عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

فصل الباء والجيم

ب ج س :

الانبجاس : قريب من الانفجار (١). قال تعالى : (فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً)(٢) والحرث والانبجاس والانفجار والانفتاق والتّفتّق والانشقاق والتّشقّق متقاربات ، إلا أنّ الانبجاس أكثر ما يقال في الخارج من ضيّق ، والانفجار أعمّ. ولذلك جاء اللفظان في الآيتين لأنّ المكان ضيق.

وفي القصة أنه موضع ... (٣) ويخرج منه إثنتا عشرة عينا يشرب منها الماء ، لا يحصيهم إلا خالقهم.

ويقال : بجس الماء فانبجس. وفي حديث حذيفة : «ما منّا رجل إلا به (٤) آمّة يبجسها الظّفر غير الرّجلين» (٥). الآمّة : الشّجّة بلغت أمّ الدّماغ. ومعنى هذا أنها نغلة فيها صديد كثير بحيث لو فجّرها إنسان بظفره لقدر من غير احتياج إلى حديدة. كنّى بذلك عن أنّ كلّ أحد (٦) لا بدّ له من شيء إلا أبا بكر (٧) وعمر وعليا رضي الله تعالى عنهم وعن كلّ الصحابة أجمعين.

فصل الباء والحاء

ب ح ث :

البحث : التنقيب على الشيء والاجتهاد في معرفة باطنه وخفيّه. ومنه بحث المسألة

__________________

(١) يقول ابن دريد : «وكأنّ الانبجاس الانفطار» (الجمهرة : ١ / ٢١٠).

(٢) ١٦٠ / الأعراف : ٧. والآية الثانية : «فانفجرت منه» (٦٠ / البقرة : ٢).

(٣) فراغ لبضع كلمات ، ولعل الحديث عن الآية : (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنا ً).

(٤) كذا رواية النهاية (١ / ٩٧) واللسان ، وفي الأصل : وله.

(٥) يعني بهما عمر وعليا (رضي). وضبط الهروي الفعل «يبجّسها» (الغريبين : ١ / ١٣٠).

(٦) وفي س : واحد.

(٧) أقحم اسم أبي بكر والحديث في عمر وعلي.

١٨١

وأصله من بحث الأرض لمعرفة ما داخلها وإثارة ما كان كامنا فيها. قال الله تعالى : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ)(١) ، أي يثيرها ويوقع الحفر بمنقاره ، وذلك ليعلّم قابيل كيف يدفن أخاه.

وقيل : البحث : الكشف والطّلب. وبحثت الناقة الأرض (٢) برجلها في السّفر كناية عن شدة وطئها الأرض. والبحاثة : التراب الذي يبحث عما يطلب. والبحثة بفتح الباء (٣) وكسرها لعبة ، وفي الحديث : «أنّ غلامين كانا يلعبان البحثة» (٤). ومن ذلك سمّوا «براءة» سورة البحوث (٥) لبحثها عن أحوال المنافقين.

ب ح ر :

والبحر : أصله المكان المتّسع ذو الماء الملح. وأما العذب فهل يقال فيه بحر؟ فمن أثبته استشهد بقوله : (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ)(٦). ومن منع جعله من باب التّغليب ، كقولهم : العمران والقمران ، في أبي بكر وعمر ، والشمس والقمر. ثم اعتبرت منه السّعة في الأجرام والمعاني ، فقالوا : بحرت البعير ، أي شققت أذنه شقّا متّسعا. ومنه البحيرة قال الله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ)(٧) ، ناقة تنتج عشرة أبطن ، فتشقّ أذنها وتهمل فلا تركب ولا يحمل عليها. وقيل : هي الخامسة (٨) وذلك أنّهم كانوا إذا أنتجت الناقة خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا نحروه ، وأكله الرجال والنساء. وإن كان أنثى بحروا أذنها وشقّوها ، وحرّموا على النساء لحمها وركوبها ولبنها ، فإذا ماتت حلّت لهنّ.

__________________

(١) ٣١ / المائدة : ٥.

(٢) الكلمة ساقطة من ح.

(٣) وفي اللسان بضم الباء ، بينما شابهت النهاية الأصل.

(٤) النهاية : ١ / ٩٩. وهو لعب بالتراب.

(٥) يقول ابن الأثير (النهاية : ١ / ٩٩): «ورأيت في الفائق سورة البحوث بفتح الباء ، فإن صحّت فهي فعول من أبنية المبالغة». والمقصود سورة التوبة.

(٦) ١٢ / فاطر : ٣٥.

(٧) ١٠٣ / المائدة : ٥.

(٨) أي نتجت خمسة أبطن. ولم يذكر الراغب هذا المعنى واكتفى بالعشرة.

١٨٢

وأما في المعاني فقالوا : تبحّر في العلم أي توسّع فيه وتوغّل. وكان يقال لابن عباس الحبر البحر ، لإتّساع علمه. واستعير في عدو الفرس السريع. قال عليه الصلاة والسّلام في فرس أبي طلحة ، وقد ركبه معروريا (١) : «إن وجدناه لبحرا» (٢) واسع الجري. واعتبر من البحر ملوحته فقالوا : أبحر الماء أي ملح (٣). وقال نصيب (٤) : [من الطويل]

وقد عاد بحر الماء عذبا (٥) فزادني

إلى مرضي أن أبحر المشرب العذب

وقوله : (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)(٦) قيل : الفساد في البرّ قتل قابيل هابيل ، وفي البحر أخذ الجلندى (٧) السفينة غصبا. وقيل : قحوط المطر. وقيل : البرّ : الحضر ، والبحر : البدو. والعرب تسمّي القرى والأرياف بحرا ، قال أبو دؤاد (٨) : [من الخفيف]

بعد ما كان سرب قومي حينا

ولنا البدو كلّه والبحار

ولما شكا (٩) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عبد الله بن أبيّ (١٠) قال : يا رسول الله اعف عنه ؛ فقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يعصّبوه (١١).

__________________

(١) فرس معرورى : عار. قال ابن سيده : واعرورى الفرس صار عريا ، واعروراه : ركبه عريا ، وروى الحديث : «.. فركب النبي (ص) فرسا لأبي طلحة عريا».

