تحفة العالم في شرح خطبة المعالم - ج ٢

آية الله السيّد جعفر بحر العلوم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد جعفر بحر العلوم


المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز تراث السيد بحر العلوم قدّس سرّه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

الدول الإسلامية ، كرسيُّ ملكها : کرمان ، عدد ملوكها : ثمانية ، نشأت سنة ٦١٩ هـ ، وانقضت سنة ٧٠٣ هـ ؛ إذ من المعلوم أن ظهور مرقده كان بعد وفاته بسنين.

وكتب بعضهم : أن السيِّد علاء الدين حسين كان ذاهباً إلى تلك الحديقة فعرفوه أنه من بني هاشم ، فقتلوه في تلك الحديقة ، وبعد مضي مدَّة ، وزوال آثار الحديقة ، بحيث لم يبق منها إلا ربوة مرتفعة ، عرفوا قبره بالعلامات المذكورة. وكان ذلك في دور الدولة الصفوية.

وجاء رجل من المدينة يقال له : ميرزا علي وسكن شیراز ، وكان مثرياً ، فبنی عليه قُبَّة عالية ، وأوقف عليه أملاكاً وبساتين ، ولمّا توفّي دُفن بجنب البقعة ، وتولية الأوقاف كانت بيد ولده ميرزا نظام الملك ، أحد وزراء تلك الدولة ، ومن بعده إلى أحفاده ، والسلطان خليل الَّذي كان حاكماً في شيراز من قبل الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي ، رمث (٢) البقعة المذكورة ، وزاد على عمارتها السابقة في سنة ٨١٠.

حمزة ابن الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام

وأمّا حمزة بن موسی : فهو المدفون في الري ، في القرية المعروفة : بشاه زاده عبد العظيم ، وله قُبَّة وصحن ، وخدّام.

وكان الشاهزادة عبد العظيم على جلالة شأنه ، وعظم قدره ، يزوره أيام إقامته في الريَّ ، وكان يُخفي ذلك على عامَّة الناس ، وقد أسرّ على بعض خواصه : أنه قبر رجل من أبناء موسی بن جعفر عليه‌السلام (٣). (١)

__________________

(١) أي الدولة الأتابكية ، ومن الملاحظ أن الجملة تحمل شيئاً من الارتباك.

(٢) رمثه : أصلحه. انظر : المعجم الوسیط : ٣٧١.

(٣) تحفة الزائر: ٦٦٩.

٦١

وممَّن فاز بقرب جواره بعد الممات : هو الشيخ الجليل ، السعيد ، قدوة المفسرین : جمال الدين أبو الفتوح حسين بن علي الخزاعي الرازي : صاحب التفسير المعروف بـ(روض الجنان) في عشرين مجلّداً فارسياً ، إلّا أنّه عجیب ، ومكتوب على قبره اسمه ونسبه بخطّ قدیم. فما في مجالس المؤمنين من أن قبره في أصفهان ، بعيد جداً (٢).

وفي تبریز : مزار عظيم يُنسب إلى حمزة ، وكذلك في قم في وسط البلدة ، وله ضریح. وذكر صاحب (تاريخ قم) : (أنه قبر حمزة ابن الإمام موسى عليه‌السلام) (٣).

والصحيح : ما ذكرنا ، ولعلَّ المزار المذكور لبعض أحفاد موسی بن جعفر عليه‌السلام.

القبران في مشهد الكاظمين عليهما‌السلام

وأمّا المرقدان في صحن الكاظمين عليهما‌السلام فيقال : إنهما من أولاد الكاظم عليه‌السلام ، ولا يُعلم حالهما في المدح والقدح ، ولم أر من تعرّض لهذين المرقدين.

نعم ، ذكر العلّامة السيِّد مهدي القزويني في مزار کتابه (فلك النجاة) : (أن الأولاد الأئمة قبرين مشهورين في مشهد الإمام موسى عليه‌السلام من أولاده ، لكن لم يكونا من المعروفين. وقال: إن أحدهم اسمه : العبَّاس ابن الإمام موسى عليه‌السلام ، الَّذي ورد في

__________________

(١) قال أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله : (حدثنا جعفر بن محمّد أبو القاسم قال : حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي قال : حدثنا أحمد بن محمّد بن خالد البرقي قال : كان عبد العظيم ورد الري هارباً من السلطان ، وسكن سرباً في دار رجل من الشيعة في سكة الموالي ، وكان يعبد الله في ذلك السرب ، ويصوم نهاره ، ويقوم ليله ، وكان يخرج مستتراً ، فيزور القبر المقابل قبره ، وبينهما الطريق ، ويقول : هو قبر رجل من ولد موسی بن جعفر عليه‌السلام). (رجال النجاشي : ٢٤٧ رقم ٦٣٥).

(٢) مجالس المؤمنين ١ : ٤٩٠.

(٣) تاريخ قم : ٥٨٤ ، منتهى الآمال ٢ : ٣٠٥.

٦٢

حقّه القدح). انتهى (١).

قلت : والمكتوب في لوح زيارة المرقدين أن أحدهما إبراهيم ، وقد تقدم أنه أحد المدفونين في الصحن الكاظمي.

والآخر : إسماعيل. ولعل الَّذي يُعرف بإسماعيل : هو العبَّاس بن موسى. وقد عرفت ذمَّه من أخيه الرضا عليه‌السلام بما لا مزيد عليه ، ويؤيده ما هو شائع على الألسنة : من أن جدّي بحر العلوم ـ طاب ثراه ـ لمّا خرج من الحرم الكاظمي أعرض عن زيارة المشهد المزبور ، فقيل له في ذلك ؛ فلم يلتفت (٢).

[إسماعيل ابن الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام]

وأمّا إسماعيل بن موسی ، الَّذي هو صاحب الجعفريات ، فقبره في مصر (٣) ، وكان ساكناً به ، وولده هناك ، وله كتب يرويها عن أبيه ، عن آبائه ، منها : کتاب الطهارة ، کتاب الصلاة ، کتاب الزكاة ، کتاب الصوم ، کتاب الحج ، کتاب الجنائز ، کتاب الطلاق ، کتاب الحدود ، کتاب الدعاء ، کتاب السنن والآداب ، کتاب الرؤيا. كذا في رجال النجاشي (٤).

