التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم - ج ١

محمّد غازي عرابي

التفسير الصوفي الفلسفي للقرآن الكريم - ج ١

المؤلف:

محمّد غازي عرابي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار البشائر الإسلاميّة للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٦
الجزء ١ الجزء ٢

المؤمنين ، فالخاطر المؤيد يثبت القلب ، ويبعث فيه الحماس ، في حين أن الخاطر المحبط يحدث الأثر العكسي ، فإذا الكافر هلوع جبان ، قد أخذ من باطنه من قبل أن يؤخذ من ظاهره ، ولا أدل على فعل خاطري التأييد والإحباط مما حدث حين التقت جيوش المسلمين الفرس والروم في معارك القادسية وحطين واليرموك ، وكيف فرت الفرس والروم مهزومين ، وكيف تحقق قوله تعالى : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٢٤٩] ، حتى أنه ورد في كتب التاريخ أمثلة على شجاعة الإيمان لا تكاد تصدق ، فلقد حدث أن حوصر المسلمون بقيادة خالد بن الوليد أكثر من مرة ، فكان خالد ينتقي من جيشه رجالا فرسانا ، ولا يزيد عددهم عن أربعين ، كانوا يحملون على الأعداء حملة بطل واحد ، فيفتحون ثغرة في صفوف العدو ، ثم يتبعهم المسلمون ، وقالوا الفرق بين الشجاعة والجرأة أن الشجاعة من القلب وهي ثباته واستقراره عند المخاوف ، وهي خلق يتولد من الصبر وحسن الظن ، كما أن الجبن يتولد من سوء الظن وعدم الصبر ، وأصل الجبن من وسوسة النفس بالسوء ، وينشأ من الرئة ، فإذا ساء الظن ، ووسوست النفس بالسوء ، انتفخت الرئة ، فزاحمت القلب في مكانه ، وضيقت عليه ، حتى أزعجته عن مستقره ، فأصابه الزلزال والاضطراب لإزعاج الرئة له وتضييقها عليه ، ولهذا جاء في حديث عمرو بن العاص الذي رواه أحمد وغيره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (شر ما في المرء جبن خالع وشح هالع) ، فسمى الجبن خالعا ، لأنه يخلع القلب عن مكانه لانتفاخ السحر وهو الرئة ، كما قال أبو جهل لعتبة بن ربيعة يوم بدر : انتفخ سحرك ، فإذا زال القلب عن مكانه ضاع تدبير العقل ، فظهر الفساد على الجوارح ، فوضعت الأمور في غير مواضعها.

٤٨ ، ٤٩ ـ (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩))

[الأنفال : ٤٨ ، ٤٩]

الإشارة إلى مزاحمة الخواطر القلب ، ومصارعة القلب خواطره ، فإذا الخاطر الشيطاني يزين للقلب فعل أمر معين ، فإذا حدث الأمر تبين للقلب سوء عمله ، فعاتب خاطره ، فتنصل الأنا من الأنا ، وتبقى ال (أنا) وحدها حائرة لا مغيث لها ولا معين.

وفي قول الشيطان : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ،) عودة إلى حقيقة الشيطان واسمه الذي هو الاسم البعيد ، وقالت الصوفية في الشيطان : إنه مجبور في إغوائه ، وكنا فصلنا القول في ضرورة وقوع التفريق ليحدث التفتيق ، وفي ضرورة حدوث البعد ليتم القرب ،

٣٠١

وفي ضرورة غشيان عالم الظلمات ليستبين دور النور ، قال جلال الدين الرومي في «المثنوي» : الشيطان يسعى ليربي الإثم فينا وبذلك الإثم يدفعنا إلى الهاوية ، وحينما يرى أن هذا الإثم قد أصبح طاعة تمر به ساعة لا بركة فيها ، ويقول : ألا فلتدخل ، لقد فتحت الباب من أجلك ، إنك تبصق علي وأنا أتحفك بهدية ، فإن كنت أعطي مثل هذا لصاحب الجفاء ، فماذا أنا واهب صاحب الوفاء؟

٥٠ ، ٥٢ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢))

[الأنفال : ٥٠ ، ٥٢]

التوفي قبض النفس الجزئية وإلقاؤها في بحر النفس الكلية ، فالوجه حقيقة الإنسان أي أناه ، وضرب الوجه قبضه ، والأدبار حقيقة الفكر الذي هو جوهر الإنسان فإذا هذا الفكر بعد القبض جزء من فكر إلهي عام كما قال هيغل ، وهذا الفناء هو ما أشير إليه في الآية بالحريق.

٥٣ ، ٥٦ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦))

[الأنفال : ٥٣ ، ٥٦]

النعمة نعمة الاسم الذي يتولى القلب ، ومن أسمائه تعالى المنعم ، فما أنفق الكريم إلا بفضل جود الله ، ولا حلم الحليم إلا من عفو مولاه ، وكل الفضائل البشرية هي من بحر جود الكرم الإلهي.

وتغيير النعمة مرتبط بتغيير ما بالنفس ، وللأمر لطيفة ... فالمتباهي بكرمه هو سارق للعارية الإلهية ومدعيها لنفسه ، وبذلك يكون قد فقد جوهر العطاء وهو ألا تعلم شمال الإنسان ما أنفقت يمينه ، فلا يبلغ المتحلي بأسماء الجمال الكمال إلا بتحققه من حقيقة ما تحلى به ، وإعطاء المولى حقه من الشكر والثناء ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأشج عبد القيس : (إن فيك لخلتين يحبهما الله الحلم والأناة) ، فقال أشج : أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (بل خلقين جبلت عليهما) ، وقال أشج : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما.

