عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

وأويت إليه : رحمته (١) ورققت (٢) له (أويا وأيّة ومأوية ومأواة) (٣). وقوله عليه الصلاة والسّلام للأنصار (٤) : «أبايعكم على أن تأووني وتنصروني». قال الأزهريّ : (أوى وآوى بمعنى واحد ، وأوى لازم ومتعدّ (٥). وفي الحديث : «لا يأوي الضالّة إلا ضالّ») (٦).

قال الأزهريّ (٧) : ألا أين آوي هذه الموقّسة ، ولم يقل : أووي ، الموقّسة : الإبل التي بدا بها الجرب ، وهو الوقس.

وفي حديث وهب أن الله تعالى قال : «أويت على نفسي أن أذكر من ذكرني» (٨) ، قال القتيبيّ : هذا غلط إلا أن يكون من المقلوب ، الصحيح : وأيت من الوأي وهو الوعد.

يقول : (٩) جعلت على نفسي وعدا.

وماويّة : اسم امرأة. قال امرؤ القيس : [من السريع]

يا دار ماويّة (١٠)

فقيل : هي من المأوى لأنها مأوى الصّدور. وقيل : من الماء ، فأبدلت واوا. وذلك كتسميتهم ماء السماء لصفائه وارتفاعه.

__________________

(١) في الأصل : ورحمته.

(٢) في الأصل : رقيت.

(٣) الكلمات مضطربة الرسم في الأصل ، وصوّبناه من اللسان (مادة ـ أوى) ـ والمفردات : ٣٤.

(٤) من حديث البيعة : ١ / ٨٢ من النهاية.

(٥) قال ابن الأثير في شرح هذا الحديث : «المقصور منهما لازم ومتعد» وهذا ما قصده السمين هنا ، ثم يعلق على الحديث التالي : «وأنكر بعضهم المقصور المتعدي».

(٦) النهاية : ١ / ٨٢.

(٧) قال أبو منصور : «وسمعت أعرابيا فصيحا من بني نمير كان استرعي إبلا جربا فلما أراحها ملث الظلام نحّاها عن مأوى الإبل الصحاح ونادى عريف الحي فقال : ..» وانظر اللسان ـ مادة أوى.

(٨) حديث وهب ، النهاية : ١ / ٨٢.

(٩) يعني الله تعالى.

(١٠) من مطلع لقصيدته ، وتمام البيت (الديوان : ٩٥) :

يا دار ماوية بالحائل

فالسهب فالخبتين من عاقل

١٦١

فصل الألف والياء

أ ي د :

الأيد : القوة. قال تعالى : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ)(١) أي بقوة وإحكام. وقوله : (داوُدَ ذَا الْأَيْدِ)(٢) أي ذا القوة في الأقوال والأفعال. وفي معناه (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ)(٣).

والأيد والأيّد (٤) : ذو القوة الشديدة. وقوله : (أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ)(٥) و (يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ)(٦) ، فغلب عليه التكثير. ويقال : آده يئيده أيدا وآدا ، مثل : باعه يبيعه بيعا ، وإدته أئيده مثل : بعته أبيعه. وقرىء (٧) : آيدتك برفع (٨). قال الزّجاج : يجوز أن يكون فاعلت مثل عايدت (٩). وقال غيره : هو أفعلت (١٠).

أ ي ك :

الأيك : جمع أيكة ، وهو الشجر الملتفّ. وقوله : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ)(١١) هم

__________________

(١) ٤٧ / الذاريات : ٥١.

(٢) ١٧ / ص : ٣٨.

(٣) ٢٠ / ص : ٣٨.

(٤) ساقطة من س.

(٥) ١١٠ / المائدة : ٥.

(٦) ١٣ / آل عمران : ٣.

(٧) هي قراءة ابن محيصن ومجاهد (مختصر الشواذ : ٣٥).

(٨) لعله يريد : بمد ، على ما يقتضيه السياق.

(٩) هذا القول غير مذكور في كتاب معاني القرآن وإعرابه : ٢ / ٢٤١.

(١٠) استدرك أحد قراء الكتاب على المؤلف مادة (أيض) مع أن اللفظ غير مذكور في القرآن فقال في الهامش : «أيض ، قولهم أيضا مصدر آض إذا رجع ، وهو مفعول مطلق حذف عامله ، كنا نرجع إلى الأخبار بكذا رجوعا ، أو حال حذف عاملها وصاحبها : كنا بخير بكذا ، راجعا إلى الإخبار به. وإنما تستعمل مع الشيئين بينهما توافق ، ويغني كل منهما عن الآخر ، فلا يجوز : جاء زيد أيضا ، ولا جاء زيد ومضى عمر أيضا ، ولا اختصم زيد وعمرو أيضا. من حاشية جمع الجوامع لزكريا الأنصاري». (١١) ١٧٦ / الشعراء : ٢٦.

١٦٢

أصحاب غيطة كانوا فيها ، فأرسل إليهم شعيب عليه‌السلام فكذّبوه فهلكوا. وقد قرىء (١)(الْأَيْكَةِ)(٢) فقيل : هي بمعناها ، وقيل : الأيكة ... (٣).

وليلة المصون والعقد النّضيد

أ ي ل :

قوله تعالى : (وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ)(٤) ونحوه. قيل : إنّ (إيل) اسم الله تعالى ، فمعنى جبريل عبد الله. قال الراغب : وهذا لا يصحّ بحسب كلام العرب ، لأنّه كان يقضي أن يضاف إليه فيجرّ إيل فيقال : جبرإيل (٥) ، إنتهى. ويمكن أن يقال إنّه لما كان بلغتهم كان (٦) أعجميا ، وإذا كان كذلك ففيه سببان : العلمية والعجمة الشخصية ، إلا أن هذا لا يتمّ إلا إذا قلنا : إنّ نحو نوح ولوط فيه الصرف وعدمه. فإن قيل : فكان ينبغي أن يقال بالوجهين ، فيقال : التزم فيه أحد الجائزين.

