آية الله السيّد جعفر بحر العلوم
المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز تراث السيد بحر العلوم قدّس سرّه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
المقام السابع
في الإمام موسی بن جعفر عليهالسلام
ولقبه : الكاظم ، وكنيته : أبو الحسن ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي.
ويُعرف : بالعبد الصالح ، والعالم ، وباب الحوائج.
وفي ذلك يقول الشاعر وما أحسنه :
يا سميَّ الكليم جئتكُ أسعى |
|
نحوَ مَغناكَ قاصداً مِن بلادي |
ليس تُقضى لنا الحوائجُ إلّا |
|
عندَ بابِ الرَّجاء جدِّ الجوادِ |
وقد شطّرهما جدّي بحر العلوم رحمهالله :
(يا سميَّ الكليم جئتُكَ أسعى) |
|
والهَوى مركبي وحبُّك زادي |
مسَّني الضرُّ وانتحی بِيَ فقري |
|
(نَحو مغناكَ قاصداً مِن بلادي) |
(ليس تُقضى لنا الحوائجُ إلّا) |
|
عندَ بابِ الحوائجِ المعتادِ |
عند بَحرِ النَّدى ابن جعفرَ موسی |
|
(عند باب الرَّجاء جدّ الجَوادِ) (١) |
مولده عليهالسلام في الأبواء
واُمّه عليهالسلام : اُمُّ ولد ، يقال لها : حميدة البربرية.
وُلد عليهالسلام بالأبواء ـ وهو منزل بين مكّة والمدينة ، قريب من الجُحفة ـ يوم الأحد في السابع من شهر صفر سنة ثمان ، وقيل : تسع وعشرين ومائة من الهجرة ، وقُبض مسموماً بسمّ هارون الرشید ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك.
تاريخ وفاته عليهالسلام
ولمّا مات أدخل السندي عليه الفقهاءَ ، ووجوهَ أهل بغداد ؛ لينظروا إليه ،
__________________
(١) ديوان السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم : ٦٣ ، وهي من تشطیره رحمهالله والأصل ـ الَّذي بين قوسين ـ للحاج محمّد البغدادي.
وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه ، فشهدوا على ذلك ، حيث لم يجدوا به جراح ، ولا خنق ، فاُخرج ووُضع على الجسر ببغداد ، ونودي عليه : هذا موسی بن جعفر قَدْ مات ، فانظروا إليه.
ثُمَّ حُمل ، فدُفن في مقابر قريش في باب التبن ، وكانت هذه المقبرة قديماً لبني هاشم ، والأشراف من الناس (١).
وكان المتولي لأُموره ابنه أبو الحسن الرضا عليهالسلام ، ولا يُلتفت إلى ما يستبعده الوهم من أنه عليهالسلام : وقت وفاة أبيه كان بالمدينة ، فكيف حضر بغداد في ليلة واحدة؟ فإن القادر الَّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، قادر على مثله.
وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رجب ، وقيل : في الخامس منه ، وقيل : في السادس ، والأول أشهر ، وهو الموافق لرواية التهذيب : لستّ بقین من رجب. إذا حُسب يوم الوفاة في سنة ١٨٣ هـ ، وله خمس وخمسون سنة (٢). (٣)
حکی ابن خَلّكان في ترجمته عليهالسلام : (أن هارون الرشيد حبسه في بغداد ، ثُمَّ دعا صاحب شرطته ذات يوم ، فقال له : رأيت في منامي حبشياً أتاني ومعه حربة ، وقال : إن لم تخل عن موسی بن جعفر عليهالسلام وإلّا نحرتك بهذه الحربة.
فاذهب فخلِّ عنه ، وأعطه ثلاثين ألف درهم ، وقل له : إن أحببت المقام عندنا ، فلك عندي ما تحب ، وإن أحببت المضي إلى المدينة ، فامضِ. قال صاحب الشرطة : ففعلت ذلك ، وقلت له : لقد رأيت من أمرك عجباً.
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٢.
(٢) تهذيب الأحکام ٦ : ٨١.
(٣) ينظر عن يوم ولادته وشهادته بالتفصيل : بحار الأنوار ٤٨ : ١ ـ ١٠.
فقال عليهالسلام : أنا أخبرك : بينما أنا نائم إذ أتاني رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : يا موسی حُبست مظلوماً ، فقل هذه الكلمات ، فإنك لا تبيت هذه الليلة في السجن : وذكر الدعاء.
ثُمَّ قال : وتوفّي موسى الكاظم في رجب ، سنة ١٨٣ هـ ، وقيل : سنة ١٨٧ هـ ، بغداد مسموماً ، وقيل : توفّي في الحبس) (١).
وكان الشافعي يقول : (قبر موسى الكاظم عليهالسلام الترياق المجرّب) (٢).
وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي ومرقده
وفي (جامع التواريخ) ، تأليف رشید الدین فضل الله الوزير ابن عماد الدولة ، أبي الخير : (أن في يوم الاثنين في السابع عشر من ذي الحجّة سنة ٦٧٢ هـ وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي في بغداد ، عند غروب الشمس) (٣) ، وأوصى أن يُدفن عند قبر موسی عليهالسلام والجواد عليهالسلام ، فوجدوا هناك ضريحاً مبنياً بالكاشي والآلات. فلمَّا تفحصوا ، تبيّن أن الخليفة الناصر لدين الله قَدْ حفره لنفسه مضجعاً ، ولمّا مات دفنه ابنه الظاهر في الرصافة مدفن آبائه وأجداده.
ومن عجائب الاتّفاق : أنَّ تاريخ الفراغ من إتمام هذا السرداب يوافق يومه مع م ولادة الخواجة ، يوم السبت في الحادي عشر من جمادى الأُولى سنة ٥٩٧ ، تمام عمره : خمس وسبعون سنة وسبعة أيام.
ترجمة الشيباني
وممَّن فاز بحسن الجوار هو : أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الدين علي بن
__________________
(١) وفيات الأعيان ٥ : ٣٠٩ ضمن ترجمته عليهالسلام رقم ٧٤٦ ، باختصار.