٥٧ ، ٥٩ ـ (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا

٣٠٢

إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩))

[الأنفال : ٥٧ ، ٥٩]

الحرب قد تنبه القلب من غفلته فيعيد حساباته ، وإذا كان من أصحاب التوفيق والهواية حدث التنبيه وأغيث القلب وأنجد.

٦٠ ، ٦٢ ـ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢))

[الأنفال : ٦٠ ، ٦٢]

رباط الخيل مثل آلة الروح الحيواني الذي هو روح عالم المادة ، وهذا العالم ملك الله ، واستثمار قواه جزء من واجب الإنسان الذي وهب هذه الدابة الكونية ليتم أمر الله في تعرفه إلى الإنسان ، ومن دون دابة لا سبيل إلى ركوب طريق الحقيقة ، وبلوغ مكة الصدر الجامع ، والطواف ببيت الله العتيق من نار التضاد ، قال الإمام الغزالي في وصف هذا الروح : الروح الحيواني جسم لطيف يبدو وكأنه سراج مضيء وضع بداخله ، الحياة ضوؤه ، والدم دهنه ، والحس والحركة نوره ، والشهوة حرارته ، والغضب دخانه ، والقوة الطالبة للغذاء الكامنة في الكبد خادمه ، وحارس هذا الروح لا يهتدي إلى العلم ولا حق الصانع ، وإنما هو خادم أسير بزيادة الحرارة ، ولو ينقص ينطفئ بزيادة البرودة ، وانطفاؤه سبب موت البدن.

٦٣ ـ (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣))

[الأنفال : ٦٣]

ينبه الله نبيه على حدود دوره الذي هو الدعوة لله ، وما له من الأمر شيء ، إذ لما باشر عليه‌السلام الدعوة للإسلام أجابه من أجابه ، ورده من رده مثل عمه أبي جهل ، ولما كان أصل الحكم للأسماء كان خيار الناس في الجاهلية هم الذين لبوا دعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل أبي بكر وعلي وعمر وبقية الصحابة رضي الله عنهم ، ولما كانت الأسماء لله فالله سبحانه هو المؤلف بين القلوب ، إذ الكريم يحب الكريم ، والجميل يحب الجميل ، والصادق يحب الصادق ، وينسحب هذا الحكم حتى على الكافرين.

وقوله : (عَزِيزٌ حَكِيمٌ) يعني أن الله عزيز لا يدرك إلا من بعد تعرف الأسماء الآدمية كما قال الإمام التلمساني : قدس ذاته تنزهت عن أن ترى بغير برقع الأسماء والصفات ، فلا سبيل إلى تعرف الله من غير تعرف أسمائه ، وأما حكمته فتتجلى في كون تعريف أسماء الجمال يدل على حقيقة اتصافه سبحانه بالجمال ، فإذا تم دفع ثمن هذا التعرف جاء اليقين ، فتعرف الإنسان

٣٠٣

الشطر الآخر من الأسماء وهي ذات الجلال ، فعرف حقيقة التضاد ، وشهد أن لا إله إلا الله.

٦٤ ، ٦٥ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥))

[الأنفال : ٦٤ ، ٦٥]

لما كان النبي يدعو إلى الإسلام فإن فريقا معينا من الناس هم الذين اتبعوه ، وهؤلاء هم المؤمنون ، ويمثلون شطر أسماء الجمال ، وعند ما علم الله عدد هؤلاء ، وما كان كان ليجهله ، قال لنبيه : (حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : الأية ٦٤].

٦٦ ـ (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦))

[الأنفال : ٦٦]

قوله : (الْآنَ) من القضايا التي أثارت جدلا عظيما في الفلسفة ومذاهب علم الكلام والفرق ، فأرسطو وأفلاطون نزها الله عن مشكلة العلم والمعلومات ، وقال أرسطو : إن الله لا يعلم الجزئيات ، لأن الجزئيات تدخل في فلك التطور المتعلق بظروف الزمان والمكان ، فعلمها إذن متغير أيضا ... ولما كان الله يمثل الثبات وعدم التغيير فعلمه متعلق بالكليات الخالدة فقط ، ولهذا قال إن عمل الله التعقل ، وإنه لا يعقل إلا ذاته ، أما أفلاطون فلأنه وجد العلم عرضة للتغيير أيضا فلقد نزه الله عنه ، ولم يصفه إلا بأنه الخير فقط.

وعالجت الصوفية المسألة وفق كشوفهم ورؤياهم ، فقالوا إن هناك العلم المجمل وهو علم الكليات ، والعلم المفصل وهو علم الجزئيات وإن العلم الإلهي يمثل كليهما معا ، وسنحاول نحن شرح حقيقة هذه القضية ، خاصة وإنه جاء في كتاب الله أن هناك نوعا من العلم الإلهي متطورا كما جاء في هذه الآية القائلة : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً).

وأصل المسألة علم الكليات ، وهو العلم الإلهي المكنون قبل فتقه من قبل عالم الجزئيات ، وهذا العلم ثابت خالد كاتفاق الناس على أن العدل أساس وهو الأصل وله الملك.

أما بعد التطبع أي هبوط آدم وزوجة من الجنة فلقد تعينت الأسماء ، ومثلت الناس هذه العيون فكانوا أعيانها ، ولما كانت العيون متقابلة ومتضادة كان التناقض نصيبها من الوجود ، ففتق التناقض جواهرها إخراجا لمقتضياتها المكنونات.

وجوهر التناقض أو الصراع هو الذي يقتضي التغيير ، وهذه القضية عالجها الفلاسفة المثاليون الألمان مثل شيلنغ وهيغل ، فقال شيلنغ إن الموضوع يقابله نقيض الموضوع ، والنتيجة تركيب جديد ... أما هيغل فقال إن الموضوع يقابله نقيضه ، والنتيجة إخراج صفة الموضوع.

