عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ١

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٣٩

يا ربّ لا تسلبنّي حبّها أبدا

ويرحم الله عبدا قال : آمينا

وفي قصره (١) : [من الطويل]

تباعد مني فطحل إذ سألته

أمين ، فزاد الله ما بيننا بعدا

آمين : اسم من أسماء الله تعالى ، قاله الفارسيّ (٢) وردّوا عليه. وقد أجيب عنه في غير هذا الكتاب. وأمّا حكمه بالنسبة إلى الجهر والإسرار وحكم الإمام والمأموم فقد بسطت القول في ذلك في «القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز» والحمد لله.

وفي الحديث : «آمين خاتم ربّ العالمين» (٣) ، قال أبو بكر : معناه أنه طابع الله على عبادة تدفع به الآفات فكان كخاتم الكتاب الذي يصونه ويمنع من فساده (٤) وإظهار ما فيه /. وفي حديث آخر : «آمين درجة في الجنة» (٥). قال أبو بكر : معناه أنه حرف يكتسب به (٦) قائله درجة في الجنة. وكان الحسن إذا سئل عن تفسيره قال : معناه (٧) : اللهمّ استجب. قلت : وهذا معنى قول من قال : إنه اسم من أسماء الله تعالى لأنّ فيه ضمير الباري مستترا ، تقديره : استجب أنت (٨).

__________________

(١) أي في لغة من قصر. والبيت من شواهد اللسان ، مادة ـ أمن.

(٢) الذي قاله ثعلب في مجالسه : ١٢٦ ، والحسن ومجاهد كما في اللسان (كمن). وأما أبو علي الفارسي فإنه ردّ على من قال بذلك في كتابه المسائل الحلبيات : ٩٧ فما بعدها ، بل إن الرجل خصّ (آمين) بمسألة وتكلم عليها. كما رد عليه أبو علي الفسوي بقوله : أراد هذا القائل أنّ في آمين ضميرا لله تعالى لأن معناه استجب (المفردات : ٢٧).

(٣) النهاية : ١ / ٧٢.

(٤) في الأصل والغريبين (٩٣) : إفساده. والتعريف منقول تماما من اللسان ، مادة ـ أمن ، ومن النهاية : ١ / ٧٢ ، والأصل من الهروي.

(٥) النهاية : ١ / ٧٢.

(٦) وفي النهاية واللسان : «معناه أنها كلمة يكتسب بها قائلها ..».

(٧) ساقطة من س.

(٨) أبدى رأيه يحيى المصري على هذه المادة فعلق : «تعليل السمين مردود عندي ، ألا ترى أن أسماء الله سبحانه ليس فيها ما هو جملة وأنها كلها مفردة» والصواب الذي نرى رأي الفسوي الذي ذكرناه في حاشية سابقة.

١٤١

أ م ه :

قرأ بعضهم : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)(١).

والأمه : النّسيان ، يقال : أمهت آمه أمها فأنا أمه. وهذه القراءة مناسبة للمعنى وموافقة للرّسم. وقد نقل الهرويّ عن الأزهريّ ، عن المنذريّ ، عن ابن الهيثم : أمه بجزم الميم ، وأمه خطأ (٢).

والأمه أيضا : الإقرار. وفي حديث : «من امتحن في حدّ فأمه ثم تبرّأ فليس [عليه](٣) عقوبة» قال أبو عبيد : هو الإقرار ، ومعناه أن يعاقب ليقرّ فإقراره باطل. قال (٤) : ولم أسمع الأمه بمعنى الإقرار. إلا في هذا الحرف (٥). والأمه في غير هذا النسيان.

فصل الألف والنون

أ ن ت :

أنت : ضمير المخاطب المذكر ، وهل كلّه ضمير؟ وأن والتاء حرف خطاب ، أو التاء وأن زائدة؟ عماد خلاف لا طائل تحته (٦). ويتصل بهذه التاء علامة تثنية ميم وألف. ويشترك فيه حينئذ خطاب الذّكرين والأنثيين أو الذكر والأنثى نحو : أنتما يا زيدان أو يا هندان ، أو يا زيد وهند. وعلامة جمع الذكور العقلاء ميم مضمومة بعدها واو نحو : أنتمو. وجمع الإناث نون مشدّدة مفتوحة نحو أنتنّ ، والتاء مضمومة قبل ذلك كلّه ، كالتاء إذا كانت ضميرا نحو ضربتما ،

__________________

(١) هي قراءة شبل بن عروة ، كما في مختصر الشواذ : ٦٤. بعد أمه أي بعد نسيان.

(٢) يقصد أن الصواب بجزم الميم ، وأن تحريكها خطأ.

(٣) الحديث للزّهري والإضافة من النهاية : ١ / ٧٢.

(٤) ساقطة من ح.

(٥) لعله يريد : في هذا الحديث.

(٦) أنت : أصله عند البصريين (أن) والتاء أتي بها للخطاب (سيبويه : ١ / ٢٤٥ هارون). أما الكوفيون فقالوا : إنّ التاء من الكلمة نفسها ، وهي بكمالها اسم (ابن يعيش : ٣ / ٩٥ ، الإنصاف : ٢ / ٦٩٥ ـ ٧٠٢).

١٤٢

ضربتموه ، ضربتنّ. وهذه التاء تفتح للمخاطب وتكسر للمخاطبة نحو : (أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ)(١) الخطاب لعيسى عليه‌السلام ، والتوبيخ لمن عبده وأمّه من دون الله.

أ ن ث :

الأنثى تقابل الذكر من جميع الحيوانات ؛ فالمرأة أنثى ، والناقة والنعجة والأتان كذلك ، وذلك باعتبار الفرجين ، ولذلك يقول النحاة : مؤنث حقيقيّ ويعنون ما له فرج ، وغير الحقيقي ما ليس له فرج. وإنّما عاملته العرب معاملة المؤنث كالشمس والبدر. ولما كان الذكر أقوى من الأنثى جعلوا الأضعف في بعض الأشياء أنثى ، والأقوى ذكرا. فقال : سيف ذكر ، أي قاطع ، وسيف أنيث في عكسه. قال : [من الوافر]

[فيعلمه بأنّ العقل](٢) عندي

[جراز](٣) لا أفلّ ولا أنيث

أي (٤) :

وقوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً)(٥) قال الفّراء : كانوا يسمّون اللات والعزّى ومناة ، وهذه إناث. وقال الحسن : كانوا يقولون في الأصنام : هذه أنثى بني فلان. قال الراغب (٦) : من المفسرين من اعتبر حكم اللفظ فقال : لمّا كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة نحو اللات والعزّى ومناة قال ذلك. ومنهم من اعتبر حكم المعنى وهو أصحّ. ويقول : المنفعل يقال له (٧) : أنيث. ولمّا كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب :

__________________

(١) ١١٦ / المائدة : ٥.

