تحفة العالم في شرح خطبة المعالم - ج ٢

آية الله السيّد جعفر بحر العلوم

تحفة العالم في شرح خطبة المعالم - ج ٢

المؤلف:

آية الله السيّد جعفر بحر العلوم


المحقق: أحمد علي مجيد الحلّي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مركز تراث السيد بحر العلوم قدّس سرّه
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٢
الجزء ١ الجزء ٢

[ترجمة معاوية بن وهب]

وأمّا معاوية : فهو ابن وهب البجلي ، أبو الحسن.

قال النجاشي : (عربي صميم ، ثقة ، حسن الطريقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، له كتب ... إلخ) (١).

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

[أ] ـ «اطلبوا العلم» : قال جدّي الصالح رحمه‌الله : (إنَّ هذه الأُمور الثلاثة من أعظم الأُصول لتحصيل سعادة الدارين ، واستقامة أحوال الكونين ؛ إذ بالأول تُعرف الأحكام ، والحلال ، والحرام، وأحوال المبدأ والمعاد ، وأحوال السياسات البدنية ، والمنزلية ، والمدنية ، وبالأخيرين تُزيّن النفس بزينة الإناءة ، والرزانة ، والتحلّي بِحِلْيَةِ الصيانة والمتانة ، والتجنُّب عن تبعات الغضب من التضاغن ، والسفه ، والخِفَّة وغيرها ، وهذا أصل عظيم في جلب طيب عيش الدارین ، وطلب نظام النشأتين) (٢).

[ب] ـ «تواضعوا لمن تعلّمونه العلم» : أمّا في أوان اشتغاله بالطلب كما قيل ، أو الأعمّ.

[ج] ـ «وتواضعوا لمن طلبتم منه العلم» : أي عند الطلب وبعده.

قال بعض العلماء : (حقُّ المعلّم الربَّاني ، والمربِّي الروحاني على المتعلّم أعظمُ وأولی من حقِّ أبيه الجسماني).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٢ رقم ١٠٩٧.

(٢) شرح اُصول الكافي ٢ : ٦٥.

٣٢١

وقال بعض الأكابر : (العلماء أرحم باُمَّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من أبائهم واُمّهاتهم ، قيل : فكيف ذلك؟ قال : لأنَّ أباءهم واُمَّهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا ، والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة).

وقيل لإسكندر : (ما بالُكَ تُحبُّ معلّمكَ أكثر ممَّا تحب أباك؟ فقال : لانَّ مُعلّمي سبب حياتي الروحانية الأُخروية ، وأبي وسيلة حياتي الجسمانية الدنيوية) (١).

وبالجملة : فالتواضع معناه التذلُّل ، وهو من الأخلاق العالية التي قَدْ كثر عليها من الله تعالى في كلام الأئمة عليهم‌السلام في أدعيتهم ، كما قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في دعاء كميل بن زياد : «وتجعلني بقسمك راضياً قانعاً ، وفي جميع الأحوال متواضعاً» (٢).

وفي الحديث : «ما تواضع أحد لله إلا رفعه» (٣).

قال بعض الشراح : (فيحتمل رفعه في الدنيا ، وفي الآخرة ، وفي كليهما) (٤).

وفيه أيضاً ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام عنه قال : «سمعته يقول : إن في السماء ملکین موكَّلين بالعباد ، فمن تواضع لله رفعاه ، ومن تكبّر وضعاه» (٥).

ولعلَّ المراد من رفعه الثناء عليه ، أو بإعانته في الحصول على المطالب ، وتيسّر أسباب العزة والرفعة في الدارين ، وفي التكبُّر بالعكس فيهما.

وفيه أيضاً : «أنَّ من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه» (٦).

__________________

(١) شرح اُصول الكافي ٢ : ٦٦.

(٢) مصباح المتهجد : ٨٤٤.

(٣) مسند أحمد ٢ : ٣٨٦.

(٤) مجمع البحرين ٤ : ٥١٥.

(٥) الكافي ٢ : ١٢٢ ح ٢.

(٦) الكافي ٢ : ١٢٣ ح ٩.

٣٢٢

أي : عند المجلس الَّذي يقتضي شرفة الجلوس فيه ، أو أدون (أدنى ـ ظ) منه ، والأخير أظهر.