(٢) في الأصل : «وجدته بحرا» والتصويب من النهاية : ١ / ٩٩. على أن المفردات (٣٧) أورد الحديث حسب الأصل.

(٣) الكلمة غامضة ، ولعلها كما ذكرنا.

(٤) البيت من شواهد الراغب وابن منظور مادة ـ بحر والهروي (١ / ١٣٤).

(٥) في المصدرين : ماء الأرض بحرا ، ولعله أصوب.

(٦) ٤١ / الروم : ٣٠.

(٧) الجلندى والجلنداء : اسم ملك عمان.

(٨) ديوان أبي دؤاد : ٣١٦ ، والعجز فيه :

لهم النخل كلها والبحار

(٩) وفي س : اشتكى.

(١٠) في الأصل : عبد الله بن مسعود ، وهو وهم من الناسخ.

(١١) النهاية : ١ / ١٠٠. ويجوز ببتخفيف الصاد. والبحيرة مدينة رسول الله (ص) ، وهي تصغير البحرة. وانظر تحليلا دقيقا في اللسان مادة «بحر».

١٨٣

والبحرانيّ : الدم الشديد الحمرة ، منسوب إلى قعر الرّحم (١) ، قال العجّاج (٢) :

ورد من الجوف وبحرانيّ

يصف طعنة بأنّها ذات لونين : ورد وهو القليل الحمرة ، وبحرانيّ ، يقال : دم باحريّ وبحرانيّ وقولهم : لقيته (٣) صحرة بحرة من ذلك (٤) ، أي ظاهرا مكشوفا (لا بناء يستره. يبنون) (٥) / هاتين كخمسة عشر ، فإذا ضمّوا إليهما غيره أعربوا ، فقالوا : صحرة بحرة. وهي حالية في الحالين.

فصل الباء والخاء

ب خ س :

البخس : النّقص. قال تعالى : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ)(٦) ، فيتعدّى لاثنين. والبخس والباخس : الشيء الناقص. وقيل : البخس النقص على سبيل الظّلم. قوله : (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ)(٧) ، قال الهرويّ : أي بثمن ظلم لأنه حرّ بيع ظلما. وقال الراغب (٨) : باخس أي ناقص ، وقيل : مبخوس أي منقوص ، وتباخسوا أي تغابنوا الظّلم بعضهم بعضا.

والبخس أي المكس أيضا. وهو أن يمكس أحد المتبايعين الآخر أي يناقصه في ما يشتريه أو يبيعه.

__________________

(١) اسم قعر الرحم بحر ، وزادوه في النسب ألفا ونونا للمبلغة. ويرى النووي أن دم الحيض بحراني وباحر (تهذيب الأسماء واللغات : ٢ / ٢٠).

(٢) ديوانه : ٧١ ، وفي اللسان.

(٣) كذا في ح ، وفي س : حمرة.

(٤) وفي اللسان : إذا لم يكن بينك وبينه شيء. ونوّنهما شارح المفردات وهما منه.

(٥) ما بين قوسين ساقط من ح ، ومكانه بياض.

(٦) ٨٥ / الأعراف : ٧. أي لا تظلموهم أموالهم.

(٧) ٢٠ / يوسف : ١٢.

(٨) المفردات : ٣٨. وفي الغريبين : ١ / ١٣٦ أن القول للأزهري وليس له.

١٨٤

ب خ ع :

البخع : قتل النّفس ، كما قال تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ)(١) يحثّه على ترك الحزن عليهم والتلهّف (٢). وفي معناه : (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ)(٣). ويقال : بخع فلان بالطاعة أي أقرّ بها. وبخع بما عليه من الدّين أي أقرّ به إقرار شدة وكراهة ، فجعل كالباخع نفسه. وقيل : لعلّك مهلك نفسك ، مبالغا في ذلك حرصا على إسلامهم ، من بخع الشاة إذا بالغ في ذبحها. وقيل : بخعها بمعنى قطع بخاعها. قلت : وهو عرق في حلقومها. قال الزمخشريّ : هو أن يبلغ بالذّبح البخاع وهو عرق (٤).

وقولهم : بخع الأرض بالزراعة معناه نهكها (٥) وبالغ في حرثها ولم يتركها سنة لتقوى. وعن عائشة في حقّ عمر رضي الله عنهما : «بخع الأرض فقاءت أكلها» (٦) يعني استخرج منها الكنوز وأموال الملوك. وفي حديث عقبة : (٧) «أهل اليمن أبخع طاعة». قال الأصمعيّ : أنصح ، وقيل : أبلغ. وقيل : أنصع وهما متقاربان (٨).

ب خ ل :

البخل والبخل : إمساك المال عن مستحقّه. ويقابله الجود والسماحة. يقال : بخل يبخل بخلا وبخلا فهو باخل.

والبخيل : مبالغة فيه كرحيم وراحم. والبخل تارة يكون بما يملكه الإنسان وهو

__________________

(١) ٦ / الكهف : ١٨.

(٢) يرى الفراء أن معنى الآية : «مخرج نفسك قاتل نفسك» (معاني القرآن : ٢ / ١٣٤).

(٣) ٨ / فاطر : ٣٥.

(٤) وتتمة كلام الزمخشري : وهو العرق الذي في الصلب ، كما في النهاية : ١ / ١٠٢.

(٥) في الأصل : نكحها ، وصوبناها من اللسان.

(٦) النهاية : ١ / ١٠٢.

(٧) هو عقبة بن عامر الأنصاري ، صحابي ممن شهد العقبة الأولى وبدرا «أسد الغابة : ٣ / ٤١٦) والحديث في النهاية : ١ / ١٠٢.

(٨) التركيب الأخير مذكور في الغريبين : ١ / ١٣٨.

١٨٥

مذموم ، وبما يملكه غيره وهو أشدّ ذما. وأشدّ منهما ذما من يبخل بماله وبمال غيره. وعليه قوله : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ)(١). والبخل والبخل : لغتان قرىء بهما في السّبع (٢) كالعدم والعدم ، والعرب والعرب ، والحزن والحزن ، والضّرّ والضّرر (٣).