(٢ و ٣) إضافة من اللسان ، وفي الأصل بياض. والبيت لصخر الغيّ. و (أفلّ) جاءت في المفردات : ٢٧ بكسر الفاء وتخفيف اللام (أفل) ولعله أصوب من ناحية المعنى.

(٤) بياض في الأصل : وشرحه في اللسان : أي لا أعطيه إلا السيف القاطع ولا أعطيه الدية.

(٥) ١١٧ / النساء : ٤.

(٦) المفردات : ٢٧.

(٧) وفي س : يقول. وفي المفردات : وقال ، وما زال النقل عن المفردات : ٢٨.

١٤٣

فاعل غير منفعل وذلك هو الباري تعالى. ومنفعل غير فاعل وذلك هو الجمادات. وفاعل من وجه ومنفعل من وجه كالملائكة والإنس والجن. فبالإضافة إلى الله منفعلة ، وبالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة. ولما كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة سمّاها الله تعالى أنثى وبكّتهم (١) بها ونبّههم على جهلهم في اعتقادهم فيها الألوهية ، مع كونها غير ضارّة ولا نافعة ، فإنها لا تفعل شيئا البتّة ، بخلاف عبدتها فإنّهم أكمل منها من أنّ لهم فعلا في الجملة. ولما كان بعض الأشياء يشبّه بالذّكر في حكم اللفظ ذكرّ حكمه ، وبعضها (٢) بالمؤنث في حكم اللفظ أنّث أحكامها نحو اليد والأذن ، والخصية لتأنيث لفظ الأنثيين (٣) قال الشاعر (٤) : [من الطويل]

ضربناه تحت الأنثيين على الكرد

قال (٥) : وما ذكر وإن [يسمن كأنثى ، يعني القراد](٦). فجعله أنثى باعتبار لفظه. وقيل : (إِلَّا إِناثاً)(٧) أي مواتا كالأحجار والخشب والمدر (٨). وهذا تفسير للواقع لأنّ أصنامهم كانت متّخذة من ذلك كلّه وليس من تفسير اللفظ كما نبّهت عليه أول الكتاب.

وأرض أنيث أي سهلة حسنة النّبت ، تشبيها بالأنثى لسهولتها وما يخرج منها. وفي حديث إبراهيم (٩) : «كانوا يكرهون المؤنّث من الطّيب ، ولا يرون بذكورته». قال شمر :

__________________

(١) بكت : ضرب. وهنا انتهى كلام الراغب.

(٢) ساقطة من س.

(٣) في الأصل : الانثيان. وهما الخصيتان أو الأذنان.

(٤) عجز بيت للفرزدق (الديوان : ٢١٠) وكذا رواية اللسان ، وفي الديوان : فوق الانثيين. وصدره : وكنا إذا القيسيّ هبّ عتوده. والكرد : العنق أو أصل العنق. وفي الصدر خلاف في اللسان ـ مادة أنث.

(٥) صدر بيت ذكره الراغب : ٢٧.

(٦) ساقط من الأصل ، وأضفناه من المفردات : ٢٧.

(٧) ١١٧ / النساء : ٤.

(٨) المدر : الطين العلك ليس معه رمل.

(٩) يعني إبراهيم النخعي. وأسقط السمين كلمة «بأسا» من آخر الحديث ، انظر النهاية : ١ / ٧٣ واللسان ـ مادة أنث.

١٤٤

يريدون بالمؤنّث طيب النساء كالخلوق والزّعفران (١) ، وبذكورته ما لم يلوّنها (٢) كالمسك والغالية والكافور. وذكارة الطّيب : كذلك.

أ ن س :

الإنس : الجيل المقابل للجنّ. قال تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(٣) وقال : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ)(٤) سمّوا بذلك لأنّهم كانوا يؤنسون أي يبصرون بخلاف الجنّ ؛ فإنهم كانوا يخفون أي يستترون فلا يبصرون. ومنه قوله تعالى : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً)(٥) أي أبصرتها. وقيل : آنست : أحسست (٦) ووجدت ، وهو بمعنى الأول لأنّ البصر أحد الحواسّ.

وقوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً)(٧) أي علمتم. وأصله أبصرتم ، لأنه طريق العلم. وإنسان العين ما يبصر فيه الإنسان شخصه لرّقته وصفائه.

وقوله : (حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا)(٨) أي تستأذنوا ، ومعناه تستعلموا ؛ هل يؤذن لكم؟ (وما يحكى عن ابن عباس أنّ الأصل «تستأذنوا» فعلها الكاتب (٩) فشيء لا يصحّ عنه (١٠)(إِنَّا نَحْنُ

__________________

(١) وهو مما يلوّن الثياب.

(٢) في الأصل : يكن لها ، ولعلها كما ذكرنا.

(٣) ١١٩ / هود : ١١.

(٤) ١٣٠ / الأنعام : ٦.

(٥) ١٠ / طه : ٢٠.

(٦) في الأصل : أحسنت.

(٧) ٦ / النساء : ٤.

(٨) ٢٧ / النور : ٢٤.

(٩) يقصد أن الكاتب أخطأ فكتب «تستأنسوا» مكان «تستأذنوا».

(١٠) في مختصر الشواذ : «حتى يسلموا على أهلها ويستأذنوا» عن ابن مسعود وابن عباس. وقرأ أبيّ : «حتى يسلموا ويستأذنوا» ص ١٠١.

