تحفة العالم في شرح خطبة المعالم - ج ٢

آية الله السيّد جعفر بحر العلوم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد جعفر بحر العلوم


المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز تراث السيد بحر العلوم قدّس سرّه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

المقام السابع

في الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام

ولقبه : الكاظم ، وكنيته : أبو الحسن ، وأبو إبراهيم ، وأبو علي.

ويُعرف : بالعبد الصالح ، والعالم ، وباب الحوائج.

وفي ذلك يقول الشاعر وما أحسنه :

يا سميَّ الكليم جئتكُ أسعى

نحوَ مَغناكَ قاصداً مِن بلادي

ليس تُقضى لنا الحوائجُ إلّا

عندَ بابِ الرَّجاء جدِّ الجوادِ

وقد شطّرهما جدّي بحر العلوم رحمه‌الله :

(يا سميَّ الكليم جئتُكَ أسعى)

والهَوى مركبي وحبُّك زادي

مسَّني الضرُّ وانتحی بِيَ فقري

(نَحو مغناكَ قاصداً مِن بلادي)

(ليس تُقضى لنا الحوائجُ إلّا)

عندَ بابِ الحوائجِ المعتادِ

عند بَحرِ النَّدى ابن جعفرَ موسی

(عند باب الرَّجاء جدّ الجَوادِ) (١)

مولده عليه‌السلام في الأبواء

واُمّه عليه‌السلام : اُمُّ ولد ، يقال لها : حميدة البربرية.

وُلد عليه‌السلام بالأبواء ـ وهو منزل بين مكّة والمدينة ، قريب من الجُحفة ـ يوم الأحد في السابع من شهر صفر سنة ثمان ، وقيل : تسع وعشرين ومائة من الهجرة ، وقُبض مسموماً بسمّ هارون الرشید ببغداد ، في حبس السندي بن شاهك.

تاريخ وفاته عليه‌السلام

ولمّا مات أدخل السندي عليه الفقهاءَ ، ووجوهَ أهل بغداد ؛ لينظروا إليه ،

__________________

(١) ديوان السيِّد محمّد مهدي بحر العلوم : ٦٣ ، وهي من تشطیره رحمه‌الله والأصل ـ الَّذي بين قوسين ـ للحاج محمّد البغدادي.

٤١

وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه ، فشهدوا على ذلك ، حيث لم يجدوا به جراح ، ولا خنق ، فاُخرج ووُضع على الجسر ببغداد ، ونودي عليه : هذا موسی بن جعفر قَدْ مات ، فانظروا إليه.

ثُمَّ حُمل ، فدُفن في مقابر قريش في باب التبن ، وكانت هذه المقبرة قديماً لبني هاشم ، والأشراف من الناس (١).

وكان المتولي لأُموره ابنه أبو الحسن الرضا عليه‌السلام ، ولا يُلتفت إلى ما يستبعده الوهم من أنه عليه‌السلام : وقت وفاة أبيه كان بالمدينة ، فكيف حضر بغداد في ليلة واحدة؟ فإن القادر الَّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، قادر على مثله.

وكان ذلك في اليوم الخامس والعشرين من رجب ، وقيل : في الخامس منه ، وقيل : في السادس ، والأول أشهر ، وهو الموافق لرواية التهذيب : لستّ بقین من رجب. إذا حُسب يوم الوفاة في سنة ١٨٣ هـ ، وله خمس وخمسون سنة (٢). (٣)

حکی ابن خَلّكان في ترجمته عليه‌السلام : (أن هارون الرشيد حبسه في بغداد ، ثُمَّ دعا صاحب شرطته ذات يوم ، فقال له : رأيت في منامي حبشياً أتاني ومعه حربة ، وقال : إن لم تخل عن موسی بن جعفر عليه‌السلام وإلّا نحرتك بهذه الحربة.

فاذهب فخلِّ عنه ، وأعطه ثلاثين ألف درهم ، وقل له : إن أحببت المقام عندنا ، فلك عندي ما تحب ، وإن أحببت المضي إلى المدينة ، فامضِ. قال صاحب الشرطة : ففعلت ذلك ، وقلت له : لقد رأيت من أمرك عجباً.

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٢.

(٢) تهذيب الأحکام ٦ : ٨١.

(٣) ينظر عن يوم ولادته وشهادته بالتفصيل : بحار الأنوار ٤٨ : ١ ـ ١٠.

٤٢

فقال عليه‌السلام : أنا أخبرك : بينما أنا نائم إذ أتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : يا موسی حُبست مظلوماً ، فقل هذه الكلمات ، فإنك لا تبيت هذه الليلة في السجن : وذكر الدعاء.

ثُمَّ قال : وتوفّي موسى الكاظم في رجب ، سنة ١٨٣ هـ ، وقيل : سنة ١٨٧ هـ ، بغداد مسموماً ، وقيل : توفّي في الحبس) (١).

وكان الشافعي يقول : (قبر موسى الكاظم عليه‌السلام الترياق المجرّب) (٢).

وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي ومرقده

وفي (جامع التواريخ) ، تأليف رشید الدین فضل الله الوزير ابن عماد الدولة ، أبي الخير : (أن في يوم الاثنين في السابع عشر من ذي الحجّة سنة ٦٧٢ هـ وفاة الخواجة نصير الدين الطوسي في بغداد ، عند غروب الشمس) (٣) ، وأوصى أن يُدفن عند قبر موسی عليه‌السلام والجواد عليه‌السلام ، فوجدوا هناك ضريحاً مبنياً بالكاشي والآلات. فلمَّا تفحصوا ، تبيّن أن الخليفة الناصر لدين الله قَدْ حفره لنفسه مضجعاً ، ولمّا مات دفنه ابنه الظاهر في الرصافة مدفن آبائه وأجداده.

ومن عجائب الاتّفاق : أنَّ تاريخ الفراغ من إتمام هذا السرداب يوافق يومه مع م ولادة الخواجة ، يوم السبت في الحادي عشر من جمادى الأُولى سنة ٥٩٧ ، تمام عمره : خمس وسبعون سنة وسبعة أيام.

ترجمة الشيباني

وممَّن فاز بحسن الجوار هو : أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الدين علي بن

__________________

(١) وفيات الأعيان ٥ : ٣٠٩ ضمن ترجمته عليه‌السلام رقم ٧٤٦ ، باختصار.