وفيه أيضاً : «أنَّه نظر أبو عبد الله عليه‌السلام إلى رجل من أهل المدينة قَدْ اشتری العياله شيئاً وهو يحمله ، فلمَّا رآه الرجل استحيى منه ، فقال أبو عبد الله : «اشتريته العيالك وحملته إليهم ، أما والله لولا أهل المدينة لأحببت أن أشتري لعيالي الشيء ثُمَّ احمله إليهم»» (١).

ويدل على استحباب شراء الطعام للأهل وحمله إليهم ، وأنه مع ملامة الناس الترك أولی.

وفي الكافي : بإسناده عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، قال : «التواضع أن تعطي الناس ما تُحبُّ أن تُعْطَاه».

وفي حديث آخر قال : «قلت : ما حدُّ التواضع الَّذي إذا فعله العبد كان متواضعاً؟ فقال : «التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه ، فينزلها منزلتها بقلب سليم ، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه ، إن رأى سيِّئة درأها بالحسنة ، كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، والله يحب المحسنين»» (٢).

أمّا معرفة قدر المرء نفسه فبملاحظة عيوبها وتقصيراتها في خدمة خالقه ، والحاصل التواضع عبارة عن ترك التكبُّر ، والتذلُّل لله ، ولرسوله ، ولأُولي الأمر ، وللمؤمنين ، وعدم حبّ الرفعة والاستيلاء ، وكلّ ذلك موجب للقرب ، وإذا كان أحد الضدَّين موجباً للقرب ، كان الآخر موجباً للبعد.

__________________

(١) الكافي ٢ : ١٢٣ ح ١٠.

(٢) الكافي ٢ : ١٢٤ ح ١٣.

٣٢٣

[د] ـ «ولا تكونوا علماء جبّارين» : الجبار المتكبِّر ، والكبرياء من صفات الباري تعالى ، قال تعالى : «الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني فيهما قصمت ظهره» (١).

فهو حقٌّ له ، وباطل في غيره ممَّن ادَّعاه لنفسه ، فالتكبُّر من العالم دليل على جهله ، وموجب لسقوط حقوقه التي من جملتها الرئاسة العظمی ، والخلافة الكبرى في الدين والدنيا ، وهو المراد بقوله : «فيذهب باطلُكُم بِحَقّكُم» ، والباء في (بحقّكم) للتعدية.

__________________

(١) الجواهر السنية : ١٦٧ وفيه : (قصمته) بدل : (قصمت ظهره).

٣٢٤

الحديث الثالث والعشرون

العالم من صدق قوله فعله

[٩٠] ـ قال رحمه‌الله : وعنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن حمّاد بن عثمان ، عن الحارث بن المغيرة النصري ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزَّ وجلَّ : إِنَّمَا يَخْشَى اللَّـهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ (١) قال : «يعني بالعلماء من صدَّق قولَه فعلُه ، ومن لم يصدق قولَهُ فعله فليس بعالم» (٢).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما عرفت.

[ترجمة حمّاد بن عثمان]

و (حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري ، وأخوه عبد الله ، ثقتان ، رويا عن أبي عبد الله ، وروی حمّاد عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام ، ومات حمّاد بالكوفة سنة ١٩٠ ، كما هو المنقول عن ابن الجوزي في كتاب الجملة) (٣).

[ترجمة النصري]

و (النصري ـ بالنون والصاد المهملة ـ : من بني نصر بن معاوية ، ثقة ثقة) (٤).

الموضع الثاني

فيما يتعلق بشرح المتن :

__________________

(١) سورة فاطر : من آية ٢٨.

(٢) معالم الدين : ٢٠ ، الكافي ١ : ٣٦ ح ٢ ، وفيه : أن الفعل مقدم على القول.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٢ رقم ٣٧١.

(٤) رجال النجاشي : ١٣٩ رقم ٣٦١ ، وفيه : أنه روی عن أبي جعفر ، وجعفر ، وموسی بن جعفر ، وزيد بن علي عليهم‌السلام.

٣٢٥

[أ] ـ قَدْ تقدم شرح الآية مفصّلاً ، وقد ذكرنا هناك أنَّ القراءة المشهورة فيها هي نصب لفظ الجلالة ورفع العلماء على أن يكون الأول مفعولاً مقدَّماً والثاني هو الفاعل ، وتقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر ، فكان المقصود من الآية انحصار الخشية من الله تعالی بصنف العلماء ، وأنَّ من يخشى الله من عباده مثلُ العالم ومن على صفته ، مِمَّن نظر في دلائل الحقّ فعرفه حق معرفته ، وأراد أن يعرفه كنه معرفته ؛ لأن الخشية على حسب العلم بنعوت كماله وصفات جلاله.