فصل الباء والدال

ب د أ :

البدء والابتداء : تقديم الشيء على غيره نوعا من التقديم. قال تعالى : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ)(٤). يقال : بدأت بكذا (٥) وأبدأت به وابتدأت به أي قدّمته. ومبدأ الشيء ما يترتّب منه أو يكون منه.

الحرف مبدأ الكلام ، والخشب مبدأ الباب ، والنّواة مبدأ النّخلة. ومنه قيل للسيّد : بدء ، لأنه يقدّم على غيره. قال : [من الوافر]

فحيّت قبرهم (٦) بدءا ولما

تنادبت القبور فلم تجبه

والله تعالى يقول : هو المبدىء المعيد (٧) ، أي الخالق الباعث. وتحقيقه أنّه ابتدع الخلائق ، ثم يفنيها ، ثم يعيدها. وقال الراغب (٨) : أي هو السبب في المبدأ والنهاية. وقوله : (وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ)(٩) ، قالوا : الباطل هنا إبليس أي لا يخلق ولا

__________________

(١) ٣٧ / النساء : ٤ ، وغيرها.

(٢) وقرئت «بالبخل» بضمتين قراءة عيسى بن عمر ، و «بالبخل» لغة بكر بن وائل ، (مختصر الشواذ : ٢٦).

(٣) في الأصل : الضر ، والصواب فك التضعيف للسياق.

(٤) ٧ / السجدة : ٣٢.

(٥) وفي س : وكذا.

(٦) وفي الأصل : قبورهم ، وما صوّبناه يناسب الوزن.

(٧) من قوله تعالى : (أَ وَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) (١٩ / العنكبوت : ٢٩).

(٨) المفردات : ٤٠.

(٩) ٤٩ / سبأ : ٣٤.

١٨٦

يبعث. ومنه قوله : (فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ* ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ)(١). يقال : بدأ الله الخلق وأبدأهم ، وعليه (أَ وَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ) ، فهذا من «أبدأ» الرباعيّ (٢).

وأبدأت من أرض كذا أي ابتدأت بالخروج منها. وقوله : (بادِيَ الرَّأْيِ)(٣) وقرىء بغير همزة بمعنى : ما يظهر من الرأي (٤) ولم يتروّ فيه ، ويهمز بمعنى أول الرأي وابتدائه. وفيه رأي فطير أي لم يخمّر ، وذلك على جهة الاستعارة من اختمار العجين وعدمه.

والبديء كالبديع (٥) في كونه لم يعهد. والبدأة : النّصيب المبتدأ به في القسمة ، ومنه قيل لقطعة لحم عظيمة : بدء. والبدأة أيضا : ابتداء السّفر. وفي الحديث «أنه [نفّل](٦) في البدأة الرّبع ، وفي الرّجعة الثّلث» أي في سفر الغزو. يقال : أكرّ للبدأة بكذا وفي الرّجعة بكذا. وفي الحديث : «منعت العراق درهمها وقفيزها ، ومنعت الشام مديها ودينارها ، ومنعت مصر إردبّها ، وعدتم من حيث بدأتم» (٧) ، إنّما سقت هذا الحديث لأنّ فيه معجزة له عليه الصلاة والسّلام ، وذلك أن معناه أنّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبر أنّ أهل هذه البلاد سيوضع عنهم هذه الأشياء ثم يمتنعون من أدائها ، إما بإسلامهم فتسقط عنهم الجزية ،

__________________

(١) ٢٠ / العنكبوت : ٢٩.

(٢) قال الزجاج : «يقال : بدأ الله الخلق بداء وأبدأهم إبداء» (تهذيب الأسماء : ٢ / ٢١). والآية : ١٩ / العنكبوت : ٢٩.

(٣) ٢٧ / هود : ١١.

(٤) قرأ أبو عمرو وحده «بادىء» بالهمز ، وسائر القراء قرؤوها بالتخفيف. وقال الفراء : لا تهمزوا «بادي الرأي» لأن المعنى : فيما يظهر لنا ويبدو ، ولو قرأت «بادىء» فهمزت تريد أول الرأي لكان صوابا (معاني القرآن : ٢ / ١١).

(٥) في الأصل : كالبديهي ، وصوبناها من المفردات : ٤١.

(٦) فراغ في الأصل أتممناه من النهاية : ١ / ١٠٣. ويقول ابن الأثير في شرح الحديث : «كان إذا نهضت سرية من جملة العسكر المقبل على العدو فأوقعت بهم نفّلها الربع ممّا غنمت ، وإذا فعلت ذلك عند عود العسكر نفّلها الثلث ، لأن الكرة الثانية أشقّ عليهم والخطر فيها أعظم» (١ / ١٠٣).

(٧) النهاية : ١ / ١٠٣. المدي : مكيال أهل الشام ، والقفيز لأهل العراق والإردبّ لأهل مصر.

١٨٧

وإمّا بعصيانهم ، وفي ذلك إنباء بالمغيّبات ، فإنه أخبر بذلك قبل وقوعه ، وفي الرّضا بما وظّفه عمر قبل وجوده (١).

وقوله : عدتم من حيث بدأتم ، في علم الله وفيما وصّى أنهم سيسلمون ، فعادوا من حيث بدؤوا.

[الابتداء : هو أول جزء في المصراع الثاني. وهو عند النّحويين تعرية الاسم عن العوامل اللفظية للإسناد نحو : زيد منطلق ، وهذا المعنى عامل فيهما. ويسمى الأول مبتدأ ومسندا إليه ومحدّثا عنه ، والثاني خبرا وحديثا ومسندا. والإبتداء العرفيّ يطلق على الشيء الذي يقع قبل المقصود فيتناول الحمدلة بعد البسملة](٢).

ب د ر :

المبادرة : المسارعة إلى الشيء ، قال تعالى : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا)(٣). [أي مسارعة](٤) يعني أنهم كانوا يسرعون في أكل أموال اليتامى ويبادرون ، ولذلك كرّههم (٥) لئلا ينزعوها منهم.

