__________________

 ـ فالختان ، وحلق العانة ، وتقليم الأظافر ، ونتف الابطين ، والاستنجاء (معاني القرآن للفراء ١ / ٧٦).

(١) وفي الأصل : سقوا. والبيت في الديوان : ٢ / ١٢٤ ، وفيه أوله : إذا دعوا.

(٢) من الآية : ١٥٤ / الأنعام : ٦.

(٣) الحديث لسليمان بن يسار ، وعلى رواية (النهاية : ١ / ١٩٧) : «الجذع التامّ التمّ يجزىء». ويقول ابن الأثير : ويروى : الجذع التامّ التّمم.

(٤) ١١٥ / الأنعام : ٦.

(٥) كذا في س ، وفي ح : لرفع.

(٦) في الأصل : فإبطالها ، ولا يستقيم.

(٧) البيت من شواهد اللسان ، وهو لرفاع بن قيس الأسدي.

(٨) ورواية اللسان : جلدي.

(٩) من مرثيته لأبنائه السبعة (ديوان الهذليين : ٣).

٣١٠

فصل التاء والواو

ت وب :

التّوبة والتّوب : الرجوع. يقال : تاب وثاب ـ بالمثنّاة والمثلّثة ـ أي رجع من قبيح إلى جميل (١). وقوله : (وَقابِلِ التَّوْبِ)(٢) كقوله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ)(٣). فالتوبة من الله على عباده : الرجوع بهم من المعصية إلى الطاعة. ومنه قوله : (فَتابَ عَلَيْكُمْ)(٤). وقد يكون الرجوع بهم من الحظر إلى الإباحة ، كقوله : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ)(٥) أي أباح ما حظّره. وقد يكون من الأثقل إلى الأخفّ ، كقوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ)(٦). وقوله : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ)(٧) أي ارجعوا إلى أوامره وانتهوا عن نواهيه.

والتّوّاب : صيغة مبالغة يوصف بها الله تعالى لكثرة قبوله توبة عباده ، والعبد لكثرة وقوعها منه إلى ربّه ، ومنه (وَإِلَيْهِ مَتابِ)(٨) أي رجوعي إليه لا إلى غيره تعريضا بإشراكهم (٩) معه آلهة أخرى يرجعون إليها في شدائدهم.

وقال بعضهم : التّوب : ترك الذّنب على أحد (١٠) الوجوه ، وهو أبلغ ضروب الاعتذار ، فإنّ الاعتذار على ثلاثة أوجه : إما بلم أفعل (١١) ، أو فعلت لكذا ، أو فعلت

__________________

(١) وفي س : من القبيح إلى الجميل.

(٢) ٣ / غافر : ٤٠.

(٣) ٢٥ / الشورى : ٤٢.

(٤) ٥٤ / البقرة : ٢.

(٥) ١٨٧ / البقرة : ٢.

(٦) ٢٠ / المزمل : ٧٣.

(٧) ٥٤ / البقرة : ٢.

(٨) ٣٠ / الرعد : ١٣.

(٩) في الأصل : باشتراكهم.

(١٠) ويعرفه الراغب كذلك ، فيقول : على أجمل الوجوه (ص ٧٦).

(١١) يعني أن يقول : لم أفعل.

٣١١

وأسأت وقد أقلعت ، وهذا هو التّوب (١).

والتّوبة النّصوح في قوله تعالى : (تَوْبَةً نَصُوحاً)(٢) هي ترك الذنب لقبحه ، والنّدم على فعله ، والعزم على عدم معاودته ، وتدارك ما أمكن تداركه ، من ردّ ظلامة ونحوها ، حسبما بينّاه في «الأحكام» و «التفسير» ، وهو معنى قوله تعالى : (وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً)(٣). ألا ترى كيف كرّر لفظه وأكّده بمصدره ، وصرّح بالعمل الصالح وضمّن التّوب معنى الإنابة ، فلذلك عدّي بإلى في قوله (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ)(٤) كقوله : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ)(٥).

فصل التاء والياء

ت ي ر :

قوله تعالى : (تارَةً أُخْرى)(٦) أي مرة أو كرة أخرى ، وهي فيما قيل من تأر (٧) الجرح إذا التأم. وألفها الظاهر أنها عن واو. ويجوز أن تكون عن ياء. وتجمع على ترة ، وهي ترجّح الياء ، وتارات. قال الشاعر : [من الطويل]

وإنسان عيني يحسر الماء تارة

فيبدو وتارة يجمّ ويغرق

وانتصابها على المصدر. والتّورية تذكر في باب الواو.