١٤٥

نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)(١) ، ولذلك قال ابن عرفة : حتى تنظروا أيؤذن لكم)؟ (٢) أم لا؟ وفي الحديث : «السّلام عليكم أأدخل؟ ثلاثا ، فإن أذن له وإلا رجع» (٣) قال الأزهريّ : من يقول من العرب : أذهب فاستأنس ، هل ترى أحدا؟ معناه تبصّر. قال الذّبيانيّ : [من البسيط]

كأنّ رحلي وقد زال النّهار بنا

يوم الجليل (٤) على مستأنس وحد

أي : على ثور متبصّر ، هل يرى صائدا فيحذره؟

والإنس خلاف النفور. والإنسيّ منسوب (٥) [إلى الإنس](٦) ، ويقال لكلّ ما يؤنس به ، ولمن كثر أنسه. ومنه قيل لما يلي الراكب من جانبي الدابة ، وما يقابل الرامي من جانبي القوس : إنسيّ ، وللجانب الآخر وحشيّ. فالإنسيّ من كلّ شيء : ما يلي الإنسان ، والوحشيّ : الجانب الآخر.

والإنسان مشتقّ من الأنس ، وزنه فعلان لأنه لا قوام له إلا بأنس آخر من جنسه. ولذلك قيل : الإنسان مدنيّ ، وجمعه أناسيّ وأصله أناسين ، فأبدلت النون ياء وأدغمت كطراينّ في طرايين جمع طريان. وجعل الراغب الأناسيّ جمعا لإنسيّ وليس بصواب (٧) لما ذكرته في موضعه ، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

وقيل : إنسان أصله إنسيان فحذفت ولذلك صغّروه على أنيسيان (٨). قالوا : مشتقّ من النّسيان ، وأنشدوا : [من الكامل]

سمّيت إنسانا لأنك ناس

__________________

(١) ٩ / الحجر : ١٥.

(٢) الكلام بين قوسين ساقط من س.

(٣) في الموطأ كتاب الاستئذان : ٢ : «الاستئذان ثلاث فإن أذن لك فادخل والا فارجع». وانظر صحيح مسلم : الأدب : ٣٢ ، ٣٤ ، ٣٧. كما أخرجه أبو داود برقم : ٥١٧٧ ، ٥١٧٨ ، ٥١٧٩ ، ٥١٨٥.

(٤) رواية الديوان (ص ٦) : بذي الجليل.

(٥) كذا في س ، وفي ح : والإنس مطلوب.

(٦) إضافة يقتضيها السياق.

(٧) صوب قول الراغب : «وجمع الإنس أناسيّ» (المفردات ٢٨) وكذا قول ابن منظور.

(٨) وفي الأصل : أنيسان.

١٤٦

والناس عندهم من ذلك ، وأصله نسي ثم قلبت الكلمة. وسيأتي إن شاء الله تحقيق ذلك في باب النون.

أ ن ف :

الأنف معروف ، ولعزّة مكانه سمّوا به كلّ عزيز. قالوا : أنف الجمل لأعلاه ، ورغم أنفه (١) أي لصق بالرّغام وهو التراب ، وترب أنفه. ويقولون في المتكبّر : شمخ بأنفه (٢). ونسبوا الحميّة والعزّة له ، قال الشاعر : [من الطويل]

إذا غضبت تلك الأنوف [لم ارضها](٣)

ولم أطلب العتبى ولكن أزيدها

وأنف فلان من كذا : استنكف. والأنفة : الحميّة. واستأنفت الشيء : ابتدأته ، وحقيقته ؛ أخذت بأنفه مبتدئا به ، ومنه : (ما ذا قالَ آنِفاً)(٤) أي مبتدئا. قال الشاعر في بني أنف الناقة (٥) : / [من البسيط]

قوم هم الأنف ، والأذناب غيرهم

ومن يساوي بأنف الناقة الذّنبا؟

قيل : كانوا يكرهون النسبة إليه حتى قيل هذا الشعر ، فصار أحبّ إليهم من كلّ شيء.

قوله تعالى : (ما ذا قالَ آنِفاً) أي الساعة. وحقيقته ما قدّمته أنه من استأنفت (٦) الشيء أي ابتدأته. والمعنى : ماذا قال في أول وقت يقرب من وقتنا؟ وروض أنف : لم ترع قبل ذلك ، ومنه حديث أبي مسلم (٧) الخولانيّ : «ووضعها في أنف من الكلأ» يقول : يتتبّع بها المواضع التي لم ترع قبل الوقت الذي دخلت فيه. وكأس أنف : لم يشرب فيه قبل ذلك.

__________________

(١) راء رغم ثلاثية.

(٢) وفي س : شمخ أنفه.

(٣) ساقط من الأصل ، والإضافة من المفردات : ٢٨.

(٤) ١٦ / محمد : ٤٧.

(٥) البيت للحطيئة كما في الديوان : ١٢٨ ، وفيه : ومن يسوّي.

(٦) في ح : استأنف.

(٧) في ح : مسلم ، وفي س : ابن مسلم ، والمشهور ما ذكرناه ونسبته إلى خولان بن عمرو. نزل أبو مسلم الشام مع قبيلته وروى عنه أهل الشام. وهو عبد الله بن ثوب ، توفى زمن معاوية. والحديث مذكور في النهاية : ١ / ٧٦ وفيه بقية.

١٤٧

قال بعض القدريّة : «وإنّ الأمر أنف» (١) أي مستأنف من غير سابق (٢) قضاء ولا قدر. وأنف كلّ شيء : أوله ، قال امرؤ القيس : [من الرمل]

قد غدا يحملني في أنفه

لاحق الصّقلين (٣) محبوك ممر

وفي الحديث : «لكلّ شيء أنفة وأنفة الصلاة التكبيرة» (٤) أي أوّلها. المحفوظ ضمّ الهمزة ، قال الهرويّ : والصحيح أنفة يعني بالفتح.

قوله تعالى : (وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ)(٥) يقرأ بالنصب والرفع على معنى (٦) : والأنف كائن ومأخوذ بالأنف ، وفيه غير ذلك. ويجمع على آنف في القلّة وأنوف في الكثرة. وفي الحديث : «المؤمنون هيّنون ليّنون كالجمل الأنف» (٧) ، وهو الذي عقر الخشاش أنفه ، فهو ينقاد لكلّ من يقوده. وأصله مأنوف مثل مضروب.

وذكر الراغب في هذا الباب الأنملة (٨) ، وأنا أذكرها في باب النون لأنّ همزتها مزيدة.