[ب] ـ «فليس بعالم» : وذلك ؛ لأن ترکه العمل بعلمه دليل على أنه ليس بمستیقن في علمه ، وأن العلم عنده مستعار مستودع ، وأنه عن قریب سیسليه ؛ لأنَّ مخالفة العالم علمه من أعظم الذنوب الموجبة لظلمة قلبه ، فلا تجتمع مع نور العلم ، فلا محالة زائل عنه.

٣٢٦

الحديث الرابع والعشرون

الفقيه حقّ الفقيه

[٩١] ـ قال رحمه‌الله : وعنه ، عن عدَّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد البرقي ، عن إسماعيل بن مهران ، عن أبي سعيد القمّاط ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه؟ من لم يقنِّط الناس من رحمة الله ، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله ، ولم يرخّص لهم في معاصي الله ، ولم يترك القرآن رغبة عنه إلى غيره ، ألا لا خير في علم ليس فيه تفهّم ، ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبّر ، ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها ، ألا لا خير في نسك لا ورع فيه» (١).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في شرح حال السند : ومرجع الضمير معلوم.

[ترجمة إسماعيل بن مهران]

وإسماعيل بن مهران : كوفي ، يُكنّى أبا يعقوب ، ثقة معتمد عليه ، روى عن جماعة من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، صرّح بذلك النجاشي في (الفهرست) ، وکفی به شاهداً على الوثوق (٢).

[ترجمة خالد القمّاط]

وأبو سعيد القمّاط : اسمه خالد ، کوفي ، ثقة (٣).

__________________

(١) معالم الدين : ٢٠ ، الكافي ١ : ٣٦ ح ٣.

(٢) رجال النجاشي : ٢٦ رقم ٤٩.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٩ رقم ٣٨٧ ، وفيه : أنه روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام.

٣٢٧

[ترجمة الحلبي]

والحلبي: يُطلق على محمّد بن علي بن أبي شعبة ، وعلى إخوته : عبيد الله ، وعمران ، وعبد الأعلى ، وعلى أبيهم علي بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمر بن أبي شعبة ، وأبيه عمر بن أبي شعبة ، وأحمد بن عمران. وفي الأول ثُمَّ في الثاني أشهر ، كذا في نقد الرجال (١).

وهؤلاء كلّهم ثقات إلا أحمد بن عمران ، وعمر بن أبي شعبة ؛ فإنّه لا نصَّ على توثيقهما ، إلّا أنَّه يُفهم التوثيق من توثيق آل أبي شعبة عموماً (٢).

قال النجاشي رحمه‌الله : (عبيد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي ، مولى بني تيم اللات بن ثعلبة ، أبو علي ، کوفي ، كان يتّجر هو وأبوه وإخوته إلى حلب ، فغلبت عليهم النسبة إلى حلب. وآل أبي شعبة بالكوفة بيت مذكور من أصحابنا ، وروى جدّهم أبو شعبة عن الحسن والحسين عليهما‌السلام ، وكانوا جميعهم ثقات مرجوعاً إلى ما يقولون.

وكان عبيد الله كبيرهم ووجههم. وصنّف الكتاب المنسوب إليه ، وعرضه على أبي الله عليه‌السلام ، وصحّحه وقال عند قراءته : أترى لهؤلاء مثل هذا؟) انتهى (٣).

وقال المجلسي في (الوجيزة) : (الحلبي يُطلق على ثقات) (٤).

الموضع الثاني

في شرح المتن :

__________________

(١) نقد الرجال ٥ : ٣٧٦ رقم ٦٤٠٨.

(٢) رجال النجاشي : ٩٨ رقم ٢٤٥.

(٣) رجال النجاشي : ٢٣٠ رقم ٦١٢.

(٤) الوجيزة في الرجال : ٢١٣ رقم ٢٣٤١.