(٢) رسالة في إثبات کرامات الأولياء : ٦ ، نقله عنه سيدي محمّد بن عبد القادر الفاسي.
(٣) جامع التواريخ : ٦٦.
قزعلي بن زيادة ، من اُمراء بني العبَّاس. يقال له : الشيباني ، وأصله من واسط ، وُلد في بغداد سنة ٥٢٢ هـ ، وتوفّي سنة ٥٩٤ هـ ، ودُفن بجنب روضة الإمام موسی عليهالسلام ، ذكره ابن خَلّكان في تاريخه ، وكان شيعي المذهب ، حسن الأخلاق ، محمود السيرة (١).
الأمير توزون الديلمي
وممَّن فاز بحسن الجوار بعد الممات : الأمير توزن الديلمي من اُمراء رجال الديالمة في عصر المتَّقي العبَّاسي ، وعصى عليه ، وخالفه حَتَّى فرّ الخليفة منه إلى الموصل ، ثُمَّ استماله ، وأرجعه إلى بغداد ، توفّي الأمير المزبور سنة ٣٣٤ هـ (٢) ، ودُفن في داره ، ثُمَّ نُقل إلى مقابر قريش (٣).
فصل
في ذكر أولاده عليهالسلام
وُلد له سبع وثلاثون ، وقيل : تسع وثلاثون ولداً ذکراً واُنثی ؛ علي بن موسی الرضا عليهالسلام ، وإبراهيم ، والعبَّاس ، والقاسم لاُمَّهات أولاد.
وإسماعيل ، وله مزار في تويسرکان من بلاد ايران (٤).
وجعفر ، وهارون ، والحسن : لأُمّ ولد.
__________________
(١) وفيات الأعيان ٦ : ٢٤٤ رقم ٨٠٨.
(٢) في الأصل : (سنة ٥٦٨ هـ) وهو اشتباه واضح ، وما أثبتناه من الكامل في التاريخ ٨ : ٤٤٨ وفيه أحواله ، فلاحظ.
(٣) لم أهتدِ إلى مصدر قوله ، وينظر عن مَن جاوره عليهالسلام حياً وميتا : صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد : ٥٨ ـ ٦٧.
(٤) ينظر : مشاهد العترة الطاهرة : ٦٠.
وأحمد ، ومحمّد ، وحمزة : لأُمّ ولد.
وعبد الله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وقبره في بهبهان معروف یزار ، ويعرف بـ(شاه فضل) (١).
والحسين ، وسليمان : لأُمَّهات أولاد.
وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورُقيَّة ، وحكيمة ، واُمّ أبيها ، ورقيَّة الصغرى ، وكلثوم ، واُمّ جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعليَّة ، وآمنة ، وحسنة ، وبُريهة ، وعائشة ، واُمّ سلمة ، وميمونة : لأُمَّهات شتَّى (٢).
أمّا علي عليهالسلام : فسيأتي شرح حاله في المقام الثامن.
إبراهيم ابن الإمام الكاظم عليهالسلام
وأمّا إبراهيم : فقد قال المفيد رحمهالله في الإرشاد ، والطبرسي في (إعلام الوری) : (كان إبراهيم بن موسى عليهالسلام شجاعاً كريماً ، وتقلّد الإمرة على اليمن في أيام المأمون من قبل محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهالسلام الَّذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ، ومضى إليها ، ففتحها وأقام بها مدَّةً إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، وأخذ له الأمان من المأمون. وصرّحا : بأنَّ لكلّ من ولد أبي الحسن موسی عليهالسلام فضل ومنقبة مشهورة) (٣).
وفي (وجيزة) المجلسي : (إبراهيم بن موسی بن جعفر ممدوح) (٤).
__________________
(١) ينظر : مشاهد العترة الطاهرة : ٥٨.
(٢) ينظر عن أحوالهم وعددهم بالتفصيل : بحار الأنوار ٤٨ : ٢٨٣ ـ ٢٩٣.
(٣) الارشاد ٢ : ٢٤٥ ، إعلام الوری ٢ : ٣٦.
(٤) الوجيزة في الرجال : ١٥ رقم ٤٧.
وفي (الكافي) في باب (إنّ الإمام متى يعلم أنّ الأمر قَدْ صار إليه) ، بسنده عن علي بن أسباط : قال : «قلت للرضا عليهالسلام : إن رجلاً عنى أخاك إبراهيم فذكر له : أن أباك في الحياة ، وأنت تعلم من ذلك ما يعلم.
فقال : سبحان الله! يموت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولا يموت موسی؟! قَدْ والله مضى كما مضى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولكنَّ الله تبارك وتعالى لم يزل منذ قبض نبيه صلىاللهعليهوآله هلّم جرّاً ، يمُّن بهذا الدين على أولاد الأعاجم ، ويصرفه عن قرابة نبيَّه هلّم جرّاً ، فيعطي هؤلاء ويمنع هؤلاء ، لقد قضيتُ عنه في هلال ذي الحجّة ألف دينار ، بعد أن أشفي على طلاق نسائه ، وعتق مماليكه ، ولكن قَدْ سمعتَ ما لقي يوسف من إخوته» (١).
قال جدّي الصالح في (شرح اُصول الكافي) : (قوله : (عنی) بمعنی : قصد ، وأراد.
وفي بعض النسخ : (غرّ أخاك) ، قيل : ذلك الرجل أخوهما : عبَّاس.
قوله : (فذكر له) فاعل (ذكر) راجع إلى الرجل ، وضمير (له) إلى إبراهيم.
قوله : (وأنت تعلم) أي : ذكر أيضاً له أنك تعلم ما لا يعلم من مكانه.
ولفظة : (لا) غير موجودة في بعض النسخ ، ومعناه واضح.
قوله : (على أولاد الأعاجم) کسلمان وغيره ، وفيه مدح عظيم للعجم ، وتفضيلهم على العرب) (٢).
ما ورد في شأن العجم
وكتب أبو عامر بن خرشنة كتاباً في تفضيل العجم على العرب (٣). وكذلك
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٨٠ ح ٢.