__________________

(١) أي الأخير.

(٢) ٨ / التحريم : ٦٦.

(٣) ٧١ / الفرقان : ٢٥.

(٤) تابع الآية السابقة.

(٥) ٥٤ / الزمر : ٣٩.

(٦) ٥٥ / طه : ٢٠ ، وغيرها.

(٧) لم نجد هذا المعنى مهموزا أو مخففا في اللسان ولا الجمهرة ولا التاج. وهو مذكور مخففا في مفردات الراغب (ص ٧٦).

٣١٢

ت ي ن :

التّين : هذه الفاكهة المعروفة. قوله تعالى : (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ)(١) قيل : اسم لجبلين ينبتان التّين والزيتون بالشام ، يسمّيان بطور سيناء وطور زيتا. وقيل : التين مسجد نوح المبنيّ على الجوديّ ، والزيتون مسجد بيت المقدس. وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) (٢) : «هو تينكم الذي تأكلون وزيتونكم الذي تعصرون». وقيل : التّين جبل دمشق ، والزيتون جبل القدس ، وفيهما أقوال أخر تركناها لموضع أليق من هذا.

وعن أبي ذرّ : «أنه أهدي إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرة (٣) تين. فقال : كلوا. وأكل منه. ثمّ قال : لو قلت : إن فاكهة نزلت من الجنة قلت : هذه ؛ فإن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النّقرس».

ت ي ه :

قال تعالى : (يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ)(٤).

والتّيه : الحيرة. تاه يتيه تيها كباع يبيع بيعا ؛ فهو تائه أي حائر. وتاه يتوه توها فهو تائه ؛ فيهما لغتان. وتيّهته وتوّهته نحو طيّحته وطوّحته. ووقع في التّيه والتّوه أي موضع الحيرة.

وأصله من الأرض التّيهاء وهي المفازة المجهولة المسلك لعدم [وجود](٥) منار أو علم بها ، فمن سلكها حصل له التّيه. ويستعار لمن رفع عن طريق القصد وانهمك في اللذّة ، فيقال : فلان تيّاه.

__________________

(١) ١ / التين : ٩٥.

(٢) ساقط من ح.

(٣) وفي س : من.

(٤) ٢٦ / المائدة : ٥.

(٥) إضافة المحقق.

٣١٣

باب الثاء المثلثة

فصل الثاء والباء

ث ب ت : (١)

الثبات والثبوت : ضدّ الزوال. يقال : ثبت يثبت ثبتا وثباتا وثبوتا أي ، يقوي جنانهم حتى يجيبوا الملكين في القبر لما يسألانهم ، وهو (٢) راجع لما قدّمنا ؛ فإنّ تقوية الشيء يثبته ولا يزيله. ومنه : (فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا)(٣) ، ألا ترى كيف قابله بقوله : (سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)(٤)؟

ورجل ثبت وثبيت أي لا يزول عن النّصر (٥) في الحرب. واستعير للرجل الصّدوق للزومه مقاله لا يتزلزل فيه. وقوله : (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(٦) أي طمأنينة لا قلق ولا تزلزل معها. ومثله قوله : (وَثَبِّتْ أَقْدامَنا)(٧) وقوله : (لِيُثْبِتُوكَ)(٨) يريد : ليفعلوا بك فعلا يحبسونك به في ذهابك وحركتك نحو : أثبت الصّيد إذا رميته ، فحبس ، وأثبت السهم من

__________________

(١) لم يذكر الناسخ الآية التي ينبغي ذكرها لما يأتي وهي : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ٢٧ / إبراهيم : ١٤.

(٢) الكلمة ساقطة من س.

(٣) ١٢ / الأنفال : ٨.

(٤) تابع الآية السابقة.

(٥) الجملة مضطربة في الأصل ، فقوّمناها بحسب السياق.

(٦) ٢٦٥ / البقرة : ٢.

(٧) ٢٥٠ / البقرة : ٢.

(٨) ٣٠ / الأنفال : ٨.