__________________

(١) المزار : ١٣٩.

(٢) ينظر عن تعدد إبراهيم وحاله : الفوائد الرجالية ١ : ٤١٤ ـ ٤٣٥ ، وقد هُدم قبراهما في العقد المنصرم ، ورأيت صورة قبريهما في مكتبة أمير المؤمنين عليه‌السلام في النجف الأشرف ، وقال الشيخ القمي في منتهى الأمال ٢ : ٢٩٢ : (إن إبراهيم بن موسى توفي في بغداد ، ودُفن في مقابر قريش مع أبيه عليه‌السلام في قبر منفصل معروف) ، انتهى.

وسيأتي كلام الطقطقي عن قبره ، فلاحظ.

(٣) لم يُذكر أن قبره بمصر ، وإنما نُصّ علی سکنه بها ومن بعده أولاده وأحفاده ، والظاهر أنه يرد على سبيل الاحتمال.

(٤) رجال النجاشي : ٢٦ رقم ٤٨.

٦٣

وفي تعليقات الرجال : (أن كثرة تصانيفه ، وملاحظة عنواناتها ، وترتيباتها ، ونظمها ، تشير إلى المدح ، مضافاً إلى ما في [خبر] (١) صفوان بن يحيى : أن أبا جعفر ـ أعني : الجواد عليه‌السلام ـ بعث إليه بحنوط : وأمر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه.

قال : والظاهر : أنه هذا ، وفيه أشعار بنباهته) ، انتهى (٢).

وفي مجمع الرجال لمولانا عناية الله : (أنه هو جزماً ، وقال : يدل على زيادة جلالته جداً) (٣).

وفي رجال ابن شهر آشوب : (إسماعيل بن موسی بن جعفر الصادق عليه‌السلام سكن مصر وولده بها ، ثُمَّ عدّ كتبه المذكورة) (٤).

ولا يخفى ظهور كون الرجل من الفقهاء عندهم ، وفي القرية المعروفة : بفيروز کوه ، مزار ينسب إلى إسماعيل ابن الإمام موسی عليه‌السلام أيضاً (٥).

وأمّا إسحاق : فمن نسله الشريف أبو عبد الله ، المعروف : بنعمة ، وهو محمّد بن الحسن بن إسحاق بن الحسن بن الحسين بن إسحاق بن موسی بن جعفر عليه‌السلام ، الَّذي كتب الصدوق له (من لا يحضره الفقيه) ، كما صرّح به في أول الكتاب المزبور (٦).

قبر حمزة في أطراف الحلّة

يوجد في أطراف الحلَّة مزار عظيم ، وله بقعة وسيعة ، وقبة رفيعة تُنسب إلى

__________________

(١) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنی.

(٢) تعليقة على منهج المقال : ٩٣ ، وخبر صفوان ورد في اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٩٢ ح ٩٦١.

(٣) مجمع الرجال ١ : ٢٤٤ ، ٣ : ٢١٨.

(٤) معالم العلماء : ٤٣ رقم ٣١.

(٥) فیروز کوه : نسبة إلى قلعة في ولاية غُوْر الواقعة بين هراة وغزنة. (معجم البلدان ٤ : ٢١٨).

(٦) من لا یحضره الفقيه ١ : ٢ ، وينظر عن أحواله وموضع قبره : منتهی الآمال ٢ : ٣١٢.

٦٤

حمزة ابن الإمام موسی عليه‌السلام (١) ، تزوره الناس وتنقل له الكرامات. ولا أصل لهذه الشهرة. بل هو قبر حمزة بن قاسم بن علي بن حمزة بن حسن بن عبيد الله بن العبَّاس ابن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، المكنَّى بأبي يَعلَى (٢) ، ثقة جليل القدر ذكره

__________________

(١) وأقدم من ذكره بهذه النسبة ابن الطقطقي (ت ٧٠٩ هـ) في (الأصيلي) إذ قال في ص ١٨٠ منه : (وقبره بمشهد الغربات بالصدرين ، رستاق من بلاد الحلة المزيدية) انتهى. أفادنا بذلك شيخ إجازتنا العلّامة السيِّد عبد الستار الحسني دام توفيقه ، كما ذكر بذلك في نبذة الغري في أحوال الحسن الجعفري ، وألّف في ترجمته الشيخ محمّد علي الأوردبادي رحمه‌الله رسالة باسم : (المثل الأعلى في ترجمة أبي يعلی) وطُبعت بتحقيق السيِّد جودت القزويني.