والإيالة : السياسة ، يقال : ألنا وإيل علينا أي سسنا وساسونا. وهو حسن الإيالة أي السياسة. وفي حديث الأحنف : «بلونا فلانا فلم نجد عنده إيالة للملك» (٧) أي سياسة.

أ ي م :

قوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ)(٨).

الأيامى : جمع أيّم ، والأيّم : المرأة التي لا بعل لها ، ثيّبا كانت أو بكرا. فمن الأول

__________________

(١) هي قراءة أبي جعفر وابن كثير وابن عامر (المبسوط : ٣٢٨).

(٢) وجاء في التفسير أن اسم المدينة كان ليكة. واختار أبو عبيد هذه القراءة وجعل ليكة لا تنصرف. ويقال : هما (الأيكة وليكة) مثل بكة ومكة (اللسان ـ مادة أيك).

(٣) فراغ في الأصل ، ولعلها : الأيكة : الشجر الملتف ، أو لعله ذكر معنى آخر. وما بعده اسمان لكتابيه.

(٤) ٩٨ / البقرة : ٢.

(٥) في الأصل : جبريل ، والتصويب مما يقتضيه السياق.

(٦) كذا في ح ، وفي س : كذلك.

(٧) النهاية : ١ / ٨٥.

(٨) ٣٢ / النور : ٢٤.

١٦٣

ما في الحديث : «تأيّمت حفصة» (١) .. وقوله : «والأيّم (٢) أحقّ بنفسها». ومن الثاني : «تطول أيمة إحداكنّ» (٣) ، ويقال للرجل الأعزب أيضا ، وذلك على الإستعارة. يقال ذلك لمن لا غناء عنده تشبيها بالنّساء ، يقال : آمت المرأة تئيم أيمة فهي أيم بغير ياء (٤) ، وآم الرجل كذلك. وإنما لم يفرّقوا بالتاء لأنّ هذه صفة (٥) غالبة في المؤنث ، فأشبهت حائضا وطامثا لأن الأصل عدم إطلاقه في الرجال كما تقدّم. ولم يحك الراغب غير أيمة بالتاء ، وإمت آيم ، وأنشد (٦) : [من الطويل]

لقد إمت حتى لامني كلّ صاحب

رجاء بسلمى (٧) أن تئيم كما إمت

والمصدر الأئمة. وفي الحديث : «أنّه كان يتعوّذ من الأيمة والعيمة والغيمة» (٨) فالأيمة : طول العزبة ، والعيمة بالمهملة : شدة شهوة اللبن ، وبالمعجمة : شدّة العطش ومن كلامهم : ماله آم وعام؟ أي : فارق امرأته وذهب لبنه (٩).

ويقال : تأيّم ، وتأيّمت بمعنى أقامت على الأيوم ، وأنشد (١٠) : [من الطويل]

وقولا لها : يا حبّذا أنت لو بدا

لها أو أرادت بعدنا أن تأيّما

أراد : أن تتأيّم فحذف إحدى التاءين.

ويقال : الحرب مأيمة أي أنّها يقتل فيها الرجال ، وتشبيها بتأيّم النساء.

والأيم : بالفتح والسكون الحية. وقد تشدّد الياء ، ومنه الحديث : «مرّ بأرض جرز

__________________

(١) يذكر ابن الأثير في حفصة (رضي) «أنها تأيّمت من زوجها خنيس قبل النبي (ص) النهاية : ١ / ٨٦.

(٢) وفي النهاية (١ / ٨٥) بلا واو.

(٣) النهاية : ١ / ٨٦.

(٤) يعني بغير ياء مضعفة.

(٥) الكلمة ساقطة من س.

(٦) أنشده البري كما في اللسان مادة أيم من غير نسبة ، وكذا في الغريبين : ١ / ١١٤.

(٧) ورواية اللسان : لسلمى أن أئيم. وفي الغريبين : لسلمى.

(٨) النهاية : ١ / ٨٦ ، ولم يذكر الأخيرة ، بينما ذكرها الهروي (الغريبين : ١ / ١١٥).

(٩) يقول ابن السكيت : ماله آم وعام ، أي هلكت امرأته وماشيته حتى يئيم ويعيم إلى اللبن.

(١٠) الغريبين : ١ / ١١٥ ، من غير عزو.

١٦٤

مثل الأيم» (١) فهذا بالفتح والسكون. قال أبو كبير الهذليّ (٢) : [من البسيط]

إلا عواسر كالمراط معيدة

باللّيل ، مورد أيّم متغضّف

العواسر : ذئاب تعسر بأذنابها أي ترفعها إذا عدت. والمراط : سهام قد إنمرط [ريشها](٣). المتغضّف : المتلوّي.

والأيامى : وزنها في الأصل فعائل أيائم لأنّها نظير صيقل وصياقل ، قلبت بأن قدّمت الميم وأخّرت الياء التي انقلبت [إلى](٤) الهمزة. ثم فتحت الميم تخفيفا فقلبت ألفا فصارت (٥) أيامى ، ووزنها بعد فعالى. وقد حققتها بأكثر من هذا (٦).

أ ي ن :

أين : ظرف مكان يكون شرطا تارة وإستفهاما أخرى كقوله تعالى : (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ)(٧) ، وكقوله : (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)(٨).

والأين : الإعياء ، يقال : آن يئين أينا ، وكذلك أنى يأني أنيا إذا حان (٩). قال الراغب : وأمّا (بلغ أناه) فقيل : هو مقلوب من (١٠) أنى. قال أبو العباس : قال قوم : آن يئين أينا ، والهمزة فيه ، مقلوبة عن الحاء ، والأصل حان يحين حينا. وأصل الكلمة من الحين.

__________________

(١) جاء في الحديث في النهاية (١ / ٨٦): «أنه أتى على أرض جرز مجدبة مثل الأيم» ، وقد شبّه الأرض في ملاستها بالحية.

(٢) ديوان الهذليين : ١٠٥. وفيه «عواسل» بدل «عواسر» ، لكنه رواها أيضا. المعيدة : التي عاودت الورود إلى الماء.