وبدرت وبادرت إليه بمعنى. وقيل : بدر عليه في ذلك. يقال : بادرته فبدرني (٦) نحو : سابقته فسبقني. فالمعنى : لا يبادروا بلوغهم بإنفاق أموالهم. ومنه قيل للقمر بدر لأنّه يبدر مغيب (٧) الشمس بالطلوع ، أي يسبقها. وقيل : لامتلائه تشبيها بالبدرة. قال الراغب : فعلى ما قيل يكون مصدرا بمعنى الفاعل ، والأقرب عندي (٨) أن يجعل البدر أصلا

__________________

(١) يعني : بما وظفه على الكفرة من الجزية في الأمصار.

(٢) ما بين القوسين الكبيرين جاء في الهامش ، وختمه كاتبه بالحرف «ت» وهو رمز «التعريفات» للجرجاني : ص ٢٠.

(٣) ٦ / النساء : ٤.

(٤) فراغ في الأصل والإضافة من المفردات : ٣٨. وجاء مكانها في الغريبين : ١ / ١٤٢ : مبادرة.

(٥) الكلمة ساقطة من ح.

(٦) وفي الأصل : فبدر أي ، والسياق يؤكد ما ذكرناه.

(٧) وفي الأصل : يبدر الشمس مغيب الشمس.

(٨) أي عند الراغب.

١٨٨

في الباب ، ثم تعتبر معانيه التي تظهر منه ، ثم يقال تارة : بدر كذا أي طلع طلوع البدر. ويعتبر امتلاؤه تارة فتشبّه البدرة به.

والبيدر : المكان المرشّح لجمع الغلّة فيه (١). وبدر : علم لرجل بعينه ولمكان بعينه ، قيل : هو بدر بن قريش بن مخلد بن النضير (٢) حفر في هذا المكان بئرا فسمي به. وفي الحديث : «فأتي (٣) ببدر فيه بقل» أي طبق ، سمّي به تشبيها بالبدر في استدارته.

والبوادر جمع بادرة ، وهي ما يقع من الخطأ في حدّة. يقال : أتى من فلان بادرة ، وأتى ببادرة ، والبادرة أيضا : لحمة ما بين المنكب والعنق. يقال : رجعت بوادره. وفي الحديث : «فرجع بها ترجف بوادره» (٤) ومثله : ارتعدت فرائصه. والفريصة هي هذه البادرة بعينها.

ب د ع :

الإبداع : الاختراع والإنشاء من غير مثال يجرى عليه. ومنه : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٥) أي أنه أنشأهما من غير تقدّم مثال. ومنه البدعة وهي : إحداث قول أو فعل لم يسبق محدثه (بفعل متقدّم) (٦).

وبديع : يقال بمعنى فاعل ، كقوله : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أو بمعنى مفعول ومنه ركيّ بديع (٧) أي مبدع. والبدع يستعمل كذلك. وقوله : (ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ

__________________

(١) الكلمة ساقطة من ح. ويرى ياقوت (مادة ـ بدر) أنه سمي بيدر الطعام بيدرا لأنه أعظم الأمكنة التي يجتمع فيها الطعام.

(٢) ونسبه في معجم البلدان : بدر بن يخلد بن النضر بن كنانة. وقيل غير ذلك.

(٣) في الأصل : أتي ، وأضفنا الفاء من النهاية : ١ / ١٠٦. وفيه «بقول».

(٤) النهاية : ١ / ١٠٦.

(٥) ١١٧ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٦) ساقط من ح.

(٧) وفي الجمهرة : ركي بديع : حديثة الحفر.

١٨٩

الرُّسُلِ)(١) أي مبدعا لم يتقدّمني رسول ، أو مبدعا قلت (٢) قولا لم يسبقني إليه أحد (٣) غيري من الرّسل.

وقد أبدع به أي انقطع (٤) في سفره لما أصاب راحلته. وفي حديث أبي : «قد أبدع [بي](٥) فاحملني» وفي الحديث : «أنّ تهامة كبديع العسل حلو أوّله حلو آخره» (٦) البديع : الزقّ الجديد ، شبّهها به لطيب هوائها لا يتغيّر (٧).

ب د ل :

البدل والإبدال والتّبديل والإستبدال : جعل شيء مكان آخر ، وهو أعمّ من العوض ، فإنّ العوض هو أن يصير لك الثاني بإعطاء الأوّل. والتّبديل : تغيير الشيء وإن كان بغير عوض. وفرّق ابن عرفة بين التّبديل والإبدال فقال : التّبديل : تغيير حال الشيء ، والإبدال : جعل الشيء مكان غيره /. وأنشد لأبي النجم : [من الرجز]

__________________

(١) ٩ / الأحقاف : ٤٦.

(٢) ساقطة من س.

(٣) ساقطة من ح.

(٤) وفي ح : تقطع.

(٥) إضافة من النهاية : ١ / ١٠٧. والمعنى : انقطع بي لكلال راحلتي.

(٦) النهاية : ١ / ١٠٦.

(٧) جاء في الهامش التعليق التالي : «الإبداع والابتداع إيجاد شيء غير مسبوق بمادة ولا زمان كان ، فنقول : وهو يقابل التكوين لكونه مسبوقا بمادة ، والإحداث لكونه مسبوقا بالزمان ، والتقابل بينهما يقابل التضاد وإن كانا وجوديين بأن يكون الإبداع عبارة عن الخلو عن المسبوقية ، والتكوين عبارة عن المسبوقية بمادة. ويكون بينهما تقابل الإيجاب والسلب إن كان أحدهما وجوديا والآخر عدميا ، ويعرف هذا من تعريف المتقابلين.

وأصل البدعة ما أحدث على غير مثال سابق ، ويطلق في الشرع على مقابل السنة فتكون مذمومة والتحقيق أنها إن كانت لا تندرج تحت مستحسن في الشرع فهي مستقبحة وإلا فهي من المباح. وقد تنقسم إلى الأقسام الخمسة ، ابن حجر». وقوله : لا يتغير ، يعني العسل. والكلام للجرجاني بتصرف.