(٢) حكاية تصحيح النسبة لقبره رضي‌الله‌عنه ذكرها الشيخ حسين النوري رحمه‌الله في كتابه (جنة المأوى) المطبوع مع بحار الأنوار ٥٣ : ٢٨٦ ـ ٢٨٧ رقم ٤٥ ، ونصّها : (قال سلمه الله : وحدثني الوالد أعلى الله مقامه [المتحدث هو ابن السيِّد محمّد مهدي القزويني (ت ١٣٠٠ هـ)] قال : لازمت الخروج إلى الجزيرة مدة مديدة ؛ لأجل إرشاد عشائر بني زيد إلى مذهب الحق ، وكانوا كلهم على رأي أهل التسنّن ، وببركة هداية الوالد قدس سره وإرشاده ، رجعوا إلى مذهب الإمامية كما هم عليه الآن ، وهم عدد كثير يزيدون على عشرة آلاف نفس ، وكان في الجزيرة مزار معروف بقبر الحمزة بن الكاظم ، يزوره الناس ويذكرون له كرامات كثيرة ، وحوله قرية تحتوي على مائة دار تقريباً. قال قدس‌سره : فكنت أستطرق الجزيرة وأمرّ عليه ولا أزوره ؛ لما صحّ عندي أن الحمزة بن الكاظم مقبور في الري مع عبد العظيم الحسني ، فخرجت مرة على عادتي ونزلت ضيفاً عند أهل تلك القرية ، فتوقعوا مني أن أزور المرقد المذكور فأبيت ، وقلت لهم : لا أزور من لا أعرف ، وكان المزار المذكور قلّت رغبة الناس فيه لإعراضي عنه ، ثُمَّ ركبت من عندهم وبتّ تلك الليلة في قرية المزيدية ، عند بعض ساداتها ، فلمَّا كان وقت السحر جلست لنافلة الليل وتهيأت للصلاة ، فلمَّا صليت النافلة بقيت أرتقب طلوع الفجر ، وأنا على هيئة التعقيب إذ دخل علي سيد أعرفه بالصلاح والتقوى ، من سادة تلك القرية ، فسلّم وجلس. ثُمَّ قال : يا مولانا بالأمس تضيّفت أهل قرية الحمزة ، وما زرته؟ قلت : نعم ، قال : ولِمَ ذلك؟ قلت : لأني لا أزور من لا أعرف ، والحمزة بن الكاظم مدفون بالري ، فقال : ربّ مشهور لا أصل له ، ليس هذا قبر الحمزة بن موسى الكاظم وإن اشتهر أنه كذلك ، بل هو قبر أبي يعلى حمزة بن القاسم العلوي العبَّاسي أحد علماء الإجازة وأهل الحديث ، وقد ذكره أهل الرجال في كتبهم ، وأثنوا عليه بالعلم والورع ، فقلت في نفسي : هذا السيِّد من عوام السادة ، وليس من أهل الاطلاع على الرجال والحديث ، فلعله أخذ هذا الكلام عن بعض العلماء ، ثُمَّ قمت لأرتقب طلوع الفجر ، فقام ذلك السيِّد وخرج وأغفلت أن أسأله عمّن أخذ هذا لأن الفجر قّدْ طلع ، وتشاغلت بالصلاة ، فلمَّا صليت جلست للتعقيب حَتَّى طلع الشمس وكان معي جملة من كتب الرجال ، فنظرت فيها وإذا الحال كما ذکر ، فجاءني أهل القرية مسلّمين عليّ وفي جملتهم ذلك السيد ، فقلت : جئتني قبل الفجر وأخبرتني عن قبر الحمزة ، أنه أبو يعلی حمزة بن القاسم العلوي فمن أين لك هذا وعمّن أخذته؟ فقال : والله ما جئتك قبل الفجر ولا رأيتك قبل هذه الساعة ، ولقد كنت ليلة أمس بائتاً خارج القرية ـ في مكان سماء ـ وسمعنا بقدومك ، فجئنا في هذا اليوم زائرين لك ، فقلت لأهل القرية : الآن لزمتي الرجوع إلى زيارة الحمزة فإني لا أشكّ في أن الشخص الَّذي رأيته

٦٥

النجاشي في الفهرست ، وقال : (إنه من أصحابنا ، كثير الحديث ، له كتاب من روى عن جعفر بن محمّد عليه‌السلام من الرجال ، وهو كتاب حسن ، وكتاب التمهید ، وكتاب الزيارات والمناسك ، وكتاب الرد على محمّد بن جعفر الأسدي) (١).

زيد ابن الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام

وأمّا زيد فقد خرج بالبصرة ، فدعا إلى نفسه ، وأحرق دوراً ، وأعاث ، ثُمَّ ظُفر به وحُمل إلى المأمون.

قال زيد : (لمّا دخلت على المأمون نظر إليّ ثُمَّ قال : اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن علي بن موسى ، فتركني بين يديه ساعة واقفاً ، ثُمَّ قال : يا زيد ، سوءةً لك : ما أنت قائل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا سفكت الدماء ، وأخفتَ السبيل ، وأخذت المال من غير حلّه ، غرّك حديث حمقى أهل الكوفة : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : إن فاطمة أحصنت فرجها ، فحرّمها الله وذرِّيتها على النار ، إن هذا لمن خرج من بطنها : الحسن والحسين عليهما‌السلام فقط. والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله ؛ فلئن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته ، إنك إذاً لأكرم عند الله منهم) (٢).

وفي العيون : (إنه عاش زيد بن موسى إلى آخر خلافة المتوكّل ، ومات بسُرَّ من

__________________

هو صاحب الأمر عليه‌السلام ، قال : فركبت أنا وجميع أهل تلك القرية لزيارته ، ومن ذلك الوقت ظهر هذا المزار ظهوراً تاماً علی وجه صار بحيث تُشدّ الرحال إليه من الاماكن البعيدة. قلت : في رجال النجاشي : حمزة بن القاسم بن علي بن حمزه بن الحسن بن عبيد الله بن العبَّاس بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أبو یعلی ، ثقة جلیل القدر ، من أصحابنا ، کثير الحديث ، له كتاب من روى عن جعفر بن محمّد عليهما‌السلام من الرجال ، وهو كتاب حسن. وذكر الشيخ الطوسي أنه يروي عن سعد بن عبد الله ، ويروي عنه التلعکبري رحمه‌الله إجازة ، فهو في طبقة والد الصدوق).

(١) رجال النجاشي : ١٤٠ رقم ٣٦٤.

(٢) کشف الغُمَّة ٣ : ١٠٤.

٦٦

رأى) (١).

وكيف كان فهذا زيد هو المعروف بزيد النار ، وقد ضعَّفه أهل الرجال ، ومنهم : المجلسي في وجيزته (٢).

وفي العمدة : (أنه حاربه الحسن بن سهل ، فظفر به ، وأرسله إلى المأمون ، فأدخله عليه بمرو مقيَّداً ، فأرسله المأمون إلى أخيه علي الرضا عليه‌السلام ، ووهب له جرمه ، فحلف علي الرضا عليه‌السلام : أن لا يكلّمه أبداً ، وأمر بإطلاقه ، ثُمَّ إنَّ المأمون سقاه السمَّ فمات) (٣).