(٣) إضافة من ديوان الهذليين ، من غير فراغ في الأصل.

(٤) إضافة المحقق.

(٥) في الأصل : فصار.

(٦) انظر المسائل البصرية : ١ / ٣٤٥ ، والكشاف : ٣ / ٢٣٣ ، واصلاح المنطق : ٣٤١ ، والبحر : ٣ / ٣٦٢ و ٦ / ٤٥١ ، والكتاب (بولاق) : ٢ / ٢١٤.

(٧) ٧ / النساء : ٤.

(٨) ٢ / التكوير : ٨١.

(٩) الأصل : جات.

(١٠) ساقطة من ح.

١٦٥

أ ي :

أي : حرف جواب يتعقّبه القسم وهو بمعنى نعم. قال تعالى : (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي)(١). ومثله قولهم : إي والله. ولو قيل لك : أقام زيد؟ قلت : إي وسكتّ أو : إي قام زيد لم يجز لعدم وجود القسم. وبعضهم يعبّر عنها بأنها كلمة (٢) موضوعة لتحقيق كلام متقدّم نحو : «إي وربي». وقد كثر ورود هذه الكلمة حتى حذفوا جملتي [القسم](٣) وجوابه ، وأبقوا حرفا موصولا بإي ، فيقولون : أي ، (٤) ويريدون : إي والله (٥).

وأي بالفتح والتخفيف : حرف تفسير نحو : مررت بالأسد ، أي الغضنفر ، وزعم بعضهم أنها هنا أي لنداء التقريب ، وآي بالمدّ للبعيد ، كأيا وهيا وقيل : الهمزة للتقريب ، وآي وأيا وهيا للبعيد ، وأي للمتوسط.

أ ي ي /:

أي : اسم استفهام أو شرط أو منادى مبنيّ على الضمّ ، وصلة لنداء ذي أل. قال تعالى : (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ)(٦). وقال تعالى : (أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى)(٧). وقد تخفّف الاستفهامية بحذف ثالثها كقوله (٨) : [من الطويل]

تنظّرت نسرا (٩) والسّماكين أيهما

عليّ من الغيث استهلّت مواطره

__________________

(١) ٥٣ / يونس : ١٠.

(٢) ساقطة من س.

(٣) فراغ في الأصل ، أضفناه بحسب السياق.

(٤) فراغ في الأصل ، ولعلها كما ذكرنا.

(٥) يقول ابن هشام (المغني : ١ / ٧٦): «وإذا قيل : إي والله ثم أسقطت الواو جاز سكون الياء وفتحها وحذفها ، وعلى الأول فليتقي ساكنان على غير حدّهما.

(٦) ٨١ / الأنعام : ٦.

(٧) ١١٠ / الإسراء : ١٧.

(٨) البيت للفرزدق : ٣٤٧.

(٩) رواية الديوان : نصرا.

١٦٦

وتقع نكرة موصوفة نحو : مررت بأيّ معجب لك ، وصفة لنكرة نحو : مررت برجل أيّ رجل ، وحالا لمعرفة نحو : جاء زيد أيّ رجل ، أي عظيما. ويستفهم بها عن الجنس أو النوع.

وأيان : ظرف زمان ، وتكون شرطا تارة واستفهاما أخرى. قال تعالى : (وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)(١) ، (أَيَّانَ مُرْساها)(٢). وتقول : أيان تخرج أخرج ، ووقوعهما قليل ، ولذلك لم ترد في القرآن إلا استفهاما وهي مبنية على الفتح لتضمّن معنى الحرف كسائر أدوات الشرط والاستفهام. وقال بعضهم : أيان عبارة عن وقت الشيء و (٣) يقارب معنى متى. قيل : هي مأخوذة من أي ، وقيل : أصلها أيّ أوان ، أي : أيّ وقت ، ثم حذفت الألف وجعلت الواو ياء وأدغمت فصار «أيان» ، وفي هذا بعد كثير.

والآية : العلامة ، يقول : ائتني بآية (٤) كذا ، أي بعلامة. ومنه : (قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ)(٥) ، وفسّرها الراغب (٦) بالظهور فقال : وآية هي العلامة الظاهرة ، وحقيقته لكلّ شيء ظاهر هو ملازم لشيء لا يظهر ظهوره. فمتى أدرك مدرك الظاهر منهما علم أنّه أدرك (٧) الآخر الذي لم يدركه بذاته ، إذا كان حكمهما سواء ، وذلك ظاهر في المحسوسات والمعقولات ، فمن علم ملازمة العلم للطريق المنهج ثم وجد العلم علم أنه وجد الطريق ، وكذا إذا علم شيئا مصنوعا علم أنه لا بدّ له من صانع. انتهى.

قوله تعالى : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ)(٨) أي علامته الظاهرة لكم. وقوله (أَ تَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً)(٩) ، فالآية هنا البناء المرتفع لأنه أظهر العلامات الحسية. وقوله : (وَيُرِيكُمْ

__________________

(١) ٢١ / النحل : ١٦.

(٢) ١٨٧ / الأعراف : ٧ ، أي متى؟.

(٣) وفي ح : وما.

(٤) سهو من ناسخ ح ، فقال : ائتني بعلامة كذا.

(٥) ٤ / آل عمران : ٣.

(٦) لراغب : ٣٣.

(٧) في الأصل : أنّ إدراك ، والتصويب من المفردات.

(٨) ٢٤٨ / البقرة : ٢.

(٩) ١٢٨ / الشعراء : ٢٦.

١٦٧

آياتِهِ)(١)(وَمِنْ آياتِهِ)(٢) أي عجائب مصنوعاته. فهي أدلّ على وحدانيته. وقوله : (يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ)(٣) أي في دلالات أنبيائه وكتبه الواضحات.