٣٠٤

فمن العلم بالكليات مثلا علم الله أن المؤمنين شجعان فقال : (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ) ولما مثل المؤمنون دور الشجاعة خرجت نتيجة جديدة علمها الله ألا وهي أن العشرين لا يغلبون مائتين ، وإنما المائة يغلبوا مائتين ، وتبين المعادلة أن الصراع قد أخرج مكنون الصفة ، كما قال هيغل ، كما أتى بنتيجة جديدة أيضا كما قال شيلنغ ألا وهي أن المائة الصابرين يغلبون مائتين.

وعليه وفقا لما جاء في كتاب الله فإن العلم الإلهي هو ثابت ومتطور ، أما ثباته ، فلأن النتيجة محدودة مسبقا بإخراج مكنون الصفات ، وأما تطوره فلأنه تبين لله مدى حدود الصفة الكلية ، إذ كان علمه بالشجاعة على نحو كلي ، فلما مارس المؤمنون الشجعان دورهم تبين لله أن النسبة التي ضربها مثلا لشجاعة المؤمن كانت أكبر من أن تتحقق ، فخفضها وخففها حتى تلاءمت مع هذا الواقع.

وفقا لما ذكرنا فإن العلم الإلهي يكون مرتقا أولا ، وهو في حاجة إلى ميدان فعل لإخراج مكنونه ، كما أن المعية الإلهية هي سبب هذا الفعل الميداني ، وأن الله يرى ويراقب الأحداث ويوجه ويخطط ، وهو يسمح أيضا بالتطور الضروري لإتمام الفعل ، وتقول الصوفية إنه لا يقدح في العلم الإلهي أن يكون متطورا على هذا النحو ، وإن الله بالمرصاد ، وإنه الحاكم والقائد ، وإنه أخيرا الوارث ، وإنه خير الوارثين.

٦٧ ، ٦٩ ـ (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩))

[الأنفال : ٦٧ ، ٦٩]

الأسرى بمثابة إبقاء النفس الجزئية على قيد الحياة ، والله سبحانه عند ما عين هذه النفوس حدد الغاية من تعينها وهو ظهوره بوجهه الجامع ، وعليه فلا بد من تقديم النفس الجزئية هبة لله ، ما دامت هي أصلا عارية أعارنا إياها ، وأن رد العارية يكون طوعا أو كرها ، لأن الله هو الوارث ، وبعد التضحية تبدأ حياة أخرى هي حياة الآخرة والبقاء بالله.

٧٠ ، ٧١ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١))

[الأنفال : ٧٠ ، ٧١]

الله عليم بحقيقة كل نفس جزئية لأنه هو عينها وحقيقة اسمها ، فأما النفوس الخيرة فإن الله يبلغها مأمنها ، ويؤتيها اليقين فتحيا بالله.

٣٠٥

٧٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢))

[الأنفال : ٧٢]

موضوع الهجرة ظاهر وباطن ، فالهجرة الظاهرية هجرة في الأرض ، في سبيل الله ، وقال سبحانه في هذه الهجرة : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) [النّساء : ٩٧] وذلك إذا ضاقت أرض على قوم ... أما الهجرة الباطنية فهي هجرة القلب إلى ربه ، ووصف عليه‌السلام هذه الهجرة فقال : (من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه).

٧٤ ، ٧٥ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥))

[الأنفال : ٧٤ ، ٧٥]

قوله : (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) يعني أن على المؤمن هجر الكافر لأن الكافرين بعضهم أولياء بعض ، وهم أعداء المؤمنين ... فالتفرقة بين تعينات الأسماء ، وبالتالي بين الأسماء ، ضرورية لإخراج المقتضيات من الإرث الأسمائي ، ولكل من هذا الإرث نصيب ، للمؤمنين نصيب ، وللكافرين نصيب ، حتى يأتي اليقين ، فيبين أن الكل في القبضة ، وأن الملك اليوم للواحد القهار.

٣٠٦

سورة التوبة

١ ، ٢ ـ (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢))

[التوبة : ١ ، ٢]

سورة التوبة السورة الوحيدة في كتاب الله التي لم تبدأ بالبسملة والسبب أن البسملة فيها الرحمة الرحمانية والرحمة الرحيمية ، ولهذا قال ابن العربي : إن مآل الجميع إلى الرحمة ، وفي الحديث القدسي : (ورحمتي سبقت غضبي).

وسورة التوبة تجاوزت البسملة لأنها كانت بداية إطلاق إشارة الصراع الوجودي المتمثل في المجاهدة بين المؤمنين والكفار إيذانا ببدء المعركة ، وترى الفلاسفة والعلماء والأدباء المعاصرون أن الحياة كلها معركة ، وهذا هو جوهر فلسفة الديالكتيك الألمانية الشهيرة التي كان زعيمها هيغل ، والتي ورثها عنه الفلاسفة الملحدون أمثال ماركس وأنجلز ، والوجوديون الملحدون ، وعلى رأسهم سارتر ، وفي العهد اليوناني قال هيراقليطس : إن الحياة ديالكيتك وإن كل شيء فيها يسيل والملاحظ في تاريخ العلوم ، وفي تاريخ التاريخ ، أن الصراع سمة الحياة ، ومجد هيغل هذه الظاهرة ، وقال إنها جوهر الحياة ، وإنه لا حياة بلا صراع.

٢ ، ٤ ـ (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤))

[التوبة : ٢ ، ٤]

قوله : (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) إشارة إلى اليوم الجامع ، وهو بلوغ عرفة ، أي بلوغ المعرفة وتحقق الحاج بها ، ويرى الحاج في ذلك اليوم ، والركب كثير والحاج قليل كما قال عمر ، يرى كيف يكون الناس سكارى وما هم بسكارى ، ويرى المغضوب عليهم كيف غضب الله عليهم ، ويتحقق من هذا الغضب ، كما يرى المرحومين وكيف رحموا ، وهو مشهد مهيب عظيم آسر جامع يجعل الحاج الهابط من عرفات كيوم ولدته أمه.