(٢) شرح اُصول الكافي ٦ : ٣٦٨.
(٣) رسالة في تفضيل العجم على العرب ـ لأبي عامر بن عرسه [حرشنه] البشکسي (السبكي) [البسكتي] قيل : (ابتدع فيها وفسق ، فدعا عليه جماعة من العلماء ، فرده أبو الطيب عبد المنعم في حديقة البلاغة ، وأبو مروان في الاستدلال
إسحاق ابن سلمة (١).
وكيف يُنكر فضلهم ؛ وفي الأخبار ما يدلُّ على أنَّهم من أعوان القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وأنهم أهل تأييد الدين؟
قال النبي صلىاللهعليهوآله : «أسعد الناس بهذا الدين فارس».
رواه الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمِّي ، نزيل الريّ ، في كتاب (جامع الأحاديث) (٢) ، مع أنهم في تأييد الدين ، وقبول العلم ، أحسن وأكثر من العرب يدل على ذلك ، قوله تعالى : وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (٣).
قال علي بن إبراهيم ، قال الصادق عليهالسلام : «لو انزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب ، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم» (٤). فهي فضيلة للعجم.
وقال عند تفسير قوله تعالى : وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ (٥) : الشعوب : العجم ، والقبائل : من العرب ، (والأسباط : من بني إسرائيل ، قال : ورُوي ذلك عن الصادق عليهالسلام) (٦).
__________________
بالحق في تفضيل العرب على جميع الخلق ، وأبو عبد الله الفارقي في خطف البارق ، والفقيه أبو محمّد عبد المنعم بن محمّد ابن الغرس الغرناطي من المتأخرين). (کشف الظنون ١ : ٦٤٤ ، ٨٥٦).
(١) فهرست ابن الندیم : ١٤٢.
(٢) جامع الأحاديث : ٤.
(٣) سورة الشعراء : آية ١٩٨ ـ ١٩٩.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٢٤.
(٥) سورة الحجرات : من آية ١٣.
(٦) ما بين القوسين لم يرد في تفسير القمي ، وإنما ورد في تفسير مجمع البيان ٩ : ٢٢٩ ، فلاحظ.
وقال رسول الله يوم فتح مكَّة : «يا أيُّها الناس إن الله قَدْ أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها. إنَّ العربية ليست بأبٍ والد (١) ، وإنَّما هو لسان ناطق ؛ فمن تكلَّم به فهو عربي ، ألّا إنّكم من آدم ، وآدم من التراب» (٢).
وهذا صريح في أنَّ التكلَّم بلغة العرب وحده لا فخر فيه ، بل المناط هو التقوى. وفي (الفتوحات المكية) في الباب السادس والستين وثلاثمائة : (أن وزراء المهدي عليهالسلام من الأعاجم ، ما فيهم عربي ، لكن لا يتكلَّمون إلا بالعربية ، لهم حافظ ليس من جنسهم) ، انتهى (٣).
بل المستفاد من خطبة أمير المؤمنين فيما يتعلق بإخباره عن القائم عليهالسلام ، حيث يقول فيها : «وكأنَّي أسمع صهيل خيلهم ، وطمطمة رجالهم» (٤) ، إنَّهم يتكلَّمون بالفارسية.
قال في البحار : (الطمطمة) : اللُّغة العجمية ، ورجل طمطمي : في لسانه عجمة. وأشار عليهالسلام بذلك إلى أن عسكرهم من العجم) ، انتهی (٥).
ولا ينافي ما ذكره صاحب الفتوحات ؛ إذ لعلَّ التكلُّم بالعربي لوزرائه خاصة دون بقية الجيش.
وفي حياة الحيوان : عن ابن عمر : قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «رأيت غنماً سوداً دخلت فيها غنم كثير بيض». قالوا : فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال : «العجم
__________________
(١) في تفسير القمي ٢ : ٩٤ (ليست بأبٍ وجد) ، وفي ٢ : ٣٢٢ (بابٍ ووالدة) والأخير أقرب للسياق.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٢٢.
(٣) الفتوحات المكية ٣ : ٣٢٨.
(٤) الكافي ٨ : ٦٣ ح ٢٢.
(٥) بحار الأنوار ٥١ : ١٢٨.
يشركونكم في دينكم ، وأنسابكم» ، قالوا : العجم يا رسول الله؟ قال : «لو كان الإيمان متعلّقاً بالثُّريا ؛ لناله رجال من العجم» (١).
[رجع] (٢) : وسبب المن والإعطاء والصرف والمنع في رواية الكافي : هو استعمال الاستعداد الفطري ، وقبوله ، وإبطاله ، والإعراض عنه ، فلا يلزم الجبر.
قوله : (لقد قضيت عنه).
قال الفاضل الأمين الأسترآبادي : (أي قضيت عن الَّذي غَرَّ إبراهيم ، وكأنه عبَّاس أخوهما).
قوله : (ألف دينار) بعد أن أشرف وعزم على طلاق نسائه ، وعتق مماليكه ، وعلى أن يشرد من الغرماء. وكان قصده من الطلاق والعتق أن لا يأخذ الغرماء مماليكه ، ويختموا بيوت نسائه ، وقيل : عزمه على ذلك ؛ لفقره ، وعجزه من النفقة.
قوله : (قد سمعتَ ما لقيَ يوسفُ) يعني : أنَّهم يقولون ذلك افتراء ، وينكرون حقّي حسداً. انتهى (٣).
وفي بصائر الدرجات : (أنه ألحَّ إلى أبي الحسن عليهالسلام في السؤال ، فحكّ بسوطه الأرض ، فتناول سبيكة ذهب ، فقال له : استغن بها ، واكتم ما رأيت) (٤).
[إبراهيم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليهالسلام]
وبالجملة : قال جدّي بحر العلوم رحمهالله : (ما ذكره المفيد رحمهالله ، وغيره من الحكم
__________________
(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٣٥ (مادة : الغنم).
(٢) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.
(٣) شرح اُصول الكافي ٦ : ٣٦٧.