١٩٠

نحا السدس فانتحي للمعدل

عزل الأمير بالأمير (١) المبدل

قال تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ)(٢). قال الأزهريّ (٣) : فتبديلها تسيير جبالها ، وتفجير بحارها ، وجعلها مستوية (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً)(٤) ، وتغيير السماوات بانتشار كوكبها وانفطارها ، وتكوير شمسها وخسوف قمرها ، وهذا من تغيير الحال. وقيل : إنّ التبديل يقع فيهما بالذات ، بدليل (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ)(٥). وقيل : هي أرض بيضاء لم يعص الله عليها. وأنشد ابن عباس : [من الطويل]

فما الناس بالناس الذين عرفتهم

ولا الدار بالدار التي كنت تعرف

قوله : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ)(٦) قيل : هو أن يعفو عن سيئاتهم ويثيب بحسناتهم. وقيل : هو أن يعملوا عملا صالحا يبطل ما قدّموه من السيئات.

قوله : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ)(٧) قيل : ما سبق في اللوح المحفوظ فلا يتغيّر. وفيه تنبيه أن علمه أن يكون ما سيكون على ما قد علمه من غير تغيير. وقيل : معناه : لا يقع [في] قولي خلف ، وعلى المعنيين قوله : (لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللهِ)(٨).

وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ)(٩) أي ما قدّره في الأزل لم يتغير. وقيل : هو في ... (١٠) ، وفي حديث عليّ : «الأبدال بالشام» (١١). وقال ابن شميل : هم خيار بدل

__________________

(١) وفي رواية معاني القرآن (٢ / ٢٥٩) : للأمير ، وفيه وفي اللسان من غير الصدر وفي الغريبين (١ / ١٤٣) : جعل الأمير.

(٢) ٤٨ / إبراهيم : ١٤.

(٣) وقاله الزجّاج ، كما في اللسان.

(٤) ١٠٧ / طه : ٢٠. والأمت : المكان المرتفع.

(٥) ١٤ / النازعات : ٧٩.

(٦) ٧٠ / الفرقان : ٢٥.

(٧) ٢٩ ق : ٥٠. وقال مجاهد : يقول : قضيت ما أنا قاض (الغريبين : ١ / ١٤٤).

(٨) ٦٤ / يونس : ١٠.

(٩) ٣٠ / الروم : ٣٠.

(١٠) بياض في الأصل قدر كلمتين.

(١١) النهاية : ١ / ١٠٧. وفي الأصل : ابن سهيل ، والتصويب من الغريبين : ١ / ١٤٤.

١٩١

[من](١) خيار. وقال غيره : هم العبّاد ، جمع بدل وبدل. وقال الراغب : هم قوم صالحون يجعلهم الله مكان آخرين مثلهم ماضين ، وحقيقته هم الذين بدّلوا أحوالهم الذّميمة بأحوال حميدة ، وهم المشار إليهم بقوله : (فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ).

والبآدل : ما بين العنق إلى التّرقوة ، جمع بأدلة (٢). وأنشد : [من الطويل]

ولا رهل لبّاته وبآدله (٣)

وقوله : (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ)(٤) لو أخذ على ظاهره لكان معناه أنّهم بدّلوا قولا لم يقل لهم ، وليس في ذلك ذمّ. إنما الذمّ أن يبدّلوا قولا قيل لهم بغيره. وتأويله : فبدّل الذين ظلموا بقولهم حطّة قولا غير الذي قيل لهم : فإنّ الباء تدخل على المتروك. وقد حقّقنا هذا في «الدرّ النّضيد».

ب د ن :

البدن : جثة الإنسان. وقيل : هو الجسد. إلا أنّ البدن يقال باعتبار كبر الجثّة ، والجسد باعتبار اللون. وامرأة بادن وبدين من ذلك ، أي عظيمة الجسد ، والبدنة من ذلك لسمنها.

وبدن وبدّن : سمن. وقيل : بدّن : أسنّ. وفي الحديث : «لا تبادروني بالركوع فقد بدّنت» (أي كبرت سنّي) (٥). يقال : بدّن الرجل تبدينا : أسنّ. قال الهرويّ : رواه

__________________

(١) إضافة المحقق.

(٢) اختلف العلماء بين المفرد والجمع ، فقد أورد ابن منظور ، أن البأدلة جمعها بآدل. وجاء في الجمهرة (٢ / ٤٠٤ و ٣ / ٧٢) : بآدل الرجل وهو لحم الصدر ، الواحد بأدل. وفي المفردات : البادلة (من غير همز) والجمع بآدل (ص ٣٩).

(٣) وصدره كما في اللّسان :

فتى قدّ قدّ السيف لا متآزف

(٤) ٥٩ / البقرة : ٢.

(٥) ساقط من س. وقد اختلفت رواية الحديث في النهاية (١ / ١٠٧) : يقول ابن الأثير : «لا تبادروني بالركوع والسجود إني قد بدنت» ، واللسان يضيف كلاما آخر على الحديث.

١٩٢

بعضهم (١) : «بدنت» وليس له معنى لأنّه خلاف صفته ، يعني أنّه عليه الصلاة والسّلام لم يكن سمينا. وبدن إنما يقال للسّمن وكثرة اللحم. يقال : بدن يبدن بدنة فهو بدين.

قوله : (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ)(٢) أي بجسدك ، وقيل : بدرعك. سمي [الدّرع](٣) بدنا لكونه على البدن كما يسمّى موضع اليد من القميص يدا ، وموضع الظهر منه ظهرا ، ومعنى (نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ) نلقيك بشخصك وبدنك (٤) على نجوة من الأرض أي ربوة ، وذلك أنّ بني إسرائيل لم يصدّقوا بغرقه. وكذلك كلّ ظالم لا تكاد الأنفس تصدّق بزواله وإن شاهدته. فأراهم الله إياه ميتا لم يتغيّر منه شيء حتى ملبوسه ليعرفه كلّ واحد.

والبدنة : واحدة البدن وهي الإبل السّمان التي تهدى للبيت. قال تعالى : (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ)(٥).