٥ ـ (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))

[التوبة : ٥]

المشركون الخواطر السوء الداعية إلى الكفر وإتيان الشهوات وواجب المؤمن محاربة هذه

٣٠٧

الخواطر ، وأن يقعد لها كل مرصد ، أي أن يكون لها بالمرصاد ... حتى إذا آبت ، وأسلمت ، وسلم القلب من أذاها فلا خوف على الإنسان عندئذ منها.

٦ ـ (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦))

[التوبة : ٦]

الخطاب موجة إلى النبي باعتباره تجسد الروح الأمين وظهور الحقيقة المحمدية ، وكلام الله عند التحقيق يخرج على ألسنة الخلق أصواتا وحروفا وكلمات فالروح إذن يدعو القلب الذي ما زال في شباك الشرك ليسمع كلام الله فليس من متكلم سواه ، وهذا هو على الحقيقة سماع كلام الله ، حتى إذا تحقق القلب بحقيقة كون الكلام كله كلام الله يكون قد بلغ مأمنه ، أي صار في مأمن من الخواطر وكلام السوء ، وهذا المأمن هو البرد والسّلام اللذان كانا على إبراهيم.

٧ ، ١٠ ـ (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠))

[التوبة : ٧ ، ١٠]

المسجد الحرام الحقيقة الجامعة حيث لا خروج لأحد عليها حتى ولا الكفار والمشركون.

والعهد عند المسجد العهد الذي يعطى للحاج بأن يرجع من الحج كيوم ولدته أمه وقد حطت عنه الخطايا.

والاستقامة الوصول إلى اليقين ، حيث توجد عيون الزمزم والكافور والسلسبيل والزنجبيل ، وكلها عيون علوم التوحيد التي تعلم القلب الاستقامة ، وكل ما في الوجود يجسد هذه الاستقامة ، وما فيه إلا مستقيم تتبع مربوبيته الرب الذي هو على صراط مستقيم ، وإلى هذا المعنى أشار سبحانه في موضع آخر قائلا : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) [الجن : ١٦].

١١ ، ١٧ ـ (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢) أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)

٣٠٨

وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧))

[التوبة : ١١ ، ١٧]

لا لقاء ولا مهادنة ولا سلام بين المسلمين والمشركين حتى يتوب القلب من شركه ، ويصير موحدا ، وعندئذ تكون الصلاة الحقيقة قد أقيمت ، وصار القلب موصولا بالرب ، وتكون أيضا الزكاة قد أوتيت ، حيث يتقي القلب ربه ، ويعيد إليه عاريته من العلوم بل والوجود.

١٨ ، ١٩ ـ (إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩))

[التوبة : ١٨ ، ١٩]

عمران مساجد الله إتيانها ودخولها والقعود فيها ويتم ذلك من قبل المؤمنين ... ذلك أن المؤمن ممثل أسماء الجمال ، وقد بعث الحق نبي المسلمين ليتمم مكارم الأخلاق ، فالمؤمن على سنة نبيه فهو على خلق عظيم ، ووجه المؤمن جميل ، والله جميل يحب الجمال ، والجزاء إدخال المؤمنين في الصالحين ، وجنات النعيم التي هي جني قطاف علوم التوحيد ، فالمشركون لاخلاق لهم ، وهم محجوبون عن الحقيقة ، محرومون من الوصول إليها ، لأنهم ليسوا على خلق عظيم ، بل إن وجوههم سود ، والإنسان من غير أخلاق يستوي والدابة ، بل هو أحط منها ، وقال سبحانه : (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ) [الأعراف : ١٧٩].

وتعد فلسفة كانط خير مثال ، ودليل على ما لدور الأخلاق من أهمية من أجل الوصول إلى الحقيقة التي سماها كانط الشيء في ذاته ، أي حقيقة الوجود والموضوعية ولقد حمل كانط على العقل وطرقه وأساليبه مبينا أن العقل حجاب ، وأن الإنسان لا يستطيع رؤية شيء من حقائق الوجود إلا من خلال مقولات عقلية محددة ، وأن العقل متناقض بطبيعته ، إذ بالوسع أن يثبت بالطرق العقلية أن الله موجود أو غير موجود ، وأضاف كانط قائلا : إن الشيء في ذاته ، أي الحقيقة الموضوعية خارجة على حدود هذا السجن الكبير ، وإن الأخلاق وحدها الطريق إلى تعرف هذه الحقيقة ، ذلك لأن الأخلاق نتيجة سماع صوت الضمير ، أي صوت القانون الأخلاقي الذي هو النافذة المطلة على عالم الفيزيقا ... فما دام للإنسان صوت هو صوت الكلي صاحب القانون الأخلاقي الكلي فالنتيجة أن من يسمع الصوت ينقاد من ثم إلى بحر

٣٠٩

الحقيقة ، وهذا ما فعلته الصوفية ، ونهجوه ، واشترطوه ، ومن قبلهم كانت دعوة الأنبياء جميعا شبيهة بدعوة كانط وسابقة على هذه الدعوة إلى تطهير القلب أولا ، لكي يصبح أهلا لإشراق أنوار الحقيقة فيه.

وقوله : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) إشارة إلى أن السقاية وعمارة المسجد هما خدمة العالم الخارجي ، في حين أن التوجه إلى عالم الباطن والذات بسلوك طريق الجهاد والتضحية بالنفس والمال هو الأصل وله الجزاء الأوفى.