أ ن ي :

أنّى : ظرف زمان (٩) لا ينصرف ، وهو ... (١٠) عن الشرط أو الاستفهام ، فمن مجيئه

__________________

(١) الحديث لابن عمر ، انظر النهاية : ١ / ٧٥. وربما تبنّاه أصحاب مذهب القدرية. ورواية الهروي : «إنما الأمر ..» (الغريبين : ١ / ٩٨).

(٢) في ح : سابقة ، والأفصح المذكور فوق ، وعليه النهاية وس.

(٣) ورواية الديوان : الإطلين (ص ١٠٧) ، ورواية اللسان : الأيطل. والبيت من قصيدة في وصف الغيث ، وأنفه : أوله أو أشده. ممر : محكم. والصقل : الخاصرة.

(٤) يعني التكبيرة الأولى ، وانظره في النهاية : ١ / ٧٥. وهي عند الفقهاء تكبيرة الإحرام.

(٥) ٤٥ / المائدة : ٥.

(٦) النصب : قراءة أبي جعفر وأبي عمرو وابن كثير وابن عامر. والرفع : قراءة الكسائي (المبسوط : ١٨٥).

(٧) أي المأنوف : النهاية : ١ / ٧٥.

(٨) المفردات : ٢٨.

(٩) وفي س : فكان ، وهي للبحث عن الحال والمكان.

(١٠) فراغ قدر كلمتين في الأصل ، ولعلهما : لا يخرج.

١٤٨

شرطا جازما فعلين قوله (١) : [من الطويل]

فأصبحت أنّى تأتها تبتئس بها (٢)

وترد في الإستفهام بمعنى كيف ، كقوله تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)(٣) ، وبمعنى أين كقوله تعالى : (أَنَّى لَكِ هذا)(٤) أي من أين؟.

قال الراغب : أنّى للبحث عن الحال والمكان ، ولذلك قيل : هو بمعنى أين وكيف لتضمّنه معناهما. قوله تعالى : (أَنَّى لَكِ هذا) من أين وكيف (٥) ، فجعلها قائمة مقام الكلمتين ، وهو ممتنع عند أهل البيان.

وأنى (٦) : تأتي بمعنى قرب ، قال تعالى : (أَ لَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ)(٧) وقوله : (غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ)(٨) أي نضجه واستواءه ، إذا كسرت قصرت ، ومنه الآية الكريمة ، وإذا فتحت مدّت ، ومنه قول الحطيئة : [من الوافر]

وآنيت العشاء إلى سهيل

أو الشّعرى ، فطال بنا (٩) الأناء

يقال : أنيت وأنّيت مخففا ومثقلا بمعنى تأخّرت ، وآنيت بمعنى أخّرت (١٠). وفي الحديث : «آذيت وآنيت» (١١) أي أخّرت المجيء. وفلان متأن من ذلك. والأناة : التّؤدة.

__________________

(١) صدر شعر للبيد (الديوان : ٢٢٠) ، وعجزه :

كلا مركبيها تحت رجلك شاجر

(٢) في الأصل : تسحر بها ، ولا يستقيم. وفي شرح المفصل : ٤ / ١٠٩ : تلتبس بها والتصويب من الديوان.

(٣) ٢٢٣ / البقرة : ٢.

(٤) ٣٧ / آل عمران : ٣.

(٥) كيف ساقطة من ح ، وهي مذكورة في س.

(٦) ساقطة من س.

(٧) ١٦ / الحديد : ٥٧.

(٨) ٥٣ / الأحزاب : ٣٣.

(٩) الديوان : ٩٨. وفيه وفي رواية اللسان والغريبين : ١ / ١٠٣ : بي ، ولعلها أصوب. يعني إلى طلوع سهيل.

(١٠) وفي ح : تأخرت.

(١١) النهاية : ١ / ٧٨. وتمام الحديث : «أنه قال لرجل جاء يوم الجمعة يتخطى رقاب الناس : آذيت وآنيت» أي آذيت الناس بتخطيك وآخّرت المجيء وأبطأت. وفي اللسان بتبديل الفعلين.

١٤٩

وقوله : (حَمِيمٍ آنٍ)(١) أي بلغ أناه في شدّة الحرّ. واستأنيت فلانا : انتظرته واستبطأته. وآناء الليل : ساعاته. قال تعالى : (وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ)(٢) واحده إنا مثل معا وأمعاء ، وإني مثل نحي وأنحاء ، وأنى (٣) مثل قفا وأقفاء ، قاله الهرويّ وذكر [أني و] أنياء كدلو وأدلاء.

وقوله : (مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ)(٤) أي حارّة بلغت أناها ، وهي نظير (حَمِيمٍ آنٍ) كلاهما اسم فعل من أنى يأني فهو آن. وهي آنية كغاز وغازية.

والإناء : الوعاء الذي يوضع فيه ما آن وقته ، ثم عبّر به عن كلّ وعاء. ويجمع على آنية. فشبّه بآنية اسم فاعل من أنى كما تقدّم. فتلك مفردة وزنها فاعلة ، وهذه جمع أفعلة نحو غطاء وأغطية. وأما الأواني فجمع آنية.

وأنا : ضمير متكلم وحده ، واختلف النحويون في ألفه فقيل : مزيدة لبيان الحركة ولذلك تحذف وصلا وتثبت وقفا (٥). ويقال هنا : أوان بتقديم ألف (وأن) كلفظ الناصبة. والمشهور ما قدّمته من ثبوت ألفه وقفا وحذفها وصلا ، (وقد تثبت وصلا) (٦). وقريء (٧) : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي)(٨) ، والأصل : لكن أنا وأدغم. وكذلك : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(٩). وأما في الشعر فكثير نحو قوله (١٠) : [من الوافر]

__________________

(١) ٤٤ / الرحمن : ٥٥.

(٢) ١٣٠ / طه : ٢٠.

(٣) في الأصل بالمد ، وكذا في القاموس. إلا أن شارحه صوّب القصر. وعليه اللسان. وحكى الأخفش : إنو ، وإني (معاني القرآن للأخفش : ١ / ٢١٣). وانظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج : ١ / ٤٧٠. وسر الصناعة : ٢ / ٥٩٢ طبعة الهنداوي.