٣٢٨

[أ] ـ «حق الفقيه» : أي كامل الفقه ، هو إمّا بدل من الفقيه ، أو صفة له ، ويكون ما بعده ـ أعني قوله : «من لم يقنِّط الناس» ـ خبر مبتدأ محذوف تقديره (هو) ، و (أنا) مبتدأ ، وما بعده خبره ، وقيل : أو منصوب بتقدير أعني والمقصود : أن الفقيه الكامل في فقهه لا محالة يكون كذلك ، وذلك ؛ لأنه إن فقه وضع الكتاب العزيز علم أن غرضه عزَّ وجلَّ جذب الناس إليه في سبل مخصوصة بوجوه من الترغيب ، والترهيب ، والوعد ، والوعيد ، والبشارة ، والنذارة وغيرها ، فمن ضرورته إذاً أن لا يقنِّط الناس من رحمة الله بآيات وعیده ونذارته ، ولا يؤيسهم بذلك من روحه لما يلزم اليأس من إغراء العصاة بالمعصية ، واتّباع الهوى ، والحاضر الَّذي يُرجى من نهي النفس عنه ثمرة في الآخرة ، ولذلك قال تعالى : قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وقال : إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (٢).

وأن لا يؤمِّنهم من مكر الله بالجزم بآيات وعده وبشارته ، لما يستلزم السكون إلى ذلك ، والاعتماد عليه من الانهماك في المعاصي واتباع الهوى ؛ ولذا قال تعالى : أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّـهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّـهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (٣) بل يكون تابعاً في وعظه وجذبه إلى مقاصد سنته ووضع شريعته ، فإنه قلّ موضع من الكتاب العزيز يذكر فيه الوعيد إلّا ويمزجه بالوعد ، والحكمة تقتضي ذلك ؛ ليكون المكلفّ متردِّداً بين الرغبة والرهبة.

__________________

(١) سورة الزمر : ٥٣.

(٢) سورة يوسف : من آية ٨٧.

(٣) سورة الأعراف : ٩٩.

٣٢٩

ويقولون في الأمثال المرموزة : «لقي موسى عليه‌السلام وهو ضاحك مستبشر عيسى عليه‌السلام وهو كالح قاطب ، فقال عيسى : مالك كأنك آمن من عذاب الله؟ فقال موسی عليه‌السلام : مالك كأنك آيس من روح الله! فأوحى الله إليهما : موسی أحبّكما إليّ شعاراً ، فإنّي عند حسن ظنِّ عبدي بي» (١).

[ج] ـ «ولم يترك القرآن رغبة إلى غيره» : من الكتب السماوية وغيرها ، يعني الفقيه الكامل يأخذ بالأحكام وغيرها من كتاب الله ، ويتَّبع أوامره ونواهيه ، او يقتفي أثره في العالم ، والعمل ، والقراءة ، ويستنبط منه سائر العلوم الراجعة إلى الاعتقاد من معرفة الله تعالی بذاته ، وصفاته ، وأفعاله ، وأحوال القيامة ، والمعاد الجسماني ، وطريق السلوك إليه تعالى ، والإقبال عليه كما قال : وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (٢) ، أي انقطع إليه انقطاعاً ، ويعتبر بما حواه من شرح أحوال السالكين من قصص الأنبياء والأولياء ، كقصة : آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسی ، وهارون ، وزکريا ، ويحيى ، وعيسى ، ومريم ، وداود ، وشعيب ، وسليمان ، ويونس ، وإدريس ، والخضر ، وإلياس ، وجبرئيل ، والملائكة ، وغيرهم صلوات الله عليهم أجمعين ، ويتنبّه من أحوال الجاحدين المنطوية في قصص : نمرود ، وفرعون ، وقارون ، وعاد ، وثمود ، وقوم لوط ، وقوم تُبّع ، وأصحاب الأيكة ، وكفّار مكّة ، وعبدة الأوثان ، وإيليس ، والشياطين ، وغيرهم ، ففيما ورد في ذلك من الآيات ماهو واف بالهداية ؛ لاشتمالها على العلوم العقلية ، والحكم البرهانية ، والآثار الإلهية ، والدلائل الوحدانية ، وشواهد ربوبية ، ومواعظ لقمانية ، هي مناهج الإيمان ،

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٨ : ٢٤٣.

(٢) سورة المزمل : من آية ٨.

٣٣٠

ومعارج العرفان ، كما بشّر الله أهل العقل والفهم في كتابه العزيز أيضاً بما ذكر ، فقال تعالى : فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (١) ، ففيها دلالة على التفخيم ، والتعظيم ، ومدح السالكين في نهج الصواب ، والتابعين للحق في كلّ باب.