(٢) رسالة في إثبات کرامات الأولياء : ٦ ، نقله عنه سيدي محمّد بن عبد القادر الفاسي.

(٣) جامع التواريخ : ٦٦.

٤٣

قزعلي بن زيادة ، من اُمراء بني العبَّاس. يقال له : الشيباني ، وأصله من واسط ، وُلد في بغداد سنة ٥٢٢ هـ ، وتوفّي سنة ٥٩٤ هـ ، ودُفن بجنب روضة الإمام موسی عليه‌السلام ، ذكره ابن خَلّكان في تاريخه ، وكان شيعي المذهب ، حسن الأخلاق ، محمود السيرة (١).

الأمير توزون الديلمي

وممَّن فاز بحسن الجوار بعد الممات : الأمير توزن الديلمي من اُمراء رجال الديالمة في عصر المتَّقي العبَّاسي ، وعصى عليه ، وخالفه حَتَّى فرّ الخليفة منه إلى الموصل ، ثُمَّ استماله ، وأرجعه إلى بغداد ، توفّي الأمير المزبور سنة ٣٣٤ هـ (٢) ، ودُفن في داره ، ثُمَّ نُقل إلى مقابر قريش (٣).

فصل

في ذكر أولاده عليه‌السلام

وُلد له سبع وثلاثون ، وقيل : تسع وثلاثون ولداً ذکراً واُنثی ؛ علي بن موسی الرضا عليه‌السلام ، وإبراهيم ، والعبَّاس ، والقاسم لاُمَّهات أولاد.

وإسماعيل ، وله مزار في تويسرکان من بلاد ايران (٤).

وجعفر ، وهارون ، والحسن : لأُمّ ولد.

__________________

(١) وفيات الأعيان ٦ : ٢٤٤ رقم ٨٠٨.

(٢) في الأصل : (سنة ٥٦٨ هـ) وهو اشتباه واضح ، وما أثبتناه من الكامل في التاريخ ٨ : ٤٤٨ وفيه أحواله ، فلاحظ.

(٣) لم أهتدِ إلى مصدر قوله ، وينظر عن مَن جاوره عليه‌السلام حياً وميتا : صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد : ٥٨ ـ ٦٧.

(٤) ينظر : مشاهد العترة الطاهرة : ٦٠.

٤٤

وأحمد ، ومحمّد ، وحمزة : لأُمّ ولد.

وعبد الله ، وإسحاق ، وعبيد الله ، وزيد ، والحسن ، والفضل ، وقبره في بهبهان معروف یزار ، ويعرف بـ(شاه فضل) (١).

والحسين ، وسليمان : لأُمَّهات أولاد.

وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورُقيَّة ، وحكيمة ، واُمّ أبيها ، ورقيَّة الصغرى ، وكلثوم ، واُمّ جعفر ، ولبابة ، وزينب ، وخديجة ، وعليَّة ، وآمنة ، وحسنة ، وبُريهة ، وعائشة ، واُمّ سلمة ، وميمونة : لأُمَّهات شتَّى (٢).

أمّا علي عليه‌السلام : فسيأتي شرح حاله في المقام الثامن.

إبراهيم ابن الإمام الكاظم عليه‌السلام

وأمّا إبراهيم : فقد قال المفيد رحمه‌الله في الإرشاد ، والطبرسي في (إعلام الوری) : (كان إبراهيم بن موسى عليه‌السلام شجاعاً كريماً ، وتقلّد الإمرة على اليمن في أيام المأمون من قبل محمّد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام الَّذي بايعه أبو السرايا بالكوفة ، ومضى إليها ، ففتحها وأقام بها مدَّةً إلى أن كان من أمر أبي السرايا ما كان ، وأخذ له الأمان من المأمون. وصرّحا : بأنَّ لكلّ من ولد أبي الحسن موسی عليه‌السلام فضل ومنقبة مشهورة) (٣).

وفي (وجيزة) المجلسي : (إبراهيم بن موسی بن جعفر ممدوح) (٤).

__________________

(١) ينظر : مشاهد العترة الطاهرة : ٥٨.

(٢) ينظر عن أحوالهم وعددهم بالتفصيل : بحار الأنوار ٤٨ : ٢٨٣ ـ ٢٩٣.

(٣) الارشاد ٢ : ٢٤٥ ، إعلام الوری ٢ : ٣٦.

(٤) الوجيزة في الرجال : ١٥ رقم ٤٧.

٤٥

وفي (الكافي) في باب (إنّ الإمام متى يعلم أنّ الأمر قَدْ صار إليه) ، بسنده عن علي بن أسباط : قال : «قلت للرضا عليه‌السلام : إن رجلاً عنى أخاك إبراهيم فذكر له : أن أباك في الحياة ، وأنت تعلم من ذلك ما يعلم.

فقال : سبحان الله! يموت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا يموت موسی؟! قَدْ والله مضى كما مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولكنَّ الله تبارك وتعالى لم يزل منذ قبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله هلّم جرّاً ، يمُّن بهذا الدين على أولاد الأعاجم ، ويصرفه عن قرابة نبيَّه هلّم جرّاً ، فيعطي هؤلاء ويمنع هؤلاء ، لقد قضيتُ عنه في هلال ذي الحجّة ألف دينار ، بعد أن أشفي على طلاق نسائه ، وعتق مماليكه ، ولكن قَدْ سمعتَ ما لقي يوسف من إخوته» (١).

قال جدّي الصالح في (شرح اُصول الكافي) : (قوله : (عنی) بمعنی : قصد ، وأراد.

وفي بعض النسخ : (غرّ أخاك) ، قيل : ذلك الرجل أخوهما : عبَّاس.

قوله : (فذكر له) فاعل (ذكر) راجع إلى الرجل ، وضمير (له) إلى إبراهيم.

قوله : (وأنت تعلم) أي : ذكر أيضاً له أنك تعلم ما لا يعلم من مكانه.

ولفظة : (لا) غير موجودة في بعض النسخ ، ومعناه واضح.

قوله : (على أولاد الأعاجم) کسلمان وغيره ، وفيه مدح عظيم للعجم ، وتفضيلهم على العرب) (٢).