(٤) ٥ / الغاشية : ٨٨.

(٥) انظر تعليقنا على «أنت».

(٦) ساقط من س.

(٧) قراءة إثبات الألف في الوصل (لكنّا) : هي لابن عامر وابن كثير ، وقرأ الباقون (لكنّ) بحذف الألف في الوصل (المبسوط : ٢٧٧).

(٨) ٣٨ / الكهف : ١٨.

(٩) ١٦٣ / الأنعام : ٦.

(١٠) البيت لحميد بن ثور ، انظر الديوان : ١٣٣.

١٥٠

أنا سيف العشيرة فاعرفوني

حميدا قد تذرّيت السّناما

ويقال : أنه ، بهاء السكت. ومنه قول حاتم (١) :

هكذا فزدي أنه

وتتصل به تاء الخطاب ، وتلحقها علامة التّثنية ، والجمع ، فيقال : أنت وأنت وأنتما وأنتم وأنتنّ. هذا عند من يقول ذلك.

ويقال : أنّيّة الشيء (٢) ، كما يقال : ذاته. قال الراغب : وهي لفظة محدثة ليست من كلام العرب. قلت : صدق ، وإنما هذا في عبارة المتكلمين يقولون : في أنّيّة الإنسان ، أي حقيقته (٣).

قولك : أنّ (٤) خلاف إنّ بالكسر والتشديد : حرف تأكيد ينصب الإسم ويرفع الخبر ، وله أحكام في بابه ، ومن حيث اللفظ يكون مشتركا في الصورة بين معاني التّوكيد كما تقدّم وبمعنى نعم عند بعضهم ، وفعل أمر من الإثنين (نحو : يا زيد إنّ) (٥) وماضيا مسندا لضمير الإناث من إنّ نحو : يا نسوة إنّ ، أي إقربن.

إلى معان أخرى ليس هذا موضعها لضيق الزمان بتصريفها لا سيّما مع عسره.

وتتصل ما الزائدة بها فيبطل فعلها على المشهور ، وتفيد الحصر عند الجمهور نحو : (إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ)(٦). وحصر كلّ شيء بحسب ذلك المعنى المسبوق إليه نحو : (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ)(٧) وقوله : (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ)(٨).

وبالفتح والتشديد هي أختها ، معناهما وعملهما واحد إلا أن الفرق بينهما يقع بأشياء مذكورة في النحو بيّنتها في مواضعها. والمكسورة جملة مستقلة ، والمفتوحة مع ما بعدها

__________________

(١) نظر الكامل للمبرد : ٤١ ، ٤٢ ، ولم نجده في الديوان ، ولم يتضح الشاهد.

(٢) وفي المفردات (ص ٢٩) بضم الهمزة أيضا.

(٣) وفي الأصل : حقيقة.

(٤) في الأصل : أنا ، والسياق يدل على ما ذكرناه.

(٥) ساقط من ح.

(٦) ١٧١ / النساء : ٤.

(٧) ١٢ / هود : ١١.

(٨) ٢٠ / الحديد : ٥٧.

١٥١

مؤوّلة بمفرد نحو : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ)(١).

وأن بالفتح والتخفيف تكون مخففة من الثقيلة ، فلم يختلف معناها ولا عملها إلا أنه اشترط فيها شروط لم تشترط في المثقلة ، كقوله : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ)(٢) ، (أَ فَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ)(٣).

وتكون ناصبة للمضارع فينسبك منها ومما بعدها مصدر كقوله : (وَأَنْ تَعْفُوا)(٤) أي عفوكم. وتعمل مضمرة ومظهرة ولها أحكام وهي أمّ الباب ، وتكون مفسرة إذا صلح موضعها (أي) نحو : أشرت إليه أن قم. ومزيدة نحو : (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ)(٥).

وإن بالكسر والتخفيف تكون مخففة من الثقيلة ، والأكثر حينئذ إهمالها. وتلزمها لام فارقة إن لم تعمل ، ولم تكن ثمّ فرقيّة. وتكون شرطية فتجزم فعلين ، وهي أمّ الباب ، ولها أخوات وأحكام ، وتكون نافية نحو : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ)(٦) ، ومزيدة نحو : [من الوافر]

فما إن طبّنا جبن (٧) ولكن

فصل الألف والهاء

أ ه ل :

أهل الرجل : من يجمعه وإياهم نسب ، أو دين ، أو ما يجري مجراهما ، من صناعة وبيت وبلد. قال الراغب (٨) : فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإياهم مسكن واحد ، ثم

__________________

(١) ١ / الجن : ٧٢.

(٢) ٢٠ / المزمل : ٧٣.

(٣) ٨٩ / طه : ٢٠.

(٤) ٢٣٧ / البقرة : ٢.

(٥) ٩٦ / يوسف : ١٢.

(٦) ٥٠ / هود : ١١.

(٧) في الأصل : جبنا ، وبه لا تستقيم القاعدة. وهو صدر بيت من شواهد المغني (رقم ٢٤) ، وعجزه : منايانا ودولة آخرينا

(٨) المفردات : ٢٩.

١٥٢

تجوّز به. وقيل : أهل بيت الرجل : من يجمعه وإياهم نسب واحد. وتعورف في أسرة النبيّ (ص) مطلقا ، فعبّر بأهل الرجل عن امرأته. وقوله تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)(١) أي ليس من أهل دينك ، بدليل قوله : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي)(٢) فلم تنفعه بنوّة النّسب ، وذلك أنّ الشريعة رفعت حكم النّسب في كثير من الأحكام بين المسلم والكافر. قال تعالى : (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ).

وقوله تعالى : (هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)(٣) قال الأزهريّ : أي يؤنس بإتّقائه المؤدّي إلى الجنة ، ويؤنس بمغفرته لأنه غفور. قال : يقال : أهلت به آهل أي أنست به آنس ، وهم أهلي أي الذين آنس بهم.

وقوله : (وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ)(٤) أي جميع أمّته. وأمّة كلّ نبيّ أهله ، ومنهم : آل محمد كلّ تقيّ. وأهل الرجل يأهل أهولا. ومكان آهل ومأهول. وتأهّل : تزوّج /. وأهّله الله في الجنة : زوّجه. وهو أهل لكذا أي خليق به ، ويستأهل منه.