٢٠ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠))

[التوبة : ٢٠]

المال العلوم المحصلة عن طريق النظر الفكري ، والأنفس جمع نفس ، أي النفوس الجزئية ، أي تقديم الأنية إلى مالكها الأنا الكلية ، وهذا ما فعله إبراهيم لما دعي إلى التضحية بولده ، والولد جزء من النفس وقطعة من الكبد.

٢١ ، ٢٢ ـ (يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢))

[التوبة : ٢١ ، ٢٢]

الرضوان الرضا ، وهو مقام من مقامات الصوفية ، وجوهره قبول الخير والشر منه تعالى قضاء وقدرا ، مع الصبر على المقدور ، وهذا ما يميز العارف عن الناس جميعا ، إذ هو وحده الأصبر على المقدور ، والفارق بين الثنوية والموحدين أن الثنوية تجعل للوجود إلهين إله النور والخير وإله الظلمة والشر ، وتجد معظم الناس في هذه الثنوية مدرجين ، وتحتها منضوين ، ولا يعلمون ، إذ يجعلون لله شريكا في الملك وهو الشر ، حاشاه سبحانه أن يكون معه إله آخر يشاركه في وجوده.

٢٣ ، ٢٤ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤))

[التوبة : ٢٣ ، ٢٤]

شعار المسلمين المؤمنين ما جاء في سورة «الكافرون» وفيها قال سبحانه : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦))

٣١٠

فثمة سور لا يطفر بين الفريقين ، والإسلام والكفر حقيقتان متناقضتان ، فقد يكون الوالد مؤمنا والولد كافرا ، وقد يكون الولد مؤمنا والوالد كافرا ، وقد يكون الأخ مؤمنا وشقيقه كافرا ، وقد يكون الزوج مؤمنا وزوجه كافرة ، وقد تكون الزوجة مؤمنة وزوجها كافرا ، وينكر الإسلام أن تكون ثم صلة رحم بين الناس ما لم يكونوا مؤمنين قال تعالى : (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً) [لقمان : ١٥].

وقد حدث في غزوات النبي أن كان الابن المؤمن يقتل أباه الكافر أو المشرك ، فلا صلة عشيرة في الإسلام ما لم يكن الناس مؤمنين مسلمين.

٢٥ ، ٢٧ ـ (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧))

[التوبة : ٢٥ ، ٢٧]

القلب من غير التأييد الإلهي ضعيف ، وضرب الله مثلا يوم حنين ، إذ غر المسلمين كثرتهم فأعجبتهم واعتمدوها ، فكانت النتيجة هزيمة على أيدي المشركين ، ولقد تدارك سبحانه ما حدث بأن أنزل سكينته وجنوده على رسوله والمؤمنين ، والآية تشير إلى أن القلب من غير خاطري الملكي والإلهي مدحور أمام خواطر السوء وتحديات الحياة ، فالمدد ذاتي جواني يؤيد القلب بنصر نوراني يثبته ساعة العسرة وفي أوقات الشدة.

٢٨ ، ٢٩ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨) قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩))

[التوبة : ٢٨ ، ٢٩]

المسجد الحرام تجسيد الدائرة الأسمائية الألهية بعد التعيين والفراغ من الجهاد ، ولقد حرم الله هذا المسجد على المشركين لأن المشرك لم يصل إلى التوحيد ولم يعرف نفسه وبالتالي لم يعرف الله.

والنتيجة أنه مطرود من حضرة اليقين والمعرفة بالضرورة ، ومعنى : (فَلا يَقْرَبُوا) يفيد أن المشرك بعيد ، لأن كونه مشركا يفيد معنى البعد عن الله مثلما يعني فعل كفر.

٣١١

٣٠ ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠))

[التوبة : ٣٠]

قضية الأبوة الإلهية من القضايا التي كفر بسببها اليهود والنصارى ذلك لأن الله نور محض ، وما علم التوحيد من ألفه إلى يائه إلا محاولة لتعريف هذا النور الشفيف اللطيف الذي سماه الغزالي النور المعنوي ، وهذا النور يلد العالم الخارجي بمعنى صدور شيء عن شيء أو خروجه منه ، وضرب أفلوطين ، ومن بعده ابن عربي ، الشمس وأشعتها الصادرة عنها مثلا لهذا الصدور ، وحتى هذا المثل وقفت النقاد منه موقفا سلبيا ، إذ قالوا إن المثل حسي ، وتمثيل الصدور الإلهي لا ينطبق عليه ، ولما كانت اللغة والكلمات تصويرا لأشياء حسية ، مع مراعاة إنتقالها إلى التجريد المعنوي ، كان لا بد من اعتماد تشابيه حسية يخلص منها إلى المعنى ... والله سبحانه كله معنى وعقل ونور.

أما أن يلد الله ولدا ، أو أن يكون الله المسيح نفسه ، فهذا منطق مرفوض ، لأن كل ظاهر له بالعالم الحسي صلة ، فالمسيح صورة وجسد ، وهو يأكل ويشرب وينام ويحتاج إلى كل ما يحتاجه الإنسان ، فكيف يكون المسيح ابن الله أو الله نفسه؟

أما أن يكون المسيح ظهور الله ، كما قال عباس محمود العقاد إن الله قد ظهر في المسيح في صورة جميلة ، أو أن لا تقول النصارى بالأقانيم الثلاثة ، وأن يكون كل ما في الوجود هو الله ظاهرا وباطنا كما قال ابن عربي ، فهذا مقبول ولا يقتضي الكفر.

فالوجود الحق له سبحانه ، وللبشر الظهور فقط ، وهم ممثلو عالم الإمكان ، فقراء إلى الوجود الحق وإلى قواه ودعائمه وأنواره ، وهم من دونه عدم محض ، وهم به عدم متحرك. قال جلال الدين الرومي لست من جنس ملك الملوك ، فما أبعدني عن ذلك ، ولكني مستضيء بنور من تجليه.