ما ورد في شأن العجم

وكتب أبو عامر بن خرشنة كتاباً في تفضيل العجم على العرب (٣). وكذلك

__________________

(١) الكافي ١ : ٣٨٠ ح ٢.

(٢) شرح اُصول الكافي ٦ : ٣٦٨.

(٣) رسالة في تفضيل العجم على العرب ـ لأبي عامر بن عرسه [حرشنه] البشکسي (السبكي) [البسكتي] قيل : (ابتدع فيها وفسق ، فدعا عليه جماعة من العلماء ، فرده أبو الطيب عبد المنعم في حديقة البلاغة ، وأبو مروان في الاستدلال

٤٦

إسحاق ابن سلمة (١).

وكيف يُنكر فضلهم ؛ وفي الأخبار ما يدلُّ على أنَّهم من أعوان القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وأنهم أهل تأييد الدين؟

قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أسعد الناس بهذا الدين فارس».

رواه الشيخ أبو محمّد جعفر بن أحمد بن علي القمِّي ، نزيل الريّ ، في كتاب (جامع الأحاديث) (٢) ، مع أنهم في تأييد الدين ، وقبول العلم ، أحسن وأكثر من العرب يدل على ذلك ، قوله تعالى : وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ * فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (٣).

قال علي بن إبراهيم ، قال الصادق عليه‌السلام : «لو انزل القرآن على العجم ما آمنت به العرب ، وقد نزل على العرب فآمنت به العجم» (٤). فهي فضيلة للعجم.

وقال عند تفسير قوله تعالى : وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ (٥) : الشعوب : العجم ، والقبائل : من العرب ، (والأسباط : من بني إسرائيل ، قال : ورُوي ذلك عن الصادق عليه‌السلام) (٦).

__________________

بالحق في تفضيل العرب على جميع الخلق ، وأبو عبد الله الفارقي في خطف البارق ، والفقيه أبو محمّد عبد المنعم بن محمّد ابن الغرس الغرناطي من المتأخرين). (کشف الظنون ١ : ٦٤٤ ، ٨٥٦).

(١) فهرست ابن الندیم : ١٤٢.

(٢) جامع الأحاديث : ٤.

(٣) سورة الشعراء : آية ١٩٨ ـ ١٩٩.

(٤) تفسير القمي ٢ : ١٢٤.

(٥) سورة الحجرات : من آية ١٣.

(٦) ما بين القوسين لم يرد في تفسير القمي ، وإنما ورد في تفسير مجمع البيان ٩ : ٢٢٩ ، فلاحظ.

٤٧

وقال رسول الله يوم فتح مكَّة : «يا أيُّها الناس إن الله قَدْ أذهب عنكم بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها. إنَّ العربية ليست بأبٍ والد (١) ، وإنَّما هو لسان ناطق ؛ فمن تكلَّم به فهو عربي ، ألّا إنّكم من آدم ، وآدم من التراب» (٢).

وهذا صريح في أنَّ التكلَّم بلغة العرب وحده لا فخر فيه ، بل المناط هو التقوى. وفي (الفتوحات المكية) في الباب السادس والستين وثلاثمائة : (أن وزراء المهدي عليه‌السلام من الأعاجم ، ما فيهم عربي ، لكن لا يتكلَّمون إلا بالعربية ، لهم حافظ ليس من جنسهم) ، انتهى (٣).

بل المستفاد من خطبة أمير المؤمنين فيما يتعلق بإخباره عن القائم عليه‌السلام ، حيث يقول فيها : «وكأنَّي أسمع صهيل خيلهم ، وطمطمة رجالهم» (٤) ، إنَّهم يتكلَّمون بالفارسية.

قال في البحار : (الطمطمة) : اللُّغة العجمية ، ورجل طمطمي : في لسانه عجمة. وأشار عليه‌السلام بذلك إلى أن عسكرهم من العجم) ، انتهی (٥).

ولا ينافي ما ذكره صاحب الفتوحات ؛ إذ لعلَّ التكلُّم بالعربي لوزرائه خاصة دون بقية الجيش.

وفي حياة الحيوان : عن ابن عمر : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «رأيت غنماً سوداً دخلت فيها غنم كثير بيض». قالوا : فما أوَّلته يا رسول الله؟ قال : «العجم

__________________

(١) في تفسير القمي ٢ : ٩٤ (ليست بأبٍ وجد) ، وفي ٢ : ٣٢٢ (بابٍ ووالدة) والأخير أقرب للسياق.

(٢) تفسير القمي ٢ : ٣٢٢.

(٣) الفتوحات المكية ٣ : ٣٢٨.

(٤) الكافي ٨ : ٦٣ ح ٢٢.

(٥) بحار الأنوار ٥١ : ١٢٨.

٤٨

يشركونكم في دينكم ، وأنسابكم» ، قالوا : العجم يا رسول الله؟ قال : «لو كان الإيمان متعلّقاً بالثُّريا ؛ لناله رجال من العجم» (١).

[رجع] (٢) : وسبب المن والإعطاء والصرف والمنع في رواية الكافي : هو استعمال الاستعداد الفطري ، وقبوله ، وإبطاله ، والإعراض عنه ، فلا يلزم الجبر.

قوله : (لقد قضيت عنه).

قال الفاضل الأمين الأسترآبادي : (أي قضيت عن الَّذي غَرَّ إبراهيم ، وكأنه عبَّاس أخوهما).

قوله : (ألف دينار) بعد أن أشرف وعزم على طلاق نسائه ، وعتق مماليكه ، وعلى أن يشرد من الغرماء. وكان قصده من الطلاق والعتق أن لا يأخذ الغرماء مماليكه ، ويختموا بيوت نسائه ، وقيل : عزمه على ذلك ؛ لفقره ، وعجزه من النفقة.

قوله : (قد سمعتَ ما لقيَ يوسفُ) يعني : أنَّهم يقولون ذلك افتراء ، وينكرون حقّي حسداً. انتهى (٣).

وفي بصائر الدرجات : (أنه ألحَّ إلى أبي الحسن عليه‌السلام في السؤال ، فحكّ بسوطه الأرض ، فتناول سبيكة ذهب ، فقال له : استغن بها ، واكتم ما رأيت) (٤).