ب د و :

البدو خلاف الحضر (٦) لأنّها تبدو كلّ ما يعرفها أي تكشف وتظهر لخلوّها من ساتر. يقال : بدا يبدو بدوا وبداء أي ظهر ظهورا بيّنا كقوله : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا)(٧) ، (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ)(٨) ، ولذلك قابله بالإخفاء ، في قوله : (أَوْ تُخْفُوهُ) ،

__________________

(١) وانظر النهاية (١ / ١٠٧) للتفصيل.

(٢) ٩٢ / يونس : ١٠.

(٣) إضافة المحقق.

(٤) في الأصل : بشخصك وشخصك ، ولعلها كما ذكرنا.

(٥) ٣٦ / الحج : ٢٢. قال صاحب العين : البدنة : ناقة أو بقرة كذلك الذكر والأنثى ، وجمعها بدن بضم الدال وإسكانها ، وممن نص على الضم صاحب الصحاح.

(٦) يبدو أن في الكلام نقصا. وقد انفرد السمين بهذا التعريف فلم نهتد إلى مصدره في المظان. ونرجح أنه كان يريد القول هنا : قيل سميت البادية بادية لبروزها وظهورها لأنها تبدو لكل من يريد أن يعرفها.

(٧) ٣٣ / الجاثية : ٤٥.

(٨) ٢٨٤ / البقرة : ٢.

١٩٣

وقال : (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)(١). وقال الشاعر (٢) : [من الطويل]

بدا لك في تلك القلوص بداء

أي ظهر.

وقوله : (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)(٣) ، يريد غير الحضر ، وهي البادية ، كأنّهم جعلوها فاعلة مجازا أي ظاهرة ، وإنما تظهر فيها الأشياء ، أو يكون على النسب ك (راضِيَةٍ)(٤) أي ذات بدو ، والأصل : بادوة ، فقلبت الواو ياء ، ومثله (بادِيَ الرَّأْيِ)(٥) ، بغير همز لأنه من : بدا يبدو. وقد تقدّم شرحه في بدا عند ذكر هذه القراءة. وقيل لساكن البدو : باد كغاد من غدا.

والنسبة إلى البادية بدويّ وهو شاذ ، وقياسه باديّ أو بادويّ (٦) كقاضي وقاضويّ. وقوله : (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ)(٧) أي القادم والمقيم ، والبدويّ والحضريّ ، والقاطن والوارد.

ويقولون : فلان ذو بدوات ، أي ذو رأي (٨) ، جمع بداة (٩) (قناة مثل قطاة ونواة) (١٠) فجمعت على بدوات كقنوات. قيل : وهذا يحتمل المدح والذمّ. فالمدح بمعنى أنه إذا نزل به أمر مشكل فيبدو له رأي إلى أن يظهر له رأي الصواب فيعزم ، أنشد الأزهريّ للراعي (١١) : [من البسيط]

__________________

(١) ٣٥ / يوسف : ١٢.

(٢) عجز بيت للشماخ كما في اللسان ـ بدأ. ونحفظ صدره :

لعلك والموعود حقّ لقاؤه

(٣) عجز بيت للشماخ كما في اللسان ـ بدأ. ونحفظ صدره :

لعلك والموعود حقّ لقاؤه

(٤) ٢١ / الحاقة : ٦٩ ، وغيرها.

(٥) ٢٧ / هود : ١١.

(٦) وفي اللسان : «وبداويّ وبداويّ ، وهو على القياس».

(٧) ٢٥ / الحج : ٢٢.

(٨) لعله يريد : ذو آراء. ويرى النووي أنه الذي يتغير رأيه (تهذيب الأسماء : ٢ / ٢٣).

(٩) في الأصل رسمها «بديه».

(١٠) فراغ في : ح.

(١١) البيت للراعي النميري (الديوان : ٥٢).

١٩٤

من أمر ذي بدوات لا يزال لها (١)

بزلاء يعيا بها الجثّامة اللّبد

والذمّ أنه كلما عنّ له رأي عرض له آخر (٢) ، فلا يزال يوثق منه بشيء. ويقال : أعلمني بداءات عوارضك ، جمع بدأة ، أي ما يبدو من حاجتك فيثنيك (٣) ؛ فعلة ، والثانية (٤) فعالة ، فجمعا بالألف والتاء. وفي الحديث : «أنه أراد البداوة» (٥) أي الخروج إلى البادية. يروى البداوة بكسر الباء وفتحها. وفيه : «من بدا جفا» (٦) أي من نزل البادية حصل فيه جفاء الأعراب.

فصل الباء والذال

ب ذ ر :

التّبذير : التفريق. ومنه بذرت الحبّ في الأرض أي فرّقته فيها. وأصله من إلقاء البذر في الأرض وطرحه فيها. فأستعير لكلّ مضيّع ماله ، لأنّ التبذير في الأرض بالنسبة إلى ظاهر الصورة تضييع للبذر لو لا ما ترجّاه الباذر.

والتبذير في العرف : السّفه ، قال تعالى : (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً)(٧)(إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ)(٨). النّهي في الحقيقة لأمّته ، وإنّما خاطبه لأنّه هو سيد خلقه. وبذرت الكلام من الناس أي نقلت ما سمعته من بعضهم إلى بعض. وعن علي (٩) : «ليسوا بالمذاييع ولا البذر» هما بمعنى واحد ، وهم الذين يفشون السرّ. والبذر جمع بذور ، نحو صبر وصبور.

__________________

(١) ورواية اللسان والغريبين (١ / ١٤٦) : لا يزال له.

(٢) في س إضافة (فلا يزال) ، أسقطناها لعدم ضرورتها.

(٣) كذا قرأناها في ح ، وفي س : فيه. ويقصد : أي وزنه.

(٤) لم يذكر الناسخ الرقم واحد ، ولعله جزء من الفراغ في الصفحة السابقة.

(٥) النهاية : ١ / ١٠٨.

(٦) المصدر السابق.

(٧) ٢٦ / الإسراء : ١٧.

(٨) ٢٧ / الإسراء : ١٧.

(٩) الحديث في صفة الأولياء ، النهاية : ١ / ١١٠ ، وفيه : «ليسوا بالمذاييع البذر».