وأهلا وسهلا معناه : أتيت أهلا في الشّفقة لا أجانب ، ووطئت سهلا من الأرض لا حزونا. والأهل : يرفع بالواو ، وينصب ويجرّ بالياء. قال تعالى : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا)(٥) وقال : (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً)(٦) ولم يستكمل شروط الجمع ، والذي سوّغ به جمعه تصحيحا كونه في معنى مستحق. وقد يجمع بالألف والتاء ، فيقال : أهلات ، ويجمع على أهال.

والإهالة : الدّهن. وفي الحديث : «كان [يدعى إلى خبز] الشّعير والإهالة السّنخة ، فيجيب» (٧). وفي الأمثال : «استأهلي إهالتي وأحسني إيالتي» (٨) أي خذي صفو مالي وأحسني القيام عليّ (٩).

__________________

(١) ٤٦ / هود : ١١.

(٢) ٤٥ / هود : ١١.

(٣) ٥٦ / المدثر : ٧٤.

(٤) ٥٥ / مريم : ١٩.

(٥) ١١ / الفتح : ٤٨.

(٦) ٦ / التحريم : ٦٦.

(٧) الحديث من النهاية : ١ / ٨٤ ، ومنه الإضافة.

(٨) رقمه ٢٢٠ في مجمع الأمثال : ١ / ٥٣.

(٩) الشرح منقول من مجمع الأمثال ، وأسقط الناسخ (به) قبل (علي).

١٥٣

فصل الألف والواو

أ وب :

الأوب : ضرب من الرجوع (١) لأنّ الأوب لا يقال إلا في الحيوان ذي الإرادة بخلاف الرجوع ، فإنه يقال فيه وفي غيره. يقال : آب يؤوب أوبا وأوبة (٢). وقوله : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ)(٣) أي رجوعهم فهو كقوله : (ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(٤) وقوله : (مَآباً)(٥) أي مرجعا ، ويجوز أن يكون اسم مكان (٦).

وقوله تعالى : (وَحُسْنُ مَآبٍ)(٧) أي رجوع. والأوبة كالتّوبة. والأوّاب : الكثير الرجوع لربّه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه. ومنه : (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)(٨) وقوله : (أَوِّبِي مَعَهُ)(٩). التّأويب : سير النهار ، ومعناه هنا : رجّعي بالتّسبيح كلّه (١٠). ويقال : بيني وبينك ثلاث مآوب أي رجاعات بالنهار. ويدلّ عليه قراءة (أَوِّبِي) بالتّخفيف. (١١).

وقوله : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً)(١٢) من ذلك. وقيل : الأوّاب : الرّاحم. وقيل : المسيح (١٣). وهذه متقاربة المعاني.

__________________

(١) وفي ح : الرجع.

(٢) في الأصل : أوابة ولم نجده في الجمهرة ، ولا في اللسان ، ولا في المفردات ، ولا في الغريبين. وأضاف الهروي : إيابا ومآبا.

(٣) ٢٥ / الغاشية : ٨٨.

(٤) ٣٦ / الأنعام : ٦.

(٥) ٢٢ / النبأ : ٧٨.

(٦) وفي المفردات (ص ٣٠) : وزمان.

(٧) ٢٩ / الرعد : ١٣.

(٨) ٤٤ / ص ٣٨.

(٩) ١٠ / سبأ : ٣٤.

(١٠) الكلام تابع للآية السابقة.

(١١) قراءة ابن عباس والحسن وقتادة وابن أبي إسحاق (مختصر الشواذ : ١٢١). أي : عودي في التسبيح (الغريبين : ١ / ١٠٧).

(١٢) ٢٥ / الإسراء : ١٧.

(١٣) قال أبو بكر : في قولهم رجل أواب سبعة أقوال (راجع اللسان ـ أوب). وأضاف الهروي : المطيع (الغريبين : ١ / ١٠٧).

١٥٤

وقوله (١) : [من الوافر]

رضيت من الغنيمة بالإياب

أي : بدل الغنيمة. كقوله : (مِنْكُمْ مَلائِكَةً)(٢). ويجوز أن يكون من على بابها أي يكفيني الإياب من جملة الغنيمة ، فجعله (٣) بعضا.

أ ود :

الأود : الثقل. قال تعالى : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما)(٤) أي لا يثقله ولا يشقّ عليه ذلك ، وهو معنى قول مجاهد ، يقال : آدني كذا يؤودني أودا يئيد ، ثقل.

والأود أيضا : الاعوجاج لأنّه ممّا يثقل ، وفي الحديث : «أقام الأود وشفى العمد» (٥) أي أقام العوج ، والعمد : ورم في الظّهر. قال الراغب : قوله : (وَلا يَؤُدُهُ) أي لا يثقله ، وأصله من الأود بتخفيف آده.

أ ول :

الأوّل : نقيض الآخر ، وهو أفعل التّفضيل (٦) ، ويكون بمعنى أسبق. والأول هو

__________________

(١) عجز لأمرىء القيس ذهب مثلا ، واستخدمه عبيد بن الأبرص (انظر المستقصى : ٢ / ١٠٠) ، وصدره :

وقد طوّفت في الآفاق حتى

(٢) ٦٠ / الزخرف : ٤٣.

(٣) وفي س : فيجعله. جاء في الهامش من غير خط المؤلف : «أيوب قال أبو علي : وقياس همزة أيوب أن تكون أصلا غير زائدة لأنه لا يخلو أن يكون فيعولا أو فعّولا ، فإن جعلته فيعولا كان قياسه لو كان عربيا أن يكون من الأوب مثل قيّوم ، ويمكن أن يكون فعولا مثل سفّود وكلّوب وأن لم يعلم في الأمثلة هذا لأنه لا ينكر أن يجيء على مثال لا يكون في العربي ، ولا يكون في الأدب وقد قلبت الواو فيه إلى الباء لأن من يقول صيّم في صوّم لا يقلب إذا تباعدت في الطرف فلا يقول : إلا صوّام ، وكذلك هذه العين إذا تباعدت من الطرف وحجز الواو بينه وبين الآخر لم يجز فيه إلا القلب» معرّب.

(٤) ٢٥٥ / البقرة : ٢.