٣١٤

ذلك. وأصبح المريض مثبتا : أي لا حراك به.

والإثبات : يقال تارة بالبصر نحو : أنت ثابت عندي ، وأخرى بالبصيرة نحو : نبوة محمّد (صلى‌الله‌عليه‌وسلم) (١) ثابتة عندنا ، وتارة بالقول صدقا نحو : أثبت التوحيد والنّبوة ، أو كذبا نحو أثبت فلان مع الله إلها آخر ، وتارة بالفعل فيقال لما أوجده الله من العدم : أثبته الله. وتارة بالحكم نحو : أثبت القاضي على فلان دينا ، وثبّته عليه. كلّ ذلك تابع لما ذكرناه.

وقوله : (وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً)(٢) أي أشدّ لتحصيل علمهم. وقيل : أثبت لأعمالهم واجتناء ثمرة (٣) أفعالهم. وأن يكونوا خلاف من قال فيهم : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً)(٤).

ث ب ر :

قال تعالى : (دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً)(٥).

الثّبور : الهلاك ، يقولون (٦) : واثبوراه! فيقال لهم : (لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً)(٧) أي (٨) دعاء واحدا ، بهذا القول بل كرّروه فإنه لا يجدي عليكم شيئا. وهذا قبل أن يقال لهم : (اخْسَؤُا فِيها)(٩) لأنه منادى حالهم ، وأصله المنع من الخير. يقال : ما ثبرك عن كذا؟ أي ما صرفك ومنعك. وثبرته عنه فهو مثبور. ولا شكّ أنّ الممنوع من الخير هالك.

__________________

(١) الجملة ساقطة من س.

(٢) ٦٦ / النساء : ٤.

(٣) وفي س : الثمرة.

(٤) ٢٣ / الفرقان : ٢٥.

(٥) ١٣ / الفرقان : ٢٥.

(٦) يعني أهل النار.

(٧) ١٤ / الفرقان : ٢٥.

(٨) الكلمة ساقطة من ح.

(٩) ١٠٨ / المؤمنون : ٢٣. ومعناها : انزجروا وابعدوا كالكلاب.

٣١٥

والمثابرة على الشيء : المواظبة عليه. يقال : ثابرت على هذا الأمر ، كأنه منعه أن يصرف إلى غيره.

وقوله : (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً)(١) أي هالكا ، وقيل : ناقص العقل لمقابلة قوله له : (مَسْحُوراً)(٢). ونقصان العقل أشدّ هلاكا. وقيل : ملعونا مطرودا.

والثّبور : اللعن والطّرد. وثبر الرجل : ذهب عقله من ذلك ، (لأنّ من يفقد) (٣) عقله يهلك.

وثبرت القرحة : انفتحت. وفي حديث أبي بردة حين قال له معاوية : «انظر إلى قرحتي فنظرت فإذا هي ثبرت» (٤). والثّبرة : النّقرة في الشيء ، وهي أيضا ما ينتفع فيه الماء من التّلاع.

والمثبر : مسقط الولد ، وأكثر ما (٥) يكون في الإبل ، وفي حديث أمّ (٦) حكيم بن حزام : «أنها ولدته في الكعبة فحمل في نطع وأخذ ما تحت مثبرها فغسل عند حوض زمزم». وثبير : جبل بقرب عرفة كأنه يهلك من يتوقّله. قال امرؤ القيس (٧) : [من الطويل]

كأنّ ثبيرا (٨) في أفانين ودقه

كبير أناس في بجاد مزمّل /

وكانوا يقولون : أشرق ثبير حتى نغير (٩) ، ثم يفيضون.

__________________

(١) ١٠٢ / الإسراء : ١٧.

(٢) من الآية قبلها : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً).

(٣) وفي ح : لأنه بفقد.

(٤) النهاية : ١ / ٢٠٦. والحديث في الغريبين : ١ / ٢٧٣ مع اختلاف

(٥) وفي س : وأكثرها.

(٦) وفي النهاية (١ / ٢٠٧) : حديث حكيم بن حزام.

(٧) ديوان امرىء القيس : ٤٠.

(٨) وفي الديوان : أبانا.

(٩) اللسان ـ مادة ثبر ، وفيه : كيما نغير.

٣١٦

ث ب ه :

قال تعالى : (فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً)(١).