٣١ ، ٣٣ ـ (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣))

[التوبة : ٣١ ، ٣٣]

اتخاذ الأحبار والرهبان أربابا من دون الله كفر وذلك بالرجوع إلى منطق الآية السابقة القاضي بأن لا وجود إلا الله ، وأن الأحبار والرهبان صور ، وأن اعتماد الصور شرك بل كفر

٣١٢

وللصور محرك ، ومحركها الله ، فكل صورة ظهور للمصور ، وهي مربوب للرب حقا ومنطقا وكشفا ، والمربوب عبد محكوم ضعيف لا حول له ولا قوة ، فكيف يكون المربوب ربا ، وكيف يكون الرب أربابا وليس ثمة إلا رب واحد هو رب الصور؟

٣٤ ، ٣٥ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥))

[التوبة : ٣٤ ، ٣٥]

ظهور المقتضيات البشرية من النواقص والسلبيات الراسخة في طبيعة البشر ، وما نجا منها إلا من رحم الله ، ولهذا تجد في كل أمة رجال دين يكشفون عن كون القلب في القبضة ، وإن كان صاحبه رجل دين ، وترى هؤلاء يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، فهم منافقون وأحيانا ظالمون ، والدين الحق منهم براء ، وهم عليه دخلاء.

أما الجباه والجنوب والظهور التي تكوى بنار جهنم فهي إشارة إلى سيطرة خواطر السوء على قلب الظالم المنافق الذي تعذبه جند الله من الخواطر بإلقائه في جهنم البعد وإحاطته بسرادق الحجاب والمقت.

٣٦ ، ٣٩ ـ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩))

[التوبة : ٣٦ ، ٣٩]

النسيء تحليل شهر وتحريم آخر بدله ، كما كانت الجاهليون يفعلون وهو محرم عند الله لأنه سبحانه خالق كل شيء بقدر ، فللجهاد قدر وللسلام قدر ، ولو طغت نار الجهاد على ماء السّلام لاحترق إبراهيم عليه‌السلام لما أتاه اليقين وذاق برده ، ولما كان الإسلام سلاما ، كما قال عليه‌السلام : (أفشوا السّلام بينكم) ، فالجهاد الإسلامي مفروض لتحقيق الفتح الرباني ، فإذا تحقق فلا جهاد ، قال ابن عربي : سرح أعياننا ، وأباح لنا التصرف في ما كان حجره علينا.

٣١٣

٤٠ ـ (إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠))

[التوبة : ٤٠]

الغار مثل البدن ، وهو الكهف الشهير الذي وصفه أفلاطون ، فقال إنه من فيه يرون صورا على جدرانه يظنونها حقيقة ، وما هي إلا أشباح ، أما الصور الحقيقة فهي خارج الكهف ، والإشارة إلى عالم الكشف الذي يكشف عن الحقيقة عند بلوغ اليقين.

وكان أبو بكر هو الثاني الذي رافق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند هجرته من مكة إلى المدينة ، قال عليه‌السلام : (لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله ...) والإشارة إلى أن لثاني اثنين مقام الخليل ، وهو مقام إبراهيم ، وقيل في تعريف الخليل إنه من الخلة ، وهي تخلل الله العبد ذاتا وعينا أي صفة وفعلا ، فالعبد على هذا هيكل أي غار ناره الله أي نوره.

وفي معراج الصوفية مقام اسمه الغراب الأسود ، وتسميه النصارى الليلة الظلماء ، وفيه يبلغ الإنسان مقام المشاهدة الذاتية ، حيث لا يرى في الوجود إلا الله كشفا ، وبكون هذا الإنسان قد نصل من عيانه كما تنسلخ الحية من جلدها ، وينظر فلا يرى له وجودا عيانيا إلا كونه إطارا لصورة ومحلا للفعل والانفعال ، فالإنسان الغراب هو بين الوجود والعدم ، والفناء والبقاء ، لا هو حي فيرجى ، ولا ميت فينسى ، والصاحب الذي يقول له لا تحزن هو صوت الهوية الحقيقية الذي يقول لصاحب الغار ها أنذا فلا تخف ... إذ أن ثاني اثنين في الغار قال لا تخف إن الله معنا ، فلئن فني العبد ، وما عاد سوى فزاعة طيور لتظهر للطيور بصورة إنسان ، فإن الله هو العوض ، ولا يلبث أن يحل محل الإنسان بلا كيف واهبا إياه وجوده الحقيقي وصفاته الإلهية والمدد القيومي الحيوي الذي هو سر الحياة.

٤١ ـ (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١))

[التوبة : ٤١]

النفير الخفيف والثقيل الهجرة بالروح والجسد مع تقديم العلم الذي كني بالمال والأنفس التي هي موضع التكثر.

٤٢ ، ٤٤ ـ (لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢) عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ

٣١٤

أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤))

[التوبة : ٤٢ ، ٤٤]

لا يطيق الهجرة الحقة إلا المؤمنون الصابرون المجاهدون الخاشعون والذين لا يجعلون مع الله إلها آخر ، والذين باعوا الله أنفسهم ، وما بخلوا بشيء من عندياتهم ... وهجرة كهذه ، يخرج الإنسان منها عاريا من كل شيء ، ليست سهلة ، وخاصة بالنسبة إلى الذين ظلوا متمسكين بالأنا وحبائلها.