حكيمة بنت الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام

هذا وقال ابن شهر آشوب صاحب المعالم (٤) : (حكيمة بنت أبي الحسن موسی بن جعفر عليه‌السلام قالت : لمّا حضرت ولادة الخيزران اُمّ أبي جعفر عليه‌السلام دعاني الرضا عليه‌السلام ، فقال : يا حكيمة ، أحضري ولادتها ، وادخُلي وإيَّاها والقابلةَ بيتاً. ووضع لنا مصباحاً ، وأغلق الباب علينا ، فلمَّا أخذها الطلق طُفي المصباح وبين يديها طست فاغتممت بطفي المصباح ، فبينا نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر عليه‌السلام في الطست ، وإذا

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٥٩ ضمن ح ٣ ، ويدل عليه ما رُوي في (الثاقب في المناقب) لابن حمزة الطوسي : ٥٤٠ ح ٤٨١ / ٥ ، عن الطيب بن محمّد بن الحسن بن شمون ، قال : (ركب المتوكّل ذات يوم وخلفه الناس ، وركب آل أبي طالب إلى أبي الحسن عليه‌السلام ؛ ليركبوا بركوبه ، فخرج في يوم صائف شديد الحر ، والسماء صافية ما فيها غيم ، وهو عليه‌السلام معقود ذنب الدابة بسرج جلود طويل وعليه ممطر وبرنس ، فقال زيد بن موسى بن جعفر لجماعة آل أبي طالب : انظروا إلى هذا الرجل يخرج مثل هذا اليوم كأنه وسط الشتاء ، قال : فساروا جميعاً فما جاوزوا الجسر ولا خرجوا عنه حَتَّى تغيّمت السماء ، وأرخت عزاليها كأفواه القرب ، وابتلّت ثياب الناس ، فدنا منه زيد بن موسى بن جعفر وقال : يا سيدي ، أنت قَدْ علمت أن السماء قَدْ تمطر ، فهلا أعلمتنا ، فقد هلكنا وعطبنا).

(٢) الوجيزة في الرجال : ٨٤ رقم ٨٠٠.

(٣) عمدة الطالب : ٢٢١.

(٤) في الأصل : (في المعالم) والصحيح ما أثبتناه.

٦٧

عليه شيء رقيق ، كهيئة الثوب ، يسطع نوره حَتَّى أضاء البيت ، فأبصرناه ، فأخذته فوضعته في حجري ، ونزعت عنه ذلك الغشاء.

فجاء الرضا عليه‌السلام ففتح الباب ، وقد فرغنا من أمره ، فأخذه فوضعه في المهد ، وقال : يا حكيمة إلزمي مهده. قالت : فلمَّا كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ، [ثُمَّ نظر يمينه ويساره] (١) ، ثُمَّ قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمّداً رسول الله. فقمتُ ذَعِرَةً فَزِعَةً ، فأتيت أبا الحسن عليه‌السلام ، فقلت له : قَدْ سمعت من هذا الصبي عجباً. فقال : ما ذاك؟ فأخبرته الخبر ، فقال : يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر) ، انتهى (٢).

وحكيمة بالكاف ـ كما صرّح به جدّي بحر العلوم رحمه‌الله : (وأمّا حليمة ـ باللام ـ فمن تصحيف العوام) (٣).

قلت : وفي جبال طريق بهبهان مزار ، يُنسب إليها ، يزوره المتردِّدون من الشيعة (٤).

فاطمة المعروفة بمعصومة قم

وأمّا فاطمة : فقد روى الصدوق في (ثواب الأعمال) ، و (العيون) أيضاً ، بإسناده ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن فاطمة بنت موسی بن جعفر عليها‌السلام؟ فقال : «من زارها فله الجنَّة» (٥).

وفي كامل الزيارة مثله ، وفيه أيضاً بإسناده عن ابن الرضا ـ أعني : الجواد عليه‌السلام ـ

__________________

(١) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٢) مناقب آل أبي طالب عليهم‌السلام ٣ : ٤٩٩.

(٣) الفوائد الرجالية ٢ : ٣١٦.

(٤) ينظر ترجمتها بالتفصيل في : مجموعة الآثار ٢ : ٢٢٩ رقم ٢٠.

(٥) ثواب الأعمال : ٩٨ ، عیون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٩٩ ح ١.

٦٨

قال : «من زار عمَّتي بقم فله الجنَّة» (١).

وفي مزار البحار : رأيت في بعض كتب الزيارات : حدّث علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن سعد ، عن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ، قال : «يا سعد ، عندكم لنا قبر؟ قلت : جُعلت فداك ، قبر فاطمة بنت موسی عليهما‌السلام ، قال : نعم ، من زارها عارفاً بحقّها فله الجنَّة» (٣).

وعن (تاريخ قم) للحسن بن محمّد القمي : بإسناده عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن لله حرماً وهو مكة ، ولرسوله حرماً وهو المدينة ، ولأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة ، ولنا حرماً وهو قم ، وستُدفن فيه امرأة من ولدي تسمی : فاطمة ؛ من زارها وجبت له الجنَّة. قال عليه‌السلام ذلك ولم تحمل بموسى عليه‌السلام اُمُّه» (٣).

وبسند آخر عنه : «أن زيارتها تعدلُ الجنَّة» (٤).

قلت : وهي المعروفة اليوم بمعصومة ، ولها مزار عظيم ، ويُذكر في بعض كتب التاريخ : أن القُبَّة الحالية التي على قبرها من بناء سنة ٥٢٩ هـ ، بأمر المرحومة : شاه بیکم بنت عماد بيك.

وأمّا تذهيب القُبَّة مع بعض الجواهر الموضوعة على القبر ، فهي من آثار السلطان : فتح علي شاه القاجاري (٥).

__________________

(١) کامل الزيارات : ٥٣٦ ح ٨٢٦ / ١ ، ٨٢٧ / ٢ تباعاً.

(٢) بحار الأنوار ٩٩ : ٢٦٥ ح ٤.

(٣) تاريخ قم : ٥٧٣ ، عنه بحار الأنوار ٩٩ : ٢٦٧ ح ٥.

(٤) تاريخ قم : ٥٧٣ ، عنه بحار الأنوار ٩٩ : ٢٦٧ ح ٦.