(٤) بصائر الدرجات : ٣٩٤ ح ٢.
بحسن حال أولاد الكاظم عليهالسلام عموماً محلُّ نظر ؛ وكذا في خصوص إبراهيم ، كما هو ظاهر الرواية المتقدمة (١).
وكيف كان : فإبراهيم هذا هو جدّ السيِّد المرتضى والرضي رحمهالله ، فإنَّهما ابنا أبي أحمد النقيب ، وهو الحسين بن موسی بن محمّد بن موسی بن إبراهيم بن موسی بن جعفر عليهالسلام.
وظاهر الأكثر ، كالمفيد رحمهالله في (الإرشاد) ، والطبرسي في (إعلام الوری) ، وابن شهر آشوب في (المناقب) ، والإربلي في (كشف الغُمَّة) : (أن المسمَّى بإبراهيم من أولاد أبي الحسن عليهالسلام : رجل واحد) (٢).
ولكن عبارة صاحب (العمدة) تعطي : (أن إبراهيم من ولده اثنان : إبراهيم الأكبر ، وإبراهيم الأصغر (٣) ، وأنه يلقب بالمرتضی ، والعقب منه ، واُمُّه اُمُّ ولد نُوبِيَّة ، اسمها : نَجِيَّة) (٤).
والظاهر التعدد ، فإن علماء النسب أعلم من غيرهم بهذا الشأن.
والظاهر : أن المسؤول عن أبيه ، والمخبر بحياته هو إبراهيم الأكبر ، وأن الَّذي هو جدّ المرتضی والرضي هو الأصغر ، كما صرّح به جدّي بحر العلوم (٥) ، وقد ذكرنا أنه مدفون في الحائر الحسيني ، خلف ظهر الحسين عليهالسلام.
وكيف كان : ففي شيراز بقعة تُنسب إلى إبراهيم بن موسی عليهالسلام واقعة في محلّة (لب آب) ، بناها محمّد زكي خان النوري ، من وزراء شیراز سنة ١٢٤٠ هـ ، ولكن لم
__________________
(١) الفوائد الرجالية ١ : ٤٢١.
(٢) الفوائد الرجالية ١ : ٤٢٤ ، الإرشاد ٢ : ٢٤٥ ، إعلام الوری ٢ : ٣٦ ، مناقب آل أبي طالب عليهمالسلام ٣ : ٤٣٨ ، كشف الغُمَّة ٣ : ٢٩.
(٣) عمدة الطالب : ١٩٧.
(٤) عمدة الطالب : ٢٠١.
(٥) الفوائد الرجالية ١ : ٤٢٤.
أعثر على مستند قوي يدل على صحَّة النسبة ، بل يبعدها ما سمعت من إرشاد المفيد من أنه : (كان والياً باليمن) (١) ، بل ذكر صاحب أنساب الطالبيّين : أنّ إبراهيم الأكبر ابن الامام موسی عليهالسلام ، خرج باليمن ودعا الناس إلى بيعة محمّد بن إبراهيم طباطبا (٢) ، ثُمَّ دعا الناس إلى بيعة نفسه ، وحجّ في سنة ٢٠٢ هـ ، وكان المأمون يومئذ في خراسان ، فوجّه إليه حمدويه بن علي وحاربه ، فانهزم إبراهيم وتوجَّه إلى العراق (٣) ، وأمّنه المأمون وتوفي في بغداد ، وعلى فرض صحَّة ما ذكرناه فالمتيقّن أنه أحد المدفونين في صحن الكاظم ؛ لأنَّ هذا الموضع كان فيه مقابر قريش من قديم الزَّمان ، فدُفن إلى جنب أبيه عليهالسلام) (٤).
أحمد ابن الإمام موسی ابن جعفر عليهالسلام
وأمّا أحمد بن موسى عليهالسلام، ففي (الإرشاد) : (كان کریماً جليلاً ورعاً ، وكان أبو الحسن موسى يحبّه ويقدّمه ، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة. ويقال : إنه رضياللهعنه أعتق ألف مملوك.
قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى ، قال : حدثنا جدّي : سمعت إسماعيل بن موسى عليهالسلام يقول : خرج أبي بولده إلى بعض أمواله بالمدينة ، فكنَّا في
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٥.
(٢) قال صاحب المجدي في أنساب الطالبين : ١٢٢ ما نصّه : (ووُلد إبراهيم بن موسى الكاظم عليهالسلام ، وهو لأم ولد ، ويلقب بالمرتضی ، وهو الأصغر ظهر باليمن أيام أبي السرايا ، وكانت اُمّه نُوبية اسمها تحية) ، انتهى. وهو مغاير لما ذكره المؤلف رحمهالله فلعله نقله من الفخري في أنساب الطالبيين ، والَّذي لم نقف عليه ، فلاحظ.
(٣) اخباره في : تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٤٨ ، تاريخ الطبري ٧ : ١٢٨.
(٤) قال ابن الطقطقي (ت ٧٠٩ هـ) في الأصیلی : ١٨٢ ، ما نصّه : (أنه ظهر داعياً إلى أخيه الرضا عليهالسلام ، فبلغ المأمون ذلك ، فارسل إليه عسكراً ، فتخاذل عسكره عنه ، فانكسر وانهزم وعاد إلى بغداد ، فشفّع الرضا عليهالسلام فيه إلى المأمون ، فتشفّعه فيه وتركه ، فتوفّي في بغداد ، وقبره بمقابر قريش عند أبيه عليهالسلام في تربة مفردة معروفة قدس الله روحه) ، (انتهى). كما ينظر عن قبره : مراقد المعارف ١ : ٤٠ رقم ٥.
ذلك المكان ، وكان مع أحمد بن موسی عشرون من خدام أبي وحشمه ، إن قام أحمد قاموا ، وإن جلس جلسوا معه ، وأبي بعد ذلك يرعاه ويبصّرهُ ما يغفل عنه ، فما انقلبنا حَتَّى تشيّخ (١) أحمد بن موسی بيننا). انتهى (٢).