والآية من القرآن اختلفت عبارات الناس فيها ، فقال الهرويّ : سميت الآية من القرآن آية لأنّها علامة يقطع بها كلام من كلام. وقيل : لأنها جماعة من حروف القرآن ، يقال : خرج القوم بآيتهم أي بجماعتهم. وقال الراغب : ولكلّ جملة من القرآن دالّة على حكم آية سورة كانت أو فصلا أو فصولا من سورة ، وقد يقال لكلّ كلام منه تامّ منفصل بفصل لفظيّ [آية](٤). وعلى هذا اعتبار آي السور التي تعدّ بها السورة (٥). قلت : وكأن الآية في الأصل عنده ما دلّت على حكم ، وإطلاقها على الآية الإصطلاحية التي بها السورة خلاف الأصل ، وفيه نظر ، إذ عبارة الناس تشعر بالعكس. ثم إنّه جعل الآية شاملة للسورة.

قوله : (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ)(٦) وفي قوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ)(٧) إشارة إلى الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت الناس في العلم. وقال تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ)(٨) تنبيه (٩) على أنّ كلّ واحد منهما آية لما فيه من الدّلالة الباهرة والبراهين الظاهرة ، وفي مجموعهما آيات كثيرة. وهذا بخلاف قوله : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً)(١٠) حيث لم يثنّهما (١١) ، قالوا : لأنّ كلّ واحد منهما آية للأخرى. وقيل : لأن قصّتهما واحدة ، قاله ابن عرفة وقال الأزهريّ : إنّ الآية فيهما معا آية واحدة ، وهي الولادة دون الفحل. قلت : وهذا هو شرح القول الأول.

__________________

(١) ٧٣ / البقرة : ٢.

(٢) ٢٠ / الروم : ٣٠ ، وغيرها.

(٣) ٣٥ / غافر : ٤٠.

(٤) إضافة يقتضيها المعنى.

(٥) وفي الأصل : نعدّها سورة.

(٦) ٤٩ / العنكبوت : ٢٩.

(٧) ٧٧ / الحجر : ١٥.

(٨) ١٢ / الإسراء : ١٧.

(٩) ساقطة من س.

(١٠) ٥٠ / المؤمنون : ٢٣.

(١١) أي لم يقل آيتين.

١٦٨

قوله : (وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً)(١) إشارة إلى ما عذّبت به الأمم السالفة (٢) من الجراد والقمّل ونحوهما ، وأنه إنما يرسلها تخويفا للمكلّفين قبل أن يحلّ بهم ما هو أفظع منها ، وهذه أخسّ للمأمورين. قال الراغب : وذلك أنّ الإنسان يتحرّى فعل الخير لأحد ثلاثة أمور ، إما رغبة ، أو رهبة وهو (٣) أدنى منزلة ، أو لطلب محمدة أو فضيلة. وهو أن يكون الشيء في نفسه فاضلا ، وذلك أشرف المنازل.

ولما كانت هذه الأمة خير أمة ـ كما قال (٤) ـ رفعهم عن هذه المنزلة ونبّه أنّه لا يعمّهم بالعذاب ، وإن كانت الجهلة منهم يقولون : (فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ)(٥). وقيل : الآيات إشارة إلى الأدلّة (٦). ونبّه بذلك على أنه يقتصر معهم على الأدلّة ويصانون (٧) من العذاب الذي يستعجلونه في قوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ)(٨).

وفي بعض المواضع آية بالإفراد وآيات بالجمع ، وذلك بحسب المقامات. وفي اشتقاق الآية قولان : أحدهما أنّها من أي المستفهم بها ، فإنها يتبيّن بها أيّ من أي (٩) والثاني أنها من قولهم : أوى إليه ، نقلهما الراغب. قلت : لأنّ أوي فيه معنى الانضمام. وفي الآية ضمّ ما ، واختلف في وزنها ، فقيل : وزنها فعلة (١٠) وأصلها أية فتحركت الياء الأولى ، وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ، وهذا إعلال شاذ لأنه متى اجتمع حرفان مستحقّان للإعلال أعلّ ثانيهما لأنّ الأطراف محلّ التغيير نحو حياة ونواة وهوى وعوى ودوى. وشذّ عن ذلك التلفظ وهي آية وراية وطاية وغاية.

__________________

(١) ٥٩ الإسراء : ١٧.

(٢) وفي س : السابقة.

(٣) كذا عن الراغب ، وفي الأصل : أو.

(٤) أي قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) : ١١٠ / آل عمران : ٣.

(٥) ٣٢ / الأنفال : ٨.

(٦) في الأصل : الدلالة ، والتصويب من السياق ومن المفردات.

(٧) فراغ في الأصل قدر النصف الأول من الكلمة ، أتممناه من المفردات ص ٣٣.

(٨) ٤٧ / الحج : ٢٢.

(٩) ويقول الراغب (المفردات : ٣٢): «والصحيح أنها مشتقة من التأيّي الذي هو التثبّت والإقامة على الشيء. ويقال : تأيّ أي أرفق.

(١٠) وهذا قول الخليل (الكتاب : ٢ / ٣٨٨ بولاق ، وشرح الشافية للرضي : ٢ / ٥١ و ٣ / ١١٨ ، والمنصف : ٢ / ١٤٣ ، ١٩٧).

١٦٩

وقيل : وزنها فعلة بسكون العين (١) ، فالياء (٢) قلبت ألفا ، وهو إعلال شاذّ لأنّ حرف العلة ساكن ، ولكن خشية كراهتهم التضعيف ، ومثل قولهم طائيّ في طيّء اكتفوا بأحد أجزاء العلّة.

وقيل : (٣) وزنها فاعلة ، والأصل آيية فخفّف بحذف العين. وزنها بعد الحذف فالة ، وهو ضعيف كقولهم في تصغيرها أييّة. ولو كانت فاعلة لقالوا أويّة. وفي هذا الحرف كلام أكثر من هذا أثبّته في غير هذا الموضوع.

وإيّاك وإياه وإياي وفروعها اختلف فيها ؛ فقال الزّجاج : إيّا : اسم ظاهر ليس من الضمائر ، والجمهور على أنه ضمير. ثم اختلفوا فقيل : هو بجملته ضمير ، وما بعده من الكاف والهاء والياء حروف تبيّن أحواله. وقيل : بل هي في محلّ خفض بدليل ظهور الخفض في ظاهر قد وقع موقعها في قولهم. فإياه وإيّا الشّوابّ (٤).