(٥) ينظر ترجمتها بالتفصيل في : مجموعة الأثار ٢ : ٢٣٦ رقم ٣٢ ، وقد ألفت فيها وفي تاريخ عمارة قبرها کتب مختصة فلتراجع.

٦٩

وأمّا فاطمة الصغرى ، وقبرها في بادکوبة خارج البلد ، يبعد عنه بفرسخ من جهة جنوب البلد ، واقع في وسط مسجد بناؤه قدیم. هكذا ذكره صاحب مرآة البلدان.

وفي رشت مزار : (يُنسب إلى فاطمة الطاهرة : اُخت الرضا عليه‌السلام ، ولعلها غير من ذكرناها) (١).

فقد ذكر سبط ابن الجوزي في (تذكرة خواص الاُمَّة) في ضمن تعداد بنات موسی بن جعفر عليه‌السلام : (أربع فواطم : کبری ، ووسطی ، وصغرى ، واُخرى ، والله أعلم) (٢).

تتميم

القاضي أبو يوسف

ومن جملة المدفونين بجنب الإمامين ، الهمامين ، الكاظمين عليهما‌السلام ، القاضي أبو يوسف : يعقوب بن إبراهيم ، أحد صاحبي أبي حنيفة ، والآخر هو محمّد بن الحسن الشيباني (٣). كانت ولادة القاضي المذكور سنة ١١٣ هـ ، وتوفي وقت الظهر ، في الخامس من ربيع الأول ، سنة ١٨٢ هـ ، وقبره بجنب مشهدهما عليه‌السلام معلوم (٤).

فرهاد ميرزا القاجاري

وممَّن فاز أيضاً بقرب الجوار بعد الموت : النواب فرهاد ميرزا ، معتمد الدولة ، خلف المرحوم عبَّاس ميرزا ابن فتح علي شاه القاجاري ، وولي عهده السابق ،

__________________

(١) ينظر ترجمتها بالتفصيل في مجموعة الآثار ٢ : ٢٣٥ رقم ٣١.

(٢) تذکرة الخواص ٢ : ٤٦٩.

(٣) ترجم له ابن حبان في كتابه المجروحين ٢ : ٢٧٥ ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٢ : ١٦٩ رقم ٥٩٣.

(٤) ينظر ترجمته في : تاريخ بغداد ١٤ : ٢٤٥ ـ ٢٦٤ ، قاموس الرجال ١١ : ١٢٣ رقم ٨٤٧٨ ، وكل من ذكره قال : إن وفاته كانت سنة ١٨٢ هـ ، وقيل : ١٩٢ هـ ، فلاحظ.

٧٠

وكان من النواب المذكور من فحول فضلاء الدورة القاجارية ، معروفاً بوسعة التتبع والاستحضار ، خصوصاً في فَنَّي التاريخ والجغرافيا ، واللُّغة الإنكليسية.

وله مآثر مأثورة منها : كتابه الموسوم (بجام جم) في تاريخ الملوك والعالم ، وكتاب (القمقام الزخّار والصمصام البتّار) في المقتل ، وكتاب (الزنبيل) يجري مجرى الكشكول ، و (شرح خلاصة الحساب بالفارسية ، و (هداية السبيل وكفاية الدليل) رحلة زيارته بيت الله الحرام.

ومن أعظم آثاره : تعمير صحن الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام ، وتذهیب رؤوس منائره الأربع ، كما هو المشاهد الآن ، ومدَّة التعمير ستّ سنين ، وفرغ من تعميره سنة ١٢٩٩ هـ وتوفي سنة ١٣٠٥ هـ في طهران ، وحُمل نعشه إلى الكاظمين عليهما‌السلام ، ودفن بباب الصحن الشريف الكاظمي ، حيث لا يخفى (١).

__________________

(١) ينظر ترجمته في : أعيان الشيعة ٨ : ٣٩٧ ، الكنى والألقاب ٣ : ١٩٠.

٧١
٧٢

المقام الثامن

في الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام

مولده عليه‌السلام

وكنيته : أبو الحسن الثالث ، كان مولده يوم الثلاثاء ، وقيل : يوم الخميس ، وقيل : يوم الجمعة ، في الحادي عشر من شهر ذي القعدة ، وقيل : ذي الحجة ، سنة ١٤٨ من الهجرة على ما ذكره المفيد في (الإرشاد) ، والكليني في (الكافي) ، والشيخ في (التهذيب) (١) ، وقيل سنة ١٥٣ هـ (٢).

ونسب إلى ما رواه (٣) الصدوق : (من بعد وفاة الصادق عليه‌السلام بخمس سنين في المدينة) (٤).

اُمُّه اُمّ ولد ، يقال لها : اُمّ البنين.

والمروي أن حميدة : اُمّ موسی بن جعفر عليهما‌السلام لمّا اشترتها. رأت رسول الله في المنام ، وقد أمرها بأن يقطعها (تقطعها ـ ظ) إلى الإمام موسی عليه‌السلام ، وأخبرتها (وأخبرها ـ ظ) بأنه يلد منها الرضا عليه‌السلام (٥).

فصل

في ذكر أولاده عليه‌السلام

قيل : لم يُعرف له ولد سوى ابنه الإمام محمّد بن علي ، كما هو في

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٧ ، الكافي ١ : ٤٨٦ ، تهذيب الأحکام ٦ : ٨٣.

(٢) ينظر : شرح إحقاق الحق ٢٨ : ٦٤٠.

(٣) عبارة : (ونسب إلى ما رواه) كان الأولى منها كلمة : (وقال) ؛ ليستقيم الكلام والمعنى ، فلاحظ.

(٤) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٨.

(٥) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٢٦ ح ٣.

٧٣

(الإرشاد) (١) ، والأصح : أن له أولاد ، أو قَدْ ذكر غير واحد من العامة : له خمسة بنين ، وابنة واحدة. وهم :

محمّد القانع ، والحسن ، وجعفر ، وإبراهيم ، والحسين ، وعائشة (٢).

وفي بعض كتب الأنساب : مذكورٌ العقبُ من بعضهم فلاحظ (٣).