وكانت اُمُّه من الخواتين المحترمات ، تدعی : باُمّ أحمد ، وكان الإمام موسی شديد التلطّف بها. ولمّا توجَّه من المدينة إلى بغداد أودعها ودائع الإمامة ، وقال لها : كلّ من جاءك وطلب منك هذه الأمانة في أيِّ وقت من الأوقات ، فاعلمي بأنّي قَدْ استشهدت ، وأنه هو الخليفة من بعدي ، والإمام المفترض الطاعة عليك ، وعلى سائر الناس ، وأمر ابنه الرضا عليهالسلام بحفظ الدار.
ولمّا سمّه الرشيد في بغداد جاء إليها الرضا عليهالسلام ، وطالبها بالأمانة ، فقالت له اُمّ أحمد : لقد استشهد والدك؟ فقال : بلى ، والآن فرغت من دفنه فأعطني الأمانة التي سلّمها إليك أبي حين خروجه إلى بغداد ، وأنا خليفته والإمام بالحق على تمام الإنس والجنِّ.
فشقّت اُمّ أحمد جيبها ، وردّت عليه الأمانة ، وبايعته بالإمامة (٣).
__________________
(١) كذا في البحار عن الإرشاد ، وفي المطبوع منه بتحقيق مؤسسة آل البيت عليهمالسلام : (حَتَّى إنشج) مع بيان معنی كلمة الشجة في الهامش ، وهي لا تستقيم مع السياق ، فلاحظ.
(٢) الإرشاد ٢ : ٢٤٤.
(٣) الخبر رواه الشيخ الكليني رحمهالله في الكافي ١ : ٣٨١ ح ٦ ، ونصّه : «علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن مسافر قال : أمر أبو إبراهيم عليهالسلام ـ حين أخرج به ـ أبا الحسن عليهالسلام ، أن ينام على بابه في كل ليلة أبداً ما كان حياً إلى أن يأتيه خبره قال : فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن في الدهليز ، ثُمَّ يأتي بعد العشاء ، فينام فإذا أصبح انصرف إلى منزله ، قال : فمكث على هذه الحال أربع سنين ، فلمَّا كان (كانت ـ ظ) ليلة من الليالي أبطأ عنا وفرش له فلم يأت كما كان يأتي ، فاستوحش العيال وذعروا ودخلنا أمر عظيم من إبطائه ، فلمَّا كان من الغد أتى الدار ، ودخل إلى العيال ، وقصد إلى أم أحمد فقال لها : هات التي أودعك أبي ، فصرخت ولطمت وجهها وشقّت جيبها وقالت : مات والله سيدي ، فكفّها ، وقال لها : لا تتكلمي بشيء ولا تظهریه ، حَتَّى يجيء
فلمّا شاع خبر وفاة الإمام موسی بن جعفر عليهالسلام في المدينة ، اجتمع أهلها على باب اُمّ أحمد ، وسار معهم إلى المسجد.
ولما كان عليه من الجلالة (١) ، ووفور العبادة ، ونشر الشرائع ، وظهور الكرامات ، ظنوا به أنه الخليفة والإمام بعد أبيه ، حينئذ فبايعوه بالإمامة ، فأخذ منهم البيعة ، ثُمَّ صعد المنبر ، وأنشأ خطبة في نهاية البلاغة ، وكمال الفصاحة.
ثُمَّ قال : أيُّها الناس ، كما أنكم جميعاً في بيعتي ، فإني في بيعة أخي علي بن موسی الرضا عليهالسلام ، واعلموا أنَّه الإمام والخليفة من بعد أبي ، وهو ولي الله ، والفرض عليّ وعليكم من الله والرسول طاعته ، بكل ما يأمرنا.
فكلُّ من كان حاضراً خضع لكلامه ، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد بن موسی عليهالسلام ، وحضروا باب دار الرضا عليهالسلام ، فجدّدوا معه البيعة ، فدعا له الرضا عليهالسلام (٢) ، وكان في خدمة أخيه مدة من الزَّمان إلى أن أرسل المأمون على الرضا عليهالسلام ، وأشخصه إلى خراسان ، وعقد له خلافة العهد ، وهو المدفون بشیراز المعروف : بسيد السادات ، ويعرف عند أهل شيراز بشاه جراغ.
__________________
الخبر إلى الوالي ، فأخرجت إليه سفطاً وألفي دينار أو أربعة آلاف دينار ، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره وقالت : إنه قال لي فيما بيني وبينه ـ وكانت أثيرة عنده ـ احتفظي بهذه الوديعة عندك ، لا تطلعي عليها أحداً حَتَّى أموت ، فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك ، فادفعيها إليه واعلمي أني قَدْ متّ وقد جاءني والله علامة سيدي ، فقبض ذلك منها وأمرهم بالإمساك جميعاً إلى أن ورد الخبر ، وانصرف فلم يعد لشيء من المبيت كما كان يفعل ، فما لبثنا إلا أياماً يسيرة حَتَّى جاءت الخريطة بنعيه ، فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت ، فاذا هو قَدْ في الوقت الَّذي فعل أبو الحسن ليه السلام ما فعل ، من تخلّفه عن المبيت ، وقبضه لما قبض». وينظر أيضاً عن وصيته عليهالسلام إليها : عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ٤٢ ففيه خبر اخر.
(١) الحديث عن أحمد بن موسی بن جعفر عليهالسلام ، فلاحظ.
(٢) ذکره حرز الدين في مراقد المعارف ١ : ١١٨ دون ذكر المصدر.
وفي عهد المأمون قصد شيراز مع جماعة ، وكان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا عليهالسلام. فلمَّا سمع به (قتلغ خان) عامل المأمون على شیراز توجَّه إليه خارج البلد ، في مكان يقال له : خان زینان على مسافة ثمانية فراسخ من شیراز قتلاقی الفريقان ، ووقع الحرب بينهما. فنادى رجل من أصحاب قتلغ : إن كان تريدون ثمَّة الوصول إلى الرضا عليهالسلام فقد مات. فحين ما سمع أصحاب أحمد بن موسى ذلك تفرَّقوا عنه ، ولم يبق معه إلا بعض عشيرته وإخوته ، فلمَّا لم يتيسر له الرجوع توجَّه نحو شیراز ، فأتبعه المخلفون ، وقتلوه حيث مرقده هناك (١).