[د] ـ «ألّا لا خير في علم ليس فيه تفهُّم» : أي طلب فهم حقيقته والغرض منه ، فإنَّ الاستدلال بوجود العالم على وجود الصانع ربّما يؤثر العلم في نفس المستدل علماً ظاهرياً يشاركه فيه سائر الناس من العوام ، بخلاف ما لو تأمَّل في كلّ واحد من أجزائه الساكنة ، والمتحركة ، والعلوية ، والسفلية ، والمركَّبة ، والبسيطة ، والنامية ، وغير النامية ، وفي كيفية حركتها ونُشوِّها ، واختلاف مقادیر تلك الحركات ، ومسافتها ، واقتراناتها ، واتصالاتها إلى غير ذلك من الأحوال التي دلَّت على كمال قدرة صانعها ، كما استدل بها خلیل الرحمن ، فيحصل له على ثابت ويقين جازم ، كما حصل له عليه‌السلام حَتَّى قال له الروح الأمين حين رُمي بالمنجنيق وكان في الهوى مائلاً إلى النار : «ألك حاجة؟ قال : أمّا إليك فلا» (٢).

فإعراضه عنه في تلك الحالة ، وإلجاؤه إلى ربِّه ليس إلّا ؛ لأنَّه رأى كلّ من سواه محتاجاً إليه ، خاشعاً لديه ، خاضعاً بين يديه ، مقهوراً لعزَّته ، مغلوباً لقدرته ، بل لم ير موجوداً سواه وملجأً إلّا إياه ، وبالجملة : ففيه الحثّ على الاطّلاع على بواطن الأشياء التي به تتنور قلوب العارفين ، والفرق بين علماء الظاهر والباطن ، أن علماء الباطن واصلون إلى الحق ، وعلماء الظاهر طالبون لطريقه.

__________________

(١) سورة الزمر : من آية ١٧ ـ ١٨.

(٢) أمالي الصدوق : ٥٤٢.

٣٣١

[هـ] ـ «ألا لا خير في قراءة ليس فيها تدبُّر» : التدبُّر في القرآن هو التفكُّر فيه والاعتبار به والَّذي هو المقصد الأصلي من سيره من الله إلى هذا العالم ، وهو طورٌ وراء حضور القلب ، فإن الإنسان قَدْ لا يتفكّر في غير القرآن ولكنه يقتصر اعلى سماع القرآن من نفسه ، وهؤلاء يتدبره ، والمقصود من التلاوة التدبر ، فقال سبحانه : أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (١) ، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٢) ، وقال : وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (٣) وإذا لم يكن التدبُّر إلّا بالترديد فليردِّد.

قال أبو ذر : «قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلةً يردِّد قوله تعالى : إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤)». فمن لم يتدبَّر فيه كما هو المقصود منه كان بمنزلة منافق يتكلَّم بالحقِّ ظاهراً ، وهو غافل عنه باطناً.

[و] ـ «ألا لا خير في عبادة ليس فيا تفكُّر» : كما في رواية اُخرى : لأن العرض الأصلي من العيادة هو التقرُّب إلى المعبود ، وطلب رضاه ، والوصول إليه ، والانقطاع عمَّا عداه ، ولا يتحقَّق ذلك من دون يقظة في القلب ، ولذا جاء في الخير : «تفكُّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة» (٥).

[ز] ـ «ألا لا خير في عبادة لا فقه فيها» : لا ريب في أنَّ صلاة الفقيه المستنبط لأحكامها من السُنَّة والكتاب أعلى ثواباً وأقرب تناولاً للملائكة ممَّن

__________________

(١) سورة محمّد : ٢١.

(٢) سورة النساء : ٨٢.

(٣) سورة المزمل : من آية ٤ ، والحديث في بحار الأنوار ١٦ : ٣٩٣ ح ١٦٢.

(٤) سورة المائدة : ١١٨.

(٥) رياض السالکین : ٣٧٠.

٣٣٢

لم يفقه شيئاً من أحكامها ، بل أخذها من مقلّده من باب المتابعة والتسليم ورجوع الجاهل إلى العالم ، والمراد من نفي الخير عنها قلَّة ثوابها لا عدم إجزائها.

[ح] ـ «ألا لا خير في نُسُكٍ لا ورع فيه» : المراد هنا بالنسك هو مطلق العبادة ، والورع هو الكفّ عن المحرَّمات ، ومعلوم أنَّ فعل الواجب من العبادات مع التلبُّس بالمحرَّمات غير منجية لصاحبها.

٣٣٣

الحديث الخامس والعشرون

للعالم ثلاث علامات

[٩٢] ـ قال رحمه‌الله : عنه ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عمّن ذكره ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ للعالم ثلاث علامات : العلم ، والحلم ، والصمت ، وللمتكلّف ثلاث علامات : ينازع من فوقه بالمعصية ، ويظلم من دونه بالغلبة ، ويظاهر الظلمة» (١).