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٧١.

(٢) کشف الغُمَّة ٣ : ٦٠.

(٣) فائدة : قال الشيخ عزیز الله العطاردي في كتابه (مسند الإمام الرضا عليه‌السلام) ١ : ١٤٠ ـ ١٤٢ في باب ذکر أولاده ، ما نصّه : ([١] ـ قال المفيد رحمه‌الله : ومضى الرضا عليه‌السلام ، ولم يترك ولداً تعلمه إلا ابنه الإمام بعده أبا جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام ، وكان سنّهُ يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا. [الإرشاد ٢ : ٢٧١].

[٢] ـ قال الطبرسي : وكان للرضا عليه‌السلام من الولد ، ابنه أبو جعفر محمّد بن علي الجواد لا غير [إعلام الوری ٢ : ٨٦].

[٣] ـ قال الإربلي : وأمّا أولاده ، فكانوا ستة ، خمسة ذكور ، وبنت واحدة ، وأسماء أولاده : محمّد القانع ، الحسن ، جعفر ، إبراهيم ، الحسين ، وعائشة [كشف الغُمَّة ٣ : ٦٠].

[٤] ـ ونقل عن الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي : أن له عليه‌السلام من الولد خمسة رجال وابنة واحدة : محمّد الإمام ، وأبو محمّد الحسن ، وجعفر ، وإبراهيم والحسين ، وعائشة [كشف الغُمَّة ٣ : ٦٠].

روى الإربلي بسنده ، عن حنان بن سدير قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، أيكون إمام ليس له عقب؟ فقال أبو الحسن عليه‌السلام : أما إنه لا يولد لي إلا واحد ، ولكن الله منشئ منه ذرية كثيرة ، قال أبو خداش : سمعت هذا الحديث منذ ثلاثين سنة [كشف الغُمَّة ٣ : ٩٥].

[٥] ـ قال ابن الخشاب : وُلد له خمسة ، وابنة واحدة ، أسماء بنیه : محمّد الإمام أبو جعفر الثاني ، أبو محمّد الحسين ، وجعفر ، وإبراهيم ، والحسن ، وعائشة فقط [تاريخ مواليد الأئمة عليهم‌السلام : ٣٨١].

[٦] ـ قال ابن شهر آشوب : كان للرضا عليه‌السلام من الولد ، ابنه أبو جعفر عليه‌السلام لا غير.

[٧] ـ في كتاب العدد : كان له عليه‌السلام ولدان ، أحدهما محمّد والآخر موسى ، لم يترك غيرهما [العدد القوية : ٢٩٤].

[٨] ـ في كتاب الدر : مضي الرضا عليه‌السلام ولم يترك ولداً إلا أبا جعفر محمّد بن علي عليه‌السلام ، وكان سنّه يوم وفات أبيه سبع سنين وأشهر [الدر النظيم : ٦٩٩].

[٩] ـ قال ابن الجوزي : وأولاده ، محمّد الإمام أبو جعفر الثاني ، وأبو جعفر ، وأبو محمّد الحسن ، وابراهيم ، وابنة واحدة.

[١٠] ـ قال محمّد بن طلحة : وأمّا أولاده ، فكانوا ستة ، خمسة ذكور ، وبنت واحدة ، وأسماء أولاده : محمّد القانع ، والحسن ، وإبراهيم ، والحسين ، وعائشة [مطالب السؤول : ٤٦٤].

[١١] ـ قال ابن حزم : فولد علي الرضا : علي بن علي لم يعقب ، ومحمّد بن علي صهر المأمون والعقب له ، والحسين.

٧٤

مرقد سلطان إبراهيم

وفي قوجان مشهد عظيم يُعرف : بسلطان إبراهيم بن علي بن موسی الرضا عليه‌السلام.

صحائف قرآن بخط غريب

ومن عجيب ما يوجد في ذلك المشهد من الآثار بعض الأوراق من كلام الله المجيد هي بخط : بأي سنقر بن شاه رخ ابن أمير تیمور الكرر كاني يقال : إن السلطان نادر شاه الأفشاري جاء بها من سمرقند إلى هذا المشهد ، وطول الصفحة في ذراعين ونصف ، وعرضها في ذراع وعشرة عقود ، وطول السطر في ذراع ، وعرضه خمسة عقود ، والفاصل ما بين السطرين ربع ذراع ، بقلم غلیظ في عرض ثلاث أصابع (١).

والسلطان ناصر الدین شاه القاجاري : لمّا سافر إلى خراسان لزيارة الرضا عليه‌السلام

__________________

[١٢] ـ قال ابن شهر آشوب : الأصل في مسجد زرد في كورة مرو ، أنه صلّى فيه الرضا عليه‌السلام ، فبنى مسجداً ، ثُمَّ دُفن فيه ولد الرضا عليه‌السلام ، ويروي فيه من الكرامات [مناقب آل أبي طالب عليهم‌السلام ٣ : ٤٧٢].

[١٣] ـ قال العطاردي : ويظهر من رواية رواها الصدوق في العيون ، ونقلناها في مسنده الشريف في كتاب (الآداب والمواعظ) تحت رقم ٢٨ ، بأن له عليه‌السلام بنتاً تسمى فاطمة ، وروت عنه عليه‌السلام ، وسند الحديث هكذا : حدثني أبو الحسن بكر بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم بن زياد بن موسی بن مالك الأشج العصري ، قال حدثتنا فاطمة بنت علي بن موسى قالت : سمعت أبي علياً يحدّث عن أبيه ، عن جعفر بن محمّد ... إلى آخر الحديث. ورأيت في كتاب (رشحات الفنون) من تأليفات أمين الدين أبي المكارم الحسيني الهروي المخطوط في مكتبة ملا فیروز ـ کاماهال ـ ببمئي من بلاد الهند ما هذا نصه : حضرت رضا عليه‌السلام أولاد ذكورش : أول محمّد تقي دوم أبو جعفر أكبر ، سوم أبو جعفر أصغر ، چهارم ابو محمّد الحسن ، پنجم إبراهيم ، ششم حسين ، إناث یکتن بود. وفي قزوين مزار مشهور ، يُعرف بشاهزاده حسين بن علي بن موسى الرضا عليهما‌السلام ، وله قُبَّة وروضة ، يُقصد ویُزار ، وذكر هذا المزار الرافعي في (التدوين في أخبار قزوين) ، وحمد الله مستوفي في تاريخه المسمى بـ(تاريخ گزيده) فليراجع) ، انتهى.