وكتب بعض في ترجمته : (أنه لمّا دخل شیراز اختفى في زاوية ، واشتغل بعبادة ربِّه حَتَّى تُوفّي لأجله ، ولم يطلّع على مرقده أحد ، إلى زمان الأمير : مقرب الدين مسعود بن بدر الدين ، الَّذي كان من الوزراء المقربين لأتابك أبي بكر بن سعد بن زنكي ، فإنه لمّا عزم على تعمير في محل قبره حيث هو الآن ، ظهر له قبر وجسد صحیح غير متغيّر ، وفي إصبعه خاتم منقوش فيه : العزة لله أحمد بن موسی ، فشرحوا الحال لأبي بكر ، فبنى عليه قُبَّة ، وبعد مدة من السنين آذنت بالانهدام ، فجدّدت تعميرها الملكة تاشي خواتون أم السلطان الشيخ أبي إسحاق ابن السلطان محمود ، وبنت عليه قُبَّة عالية ، وإلى جنب ذلك مدرسة ، وجعلت قبرها في جواره ، وتاريخه يقرب من سنة ٧٥٠ هجرية) (٢).
وفي سنة ١٢٤٣ هـ جعل السلطان فتح علي شاه القاجاري عليه مشبّكاً من الفضة الخالصة ، ويوجد على قبره نصف قرآن بقطع البياض بالخطّ الكوفي الجيد
__________________
(١) ليالي بيشاور : ٤٣ ، مراقد المعارف ١ : ١١٦ رقم ٣٩.
(٢) ليالي بيشاور : ٤٤ ، مشاهد العترة الطاهرة : ١٢١ ، وقد أثبت نسبة القبر إليه عليهالسلام مع ترجمته الخوانساري في روضات الجنات ١ : ٤٢ رقم ٨ ، فلتراجع.
على ورق من رَقِّ الغزال ، ونصفه الآخر بذلك الخطّ في مكتبة الرضا عليهالسلام ، وفي آخره : (كتبه علي بن أبي طالب) ، فلذلك كان الاعتقاد بأنه خطه عليهالسلام ، وأورد بعض أنَّ مخترع علم النحو لا يكتب المجرور مرفوعاً.
والَّذي ببالي أن غير واحد من النحاة ، وأهل العربية صرّح : بأن الأب والابن إذا صارا علمين يعامل معهما معاملة الأعلام الشخصية في أحكامها ، وصرّح بذلك صاحب (التصريح) (١).
وقال أبو البقاء في آخر كتابه (الكُلّيات) : (وممَّا جرى مجرى المثل الَّذي لا يغيّر : (علي بن أبي طالب) حَتَّى ترك في حالي النصب والجر على لفظه في حالة الرفع ؛ لأنه اشتهر في ذلك ، وكذلك معاوية بن أبي سفيان ، وأبو اُميَّة) ، انتهي (٢).
وظني القوي : أن القرآن بخط علي عليهالسلام لا يوجد إلا عند الحجّة صلوات الله عليه ، وأن القرآن المُدعی کونه بخطه عليهالسلام هو علي بن أبي طالب المغربي ، وكان معروفاً بحسن الخط الكوفي ، ونظير هذا القرآن بذلك الرقم بعينه يوجد في مصر في مقام رأس الحسين عليهالسلام ، كما ذكرنا : أنه كان يوجد نظيره أيضاً في المرقد العلوي المرتضوي ، وأنه احترق فيما احترق.
هذا وربّما يُنقل عن بعض أنَّ مشهد السيِّد أحمد المذكور في بلخ ، والله العالم.
وفي بيرم من أعمال شیراز مشهد يُنسب إلى أخي السيِّد أحمد يُعرف عندهم بشاه علي أكبر ، ولعلّه هو الَّذي عدّه صاحب (العمدة) من أولاد موسی بن
__________________
(١) ينظر تفصيل ذلك في : الصحيح من مسيرة النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله ٤ : ١٩٦ ـ ١٩٧.
(٢) کليات أبي البقاء = كليات العلوم = الإعراب.
جعفر عليهالسلام وسمّاه علياً (١).
القاسم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليهالسلام
وأمّا القاسم بن موسى عليهالسلام كان يحبُّه أبوه حبّاً شديداً ، وأدخله في وصاياه ، وفي باب الإشارة والنصّ على الرضا عليهالسلام من الكافي في حديث أبي عمارة ، يزيد بن سليط الطويل ، قال أبو إبراهيم : «اُخبرك يا أبا عمارة أنّي خرجت من منزلي ، فأوصيت إلى ابني فلان ـ يعني : علياً الرضا عليهالسلام ـ وأشركت معه بنيّ في الظاهر ، وأوصيته في الباطن ، فأفردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني ؛ لحبِّي إياه ، ورأفتي عليه ، ولكنَّ ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ ، يجعله حيث يشاء. ولقد جاءني بخبره رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وجدّي علي عليهالسلام ، ثُمَّ أرانيه وأراني من يكون معه ، وكذلك لا يوصّى إلى أحد منَّا حَتَّى يأتي بخبره رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وجدّي علي عليهالسلام ، ورأيت مع رسول الله خاتماً ، وسيفاً ، وعصاً ، وكتاباً ، وعمامة ، فقلت : ما هذا يا رسول الله؟ فقال لي : أمّا العمامة فسلطان الله عزَّ وجلَّ ، وأمّا السيف فعزّ الله تبارك وتعالى ، وأمّا الكتاب فنور الله تبارك وتعالى ، وأمّا العصا فقوة الله عزَّ وجلَّ ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الأُمور.
ثُمَّ قال لي : والأمر قَدْ خرج منك إلى غيرك ، فقلت : يا رسول الله ، أرنيه أيّهم هو؟ فقال رسول الله : ما رأيتُ من الأئمّة أحداً أجزع على فراق هذا الأمر منك ، ولو كانت الإمامة بالمحبة ؛ لكان إسماعيل أحبّ إلى أبيك منك ، ولكنَّ ذلك من الله» (٢).