والثّبات جمع ثبة وهي الفرقة. والمعنى انفروا جماعات في تفرقة ، يريد سريّة في إثر أخرى. يقال : ثبّيت الجيش جعلته ثبة. قال يصف خيلا (٢) : [من الطويل]

فلما (٣) جلاها (٤) بالإيام تحيّرت

ثباة (٥) عليها ذلّها واكتئابها

وثبّيت على الرجل (٦) : ذكرت متفرّق محاسنه. وأصل ثبة ثببة لأنها بهاء ، فحذفت ، وتجمع على ثبات المشهور كسر تائها نصبا كغيرها من جمع المؤنث السالم ، وفيها لغيّة تنصب فيها بالفتحة (٧). وقرىء «فانفروا ثباتا» (٨). ويروى قوله : نحوت ثباتا بالفتحة.

أما ثبة الحوض ، وهي وسطه ، فمن ثاب يثوب. والمحذوف عينها (٩) وليست من هذه في شيء وإن اشتبه لفظهما (١٠).

__________________

(١) ٧١ / النساء : ٤.

(٢) البيت لأبي ذؤيب الهذلي ، وهو من شواهد الفراء (معاني القرآن : ٢ / ٩٣) ، وديوان الهذليين : ٧٩.

(٣) وعند الفراء : إذا ما.

(٤) وفي الديوان : اجتلاها.

(٥) الشاهد هنا على أن (ثباة) ترد منصوبة كما يتضح بعد سطرين ، ولذلك رواها الفراء منونة : ثباتا ،

(٦) وجاءت في الديوان : ثبات على أنها جمع مؤنث سالم.

(٧) ويتعدى بنفسه فتقول : ثبيت الرجل.

(٨) لم يورد ابن خالويه هذا القراءة ، بل أورد قراءة مجاهد بضم الفاء «فانفروا» (مختصر الشواذ : ٢٧).

(٩) لا لامها.

(١٠) جاء في هامش ح : «ثبط. قال الله تعالى : (فَثَبَّطَهُمْ) (٤٦ / التوبة : ٩) أي حبسهم وشغلهم. يقال : ثبطة المرض وأثبطه إذا حبسه ومنعه ، ولم يكد يفارقه» من غير خط الناسخ.

٣١٧

فصل الثاء والجيم

ث ج :

قال تعالى : (ماءً ثَجَّاجاً)(١) أي شديد الانصباب. ومنه : أتى الوادي بثجيجه. وثجّ الماء يثجّ ثجّا فهو ثجّاج. وفي الحديث : «أفضل الحجّ العجّ والثّجّ» (٢) ؛ فالعجّ رفع الصوت بالتّلبية ، والثّجّ : إسالة دم الهدايا. وفي حديث أمّ معبد : «فحلب فيه ثجّا» (٣). وعن الحسن في حقّ ابن عباس : «كان مثجّا» (٤) أي يصبّ الكلام صبّا ؛ يصفه بغزارة العلم. يقال : ثججته أثجّه فثجّ ، والقاصر والمتعدّي سواء.

فصل الثاء والخاء

ث خ ن :

الإثخان : تكثير الشيء وتطبيقه بعضه على بعض. ومنه ثوب ثخين أي متركب الغزل ، قويّ النسج. وقوله تعالى : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)(٥) أي يكثر قتل العدوّ والمحارب ، فتقوى شوكة دينه. وثخن جيشه على الاستعارة من ثخانة الثوب والعسل ونحوهما. كما يقال : ثخن الشراب يثخن ثخانة فهو ثخين إذا لم يسل وعسر صبّه. وكان رأي أبي بكر مفاداة الأسرى ورأي عمر في قتلهم ، وكلّ له مقصد صحيح. فنزل القرآن بموافقة عمر ، ولذلك فسّره بعضهم بمعنى : حتى يمكّن فيهم. وقال الأزهريّ : يبالغ في قتل أعدائه ، وهو بمعنى الأول.

__________________

(١) ١٤ / النبأ : ٧٨.

(٢) النهاية : ١ / ٢٠٧.

(٣) النهاية : ١ / ٢٠٧ والمعنى : لبنا سائلا كثيرا.

(٤) النهاية : ١ / ٢٠٧.

(٥) ٦٧ / الأنفال : ٨.