وقال الراغب : إيّا لفظ موضوع ليتوصّل به إلى ضمير منصوب إذا انقطع عمّا (٥) يتّصل به ، وذلك يستعمل إذا تقدّم الضّمير نحو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ)(٦) أو فصل بينهما بمعطوف عليه أو بإلّا نحو : (نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ)(٧)(وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(٨). وفي الكلمة كلام طويل حرّرته في غير هذا الكتاب.

__________________

(١) فيكون أصلها هنا أيّة.

(٢) في الأصل كلمتان هما : إلا أن ، وصوّبناها من السياق.

(٣) القول للفراء انظر اللسان ـ أيي.

(٤) سمع عن العرب : إذا بلغ الرجل الستين فإيّاه وإيّا الشوابّ. وانظر الإنصاف ، المسألة ٩٨.

(٥) في لأصل : عنها ، والتصويب من المفردات : ٣٤.

(٦) ٤ / الفاتحة : ١.

(٧) ٣١ / الإسراء : ١٧.

(٨) ٢٣ / الإسراء : ١٧.

١٧٠

باب الباء

الباء :

الباء حرف جرّ ، وله معان كثيرة ، منها : الإلصاق حقيقة نحو : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ)(١) ، أو مجازا نحو : مررت بزيد (٢) ، وتعدّي الفعل نحو : خرجت بزيد. وهل ترادف الهمزة أو تلزم مصاحبة الفاعل خلاف ، الصحيح أنّها (٣) لا تلزم كالهمزة لقوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ)(٤). وتكون للمصاحبة نحو : خرج بثيابه. وللتقليل نحو : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا)(٥). وللمقابلة نحو : (لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ)(٦) ، وبمعنى عن مطلقا نحو : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ)(٧). أو مع السؤال خاصة نحو : (فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً)(٨). وبمعنى من ، نحو (٩) : [من الطويل]

__________________

(١) ٦ / المائدة : ٥.

(٢) يقول ابن هشام : «أي ألصقت مروري بمكان يقرب من زيد» (مغني اللبيب : ١ / ١٠١).

(٣) كذا في س ، وفي ح : أنه.

(٤) ١٧ / البقرة : ٢.

(٥) ١٦٠ / النساء : ٤.

(٦) ١٩٩ / آل عمران : ٣.

(٧) ٢٥ / الفرقان : ٢٥.

(٨) ٥٩ / الفرقان : ٢٥.

(٩) من شواهد المغني رقم ١٥٠ (ص ١٠٥) ، وعجزه :

متى لجج خضر لهنّ نئيج

١٧١

شربن (١) بماء البحر ثم ترفّعت

وبمعنى في ، نحو : زيد بمكة ، أي فيها. وبمعنى على ، نحو : (مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ)(٢) أي عليه. وتزاد مطّردة كهي في فاعل كفى ومفعوله نحو : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً)(٣)

فكفى بنا فضلا على [من](٤) غيرنا.

وفي خبر ليس وما غير موجب (٥) ، وفي غير ذلك بقلّة (٦). وتكون للقسم وهي أمّ الباب ، ولذلك يجرّ بها كلّ مقسم به ظاهرا أو مضمرا ، ويظهر معها العامل ويضمر /.

وقد يدخل معها معنى السؤال كقوله : [من الكامل]

بالله ربّك إن دخلت فقل له :

هذا ابن هرمة واقفا بالباب

ويبدل منها الواو مع الظاهر خاصة. ولا يظهر معه العامل ، وتبدل من الواو والتاء ، فتختصّ بالجلالة نحو : وتالله. وفيها معنى التعجّب ، كما سيأتي بيانه في بابه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) وفي ح : شربت ، والصواب من المغني.

(٢) ٧٥ / آل عمران : ٣.

(٣) ٧٩ / النساء : ٤.

(٤) ساقطة من الأصل : والإضافة من المغني (١ / ١٠٩) ، وعجزه :

حبّ النبيّ محمد إيانا

وغيرنا خبر لمبتدأ محذوف ، وهو من شواهد معاني القرآن للفراء (١ / ٢١ ، ٢٤٥) ، والبيت لحسان ابن ثابت (الديوان : ٢ / ٣٥٤).

(٥) في الأصل : موجوب.

(٦) تزاد الباء في ستة مواضع ، ذكر السمين ثلاثة ، والباقيات : مع المبتدأ ، مع الحال المنفي عاملها ، مع التوكيد بالنفس والعين (انظر مغني اللبيب : ١٠٦ ـ ١١١).

١٧٢

فصل الباء والألف

ب أ ر :

البئر : معروف ، وهي ما حفر وطوي أي ثني. والثّمد ما لم يطو. يقال : بأرت آبارا وبئرا وبؤرة أي حفيرة. ومنه اشتقّ البئر وهي في الأصل حفيرة يستر رأسها ليقع فيها من مرّ عليها ، يقال لها : المغواة وعبّر بها عن النّميمة الموقعة في البليّة. والجمع : مآبر وبئار.

وأصل المادة من التّخبئة. وفي الحديث «أنّ رجلا آتاه الله مالا فلم يبتئر فيه خيرا» (١) أي لم يقدّم فيه خيرا أحياه لنفسه وادّخره.

بأرت المال وابتأرته : خبّأته وادّخرته. وكذلك بأرت البئر والبئرة ، وابتأرتها. قال تعالى : (وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ)(٢) ، وقيل : (ليس المراد بئرا بعينها ولا قصرا بعينه ، وإنما ذلك على إرادة الجنس. وقيل :) (٣) بل هي بئر وقصر معيّنان ، ضرب الله بهما المثل ، وذكّر بهما الناس ليحذروا عقابه. فقال جماعة من أهل التفسير (٤) : إنها بئر بحضر موت ، وإنّ صالحا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل بهذه البقعة وحفرها مات فسميت بحضر موت ، فأقام قومه بعده يستقون من هذه البئر.