[إبراهيم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه‌السلام]

وبالجملة : قال جدّي بحر العلوم رحمه‌الله : (ما ذكره المفيد رحمه‌الله ، وغيره من الحكم

__________________

(١) حياة الحيوان ٢ : ٢٣٥ (مادة : الغنم).

(٢) ما بين المعقوفين منا لإتمام المعنى.

(٣) شرح اُصول الكافي ٦ : ٣٦٧.

(٤) بصائر الدرجات : ٣٩٤ ح ٢.

٤٩

بحسن حال أولاد الكاظم عليه‌السلام عموماً محلُّ نظر ؛ وكذا في خصوص إبراهيم ، كما هو ظاهر الرواية المتقدمة (١).

وكيف كان : فإبراهيم هذا هو جدّ السيِّد المرتضى والرضي رحمه‌الله ، فإنَّهما ابنا أبي أحمد النقيب ، وهو الحسين بن موسی بن محمّد بن موسی بن إبراهيم بن موسی بن جعفر عليه‌السلام.

وظاهر الأكثر ، كالمفيد رحمه‌الله في (الإرشاد) ، والطبرسي في (إعلام الوری) ، وابن شهر آشوب في (المناقب) ، والإربلي في (كشف الغُمَّة) : (أن المسمَّى بإبراهيم من أولاد أبي الحسن عليه‌السلام : رجل واحد) (٢).

ولكن عبارة صاحب (العمدة) تعطي : (أن إبراهيم من ولده اثنان : إبراهيم الأكبر ، وإبراهيم الأصغر (٣) ، وأنه يلقب بالمرتضی ، والعقب منه ، واُمُّه اُمُّ ولد نُوبِيَّة ، اسمها : نَجِيَّة) (٤).

والظاهر التعدد ، فإن علماء النسب أعلم من غيرهم بهذا الشأن.

والظاهر : أن المسؤول عن أبيه ، والمخبر بحياته هو إبراهيم الأكبر ، وأن الَّذي هو جدّ المرتضی والرضي هو الأصغر ، كما صرّح به جدّي بحر العلوم (٥) ، وقد ذكرنا أنه مدفون في الحائر الحسيني ، خلف ظهر الحسين عليه‌السلام.

وكيف كان : ففي شيراز بقعة تُنسب إلى إبراهيم بن موسی عليه‌السلام واقعة في محلّة (لب آب) ، بناها محمّد زكي خان النوري ، من وزراء شیراز سنة ١٢٤٠ هـ ، ولكن لم

__________________

(١) الفوائد الرجالية ١ : ٤٢١.

(٢) الفوائد الرجالية ١ : ٤٢٤ ، الإرشاد ٢ : ٢٤٥ ، إعلام الوری ٢ : ٣٦ ، مناقب آل أبي طالب عليهم‌السلام ٣ : ٤٣٨ ، كشف الغُمَّة ٣ : ٢٩.

(٣) عمدة الطالب : ١٩٧.

(٤) عمدة الطالب : ٢٠١.

(٥) الفوائد الرجالية ١ : ٤٢٤.

٥٠

أعثر على مستند قوي يدل على صحَّة النسبة ، بل يبعدها ما سمعت من إرشاد المفيد من أنه : (كان والياً باليمن) (١) ، بل ذكر صاحب أنساب الطالبيّين : أنّ إبراهيم الأكبر ابن الامام موسی عليه‌السلام ، خرج باليمن ودعا الناس إلى بيعة محمّد بن إبراهيم طباطبا (٢) ، ثُمَّ دعا الناس إلى بيعة نفسه ، وحجّ في سنة ٢٠٢ هـ ، وكان المأمون يومئذ في خراسان ، فوجّه إليه حمدويه بن علي وحاربه ، فانهزم إبراهيم وتوجَّه إلى العراق (٣) ، وأمّنه المأمون وتوفي في بغداد ، وعلى فرض صحَّة ما ذكرناه فالمتيقّن أنه أحد المدفونين في صحن الكاظم ؛ لأنَّ هذا الموضع كان فيه مقابر قريش من قديم الزَّمان ، فدُفن إلى جنب أبيه عليه‌السلام) (٤).

أحمد ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه‌السلام

وأمّا أحمد بن موسى عليه‌السلام، ففي (الإرشاد) : (كان کریماً جليلاً ورعاً ، وكان أبو الحسن موسى يحبّه ويقدّمه ، ووهب له ضيعته المعروفة باليسيرة. ويقال : إنه رضي‌الله‌عنه أعتق ألف مملوك.

قال : أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى ، قال : حدثنا جدّي : سمعت إسماعيل بن موسى عليه‌السلام يقول : خرج أبي بولده إلى بعض أمواله بالمدينة ، فكنَّا في

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٥.

(٢) قال صاحب المجدي في أنساب الطالبين : ١٢٢ ما نصّه : (ووُلد إبراهيم بن موسى الكاظم عليه‌السلام ، وهو لأم ولد ، ويلقب بالمرتضی ، وهو الأصغر ظهر باليمن أيام أبي السرايا ، وكانت اُمّه نُوبية اسمها تحية) ، انتهى. وهو مغاير لما ذكره المؤلف رحمه‌الله فلعله نقله من الفخري في أنساب الطالبيين ، والَّذي لم نقف عليه ، فلاحظ.

(٣) اخباره في : تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٤٨ ، تاريخ الطبري ٧ : ١٢٨.

(٤) قال ابن الطقطقي (ت ٧٠٩ هـ) في الأصیلی : ١٨٢ ، ما نصّه : (أنه ظهر داعياً إلى أخيه الرضا عليه‌السلام ، فبلغ المأمون ذلك ، فارسل إليه عسكراً ، فتخاذل عسكره عنه ، فانكسر وانهزم وعاد إلى بغداد ، فشفّع الرضا عليه‌السلام فيه إلى المأمون ، فتشفّعه فيه وتركه ، فتوفّي في بغداد ، وقبره بمقابر قريش عند أبيه عليه‌السلام في تربة مفردة معروفة قدس الله روحه) ، (انتهى). كما ينظر عن قبره : مراقد المعارف ١ : ٤٠ رقم ٥.