أقول : مرجع الضمير كما تقدم.

[حال علي بن معبد]

وعلي بن معبد : مجهول الحال (٢) ، والحديث مرسل.

وأمّا شرح المتن :

[أ] ـ «إنَّ للعالم» : المراد به العالم الكامل والراسخ في العلم ، أعني العم الربَّاني الَّذي يليق الاقتداء بأفعاله والاقتباس من مشكاة أقواله.

[ب] ـ «ثلاث علامات» : يُعرف هو بها : «العلم والحلم والصمت» : والمراد من الأول آثاره ، أعني العمل على طبق العلم ، وكذالك المراد بالثاني ، أعني سكون الأعضاء وعدم حرکتها بسهولة نحو الانتقام.

__________________

(١) معالم الدين : ٢١ ، الكافي ١ : ٣٧ ح ٧.

(٢) شرح اُصول الكافي ٢ : ٧٩ ، وقال عنه التفرشي في نقد الرجال ٣ : ٣٠٢ رقم ٣٧٠٦ / ٢٣٦ ما نصّه : (علي بن معيد ، روى عنه موسی بن جعفر كتابه ، (رجال النجاشي). له کتاب ، روی عنه إبراهيم بن هاشم ، (الفهرست)).

٣٣٤

وفي الحديث : «الزم الصمت تسلم» (١) ، أي : من آفات اللّسان والمعاصي ، وهي كثيرة (٢) ؛ ولذا عدّه عليه‌السلام من علامات العالم ، فإنَّ ملازمته له دليل على وفور علمه ، ومعرفته ، وصدقه.

[ج] ـ «وللمتكلّف» : والمراد به من يدّعي مثل ذلك تكلّفاً ، وليس له من تحصيل العلم إلا الرسم وتشهير الاسم ، وغرضه الأصلي ليس إلا الجدل والمراء ، والاستطالة على أشياهه من أشباه العلماء ، أو التوصيل إلى حطام الدنيا بالخبّ والختل ، والسعي في جلبها بجميع الوجوه والحيل ، وكفى خزياً وذلاً تشبيهه في کلام الملك العلّام تارة بالكلب ، واُخرى بالحمار الَّذي يحمل الأسفار ، ذلك هو الخزي الشنيع ، والذلُّ الفظيع.

[د] ـ «ينازع من فوقه» : من أهل العلم الَّذي يجب عليه الإطاعة والانقياد له ، فكلّما تكلَّم هذا العالم الربَّاني الفوقاني بما فيه نشر للدين القويم ، وسلوك الصراط المستقيم ، ودفعاً للشبهات المظلمة ، تعرّضه المتكلّف بالمزخرفات.

[هـ] ـ «ويظلم من دونه» : في العلم والمعرفة بالغلبة ؛ لقوة ذهنه فيما اكتسبه من الباطل وضعف من دونه ، فلا يتمكّن من التخلُّص عنه.

[و] ـ «ويظاهر الظلمة» : أي يعينهم على الظلم ، ويمدحهم على ما هم عليه من العقائد الفاسدة ، والسِّير المبغوضة ؛ طلباً لرفعة المنزلة عندهم ، والتفوُّق على الضعفاء بسببهم ، وتحصيل المال بواسطتهم ، كما هو شأن غير واحد من أبناء عصرنا منّ الله تعالى على عباده بفنائه.

__________________

(١) بحار الأنوار ٦٨ : ٢٨٠ ح ٢٤.

(٢) مجمع البحرين ٢ : ٦٣٣.

٣٣٥

الحديث السادس والعشرون

إن العلم ذوفضائل

[٩٣] ـ قال رحمه‌الله : عنه ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمّد ، عن نوح بن شعيب النيسابوري ، عن عبيد الله بن عبد الله الدهقان ، عن درست بن أبي منصور ، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي ، عن شعيب ، عن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : «كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : يا طالب العلم ، إنَّ العلم ذو فضائل كثيرة : فرأسه التواضع ، وعينه البراءة من الحسد ، واُذنه الفهم ، ولسانه الصدق ، وحفظه الفحص ، وقلبه حُسن النيَّة ، وعقله معرفة الأشياء والأُمور ، ويده الرحمة ، ورجله زيارة العلماء ، وهمَّته السلامة ، وحكمته الورع ، ومستقرُّه النجاة ، وقائده العافية ، ومركبه الوفاء ، وسلاحه لين الكلمة ، وسيفه الرضا ، وقوسه المداراة ، وجيشه محاورة العلماء ، وماله الأدب ، وذخيرته اجتناب الذنوب ، وزاده المعروف ، ومأواه الموادعة ، ودليله الهدی ، ورفيقه محبَّة الأخيار» (١).