ب أ س :

البأس والبؤس والبأساء كلّها الشدّة والمكروه ، وقد فرّق بعضهم بين هذه بفروق ، فالبؤس في الفقر والحرب أكثر ، والبأس والبأساء في النّكاية ، كقوله : (وَاللهُ أَشَدُّ

__________________

(١) النهاية : ١ / ٨٩.

(٢) ٤٥ / الحج : ٢٢.

(٣) ما بين قوسين ساقط من س.

(٤) وفي معجم البلدان آراء أخرى.

١٧٣

بَأْساً)(١). وقال الأزهريّ في قوله (٢) : (مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ)(٣) ، البأساء في الأموال وهو الفقر ، والضرّاء في الأنفس. وقوله : (أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٤) أي شدّتهم في الحرب ، وقوله : (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ)(٥) من ذلك. وقوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ)(٦) أي امتناع وقوّة. وقوله : (تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ)(٧) أي دروعا تقيكم الشدّة والضرّ الواقع بينكم. وقوله : (فَلا تَبْتَئِسْ)(٨) أي : لا يشتدّنّ أمرهم ، فلا تذلّ ولا تضعف. وقيل : أي لا تلتزم البؤس ولا تحزن. يقال : بؤس يبؤس بأسا فهو بئس ، إذا اشتدّ ، وبئس يبأس بأسا (٩) وبأسة (١٠) ، فهو بائس إذا افتقر. قال تعالى : (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ)(١١) ، (بِعَذابٍ بَئِيسٍ)(١٢) أي شديد. وقد قرىء «بيئس» بزنة فيعل (١٣) ، و «بيس» بزنة جير (١٤). وفي الحديث أنّه عليه الصلاة والسّلام «كان يكره البؤس والتّباؤس» (١٥) أي الضّراعة للفقر. والتكلف لذلك جميعا (١٦).

وبئس نقيض نعم ، فبئس جميع (١٧) المذامّ ، كما أنّ نعم تقتضي جميع المحامد ،

__________________

(١) ٨٤ / النساء : ٤.

(٢) وفي س : قولهم.

(٣) ٢١٤ / البقرة : ٢.

(٤) ٨٤ / النساء : ٤.

(٥) ١٤ / الحشر : ٥٩.

(٦) ٢٥ / الحديد : ٥٧.

(٧) ٨١ / النحل : ١٦.

(٨) ٣٦ / هود : ١١.

(٩) وفي س : بياسا.

(١٠) وفي الأصل : بأسا ، والتصويب من اللسان.

(١١) ٢٨ / الحج : ٢٢.

(١٢) ١٦٥ / الأعراف : ٧.

(١٣) قراءة عاصم (مختصر الشواذ : ٤٧).

(١٤) قراءة الحسن (مختصر الشواذ : ٤٧) : وانظر فيه قراءة أخرى.

(١٥) النهاية : ١ / ٨٩.

(١٦) أي عند الناس.

(١٧) كذا في س ، وفي ح : جمع ، والتي بعدها مثله.

١٧٤

ويرفعان ما فيه أل أو ما هو مضاف لذي أل ، كقوله : (نِعْمَ الْعَبْدُ)(١)(وَبِئْسَ الْمِهادُ)(٢) ، (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)(٣). أو لمضمر مفسّر بنكرة نحو : بئس رجل زيد ، أي بئس هو. وفي ما المتصلة (٤) نحو : (بِئْسَمَا اشْتَرَوْا)(٥) خلاف كثير ليس هذا موضع تحقيقه (٦).

والبابوس : الرّضيع. وفي حديث جريج العابد لما اتّهمته الفاجرة بالولد «مسح على رأسه وقال : يا بابوس من أبوك؟» (٧) وأنشد الهرويّ لابن أحمر : [من البسيط]

حنّت قلوصي إلى بابوسها جزعا (٨)

وما حنينك إلا أنت والذّكر؟

فصل الباء والتاء

ب ت ت :

قال الراغب (٩) : وأمّا البت فيقال في قطع الحبل (١٠). وطلّقت المرأة بتّة بتلة (١١). وروي : «لا صيام لمن لم يبتّ الصّوم (١٢) من الليل». قلت : يقال : بتّ ويبتّ بالضمّ والكسر ، أي يقطعه من الوقت الذي لا صيام فيه.

__________________

(١) ٣٠ / ص : ٣٨.

(٢) ١٢ / آل عمران : ٣.

(٣) ٢٩ / النحل : ١٦.

(٤) وفي س : وفي المتصلة ، وليس بصواب.

(٥) ٩٠ / البقرة : ٢.

(٦) وينصبان النكرة بعدهما مثل : بئس رجلا.

(٧) النهاية : ١ / ٩٠.

(٨) رواية اللسان : طربا (مادة ـ باس) ، ورواية السمين مذكورة في النهاية : ١ / ٩٠ ، مع اختلاف في العجز ، ويشك ابن الأثير بعربيتها. والبيت مذكور في الغريبين : ١ / ١٢٠ ، ويذكر الهروي أن هذه اللفظة لم تعرف في شعر غيره.

(٩) المفردات : ٣٦.

(١٠) قال الزجاج في كتاب «فعلت وأفعلت» : يقال : بتّ القاضي الحكم عليه وأبتّه إذا قطعه (تهذيب الأسماء واللغات : ٢ / ٢٠).

(١١) وفي س : بتك.

(١٢) وفي رواية اللسان والنهاية : ١ / ٩٢ : الصيام. وضبط الفعل في الغريبين (١ / ١٢٤) : يبتّ.

١٧٥

قال : والبشك مثله ، ويستعمل في قطع الثوب ، وفي الناقة السريعة تشبيها (١) ليديها في السرعة بيد الناسجة نحو قول الشاعر (٢) : [من الكامل]

فعل السّريعة بادرت حدّادها

قبل المساء تهمّ بالإسراع

وفي كلامهم : صدقة بتّة بتلة (٣) أي منقطعة عن جميع الإملاك.