(٥) النهاية : ١ / ٧٩. وانظر شرح نهج البلاغة : ١٢ / ٣ ، والمقصود به عمر بن الخطاب.

(٦) اختلفوا في أصله. انظر المنصف : ٢ / ٢٠٢ ، والجمهرة : ٣ / ٣٦٣ ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٤٥٥ ـ

١٥٥

الذي يترتّب عليه غيره. ويترتّب على أوجه أحدها أن يكون تقدّمه بالزّمان نحو : أبو بكر أول ثم عمر. أو بالرياسة واقتداء غيره به ، نحو (١) : الملك أول ثمّ الوزير. أو بالوضع كقولك : دمشق أول ثم بغداد ، أو بنظام الصناعة نحو : الأساس أول ثم البناء. وقوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ)(٢) معناه الّذي لم يسبقه في الوجود شيء. (وقيل : هو الذي لا يحتاج إلى غيره. وقيل : المستغني بنفسه. وهذان يرجعان إلى قولنا : لم يسبقه شيء) (٣) ..

وقوله : (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)(٤) ، (أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(٥) أي المقتدى به في الإسلام والإيمان. (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ)(٦) أي ممّن يقتدى به في الكفر. ويكون أول ظرفا ، فإن نويت إضافته بني على الضمّ ، يقال : جئتك أول أي أول الأوقات. والإعراب : جئتك أولا وآخرا أي قديما وحديثا.

وقوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى)(٧) كلمة تهديد ودعاء عليه (٨) ، معناه : وليك شرّ بعد شر. وقد يخاطب بذلك من أشرف على الهلاك فيحثّ به على التحرّز منه. وقيل : يخاطب به من نجا من الشرّ ذليلا [فينهى](٩) أن يقع في ذلك الأمر ثانيا. وأكثر ما يجيء مكرّرا كقوله :

أولى لنفسي أولى لها

وكأنه حثّ على ما يؤول إليه ليتنبّه على التحرّز منه. وفي الكلمة أعاريب ذكرتها في غير هذا. وكذلك ذكرت اختلاف (١٠) الناس في أصل «أوّل» وتصريفه واشتقاقه. وتأنيثه

__________________

 ـ ٤٥٦. قال ابن دريد : «قال قوم هو فوعل ليس أفعل ، كان الأصل ووّلّا فقلبت الواو الأولى همزة وأدغمت واو فوفل في عين الفعل فهي واو فقالوا أول» وانظر رأي الخليل في المفردات : ٣١.

(١) في الأصل : ثم ، ولعلها كما ذكرنا.

(٢) ٣ / الحديد : ٥٧.

(٣) ساقط من ح.

(٤) ١٤٣ / الأعراف : ٧.

(٥) ١٦٣ / الأنعام : ٦.

(٦) ٤١ / البقرة : ٢.

(٧) ٣٤ / القيامة : ٧٥.

(٨) يقول الراغب (ص ٣٢) : كلمة تهديد وتخويف.

(٩) فراغ في الأصل ، أضفناه من مفردات الراغب.

(١٠) وفي س : خلاف.

١٥٦

«أولى». ويجمع على أول ، ويجمع هو على أوائل وأوّلين. والأوّل : الرجوع إلى الأصل. والتّأويل تفعيل منه ، وذلك ردّ الشيء إلى الغاية المرادة فيه ، ويكون ذلك في العلم كقوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ)(١) ، وفي الفعل كقول الشاعر (٢) : [من البسيط]

وللنّوى قبل يوم البين تأويل

وقوله : (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ)(٣) أي بيانه إلى الغاية المرادة منه. وقال الزّجاج (٤) في قوله : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ)(٥) أي ما يؤول إليه أمرهم من البعث. قال : وهذا التأويل هو قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) ، أي لا يعلم متى يكون أمر البعث وما يؤول إليه الأمر عند قيام الساعة إلا الله. والراسخون في العلم يقولون : آمنّا بالبعث.

وقوله : (وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(٦) أي أحسن عاقبة. وقيل : أي أحسن معنى ورحمة. وقيل : ثوابا في الآخرة.

والموئل : المرجع ، وهو موضع الرجوع. والأول : السياسة التي تراعي مآلها الناس. وإيل علينا والمآل : مفعل منه كالمقام. وفي الحديث : «من صام الدّهر فلا صام [ولا آل]» (٧) و [لا] آل معناه لا رجع بخير.

ومن المادة : (٨) آل الرجل ، وهم من يؤولون إليه ، أو يؤول هو إليهم ، أي يرجع. وأصله أول. فقلب الواو الفا كهي في مال. وقيل : هو بمعنى أهل وليس كذلك (٩) لأنّ آل لا يضاف إلى مضمر إلا في قليل نحو قوله : [من الوافر]

فما يحمي حقيقة آله

__________________

(١) ٧ / آل عمران : ٣.

(٢) الشاهد مذكور في المفردات ص ٣١ من غير عزو.

(٣) ٥٣ / الأعراف : ٧.

(٤) انظر معاني القرآن وإعرابه : ٢ / ٣٧٧ ، وعبارة السمين فيها تصرف يسير.

(٥) ٥٣ / الأعراف : ٧.

(٦) ٥٩ / النساء ٤.

(٧) إتمام الحديث من النهاية : ١ / ٨١.

(٨) فصلها الراغب وجعلها أولا ص ٣٠.

(٩) لم ينفها ابن منظور بل قال : «وقد يكون ذلك لما لا يعقل ، واستشهد على ذلك ببيت للفرزدق. وقال الراغب : «الآل : مقلوب عن الأهل» (ص ٣٠) ، وانظر البحر : ١ / ١٨٨.

١٥٧

ولا يضاف إلا لذي خطر ، فلا يقال : آل الحّجام ، ولا يقطع عن الإضافة إلا نذورا كقوله : [من الرمل]

لم نزل آلا على عهد إرم (١)

رجل ولا آل بغداد (٢) ولا آل زمان ولا آل مكان كذا ، بخلاف أهل في ذلك كلّه. وقوله : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ)(٣) يعني بهم كلّ من آل إليه في دين أو مذهب أو نسب. وقوله : «فقد أوتي (٤) مزمارا من مزامير آل داود» أي داود نفسه و (آل) مقحمة (٥). كما يقال : مثلك لا يفعل كذا. يريدون : أنت لا تفعل.