وقوله : (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) [التّوبة : ال] يعني أن كل مستمسك بالأنا ، لم يبع الله نفسه وماله ، فهو هالك لا محالة ، لأن التمسك بالفرع من دون الأصل والاعتماد على النفس من دون الله ، يؤدي إلى التهلكة ، وكيف لا ومصير الأجزاء إلى الكل؟ فمن لم يلق نفسه في يم الكلي لا تكتب له النجاة رغم أن الظاهر أن الجهاد مشقة بل هو ضرب من الجنون ، فالله أبعد الإنسان عنه ليقربه بعد ذلك منه ، وجعل الجهاد والتضحية بالنفس ضريبة العودة ، فالحياة الخالدة للمجاهدين الشهداء الذين صاروا إلى جنة نعيم ، ثم فازوا بجنة القرب حيث يقرب الإنسان فيها من الله نجيا.

٤٥ ، ٤٦ ـ (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦))

[التوبة : ٤٥ ، ٤٦]

أصل الجهاد الرضا به ، ولا يرضى بالجهاد إلا من كان أصلا من القبضة التي هي من أهل السعادة والقرب ، والله بحكم التفريق بين القبضتين عالم مسبقا بأصحاب جهنم وأصحاب الجنة ، وعلمه الأزلي هذا بخلقه هو الذي يقتضي عملا من نوع خاص ، فمن كان من أصحاب النار يسر لعمل أهل النار حتى يدخل النار.

٤٧ ، ٥٠ ـ (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠))

[التوبة : ٤٧ ، ٥٠]

الإشارة إلى الدور الذي يلعبه خاطر الشك والوسوسة في القلب ، فلو لا أن الله يحمي عبده هذا الخاطر لظل العبد يتخبط ، ولفتن من قبل خاطر البعد الذي لا يبغي إلا إبعاده عن الله.

٣١٥

٥١ ـ (قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١))

[التوبة : ٥١]

التوكل من مقامات الصوفية ، ومعناه التيقن بأن الله هو الباعث والمحرك والفاعل ، وأن ما خرج من فعل هو تفصيل للمطوي من القدر ، فلا جديد بالنسبة إلى الله تحت الشمس ، وهو العليم بما مضى وبالحاضر وبما هو آت.

هذا الإيمان القدري هو الذي يجعل المؤمن في راحة ، قد علم أولا مقعده من الله ، ثم لبى الله داعي الجهاد ، وهو راض بالنتيجة عالما علم اليقين أنه في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، وأن هذه الدار دار الغرور ، وأن موعده الجنة.

والتوكل باب عريض يلج الناس منه فرقا شتى ... وتعتقد العامة أن الإنسان يسأل ربه شيئا ، ويتمنى عليه الأماني ، ويقدم بين يديه الأضاحي والتضحيات من أجل الفوز بعشرة أمثال الحسنة كما جاء في كتاب الله ، فإذا جاءت النتيجة مناقضة لما يريد ارتاب بل عجب بل شك وأنكر ، وهذا توكل مرفوض ، لأن الله لا يتوجب عليه شيء ، والمتوكل من هذا الطراز هو ممن يصدق فيه قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ).

وهناك توكل من نوع التسليم ، وهو الإيمان بالكف عن العمل إيمانا بأن الله القادر على كل شيء يكون هو الفاعل والعوض عن عمل العبد ، وهو توكل موفوض أيضا لأن مجال الاقتدار الإلهي هو الفعل العبدي لا التنزل من السماء بغير أسباب مادية كما تعتقد العامة ، فما يفعل العبد هو وسيلة الفعل الإلهي ، ولا يعي هذه الحقيقة إلا العالمون.

فالإنسان مدعو إلى العمل وإلى التوكل على الله ، كما أن عليه أن يهيئ الأسباب اللازمة كقوله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠] ، حتى إذا جاءت النتيجة كان على الإنسان قبولها سلبا كانت أم إيجابا ، له أو عليه ، لأن النتيجة كائنة ما كانت هي نتيجة إلهية ومادام الفعل ، أي فعل ، إلهيا أصلا ، ولله حكمة تدق عن الأفهام ، وغايته لا تحصر ولا يحيط بها بشر ، فما تراه خيرا قد يكون شرا ، وما تراه شرا قد يكون خيرا ، والله يعلم والناس لا يعلمون ، وقال ابن عربي : من العصمة أن لا تجد.

فالتوكل السعي مع قبول حكم القضاء والقدر خيرا ، وشرا من الله تعالى.

٥٢ ، ٥٦ ـ (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ

٣١٦

يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦))

[التوبة : ٥٢ ، ٥٦]

التربص المآل بعد الانتظار ، والحسنيان تثنية حسنى التي هي مفرد الأسماء الحسنى ، فمآل الاسم الحسن إلى أحسن وهو الظفر بعلم الأسماء التي علمها آدم ، ولهذا كان مصير من استشهد ، حيا كان أو ميتا ، الظفر بجنان العلم ، في حين أن مآل الكافرين الشطر الآخر من الأسماء ، وهو الشطر الجلالي المنتقم الجبار.

٥٧ ، ٥٨ ـ (لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨))

[التوبة : ٥٧ ، ٥٨]

الملجأ والمغارات والمدخل اللجوء إلى أي سبيل يمكن أن يعتمده الفكر فرارا من الله ، وفرارا من الاعتراف به والتسليم له ، وهو أمر تعتمده الفلاسفة الملحدون ، فتراهم بكل واد يهيمون ، وأنهم يقولون ما لا يفعلون.

٥٩ ، ٦٠ ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ (٥٩) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠))

[التوبة : ٥٩ ، ٦٠]

الرضا بما آتى الله ورسوله الرضا بالحدس الذي هو صفة إلهية لقبول الفيوضات من عقر الذات ، وهي جنة الذات التي سماها جلا الدين الرومي شمس تبريز ، وقال إنها روح الروح ، وقال إنها العقل الكلي ، وهو ذهن كل عقل ، والعقل الجزئي يكون عقلا أيضا ، ولكنه عقل ضعيف.