والبتات : المتاع. وفي الحديث : «ولا يؤخذ منكم عشر البتات» (٤) أي زكاة المتاع.

والبتت (٥) : الكساء. قال (٦) : [من الرجز]

من كان ذا بت فهذا بتّي

مقيّظ مصيّف مشتّي

وقيل لصاحب الأكسية : بتّات (٧) كلبّاب ، وفي الحديث : «إنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» (٨) أي الذي (٩) جهد نفسه ودابّته في السفر ، ما يقطع به لم يقطع أرضه التي سافر بها ولم يبق دابّته. وهذه المادة لم ترد في القرآن ، ووجه ذكرها أنّ ما بعدها مبنيّ عليها ، نحو مادة بتر ، وبتك ، وبتل.

ب ت ر :

قوله تعالى : (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)(١٠). والأبتر : الذي لا عقب له ولا نسل ،

__________________

(١) ويقال للناقة السريعة : البشكى.

(٢) والشاهد ذكره الراغب : ٣٦.

(٣) وفي س : بتكة. والمعنى أنها منقطعة عن جميع الإملاك.

(٤) الغريبين : ١ / ١٢٣ ، ويقول الهروي : أي عشر المتاع ، ليس عليه زكاة.

(٥) قال ابن سيده : البتّ : الكساء ، يثبت صحته قول الشاعر في كساء من صوف (اللسان ـ مادة بتت).

(٦) الرجز لرؤبة ، وهو من شواهد معاني القرآن للفراء : ٣ / ١٧ ، ومن شواهد اللسان مادة ـ بتت.

(٧) مكررة في الأصل.

(٨) النهاية : ١ / ٩٢.

(٩) ساقطة من ح.

(١٠) ٣ / الكوثر : ١٠٨.

١٧٦

وأصله من البتر ، وهو القطع. ومنه «نهى عن المبتورة في الضّحايا» (١) هي التي انقطع ذنبها. وفي الحديث : «كلّ أمر ذي بال لم يبدأ فيه بالحمد لله فهو أبتر» (٢) أي أقطع. وروي أجذم ، وذلك أن العاص بن وائل كان يقول : إنّما محمد أبتر ، فإذا مات انقطع ذكره ، أي ليس له ولد يذكر به إذا رئي ، فأكذبه الله تعالى ورفع ذكره وجعله هو الأبتر ، إذا ذكر لا يذكر إلا بشر. وفي حديث عليّ ، وقد سئل عن صلاة الضّحى ، فقال : «حين تبهر (٣) البتيراء الأرض» أي تنبسط الشمس. فالبتيراء : اسم للشمس (٤) ، سميت بذلك لأنها تكلّ الأبصار أي تتعبها إذا حدّقت نحوها. فجعل ذلك قطعا مجازا. وقال الراغب كلاما حسنا : نبّه الله تعالى أنّ الذي ينقطع ذكره هو الذي يشنؤه ، فأمّا هو فكما وصفه الله تعالى بقوله : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ)(٥) (لكونه جعل أبا للمؤمنين. وفي الحديث معنى رفعنا لك ذكرك) (٦) «لا أذكر إلا إذا ذكرت معي» وإلى هذا أشار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بقوله : «العلماء باقون ما بقي الدّهر أعيانهم مفقودة وآثارهم في القلوب موجودة» هذا في أتباع الأنبياء ، فكيف بهم صلوات الله وسلامه عليهم ، فكيف بنبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، حيث رفع ذكره وجعله خاتم رسله؟

وقال الراغب : البتر يقارب ما تقدّم ـ يعني البتّ ـ لكن استعمل في قطع الذّنب ، ثم أجري قطع العقب مجراه. ورجل أبتر وأباتر : لم يكن له عقب. ويقال لمن قطع رحمه : أبتر وأباتر. وكذا من انقطع عن كلّ خير.

ب ت ك :

البتك : قطع خاص ، ولذلك قال الراغب : البتك يقارب البتّ ، لكنّ البتك يستعمل

__________________

(١) النهاية : ١ / ٩٣.

(٢) في النهاية : «بحمد الله» ، وفي تفسير ابن كثير : ب «بسم الله» ، وفي المفردات : بذكر الله.

(٣) وفي ح : تنبتر ، وفي س : ينبهر ، وصوّبناه من النهاية : ١ / ٩٤.

(٤) وفي ح : اسم الشمس.

(٥) ٤ / الشرح : ٩٤.

(٦) ما بين قوسين ساقط من ح. والحديث رواه ابن جرير في مختصر ابن كثير.

١٧٧

في قطع الأعضاء والشّعر ، يقال : بتك شعره وأذنه. والباتك : السيف القاطع. والبتكة : القطعة ، قال زهير : [من البسيط]

حتى إذا قبضت (١) كفّ الوليد لها

طارت وفي يده (٢) من ريشها بتك

والبتكة والبتيكة أيضا : القطع مرة واحدة. وقوله تعالى : (فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ)(٣) عبارة عن شقّ آذان النّحائر التي سيأتي إن شاء الله تفسيرها.

ب ت ل :

قال الله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)(٤). (التبتل : الانقطاع والإنفراد ، أي انقطع لعبادته ، وانفرد بها عن الناس ، وأخلص نيّتك انقطاعا تختصّ به (٥) ، وإليه الإشارة بقوله) : (قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ)(٦). ابن عرفة : انقطع له في طاعته وأفردها له. الأزهريّ : انقطع إليه.

والبتل : القطع. وصدقة بتّة وبتلة (٧) أي منقطعة من المال إلى سبيل الله. وفي الحديث : «لا رهبانيّة ولا تبتّل في الإسلام» (٨) /. وفي الحديث أيضا : «التبتّل (٩) على عثمان بن مظعون» أي الانقطاع عن النساء ، فلا منافاة بين الآية الكريمة وهذا الحديث. إذ المراد بالتّبتّل في الآية الانقطاع للعبادة ، وفي الحديث الانقطاع عن النكاح. وقد وردت ترغيبات في النكاح : «تناكحوا تناسلوا» «النّكاح سنّتي فمن رغب عن سنّتي فليس مني».