وقد نقلته بتمامه لفائدة لا تخفى على اللبيب ، وأورد العطاردي ذكر مصادر قوله ، فلتراجع ، وأيضاً ذكر ولده عليه‌السلام إبراهيم الذهبي في تاريخ الإسلام ١٣ : ٧٤ أحداث سنة ١٩٩ هـ.

(١) وقد رأيت أنا بعض تلك الصحائف في مكتبة الإمام الرضا عليه‌السلام وهي باقية إلى زماننا هذا.

٧٥

جاء بورقتين منها إلى طهران ، جعلها في متحفه الملوكي.

وفاة الإمام الرضا عليه‌السلام

وكيف كان : فإن المأمون الخليفة العبَّاسي أشخص الرضا عليه‌السلام من المدينة إلى خراسان ، سنة ٢٠٠ من الهجرة ، ولمّا رجع إلى بغداد ؛ لاختلال وقع في العراق ، أنهض معه الرضا عليه‌السلام ، وسمّه في قرية بطوس ، كما هو المشهور بين الإمامية ، فقُبض عليه‌السلام بها في يوم الثلاثاء في السابع عشر من شهر صفر ، وذكر الصدوق رحمه‌الله : في يوم الجمعة الإحدى والعشرين من رمضان (١).

وذكر المفيد رحمه‌الله في تاريخه : (أن اليوم الثالث والعشرين من ذي القعدة كانت وفاته ، سنة ٢٠٣ هـ على المشهور) (٢).

وفي الكافي عن محمّد بن سنان : (أنه قُبض عليه‌السلام في سنة ٢٠٢ هـ) (٣).

وذكر النجاشي في ترجمة أحمد بن عامر رواية تؤيّد هذا القول ، وهي : (أنه مات الرضا عليه‌السلام بطوس سنة اثنتين ومائتين يوم الثلاثاء ، لثمانٍ خلون من جمادی الأولى) (٤).

كلمة لا إله إلا الله حصني

وأورد صاحب کتاب (تاريخ نيسابور) : (أن علياً الرضا ابن موسی بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين عليهم‌السلام ، لمّا دخل نیسابور كان في قُبَّة مستورة ، على بغلة شهباء ، وقد شقّ بها السوق ، فعرض له الإمامان الحافظان : أبو

__________________

(١) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ٢٧٤.

(٢) مسار الشيعة : ٣٤.

(٣) الكافي ١ : ٤٩١.

(٤) رجال النجاشي : ١٠٠ رقم ٢٥٠.

٧٦

زرعة الرازي ، وابن أسلم الطوسي ، ومعهما من أهل العلم والحديث ما لا يُحصى ؛ فقالا : يا أيُّها السيِّد الجليل ابن السادة الأئمة ، بحق آبائك ، وأجدادك الأطهرين ، وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون ، ورويت لنا حديثاً عن آبائك ، عن جدِّك نذكرك به. فاستوقف غلمانه ، وأمر بكشف المظلّة ، وأقرَّ عيون الخلائق برؤية طلعته ، وإذا له ذؤابتان متدلّيتان (١) على عاتقه ، والناس قيام على طبقاتهم ينظرون ما بين باكِ ، وضارعِ (٢) ، ومتمرِّغ في الترابِ ، ومقبّل لحافر بغلته ، وعلا الضجيج ، فصاحت الأئمَّة الأعلام : معاشر الناس أنصتوا ، واسمعوا ما ينفعكم ، ولا تؤذونا بصراخكم ، وكان المستملي أبا زرعة ، ومحمّد بن أسلم الطوسي.

فقال علي الرضا عليه‌السلام : «حدثني أبي موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمّد الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، عن أبيه شهيد کربلا ، عن أبيه علي المرتضی ؛ قال : حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : حدّثني جبرئيل عليه‌السلام ، قال : حدَّثني ربّ العزَّة سبحانه وتعالى ، قال : كلمة لا إله إلا الله حصني ؛ فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمن من عذابي» ، ثُمَّ أرخی الستر على القُبَّة (٣) ، وسار.

قال : قُعدّ أهل المحابر والدواوين الَّذين كانوا يكتبون ، فأنافوا على عشرين ألفا.

(قال أحمد : لو قُرئ هذا الإسناد علی مجنون لأفاق من جنونه) (٤).

__________________

(١) في الأصل ، وفي بعض المصادر : (متعلقتان) وما أثبتناه من المصدر وهو أقوم للنصّ ، فلاحظ.

(٢) ضارع : خضع وذل ، وفي بعض المصادر : (وصارخ) وهي أكثر ملاءمة مع سياق الكلام.

(٣) في الأصل : (على المظلّة) وما أثبتناه من المصدر.

(٤) ما بين القوسين لم يرد في تاريخ نيسابور ، وهو زيادة من المؤلف رحمه‌الله ، وهو مذكور في تاريخ إصفهان ١ : ١٣٨ ، وكان ينبغي منه رحمه‌الله أن يجعله بعد قول القشيري ، فلاحظ.

٧٧

وقال أبو القاسم القشيري : اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض اُمراء السامانية ، فكتبه بالذهب ، وأوصى أن يُدفن معه في قبره ، فرُئي في المنام بعد موته ، فقيل له : ما فعل الله بك؟ فقال : غفر لي بتلفظي : بلا إله إلا الله ، وتصديقي : أنَّ محمّداً رسول الله.

هكذا أورده المنّاوي ـ من العامَّة ـ في شرحه الكبير على الجامع الصغير) (١).