وقال الراغب : الآل هو مقلوب عن الأهل ، إلّا أنّه خصّص به. فذكر بعض ما قدّمته ثم قال : وقيل : هو في الأصل اسم الشخص ، ويصغّر أويلا (٦). ويستعمل في من يختصّ بالإنسان اختصاص ذاته ، إمّا بقرينة قرب أو موالاة.

وآل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أقاربه. وقيل : هم المختصّون به من حيث العلم ، وذلك أنّ من اختصّ بتعلّم علمه فهو من آله وأمّته ، ومن لم يختصّ بذلك بل (٧) عمل تقليدا فهو من أمّته. وكلّ آل النبيّ أمته ، وليس كلّ أمته آله. وفي الحديث : «آل النبيّ كلّ تقيّ». وقيل لجعفر الصادق : إنّهم يقولون إنّ المسلمين كلّهم آل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : صدقوا وكذبوا. فقيل له ، فقال : كذبوا في قولهم إنّهم كافّتهم آله ، وصدقوا لأنّهم إذا قاموا بشرائط شريعته كانوا آله.

__________________

(١) وصدره : نحن آل الله في بلدتنا.

(٢) يبدو أن نقصا في الجملة ، ففي المفردات (ص ٣٠) يقول الراغب : «يقال : آل فلان ولا يقال آل رجل ولا ...».

(٣) ٤٦ / غافر : ٤٠.

(٤) وفي النهاية (١ / ٨١) : لقد أعطي.

(٥) أي صلة زائدة.

(٦) في الأصل : أوائل ، والناسخ غير صائب. وقوله : «تصغيره أويل» هو رأي يونس كما في البحر : ١ / ١٨٨.

(٧) ساقطة من س.

١٥٨

وآل [المرء](١) شخصه المتردّد. قال (٢) : [من الطويل]

ولم يبق إلا آل خيم منضّد

والآل : الحالة يؤول إليها. والآل : ما يبدأ من السّراب كشخص يظهر للناظر ، وإن كان كاذبا ، أو من برد هواء أو تموّج ، فيكون من آل يؤول.

أ ون :

(آلْآنَ)(٣) هو الوقت الحاضر الفاصل بين الزمانين ، وقيل : هو كلّ زمن مقدّر بين ماض ومستقبل. ويقال : أفعل كذا آونة ، أي وقتا بعد وقت. وهو من قولهم : الآن. وهذا أوان ذلك أي زمنه المختصّ به وبفعله. قال سيبويه : هذا الآن ، وهذا آنك ، أي وقتك ، وآن يؤون. قال أبو العباس : ليس الأول وهو فعل على حدته. وقال الفراء : أصله أوان وهو اسم لحدّ الزمان الذي أنت فيه ، وهذا ضعيف للحذف من غير دليل. وعنه أيضا أنّه فعل ماض نقل إليه الأسمية ، وهو اسم مبنيّ على الفتح ، وقالوا : لتضمّنه الحرف وهو أداة التعريف /. وهذه الأداة الموجودة زائدة لازمة ، وقد تعرب. قال : [من الطويل]

كأنّهما ملآن لم يتغيّرا

يريد : من الآن. وله أحكام كثيرة (٤).

أ وه :

قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ)(٥).

__________________

(١) فارغ في الأصل ، إضافة مناسبة للسياق.

(٢) عجز بيت لزهير ، وصدره (شعر زهير : ١٧٧).

أربّت بها الأرواح كلّ عشية

وشارح شعر زهير يفتح الخاء ويشرحها بأنها جمع خيمة. وورد كذلك صدرا للنابغة (وفي رواية : منصّب) ، وعجزه (ص ٧٤) : وسفع على أسّ ونؤي معثلب.

(٣) ٩١ / يونس : ١٠.

(٤) انظر : معاني القرآن وإعرابه : ١ / ١٢٦ ، البيان : ١ / ٩٥ ، البحر : ١ / ٢٤٩ ، الهمع : ١ / ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٥) ١١٤ / التوبة : ٩.

١٥٩

الأوّاه : الذي يكثر قولة : آه آه. والتأوّه : كلّ كلام يظهر منه تحزّن وقوله : (أَوَّاهٌ) قيل : هو المؤمن الدّاعي. وقيل : من يخشى الله حقّ خشيته. وقال أبو عبيدة : المتأوّه شفقا (١) ، المتضرّع نفسا ولزوما للطاعة ، وأنشدني شيخي للمثقّب العبديّ يصف ناقته (٢) : [من الوافر]

إذا قمت أرحلها بليل

تأوّه آهة الرجل الحزين

والأوّاه : الكثير التأوّه خوفا من الله تعالى.

أ وي :

قال تعالى : (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ)(٣) أي ضمّه إليه في مأواه. يقال : أوى يأوي أويّا ، ومأوى اسم لمكان. وآواه غيره يؤويه إيواء. فمن الأوّل قوله تعالى : (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ)(٤). ومن الثاني : (وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ)(٥) ، (آوى إِلَيْهِ أَخاهُ)(٦).

وقوله : (جَنَّةُ الْمَأْوى)(٧). فالمأوى : مصدر أضيف إليه ، كإضافة الدار للخلد في قوله : (دارُ الْخُلْدِ)(٨) فالمأوى اسم للمكان الذي يؤوى إليه. وقال الشاعر : [من الوافر]

أطوّف ما أطوّف ثمّ آوي

إلى ماء ويرويني النّقيع (٩)

__________________

(١) في ح : شفعاء ، وفي س : شفعا ، ولعلها كما ذكرنا.

(٢) اللسان مادة ـ أوه ، والغريبين : ١٠٩. أما «شيخي» فالياء عائدة على أبي عبيدة ، وشيخه أبو منصور الأزهري.

(٣) ٦٩ / يوسف : ١٢.

(٤) ١٠ / الكهف : ١٨.

(٥) ١٣ / المعارج : ٧٠.

(٦) ٦٩ / يوسف : ١٢.

(٧) ١٥ / النجم : ٥٣.

(٨) ٢٨ / فصلت : ٤١.

(٩) البيت من شواهد اللسان من غير عزو ، لكن رواية العجز :

إلى أمي ويكفيني النقيع

١٦٠