وسميت الزّهراء البتول لإنقطاعها عن نساء زمانها دينا وحسبا وفضلا. والبتول في

__________________

(١) وفي شعر زهير (ص : ٨٥ ، ورواية اللسان ـ مادة بتك) : حتى إذا ما هوت.

(٢) وفي شعر زهير ، والغريبين : كفّه.

(٣) ١١٩ / النساء : ٤.

(٤) ٨ / المزمل : ٧٣.

(٥) وفي ح : به.

(٦) ٩١ / الأنعام : ٦.

(٧) وفي س : بتكة.

(٨) النهاية : ١ / ٩٤ ، وليس حديثا في هذا اللفظ ، قال العجلوني : «قال ابن حجر : لم أره بهذا اللفظ» (كشف الخفاء ـ مادة : لا).

(٩) أول الحديث : «ردّ رسول الله (ص) ... النهاية : ١ / ٩٤.

١٧٨

الأصل : انقطاع المرأة عن الرجال الذين لم تشتهيهم. ومنه قيل لمريم عليهاالسّلام : البتول. والتّبتيل : ليس مصدر التّبتّل إنّما هو مصدر بتل. ومصدر بتل التّبتّل. يقال : تصرّف تصرّفا ، وصرفته تصريفا. ولكنّ المصادر ينوب بعضها عن بعض ، وأنشدوا : [من الرجز]

وقد تطوّيت انطواء الحضب (١)

الإنطواء واقع موقع «تطوّيا». وقد اتّفق اشتراك هذه الموادّ الأربع المتوالية في معنى واحد كما ترى.

فصل الباء والثاء

ب ث ث :

البثّ : إثارة الشيء وتفريطه ، كبثّ الريح التّراب. وقوله : (إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي)(٢) ، فالبثّ نشر الغمّ الذي انطوت عليه النّفس ، ومعناه : غمّي الذي أبثّه عن كتماني ، فهو مصدر واقع موقع مفعول. ويجوز أن يكون معناه : غمّي الذي بثّ فكري ، فيكون واقعا موقع الفاعل.

وقيل : البثّ أشدّ الحزن ، يبثّه (٣) الناس. وقوله : (وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ)(٤) أي نشر فيها وفرّق أنواع الدّوابّ. وفيه إشارة إلى إيجاد ما لم يكن موجودا. وقوله : (كَالْفَراشِ

__________________

(١) الرجز لرؤبة (الديوان : ١٦) وأوله :

عن متنه مرادة كلّ صقب

والخصب : ذكر الحيّات.

(٢) ٨٦ / يوسف : ١٢.

(٣) وفي س : أبثه.

(٤) في الأصل : يباثّه ، ولعلها كما ذكرنا.

١٧٩

الْمَبْثُوثِ)(١) أي المتفرّق المتهيّج بعد سكونه وخفقانه. وفيه أبلغ تشبيه ، فإنّه لا يرى أخفّ ولا أطيش من الفراش. ولم يكتف بتشبيههم به حتّى وصفهم بالمبثوث.

وبثّ وأبثّ بمعنى واحد ، يتعدّيان لاثنين ، فيقال : بثثتك سرّي ، وأبثثتك إيّاه (٢). ويتعدّى لواحد فقط ، ومنه (كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ). وقوله : (وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ)(٣) أي متفرّقة منتشرة في مراقدهم. وفي حديث أمّ زرع : «زوجي لا أبثّ خبره» (٤) أي لا أفشيه ولا أنشره. وفيه (٥) : «ولا يولج الكفّ ليعلم البثّ» اختلفوا في تأويلها ، فقيل : هو مدح فيه تصفه : لأنّه لعلمه بأن داء في جسدي لا يدخل كفّه إليّ فيحصل لي حزن ، وهو قول أبي عبيد (٦). وردّ عليه القتيبيّ ذلك بأنها قد ذمّته أولا. وردّ ابن الأنباريّ على القتيبيّ بأنهنّ تعاقدن على ألّا يكتمن من أخبار الأزواج شيئا. فمنهنّ من ذكرت محاسن فقط ، ومنهنّ من ذكرت مساوىء فقط ، ومنهنّ من ذكرت النّوعين. وقال ابن الأعرابيّ : هو ذمّ لأنها وصفته بأنه يبثّ وهي تريد قربه ، فلا بثّ هناك إلا محبّتها لقربه ، فجعلت ذلك بثّا لأنه من جهة أحمد بن أبي عبيد لم ينفّذ أموري ، من قولهم : لم يدخل يده في الأمر أي لم ينفّذه (٧). وفي (٨) حديث اليهوديّ الذي حضره الموت : «بثبثوه» أي اكشفوه ، من ذلك فأبدلوا من الثاء الوسطى باء (٩) نحو : حثحث والأصل حثّث بثلاثة أمثال. ومثله في الاستثقال والأبدال بطيء في بطيّ. وتقضّى (١٠) البازي ، أي البازي كسر.

__________________

(١) ٤ / القارعة : ١٠١.

(٢) يقول ابن دريد فيهما : إذا أطلعته عليه (الجمهرة : ١ / ٢٣).

(٣) ١٦ / الغاشية : ٨٨.

(٤) النهاية : ١ / ٩٥.

(٥) أي في حديث أم زرع. النهاية : ١ / ٩٥. اللسان ـ مادة بثث.

(٦) وقول ابن الأثير أيضا ، وفيه : «تصفه باللطف».

(٧) المعنى الذي ذكره ابن منظور وابن الأثير أقرب ، هو : «أي لا أتفقّده».

(٨) الكلمة ساقطة من س. وفي النهاية : حديث عبد الله في اليهودي : ١ / ٩٥.

(٩) فيكون أصل الكلمة «بثّثوه». والباء في ح جاءت : حاء ، وهو وهم.

(١٠) كذا في س ، وفي ح : أنقضني. وتقضّى البازي أي انقضّ ، وأصله تقضّض ، فلما كثرت الضادات أبدلت من إحداهنّ ياء.

١٨٠