أقول : واستيعاب المرام في موضعين :

الموضع الأول

في رجال السند : مرجع الضمير كما تقدم.

[ترجمة نوح بن شعيب]

نوح بن شعيب : البغدادي (٢) من أصحاب أبي جعفر محمّد بن علي الثاني عليه‌السلام (٣) ، ذكر الفضل بن شاذان أنه : (كان فقيهاً ، عالماً ، صالحاً ، مرضياً ، ويظهر

__________________

(١) معالم الدين : ٢١ ، الكافي ١ : ٤٨ ح ٢.

(٢) يظهر من صاحب جامع الرواة أنه هو النيسابوري أيضا. (منه).

(٣) خلاصة الأقوال : ٢٨٤ رقم ١.

٣٣٦

من رجال الكَشِّي والشيخ أنَّ نوح بن صالح ونوح بن شعيب البغدادي واحد) (١). وذكر الفضل بن شاذان في حق ابن صالح ما يشهد بأنه من شيعة أهل البيت عليهم‌السلام وكان فقيهاً (٢) ، وبالجملة فلا ريب في كون الرجل ممدوحاً بما يقرب من الوثوق ، وصرّح بممدوحيته العلّامة المجلسي في (الوجيزة) وصاحب (بُلغة المحدثین) (٣).

[ترجمة عبيد الله الدهقان]

والدهقان : ضعيف ، كما صرّح به النجاشي والمجلسي أيضاً (٤).

قيل : الدهقان ، اسم أعجمي مركب من (ده) و (قان) ومعناه : سلطان القرية ؛ لأن (ده) اسم للقرية ، و (قان) اسم للسلطان (٥).

[ترجمة درست]

وأمّا درست ـ ومعناه صحيح ـ : ذكره النجاشي في (الفهرست) (٦) ، وذكر له في رجاله دليلاً على كونه من الشيعة الإمامية ، كما يدل عليه وضع هذا الكتاب ، فإنَّه في فهرست كتب الأصحاب ومصنّفاتهم ، دون غيرهم من الفرق ، وكذلك (الفهرست) للشيخ ، فكلّ من ذكر له ترجمة في الكتابين ، فهو صحيح المذهب

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨٣٢ رقم ١٠٥٦ ، رجال الطوسي : ٢٧٩ رقم ٥٦١٩ / ١ ، التحرير الطاووسي : ٥٧٧ رقم ٤٣٢.

(٢) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٨٣٢ رقم ١٠٥٦ ، خلاصة الأقوال : ٢٨٤ رقم ١ و ٢.

(٣) الوجيزة في الرجال : ١٩٠ رقم ٢٠٢٢ ، بلغة المحدثین : ٤٢٧.

(٤) رجال النجاشي : ٢٣١ رقم ٦١٤ ، الوجيزة في الرجال : ١١٤ رقم ١١٦٥.

(٥) مجمع البحرين ٢ : ٦٤.

(٦) رجال النجاشي : ١٦٢ رقم ٤٣٠.

٣٣٧

ممدوح بمدحٍ عام يقتضيه الوضع ؛ لذكر المصنِّفين العلماء والاعتناء بشأنهم وشان کتبهم ، وذكر الطريق إليهم ، وذكر من روى عنهم ومن رووا عنه.

ومن ذلك يُعلم أنَّ إطلاق الجهالة على المذكورين في (الفهرست) للشيخ ، والنجاشي من دون توثيق أو مدح خاص ، ليس على ما ينبغي.

وكذا الكلام فيمن ذكره الشيخ الجليل ابن شهر آشوب السَّروي في كتاب (معالم العلماء) ، ومن ذكره الشيخ علي بن عبيد الله بن بابویه في فهرسته ، وهذا ممَّا ينبغي أن يلحظ ، فقد غفل أكثرهم عنه (١).

وفي خصوص (دُرُست) المذكور ، فرواية ابن أبي عمير عنه إشارة إلى وثاقته أيضاً (٢) ، فلا أقل من إدخال حديثه في القويّ ، وإخراجه بذلك من قسم الضعيف.