وفي الكافي أيضاً ، بسنده إلى سليمان الجعفري ، قال : «رأيت أبا الحسن عليهالسلام يقول لابنه القاسم : قُم يا بني ، فاقرأ عند رأس أخيك : وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (٣) حَتَّی
__________________
(١) عمدة الطالب : ١٩٧.
(٢) الكافي ١ : ٣١٥ ضمن ح ١٤.
(٣) بداية سورة الصافات.
تستتمها ، فقرأ ، فلمَّا بلغ : فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا (١) قضى الفتى ، فلمَّا سُجِّي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر ، فقال له : كنا نعهد الميِّت إذا نزل به الموت يُقرأ عنده : يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) ، فصرت تأمرنا بالصافات؟! فقال : يا بني ، لم تُقرأ عند مکروب من موت قطّ إلّا عجَّل الله راحته» (٣).
ونصّ السيِّد الجليل علي بن طاووس على استحباب زيارة القاسم ، وقرنه بالعبَّاس ابن أمير المؤمنين عليهالسلام ، وعلي بن الحسين عليهالسلام المقتول بالطف. وذكر لهم ولمن يجري مجراهم زيارة يزارون بها ، من أرادها وقف عليها في كتابه (مصباح الزائرين) (٤).
وقال في البحار : (والقاسم بن الكاظم عليهالسلام ـ الَّذي ذكره السيد رحمهالله ـ قبره قريب من الغريّ) (٥).
__________________
(١) سورة الصافات : من آية ١١.
(٢) بداية سورة يس المباركة.
(٣) الكافي ٣ : ١٢٦ ح ٥.
(٤) مصباح الزائر : ٥٠٣.
(٥) بحار الأنوار ٩٩ : ٣٧٦ ، تحفة الزائر : ٦٩٩ ، وقال المحقّق السيِّد محمّد مهدي الخرسان حفظه الله ورعاه في هامش ص ٢٨٣ من بحار الأنوار ج ٤٨ ما نصّه : (القاسم بن موسی بن جعفر : كان يحبه أبوه حباً شديداً ، وأدخله في وصاياه ، وقد نصّ السيِّد الجليل النقيب الطاهر رضی الدین علي بن موسی بن طاووس في كتابه (مصباح الزائر) على استحباب زيارته ، وقرنه بأبي الفضل العبَّاس ابن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين الأكبر المقتول بالطف ، وذكر لهم ولمن يجرى مجراهم زيارة ذكرها في كتابه (مصباح الزائر) ـ مخطوط ـ وقبر القاسم قريب من الحلة السيفية عند الهاشمية ، وهو مزار متبرك به ، يقصده الناس للزيارة وطلب البركة وقد ذكر قبره ياقوت في (معجم البلدان) ، والبغدادي في (مراصد الاطلاع) ، أن شوشة قرية بأرض بابل ، أسفل من حلة بني مزيد ، بها قبر القاسم بن موسی بن جعفر .. إلخ). (معجم البلدان ٣ : ٣٧٢ ، مراصد الاطلاع ٢ : ٨١٩).
وقال في ٩٩ : ٢٧٥ بالهامش منه ، ما نصّه : لقد سبق أنّا ذكرنا في هامش ص ٢٨٣ ج ٤٨ من البحار (الطبعة الإسلامية) في باب أحوال أولاد الإمام موسی بن جعفر عليهالسلام شيئاً من ترجمة القاسم ابن الإمام موسی بن جعفر عليهالسلام ، وذكرنا أن قبره
وما هو معروف في الألسنة من أن الرضا عليهالسلام قال فيه : «من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم» كذب ، لا أصل له في أصل من الاُصول ، وشأنه أجلّ من أن يُرغَّب الناس في زيارته بمثل هذه الأكاذيب (١).
محمّد ابن الإمام موسی بن جعفر عليهالسلام
وأمّا محمّد بن موسى عليهالسلام : ففي الإرشاد : (أنه من أهل الفضل ، والصلاح ـ ثُمَّ
__________________
قريب من الحلة السيفية عند الهاشمية ، وهو مزار متبرك به ، يقصده الناس للزيارة وطلب البركة ، ثُمَّ ذكرنا قول ياقوت في معجمه والبغدادي في مراصده [معجم البلدان ٣ : ٣٧٢ ، مراصد الاطلاع ٢ : ٨١٥] : أن بشوشة ـ قرية بأرض بابل أسفل من حلة بني مزيد ـ قبر القاسم بن موسی بن جعفر ، ولم يكن ذكرنا لقول ياقوت وابن عبد الحق البغدادی اختياراً منا لقولهما ، بل ذكرنا أولاً اختيارنا وذكرنا قولهما ثانياً إحاطة للقاري بما ذهب إليه هذان في كتابهما ، ولكن مع الأسف الشديد أن يتوهم بعض المعلّقين المحدثين أن ذكرنا لقول ياقوت وصاحبه اختيار منا لذلك ، فنسبه إلينا وهذا الوهم من سوء الفهم ونسأله التسديد والعصمة. ولا يعزب عن ذهن القارئ أن ما ذهب إليه شيخنا المؤلف في تعيين قبر القاسم المذكور حيث قال : وقبره قريب من الغري ، إنما هو مبني على ظنه أو أنه من سهو القلم والعصمة لله وحده ، واحتمال أن يكون مراده قربه من الغري بالنسبة إلى بعده عن بلده إصفهان كما احتمله بعضهم ، بعید غايته. وقد اشتهر عن الرضا عليهالسلام أنه قال : من لم يزرني ، فلیزر أخي القاسم ، ولم أقف على مصدر لهذا الحديث إلا أنه مستفيض ، حَتَّى نظمه بعض الشعراء ، ومنهم السيِّد علي بن يحيى بن حديد الحسيني من أعلام القرن الحادي عشر ، وقد ترجمه صاحب (نشوة السلافة) ، فقد نظم السيِّد المذكور الحديث المشهور بقوله مخاطباً القاسم عليهالسلام كما في البابليات ج ١ ص ١٦٢ :
ايُّها السيِّدُ الَّذي جاءَ فيه |
|
قولُ صدقٍ ثِقاتُنا تَرويهِ |
بصحيحِ الإسنادِ قَدْ جاءَ حَقّاً |
|
عن أخيهِ لاُمِّهِ وأبيهِ |
إنّني قَدْ ضمِنتُ جناتِ عَدْنٍ |
|
للَّذي زارَني بِلا تَمويهِ |
وإذا لم يُطِقْ زيارَةَ قبري |
|
حَيثُ لم يستطع وُصولاً إليهِ |
فَلْيَزُرْ في العراقِ قَبر أخي |
|
القاسِمِ وَلَيُحْسِنِ الثناءَ عَليهِ |
[نشوة السلافة ج ٢ مخطوط ، ونسخته في مكتبة الإمام الحكيم في النجف الأشرف ، وطُبع الجزء الأول منه دون الثاني بتحقيق السيِّد محمّد بحر العلوم ، وهو من منشورات المكتبة المذكورة]
(١) قاله المتتبع الخبير الشيخ ميرزا حسين النوري رحمهالله في كتابه (جنة المأوى) والمنضم إلى بحار الأنوار ٥٣ : ٢٥٦ بالهامش.