٥١

ذلك المكان ، وكان مع أحمد بن موسی عشرون من خدام أبي وحشمه ، إن قام أحمد قاموا ، وإن جلس جلسوا معه ، وأبي بعد ذلك يرعاه ويبصّرهُ ما يغفل عنه ، فما انقلبنا حَتَّى تشيّخ (١) أحمد بن موسی بيننا). انتهى (٢).

وكانت اُمُّه من الخواتين المحترمات ، تدعی : باُمّ أحمد ، وكان الإمام موسی شديد التلطّف بها. ولمّا توجَّه من المدينة إلى بغداد أودعها ودائع الإمامة ، وقال لها : كلّ من جاءك وطلب منك هذه الأمانة في أيِّ وقت من الأوقات ، فاعلمي بأنّي قَدْ استشهدت ، وأنه هو الخليفة من بعدي ، والإمام المفترض الطاعة عليك ، وعلى سائر الناس ، وأمر ابنه الرضا عليه‌السلام بحفظ الدار.

ولمّا سمّه الرشيد في بغداد جاء إليها الرضا عليه‌السلام ، وطالبها بالأمانة ، فقالت له اُمّ أحمد : لقد استشهد والدك؟ فقال : بلى ، والآن فرغت من دفنه فأعطني الأمانة التي سلّمها إليك أبي حين خروجه إلى بغداد ، وأنا خليفته والإمام بالحق على تمام الإنس والجنِّ.

فشقّت اُمّ أحمد جيبها ، وردّت عليه الأمانة ، وبايعته بالإمامة (٣).

__________________

(١) كذا في البحار عن الإرشاد ، وفي المطبوع منه بتحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام : (حَتَّى إنشج) مع بيان معنی كلمة الشجة في الهامش ، وهي لا تستقيم مع السياق ، فلاحظ.

(٢) الإرشاد ٢ : ٢٤٤.

(٣) الخبر رواه الشيخ الكليني رحمه‌الله في الكافي ١ : ٣٨١ ح ٦ ، ونصّه : «علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن مسافر قال : أمر أبو إبراهيم عليه‌السلام ـ حين أخرج به ـ أبا الحسن عليه‌السلام ، أن ينام على بابه في كل ليلة أبداً ما كان حياً إلى أن يأتيه خبره قال : فكنا في كل ليلة نفرش لأبي الحسن في الدهليز ، ثُمَّ يأتي بعد العشاء ، فينام فإذا أصبح انصرف إلى منزله ، قال : فمكث على هذه الحال أربع سنين ، فلمَّا كان (كانت ـ ظ) ليلة من الليالي أبطأ عنا وفرش له فلم يأت كما كان يأتي ، فاستوحش العيال وذعروا ودخلنا أمر عظيم من إبطائه ، فلمَّا كان من الغد أتى الدار ، ودخل إلى العيال ، وقصد إلى أم أحمد فقال لها : هات التي أودعك أبي ، فصرخت ولطمت وجهها وشقّت جيبها وقالت : مات والله سيدي ، فكفّها ، وقال لها : لا تتكلمي بشيء ولا تظهریه ، حَتَّى يجيء

٥٢

فلمّا شاع خبر وفاة الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام في المدينة ، اجتمع أهلها على باب اُمّ أحمد ، وسار معهم إلى المسجد.

ولما كان عليه من الجلالة (١) ، ووفور العبادة ، ونشر الشرائع ، وظهور الكرامات ، ظنوا به أنه الخليفة والإمام بعد أبيه ، حينئذ فبايعوه بالإمامة ، فأخذ منهم البيعة ، ثُمَّ صعد المنبر ، وأنشأ خطبة في نهاية البلاغة ، وكمال الفصاحة.

ثُمَّ قال : أيُّها الناس ، كما أنكم جميعاً في بيعتي ، فإني في بيعة أخي علي بن موسی الرضا عليه‌السلام ، واعلموا أنَّه الإمام والخليفة من بعد أبي ، وهو ولي الله ، والفرض عليّ وعليكم من الله والرسول طاعته ، بكل ما يأمرنا.

فكلُّ من كان حاضراً خضع لكلامه ، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد بن موسی عليه‌السلام ، وحضروا باب دار الرضا عليه‌السلام ، فجدّدوا معه البيعة ، فدعا له الرضا عليه‌السلام (٢) ، وكان في خدمة أخيه مدة من الزَّمان إلى أن أرسل المأمون على الرضا عليه‌السلام ، وأشخصه إلى خراسان ، وعقد له خلافة العهد ، وهو المدفون بشیراز المعروف : بسيد السادات ، ويعرف عند أهل شيراز بشاه جراغ.

__________________

الخبر إلى الوالي ، فأخرجت إليه سفطاً وألفي دينار أو أربعة آلاف دينار ، فدفعت ذلك أجمع إليه دون غيره وقالت : إنه قال لي فيما بيني وبينه ـ وكانت أثيرة عنده ـ احتفظي بهذه الوديعة عندك ، لا تطلعي عليها أحداً حَتَّى أموت ، فإذا مضيت فمن أتاك من ولدي فطلبها منك ، فادفعيها إليه واعلمي أني قَدْ متّ وقد جاءني والله علامة سيدي ، فقبض ذلك منها وأمرهم بالإمساك جميعاً إلى أن ورد الخبر ، وانصرف فلم يعد لشيء من المبيت كما كان يفعل ، فما لبثنا إلا أياماً يسيرة حَتَّى جاءت الخريطة بنعيه ، فعددنا الأيام وتفقدنا الوقت ، فاذا هو قَدْ في الوقت الَّذي فعل أبو الحسن ليه السلام ما فعل ، من تخلّفه عن المبيت ، وقبضه لما قبض». وينظر أيضاً عن وصيته عليه‌السلام إليها : عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ٢ : ٤٢ ففيه خبر اخر.

(١) الحديث عن أحمد بن موسی بن جعفر عليه‌السلام ، فلاحظ.

(٢) ذکره حرز الدين في مراقد المعارف ١ : ١١٨ دون ذكر المصدر.