وقال في الجواهر : (ولعلَّه لذا سُمّي بسلسلة الذهب ، وإنّي كثيراً ما أكتبه في كأس ، وأمحوه بماء ، وأضع عليه شيئاً من تربة الحسين ؛ فأرى تأثيره سريعاً والحمد لله. ولي فيه رؤيا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام تصدّق ذلك ، لكنَّها مشروطة بالصدقة بخمسة قروش) (٢).

وعن أمالي الصدوق رحمه‌الله بسنده عن إسحاق بن راهويه قال : «لما وافی أبو الحسن الرضا عليه‌السلام نيسابور ، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون ، اجتمع إليه أصحاب الحديث ، فقالوا : يا بن رسول الله ، ترحَلُ عنّا ، ولا تحدِّثنا بحديث فنستفيده منك؟ وقد كان قعد في العمَّارية ، فأطلع رأسه ، وقال : سمعت أبي موسی بن جعفر يقول : سمعت أبي جعفر بن محمّد يقول : سمعت أبي محمّد بن علي يقول : سمعت أبي علي بن الحسين يقول : سمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : سمعت جبرئيل عليه‌السلام يقول : سمعت الله عزَّ وجلَّ يقول : لا إله إلا الله حصني ، فمن دخل حصني أمن من عذابي. فلمّا مرّت الراحلة ، نادانا :

__________________

(١) تاريخ نيسابور ، عنه فيض القدير في شرح الجامع الصغير ٤ : ٦٤١ ، دون قول أحمد.

(٢) جواهر الكلام ٤ : ٢٢٦ بالهامش.

٧٨

بشروطها ، وأنا من شروطها» (١).

فصل في ذكر ولاية العهد من المأمون للرضا عليه‌السلام

ذكر جماعة من أصحاب السِّير والتاريخ ، ورواة الأخبار بأيام الخلفاء : (أنَّ المأمون لمّا أراد ولاية العهد الرضا عليه‌السلام ، وحدّث نفسه بذلك وعزم عليه ، أحضر الفضل بن سهل ، وأخبره بما في عزمه ، وأمره بمشاورة أخيه الحسن في ذلك.

فاجتمعا وحضرا عند المأمون ، فجعل الحسن يعظّم ذلك عليه ، ويعرّفه ما في خروج الأمر عن أهل بيته.

فقال المأمون : إنّي عاهدت الله تعالى : إنّي إنْ ظفرتُ بالمخدوع ـ وفي نسخة الإرشاد (المخلوع) عوض (المخدوع) ، والمراد منه : محمّد الأمين ـ سلّمت الخلافة إلى أفضل بني طالب ، وهو أفضلهم ، ولا بدّ من ذلك.

فلمّا رأيا تصميمه ، وعزمه على ذلك ، أمسكا عن معارضته ، فقال : تذهبان إليه الساعة ، وتخبر انه بذلك عنّي ، وتلزمانه به.

فذهبا إلى الرضا عليه‌السلام وأخبراه بذلك وألزماه ، فامتنع ، فلم يزالا به حَتَّى أجاب على أنه : لا يأمر ولا ينهى ، ولا يعزل ولا يُولّي ، ولا يتكلَّم بين اثنين في حكومة ، ولا يغيّر شيئاً ممَّا هو قائم على أصله.

فأجابه المأمون إلى ذلك. ثُمَّ إنَّ المأمون جلس مجلساً لخواصّه من الوزراء والحجّاب والكتّاب ، وأهل الحلّ والعقد ، وكان ذلك في يوم الخميس ، لخمس خلون من شهر رمضان سنة ٢٠١ هـ ، وقال للفضل بن سهل : أخبر الجماعة الحاضرين برأي

__________________

(١) أمالي الصدوق : ٣٠٥ ح ٣٤٩ / ٨ ، التوحيد : ٢٥ ح ٢٣ ، ثواب الأعمال : ٦ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ١ : ١٤٤ ح ٤.

٧٩

أمير المؤمنين في الرضا علي بن موسى عليه‌السلام ، وأنّه : ولّاه العهد ، وأمرهم بلبس الخضرة ، والعود لبيعته في الخميس الثاني.

فحضروا ، وجلسوا على مقادیر طبقاتهم ومنازلهم ، كلّ في موضعه ، وجلس المأمون ، ثُمَّ جيء بالرضا عليه‌السلام ، فجلس بين وسادتين عظيمتين ، وُضعتا له ، وهو لابس الخضرة ، وعلى رأسه عمامة ، تقلّد سيفاً ، فأمر المأمون ابنه العبَّاس بالقيام إليه ، ومبايعته أول الناس.

فرفع الرضا عليه‌السلام يده وجعلها من فوق ، فقال له المأمون : ابسط يدك ، فقال : هكذا كان يبايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يده فوق أيديهم.

فقال له : افعل ما ترى. ثُمَّ وُضعت بِدَرُ الدراهم ، والدنانير ، والثياب ، والخِلَع. وقام الخطباء والشعراء ، وذكروا ما كان من أمر المأمون من ولاية عهده للرضا عليه‌السلام ، وذكروا فضل الرضا عليه‌السلام ، وفُرّقت الصّلات والجوائز على الحاضرين على حسب مراتبهم ، وأول من بُدئ به العلويون ، ثُمَّ العبَّاسيون ، ثُمَّ باقي الناس ، ثُمَّ إنَّ المأمون قال للرضا عليه‌السلام : قم فاخطب الناس.

فقام عليه‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، وثنّى بذکر نبيَّه محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فصلّى عليه وقال : أيُّها الناس ، إنَّ لنا عليكم حقّاً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكم علينا حقّ به ، فإذا أديتم إلينا ذلك ، وجب لكم علينا الحكم والسلام.

ولم يُسمع منه في هذا المجلس غير هذا ، وخُطب للرضا عليه‌السلام بولاية العهد في كلّ بلد ، وخطب عبد الجبّار بن سعيد في تلك السنة على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالمدينة. فقال في الدعاء للرضا عليه‌السلام وهو على المنبر : ولي عهد المسلمین علي بن موسی بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي عليه‌السلام.

وأنشد :

ستَّة آباءٍ هُمُ ما هُمُ

أفضلُ مَنْ يشرَبُ صوبَ الغَمامْ

٨٠