ذكر ما يدل على مدحه ، وحسن عبادته ـ) (١).
وفي رجال الشيخ أبي علي ، نقلاً عن حمد الله المستوفي في (نزهة القلوب) : (أنه مدفون أخيه شاه جراغ في شيراز ، وصرّح بذلك أيضاً السيِّد الجزائري في الأنوار ، قال : وهما مدفونان في شيراز ، والشيعة تتبرّك بقبورهما (بقبريهما ـ ظ) ، وتكثر زيارتهما ، وقد زرناهما كثيراً) ، انتهى (٢).
يقال : (إنه في أيام الخلفاء العبَّاسية (العبَّاسيين ـ ظ) دخل شیراز واختفى بمكان ، ومن أجرة كتابة القرآن أعتق ألف نسمة) (٣).
واختلف المؤرخون في : أنه الأكبر ، أو السيِّد أحمد؟
وكيف كان : فمرقده في شيراز معروف ، بعد أن كان مخفياً على زمان أتابك ابن سعد بن زنكي ، فبُني له قُبَّة في محلَّة (باغ قتلغ) ، وقد جُدّد بناؤه مرات عديدة :
منها : في زمان السلطان نادر خان ، وفي سنة ١٢٩٦ رمثه (٤) النواب اُويس ميرزا
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٥ ، وإليك نصّ المدح : «أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى قال : حدثني جدّي قال : حدثني هاشمية مولاة رقية بنت موسی قالت : كان محمّد بن موسی صاحب وضوء وصلاة ، وكان ليله كله يتوضأ يصلي ، فنسمع سكب الماء والوضوء ، ثُمَّ يصلي ، ليلاً ثُمَّ يهدأ ساعة فيرقد ، ويقوم فنسمع سكب الماء والوضوء ثُمَّ يصلي ثُمَّ يرقد سويعة ، ثُمَّ يقوم فنسمع سكب الماء والوضوء ، ثُمَّ يصلي ، فلا يزال ليله كذلك حَتَّى يُصبح ، وما رأيته قط إلا ذكرت قول الله تعالى : كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [سورة الذاريات : آية ١٧]».
(٢) منتهى المقال ٦ : ٢١٠ رقم ٢٨٩٤ ، نزهة القلوب عنه روضات الجنات ١ : ٤٣ ، الأنوار النعمانية ١ : ٣٨٠.
(٣) روضات الجنات ١ : ٤٢.
(٤) رمثه : أصلحه. انظر المعجم الوسيط : ٣٧١.
ابن النواب الأعظم ، العالم ، الفاضل الشاه زاده فرهاد ميرزا القاجاري (١).
الحسين ابن الإمام موسی بن جعفر عليهالسلام
وأمّا الحسين بن موسی ويلقّب بالسيد علاء الدين ، فقبره أيضاً في شيراز ، معروف ذكره شيخ الإسلام : شهاب الدين أبو الخير حمزة بن حسن بن مودود ، حفيد الخواجة : عز الدين مودود بن محمّد بن معين الدين محمود ، المشهور بزر کوش الشيراز ، المنسوب من طرف الأم إلى أبي المعالي مظفر الدین بن محمّد بن روزبهان ، توفّي حدود سنة ٨٠٠ هـ ذكره المؤرخ الفارسي في تاريخه المعروف بشیراز نامة ، وملخَّصُ ما ذكره :
إنَّ قتلغ خان كان والياً على شيراز ، وكان له حديقة في مكان ، حيث هو مرقد السيِّد المذكور ، وكان بوّاب تلك الحديقة رجلاً من أهل الدين ، وكان يرى في ليالي الجمعة نوراً يسطع من مرتفع في تلك الحديقة ، فأبدى حقيقة الحال إلى الأمير : قتلغ ، وبعد مشاهدته لما كان يشاهده البوّاب ، وزيادة تجسّسه وكشفه عن ذلك المكان ؛ ظهر له قبر ، وفيه جسد عظيم ، في كمال العظمة ، والجلال ، والطراوة ، والجمال ، بيده مصحف ، وبالأُخرى سيف مصلت.
فبالعلامات والقرائن علموا : أنه قبر حسين بن موسى عليهالسلام ، فبنى له قُبَّة ورواقاً.
الظاهر : أن قتلغ خان هذا ، غير الَّذي حارب أخاه السيِّد أحمد ، ويمكن أن تكون الحديقة باسمه ، والوالي الَّذي أمر ببناء مشهده غيره ، فإن قتلغ خان لقب جماعة ، كأبي بكر بن سعد الزنكي ، واحدٌ [من] (٢) أتابكية أذربيجان ، بل هم (١) من
__________________
(١) الفوائد الرجالية ١ : ٤٢٨ بالهامش.
(٢) زيادة منا اقتضاها تمام المعنى.