٥٣

وفي عهد المأمون قصد شيراز مع جماعة ، وكان من قصده الوصول إلى أخيه الرضا عليه‌السلام. فلمَّا سمع به (قتلغ خان) عامل المأمون على شیراز توجَّه إليه خارج البلد ، في مكان يقال له : خان زینان على مسافة ثمانية فراسخ من شیراز قتلاقی الفريقان ، ووقع الحرب بينهما. فنادى رجل من أصحاب قتلغ : إن كان تريدون ثمَّة الوصول إلى الرضا عليه‌السلام فقد مات. فحين ما سمع أصحاب أحمد بن موسى ذلك تفرَّقوا عنه ، ولم يبق معه إلا بعض عشيرته وإخوته ، فلمَّا لم يتيسر له الرجوع توجَّه نحو شیراز ، فأتبعه المخلفون ، وقتلوه حيث مرقده هناك (١).

وكتب بعض في ترجمته : (أنه لمّا دخل شیراز اختفى في زاوية ، واشتغل بعبادة ربِّه حَتَّى تُوفّي لأجله ، ولم يطلّع على مرقده أحد ، إلى زمان الأمير : مقرب الدين مسعود بن بدر الدين ، الَّذي كان من الوزراء المقربين لأتابك أبي بكر بن سعد بن زنكي ، فإنه لمّا عزم على تعمير في محل قبره حيث هو الآن ، ظهر له قبر وجسد صحیح غير متغيّر ، وفي إصبعه خاتم منقوش فيه : العزة لله أحمد بن موسی ، فشرحوا الحال لأبي بكر ، فبنى عليه قُبَّة ، وبعد مدة من السنين آذنت بالانهدام ، فجدّدت تعميرها الملكة تاشي خواتون أم السلطان الشيخ أبي إسحاق ابن السلطان محمود ، وبنت عليه قُبَّة عالية ، وإلى جنب ذلك مدرسة ، وجعلت قبرها في جواره ، وتاريخه يقرب من سنة ٧٥٠ هجرية) (٢).

وفي سنة ١٢٤٣ هـ جعل السلطان فتح علي شاه القاجاري عليه مشبّكاً من الفضة الخالصة ، ويوجد على قبره نصف قرآن بقطع البياض بالخطّ الكوفي الجيد

__________________

(١) ليالي بيشاور : ٤٣ ، مراقد المعارف ١ : ١١٦ رقم ٣٩.

(٢) ليالي بيشاور : ٤٤ ، مشاهد العترة الطاهرة : ١٢١ ، وقد أثبت نسبة القبر إليه عليه‌السلام مع ترجمته الخوانساري في روضات الجنات ١ : ٤٢ رقم ٨ ، فلتراجع.

٥٤

على ورق من رَقِّ الغزال ، ونصفه الآخر بذلك الخطّ في مكتبة الرضا عليه‌السلام ، وفي آخره : (كتبه علي بن أبي طالب) ، فلذلك كان الاعتقاد بأنه خطه عليه‌السلام ، وأورد بعض أنَّ مخترع علم النحو لا يكتب المجرور مرفوعاً.

والَّذي ببالي أن غير واحد من النحاة ، وأهل العربية صرّح : بأن الأب والابن إذا صارا علمين يعامل معهما معاملة الأعلام الشخصية في أحكامها ، وصرّح بذلك صاحب (التصريح) (١).

وقال أبو البقاء في آخر كتابه (الكُلّيات) : (وممَّا جرى مجرى المثل الَّذي لا يغيّر : (علي بن أبي طالب) حَتَّى ترك في حالي النصب والجر على لفظه في حالة الرفع ؛ لأنه اشتهر في ذلك ، وكذلك معاوية بن أبي سفيان ، وأبو اُميَّة) ، انتهي (٢).

وظني القوي : أن القرآن بخط علي عليه‌السلام لا يوجد إلا عند الحجّة صلوات الله عليه ، وأن القرآن المُدعی کونه بخطه عليه‌السلام هو علي بن أبي طالب المغربي ، وكان معروفاً بحسن الخط الكوفي ، ونظير هذا القرآن بذلك الرقم بعينه يوجد في مصر في مقام رأس الحسين عليه‌السلام ، كما ذكرنا : أنه كان يوجد نظيره أيضاً في المرقد العلوي المرتضوي ، وأنه احترق فيما احترق.

هذا وربّما يُنقل عن بعض أنَّ مشهد السيِّد أحمد المذكور في بلخ ، والله العالم.

وفي بيرم من أعمال شیراز مشهد يُنسب إلى أخي السيِّد أحمد يُعرف عندهم بشاه علي أكبر ، ولعلّه هو الَّذي عدّه صاحب (العمدة) من أولاد موسی بن

__________________

(١) ينظر تفصيل ذلك في : الصحيح من مسيرة النبي الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ٤ : ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٢) کليات أبي البقاء = كليات العلوم = الإعراب.

٥٥

جعفر عليه‌السلام وسمّاه علياً (١).

القاسم ابن الإمام موسی ابن جعفر عليه‌السلام

وأمّا القاسم بن موسى عليه‌السلام كان يحبُّه أبوه حبّاً شديداً ، وأدخله في وصاياه ، وفي باب الإشارة والنصّ على الرضا عليه‌السلام من الكافي في حديث أبي عمارة ، يزيد بن سليط الطويل ، قال أبو إبراهيم : «اُخبرك يا أبا عمارة أنّي خرجت من منزلي ، فأوصيت إلى ابني فلان ـ يعني : علياً الرضا عليه‌السلام ـ وأشركت معه بنيّ في الظاهر ، وأوصيته في الباطن ، فأفردته وحده ، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني ؛ لحبِّي إياه ، ورأفتي عليه ، ولكنَّ ذلك إلى الله عزَّ وجلَّ ، يجعله حيث يشاء. ولقد جاءني بخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجدّي علي عليه‌السلام ، ثُمَّ أرانيه وأراني من يكون معه ، وكذلك لا يوصّى إلى أحد منَّا حَتَّى يأتي بخبره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وجدّي علي عليه‌السلام ، ورأيت مع رسول الله خاتماً ، وسيفاً ، وعصاً ، وكتاباً ، وعمامة ، فقلت : ما هذا يا رسول الله؟ فقال لي : أمّا العمامة فسلطان الله عزَّ وجلَّ ، وأمّا السيف فعزّ الله تبارك وتعالى ، وأمّا الكتاب فنور الله تبارك وتعالى ، وأمّا العصا فقوة الله عزَّ وجلَّ ، وأمّا الخاتم فجامع هذه الأُمور.