١٩٥

فصل الباء والراء

ب ر أ :

البرء (١) والتّبرّي : الانفصال من الشيء المكروه مجاورته ، والتّغضّي منه. يقال : برأت من المرض وبرئت منه وأبرأت منك وتبرّأت وأبرأته وبرّأته. ورجل بريء ورجال براء على فعال وفعيل كظراف وظريف.

وقوله : (إِنَّنِي بَراءٌ)(٢) أي بريء. ويستوي فيه الواحد والجمع ، فيقال : قوم برء وبراء مثلنا. وقوله : (الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ)(٣). فالخالق هو القادر الموجد من العدم ، والباريء خصّ (٤) بوصف الله تعالى ، فإنّه أخصّ من الخالق ، لأنه خلق بترتيب مسوّ ، ثم التصوير بعد ذلك. فلذلك جاءت عدّة الصفات متتالية على أبدع سياق. وقوله : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ)(٥) تنبه على أخصّ الصفتين ، فلذلك قال : بارئكم دون خالقكم ، لأنّه أبعث لهم على التّوبة.

و (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ)(٦) مصدره براءة منه ، والمعنى نبذ العهد إلى المشركين والانفصال.

والبريّة : الخلق ، قرئت مهموزة ومخفّفة / ، فقيل : المخفّفة أصلها الهمز. ونصّ الهرويّ أن العرب يقولون : الهمز في خمسة أحرف : البريّة (٧) من برأ الله الخلق ، والخابية من خبأت الشيء ، والذّرّيّة من ذرأ الله الخلق (٨) ، والنّبوّة من الإنباء ، والرّويّة من روّأت.

__________________

(١) في الأصل : براة.

(٢) ٢٦ / الزخرف : ٤٣.

(٣) ٢٤ / الحشر : ٥٩.

(٤) في الأصل : أخص ، ولعل الصواب ما ذكرنا.

(٥) ٥٤ / البقرة : ٢.

(٦) الآية الأولى من سورة التوبة : ٩.

(٧) في س : البرية من برّ الله.

(٨) أي خلقهم ، والذارىء من صفات الله تعالى (اللسان ـ ذرأ).

١٩٦

وقيل : من بريت العود (١). وقيل : من البري وهو التراب ويرشّحه : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ)(٢).

ب ر ج :

قال تعالى : (وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى)(٣).

التبرّج : التفعّل من البرج وهو الظهور. ومنه بروج السماء وبروج الحصن لظهورها. نهين أن يتظاهرن كتظاهر نساء الجاهلية بل أمرن بالتّحفّظ.

والبروج أيضا : القصور ، وبه شبّهت بروج السماء لمنازل الكواكب (٤). وقوله تعالى : (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ)(٥). والمشيّدة : المثبتة بالشدّ. وقيل : المرتفعة. ويكون هذا في معنى قول الشاعر (٦) : [من الطويل]

ولو كنت في غمدان يحرس بابه

أراجيل أحبوش وأسود آلف

إذا لأتتني حيث كنت منيّتي

يحثّ بها هاد لإثري قائف

وقيل : يجوز أن يراد : ولو كنتم في بروج السماء ، وهو أبلغ ، والمشيدة حينئذ : المرتفعة ليس إلّا (٧) ، والمثبتة بالشدّ استعارة ، ويكون في معنى قول زهير : [من الطويل]

ومن خاف (٨) أسباب المنايا ينلنه

ولو نال أسباب السماء بسلّم

__________________

(١) خففت جميعها همزاتها وألزمت التخفيف لكثرة ما استعملتها العرب ، عود للحديث عن أصناف البرية.

(٢) ٢٠ / الروم : ٣٠ ، وغيرها.

(٣) ٣٣ / الأحزاب : ٣٣.

(٤) يقول ابن دريد : «والبرج من بروج السماء لم تعرفه العرب إنما كانت تعرف منازل القمر (الجمهرة : ١ / ٢٠٨).

(٥) ٧٨ / النساء : ٤.

(٦) البيتان من شواهد الراغب : ٤١.

(٧) فيكون استعمال لفظ المشيدة هنا على سبيل الاستعارة.

(٨) في الديوان : هاب ، والبيت من معلقة زهير (شعر زهير : ٢٧).

١٩٧

وقال ابن عرفة : البرج : البناء العالي. وأنشد للأخطل (١) : [من البسيط]

كأنها برج روميّ يشيّده

لزّ بجصّ وآجرّ وأحجار

وقيل : بروج السماء : كواكبها العظام. وثوب مبّرج : عليه صورة البروج ، كثوب مرجّل فيه صورة الرجال. ومنه اعتبر معنى التّحسين ، فقيل : تبرّجت المرأة أي تحسّنت. وقيل : ظهرت من برجها ، ويرشّحه : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ). البرج (٢) : سعة العين. قال الراغب وقال الهرويّ : تباعد ما بين الحاجبين وظهوره. قلت : ما ذكراه يحتمل : فإن كلا منهما يمدح به ، ألا ترى أنّ العين توصف بالنّجلاء وهي المتّسعة ، وتوصف المرأة بالبلج وهو تباعد ما بين حاجبيها؟ وقول ذي الرّمّة (٣) : [من البسيط]

بيضاء في برج صفراء في غنج

كأنّها فضّة قد مسّها ذهب

يحتمل ما قالاه.

ب ر ح :

البراح : المكان المتّسع الظاهر الذي لا بناء به ولا شجر ، ومنه براح الدار ، واعتبر فيه الظهور فقيل : فعل ذلك براحا أي ظاهرا غير خفيّ. وبرح الخفاء : يظهر كأنّه صار في مكان براح يراه الناس. وبرح : ذهب في البراح ، ومنه البارح للرّيح الشديدة.

والبارح من الظباء والطير أيضا ، ولكنّ البارح يتشاءم به لأنّه ينحرف عن الرامي إلى جهة لا يمكن فيها الرّمي ، ويجمع على بوارح. والسانح : يتيمّن به لأنه يقبل من جهة يمكن الرامي فيها الرمي.

وبرح : يثبت فيه البراح أيضا ، ومنه : (لا أَبْرَحُ)(٤) قال الراغب (٥) : وخصّ بالإثبات

__________________

(١) ديوان الأخطل : ١١٣ ، الغريبين : ١ / ١٤٩.