[ترجمة عروة]

وأمّا عروة : فلم أقف له على ترجمة في كتب الرجال فهو مهمل ؛ ولذا حكم العلّامة المجلسي بضعف الرواية (٣).

وأمّا شعيب العقرقوقي ـ بالقاف ـ فهو : أبو يعقوب ابن اُخت أبي بصير يحبی بن القاسم ، عين ، ثقة ، كما صرّح به النجاشي في (الفهرست) والعلّامة في (الخلاصة) وصاحب (المشتركات) (٤).

__________________

(١) الفوائد الرجالية ٤ : ١١٤ فائدة ١٠.

(٢) ينظر : خاتمة المستدرك ١: ٤٣.

(٣) ينظر : معجم رجال الحديث ١٢ : ٥١ رقم ٧٦٧٥.

(٤) رجال النجاشي : ١٩٦ رقم ٥٢٠ ، خلاصة الأقوال : ١٦٧ رقم ١ ، هداية المحدثین : ٧٩.

٣٣٨

وأمّا أبو بصير : فهو كنية جماعة ، وعند الإطلاق ينصرف إلى الثقة كما هو المعروف في أمثاله ، وهو عبد الله بن محمّد الأسدي الثقة (١).

الموضع الثاني

فيما يتعلَّق بشرح المتن :

[أ] ـ «ذو فضائل كثيرة» : ببَّههم على أن العلم إذا لم يكن معه هذه الفضائل التي بها تظهر آثاره ، فهو ليس بعلم حقيقة ولا يُعدُّ صاحبه عالماً ، فشبّه العلم بإنسان له حواس ظاهرة وباطنة لزيادة الإيضاح والتقرير.

[ب] ـ «فرأسه التواضع» : شبّه التواضع بالرأس ؛ إذ كما أنَّ الإنسان ينتفي بانتفاء رأسه ؛ لكونه جزءه المقوّم له ، فكذلك التواضع إذا انتفى من صاحب العلم انتفى منه العلم ، والجهل مع التواضع خير من العلم مع الكبر ، وقد عرفت معنی التواضع وخواصه.

[في ذم الحسد]

[ج] ـ «وعينه البراءة من الحسد» : البراءة من الحسد شبيهة بالعين ، ووجه الشبه بينهما أن كلاً منهما آلة للإدراك ، فالعين الجارحة آلة لإدراك المحسوسات ، وعدم الحسد آلة لإدراك المعقولات ، فإنَّ من لا حسد فيه يستعلم المجهولات من الَّذين يعلمونها بخلاف الحاسد ، فإنه لبغضه من يعلم لا يستعلم منه ما لا يعلم تحقيراً بعلمه وإيذاناً منه بأن ذلك غير قابل للتعليم وليس من الفضائل التي ينبغي اكتسابها ، ومع ذلك يُخفي ما حصله من العلوم عن غيره ،

__________________

(١) ينظر : هداية المحدثین : ٢٠٦ ، ٢٧٢.

٣٣٩

فهو بذلك غير مشاهد لغيره ما هو حاصل له من العلوم محروم من الزيادة عليه ، وفي هذه الفقرة دلالة على ذمِّ الحسد كما في الكافي بإسناده عن محمّد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : «إنَّ الرجل ليأتي بأيِّ بادرة فيكفر ، وإنَّ الحسد ليأكل الإيمان ، كما تأكل النار الحطب» (١).

وفيه أيضاً باسناده عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : كاد الفقر أن يكون كفراً ، وكاد الحسد أن يغلب القدر» (٢).

وفيه أيضاً باسناده عن معاوية بن وهب ، قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «آفة الدين الحسد ، والعُجب ، والفخر» (٣).

وفيه أيضاً عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال الله عزَّ وجلَّ لموسی بن عمران عليه‌السلام : يا بن عمران ، لا تحسدنَّ الناس على ما آتيتهم (٤) من فضلي ، ولا تمدَنَّ عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسَك ، فإنَّ الحاسد ساخط لِنِعَمي ، صادّ لقسمي الَّذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني» (٥).

وفيه أيضاً باسناده عن الفضيل بن عياض ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إنَّ المؤمن يغبط ولا يحسد ، والمنافق يحسد ولا يغبط» (٦).

__________________

(١) الكافي ٢ : ٣٠٦ ح ١.

(٢) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٤.

(٣) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٥.

(٤) في الأصل : (ما رزقتهم) وما أثبتناء من المصدر.

(٥) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٦.

(٦) الكافي ٢ : ٣٠٧ ح ٦.

٣٤٠