ثُمَّ قال لي : والأمر قَدْ خرج منك إلى غيرك ، فقلت : يا رسول الله ، أرنيه أيّهم هو؟ فقال رسول الله : ما رأيتُ من الأئمّة أحداً أجزع على فراق هذا الأمر منك ، ولو كانت الإمامة بالمحبة ؛ لكان إسماعيل أحبّ إلى أبيك منك ، ولكنَّ ذلك من الله» (٢).

وفي الكافي أيضاً ، بسنده إلى سليمان الجعفري ، قال : «رأيت أبا الحسن عليه‌السلام يقول لابنه القاسم : قُم يا بني ، فاقرأ عند رأس أخيك : وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (٣) حَتَّی

__________________

(١) عمدة الطالب : ١٩٧.

(٢) الكافي ١ : ٣١٥ ضمن ح ١٤.

(٣) بداية سورة الصافات.

٥٦

تستتمها ، فقرأ ، فلمَّا بلغ : فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا (١) قضى الفتى ، فلمَّا سُجِّي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر ، فقال له : كنا نعهد الميِّت إذا نزل به الموت يُقرأ عنده : يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) ، فصرت تأمرنا بالصافات؟! فقال : يا بني ، لم تُقرأ عند مکروب من موت قطّ إلّا عجَّل الله راحته» (٣).

ونصّ السيِّد الجليل علي بن طاووس على استحباب زيارة القاسم ، وقرنه بالعبَّاس ابن أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وعلي بن الحسين عليه‌السلام المقتول بالطف. وذكر لهم ولمن يجري مجراهم زيارة يزارون بها ، من أرادها وقف عليها في كتابه (مصباح الزائرين) (٤).

وقال في البحار : (والقاسم بن الكاظم عليه‌السلام ـ الَّذي ذكره السيد رحمه‌الله ـ قبره قريب من الغريّ) (٥).

__________________

(١) سورة الصافات : من آية ١١.

(٢) بداية سورة يس المباركة.

(٣) الكافي ٣ : ١٢٦ ح ٥.

(٤) مصباح الزائر : ٥٠٣.

(٥) بحار الأنوار ٩٩ : ٣٧٦ ، تحفة الزائر : ٦٩٩ ، وقال المحقّق السيِّد محمّد مهدي الخرسان حفظه الله ورعاه في هامش ص ٢٨٣ من بحار الأنوار ج ٤٨ ما نصّه : (القاسم بن موسی بن جعفر : كان يحبه أبوه حباً شديداً ، وأدخله في وصاياه ، وقد نصّ السيِّد الجليل النقيب الطاهر رضی الدین علي بن موسی بن طاووس في كتابه (مصباح الزائر) على استحباب زيارته ، وقرنه بأبي الفضل العبَّاس ابن أمير المؤمنين وعلي بن الحسين الأكبر المقتول بالطف ، وذكر لهم ولمن يجرى مجراهم زيارة ذكرها في كتابه (مصباح الزائر) ـ مخطوط ـ وقبر القاسم قريب من الحلة السيفية عند الهاشمية ، وهو مزار متبرك به ، يقصده الناس للزيارة وطلب البركة وقد ذكر قبره ياقوت في (معجم البلدان) ، والبغدادي في (مراصد الاطلاع) ، أن شوشة قرية بأرض بابل ، أسفل من حلة بني مزيد ، بها قبر القاسم بن موسی بن جعفر .. إلخ). (معجم البلدان ٣ : ٣٧٢ ، مراصد الاطلاع ٢ : ٨١٩).

وقال في ٩٩ : ٢٧٥ بالهامش منه ، ما نصّه : لقد سبق أنّا ذكرنا في هامش ص ٢٨٣ ج ٤٨ من البحار (الطبعة الإسلامية) في باب أحوال أولاد الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام شيئاً من ترجمة القاسم ابن الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام ، وذكرنا أن قبره

٥٧

وما هو معروف في الألسنة من أن الرضا عليه‌السلام قال فيه : «من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم» كذب ، لا أصل له في أصل من الاُصول ، وشأنه أجلّ من أن يُرغَّب الناس في زيارته بمثل هذه الأكاذيب (١).

محمّد ابن الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام

وأمّا محمّد بن موسى عليه‌السلام : ففي الإرشاد : (أنه من أهل الفضل ، والصلاح ـ ثُمَّ

__________________

قريب من الحلة السيفية عند الهاشمية ، وهو مزار متبرك به ، يقصده الناس للزيارة وطلب البركة ، ثُمَّ ذكرنا قول ياقوت في معجمه والبغدادي في مراصده [معجم البلدان ٣ : ٣٧٢ ، مراصد الاطلاع ٢ : ٨١٥] : أن بشوشة ـ قرية بأرض بابل أسفل من حلة بني مزيد ـ قبر القاسم بن موسی بن جعفر ، ولم يكن ذكرنا لقول ياقوت وابن عبد الحق البغدادی اختياراً منا لقولهما ، بل ذكرنا أولاً اختيارنا وذكرنا قولهما ثانياً إحاطة للقاري بما ذهب إليه هذان في كتابهما ، ولكن مع الأسف الشديد أن يتوهم بعض المعلّقين المحدثين أن ذكرنا لقول ياقوت وصاحبه اختيار منا لذلك ، فنسبه إلينا وهذا الوهم من سوء الفهم ونسأله التسديد والعصمة. ولا يعزب عن ذهن القارئ أن ما ذهب إليه شيخنا المؤلف في تعيين قبر القاسم المذكور حيث قال : وقبره قريب من الغري ، إنما هو مبني على ظنه أو أنه من سهو القلم والعصمة لله وحده ، واحتمال أن يكون مراده قربه من الغري بالنسبة إلى بعده عن بلده إصفهان كما احتمله بعضهم ، بعید غايته. وقد اشتهر عن الرضا عليه‌السلام أنه قال : من لم يزرني ، فلیزر أخي القاسم ، ولم أقف على مصدر لهذا الحديث إلا أنه مستفيض ، حَتَّى نظمه بعض الشعراء ، ومنهم السيِّد علي بن يحيى بن حديد الحسيني من أعلام القرن الحادي عشر ، وقد ترجمه صاحب (نشوة السلافة) ، فقد نظم السيِّد المذكور الحديث المشهور بقوله مخاطباً القاسم عليه‌السلام كما في البابليات ج ١ ص ١٦٢ :