(٢) في الأصل : التبرّج ، وفي المفردات : البرج ، والضبط من الجمهرة (١ / ٢٠٨) ، ويصفه ابن دريد فيقول : البرج نقاء بياض العين وصفاء سوادها. ويتوسع ابن منصور في وصفه أكثر.

(٣) وروي الصدر في الديوان (١ / ٣٣) :

كحلاء في برج صفراء في نعج

(٤) ٦٠ / الكهف : ١٨.

(٥) المفردات : ٤٢.

١٩٨

كقولهم : لا أزال ، لأنّ (١) برح وزال اقتضيا معنى النفي ، ولا للنّفي ، والنّفيان يحصل من مجموعهما إثبات ، وعلى ذلك قوله تعالى : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ)(٢). قلت : برح وأخواتها وهي : زال ، وفتىء ، وانفكّ لازمها النفي وشبهه (٣) ، وقد تحذف كقوله : (تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ)(٤) ، وهو منفيّ في اللفظ مثبت في المعنى ، لأنّ معناه أداوم على كذا. ولذلك لم يدخل الإيجاب بإلا في خبرها. وما ورد غيره مؤوّل كقوله (٥).

ولكن ما ذكره من حصول الإثبات بالطريق المذكور ينتقض بفتىء وانفكّ. فالطريق فيه ما قدّمته من المعنى. ولما تصوّر من البارح التشاؤم اشتقّوا منه التّبريح وهو الشدّة ، وجمعه التّباريح.

وبرّح به ، وضرب مبرّح ، وجاء بالبرح. وقيل : برحى للرامي المخطيء دعاء عليه ، ومرحى دعاء له. ولقيت منه البرحاء والبرحين أي الشدائد. وبرحاء الحمّى : شدّتها.

وأبرحت ربّا وأبرحت جارا (٦). والبارحة : الليلة الماضية (كذا أطلقه الراغب ، والصواب أنه لا يقال لليلة الماضية : بارحة ، إلا بعد الزوال ، وإلا فهي الليلة) (٧). ومنه قوله عليه الصلاة والسّلام : «من رأى منكم الليلة (٨) رؤيا» وذلك بعد مضيّ الليلة. قال : «ما أشبه الليلة بالبارحة» (٩). وفي الحديث : «نهى عن التّوليه والتّبريح قتلة السوء» (١٠) ،

__________________

(١) في الأصل : إنّ ، والسياق يذهب ما ذكرنا.

(٢) ٦٠ / الكهف : ١٨.

(٣) يعني النهي أو الدعاء ، وهي تعمل بشرط النفي وشبهه (أوضح المسالك : ١ / ١٦٣) وقوله : وقد تحذف ، يعني : لا.

(٤) ٨٥ / يوسف : ١٢.

(٥) بياض في الأصل.

(٦) جزء من بيت للأعشى (الديوان : ٤٩) لم يشرح المؤلف المعنى ، ولعله سقط من الناسخ سهوا وهو يريد : أعجبت وبالغت وأكرمت (كذا تعليق اللسان) ، وتمام البيت :

أقول لها حين جدّ الرحي

ل : أبرحت ربا وأبرحت جارا

أما رواية الصدر على الديوان فهي : تقول ابنتي حين ... وعندئذ بفتح التاءين.

(٧) ساقط من ح.

(٨) الحديث في تهذيب الأسماء : ٢ / ٢٤ : «هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا».

(٩) المستقصى : ٢ / ٣١٢ ، يضرب للمتشابهين.

(١٠) النهاية : ١ / ١١٣ ، وفيه مسألة السمك.

١٩٩

يقال إنه جاء في إلقاء السمك حيا في النار ، أي شقّ عليه. وقوله تعالى : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ)(١) أي : لا أفارقها. وقوله : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ)(٢) ، أي لا نزال ، وقوله : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ) أي لا أزال سائرا ، قال الأزهريّ : هو مثل قوله : (لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ) ، هو بمعنى لا نزال ، ولا يجوز أن يكونا بمعنى لا أزال (٣). ولم يرد بقوله : (لا أَبْرَحُ) لا أفارق مكاني ، وإنّما هذا بمعنى قوله : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ). هذا إقامة وذاك ذهاب. وقال غيره : لا أبرح : لا أفارق سيري. ليس قوله : (لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ) مثل قوله : (فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ) لأن الثاني يدلّ على إقامته بالأرض. والأول يدلّ على الإنتقال ، لأنها إن كانت تامّة فمعناها : لا أفارق البراح ، وإن كانت ناقصة فالجزء مقدّر أي لا أبرح سائرا. ثم إنه ينافيه قوله : هذا إقامة وذاك ذهاب.

ب ر د :

البرد : ضدّ الحرّ ، والبرودة : ضدّ الحرارة. فتارة يعتبر ذاته فيقال : برد كذا : اكتسب بردا. وبرد الماء كذا : أكسبه بردا. وبرد كذا : ثبت. واختصاص الثبوت بالبرد كاختصاص الحركة بالحرّ. برد كذا : أي ثبت (٤) ، ولم يرد : بيدي (٥) شيئا أي لم يثبت.

وبرد فلان : مات ، وبرّده : قتله ، وذلك إمّا لأنه تذهب حرارته أو لأنه تذهب حركته ، ومنه قيل للسيوف : البوارد. ومن ذلك سمّي النوم بردا اعتبارا ببرد جلده الظاهر ، وإما بذهاب حركته ، فإنّ النوم موت. قال (٦) : [من الطويل]

فإن شئت (٧) حرّمت النساء سواكم

وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا

__________________

(١) ٨٠ / يوسف : ١٢.

(٢) ٩١ / طه : ٢٠.

(٣) في ح : ألا زال ، وفي س : ألا أزوال ، ولعل الصواب ما ذكرنا.

(٤) مكرر قبل سطر. ولم يذكر (تارة) الأخرى.

(٥) الكلمة غير منقوطة في الأصل.

(٦) البيت للعرجي (اللسان ـ مادة برد).

(٧) في الأصل : شئتم.

٢٠٠