٣١٨

والإثخان أيضا : التّشديد ، ومنه أثخنه المرض أي اشتدّ عليه. وأثخنته الجراحة : تمكّنت منه ، ومنه (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ)(١) أي بالغتم في قتلهم. وأنشد المفضّل : [من الطويل]

وقد أثخنت فرعون في كفره كفرا (٢)

أي بالغت وزادت.

فصل الثاء والراء

ث ر ب :

قوله تعالى : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ)(٣) : لا تقريع ولا تبكيت. يقال : ثرّبت على فلان : عدّدت ذنوبه عليه. وفي الحديث : «فليجلدها ولا يثرّب» (٤) أي لا يقرّعها بعد الضّرب.

قال الراغب : ولا يعرف من لفظه إلا قولهم الثّرب ، وهو شحمة رقيقة. قلت : معنى التّثريب مشتقّ من الثّرب ، وهو شحم رقيق على القلب ، ومعنى ثرّبته أزلت شحم فؤاده من شدّة التّقريع. فالتّفعيل فيه للسّلب ، نحو قردت البعير أي أزلت قراده.

ويجمع الثّرب على ثروب ، وثروب على أثارب ، ومنه الحديث : «نهى عن الصلاة إذا صارت الشمس كالأثارب» (٥) أي إذا خصّت (٦) فتفرّقت في مواضع ، شبّهت بسماحيق

__________________

(١) ٤ / محمد : ٤٧.

(٢) الشاهد في الغريبين : ١ / ٢٧٦.

(٣) ٩٢ / يوسف : ١٢.

(٤) وتمام الحديث على رواية ابن الأثير : «إذا زنت أمة أحدكم فليضربها الحدّ ولا يثرّب» (النهاية : ١ / ٢٠٩).

(٥) النهاية : ١ / ٢٠٩.

(٦) كذا في اللسان والنهاية ، وفي الأصل : خفّت.

٣١٩

الشّحم. وقوله : (يا أَهْلَ يَثْرِبَ). (١) قال الشاعر (٢) : [من الطويل]

وقد وعدتك موعدا لو وفت به (٣)

مواعيد عرقوب أخاه بيثرب

فبالمثنّاة مفتوح الراء اسم مكان (٤) آخر غير المدينة. وبعضهم يرويه بيثرب بالمثلثة والكسر أيضا.

ث ر ي :

قوله : (وَما تَحْتَ الثَّرى)(٥) وهو التراب النّديّ الذي تحت هذا التراب الظاهر. وقيل : ما تحت الأرض السابعة. وثرّيت : ألقيت ، أثرّيه تثرية : بللته (٦).

ويقال : ثرّى (٧) المكان أي رشّه ، وفي الحديث : «أتي بسويق فأمر به فثرّي» (٨) أي بلّ. وأثرى فلان : كثر ماله حتى صار كالثّرى ، كقولهم : أثرت ، وقد تقدّم. والثّراء بالمدّ : الغنى وكثرة المال. وفي حديث أمّ زرع : «وأراح عليّ نعما ثريّا» (٩) أي كثيرا. وقال حاتم : [من الطويل]

أماويّ ما يغني الثّراء عن الفتى (١٠)

__________________

(١) ١٣ / الأحزاب : ٣٣.

(٢) البيت من شواهد النحو ، ذكره سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٧٢ ، وابن يعيش في شرح المفصل : ١ / ١١٣ ، والميداني في مجمع الأمثال : ١ / ٣١١ ، وينسب البيت إلى ابن عبيد الأشجعي. وعرقوب هذا من العماليق يضرب به المثل في خلف الموعد.

(٣) المشهور قول النحويين :

وعدت وكان الخلف منك سجية

(٤) كذا في س ، وفي ح : في مكان.

(٥) ٦ / طه : ٢٠.

(٦) قال الزجاج : «ثرى المكان وأثرى : إذا ندي بعد يبس وكثر فيه الندى» (تهذيب الأسماء واللغات : ٢ / ٤٤).

(٧) في الأصل : ثرّ ، وتصويبنا من اللسان.

(٨) النهاية : ١ / ٢١٠.

(٩) النهاية : ١ / ٢١٠.

(١٠) وعجزه (الديوان : ٥٠) :

إذا حشرجت نفس وضاق بها الصدر

٣٢٠