ايُّها السيِّدُ الَّذي جاءَ فيه

قولُ صدقٍ ثِقاتُنا تَرويهِ

بصحيحِ الإسنادِ قَدْ جاءَ حَقّاً

عن أخيهِ لاُمِّهِ وأبيهِ

إنّني قَدْ ضمِنتُ جناتِ عَدْنٍ

للَّذي زارَني بِلا تَمويهِ

وإذا لم يُطِقْ زيارَةَ قبري

حَيثُ لم يستطع وُصولاً إليهِ

فَلْيَزُرْ في العراقِ قَبر أخي

القاسِمِ وَلَيُحْسِنِ الثناءَ عَليهِ

[نشوة السلافة ج ٢ مخطوط ، ونسخته في مكتبة الإمام الحكيم في النجف الأشرف ، وطُبع الجزء الأول منه دون الثاني بتحقيق السيِّد محمّد بحر العلوم ، وهو من منشورات المكتبة المذكورة]

(١) قاله المتتبع الخبير الشيخ ميرزا حسين النوري رحمه‌الله في كتابه (جنة المأوى) والمنضم إلى بحار الأنوار ٥٣ : ٢٥٦ بالهامش.

٥٨

ذكر ما يدل على مدحه ، وحسن عبادته ـ) (١).

وفي رجال الشيخ أبي علي ، نقلاً عن حمد الله المستوفي في (نزهة القلوب) : (أنه مدفون أخيه شاه جراغ في شيراز ، وصرّح بذلك أيضاً السيِّد الجزائري في الأنوار ، قال : وهما مدفونان في شيراز ، والشيعة تتبرّك بقبورهما (بقبريهما ـ ظ) ، وتكثر زيارتهما ، وقد زرناهما كثيراً) ، انتهى (٢).

يقال : (إنه في أيام الخلفاء العبَّاسية (العبَّاسيين ـ ظ) دخل شیراز واختفى بمكان ، ومن أجرة كتابة القرآن أعتق ألف نسمة) (٣).

واختلف المؤرخون في : أنه الأكبر ، أو السيِّد أحمد؟

وكيف كان : فمرقده في شيراز معروف ، بعد أن كان مخفياً على زمان أتابك ابن سعد بن زنكي ، فبُني له قُبَّة في محلَّة (باغ قتلغ) ، وقد جُدّد بناؤه مرات عديدة :

منها : في زمان السلطان نادر خان ، وفي سنة ١٢٩٦ رمثه (٤) النواب اُويس ميرزا

__________________

(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٥ ، وإليك نصّ المدح : «أخبرني أبو محمّد الحسن بن محمّد بن يحيى قال : حدثني جدّي قال : حدثني هاشمية مولاة رقية بنت موسی قالت : كان محمّد بن موسی صاحب وضوء وصلاة ، وكان ليله كله يتوضأ يصلي ، فنسمع سكب الماء والوضوء ، ثُمَّ يصلي ، ليلاً ثُمَّ يهدأ ساعة فيرقد ، ويقوم فنسمع سكب الماء والوضوء ثُمَّ يصلي ثُمَّ يرقد سويعة ، ثُمَّ يقوم فنسمع سكب الماء والوضوء ، ثُمَّ يصلي ، فلا يزال ليله كذلك حَتَّى يُصبح ، وما رأيته قط إلا ذكرت قول الله تعالى : كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ [سورة الذاريات : آية ١٧]».

(٢) منتهى المقال ٦ : ٢١٠ رقم ٢٨٩٤ ، نزهة القلوب عنه روضات الجنات ١ : ٤٣ ، الأنوار النعمانية ١ : ٣٨٠.

(٣) روضات الجنات ١ : ٤٢.

(٤) رمثه : أصلحه. انظر المعجم الوسيط : ٣٧١.

٥٩

ابن النواب الأعظم ، العالم ، الفاضل الشاه زاده فرهاد ميرزا القاجاري (١).

الحسين ابن الإمام موسی بن جعفر عليه‌السلام

وأمّا الحسين بن موسی ويلقّب بالسيد علاء الدين ، فقبره أيضاً في شيراز ، معروف ذكره شيخ الإسلام : شهاب الدين أبو الخير حمزة بن حسن بن مودود ، حفيد الخواجة : عز الدين مودود بن محمّد بن معين الدين محمود ، المشهور بزر کوش الشيراز ، المنسوب من طرف الأم إلى أبي المعالي مظفر الدین بن محمّد بن روزبهان ، توفّي حدود سنة ٨٠٠ هـ ذكره المؤرخ الفارسي في تاريخه المعروف بشیراز نامة ، وملخَّصُ ما ذكره :

إنَّ قتلغ خان كان والياً على شيراز ، وكان له حديقة في مكان ، حيث هو مرقد السيِّد المذكور ، وكان بوّاب تلك الحديقة رجلاً من أهل الدين ، وكان يرى في ليالي الجمعة نوراً يسطع من مرتفع في تلك الحديقة ، فأبدى حقيقة الحال إلى الأمير : قتلغ ، وبعد مشاهدته لما كان يشاهده البوّاب ، وزيادة تجسّسه وكشفه عن ذلك المكان ؛ ظهر له قبر ، وفيه جسد عظيم ، في كمال العظمة ، والجلال ، والطراوة ، والجمال ، بيده مصحف ، وبالأُخرى سيف مصلت.

فبالعلامات والقرائن علموا : أنه قبر حسين بن موسى عليه‌السلام ، فبنى له قُبَّة ورواقاً.

الظاهر : أن قتلغ خان هذا ، غير الَّذي حارب أخاه السيِّد أحمد ، ويمكن أن تكون الحديقة باسمه ، والوالي الَّذي أمر ببناء مشهده غيره ، فإن قتلغ خان لقب جماعة ، كأبي بكر بن سعد الزنكي ، واحدٌ [من] (٢) أتابكية أذربيجان ، بل هم (١) من

__________________

(١) الفوائد الرجالية ١ : ٤٢٨ بالهامش.

(٢) زيادة منا اقتضاها تمام المعنى.

٦٠