٦١ ، ٦٣ ـ (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣))

[التوبة : ٦١ ، ٦٣]

الأذن كون النبي أداة بها تتحقق صفة الله السمع التي هي إحدى الصفات الإلهية السبع ، ولقد خلق الله هذه الصفة ليكون العالم كله أذنا له ، وبهذه الصفة يكون الله بكل شيء سميعا

٣١٧

عليما وكون النبي أذنا يعني تجسد الإنسان الكامل بصفة النبوة التي هي الكمال نفسه ...

فكلما ارتقى الإنسان في معراج الصفات كلما زاد تحقق الله بصفته السمعية به وفيه ، فيكون النبي أذنا لله ، يرى ويسمع ويحكم ، إنه هو السميع الحكيم.

٦٤ ، ٦٦ ـ (يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦))

[التوبة : ٦٤ ، ٦٦]

صفة المنافق أنه يخفي غير ما يظهر ، وصفته المستسرة الاستهزاء بالمؤمن ، وأنه هو الكافر على حق ، وأن المؤمن على باطل ، وبهذه الطريقة يكون الاستهزاء بالمؤمنين خفية وجهارا ، فإذا نزلت سورة تفضح حقيقة النفاق هذه خاف المنافقون وضجوا لأن السورة تظهر حقيقة ما في قلوبهم.

٦٧ ، ٦٨ ـ (الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨))

[التوبة : ٦٧ ، ٦٨]

ممثلو أسماء الجلال والبلاء هم تعينات الظلمات في الظلمات ، فبعض المنافقين من بعض ، والكل يحكمه خاطر الوسوسة والسوء فدينهم واحد ، وإلههم من طبيعة الإله الذي تحدث عنه سبحانه في سورة الكافرون قائلا : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣)).

٦٩ ، ٧٠ ـ (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠))

[التوبة : ٦٩ ، ٧٠]

لا فوز ولا ربح للكافرين ، إذ هم يشربون من البحر الأجاج ، وعاقبة شرب ذلك الماء وخيمة.

٧١ ـ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

٣١٨

وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١))

[التوبة : ٧١]

الوصف المقابل للمؤمنين والمؤمنات ، وهم تعينات الوجه النور والحق والجمال والآلاء ، ومصير هؤلاء إلى الرحمة كما قال تعالى في موضع آخر : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) [العنكبوت : ٦٩] فالرحمة هي مجموع السبل المؤدية إلى الله ومعرفته ورؤيته والتنعم بعطايا جنانه.

٧٢ ـ (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢))

[التوبة : ٧٢]

سبق وتحدثنا عن الجنات وطبقاتها ، وذكر عبد الكريم الجيلي في كتابه «الإنسان الكامل» هذه الجنات وعددها فقال : عددها ثمان ، وهي جنة السّلام أي جنة المجازاة ، وخلق الله هذه الجنة من الأعمال الصالحة ، تجلى الله فيها على أهلها باسمه الحسيب جزاء محضا ... ثم جنة الخلد وهي جنة المكاسب ، وهي ربح محض ، لأنها نتائج العقائد ، تجلى الله على أهلها باسمه البديع ... ثم جنة المواهب من اسمه الوهاب ، فلا يدخل هذه الجنة أحد إلا بهبة الله تعالى ، وهي الجنة التي قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها : (لا يدخلها أحد بعمله) ، فقالوا له : ولا أنت يا رسول الله؟ فقال : (ولا أنا ، إلا أن يتغمدني الله برحمته) ، وهذه الجنة هي المسماة في القرآن جنة المأوى ... ثم جنة الاستحقاق والنعيم والفطرة وهي لأقوام اقتضت حقائقهم التي خلقهم الله عليها أن يدخلوها بطريق الاستحقاق الأصلي ، أي رجعت روحهم من حضيض البشرية إلى الفطرة الأصلية ، وسقف هذه الجنة هو العرش ... ثم الفردوس ، وهي جنة المعارف وأهلها في مشاهدة دائمة ، فهم الشهداء ، أعني شهادة الجمال والحسن الإلهي ، قتلوا في محبة الله بسيف الفناء عن نفوسهم ، فلا يشهدون إلا محبوبهم ... ثم جنة الفضيلة وأهلها الصديقون وهي جنة الأسماء ثم الدرجة الرفيعة ، وهي جنة الصفات من حيث الاسم ، وهي جنة الذات من حيث الرسم ، وأهلها التحقق بالحقائق الإلهية ، وهي مقام إبراهيم الخليل ، رأيته قائما في يمين هذا المحل ناظرا إلى وسطه ، ورأيت محمدا عليه‌السلام في وسطه شاخصا ببصره إلى سقف العرش طالبا للمقام المحمود الذي وعده الله به ... ثم وأخيرا المقام المحمود ، وهو جنة الذات ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (المقام المحمود أعلى مقام في الجنة ، وإنها لا تكون إلا لرجل واحد وأرجو أن يكون أنا ذلك الرجل).

وفي جنة الذات يتم تبادل وجودي صرف بين صفات العبد وصفات الله حيث يتولى الله عبده فيصير سمعه وبصره ويده ورجله كما جاء في الحديث.

٣١٩

٧٣ ، ٩٢ ـ (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤) وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠) فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩) وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢))

[التوبة : ٧٣ ، ٩٢]

بين المسيحية والإسلام خلاف حول قضية الحرب والسلم ، فشعار المسيح السائد هو : (من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر) ، وقال أيضا : (أحبوا أعداءكم) ، وتعد المسيحية دين السّلام الداعي إلى عدم استعمال العنف ، وهي دعوة طبقها المهاتما غاندي أيضا.

٣٢٠